رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية "رتيل وعبدالعزيز" للكاتبة طيش البارت الأخير كامل للقراءة والتحميل عبر مدونة دليل الروايات (deliil.com)
رواية رتيل وعبدالعزيز البارت الاخير
تَعيشُ أنْتَ وَتَبقَى
أنَا الذي مُتُّ حَقّاً
حاشاكَ يا نورَ عيني
تَلْقَى الذي أنَا ألْقَى
قد كانَ ما كانَ مني
واللهُ خيرٌ وأبقى
ولم أجدْ بينَ موتي
وبينَ هجركَ فرقا
يا أنعمَ الناسِ بالاً
إلى متى فيكَ أشقى
سَمِعْتُ عَنكَ حَديثاً
يا رَبِّ لا كانَ صِدْقَا
حاشاكَ تنقضُ عهدي
وعروتي فيكَ وثقى
وما عَهِدْتُكَ إلاّ
من أكرَمِ النّاسِ خُلْقَا
يا ألْفَ مَوْلايَ مَهْلاً
يا ألْفَ مَوْلايَ رِفْقَا
لكَ الحياة ُ فإني
أمُوتُ لا شَكّ عِشْقَا
لم يبقَ مني إلاّ
بَقِيّة ٌ لَيسَ تَبْقَى
ـ بهاء الدين زهير.
شحَب لونُها من الأرق والبُكاء، إلتفتت لتنظر إلى غادة الغارقة بالتفكير، أخذت نفس عميق لتقف وتجلسُ بمقابلها : ليه ما نمتي؟
غادة : مافيني نوم
ضيَ : سمعتي عبير بنفسك، قالت أنهم بخير الحمدلله بس هالمرَة شكله شغلهم مطوَل،
غادة بعينٍ تدمَع وبكلمةٍ مكسورة تعبرُ صوتها بعكازة البحَة : بتطمَن بشوفتهم، مشتهية أفرح، كل مافرحت صارت مصيبة لين بديت أخاف حتى من إحساسي بالسعادة، ودَي بس لو مرَة تتم اموري بدون لا يطلع لنا همَ جديد
ضيَ وضعت كفَها فوق كفَ غادة الدافئـة كعينيْها بهذه اللحظة، سُبحان من خلق هذه العينيْن ودقَتها، وأقتبسَها من عينيَ عبدالعزيز بذاتِ الدقَة، إن عيناهُم ـ قتَالة ـ بالوَجع، وأنا أشعرُ برعشة حزنهم، أن تقف بالمنتصف دون أن يجاورِك أحد، لا أُم تُخفف وطأة الحياة على قلبِك ولا أبَ يقرأ على رأسِك ـ آيات السكينة ـ كلمَا تزعزع أمنك، الوِحدة أن تكون الشمسُ فوقنا تحرقُ أجسادنَـا وتُبقي الروح بارِدة / مرتجفة. من يُدثَر الروح؟ لا شيء كقُرب الحبيب، أشعرُ بِك يا غادة وبهذا الحُزن المصطَف في رمشِك.
غادة بصوتٍ مخنوق : يا رب رحمتِك
ضيَ بإبتسامَة ناعمة مسحت دمعُ غادَة بأطرافِ كفَها : نامِي وارتاحي، وإن شاء الله الصباح يجينا خبر حلُو، أدري إنك تحسين بالوحدة هنا لكن كلنا جمبك، وعبدالعزيز يهمَنا والله
غادة بلعت ريقها بصعُوبة ومحاجرها تكتظَ بالدمع : بحاول أنام . .
ضيَ نظرت لعبير التي نامت أخيرًا وشعرُها المبعثر يُغطي نصف ملامحها، اقتربت منها لتُغطيها جيدًا بالفراش، وضعت يدها على بطنها، تجمدَت خُطاها اول ما شعرت بإهتزازته وحركته الخافتة في رِحمها، قفزت الإبتسامة إلى شفتيْها ودمعة رقيقة تعبرُ خدَها الأيمن.
هذه الأمومة تأتيني بفرح أكثرُ مما أستحق، لا أدري كيف أجازي هذه السعادة بشُكرٍ يليق بالله! أنا ممتنة حتى للأيام السينة التي جعلتني أشعرُ بحركة أبني، ممتنـة للحياة الناعمة التي تجيئني كلما تذكَرت أنني / أحملُ طفلاً في أحشائي، لو انَك معي يا عبدالرحمن الآن؟ لو أنَك تشعرُ بزوجتك وحبيبتك و إبنتك أيضًا! لو أرى عيناك وهي تبتسمُ لحركاتِه في بطني، ليتني أراها الآن وأشرحُ لك مقدار الحزن في بُعدِك ومقدار موْتِي في غيابك، يالله يا عبدالرحمن! تمكَنت من قلبي حدُ اللا حد.
---
في الصبَاحِ الباكر، على بُعدِ بُضع كيلومترات من حائل، إلتفت لمنصور : نريَح شوي ولا جاء الظهر رحنا لهم
منصور : إيه شف لك أيَ فندق على الطريق ننام كَم ساعة
علي وضع يده على فمه وهو يتثاءب : جاني النوم، تعال سوق بدالي لين نلقى لنا فندق
منصور : لا تكفى واللي يرحم والدِيك ميَت أبي النوم
علي : الله لا يبارك في العدُو، كله بيوت ماهنا فندق!!
منصور : إذا مالقيت شف لك أيَ ظلال وأوقف عندها، ننام بالسيارة لأن طاقتي طفَت
علي : شف الجو غيم! شكلها بتمطر . . الله يرزق الرياض المسكينة
منصور : قبل كم يوم مطرت الرياض
علي : قصدِك رشَ!! ووقف بعدها . .
منصور تنهَد : يالله عاد الحين نستلم تحليل مناخ السعودية منك وبنجلس طول الصبح كِذا
علي إبتسم : والله ناقصنا يوسف كان حلَلك المناخ صح . . . . لحظة لحظة . . فتح شُباك منصور ليقف عند إحدى الرجال : السلام عليكم أخوي
: وعليكم السلام
علي : وين نلقى فندق قريب؟
: خلَك سيدا لين يلفَ فيك الشارع يمين ثم بتَل سيدا بتلقى دوَار لفَ من عنده يسار وبيوضح لك فندق بنهاية الشارع
علي : مشكور ما تقصر . . .
في الرياض بمثل هذا الوقت كان يوسف جالس بسيارته ينتظرهم وعيناه المُتعبة تُغطيها النظارة الشمسية، ومع طُولِ إنتظاره بدأت أفكاره تنشغل بلسعِ قلبه. هيَ لم ترى فيني إلا زوجًا مؤقتا من السهل عليها أن تنفصِل عنه، وأنا لم أرى بها إلا حياةً من الصعب عليَ أن أدفنُها، وإذا دفنتُ أرضها كيف أهدمُ سماءها؟ كيف أتجاهل آثارُها الباقيَة في قلبي؟ وكيف ألمَ الحُطام الذي خلفتهُ وأنساها؟ تُمارسين يا مُهرة معي أشدُ انواع العذاب، لا أدرِي كيف استطعتِ أن تحملين ذنب غيرِك من أجل الدفاع عن أفكار والدتِك وأنا؟ من يُدافع عن قلبي؟ أنا الذي رضيتُك قناعتي بهذه الدُنيـا، وأنتِ البسيطة الناعِمة التي كان النُور يقفُ بعينيْها كلمَا حاوْلنا أن نُعتمك، ولكنكِ الآن ترتضين بهذه العُتمة؟ وأنا الذي عهدتُكِ قويَة تقمعُ الظلام بيديْها؟ أين العهدُ؟ وأين ميثاقه؟
دخلت أم فيصل : السلام عليكم
يوسف : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ريف بشقاوة قفزت لتجلس بين الكرسيْيَن الأماميَان وتنظرُ ليوسف، إبتسم لها وهو يقبَلها ويستنشق رائحتها الجميلة : كيف ريف ؟
ريف تُقلد نبرة الكبار : الحمدلله
أم فيصل بهدوء : ريف . .
يوسف : خليها عندي . . شلونك يا أم فيصل ؟
أم فيصل : بخير الحمدلله
ركبت هيفاء . . السلام عليكم
يوسف : وعليكم السلام . . . أجلس ريف بجانب هيفاء في الأمام : لا تتحركين
ريف التي تحتضن عروستها الصغيرة: طيَب
حرك سيارته مُتجهًا إلى المستشفى، وبظرفِ زمنٍ قصير ركنها في الأماكن المخصصة. نزَل ويدِه تُمسك بيَدِ ريف ومن خلفِه هيفاء و أم فيصل، صعدَا للطابق الذي يحتوي على جناحه.
صادفه الدكتور الذي أصبح صديق يوسف من أحاديثهم المكررة : يوسف ..
إلتفت عليه : صباح الخير
الدكتور : صباح النور . . عندي لك خبر حلُو
يوسف : بشَر
الدكتور : فيصل فتح عيونه وصحى، حتى تكلم معانا . . توَنا خلصنا من فحصه وتأكدنا من وعيْه التام بكل الأمور اللي حوله . .
أبتهلت عينُ والدتِه المتلهفة له، يا رحمة الله التي لا تتركنا أبدًا، وحين قُلت ـ يالله لا أقدر على رؤيته مريضًا ـ كان الجواب إستيقاظه، يا ـ روح أمك ـ التي تشتاقُك كلما باعدت بجسدِك الطرق الطويلة وأبقيْت قلبك حاضرٌ معنا، يا ـ ريحة الغالي ـ و يا السعادة التي تحتضر إذا تعبت، أمرُ مرضك ليس عاديًا، هذا المرَض تنزفُ له أرواحنا و ربَك يشهدُ على بكاءنا و غرقنا، يالله عليك يا فيصَل إن حمَلت الوجَع بجسدِك و أوجعتنا به نحنُ الذين نسكنُ صدرك ونرى الحياة بعينيْك من الطبيعي أن نفقدُ توازن الحياة بعُتمة حضورك.
يوسف رفع نظارته ليضعها فوق رأسِه : ياربي لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك . . . سار بإتجاه غرفته ليفتحها بهدوء، ركضت ريف أولاً ليتبعها يوسف بإبتسامةٍ شاسعة : الحمدلله على السلامة . . حيَ بو عبدالله وحيَ هالوجه
فيصل الذي يشعرُ بثقل لسانِه، حاول أن يلفظها بإتزان ولكن خانه إتزانه واكتفى بإبتسامَة.
ريف تتأمل الأجهزة بإندهاش كبير وهي التي لم تدخل غُرفةً كهذه مُسبقًا، دارت حول نفسها فوق الكرسي الذي وقفت عليه : يعوَرك؟
فيصل هز رأسه بالرفض دون أن ينطق شيئًا. ريف بحركة سريعة جلست على السرير المرتفع بجانبِ رأسه بسبب قُرب الكرسي منه، أنحنت عليه لتُقبَله أسفل عينه اليُمنى، فيصل بتعَب واضح بحركاته الثقيلة، وضع ذراعه خلف ظهرها ليُقبَل خدها بإبتسامة ضيَقة.
اقتربت منه والدتِه وهي تُخلخل يدَها بيدِه الباردة : الحمدلله على السلامة يا أبُوي
يوسف اقترب هو الآخر ليحمل ريف حتى لا تُضايقه بحركتها . . قفزت على يديْه لتُمسك بيده وتخرج معه : هوْ مريض حيل ولا نص ونص ولا شويَة؟
يوسف يسير معها في الممر : شويَة، بس هو كان يبي يشوفكم الحين بنرجع له وتجلسين معه، بس قولي دايم الله يشفيه ويخليه وبيصير طيَب
---
ريف بشقاوة نبرتها : الله يشفيه ويخليه . . الله يشفيه ويخليه . . الله يشفيه ويخليه . . الله يشفيه ويخليه . .
يوسف لم يتحمَل فتنة صوتها الطفولي، حملَها بين يديْه ليغرقها بقبلاته : بآكلك مالي شغل
صخبت ضحكات ريف، يوسف أبعدها بإبتسامة : إذا جتني بنت بسمَيها ريف
ريف رفعت حاجبيْها : لا أنت بتسمَيها تهاني
يوسف بضحكة : ماشاء الله تبارك الرحمن، تتذكرين؟
ريف : إيوا قلت لي مرَة إنك تحب تهاني
يوسف إبتسم : بنتي الثانية بسمَيها ريف، أنا بكثَر نسل الأمة إن شاء الله
ريف لم تفهم كلماته : وشو نسل؟
يوسف : يعني بجيب بنات كثير وعيال كثيير . . بتصير عايلتنا كبيرة
ريف : لااااا مو حلو، بس بنت وحدة و ولد واحد
يوسف : ليه مو حلو؟ ماتبين عايلتنا تصير كبيرة؟ وفيصل يجيب عيال كثيير بعد
ريف بغيرة : لااااااا أنت تجيب كيفك بس فيصل لا
يوسف بضحكة : ليه فيصل لا ؟
ريف : فيصل ليْ بروحي أنا وهيفا وأمي
عندهُ، أجهشت عيناها الحانية بالدمع، فيصل عقد حاجبيْه وتزداد صعوبة حديثه : يمَه
والدته : يا عيونها . . لا تتعب نفسك بالكلام . . أنحنت وقبَلت جبينه حتى سقطت دمعة عليه . . الله لا يفجعني بس ولا أبكيك
هيفاء نزعت نقابها وهي تقفُ بنهاية السرير، كانت تنظرُ إليْهما دون أن تتحدَث بكلمة.
والدته : البيت بدونك ما يسوى، فقدناك كثيير
فيصل أكتفى بإبتسامة أمام مشقَة الكلام، وملامحه تزدادُ إصفرارًا بالشحُوب، كان هذا أقسى ما واجههُ طوال عُمره، أن يواجه الموت بعينٍ مفتوحة، وهو يُدرك أن لا رجلاً من بعدِه عند والدته، خاف كثيرًا من وحدَة تُصيب امه ومن حُزنًا يُصَب في قلبه، أدرك معنى درويش في قوله " وأعشق عُمري لأني إذا متَ أخجلُ من دمع أمي "، أول ما أستيقظ في ساعات الفجر الأخيرة ضلَ لثوانٍ ودقائق يتأمل المكان دون أن يصدر حركة ما، أسترجع الأحداث الأخيرة و ـ يمَه ـ التي بحثت عيناه لموضعٍ يطمئن به عليها، إلى أن دخل الممرض وتفاجئ من إستيقاظه، اقترب منه وهو يضع يده على عينيْه ليتأكد من وعيْه، لم يكن يُدرك ماذا يفعل الممرض ولكن أراد أن يرى والدتِه، همس ببحَة قاتلة : يمَه . . ليأتِه صوت الممرض : الحمدلله . . خرج ليُنادي الدكتور.
أعادتهُ والدته بصوتِها ونظراتها التي تملؤوها اللهفة، أعادتهُ لواقعِه وبترت أفكاره : طول الليل وأنا أدعي إني ما أشوفك بحالة سيئة، الحمدلله إنك صحَيت ومنَ الله عليك بالعافية، كل شي يهون دامك تحس فينا وباللي حولك . .
فيصل أحمرَت عيناه بدمعٍ مخنُوق، نظرات والدته تكسرُه جدًا وتكسرُ حتى حصون هيفاء وتُبكيها.
والدته تمسحُ ملامحه ودمعته قبل أن تسقط، إبتسمت : الحمدلله إنك بخير . .
فيصل أغمض عينه لثوانٍ طويلة حتى تتزنُ محاجره وتُبخَر دمعه، فتحها والإبتسامة تُحيي شحوبه : الحمدلله . . . نظر إلى هيفاء الواقفة بعيدًا عنهما.
والدته إلتفتت عليها : تعالي أجلسي أنا بروح أشوف ريف . . خرجت وتركتهما حتى لا تُضايقهما وبالحقيقة كانت تُريد أن ترتاح من حشد الدموع المحتبسة بداخلها ولم توَد أن يراها فيصل بهذه الحالة.
اقتربت هيفاء منه وجلست بجانبِه ويديْها تتشابك بنقابها المتوسَط حضنها، دون أن ترفع عينها الباكية له.
فيصل مدَ يدِه إليها.
كيف أُخبرك يا فيصل بأن نظرةٌ مِنك تُعيد هذا الإتزان و التوازن في الحياة، يا رب لا تجعلني أراه حزينًا أو تعيسًا أبدًا، لا قُدرة لي على تحمَل دموع الرجَال التي تُفقد قلبي وعيْه، كيف لو كان الرجُل / أنت! أشتقتُك كثيرًا، لو تدري أنني ملكتُ الكوْن هذا الصباح برؤيتك، لم أفقد أملي بشفاءِك أبدًا، ولكنني كنت أنتظر بلهفة أن أراك تُبادلني النظر.
