رواية سَلْ الغرام الجزء الثاني من رواية عزلاء أمام سطوة ماله بقلم مريم غريب الفصل "4" الرابع عبر مدونة دليل الروايات (deliil.com)
رواية سل الغرام بقلم مريم غريب |
رواية سل الغرام الفصل الرابع بقلم مريم غريب
_ عرض مقبول ! _
لم تنقطع "سمر" عن البكاء لحظة، بعد أن قام أخيها عن طاولة العشاء و إنسحب غاضبًا إلى غرفته.. أبت هي الأخرى أن تضع لقمة واحدة بفمها، و هربت إلى غرفتها أيضًا
كانت "ملك" تجلس إلى جوارها على السرير الوثير الجديد الذي إشترته منذ عودتها إلى المنزل، لم تكن تعرف سبب حزن أختها أو ماهية الخلاف الذي دب بينها و بين "فادي" قبل قليل
لكنها إستمرت في محاولاتها البريئة للتخفيف عنها، و لم تنفك تحتضنها من حينٍ لآخر و تمسح لها دموعها بأناملها الصغيرة.. ظلتا على هذا الوضع، حتى دق باب الغرفة فجأة ...
إرتعدت "سمر" مكفكفة دموعها في كميها بسرعة، و صاحت و هي تحاول إزالة آثار بكائها كلها :
-إدخل !
لحظة أخرى و ظهر "فادي" من وراء الباب ...
-صاحية يا سمر ؟ .. قالها "فادي" بلهجة محايدة
لم تجسر "سمر" على التطلع إليه و هي بهذه الحالة المزرية، خشت لو تنهار من جديد أمامه فتسوء نفسيته أكثر بسببها، فقالت بصوت شبه طبيعي و هي تتظاهر بالإهتمام بشقيقتها :
-آه يا حبيبي. كنت هاسرح لملك عشان تنام.. إنت إيه جوعت أحضرلك عشا تاني ؟
صمت "فادي" و لم يرد عليها.. فتح الباب عن آخره و نظر نحو "ملك" و هو يقول آمرًا بلطف :
-ملك لو سمحتي إطلعي إتفرجي على الكارتون بتاعك برا شوية.. عايز أتكلم مع أختك
حملقت "ملك" فيه ملء عيناها، ثم نظرت إلى "سمر" التي إبتسمت لها ببساطة ثم أومأت لها بمعنى أن تذعن لطلب أخيها ...
فعلت "ملك" ما قاله "فادي" و سرعان ما ركضت إلى الخارج بحماسة كي تشاهد أفلام الرسوم المتحركة الجديدة التي إشترتها لها أختها ...
يغلق "فادي" الباب من ورائها، ثم يمشي ناحية "سمر" بثبات.. كانت لا تزال مشيحة عنه بوجهها، فجلس على طرف الفراش إلى جوارها و إنتظر لثوانٍ، ثم قال مباغتًا :
-إنتي كنتي بتعيطي يا سمر ؟
هزت "سمر" رأسها نفيًا و غالبت توترها قائلة بصوت مختلج :
-لأ أبدًا. أعيط ليه بس ؟ ربنا ما يجيب عياط و لا زعل يا حبيبي
و شعرت بيده باللحظة التالية تمسك بذقنها، حبست أنفاسها عندما رفع وجهها ليقبض على نظراتها الدامعة بنظراته الثاقبة ...
فادي بنصف إبتسامة :
-عمرك ما عرفتي تكدبي عليا.. و لا هاتعرفي يا سمر
تسيل الدموع من عينيها في هذه اللحظة لا إراديًا، فيفقد "فادي" تماسكه و يجتذبها إلى صدره بيده السليمة و يضمها بقوة، بينما أخذت تجهش بالبكاء المر بشدة، و كأنها تفرغ كل الحزن اللا نهائي بداخلها و لا تفلح بالتخلص منه.. أبدًا مهما حاولت ...
-أنا السبب في كل ده ! .. تمتم "فادي" بصوت ملؤه الغضب و النقمة على نفسه
-أنا السبب في كل إللي حصل من البداية. من يوم ما لومتك و إنتي مالكيش ذنب على ظروفنا و خليتك تروحي برجليكي للنار.. و لما ربنا سترها عليكي و بدأت حياتك تبقى طبيعية طلعت أنا في وشك تاني و بوظتهالك للمرة التانية بحجة عجزي. أنا مش عايش إلا عشان أخرب حياتك يا سمر. أنا بقيت متأكد أكتر من الأول إن حياتي مالهاش أي لازمة و لا وجودي له قيمة في حياتك أو حياة ملك
غمغمت "سمر" منتحبة دون أن تفلت من بين أحضانه :
-ماتقولش كده. أنا فداك.. فداكوا إنتوا الإتنين. أنا عملت كل حاجة عشانكوا. أنا ليا مين في الدنيا غيركوا بس ؟!!