وضعت يدها في يدِه، قرَب كفَها من شفتيْه التي قبَلتها بعُمق جعل عيناها تصبَ انهارًا من الدموع.
فيصل : لا تبكين
هيفاء بين دمعٍ مالح يضيقُ بحنجرتها نطقت : غصبًا عني، كنت راح أموت لو صار لك شي، كل ليلة أحلم فيك وأشوف نفس الصورة اللي شفتها ذيك الليلة يوم كنت على الأرض ودمَك يغرق فيك، خفت! . . من إني أفقدك! وخفت على أمك بعد . . .
فيصل شدَ على يدَها وكأنه يُريد أن يُخبرها بأنه ـ بجانبها ـ دائِمًا، أراد أن يتحدث بكلماتٍ كثيرة ولكنه صوتَه الضعيف يندَس بصدره.
هيفاء : الحمدلله إنك بخير . . الحمدلله، أمس كنت أبكِي لأنك ما تحس في وجودي واليوم تكلمني! وش كثر سعادتي فيك يا فيصل
فيصل بلع ريقه بصعُوبه وهو يُغمض عينيْه من حدَة حنجرته الجافَة، هيفاء شعرت به : لا تقولي شي، يكفيني أشوفك ويارب تقوم لنا بالسلامَة
---
تقلب كثيرًا وهو يحاول العودة إلى النوم ولم يستطِع، وقف وأخذ هاتفه ليخرج من الغرفة، اتصل على ياسر الذي تحدَث معه في بداية علاج تُركي : السلام عليكم
ياسر : وعليكم السلام . . مين معاي؟
عبدالمحسن : عبدالمحسن خالد آل متعب
ياسر : يا هلا والله . . بشرَنا عنك ؟
عبدالمحسن : بخير الحمدلله . . أتصلت عشان أتطمن على حالة تُركي
ياسر : تُركي من أسبوع هو بالسعودية
عبدالمحسن لم يتوقع ولا للحظة أن ما رأته الجوهرة حقيقة : عفوًا؟
ياسر : تُركي عندكم
عبدالمحسن : كيف يطلع بدون إذن مني؟
ياسر : با بو ريَان ماعاد له حاجة بالجلوس أكثر، أنا بنفسي حجزت له تذكرته وعلى مسؤوليتي
عبدالمحسن بغضب : فيه قوانين بالمستشفى صح كلامي ولا غلطان؟
ياسر : تُركي عرف غلطته ومحتاج وقفتك ويَاه الحين
عبدالمحسن : بس ماكان لازم يطلع بدون علمي
ياسر بهدوء : أعتذر منك لكن أنا سويت اللي شفته صح، راح أرسلك رقمه الجديد الحين وأتمنى أنك تكلمه
عبدالمحسن بعصبية أغلق الهاتف دون أن يُجيب عليه بكلمة، إتجه ناحية غُرفة الجوهرة ليفتح الباب بهدوء ويطلَ عليها، كانت نائمة بهدوء وسكينة لا يُزعزعها شيء، اقترب منها لينحني بقُبلة رقيقة على رأسها، أبعد شعرها المبعثر من وجهها وضلَ يتأملها لوقتٍ طويل حتى خرَج.
نظر إلى شاشة هاتفه التي تُضيء برسالةٍ جديدة، نزل للأسفل متجهًا إلى المجلس الخارجي.
جلس لثوانٍ طويلة يتأمل الرقم دون أن يضغط عليه، ثانية تلو الثانية حتى اتصل، أتى صوتُه الضيَق : ألو
عبدالمحسن لم يظنَ أبدًا أن صوته العائد يُقيم الحنين في قلبه : السلام عليكم
طال صمتُ تركي بعد أن سمع صوته، حتى نطق : وعليكم السلام
عبدالمحسن : الحمدلله على السلامة
كانت إجابات تُركي لا تجيء سريعًا، كانت الربكة واضحةٌ في نبرته : الله يسلمك
عبدالمحسن : وينك فيه؟
تُركي بلع ريقه بصعوبة : بفُندق
عبدالمحسن : أيَ فندق؟
تُركي : ليه؟ . . والله ماني مقرَب لكم بشي وبطلع من حياتك كلها
عبدالمحسن : أبي أشوفك
تُركي برجاء : عارف وش بتسوي! لكن والله ما عاد راح أقرَب لكم! وإذا تبيني أطلع من الشرقية بكبرها راح أطلع وأروح لأيَ مكان ثاني . .
عبدالمحسن : تُركي! قلت أبي أشوفك . . أرسلي العنوان بسرعة، بنتظرك دقيقتين وأشوف العنوان عندِي . . أغلقه وضاق قلبُه بصوتِه المتوسَل الذي يظن بأنه سوف يتعرَضُ له.
---
دخل رائِد ومعه آسلي ليتوسَط المكانِ أمامهم، إبتسم بإنتصارٍ لذيذ لرُوحه وهذه الضربة التي ستقصُمُ ظهورهم، جلسَ أمامهم : طبعًا عشان أضمن حقي بعد، راح أوقَعكم ولو حاولتوا تغدرون فيني بطلَع هالورقة وأقول شوفوا! حتى هُم شركاء معي . .
عبدالرحمن عقد حاجبيْه : وين ناصر؟
رائد إبتسم بإستفزاز : بالحفظ والصون طمَن قلبك . . بس نخلص إجراءات عقدنا بالأوَل
آسلي ذو الملامح العربيَة رُغم بياضِه الذي يميلُ للشقَار، دون أن ينطق كلمةٍ واحدة فتح الملفات ووزعَ الأوراق على الطاولة، نظر سلطان إليْه بنظراتٍ متفحصَة مُدققَة.
دخل فارس،و نظر إلى والدِه بنظرةٍ أراد أن يُنفذ بها رجاءه بأن لا يضرهم و جلس على الكُرسي الذي خلف مكتبِ رائد.
رائد يُمسك القلم ويوقَع على الورقة تلو الورقة، والإبتسامة لا تُفارق محيَاه، رفع عينه لعبدالمجيد : دُورك
عبدالمجيد بإستجابة لأمره، إتجه إليه وأخذ الأوراق ليوقَعها، وضعها على الطاولة ليأتِ الدور على عبدالرحمن الذي لا يدري بأيَ هم يُشغل تفكيره ومن كل جهة يهجم على جسدِه هم جديد، أنحنى ليوقَع ويشترك بعمليةٍ مُحرمة قانونيًا.
أخذ سلطان القلم منه و وقَع هو الآخر كشريكٍ في هذه المُهمة، رمى القلم على الطاولة ليُلقي بنظرةٍ متوعَدة في وجه رائد.
رائد بإبتسامة : شرفتوني يا شُركائي، مدري من دونكم وش كان راح يصير!!
عبدالعزيز دُون أن يُبالي بما يحدث : وين ناصر؟
رائد : ناصِر؟ . . بيجيك لا تخاف
عبدالمجيد بحدَة : رائد! طلَع ناصر
رائد بضحكة : قلت لكم بيطلع! هدَوا . . بعدنا ما تناقشنا ببنود إتفاقنا
عبدالرحمن : ما عاد باقي بيننا كلام! طلَع ناصر بسرعة
عبدالمجيد نظر إلى آسلي بنظرةٍ أثارت الريبة في نفس رائد، آسلي وقف وهو يُلملم أوراقِه، اقترب من رائد أكثر وهو يُسقط ورقة بجانب قدمِه، أنحنى ليأخذها ويقف بجوارِه، بحركةٍ مُخادِعة كان يُريد أن يدخل هاتفه بجيبه ولكن سحب السلاح من حزامه و وضعه على رأس رائد.
فارس وقف بصدمَة، تبعتها نظرات سلطان وعبدالرحمن وعبدالعزيز أما عبدالمجيد فكان ينتظرُ هذه اللحظة.
رائد تجمدَت ملامحه أمام فوهة السلاح المُلتصقة برأسه، كل رجاله الذين حوله أخرجُوا أسلحتهم الموجَهة إلى ـ آسلي ـ
رائد بحدَة موجَهة لرجاله : وش تنتظرون؟
آسلي شدَه من رقبته أكثر وبلكنةٍ نجديَة صدمتهُ صدمةً قاسية : لو قرَب واحد منهم ماراح يحصلك خير
تجمدَت نظرات الجميع عندما ضجَت مسامعهم بنبرته العربيَة، لم يتوقعوا ولا في الخيال أن ـ آسلي ـ خدعـة.
فارس اقترب غير مُباليًا لتأتِ صرخة والده : أبـــعـــد
فارس بعُقدة حاجبيْه : ماراح أبعد . .
عبدالمجيد : فارس
فارس بصراخ إلتفت عليه : ما قلت لي إنه بيصير كِذا!!!
عبدالمجيد : وأنا عند كلمتي . . فارس أبعِد
فارس : ماراح أبعد . . اقترب بخُطاه إلى والدِه، بنظراتٍ حادة من ـ آسلي ـ : إذا تبي سلامة أبوك أبعِد
وقف بلا حولٍ ولا قوَة، نظر إلى عينيَ والدِه بنظراتٍ أراد أن يسحبُ بها روح والدِه ويحبسها بداخلِه، أراد أن يقتبسُ هذه النظرات من عينيْه ويضعها في جيب قلبه.
عبدالمجيد : سنين وسنين وإحنا نحاول نوقفِك، كان لازم تعرف إنه العدالة راح تُقام في يوم وإنه لذتِك ماراح تدُوم
رائد : شايف كم شخص حولي؟ بغمضة عين راح تنتهون بدون لا تثيرون شفقتي
عبدالمجيد : وبغمضة عين راح تنتهي بعد . . عبدالملك . .
عبدالملك ( آسلي ) : بهدوء راح تمشي قدامي وأيَ تعرض أو حركة من أحد رجالِك راح يعرَضك للموت ماهو للخطر بس!! مفهوم كلامي؟
ضجَ صوتُ سياراتِ الشرطة المحاصرة للمكان في الوقت المناسب، أردف : خلهم يرمون أسلحتهم
بنظراتٍ من رائد دون ان ينطق كلمة رمَى رجاله كل الأسلحة التي بحوْزتهم، عبدالملك : الشرطة تنتظرك! ماعاد فيه أيَ مجال للهرب ومثل ما قلت لك محاولتك للهرب راح تنهيك.
رائد عضَ بأسنانه شفتِه السفليَة، لا يتحمل أن يُهزم في أوَج إنتصاره.
سَار خطوات قليلة أمام أنظار فارس التي تضيقُ شيئًا فشيئًا، رائد بتهور دفع بقدمِه ساق عبدالملك، ليشدَه عبدالملك أكثر ويُسقطه على الأرض، تقدَم أحد رجال رائِد ليُمسك ذراع عبدالملك و يحاول أنَ يُخلَصها من السلاح، وبجُزءٍ من الثانيـة أنطلقت رصاصة والمُفاجئة أنها كانت من يدِ إحدى رجاله وليس عبدالملك، أصابت الجزء الأيسر من صدرِه ليسقط على ظهره، بتهورٍ من ذاتِ الرجُل أنطلقت رصاصة أخرى بجانب إصابته الأولى، ضجَ المكان بصوتِ الرصاص حتى تدخلت أفراد الشرطة وبدأت تُمسك رجال رائد بأكملهم ومعهم سليمان.
عبدالعزيز أرتعش قلبه من منظر رائد، و صدمَة فارس التي أمامه.
سقط فارس على ركبتيْه وهو يقترب من والدِه : يـبـــه! . . يبببه . . . صرخ بقوَة : يبــــــــــه . . . يبه . .
--
بكَى دون أن يُحاول أن يُمسك نفسه، تساقطت دموعه كنزيفٍ من الدماء الثائرة، وضع يدِه على صدرِ والده المُبلل بالحُمرة وعينا رائد مُغمضَة فقدت الحياة، ضرب صدرِ والده كثير بكفيَه وهو يُردد بأنين يُشبه أنين الأطفال الذين تاهوا في الدُنيا، فقد الإتزان وعقله تمامًا وهو غير مُصدَق هذه الحُمرة التي تُغرق المكان : لا تتركني! . . لا تتركني . .. قوووم . . . صرخ . . قوووووووم . . . وضع رأسه على صدرِ والده وهو يجهشُ بالبكاء وبدأ الغاز يتسرَب والمتفجرات تعملُ عملها بالعد التنازلي للدقائق البسيطة.
عبدالمجيد حاول أن يسحب فارس الذي دفعه : ما يموت . . مستحيل يموووت ويتركني
سلطان أختنق وهو يفتحُ أزارير قميصه، عبدالعزيز بخُطى سريعة خرج وهو ينزل للأسفل، إلتفت يمينه وشماله يبحثُ عن ناصر، أندلعت النارُ أمامه ليبتعد، صرخ حتى يسمعه : ناصـــــر!! . . . أتى إحدى رجال الأمن ليُخرجه.
عبدالعزيز دفعه عنه ليسحبه الرجل مرةً أخرى، صرخ بوجهه بالفرنسيـة : لِيس موَا " laissez moi = أتركني "
اقترب أكثر وهو يُنادِي بصوتٍ أعلى : ناصصصر! . . .
في الأعلى كان يُرثي والدِه بأشدَ انواع البكاء و القهر، تبللت ملابسه بدماءِ والده وهو يُنادي ـ يبه ـ حتى بحَ صوتِه ولم يلقى سوى الصدَى، لم يُبالي بالإختناق الذي يواجهه من الغاز المتفجَر بالمنزل ويُدرك أن عدَة ثواني وسينفجر كل هذا.
لا حياة تنتظرنِي دُونِك، لا أريد العيْش! أنا أُقبل على الموت بشهيةٍ مفتوحة يا والدِي، ردَ عليَ قُل أنك تسمعني! قُل أنك هُنا معي، لا تصمت، هذا الصمت لا يليقُ بِك، قُل ـ ولدي فارس ـ حتى أطمئن أنَك بخير، قُلها، لا تصمُت! لا يُمكنك أن تموت هكذا وأنت وعدتني أن تبقى معي دائِمًا مهما تعارضتُ معك، لا يُمكنك يا ـ أبي ـ أن تفعل هذا بيْ! لا بُد أن تقاوم! لا بُد أن أسمع صوتِك وحالاً.
همس : يُبه . . يا رُوح ولدِك، يا روح فارس كيف تترك هالرُوح؟
اقترب منه عبدالمجيد مرةً أخرى وهو يجلسُ على ركبتيْه بجانبه : فارس
فارس : قويَ! يقدر يقاوم! أعرفه يقدر . . صابوه كثير لكن قام . .
عبدالمجيد سعل من الجو الملوَث : قوم . . قوم معي
فارس أخفض رأسه ليجهش بالبكاء وأنينه يشطرُ عبدالمجيد : ليه سوَا كِذا؟ ليــــه؟
دخل رجُلان يحملان سرير الإسعاف حتى يضعون رائد عليه ويُخرجونه من المنزل.
فارس نظر إلى والدِه نظرةً أخيرة، أنحنى ليُقبَل رأسه وهو يبكِي فُقدَه، أطال بتقبيله حتى ألتصق أنفُه بجبين والدِه وعيناه تئنَ وتغصَ بالدمع، كانت صرخاتِه فوق أيَ رجُولةٍ تحاول أن تُكابر أمام بُكاءه، صرخاتِه كان ظلَها / حاد في صوتِه المبحوح. ومازال يحاول أن يسترجعُ صوتِه بنداء والده.
كُنت أريد أن اقول لك قبل أن ترحل، أنني آسف على كل لحظة تذمرتُ فيها منك، أنني آسف على كل لحظة لم أقف بها بجانبِك، إنني آسف على كل لحظة رأيتُك بها ولم أقُل لك " أن حظي بائسٌ بعملك المُحرَم وحظي الجميل أنَك أبي " . . أنا آسف لأنني لم أستطيع أن أوقف شرَ أعمالك، ولم أستطع أن أغيَرك، ليتني حاولت أكثر! ليتني جعلتُك تموت بسلامٍ أكبر، أنا آسف لأنني لستُ بخير الآن وأنت الذي كُنت تقول لي دائِمًا " يهمني تكون بخير "، رحلت الآن! وكيف أجد شخصًا يُخبرني بذاتِ القوْل.
حضن رأس والدِه وهو يقربه من صدرِه ويشمَ رائحته للمرةِ الأخيرة، كان يُقبل جبينه مرارًا وهو لا يُريد ان يتركه.
تقدم الرجلان حتى يحملا جسدِه، فارس برجاء : قولهم بس دقيقة . . بس دقيقة
عبدالمجيد الذي لا تدمعُ عيناه الا نادِرًا، صعدت الحُمرة في أوَجها على حال فارس، أشار للرجلان بالإنتظار قليلاً رُغم أنه لا مجال للإنتظار أمام تصاعد الغاز.
أريد أن أحبس رائحتِك فيَ، أن أحملُك معي، لِمَ رحلت؟ لِمَ؟! يا من أفديِه برُوحي و إن طلب عيني لأخترتُ العمَى، طعمُ اليُتم وأنا بهذا العُمر لاذع يا أبي! طعمُه مرَ لم أعتادِه رُغم بعدك عني في أيامٍ كثيرة، ولكن لا أحتمل بُعدك عُمرًا بأكمله، يا رُوح روحِي، لِمَ فعلت بنفسك هذا؟ لِمَ قتلتني وقتلتَ نفسُك؟ كيف سأواصِلك؟ كيف سأسمعُ صوتِك إن أشتقتُ إليْك؟ إبنُك ضعيف جدًا أمام شيئين أنت أحدهُما، من يربتُ على كتفي؟ من أُخبره عن عشقي و أحلامي؟ من سيستهزأُ بي الآن بكلماتِه. من سيقُول ليْ " خلَ الشِعر ينفعك! " من سأخبره بقصائدي وكتاباتي؟ من سأغني له مقاطعٍ شعرية كتبتُها، من سأُعيد على مسامعه كلما رأيته " يبه إحنا من قومٍ إذا عشقوا ماتوا " لمن أقولها من بعدِك؟ أنا لا أبكِي! رُبما هذا نوعٌ من الموْت.
عبدالمجيد وقف بعد أن إزداد إختناقِه، ومسك ذراعِ فارس : خلاص . .
فارس ترك رأس والدِه ليسقط بقوَة على السرير الذي سيُحمل عليه إلى ثلاجة الموتى.
اقتربت يدِه من يدِ والده ليقربَها من شفتيْه ويُغرقها بالقُبل، أستشنق رائحته بلهفةٍ وحنين يبدأُ من هذه اللحظة، صبَرني يالله! صبَرني قبل أن أفقدُ قلبي معه.
عبدالمجيد : قل إنا لله وإنا إليه راجعون . .
فارس تصاعدت أنفاسه المضطربَة وضجَ صوتُ رجفته : إنا لله وإنا إليه راجعون . . .
في الأسفَل كان عبدالرحمن يوقَع على أمرٍ أمنِي مختصَ بالشرطة، سلطان بحث بعينيْه عن عبدالعزيز ليسير إلى الداخل بإنشغال عبدالرحمن الذي كان يحسبُ ان عبدالعزيز خرَج.
دخل لأول ممَر ليُنادي وهو يضع الكمام على وجهه : عبدالــــعزيــــــز . . .
نادى مرارًا وتكرارًا وهو يتقدَم أكثر للنار المُندلعة في الطابق السُفلي : عــــــز!!!
بحث بعينيْه ليأخذ قطعةً خشبية مرمية على الأرض ويحاول أن يقترب بها من النار حتى لا تُصيب وجهه.
صرخ بقوَة أكبر : عـــــــز!
أقترب منه إحدى رجال الإطفاء ودون أن يلفظ كلمةٍ واحد أشار له بيدِه إلى مكان على يمينه، إتجه إليْه سلطان لينظر لعبدالعزيز الذي يبحثُ بكل غرفة تواجهه رُغم النار التي تُحرق المكان : عبدالعزيز . . . مسكه من ذراعه
عبدالعزيز إلتفت عليه بإضطرابِ أنفاسه المختنقة : وين ناصر؟ . . .
سلطان : يدورونه . . أطلع . .
عبدالعزيز يسحب ذراعه من بين يديْه ليصرخ : نـــــــــاصر!!
سلطان بخضوع لفعلٍ عبدالعزيز بدأ يبحث معه، وبكل لحظةٍ تمرَ يتضاءل الأملُ بداخلِه.
إلا أنت يا ناصر! لا تُخفيني بأمرِك هكذا، لا تقتلني أكثر ورُوحي لم تعَد تتحمَل موتٌ آخر، لا تفعلها أرجُوك! لا تفعلها برفِيق عُمرك الذي أساء إليْك ولكنه عاد، عاد من أجل العُمر الذي مضى بيننا، أنت تعلم أنني لا أقدر على العيْش دُونك! أنت الذي تُشاركني الحزن بقدر ما تُشاركني الفرح، كُنت دائِمًا معي! وكنت تستنطقُ صمتِي بعينيْك، يا من علَم عيني الدمع و أخبرتني دائِمًا " لا تشكِي ليْ! إبكي معي " لا تفعلها من أجل الله، وتقتلني.
سلطان أنتبه لقطعة الزجاج القريبة من رقبة عبدالعزيز وسحبها لتدخل بكفَه، قاوم وجَعه وهو يشعرُ بفتات الزجاج بباطن يدِه، وقف قليلاً ليُخرج قطعة الزجاج الصغيرة، دخل غرفةٍ اخرى : ماهو موجود!!
عبدالعزيز : ما دوروه!. .
سلطان : والله دوروه الرجال قبل شويَ!! وبيدخلون الإطفائيين الحين يدورونه!
عبدالعزيز : مُستحيل وين أختفى؟ . . . صرخ بأعلى ما يملكُ من نبرة . . . ناااااااااصر
وأين ناصر؟ أينَك يا شاعرُنا الذي كان يروينـا بكلماته كلما جفَ المزاج وفسَد، أينَك يا رُوحنـا التي تُشاركنا وتحبسنا بداخلها دائِمًا؟ أينَك يا وجُودِنا في حضرة وجودِك، يا من تُمثلنَا بقلبِك وتشهدُ لنا؟ أينَك يا بحَة صوتي الحزينَـة حين تضيق الكلمات في حُنجرتي؟ كل شيء فاتُنا حتى الضحكَة، علَم هذا الصدَى الحديث إن كان النداء / مبحُوح، وعلَم هذه النار بجسدِك إن كان الجسدُ لا يرَد لنا الكلمات! ناديتُك بأقصى حُمرة في دمائِي ولم تُجيبني؟ أينَـك؟ أخافُ عليَ من ضياعي و حشرجَة الجفاف في جلدي.
سعَل عبدالعزيز كثيرًا إثر الإختناق، وبدأ تركيزه يضطرب، بحدَة من سلطان لم تترك لعبدالعزيز أيَ مجال، ألصقه بالجدار ونزع كمامه ليضعه عليه : يمكن طلع . . . . . سَار عبدالعزيز أمامه وهو من خلفه للخروج بخيبةِ أملٍ كبيرة، ثوانٍ قليلة حتى أصابتهم أشعة شمس باريس، بحث بنظراتِه عنه في الطُرق الطويلة المقابلة له! أأيجب أن أخاف الآن؟
نزع الكمام ليأخذ قارورة المياه التي امتدَت له، أفرغها بجوْفِه، ليلتفت على سلطان : كيف يطلع؟
سلطان ابتعد قليلاً وهو يسعَل ببحَة موجعة، أخذ منديل ليُلاحظ الدماء التي تندفعُ من بين شفتيْه، أدرك أن جرح لثتِه، اقترب منه عبدالعزيز ليمدَ له الماء، تمضمض سلطان به وبدأ الإصفرار يتضح على ملامحه، مسح وجهه بالمياه الباردَة، نظر إلى عبدالعزيز : يمكن طلع لمَا صعدوا رجال رائد لفوق، لأن مافيه أيَ شخص بالدور الأوَل
عبدالعزيز رفع عينه للدُخان المتصاعد من المنزل بعد أن أنفجرت النار به، وهو يدعو أن لا يكون ناصر بداخله.
اقترب عبدالرحمن منهم : راح عبدالمجيد مع فارس، . . أنتبه لوجه سلطان ويدِه . . . وش فيك؟
سلطان : دخلت فيني قطعة قزاز،
إلتفت عبدالرحمن لإحدى المُسعفين ليقترب منهم بنظرة فهمها، فتح شنطتِه ومازال إزدحام الأمن في الحيَ يضجَ في هذه الأثناء.
عقَم جرحه ولفَه كفَه بالشاش، ونظر إلى عبدالعزيز إن كان يحتاج شيء، دون أن يترك مجال لعبدالعزيز بالمناقشة أخذ كفَه ليُطهَر جرحها الذي طال منذُ الأمس، ولفَها ـ بالشاش ـ أيضًا.
عبدالرحمن : شكرًا . .
عبدالعزيز : وين الفندق؟
عبدالرحمن : بخليهم يوصلونك
عبدالعزيز ضغط على جفنيْه بشدَة إثر الصُداع الذي هاجمه، تنهَد : طيب
سلطان : أنا بروح لعبدالمجيد
عبدالرحمن : بجيكم، بس بمَر المستشفى وأتطمن
عبدالعزيز الذي أغمض عينيْه فتحها من لفظ ـ المستشفى ـ وأمال شفتِه السفليَة بأسنانِه.
أبسطُ الحركات وأدقَها كانت دليلٌ واضح على العراك الذي يجري في قلبه، مشَط بأصابعه شعره من مقدَمة رأسِه وهو يُريد أن يفكر بإتجاهٍ واحد، لا يُخالطه أيَ إتجاه آخر ولكن هذا ما لا يرضاهُ قلبه.
: بروح معاك المستشفى
عبدالرحمن إتسعت محاجره بالدهشَة ولكنه لم يبيَن له : طيب . . خلنا نمشي
في الرياض، إتسعت إبتسامته بعد سهرٍ منذُ الليلة الفائتة حتى وصل الخبر أخيرًا، القبض على سليمان و موْت رائد إثر طلقةٍ اتت من إحدى رجاله، عبدالله و أول ردةِ فعلٍ كانت سجدَة شكرٍ في منتصف الممَر.
اللهم لك الحمدُ والشكر كما ينبغي لجلال وجهِك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه.
يالله! على كرمِك وأنت تُثلج صدورنا بخبرٍ أنتظرناه لسنين، يالله على السعادة التي تأتِ من هذا الخبر، والجميعُ بخير أيضًا! ياربي لك الحمد . . ياربي لك الحمد.
تهللت وجوههم جميعًا وهم يكررون الحمَد والشهادة، لذَة النجاح بعد تعبِ سنينٍ مضَت لا تُضاهيها لذَة، كان كالحلم! وأصبح حقيقة، كان بمقدرتنا أن نقبض عليهم منذُ اول لحظة ولكن كنَا نعلم أنه سيخرج من بعدهم واحدًا وإثنين وثلاثة، لكننا عملنا على مبدأ واحد، أن نًضعفهم ونستأصلهم، يالله! سيطير قلبي من فرحه، سيُجَن تمامًا.
كانت الإبتسامات مُبكيَة من شدَة فرحها، هذا الفرح الذي طال إنتظاره، لم يكن فرحًا لفردٍ واحد بل لإدارة كاملة تعبت ونالت حصاد تعبه.
في باريس، اقترب سلطان من حديقةٍ صغيرة بين البيُوت ولا أحد بها من الثلج، دخلها وهو يحتاج أن يسجُد بأيَ مكانٍ كان، سجد على الأرضِ الباردة، لتسقطُ من عينه اليسرى دمعةٌ وحيدة كانت رسالة ضيَقة لِـ / سلطان العيد.
رفع من السجود ليتنهَد تنهيدةً طويلة، بقيَ جالِسًا على الأرض، همس : الحمدلله
أدخل كفَه التي يلفَها الشاش الأبيض في جيب معطفه ليستشعر هاتفه، أخرجه وفتحه ليجد كمَا من الإتصالات من ـ عمته و عبدالمحسن و عبدالله و أشخاصًا آخرين ـ، ضغط على عينِه التي شعر وكأن نارًا تُحرقها، إتصل على ـ الجوهرة ـ.
كانت واقفة أمام المرآة الطويلَة وهي ترتدِي بلوزتها، انتبهت لإهتزاز الهاتف على السرير، شعرت بغثيَان بأولِ خطوة أقتربت فيها من هاتفها، عادت للخلف لتتجه نحوَ الحمام، تقيأت إثر معدتها الفارغة التي تستثير الغثيان، اغتسلت وتمضمضت، إلتفتت لوالدتها التي دخلت الغرفة : إنزلي إكلي لك شي
الجوهرة وضعت يدها على بطنها : يمَه تكفين أبي زنجبيل أحس معدتي تقلب
والدتها : الحين أسويه لك، بس أنزلي عشان تآكلين شي
الجوهرة : بجيك . . إتجهت نحو سريرها، جلست وأخذت هاتفها، كانت في طورْ أن تزفر شهيقها ولكن تجمدَت عندما رأت إسمه ـ مكالمة فائتة ـ، يُربكني إسمك فما بالُك بصوتِك؟
رفعت شَعرها بيديْها وربطته بخصلة، مسحت على وجهها لتأخذ نفس عميق وضغطت على إسمه، ثوانٍ قصيرة حتى أجابها : ألو
الجوهرة بللت شفتيْها بلسانِها إثر ربكتها : مساء الخير
سلطان : مساء النور
طال الصمت بعد تحيَةٍ روتينية لتقطعه الجُوهرة : ما كنت عند الجوَال قبل شويَ
برب السماء لِمَ اتصلت يا أنا؟ ماذا أُريد منها؟ وعن ماذا أسألها؟ كنت أُريد فقط أن أسمع صوتِك دون أن أخطو خطوةً واحِدة للأمام، من أيَ أرضٍ جئتِ؟ وبأيَ بُركانٍ أثرتِ حممه في داخلي؟ تهشَم غصنُ الكلام، وأيَ نبرةٍ تُجمع حُطامَه؟ أوقعتِ في ظرفِ أيام على قلبي / خُضرته و في جُزء من هذه الأيام أيضًا بددتي الربيع الذي أعشبَ صدري، من أيَ شيءٍ خُلقتِ حتى تقُيمين بصوتكِ إحتلالًا كاملاً لا مفَر منه، أنا لا أفتقدُكِ! أنا أمُوتِك. و أنا لا أكابر أنا رُغمًا عني أصدَ عنكِ، لو أنَ الطريقُ ممهدٌ أمامي لقولِ شيء يجعلني أتمسك بكِ أكثر! لو أنه فقط يُتيح لي فرصة هذا القوْل لمَا ترددَتُ لحظة ولكنني أعرفُ نفسي " أشقِي عُمري دايم ".
الجوهرة زادَها هذا الصمتُ ربكة وسارت الرعشةُ بإتجاه قلبها الذي انتفض بصوتِ أنفاسه المبعثرة التي تصله.
بجمُودِ حاولت أن تحبس بداخله الفيضان الذي يُقيمه صوتِه : تآمرني بشي؟
أأمرُكِ بالحُب و بممارسَة الحُب جهرًا، أما زلتِ تُفضلَين الخفاء؟
سلطان : أتصلت أتطمَن
الجوهرة بلعت ريقها بصعُوبَة : أمورنا تمام . . أنا وولدك
سلطان : الحمدلله،
من أجل الله ماذا تفعل يا سلطان؟ ماذا تُريد أن تصِل إليْه؟ يا رجلاً أعزَني بالهوَى بقدر ما أذلَني، و بدَد العالمين بملامِحه وسكنني! يا رجُلاً يخضعُ له القلب عمدًا رُغم قسوتِك، وعجبتُ من قلبِي الذي يهفُو إلى ظالمٍ! عجبتُ من عيني التي مازالت ترتبك ويرتجفُ رمشها من حدَة صوتِك، عجبتُ من ـ أحبك ـ التي مازالت تتكاثرُ وتُعشَب في صدري، يا رجُلاً أبقاني على حافة الإنهيار وهو إتزاني! كيف أطيقُ البُعدَ عنكَ وأنت مركزُ توازني؟ يا حدَة السُمرة في ملامِحك و يا شقائي بها، يا شقائي بمقطعُ إسمك الذي يبعثرني رُغم صلاتِي وسكينتي، كيف أتجاوزك؟ وأنتَ قَدرٌ لا أُلام على مصائبه، وكيف أُلام؟ و أعظم مصيبة عيناكَ سببها، يا قلبي المُعنَى بأسبابِك إنني لا أدلَ طريقًا لا تُقاطعني بها ظلالِك.
سلطان حكَ جبينه وهو يُردف : محتاجة شي؟
أحتاجُ عيناك، وأمرَ بحاجة شديدة لبريقها.
الجوهرة : لا . . مع السلامة
سلطان : بحفظ الرحمن . . . أغلقه دون أن يقدر على قوْل كلمةٍ واحدة من الكلمات المتزاحمة في صدرِه.