فادي بجمود : إبنك ! إبنك و جوزك يا سمر.. أنا آسف إني سرقتك منهم كل المدة دي. آسف إني كنت أناني و إستغليت الفرصة عشان أعاقب جوزك بيكي و نسيت إن إبنك هو إللي هايتظلم في النص. آسف يا سمر.. سامحيني على كل حاجة وحشة حصلتلك بسببي. جايز إللي جرالي ده عقاب من ربنا عشان أنا إللي جنيت عليكي و علينا كلنا !
-لأ يا فادي ! .. هتفت "سمر" من بين أسنانها معترضة
إرتدت للخلف ممسكة بكفه بكلتا يداها و هي تستطرد :
-إوعى تفكر في كده. إللي حصلك ده مقدر و مكتوب. مالوش علاقة بإللي حصل.. و بعدين أنا إللي غلطت. أنا إللي إتصرفت بغباء و ضيعت نفسي أول مرة. إنت مالكش دعوة بحاجة !
و تابعت بلهجة خاضعة :
-و لو على إبني فهو مش لوحده يعني.. معاه أيوه و جدته. عايش وسط أهله أحسن عيشة. هاعوزله إيه أكتر من كده ؟ أنا مقدرش أتخلى عن حد فيكوا. لا عنه و لا عنك. عشان كده بحاول أكون معاه بإستمرار منغير ما أقصر في حقك يا حبيبي. أنا أشيلك في عنيا و في قلبي عمري كله
إبتسم "فادي" لها، ثم قال و هو يحيط جانب وجهها بكفه :
-أنا طبعًا مهما أقول مش هاعرف أوفيكي فضلك. متشكر أوي يا سمر.. أنا تعبتك معايا كتير و عذبتك
كادت تفتح فمها لتحتج على كلامه من جديد، فوضع إصبعه فوق شفاهها قائلًا بصرامة :
-إنتي لازم تسيبيني و ترجعي لجوزك و إبنك و تكملي حياتك إللي وقفت بسببي.. و قبل ما تردي على كلامي و تعترضي على أي حاجة قولتها. أنا موافق على حوار الجواز ده
حملقت فيه مشدوهة، فأردف مؤكدًا إنما بلهجة لا تخلو من التهكم المرير :
-شوفي كده مين دي إللي ممكن تقبل بظروف واحد زيي. لو لاقتيها مش هاخبطها زي ما قولتي.. هاتجوزها فورًا !
رواية سَلْ الغرام
جلس كلًا من "عثمان" و "صالح" إلى مقعدين متجاورين، بينما يجلس مقابلهما ذلك الرجل المهيب ذو اللحية السوداء الكثة المشذبة بعناية، و "مراد" الذي ما زال صامتًا حتى الآن و لم ينطق بحرف ...
هذا السكون الثقيل قد بدأ يوتر الأجواء، حتى أن بعض تململ أصاب "صالح" و شعر بأنه قاب قوسين أو أدنى من فقدان سيطرته على نفسه.. إلا أن صوت المدعو "أدهم" سرعان ما برز قالبًا موازين الجلسة إلى صالحه فقط ...
-منورين مكاني المتواضع يا سادة ! .. قالها "أدهم" بصوته القوي مزيدًا الترحيب بضيوفه
رد "عثمان" التحية بنفسه و نيابة عن إبن عمه الغضوب :
-بنورك يا دكتور أدهم. متشكرين أوي على حسن إستقبالك لينا و خاصةً إننا أغراب عنك
أدهم معاتبًا بحليمية :
-عيب تقول كده يا أستاذ عثمان. مراد ده يبقى إبن عمي حتى لو مش بنشوفه إلا كل كام سنة مرة .. و ضحك مكملًا :
-و حضرتك تبقى صاحبه و صديق عمره زي ما حكالي. يعني تقريبًا بقيت مننا و علينا زي ما بيقولوا
-صحح كلامك يا أدهم من فضلك ! .. صاح "مراد" بحدة فجأة
تركزت الأنظار عليه، ليتابع بنفس الإسلوب :
-الصداقة دي كانت في الماضي و خلاص خلصت.. أنا صحابي رجالة. مش زبالة و أنجاس زيه !