أرتدت مُهرة عباءتها بعد أن علِمت بوجودِه، أخذت نقابها لتنظر لوالدتها : لا تخافين ماني قايلة شي
والدتها : دارية إنتس ماراح تقولين شي بس تذكري إنه أهلتس هِنيَا ويوسف ماراح يبقى لك طول العُمر
مُهرة بضيق لبست نقابها ونزلت للأسفل، دخلت للمجلس وبطرفه جلست في حين أن منصور كان يجلسُ بعيدًا عنها : السلام عليكم
مُهرة : وعليكم السلام
منصور : شلونِك؟
مُهرة : بخير الحمدلله
منصور بتوتر : أنا جايَك اليوم وأبي أقولك اللي عندي وأبيك تسمعيني لين الآخر . . . . صمت قليلاً حتى أردف . . يوسف ما يدري بجيَتي لِك ولا أبيه يدري، أنا عارف إنه مشكلتك الأساسية معي ماهي مع يوسف، بس بقولك أنه ما لأحَد حق أنه يوقَف حياتِك، إحنا مانشوفك أخت فهد اللي صارت لنا قضية بإسمه، إحنا نشوفك زوجة يوسف وبس! إذا أنتِ تعتبرين إنه اساس زواجك من يوسف هالمُشكلة وبمجرد ما أنحلَت فخلاص ماله داعي هالزواج فانتِ غلطانة، لأن من أول يوم كنا ندري بأنه فهد قضيته مو مثل ماهي مذكورة وكان الكل يعرف بأنه مالي أيَ يد في اللي صار، لكن رُغم هذا كنَا نعاملك على أساس زوجة يوسف لا أكثر ولا أقل، وأمي أعتبرتك وحدة من بناتها! وإن كان أحد ضايقك بكلمة أنا بنفسي الحين أعتذر لك، يوسف ماله أيَ ذنب بوصول الخبر لك الحين! لأنه كان يعرف بأنه مالي علاقة وأخوك الله يرحمه تورَط معهم لكن ماكان يربط مصيره بمصير أهله، وأنتِ لا تربطين مصيرك بمصير أهلك!! هذا شي فات وأنتهى من سنَة، والحكي بالماضي لا راح يقدَم ولا يزيد، أبدأي صفحة جديدة وأنسي اللي فات، وصدقيني محد بيتذكره! إلا أنتِ! إذا حاولتي تنبشين فيه كل مرَة، مافيه عايلة بهالوجود كاملة! وأفرادها كلهم مثاليين! لكن مافيه عايلة بعد تصير ضحية فرد واحِد، وأنتِ لا تصيرين ضحية اخوك بعد!! أقتنعي بمسألة إنه مالك أيَ علاقة وذنب باللي صار، ذنبك الحين إنك تربطين مصيرك بمصير غيرك، يا مُهرة أنتِ مالك دخل في أحد! ولا لِك دخَل باللي صار قبل، أنا أعرف أنه أخوك ومن حقك تعرفين كل صغيرة وكبيرة عنه لكن شي صار وأنتهى، تشوفين إنه يوسف يستحق منك كل هذا؟ هو يبيك أنتِ بحاضرك ما يبيك بماضيَيك!! لا تدمرين نفسك وتدمرينه معك! لا أنتِ تستاهلين التعاسة عشان أهلك ولا هو يستاهل الحزن عشان رغبتك!!
مُهرة بضيق صوتها المتحشرج : أنا ما أقبل إني أحس وكأني مفروضة عليكم
منصور بإنفعال : منتِ مفروضة والله منتِ مفروضة! يوسف يبيك وأبوي وأمي وخواتي متقبلين وجودك وفرحانين فيك!! وحتى يوسف صرت أحس بسعادته معاك رُغم كل شي!! لا تهدمين حياتك بهالطريقة! اللي تسوينه أكبر غلط بحق نفسك قبل لا يكون بحق يوسف
مُهرة : ما بُني على باطل فهو باطل
منصور : و ربَ ضارة حسنَة بعد!! بس فكري وخذي وقتك بالتفكير أكثر قبل لا تندمين وإذا فكرتي بجهة أهلي تأكدي إننا كلنا نبيك ومنتِ مفروضة على أحد!
--
يجلسُ بمقابله دون أن يرفع عينِه وينظرُ إليْه، تشابكت يدِه ببعضها ولا كلمات تحضرُ في صوتِه، أقشعرَ جسدِه من هذا الصمت الذي يُربك قلبه.
لا أنتظر مغفرة عبدالمحسن، أعرفُ جيدًا أنه من المستحيل أن يُسامحني بسهولة، أحتاجُ عمرًا يوازي الثمانية سنوات التي مرَت حتى يتجاهل ما حدث لإبنته، ولكن لن ينسى! لن يقدر على محوِ شيءٍ وضعتهُ نصب عينيْه على الدوام، ولكن أسألُ الله أن يليَنه عليَ، أن يعطيني فرصة واحدة حتى أُصحَح ما حدث، لو أن الأمر بيدي لكرهتُها، لنفرتُ منها، ولكنها تمكَنت مني، كان حُبها أقوى من أن أواجهه لوحدِي، كنت أراها بمواصفات شريكة حياتي حتى لعنتُ أنها ـ إبنة أخي ـ وهذا التصنيف الذي يجعل من أمر إجتماعنا مستحيلاً، حاولت أن أنساها ولكنني جُننت بها حتى تجرَدت من كل المسميات وأردتُها زوجتي، عشقتُها ومازلت، أنا لا قُدرة لي على محو الجوهرة بهذه السهولة. ولكن سأحاول! سأحاول أن أعُود لنفسي التي كانت حيَة قبل 8 سنوات.
عبدالمحسن : وش أخبارك؟
تُركي بإقتضاب : بخير
عبدالمحسن : كلَمت ياسر وقالي أخبارك بس أبي أسمعها منك
تُركي بضيق : أيَ أخبار؟
عبدالمحسن : ماراح تقولي ليه رجعت؟
تُركي نظر إليه وسُرعان ما شتتَ نظراتِه : آسف
عبدالمحسن أشتَد ضيقه : على ؟
تُركي تلألأت عيناه بالدمع : خنت ثقتك، بس والله ماكانت غايتي أضايق أحد، كنت بس . . .
تحشرج صوتِه ولم يقدر على مواصلة الحديث، عبدالمحسن : تُركي
تُركي يُكمل بصوتٍ يُضعفه ـ قبضة الدمع ـ عليه : أنجنَيت والله فيها! وما كنت أبي أضرَها بشي، بس الحين حالف ما عاد أقرَب لها كنت أبي أشوفها قبل كم يوم لكن ما خلتني أقولها كلمة وحدة، بس والله ماعاد بقرَب لها، وأصلاً قلت راح أنقل لأيَ منطقة ثانية بعيد عنكم
قامت صلاة العصَر و تسلل إلى مسامعهما ـ الله أكبر ـ، وقف عبدالمحسن وبأمر : أمش معي نصلي . .
تُركي كان ينتظر منه ردَة فعلٍ على حديثه ولم يجد شيئًا، وقف وتبعه حتى دخلا إلى المسجد المجاور للفندق.
صلَى بجانب أخيه بعد عهدٍ طويل لم يُصلي به مع عبدالمحسن، أخذ نفس عميق وهو يُغمض عينه حتى كبَر بعد الإمام.
أنتهت الركعة الأولى وبعدها الثانية إلى أن أتى التشهدُ الأخير والسلام، وبإيمانٍ تام بمعجزة الدعاء لفظ تُركي " يارب ليَن قلبهُ عليَ، يارب ليَنه و أنزع حُبها من صدري ".
إلتفت لعبدالمحسن بعد أن بدأ الرجال يخرجون من المسجد، بتردد كبير أقترب وأنحنى ليُقبَل رأسه، قبَله حتى أجهشت عيناه، حاول أن يمسك نفسه ولكن البُكاء على المعاصِي أشدَ حرقة على النَفس.
عبدالمحسن تجمَد بمكانه دون أن يلتفت أو يحاول أن يرفع عينه عليه، صوتُ بكائِه كان يشطرُه بإستمرار، أخذ نفَس عميق، وهو يحاول بجَد أن لا يفقد توازنه، أخفضَ تُركي رأسه وهو يُكرر ـ الأسف ـ في كل دمعةٍ يذرفها.
إلتفت عليه عبدالمحسن بكامل جسدِه، أحاط رأس أخيه بيديْه ورفعه لينظر إليه : اجبرتني يا تُركي!!
تركي بلع غصَاتِه ورُغم أن يدَا عبدالمحسن ترفع رأسه إلى أنه لا يضع عينه بعين أخيه : الله يغفر لي حزنك . .
عبدالمحسن سحبه بقوَة ليُعانقه ودمعة أتعبها الزمن نزلت بقهرٍ شديد : الله يغفر لك حزنها . . الله يغفر لك حزنها . . .
بكى تُركي كالطفل بين ذراعيَ عبدالمحسن وهو يذوق مرارة الذنب و وجعه في صدرِه، لم يكن سعيدًا أبدًا بمعصيته لله لكن كان يشعرُ بلذةٍ وقتية لم يستطع أن يمنع نفسهُ منها، كانت أهواءهُ أكبر من أن تواجه وتُقمع، وحين قُلت سابقًا بأن لي القُدرة أن أعيش بعيدًا عن هذه الحياة كنت أكذبُ على نفسي، لا أستطيع أن أحيَا دون عبدالمحسن و عبدالرحمن، لا أستطيع ولا أقدِر على الحياة بعيدًا عنهم ولكنني آذيتهُم! رُبما عبدالرحمن لم يشعر بعد بهذا الأذى ولكن إن عرف يومًا مَا بما حدث سيُصاب بخيبة مُوجعة، وأنا لا أقدر على وجع عبدالرحمن أيضًا.
عبدالمحسن : توعدني ماعاد تشوفها! ولا عاد تقرَب لمكان هي تكون فيه . . أوعدني يا تركي تذبح الجوهرة في قلبك و حياتِك وتنسى إنها بنت أخوك، ماعندِك بنات من أخوانك الا أفنان و رتيل و عبير وبس!!
تُركي ببحَة موجعة : والله، ماراح أقرَب لها
عبدالمحسن : وإذا تبيني أسامحك، ترجع لقبل 8 سنين لمَا بديت تحفظ قرآن وقطعته، إذا ختمت القرآن بتجاهل كل اللي صار، أوعدني تختم القرآن، وأوعدِك بنسى إنك تُركي اللي دمَرت بنتي!!
تُركي يُغطي عينيْه بكتفِ عبدالمحسن : راح أحاول بكل ما أقدر إني أختمه
عبدالمحسن : أرجع تُركي أخوي اللي أعرفه
--
مرَر كفه على جبينها الدافئ ليلتفت إلى الدكتور، ينتظرُ شيئًا يُطمئنه ويُساعده على التفاؤل بأمرِها، ضاقت عيناه عندما رآها بهذه الصُورة، هي الأسوأ حظَا دائِمًا والتي تواجه الموت بكثرة تقتلني، تمرَ المرةِ الأولى وتُجبر الثانيَة وتخطُو الثالثة وأخشى أن تواجه هذا الخطر مرةً رابعة وخامسة ولن يُفيدنا تمسكها بالحياة شيئًا، جميلتِي! التي مازالت تشعرُ بنا وتقاوم من أجلنا، لو أنظرُ لعينيْـك و أُشبع شوْقي لها.
الدكتور : للأسف واجهت إنهيارًا نفسيًا جعلنا نُخدرها ولكنها ستستيقظ بعد وقتٍ قصير أو في الليل رُبما.
عبدالرحمن أنحنى ليقبَل جبينها، مسح على شعرها وهو يُخلخل خصلاتِها بأصابعه.
مازلتِ جميلتي! وإبنتي التي يُعجبني فيها كل شيء حتى تمرَدها، مازلتِ انتِ بسُمرتِك الناعمة تُنعشين الحياة في صدري، يارب عساهُ يُشفيك ويُبدد العتمة في قلبي عليكِ، يارب عساهُ يُصلحك ويُسعد قلب والدِك، يارب عساهُ لا يصل حُزنٍ إلى محاجرِك اللؤلؤيـة والتي أحبها كثيرًا، أنتهت فترةٌ تعيسَة من حياتي وأُريد أن أبدأ فترةٍ أخرى بضحكتِك. أثقُ بقوَتِك وبمُقاومتِك من أجل الحياة، أثقُ جيدًا أن إبنتي مهما واجهت ستقف على أقدامها، ـ حنَيت ـ و هذا كل ما أعنيه بكلامي السابق.
خرج ليقترب من عبدالعزيز الذي كان ينتظرُه، بهدوء : صاحيَة؟
عبدالرحمن : لا، قال يمكن تصحى بعد شويَ أو في الليل . . خلنا نروح الفندق؟
صمت طويلاً حتى نطق بشتاتِ نظراته : بشوفها
عبدالرحمن دون أن ينظر إليه : بنتظرك تحت بالسيارة . . .
عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليفتح باب غُرفتها، أغلقهُ من خلفه وبكل خطوةٍ يخطوها وعيناه لا ترمش، عقد حاجبيْه عندما نظر إليْها، وقف بالقُرب منها عند رأسها، وضع يدِه على شعرها البُندقي وأصابعه تُخلخله ببطء لا يُضايقها.
إني لأُعيذكِ من ضياعي، وأظنُكِ تزيدنهُ، وإني لأعيذك من حُبي، وأظنَكِ ترتكبينه. لا ذنب لكِ بما قتلتِ، إن كان مُرتكب الجريمَة عيناكِ وليست يداكِ، لا ذنب لكِ يا رتيل! سوى أنَ النور حين ينعكسُ على السمرَاء ـ يذبح ـ، وأنا وقعتُ بهذا الضيَاء، منذُ اللحظة التي كنت أسيرُ بها وألتفتَ من أجل ظلَك الذي ينعكسُ من النافذة، ومنذُ أن لمحت عيناكِ وأستهزأتُ بها، لم أكن أقصد الإستهزاء، ولكن الرِجال حين تلفتهُم عينانِ تُشبه عيناكِ يحاولون أن يخفُون ـ شدَة الإعجاب ـ بتصرفاتٍ مُقللة من شأنها، هذا كل ما في الأمر، لِمَ وصلنا إلى هذه النُقطة؟ أُدرك فداحة خطأي، ولكن من فرط الشقاء أصحبتُ أخافُ الفرح، أخافُ أن اقترب منه.
سحب الكُرسي من خلفه بقدمِه ليجلس بجانبها، وضع يدِه فوق كفَها الباردة، قرَبها من شفتيْه ليُقبَلها.
الظن الذي يجيئني في هذه اللحظة، أنه بمُجرد أن تُغادرين باريس ستُغادريني، كنت دائِمًا أخبرك أنني أعرفُ النهاية، أعرفُ ما سيحدثُ بنهاية المطاف، ستتكاثرُ اخطاءنا حتى يُصبح من فرط الجنون أن نتجاهلها ونعفُو عنها، لا أنتِ القادرة على الغُفران ولا أنا القادر على النسيان.
ترك يدها على بطنها، لينظرُ إلى ملامحها مرةً أخرى، همس : رتيل!
أجيبيني ولو لمرةٍ أخيرة، أُريد أن أرى عيناكِ وهي تُخبرني بحقيقةٍ لا يعكسُها لسانِك، أشتقت للحُب الذي تشي به نظراتِك.
عبدالعزيز إبتسم من الفكرة التي جاءتهُ، وقف لينحني عليها، قبَل جفنها النائم وهو يهمسُ بصوتٍ خافت : هنا الودَ . . ـ نزل إلى خدَها ـ و هِنا الحنان . . ـ اقترب من جبينها ليُقبَله ـ . . وهِنا موضع الإحترام . . .
في الوقت الذي كان يُلامس جُزء من صدره المنحني جسدها، همس : رتِيل، على فكرة إذا طلعت الحين ماعاد بجيك، يعني ماراح تصحين؟ . . .
دخلت الممرضة من خلفه ليرفع نفسه بسُرعة، إلتفت عليها، الممرضة بإبتسامة : توقعت أنها مستيقظة، لابُد أن تستيقظ لأن التخدير الذي أخذتهُ كان خفيفًا.
عبدالعزيز تمتم : أنا أعرف كيف أصحَيك . .
الممرضة : عفوًا؟
عبدالعزيز : شكرًا لكِ
خرجت الممرضة ليعود عبدالعزيز بإنحناءه عليها، بخفُوت : أبوك تحت، يعني أطلع؟ . . أطلع؟ . . . . اقترب بشدَة حتى لاصق أنفُها أنفه، همس : تبين تجرَبين موضع العشق؟ نسيناه . . . ـ قبَلها وأطال بقُبلته حتى بدأت تتحرك بتضايَق ـ
إبتعد عنها وهو يُعطيها ظهره حتى يحبس ضحكته التي قفزت نحو شفتيْه، بلل شفتِه بلسانِه وعاد إليْها : الحمدلله على السلامة
رتيل بقيْت لدقيقتيْن تنظرُ إليه حتى أستوعبت، أضطربت أنفاسها بإضطراب التركيز بنظراتها.
عبدالعزيز : أبوك تحت
رتيل : وينه؟
عبدالعزيز : أقولك تحت، بيرجع لك بس بيروح للفندق أوَل
رتيل بضيق وضعت يدها على ملامحها البارِدة، لترفع حاجبها : وش سوَيت؟
عبدالعزيز إبتسم : كنت أعلَمك فن القُبل
رتيل بغضب : بالله؟
عبدالعزيز ضحك ومن بين ضحكاته نطق : ما يصير تعصبَين بعدين تتعبين أكثر! . .
رتيل إلتفتت للجهة الأخرى حتى لا تراه، شعرت بأن نارًا تحرقُ حنجرتها.
عبدالعزيز : أفهم من كِذا إنك تطرديني؟
رتيل: ناد ليْ أبوي
عبدالعزيز بجديَة : رتيل
--
رتيل نظَرت إليْه، رفعت حاجبها بحدَة : وش تبي؟ ترى أبد طيحتي بالمستشفى ما نسَتني شي
عبدالعزيز تنهَد : ولا أنا أبيك تنسين شي، أنتهى كل شي هنا أصلاً
" لو كلمة تجبر خاطري فيها يا عزيز " كلمةٌ واحِدة قُل فقط أنَك أشتقت، إجعلني أشعُر ولو لمرَة أنني شيءٌ مُهم في حياتِك وأن مرضِي يعنيك، لِمَ جئت؟ لتزيد لوْعتِي و وجعي، جِئت حتى تُصيبني بخيبةٍ أكبر، أنتَ أسوأ رجُلٍ يُمارس رجولته عليَ، هذه الرجولة التي أقوى مما أحتمَل، وهي تجيئني بحُبٍ لا أستطيعُ أن أتجاهله، المعادلة الصعبة أن أجملُ الأشياء تأتِ منك و أوجعُها تُصيبني منك أيضًا، لا أدري مالحل؟ وماهي حيلتي وقلبي مُكبَل بهواك؟ في ذلك اليوم، عندما أغرقتني بقُبلاتِك وقُلت بين حشدٍ من ضحكاتِك " عندي خبرة بفنَ القُبل " قُلت لَك مقطعًا يجيئني دائِمًا كذكرى لعينيْك. " يا عاقد الحاجبيْنِ على الجبين اللجيْن، إن كنت تقصد قتلي قتلتني مرتيْن " قتلتني يا عبدالعزيز بسُمرتِك و حدَتها.
عبدالعزيز : ماراح تقولين شي؟
رتيل بعصبية وأعصابها تشتَدُ أكثر : مين لازم يقول؟ أنا ولا أنت؟ تحب تقهرني وتضايقني . . . ضعفت قوَاها وهي تبكِي وتحاول أن تُغطي ملامحها بالوسادة حتى لا يرى دمعُها الذي يسقطُ بوضوح ـ أحبك ـ في عينيْها.
عبدالعزيز حاول أن يقترب ولكن وقف بمكانِه، بهدوء : ماجيت أقهرك ولا أضايقك، جيت أتطمَن عليك
رتيل : كذَاب!!
عبدالعزيز : والله، كنت بروح الفندق أوَل عشان غادة . .
رتيل نظرت إليْه بمحاجرٍ ممتلئة بضياء الدمع، بإنفعال : وتطمَنت؟ أنا بخير الحمدلله، لكن بعد ما شفتِك ماني بخير!!
عبدالعزيز فهم تمامًا أنها متوترة و يتضحُ ذلك من كلماتها المتقطَعة وإنفعالها، أردفت ببكاء عميق وهي ترتجفُ بأنفاسها : عُمرك ماراح تحسَ، لين أموت ذيك الساعة بتتذكر وتقول والله فيه بني آدم ينتظرني
عبدالعزيز بضيق : بسم الله عليك
رتيل بصراخ : بسم الله عليَ منك . . أنت اللي تذبحني وأنت اللي تمرضني!!
عبدالعزيز بخفُوت : طيب إهدي خلاص، لا يرتفع ضغطك
رتيل بقهر وعيناها لا تجفَ : شف أنا وين أحكي وهو وين يحكي!! وتقول جايَ تتطمَن بعد؟ . . يارب بس أرحمني
عبدالعزيز بحدَة يقترب منها : رتيل خلاص!! بتخلين الممر كله يسمعك الحين
رتيل أخفضت عينيْها لتدخل بدوامةٍ من البكاء المستمَر، تنهَد وهو يضع يدِه على شَعرها : ليه أنفعلتي؟ ماحاولت أستفزك ولا أقهرك . . صايرة ما تتحملين كلمة مني
رتيل بإنكسارِ نبرتها : ليه تسوي فيني كِذا؟
عبدالعزيز : ما سويت شي، لو أدري إنه جيَتي لك بتسوي كِذا ما جيتك، يهمني بعد إنك تكونين بخير
رتيل تُشتت نظراتها : يارب ساعدني بس
عبدالعزيز وهذه الدموع تكسرُه، وتُليَنه رُغمًا عنه، مسح ملامحها بأطراف كفَه : لا تبكين، توَ ما مرَ عليك يومين
رتيل نظرت إلى عينيْه القريبة منها ولا تفصلُه عنها سوى بُضع سنتيمترات، طال صمتهما.
أأمُوت أمْ مالعمل؟ ما كان بالبُعد خيرًا حتى أرضى به، خيْرِي يا عزيز معك وأنت شحيحٌ بالهوَى! وأنا لا أتنازل! مثل بقية نساء بلدِي اللاتي لم يعتادون التنازل ابدًا إن كان هذا يخلَ بكبرياءهم، كيف أتنازل؟ وأنا كنت صاحبة الرغبة والخطوة الأولى في كل أمورنا الفائتة؟ تذكُر؟ سألتني في أول زيارة لباريس " وين بتروحين " أجبتُك " جهنَم " و وقتها ضحكت وقُلت " كويَس بطريقي " أظنُك كنت صادق حينها، نحنُ في الجحيم و أنت لا تعطفُ عليَ أبدًا. لم يكن سيضرَك شيئًا لو تقدمت خطوةٍ للأمام وتمسَكت بي مثل ما أتمسَك بك في كل مرَة وأتجاهلُ أمر عقلي، لِمَ تفعل بي كل هذا يا عزيز؟ والله لا أستحق أن تُحزني بهذه الطريقة الموجعة.
عبدالعزيز بلع ريقه من نظراتِها التي تُزيده حُزنًا، أردف : بترجعون الرياض بس تقومين بالسلامة، شدَي حيلك
رتيل بقهر : بنرجع؟ طبعًا أنت منتَ منَا! طبيعي أصلاً ليه أسأل، عُمرك ماراح تكون منَا لأن عُمرك ماراح تفكر بأحد غير نفسك، كل مرة أقتنع أكثر إنك أناني وتحب نفسك أكثر من شي ثاني، وطريق بيوجعك تبعد عنه حتى لو أحد ينتظرك فيه وطريق فيه لذتَك حتى لو مافيه أحد ينتظرك مشيت فيه!!
عبدالعزيز : وأنتِ ظالمة! لأن عُمري ما فكَرت أمشي ورى رغبتي! شوفي حالتي اللي وصلت لها وعقب كل هذا تقولين أناني؟ بدآ حقدك يعميك فعلاً!!
رتيل بغضب : أطلع برا
عبدالعزيز نظر إليها طويلا حتى صرخت مرةً أخرى : أطلللع
عبدالعزيز ابتعد عنها، وبهدُوء : طيَب
رتيل من بين إندلاعات الحُرقة في صدرها وتصاعد البُكاءِ في عينيْها نطقت : ما أبي أشوفك . .
إتجه عبدالعزيز ناحية الباب وبمُجرد أن وضع يده على مقبض الباب حتى توقَف وهو يسمعها تبكِي وتُنادي ـ يُمَه ـ، للمرةِ الأولى يسمع لفظ " يمَه " من بين شفتيْها، كان يُدرك خسارتها لوالدتها ولكن لم يُدرك أن حزنها يتفاقم في كل لحظة تحتاج أن تبكي على صدرِ أحد.
دفنت وجهها بالوسادة وهي تستلقي على جمبها مُتجاهلة أمر إصابتها، أختنق صوتها بكلماتٍ كثيرة لا مجال لفهمِها : يارب . . ليه كِذا؟ ياربي . . . يا يمَه . . .
--
لم يقدر أن يفتح الباب ويخرج وهو يسمعها تبكِي بهذه الصورة، تنهد: يارب . .
عاد بخُطاه ليُبرهن لها أنه ـ يتمسك بها ـ رُغم أنها تُهينه، جلس على السرير بجانبها بعد أن أستلقت على جمبها وتركت مساحةً فارغة، سحبها برفق رُغم محاولاتها بأن تُبعده : أتركني
عبدالعزيز شدَها إلى صدره : أششش! خلاص
رتيل بإنهيارٍ تام لا فُرصة للسيطرة عليه، حاولت أن تضرب صدره وتُبعده ولكن ذراعيْه جمدَت حركاتها : ليييه!
عبدالعزيز وبدأ صوتِه يختنقُ معها : رتيل . . خلاص
رتيل وهي تحبسُ وجهها في صدره : تحبَها؟ طيب وأنا؟ ليه تزوجتني؟ ليه تسوون فيني كِذا؟ ماني حجر عشان ما أحس! ليه تلعبون في قلبي بمزاجكم؟ أنت وأبوي كلكم تعاملوني كأني عديمة إحساس . . تعببببت
عبدالعزيز قبَل رأسها ولمْ يحاول أن يُحرك وجهه بعيدًا عنها، ضلَت شفتاه تُلامس رأسها.
رتيل ببكاء : ليه يا عزيز؟ أنت تدري وش في قلبي لك؟ كيف تقوى تسوي فيني كِذا؟
عبدالعزيز وصدرُه يرتفع بعلوٍ ويسقطُ بذاتِ العلو، قلبهُ ينتفض من مكانه مع كل حرف تنطقه شفاهِها : إرتاحي، لا تفكرين بأشياء راحت
رتيل بعلوِ صوتها المُتعب : لا تقول لا تفكرين! هذي نفسي كيف ما أفكر فيها!! ياربي . . ليه لييييه
عبدالعزيز أبعدها عن صدرِه حتى يُحيط رأسه وينظرُ إلى عينيْها التي تُقابله : ما أحب أشوفِك كِذا، تذبحيني والله
رتيل : ما تعرف شعوري ولا راح تفهمه، بموت يا عبدالعزيز لما أفكَر إنك معاها، أحس بنار تحرقني! أنا ما أستاهل تسوي فيني كِذا، من البداية كنت تهيني مع كل كلمة، وبعدها أهنتني بأفعالك! وش جريمتي عشان تسوي كل هذا؟ عشاني بنت عبدالرحمن؟
عبدالعزيز : ماعاش من يهينك
رتيل بغضب : لا تحاول تقنعني بأيَ كلمة! أنت تهيني . . تهيني يا عبدالعزيز، حتى الحين تهين شعوري لما أبيَن لك كل شي وتجلس تجاوبني بأشياء ثانية
عبدالعزيز : كيف أجاوبك؟
رتيل تلفَ وجهها للجهة الأخرى : وش أبي بحُب أنا طلبته؟ إما تجي منك ولا ما أبيه . .
عبدالعزيز الذي مازال يحاوط وجهه أرغمها على النظر إليْه : الحين فهمت كلام ابوك لي، لمَا قالي لا تكوَن علاقات وصداقات مع أحد، فهمت وش كان يقصد
رتيل بحدَة نظراتها : الله يسلم أبوي كانه داري إنك إنسان بارد تجرح الواحد وتجي تداويه!!
عبدالعزيز عقد حاجبيْه وبحدَة نبرته : تدرين وش الفكرة اللي في بالي الحين؟ إنك جاحدة وظالمة
رتيل بغضبها الذي لا يهدأ دفعته بكفيَها الرقيقتيْن، لم يتحرَك من مكانِه ولم تهزَه ضربتها الناعمة : ليه رجعت؟ . . ما أبغى أشوفك
عبدالعزيز رُغما عنه إبتسم : ومتناقضة
رتيل : وأنت أناني وحقير وبارد و نذل و قاسي و متسلط وو . .
لم تُكمل من قُبلته المُفاجئة التي أعادت رأسها إلى الوسادة، ويديْه تُقيَد كفيَ رتيل، همس وهو يبتعد مقدار ـ 5 سم ـ عن شفتيْها : وعاشق
فتحت عينيْها وصدرُها لا يتنفسُ بسلام إثر الإضطراب الذي يعيشه ويجعله يرتفع بعلوِ الشهيق ويزفرُ بهبوطٍ شديد، نظرت إليْه وشحوب ملامحها يتحوَل للحُمرة، رفع عبدالعزيز نفسه عنها حتى لا يضغط على مكان الإصابة، ترك كفيَها ليقف بعد أن سمع صوتُ الباب، عبدالرحمن قبل أن ينظرُ إلى رتيل : وينـ . . صمت عندما رأى إبنته، أقترب منها : يا بعد عُمري، الحمدلله على السلامة . . قرَت عيوني
عانقتهُ بشدَة وهي تنظرُ من على كتفِ والدها عينيَ عبدالعزيز، أرادت أن تمتص الهدوء من جسدِ أبيها : الله يسلمك
عبدالرحمن أنتبه لتنفسها غير المنتظم، أبعدها لينظر إلى وجهها الباكي : وش مبكِيك؟ . . إلتفت لعبدالعزيز . . .
عبدالعزيز حكَ رقبته بتوتر وحرارة جسدِه ترتفعُ إلى أوجَها : كانت تبيك
عبدالرحمن عاد بأنظاره إليْها وهو يمسح وجهها ويُبعد خصلات شعرها الملتوية من على وجهها : شلونك الحين؟ حاسَة بألم؟
رتيل هزَت رأسها بالنفي و زادت عُقدة حاجبيَ والدها من أنفاسها التي تُشعره وكأنها ركضت للتو : فيك شي؟
رتيل بإبتسامة أرادت أن تُطمئنه : لا، . . أشتقت لك
عبدالرحمن يُقبَل جبينها : تشتاق لك الجنَة، وأنا أشتقت لكم والله بس الحمدلله عدَت على خير . .تنذكر ولا تنعاد يارب
رتيل : آمين . .
عبدالرحمن : تجلسين بروحك بس شويَ؟ بروح أنا وعبدالعزيز للفندق وبرجع لك بعدها
رتيل فقدت الإدراك بكل الكلمات التي يقولها والدها، وبقيْت صامتة.
عبدالرحمن بإستغراب : رتيييل
رتيل : ها
عبدالرحمن : وش فيك؟ شكلك مو طبيعي . . إلتفت لعبدالعزيز . . قايلها شي؟
عبدالعزيز : وش بقولها يعني؟ أصلاً توَها صحت وبكت على طول . . صح؟
عبدالرحمن أنتظر تأكيد رتيل الذي طال وأربك عبدالعزيز، نطقت وهي تبلعُ ريقها بصعوبة : إيه
عبدالرحمن : طيب بتركِك وماني مطوَل عليك بس عشان ما ينشغل بالي على عبير وضيَ
رتيل : طيب
عبدالرحمن : إذا بتخافين بجلس عندِك
رتيل : لا عادي بنتظرك
وقف : يالله عبدالعزيز . . خرج وتبعه عبدالعزيز الذي إلتفت عليها بنظرةٍ أخيرة ـ تبتسم ـ.
تكمله رواية رتيل وعبدالعزيز
رتيل وضعت يدها على قلبها لتستشعر الزلازل التي صابته، إلتفتت للشاشة التي تُبيَن صورة نبضاتِ قلبها، تأملتها لعلَها تفهم شيء ولكن لم تستنتج أيَ معلومة منه.
وضعت رأسها على الوسادة لتُتمتم : مجنون!