يتمالك "عثمان" أعصابه بصعوبة عندما سمع هذا الكلام يخرج من فم صديقه المقرب لأول مرة، بينما يلتفت "أدهم" نحو "مراد" موبخًا :
-مراد ! إحنا قولنا إيه ؟ القاعدة دي إتعملت عشان نحل الموضوع مش نعقده و نجرح في الناس كده منغير ما نفهم كل حاجة كويس
مراد بسخرية : إنت فاكر إن ده بيتجرح ؟ ده أبرد من لوح التلج. ده يجيبلك شلل و إنت قاعد صلى عالنبي يا أدهم إنت ماتعرفوش أدي
أدهم بهدوء : عليه الصلاة و السلام.. يا سيدي طبيعي ماعرفوش و إنت تعرفه أكتر مني عشان صاحبك. بس لازم نتكلم و نتناقش بالمعروف. دي مش طريقة يا مراد إهدا عشان تفهم
يقطب "مراد" جبينه بشدة مغمغمًا :
-أنا مش طايقه. مش طايق أي حاجة تيجي من ناحيته. و مش عارف يا أدهم إنت صممت على القاعدة دي ليه ؟ ده واحد قذر عايش طول عمره في نجاسة و قرف و ماستبعدش أبدًا إنه يكون غوى بنت عمه و إنهم إستغفلوني هما الإتنين
في هذه اللحظة لم يستطع "صالح" كبح نفسه أكثر، فقفز واقفًا لينقض على "مراد" بلمح البصر، فيكيل له الضرب و اللكمات العنيفة ...
يهب على الفور كلًا من "عثمان" و "أدهم" للحؤول بينهما، و رغم أن ذلك كان صعبًا بادئ الأمر خاصةً و أن "مراد" إستطاع أن يتغلب على "صالح" في لحظة و كاد ينال منه.. ألا أن "عثمان" حال دون ذلك و أمسك بتلابيب إبن عمه و إجتذبه بعنف صائحًا :
-تعالى هنـــا ! إنت إتجننت ؟ إثبت. إرجع مكانك و إوعى تتحرك سامعنـــي ؟ يا إما تنزل تستناني تحت !
يتراجع "صالح" مذعنًا لأمر "عثمان".. لكن ما زال غضبه يتفاقم، فيدس يده يجيب سترته و يخرج قارورة الكحول الفضية التي يحملها دائمًا و بدون مقدمات يفتحها و يفرغ منها بقوة داخل جوفه ...
بنفس اللحظة "أدهم" يترك "مراد" بعد أن ضمن سيطرته على نفسه، يلتفت فيرى "صالح" يتجرع هذا الشيء، فتجحظ عيناه و هو يصيح بلهجة مهددة :
-إنت بتشرب إيه يا بيـه ؟؟؟
أبعد "صالح" القارورة عن فمه، لينقل نظراته بينها و بين ذاك الذي أطلق سؤاله الساذج بالنسبة إليه، ثم يرد بمنتهى البساطة :
-تيكيلا !
-خمـــرة !!! .. هدر "أدهم" بغضب شديد
-بـــراااااا. إطلعوا بـــراااااااا كلكوا !!!
حاول "عثمان" أن يهدئ "أدهم" عبثًا لم يستطع التفاهم معه، إذ كان مصممًا على طردهم و بدا أن لا نقاش سيجدي معه.. ورغم شدة إضطراب "عثمان" إلا أنه أصر ألا يخرج من هنا إلا بالحل النهائي، فهداه عقله إلى تصرف يرضي مضيفهم
ليلتفت نحو إبن عمه بوجهه المحتقن غضبًا، يدفع به إلى خارج الغرفة بطريقته الهمجية ليخفف من غضب "أدهم" عليهم.. و هكذا طرد "صالح" و أمره بالبقاء في الأسفل ريثما يهبط إليه، ثم عاد إلى المجلس الصغير و قال و هو يعدل هندامه الذي تشعث كليًا إثر هذه الفوضى :
-إللي إنت عايزه ياكتور أدهم.. ماتزعلش نفسك. صالح مشي خالص. ممكن بقى نتكلم في المفيد ؟ أنا سامع !