بدأت تدور حول نفسها بطريقة ـ غريبة ـ وهي تُفكر كيف تبدأ كلماتها معه، كيف تُخبره دون أن يغضب؟ كيف تجعلهُ يبتسم على كل قول ستنطق به؟
إن أخبرته أنني أكذب لن يصدقني بعد ذلك ورُبما يُعايرني ويقول لي أنتِ كذبتِي قبل هذه المرَة لن استغرب أن تكذبين مرةً اخرى، وإن لم أخبره سأشعرُ بالذنب دائِمًا ورُبما يقول لعائلته عنَي ويبدأون بالسؤال ويصل الأمر لأبي، إن وصل لأبي سيفضحني بالتأكيد أمامهم ويُهزأني! ماهي الطريقة الناعمة التي لن تُضايقني مستقبلاً ولن تضايقه أيضًا؟ يارب ساعدني بفكرة أستطيعُ بها أن أقنعه.
أوقف دورانها بيديْه : أنهبلتي؟
ريم شعرت بالدوار من طريقتها بالتفكير، نظرت إليه بعد ثوانٍ طويلة : أحب أفكر كِذا
ريَان إبتسم : كل شي عندِك غريب
ريم تشابكت أصابعها : ريَان بقولك شي
ريَان جلس على الأريكَة ورفع عينيْه : قولي
ريم أخذت نفس عميق وهي تُغمض عينيْه، أردف : وهذا بعد من طقوس تفكيرك
ريم جلست بمُقابله : لا تتمصخر! بس أحاول اقولك بطريقة لطيفة ما تزعجك؟
ريَان : يعني الموضوع يزعجني؟
ريم : أسألك سؤال
ريَان : أسألي
ريم : لو عرفت شي أنقهرت منه وش تسوي؟
ريَان بكذِب أراد أن يستدرجها بالقوْل : عادِي، أنقهر ساعة وأرضى
ريم : يعني منت من النوع اللي يعصَب ويجلس أيام وهو معصَب
ريَان : أنا؟؟؟ أبدًا ماني من هالنوع
ريم : طيب . . . يعني هو موضوع صغير بس صار كبير . . تذكر لما خليتك تكلَم يوسف عشان تتأكد من المرض وكِذا؟
ريَان : إيه؟
ريم تنحنحت : أنا أكذب . . . ـ بنبرةٍ طفولية وهي تحلف ـ بس والله العظيم والله يا ريَان إنه قصدي مو الكذب، بس كنت أبيك تعطيني وجه شويَ
ريَان كان من الممكن أن يغضب ولكن أمام نبرتها وهي تشرح جعلته ينظرُ إليها بجمُود.
ريم : يعني كانت حياتنا باردة مررة فقلت وش أسوي؟ مافيه إلا شي يخليك تفكر فيني! وماجاء في بالي غير هالفكرة وصديقتي جرَبتها يعني . . جربتها مع زوجها وتقولي إنه مرة تغيَر وحمستني . . وبس جرَبتها . . بس والله العظيم إنه الهدف كان هو الخير .. ولا أنا ما أكذب! وماني راعية كذب . . يعني هو الإنسان طبيعي ماراح يصدق في كل حياته، لازم يكذب أحيانًا كذبة بيضا عشان يمشَي حياته . . وهذي تعتبر كذبة بيضا ما ضرتَك ولا ضرتني . . بالعكس خلتك دايم تدلعني
ريَان : أدلَعك؟
ريم بربكة : يعني مو تدلعني بالصيغة المتعارف عليه، أقصد صرت شويَ حنون، حتى أهلك لاحظوه وقاموا يسألوني . . والله العظيم إنه امك سألتني
ريَان مسك نفسه عن الإبتسامة أمام حلفها المتكرر، ريم بضيق : وحتى صديقتي نفسها قالت لاتقولين له وتفضحين نفسك، خليها تمشي عليه عشان مايظن فيك ظن سوء، بس أنا قلت لا! ريَان عاقل ويعرف إنه أحيانًا نتصرف حسب النوايا
ريَان بحدَة : تتبلين على نفسك؟ مجنونة أنتِ ولا صاحية؟ بكرا تمرضين وساعتها ماينفعك كلام صديقتك!!
ريم : والله العظيم يا ريـ
ريان يُقاطعها : خلاااص لا تحلفين
ريم : أدري إني غلطت وأنا آسفة وأدري إني . .
ريان يُقاطعها مرةً اخرى : سكري الموضوع
ريم وقفت لتجلس على الطاولة القريبة منه : زعلان؟ . . والله العظيم يا ريَان إني أحلم نعيش بسلام وكِذا حياة وردية وحلوة . .
ريان قفزت على شفتيْه ضحكة قصيرة، جعلت ريم تبتسم.
بتنهيدة : وإحنا مو عايشين بسلام وحياة وردية على قولتك؟
ريم : يعني الحمدلله محنا سيئين لكن ما بيننا توافق لا في الإهتمام ولا الأفكار ولا شي . . يعني بتكون الحياة حلوة لو أهتميت بإهتماماتي وأنا أهتميت بإهتماماتك، أنا حتى لمَا أسألك وش الأكلة اللي تحبها تقولي مافيه شي محدد! يعني ماتخليني أعرف عنك شي بس أنزل المطبخ تقولي أفنان ريَان يحب سلطة الزبادي . . طيب قولي أحب سلطة الزبادي خلني أسويها لك
ريان بإبتسامة : وش دخل ذي في ذيَ ؟
ريم : إلا لها دخل، يعني أنت حاط حواجز بيننا، تحسسني إني زميلك بالشغل ماتشاركني أيَ إهتمام
ريَان : لأن فعلا ماعندي إهتمامات معيَنة
ريم بقهر : بس أفنان تعرف إهتماماتك من السمَا
ريَان : طيب وش تبين تعرفين ؟
ريم لانت ملامحها بإبتسامة : قولي كل شي عشان لا قالوا ريَان كِذا وكِذا، ما أجلس مفهية مدري وش السالفة وأطلع آخر من يعلم بمعلومة عنك كأني ماني زوجتك
---
عبدالمجيد يمدَ له كأس الماء : سمَ
فارس يأخذه ويشربُ ربعه بعينٍ تذبلُ شيئًا فشيئًا، وضع رأسه على الأريكَة وأغمض عيناه، لينام بسكينة الطِفل إن أُغمي عليه من التعب، وقف عبدالمجيد وجلب له ـ فِراش ـ غطاه جيدًا وأغلق الأنوار حتى لا ينزعج من شيء.
خرج لسلطان الجالس بسيكنته الخاصَة : بترجع للرياض الليلة ولا بكرا؟
سلطان : بعد شويَ بروح المطار
عبدالمجيد : توصل بالسلامة
سلطان : تنهَد : الله يسلمك، شلونه؟
عبدالمجيد : ماهو بخير أبد بس توَ نام . . .
سلطان بضيق : ما كان لازم يموت قدام ولده! بس قدَر الله وماشاء فعل، مهما كان مجرم بس الجريمة فعلاً إنه يموت بهالصورة!!
عبدالمجيد : إن شاء ربي رحمه وإن شاء غفر له، أمره بإيد الله مانقدر نقول شي ثاني
سلطان : جيبه معك الرياض لا تتركه هنا، أصلاً ماعاد له بيت هناك بعد! لو ينفع نخليه يشتغل بأي وظيفة أتوسَط له فيها . . أنت وش رايك؟
عبدالمجيد : يبي له فترة طويلة عشان يتقبل موت أبوه
سلطان : طيب أنت قوله أيَ شي يبيه أنا مستعد أسويه له، ترى الفراغ مو زين له! بيوْسوس فيه وبيخليه ينهبل من التفكير!
عبدالمجيد : بستشيرك بشي، خلنا نكلم عبدالرحمن يخلي بنته تجي له
سلطان رفع حاجبيْه بإستغراب : نعم! ليه؟
عبدالمجيد : يعني . .
سلطان يُقاطعه : تراه زواج على ورق ومحد راضي فيه
عبدالمجيد : لا غلطان! فارس راضي فيها وهي راضية بعد
سلطان بدهشة : متى أمداه يرضى هي وياه؟ . . وش ذا الحُب الرخيص اللي من يومين حبوا بعض!!
عبدالمجيد تنهَد : سلطان ماهو وقت تمصخرك!! جد يحبون بعض ولا تسألني كيف . . يمكن هي الوحيدة اللي بتقدر تطلعه من جو هالكآبة
سلطان : مستحيل يوافق عبدالرحمن عقب اللي صار! بيحفظ بناته بعيونه ولا راح يخلي أحد يقرَب لهم
عبدالمجيد : سلطان! أنا وياك لا أتفقنا بنقدر نقنعه ونبيَن له! وبعدين فارس ماهو سيء! بالعكس رجَال والنعم فيه وماله علاقة بإسم أبوه
سلطان : يعني وش قصدِك؟ تبيهم يكملون حياتهم مثل ايَ زوجين!
عبدالمجيد : إيه
سلطان ضحك من أفكار عبدالمجيد : أنت عارف كيف الزواج تمَ؟ مستحيل يكملون مع بعض
عبدالمجيد : مو توَك تقول مستعد أسوِي له أيَ شي؟
سلطان : بس عاد ماهو على حساب بنات بو سعود
عبدالمجيد : يعني بتترك مهمة الإقناع عليَ؟
سلطان تنهَد : وش أقوله؟ أقوله معليش يا عبدالرحمن خلَ بنتك تروح له؟ كيف بيثق أصلاً ؟
عبدالمجيد : لمَا نرجع الرياض على خير إن شاء الله بيكون فارس قدام عيونه وبيثق فيه وبيتطمن على بنته
سلطان مسح وجهه بكفيَه : طيب، بس يرجعون الرياض راح أكلمه ولو إني عارف وش بتكون ردة فعله
عبدالمجيد : كلامي مع كلامك بيفيد، أنت جرَب وش بتخسر؟
سلطان وقف : طيب اللي تشوفه . . أنا ماشي تآمرني على شي
عبدالمجيد : توصل بالسلامة
سلطان : ألله يسلمك . . . . وهو يسيرُ بإتجاه الباب إلتفت عليه . . ما سألتك كيف جتِك فكرة آسلي؟
عبدالمجيد بإبتسامة : أفكار سلطان العيد الله يرحمه
سلطان رفع حاجبيْه بإندهاش : صار لنا سنتين مدري 3 سنوات نقول فيه واحد إسمه آسلي وراح يجي يوم يقابله رائد وحالتنا حالة آخر شي يطلع واحد منَا!!
عبدالمجيد : لو بتفكر بكل الأشياء اللي صارت بتكتشف إنك ماتدري عن تفاصيلها
سلطان تنهَد : خل يجي سعد ويجيب أمل معه عشان أفرغ اللي بقى في داخلي
عبدالمجيد : لا سعد خلَه عليَ وأمل بتُحاكم حالها من حالهم
سلطان : و وليد؟
عبدالمجيد : لا عاد هِنا لا يلعب فيك الشيطان، وليد ما سوَا أيَ شي خارج القانون
سلطان : أجل خلني أبشرك الشيطان على قولتك وش يقولي، ودَي أشوفه بعد وأطلع الحرَة الخاصة فيه
عبدالمجيد بجدية : سلطان! جد أترك وليد عنك، لأنه هو تصرف مثل أيَ شخص راح يكون بمكانه . . لا تدخل المشاكل العائلية بموضوعه
سلطان نظر إلى ساعته التي تُشير إلى ـ هبوط المغرب على سماء الرياض ـ : وأنت مصدَق إني بروح له ميونخ، بس في خاطري طبعًا . . . يالله سلام . . . خرج ونزل بالسلالم وهو يكتب في الواتس آب لـ " جنتِي " ( الساعة 9 طيارتي يعني بوصل تقريبًا 3 الفجر )
لم تمَر دقيقة إلا وأضاء هاتفه بإتصالها، أجابها بصوتٍ مبتهج : يا هلا
حصَة : هلابِك، بشرني عنك؟
سلطان يُشير إلى التاكسي بالوقوف : بخير الحمدلله وأموري تمام، أنتِ شلونِك؟
حصَة : الحمدلله بصحة وعافية، خلصت شغلك كله؟
سلطان : إيه الحمدلله، بلغي السوَاق عشان يجيني المطار
حصَة : أبشر . . ما قلت لك ؟
سلطان : وشو ؟
حصَة : عايشة أسلمت
سلطان : ماشاء الله، متى ؟
حصة : أمس وأحزر من اللي أنطقها الشهادة؟
سلطان : أنتِ؟ ولا العنود جايتك
حصَة : الجوهرة، هي اللي معطتها الكتب أصلاً . . لو تشوف فرحتها
سلطان بإستغراب : الجوهرة بالرياض؟؟؟
حصَة : لا، كلمناها بالجوال . . ـ بنبرةٍ تستدرجه ـ . . إذا ودَك مرة تقدر تجيبها للرياض
سلطان : هذي اللي قالت يا سلطان ماعاد بفتح الموضوع معك
حصَة : يخي وش أسوي، بس أسمع صوتك أحس لساني يركض يبي يقول الجوهرة بأيَ سالفة حتى لو أنه مافيه سالفة
سلطان غرق بضحكتِه : مالِك حل
حصَة إبتسمت : بس آخر سؤال، كلمتها من جيت باريس ولا لأ ؟ يالله جبت لك سالفة إتصل عليها وقولها عن عايشة! ومنها تتطمن عليها بدون ما تجرح كبرياء سموَك!!
سلطان بلع ريقه متنهدًا : كلمتها، وتطمنت عليها
حصَة : جد؟
سلطان : إيه والله اليوم الظهر كلمتها
حصة : وشلونها؟
سلطان بضحكة : يعني ماتدرين؟
حصة : لازم أعرف الحال من ناحيْتك
سلطان : أبد الله يسلمك تقول إنها بخير الحمدلله
حصَة : وش رايك تروح لمطار الملك فهد؟
سلطان : الطيارة بمزاجي، أقولهم نزلوني بالدمام ؟
حصَة بخبث : يعني أنت تبي الدمام؟ وعذرك الطيارة؟
سلطان : لا أنا أجاوبك على سؤالك . .
حصَة : طيب تعال خلني أشوفك وترتاح وأقرأ عليك كود الشياطين تهجد وتقولي . . ـ تقلد نبرته ـ . . والله يا حصة عندي مشوار للشرقية
سلطان : لا حول ولا قوة الا بالله . . لا تخافين بجي الشرقية
حصَة غرقت بضحكتِها : والله إني دارية
سلطان : طبيعي بجي . . بشوف أبوها بعد
حصَة : رجعها يا سلطان
سلطان بإستفزاز : عدَتها بتنتهي إن شاء الله و . .
تُقاطعه حصة بإنفعال : قل آمين . .
سلطان بضحكة : حصة بسألك سؤال جد
حصة : وشو مع إنك ما تستاهل
سلطان : الجوهرة بأيَ شهر؟
حصة ضربت صدرها بيدها : عسى السما ما تطيح علينا! مرتك يا سلطان . . تعرف وش يعني مرتك؟ مفروض عارف هي في أيَ يوم حتى؟
سلطان تنهد : تبيني أذكرك إني ماعرفت بحملها إلا متأخر وش يدريني متى حملت ؟
حصة : إيه صح . . بس ولو كان مفروض تسأل . . هي بالشهر الثالث
سلطان : باقي لها 6 شهور ؟
حصة : إيه 6 شهور إن شاء الله . . يعني على صيف 2013 بتولد بإذن الله . . . الله يسهَل عليها
سلطان : بس يولدون بالسابع؟
حصَة : سلطان معلوماتك الطبية زيرو . . فيه ناس حتى تولد بالثامن . . يعني ماهو شرط يا السابع يا التاسع . . تدري إنه فيه حريم يوصلون لبداية العاشر
سلطان : أدري بس أبي أعرف متى يكون وقت ولادتها
حصَة : يارب يارب يارب إنها تولد بالرياض
سلطان : أنا أفكر وين وأنتِ وين، أنا بس ما أبي يكون عندِي دوْرة برا أو مسافر
حصة بحدَة : طبعًا، أهم شي عندك شغلك . . ما أقول الا مالت عليك وعلى اللي متحمس! قلت يسأل متى ولادتها يعني مهتم! أثاريك تبي تنسَق عشان ماتكون مسافر
سحبها لصدره بقوَة، وقفت على أطرافِ أصابعها وهي تستنشقُه بلهفة، قبَل رأسها وهي تُخفضه باكيَة، بهمس : لا تبكين!
غادة أبتعدت حتى تنظرُ إليه بنظراتٍ يُضيئها الإشتياق : الحمدلله الحمدلله . . كنت راح أموت لو صار لك شي
عبدالعزيز : بسم الله عليك . . قبَل جبينها وهو يُطيلها بذكرى ـ والدتِه و والدِه و هديل ـ . . خلينا نطلع من هنا
غادة مسحت ملامحها من آثار البكاء التي تغزُوها، مسكت يدِه لتخرج من الفندق وهُم يسيران على الرصيف.
كنت أشعرُ ولوهلة أنني فقدتُ عائلتي المتمثلة بِك، أنت ليس وحدِك يا عزيز! أصبحت تقفُ بهيبة أبي وعناق أمي وضحكة هديل، إن فقدتُك! فقدتُ عائلتي مرةً أخرى وهذا مالاطاقة ليْ به، يكفيني فقدُ واحِد لا أريد للتجربة أن تتكرر! أُريدك أنت، وأن أعيش على شُرفة صوتِك وأنسى كل ما مرَ خلال هذه السنـة، أحتاجُك يا ـ أخوي ـ ولا أملكُ أيَ سدًا يمنعُ حاجتي لك، أصبحت كل شيء في حياتي، وأخافُك! والله أخافُ أن تستيقظ عيني في يومٍ ما ولا أراك، وأخافُ من هذه الوحدَة أن تُطيل بعتمتها، أرجُوك بدَد الظلام بعينيْك و أجعلنا / نعيش. فقط نعيش.
غادة : وين كنت باليومين اللي فاتوا؟ وش صار لك؟
عبدالعزيز : شغل، لكن أنتهى
غادة بتوتر عميق : وناصر معاك
عبدالعزيز إلتفت عليها وبنبرةٍ تحملُ معنى أعمق : إن شاء الله أنه معايْ
غادة : وينه؟
عبدالعزيز : راح يجي . . مخنوق من باريس و لا عاد لي نفس أمشي بشوارعها! راح نطلع من هنا لأيَ مكان غير الرياض
غادة شدَت على كفَه وهي تُسانده : المكان اللي بتروح له راح أروح له معاك
عبدالعزيز بوجَعٍ يُرجف قلبه : بس يجي ناصر راح أقوله، راح نبني حياتنا بعيد عن باريس والرياض وكل مكان فيه أحد يعرفنا، راح نبدأ من جديد
غادة التي فهمته جيدًا : وش منَه موجوع؟
عبدالعزيز صمَت وأكمل معها السيْر، وقفت غادة لتُجبره على الوقوف : قولي!
عبدالعزيز : موجوع من كل شي حولي، أبي أبعد بأقرب فرصة من باريس
غادة : و رتيل؟
عبدالعزيز أتاهُ السؤال بغتةً ليصمت.
غادة : قالوا لـك؟
عبدالعزيز : وصلني الخبر
غادة : رحت شفتها؟
عبدالعزيز : إيه كنت عندها
غادة : شلونها؟
عبدالعزيز : بخير إن شاء الله بتقوم بالسلامة بسرعة
غادة : ماراح تجلس عندها
عبدالعزيز تنهَد : غادة لا تشغلين نفسك بأموري . . خل يجي ناصر بس وارتاح
غادة : بس . .
يُقاطعها : قلت لك لا تشغلين نفسك فيني . . أشار لتاكسي بالوقوف ليركبان ويتجهان نحو شقتهما . .
إلتفت عليها عبدالعزيز : أخذي كل أغراضِك، ماراح أجلس الليلة هِنا
غادة : خلنا نروح المستشفى
عبدالعزيز : لا يا غادة . .
غادة : عبدالعزيز ما يصير . . خلنا نروح
عبدالعزيز : ليه كل هالحدَة عشانها؟ وش سوَت لك؟
غادة : ما سوَت ليْ شي بس مكسور قلبي عليها، وهي زوجتك أصلاً يعني مفروض أنت أكثر واحد توقف بصفَها الحين
عبدالعزيز تنهَد : رتـ . . أقصد غادة
غادة إبتسمت : إيوا رتيل . . عبدالعزيز روح للمستشفى
عبدالعزيز بضيق : ما نمت وواصلة معي ونفسيتي بالحضيض طبيعي بخربط، واللي يرحم والديك لا تضغطين عليَ
غادة : هذا طلب مني؟ ترَد لي طلب؟
عبدالعزيز صمت لثوانِ طويلة حتى نطق : توني كنت عندها، الله يخليك يا غادة
غادة : بسألك سؤال وجاوبني بصراحة
عبدالعزيز : عارف وش بتسألين عشان كِذا لا
غادة : وش بسأل ؟
عبدالعزيز : أثير ولا رتيل؟
غادة أبتسمت بإندهاش : لأني مصدومة منك كيف تزوجت مرتين بسنة وحدة؟ الأولى رتيل وبعدها أثير! طبيعي بسأل ليه؟
عبدالعزيز : راح أقولك كل شي بوقته
غادة : بس أنا أبي أسمع الحين، قلبي يقولي إنه قلبك مافيه الا شخص واحد وهو رتيل بس ليه أثير؟
عبدالعزيز : ومتى أكتشفتِ هالشي؟ بهالسرعة قدرتي تحللين الموضوع؟
غادة : أنا إحساسي يقول كِذا لأن عُمرك ما قلت أبي أثير! حتى كنت دايم تنزعج لمَا نذكرها عشانِك
عبدالعزيز إتسعت محاجره : تتذكرين؟
غادة عقدت حاجبيْها : إيه أتذكر
عبدالعزيز بدهشة : تتذكرين كل شي ؟
غادة بلعت ريقها برجفة : وش فيك عبدالعزيز؟ أتذكر بعض الأشياء اللي فاتت . .
عبدالعزيز تنهَد : يعني تتذكرين وش صار قبل الحادث؟
غادة : كانت ليلة عرسي . .
عبدالعزيز : إيه صح . .
وصلا إلى العمارة التي تضمَ شقتهم، نزل لينظر إلى الجسد الذي يُعطيه ظهره، بصوتٍ حاد : ناصـــر
إلتفت عليه بعد أن طال إنتظاره له، عبدالعزيز تقدَم إليه : وين كنت؟ تعبت وأنا أدوَرك؟
ناصِر : رحت أدوَر وليد . .
عبدالعزيز بغضب : طيب ليه ما قلت ليْ؟ توقعتك تحللت من النار وأنت جالس تدوَر وليد!!! وأصلاً هو ماهو فيه!!
ناصِر بضيق نظر إلى غادة الواقفة بجمُودٍ خلف أخيها، أكمل : المهم أسمعني تروح تجيب جوازك وتحضَر شنطتك وبنطلع الليلة من باريس!!
ناصر : وين بنروح ؟
عبدالعزيز بعصبية : أيَ زفت! المهم ما نجلس هنا، نروح للندن أقرب شي وبعدها نفكر بأيَ مكان ثاني . . طيب؟
ناصر : طيب . .
عبدالعزيز : روح الحين لشقتِك وجيب أغراضك وبنتظرك هنا
ناصر تنهَد : طيب . . . دخل عبدالعزيز إلى العمارة وضلَت غادة واقفة، أطالت بنظراتِها وأطال هو بتأملها.
أعرفُ هذه النظراتِ جيدًا! وأعرفُ سرَها، لم تتغيَر يا ناصر، مازلت الرجل الأسمَر المبعثِر لكل خليَة إتزان تحفَني! مازلت الرجلُ الذي اطل من النافذة كل يوم لأراه، والذي يجذبُني إليه كالمغناطيس، مازلت الرجُل الذي أحبه ومازلت أُحبه لأن فطرتِي / هي حُبه. عُدنا!
دخلت دون أن تنطق شيئًا، وقف عبدالعزيز في منتصف الدرج ينتظرها، مشت معه ناحية الشقَة، حاول أن يفتحها ولكن لاحظ أنها مُقفلة والمفتاح بها، ثوانٍ قليلة حتى تقدَمت أثير وفتحته وهي التي تنتظره من الصباح، تجمدَت عيناها برؤية غادة، أبتعدت عدَة خطوات للخلف برهبة من الذي تراه، إرتعش جسدها بأكملها وعيناها مازالت تتسعُ أكثر وأكثر بوجودِ غادة.
من رهبتها أستثار الخوف معدتها حتى شعرت بالغثيان، إتجهت نحو المغاسل لتتقيء صدمتها من الحياة التي تجيءُ بغادة.
إلتفتت على عبدالعزيز : خافت؟ ماكانت تدري عنَي صح؟
عبدالعزيز تنهَد : أدخلي أجلسي وأنا أروح أشوفها . . . إتجه إليها . . أثير
تمضمضت وأخذت المنشفة تمسحُ وجهها الذي شحَب، وبرجفة تقطعُ صوتها : هذي غادة!!
عبدالعزيز عقد حاجبيْه : إيه، قبل فترة عرفت بوجودها وشفتها
أثير بلعت ريقها بصعوبة : يعني حيَة؟
عبدالعزيز بإنفعال : وش فيك؟ أقولك حيَة وتسأليني عقبها!!
أثير : قلبي وقف حسبت إني أتوَهم ولا شي
عبدالعزيز مسح على وجهها : لا تتوهمين ولا شي
أثير : وين كنت طيب كل هالفترة؟
عبدالعزيز : شغل مقدرت أطلع منه، حتى غادة نفسها توني اليوم مرَيتها
أثير تذكرت أمرُ رتيل لتلفظ : أًصلاً انا أبغاك بموضوع
عبدالعزيز : وشو ؟
أثير : ست الحسن والدلال عارف وش سوَت فيني؟
عبدالعزيز تنهَد : أثير واللي يرحم والديك نفسيتي واصلة للحضيض ماني متحمَل أيَ شي
أثير : لا لازم تعرف، مزوَرة تحليلي الطبي ولا تسألني كيف لأني أنا مدري وش نوع الجنون اللي في مخها! ومخليتني لأيام أصدَق إني مريضة وقلبي يعاني! وآخر شي أروح المستشفى وتقولي الدكتور كل شي فيك سليم و أنه فيه وحدة كلمتنا وشرحنا لها وطبعًا مافيه وحدة بالشقة غيرها
عبدالعزيز بعدم تصديق : هي سوَت كِذا؟
أثير : أقسم لك بالله إنه هذا اللي صار، ولو تبي روح للمستشفى وكلم دكتورتي وبتعرف بنفسك إنها أتصلت وغيَرت التحليل
عبدالعزيز : طيب
أثير بإنفعال : وش طيب؟ أنا ماراح أجلس أنتظرها تطبَق جنونها عليَ وعليك، عبدالعزيز يا أنا يا هيَ
عبدالعزيز بحدَة : أثيـــر، قلت طيب يعني أنهي الموضوع . . تركها وإتجه للصالة.
أثير تمتمت : طيب وراك وراك لين تطلقها!!
غادة : كيفها الحين؟
عبدالعزيز : بخير لا تشغلين بالك،
غادة : ماراح تروح لرتيل؟
عبدالعزيز : وش قلت يا غادة؟
غادة بضيق : لأني أبي أتطمن عليها بعد، هي ما قصرت طول ما كنت معها
عبدالعزيز : غادة! يا روحي لا تزيدينها عليَ
غادة : ماني قادرة أفهمك وأفهم تصرفاتِك . . بحدَة أردفت . . لو القرار بإيدي ولو كنت مكانك ما كنت تركتها إلى الآن!! . . روح يا عبدالعزيز ما يصير كِذا
عبدالعزيز : مصدوم منك يا غادة على وقوفك الحادَ معها؟ طيب وانا وش سويت؟ رحت لها وأهلها الحين عندها.
دخلت أثير لتُقاطع حديثهم، تنحنحت كثيرًا حتى نطقت : مساء الخير غادة
غادة إبتسمت : مساء النور . . شلونِك الحين؟ عساك أحسن؟
أثير صمتت بعد أن سمعت صوتها، تحاول أن تستوعبْه لثوانٍ طويلة : بخير
رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية
إبتسم عبدالرحمن حتى رفعها عن مستوى الأرض بخفَة : يا رُوحي!
عبير بضيق : أشتقت لك أشتقت لك أشتقت لك أشتقت لك . . . كررتها كثيرًا حتى قاطعتها ضحكةُ والدها.
تقدَمت ضي على صوتِ ضحكاته، ببهجة : ما بغيت!!
أنزل عبير ليتقدم ناحية ضي وعانقها وهو يُغرقها بقبلاتِه، همس في إذنها : وحشتيني
" أشتقتُك، توحشتك، وحشتني " و كل مصطلحات الحنين لن تكفي لشرح وتوضيح مقدار شوْقِي لعناقِك و رائحتِك، في كل مرةٍ اتأكد بأن لا حياة أستطيع أنظر إليها وعيناك لا تُشاركني النظر، لا أستطيع العيْش بهناء وأنتَ بعيدٌ وتحملُ في قلبك هناءي! إني على الرُغم من كل شيْء يحصل ويحدثُ في حياتِنا إلا أنه سبب رئيسي يجعلني أقول دائِمًا " الحمدلله علِيك وش كثر أحبك! "
عبير : شفت رتيل؟
عبدالرحمن : توني كنت عندها، هي بخير الحمدلله . . بس تطلع بالسلامة راح نرجع على طول الرياض
عبير : طيب وش سويتوا؟ وش صار معكم؟
عبدالرحمن : كل أمورنا بخير الحمدلله، حققنا اليوم نجاح كبير لله الفضل والمنَة
ضيَ : الحمدلله، يعني أنتهى كل هذا؟
عبدالرحمن : إيه الحمدلله أنتهى كل شي هنا في باريس
عبير أرادت أن تسحبُ منه خبر عن فارس ولكن لم تستطع ان تسأل بطريقة غير مباشرة، جلست على طرف السرير : غادة طلعت قبل شويَ قالوا إنه عبدالعزيز جاء
عبدالرحمن : إيه هو سبقنا وجاكم . .
ضيَ : كلكم بخير؟
عبدالرحمن : كلنا الحمدلله
ضيَ إبتسمت : الحمدلله . . طيب خلنا نروح لرتيل ونشوفها
عبير : إيه خلنا نروح
عبدالرحمن : بس برتاح ساعتين على الأقل وبعدها بنروح كلها إن شاء الله . .
ضيَ : نوم العوافي
عبدالرحمن : الله يعافيك
عبير بتوتر جلست : وش صار مع رائد؟
عبدالرحمن : مات
عبير شهقت : وشو!!!
عبدالرحمن نظر إليها : مات الله يغفر له . . وش فيك تفاجئتي؟
عبير : آآآ . . لا بس أنصدمت شويَ . . كيف مات؟
عبدالرحمن : تعرَض لطلق نار، الله يصبَر ولده بس
عبير بللت شفتيْها بلسانِها من الربكة : ولده كان موجود هناك؟
عبدالرحمن : إيه، أكيد صعبة عليه يموت أبوه قدامه!!! . . الله لا يفجعنا بأحد ويرجَعنا الرياض سالمين
عبير همست وبدأت أفكارها تدور حول فارس : آمين . . .
بعد ـ شهريْن ـ
في الرياض تحديدًا، ( منزل عبدالله القايد )
تقف على أطرافِ أصابعها وهي تقرأ بضحكَة الأوراق التي كتبها فيصل : وهذي بعد . . كما لو أنكِ جئتِ حتى تبثَين بيْ الحياة. . هالله الله!
فيصل المستلقي على الأريكة وينظرُ إليها بتركيز : وش بقى ما قريتيه ؟
هيفاء : طيَحت قلبي يومها، وقمت أصيح ورحت كلمت أبوي قلت السالفة فيها إنَ بس زين ما طلعت مثل ما انا فاهمتها
فيصل وقف ليهجم عليها بضحكة وهو يأخذ منها الأوراق، عانقها من الخلف وهو يهمسُ بإذنها : ما أحب أحد يقرأ شي كتبته
هيفاء إتسعت إبتسامتها : خلاص راحت عليك! كل الأوراق قريتها وفتحت كل الكتب . .
فيصل كان سينطق شيئًا لولا حضور ريف التي تكتفت : ماما تقول أنزلوا على الغدا
هيفاء تنحنحت وهي تحكَ رقبتها من المنظر الذي دخلت عليه ريف، نزلت ومن خلفها فيصل الذي حمل بين يديْه ريف وأغلقها بقُبلاته : ثاني مرَة دقي الباب بعدها أدخلي
ريف : دقَيته بس ما سمعتوني
هيفاء إلتفتت عليها بحرجٍ كبير : فيصل خلاص
فيصل عض شفتِه حتى يُمسك ضحكته ويُنزلها، أقترب من والدتِه وقبَل رأسها، نظر إلى الطاولة المُجهَزة بأكلٍ يُغريه تمامًا : يسلم لي هالإيدين
والدته : عساه عافية . .