أغمض "أدهم" عيناه مطلقًا زفيرًا مشحونًا و قال بجفاف شديد :
-أستغفر الله.. بص يا أستاذ عثمان. إنتوا بصراحة ماتشجعوش على أي نقاش. لسا ردود أفعالكوا هوجاء و طايشين و ده ماينفعش. إذا كنت إنت و لا إبن عمي إنتوا الإتنين غلطانين !
عثمان بصلابة : أنا مش جاي أسأل مين الغلطان يا دكتور. أنا جيت عشان حضرتك كلمتني و قولتلي جايز الموضوع يتحل.. أنا عايز أعرف بقى هايتحل إزاي ؟؟؟
صمت "أدهم" قليلًا يستجمع عقلانيته كاملةً، ثم أشار نحو "مراد" قائلًا :
-البيه ده لسا بيحب بنت عم حضرتك و عايزها و ندمان على إللي عمله. سيبك من كلامه ده. أنا متأكد من إللي بقوله هو بس كان رافض يصارحني عشان رجولته ناقحة عليه أوي !
عقد "عثمان" حاجبيه ممعنًا النظر بكلماته، تطلع إلى صديقه فوجده يجلس نفس الجلسة المتوترة و منكمشًا على نفسه بطريقة مضطربة ...
بعد تأمله لبرهة بدأ يقتنع بأقوال "أدهم" نوعًا ما، لكنه عاد يقول له بجدية :
-الكلام ده جميل. و من ناحيتي أقسملك بالله إن مافيش حاجة حصلت بيني و بين بنت عمي و إنها طول عمرها زي أختي. و طبعًا رجوعها لمراد شيء هايبسطنا و يريحنا كلنا.. بس إزاي يا دكتور ؟!!
أدهم بجدية مماثلة :
-ده إللي كنت عاوزك فيه.. مراد زي ما قولتلك رافض يصارحني. هو قالي إنه طلقها أكتر من مرة. بس بيلف و يدور عليا مش عايز يقولي كام مرة بالظبط
-3 مرات يا دكتور ! .. أجابه "عثمان" بصرامة
عبس "أدهم" قائلًا بلهجة متشددة :
-متأكد ؟!
أومأ "عثمان" : متأكد
و هنا ساد صمت مريب، فتململ "مراد" قلقًا و رغمًا عنه تطلع نحو "أدهم" منتظرًا رده.. فلم يجعله ينتظر طويلًا ...
-كده يبقى الموضوع منتهي !
مراد بتوتر : يعني إيه منتهي يا أدهم ؟!!
نظر "أدهم" له و قال بصوته القوي :
-يعني خلاص متحرمة عليك يا مراد. لازم محلل.. و المحلل عندنا في الدين لو بغرض الرجوع للزوج الأولاني محرم لقول النبي صلى الله عليه و سلم: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ»،
-طيب ما هو زواج المحلل مش محرم يا دكتور ! .. قالها "عثمان" مستفهمًا
إلتفت "أدهم" إليه، ليكمل موضحًا :
-في ناس كتير بتعمل كده. أعتقد إنه شيء مكروه في الدين لكن مش محرم !
رفع "أدهم" حاجبيه مدهوشًا من تفكيره و جداله حتى بعد أن آتاه بالبينة ...
أراد أن يبرهن له أكثر على صحة كلامه، لكنه أمسك بآخر لحظة و عوض ذلك قال بغلظة :
-حتى لو ده ينفع.. أعتقد مافيش راجل يقبلها على نفسه !
عثمان بتساؤل : يقبل إيه بالظبط ؟ الجواز ؟ و مين الزوج و لا المحلل ؟!!
أدهم بحدة : الإتنين. و بعدين ده مش مجرد جواز على ورق.. شروط المحلل عشان ترجع للزوج الأول ماتطلقش "حتى يذوق عُسيلتها و تذوق عُسيلته".. ده حديث عن النبي بردو
مراد بقلق أكبر:
-يعني إيه الكلام ده يا أدهم ؟؟!!!
نظر "أدهم" إليه من جديد و فسر له بمنتهى الصراحة :
-يعني المحلل ده لازم يدخل عليها يا رايق عشان ترجعلك !
جحظت عيني "مراد" بصدمة و ما لبث أن نقل ناظريه نحو "عثمان" و كأنه أخيرًا يناشده الحل و المساعدة ...
إلا أن "عثمان" لم يكن هنا أبدًا، كان يفكر بعمق... بمسألة حساسة جدًا للغاية !