هيفاء جلسَت بمُقابله، أخذت نفس عميق من السعادة التي تُحيطها بوجودِ فيصل.
ظننتُ بك أول ما قرأتِ الأوراق سوءً ولكن أدركتُ تمامًا أننا أحيانًا نتصرفُ بطريقةٍ بشعة ولكن غايتنا منها / ضحكَة وفرحة، أنا ممتنة للأيام التي تجمعني معك تحت سقف واحِد وممتنة لطعم الحُب الذي تذوقتَه مِنك، وللضحكة التي بادلتني بها، أنا ممتنة لأولِ لحظة قبلتني بها وجعلتني أشعرُ بأن حياةً قضمت قلبي وليست شفاهِك، أنتَ أجملُ شيءٍ حصل بحياتي وأحلمُ بطفلٍ ينمو بين أحشائي يحملُ دماءِك، أحلمُ باللحظة التي أسمعُ بها أنني حامل، وأثق أنه سيجيء هذا اليوْم، سيجيء وأنتَ حبيبي.
" عبُود قام يمشي، يسلم لي قلبه "
نطقها وهو يُلاعبه، رفع عينه لوالدته : شايفة قام يمشي
والدته بإبتسامة : الله يحفظه ويخليه . .
أبو منصور : عبدالله . . . هرول عبدالله الصغير إليه حتى سقط بحُضنه، رفعه وأغرقه بقبلاته : يا زينه يا ناس
والدته : يوسف ما أتصل عليك؟
منصور : أكيد وصل حايل . . إن شاء الله ما يرجع الا معها
والدته : والله خايفة تصمم على رآيها
منصور : وبيصمَم يوسف بعد على رآيه، طول أمس أنا من جهة وعلي من جهة وحشَينا راسه عشان يروح
والدته : والله مهرة وش حليلها بس رآسها يابس! ذا عيبها
منصور إبتسم : ما تنلام بعد . . . إن شاء الله إنه نجلا ما تطوَل عشان ما تخرَب مزاجي
: هذي نجلا جتَ قبل لا يخرب مزاجك
منصور رفع عينه : ساعة أنتظرك . . المُشكلة عزيمة أمها مفروض مهتمة اكثر مني
نجلاء : شايفة خالتي ولدك وش كثر متحلطم؟
أم منصور : منصور زوَدتها
منصور وهو يقترب منها، قرص خدها : نمزح مع أم عبدالله . . ضحكت نجلاء وهي تحمل بين يديْها عبدالله الصغير : مع السلامة . . . ركبت السيارة . . . يالله منصور تذكَر اليوم وشو ؟ ولا والله بزعل
منصور ضحك وهو يلتفت عليها : يوم ميلادك مير إني ما أعترف فيه أنا آسف
نجلاء بضيق : طيب قول كل عام وأنتِ بخير لو جبر خاطر
منصور بإبتسامة : كل عام وأنتِ بخير وسعادة و فرحة و صحة وعافية و . . وش بعد تبين ؟
نجلاء إبتسمت عيناها التي تُضيء بالدمع : وكل عام وأنا أحبك . .
منصور : وكل عام وأنتِ تحبيني
نجلاء ضربت كتفه : قول وأنا أحبك؟ رومانسيتِك تحت الصفر
منصور سحبها حتى يُقبَل رأسها : أنا رومانسيتي أفعال . . حرَك سيارتِه وعينا عبدالله على الطريق والأضواء التي تُثير إنجذابه.
وأيضًا أُحبك، مرَت سنـة ونصف على زواجنـا ومازلت أشعرُ بحماسة الحُب وشغفه وكأنها أول ليلة معك، أنت النصيبُ الصالح الذي كُنا ندعو إليه وأنا قسمتُك، ممتنـة للحياة التي تجعلني أتمسكُ بك دائِمًا وأبدًا، ممتنة لعبدالله الذي وثَق حُبنا بميلادِه، وفي كل سنَة أكبرُ بها أشعرُ بأن حُبك مازال صبيًا في داخلي، لا يشيخ شيئًا عيناك تحفَه يا منصور.
" الصِدف أحيانًا تخلق السعادة لكن نفس الصِدف أحيانًا تكون سبب تعاسـة "
أغلقت صفحة ـ نواف ـ بتويتر وهي تقرأ آخر تغريدة له قبل شهر، وهي تتنهَد، من فرط خيالها أن تتوقع بإمكانها من الزواج من شخص لا يعرف عنها شيء، أقبلي يا أفنان بالوقع، هذا الوقع! كيف سيجيء ويتزوجني هكذا؟ منطقيًا هذا لا يحدُث، ولكن أردتُ لو صدفَة تخلقُ سعادتي، لو شيئًا يحدُث يجعله يطرق باب منزلنا، لم أشعرُ أنني أحبه بهذه الشدَة في وقتٍ سابق ولكن هو أول شيءٍ أفتح صفحته قبل أنام وعندما أستيقظ، أصبح جُزءٍ من يومي، تمنيَتُ أن يتحقق لي ولو كان خيالاً أؤمن به حتى يجيء حقيقة، ولكن لا حُب يأتِ بهذه الطريقة ولا حياة تُبنى بأساسٍ خيالي.
رفعت عينها للجوهرة التي دخلت عليها : وش فيك جالسة بالظلمة؟
أفنان تنهدَت : نسيت لا أشغَل النور
الجوهرة إبتسمت : جايبة لك خبر يعني ممكن حلو وممكن لا . . على حسب
أفنان : وشو ؟
الجوهرة : أمي قالت لي أقولك لأنها تقول محد يعرف يتفاهم مع أفنان غيرك
أفنان وقفت بربكة : إيه وشو قولي؟ خرعتيني
الجوهرة : فيه ناس أتصلوا وأطلبوك لولدهم
أفنان : مين؟
الجوهرة : ما تعرفينهم، شفتي خوال زوج هيفاء . . منهم
أفنان بضيق : طيب وش إسمه؟
الجوهرة : إسمه نايف، يشتغل بنفس المكان اللي فيه فيصل زوج هيفا . . ويعني الرجَال كويس ويقولون أخلاقه حلوة وأمي تقول إذا وافقت أفنان بلغت أبوك
أفنان جلست بخيبة لا تدري لِمَ أتاها أمل أن تسمع إسم ـ نواف ـ بآخر لحظة.
الجوهرة : وش فِيك ضقتِ؟ استخيري وشوفي! أما إذا تفكرين بنواف فأنتِ مجنونة
أفنان : ما أفكر فيه
الجوهرة : لا تكذبين!!! أفنان صدقيني بتتعبين إذا بتفكرين بشخص شفتيه بالصدفة . .
أفنان ضاقت محاجرها : طيب خلاص أرَد على امي بعدين
الجوهرة : أنتِ عارفة بقرارة نفسك إنه مافيه زواجات كِذا! شافِك يومين وقال بخطبها، يعني هي تصير بس مو دايم! وحتى أنتِ ماتعرفين عنه شي . . يمكن متزوج يمكن عنده عيال بعد . . . ويمكن اللي في داخلك مُجرد إعجاب وبينتهي . . . . أستخيري وشوفي
طلَ ريَان عليهما : أنتِ هنا وأنا أدوَرك
الجوهرة إلتفتت : ليه ؟
ريَان : سلطان تحت
الجوهرة إرتجفت أطرافها وهي تبلعُ ريقها بصعوبة : جد ؟
ريَان : إيه . . بالمجلس مع أبوي
الجوهرة : طيب بنزل له
إتجه ريَان لغرفتِه وأول ما فتح الباب رأى باقة ورد بوجهه، إبتسم : ريم؟
أبعدت ريم باقة الورد من أمام وجهها : بمُناسبة حصولك على ترقية بالشغل
ريَان : عندي حساسية من الورد
ريم بإحباط : جد عاد ؟
ريَان بضحكة أخذها : تسلمين
ريم إبتسمت : الله يسلمك . . مسكت يدِه لتذهب به إلى الغرفة الأخرى، وبمًنتصف الطاولة كيكة ناعِمة بلونِ الفانيلا.
ريم : تعبت وأنا أنتظرك بغيت أصلي ركعتين عشان تحنَ وتجي الغرفة
ريَان بإبتسامة : شكرًا
ريم : عفوًا . . طيب قول كلمة ثانية غير تسلمين و شكرًا
ريَان إلتفت عليها وبدأ الإحراج يتضح عليه : آآآآ. . شكرًا بعد
ريم غرقت بضحكتها : خلاص راضية فيها . . .
لو أنني بقيتُ على احلامي لمَا تقدمتُ لحظَة، كان لزامًا عليَ أن أُجهض أحلام الصِبا الورديَة وأتعايش مع واقعي، كان لِزامًا أن أتقبل ريَان بسلبياته، التي أصبحت بنظري الآن نوع من الإختلاف لا أكثر، تعلَمت كيف أخلقُ من هذا الواقع حلمًا ورديًا طويل الأمَد، حتى نظراتِك أصبحت بالنسبة لي شيءٌ مقدَس، أشعرُ دائِمًا أن نظراتِك معي تختلف، وهذا يُشعرني بأنني لستُ عاديَة بحياتِك، بالنسبـة لك يا ريَان / أنا أُحبك.
--
بدأت قدمِه بالإهتزاز وهو ينتظرُ حضورها إليْه، طال إنتظاره ويخشى أن لا تخرج إليْه، رُغم أنه لم يسمع صوْتها منذُ تلك الليلة ولا يدري ما تغيَر بها، حتى ملامحها أشتاقُها بشدَة.
قاطعت أفكارِه بدخولها، رفع عينه إليها تابعًا وقوفِه، طال الهدوء بينهما وهو يتأملها بلهفة الشوْق بعد أن غابت عن عينيْه لمدَة طويلة.
مُهرة : مساء الخير
حاولت أن تتجاوزه وتجلس ولكن ذراعِه قاطعت سيْرها، بشدَة سحبها إليه وعانقها، لم يستطع أن يُقاوم حضورها بعد كل هذا الغياب.
كيف أستطعتِ أن أعيش كل هذه الفترة دون صوتِك؟ و عيناكِ؟ أشتقتُ إليْك، وبلغت من شوْقي الصبَابَـة، لِمَ نبتعد من أجل هذا الكبرياء؟ كل خطوة وكل إنفصال بالحُب سببه الكبرياء الذي لو نروَضه قليلاً لقَدِرنا على العيْش بسلام.
مُهرة إرتجفت واترفعت حرارة الحُمرة بجسدِها من عناقه، همست : يوسف
أبتعد عنها لينظر إليْها : كيف تضيَعين نفسك كِذا ؟
مُهرة بضيق : يوسف الله يخليك لا توجعني
يوسف : جايَ عشان آخذك
مُهرة : تكلمنا بهالموضوع
يوسف : إيه تكلمنا! لكن لمَا يكون سبب الطلاق مقنع أبشري بوقتها لكن عشان أخوك اللي مات الله يرحمه ولا يدري عنك طبعًا لا
مُهرة أمتلأت عينيْها بالدموع : يوسف أرجوك!!
يوسف : أنتِ اللي أرجوك! . . ما يصير تهدمين كل شي عشان سبب واحد؟ وفيه مليون سبب عشان نكمَل
مُهرة ببكاء : حط نفسك مكاني، تخيَل كيف بناظر أهلك؟ والله مالي وجه
يُوسف بإنفعال : وش دخلك فيهم؟ أصلاً حتى هم قبل لا أجيك يكلموني ويقولون خلَك مصمَم عليها . . والله العظيم إنه أمي تنتظرك وتبيك
مُهرة أخفضت رأسها، أردف : مالي خاطر عندِك ؟
مُهرة بإندفاع : إلا طبعا
يوسف إبتسم : طيب؟
مُهرة : أحس أفكاري تشتت، مو قادرة أفكَر صح
يوسف : أنا أفكر عنك وأقولك جيبي أغراضِك وخلينا نمشي عشان نوصل الرياض بدري
مُهرة : يوسف
يوسف : لا يوسف ولا غيره . . بنتظرك
مُهرة : بس . .
يوسف : قلت بنتظرك
مُهرة عضَت شفتِها السفليَة بتوتر : والله أخاف من الحياة اللي بتجيني
يوسف اقترب ليُقبَل جبينها : أنا معاك . . خرج لينتظرها بالسيارة دون أن يترك لها مجال للنقاش والتفكير.
تنهدَت مُهرة تعلم أن والدتها لن تقف هذه المرَة بوجهها، خرجت لتجدها : جاء يوسف
والدتها : أدري
مُهرة بلعت ريقها : بروح معاه
والدتها : ماعاد لي شغل بحياتتس
مُهرة بضيق جلست على ركبتيْها عند أقدامها : يمه تكفين، وش أسوي أنا بدون رضاك؟
والدتها : إذا تبين رضايَ ماتركضين وراه
مُهرة : هو زوجي .. تكفين يمه طلبتك
والدتها بضيق : بكرا تتهاوشين معه وتقولين صادزة يمَه
مُهرة : لا ماني متهاوشة معه ولا قايلة صادقة يمَه، يوسف مستحيل يأذيني بشي . . تكفين
والدتها : روحي وشو له تنتظرين؟
مُهرة : ماني رايحة بدون لا ترضين عليَ . . . قبَلت ظاهر كفَها ورفعت عينيْها إليْه . . . هاا؟؟
والدتها تنهدَت بقلة حيلة : طيب روحي
مُهرة إبتسمت ووقفت لتُقبَل رأسها : يالله عساك ترضين عليه . . .
ركضت للأعلى ليأتِ صوت والدتها : شويَ شوي لا تطيحين
هذه المرَة يا يوسف أرجُو أن يكون الغياب الفائت آخرُ بُعدٍ بيننا، أنا التي كنت الطرف الظالم في هذه العلاقة ولكنني كُنت أشتاقُك في كل لحظة، ولكن كل شيء أمامي يجعلني أفكَر بأن لا بدايَة جديدة بيننا، تصوَر كل شيء يُخبرني، عندما مرَ أكثرُ من شهريْن ولم أسمع بها صوتِك أدركت أنك لا تُفكر أبدًا بأن تُعيدني لحياتِك، شعرت بالخيبة رُغم أنني أنا سببها، ولكن كنت أريد إصرارًا منك بعد أن تحدَثت مع منصور، أردتُ فعلاً أن أستيقظ على عينيْك، لا يهُم! الذي يهمني حالاً أنك بالأسفل تنتظرني.
---
في ميُونِخ، يسمعُ لمريضِه الذي يُعاني من فرط كآبـة، وفي كل كلمةٍ ينطقها يستذكرُ غادة التي كانت تُخبره بمثل هذا الحُزن وبنبرة هذا الوجَع، لم أنجح ولم أفلح أبدًا بأيَ علاقة بحياتي، مازلت موجُوع! حاولت أن أتمسَك بكل فرصةٍ أتت إليَ ولكن لم أستطع أبدًا، أنا الذي بعد الله أُساعد غيري أعجزُ عن مساعدة نفسي، أحلمُ بأن أكوَن عائلة ولكن هذه العائلة لا تُريدني، حاولت مرَة تقليديًا وحاولت ثانيةً بصورةِ حُبٍ أردته وبكلا الحالتين فشلتْ، لا نصيب لي ولا حظَ بالحُب! والآن؟ أُكمل حياتي برتابَـة، أستيقظ لأنظم مواعيدي، أحضرُ دورات وأُعطي دروس وأداوم بالعيادة، وماذا أيضًا؟ لا شيء سوى الوحدَة التي تحفَني، الوحدَة التي مهما حاولت أن أنسلخ عنها لا أقدر، هي تنمُو بدل جلِدي ومن يقدر أن ينزع هذا الجِلد؟ لا أحَد! وحيدٌ جدًا و لا أظنُ أنني أستحق هذا الكمَ من الوجَع.
--
في حلقةِ قُرآن بالمعهد، كان يحفظُ الجزء المطلوبِ منه، " ومن يعمل من الصالِحات من ذكَرٍ أو أنثى وهو مُؤمن فأولئك يدخلون الجنَة ولا يُظلمَون نقيرًا " أكمل حفظ نصف القرآن وتبقى النصف الآخر.
حلاوة حفظ القرآن لن يستشعرها سوى حافظِ الكتاب، يستشعرُ بكل المواقف في حياتِه أن هُناك آيات سكينة تُتلى في قلبِه وهُناك آيات تُذكره عند الإقدام على ذَنبٍ ما وهُناك آيات تُرتَل جمال الجنَة عندما يتعبُ من طاعته، أحاول أن أنسى الجوهرة! لا أقول أنها لا تجيئني وتخترق عقلي، مازالت بسطوةِ حضورها ولكن بدأت أنزعُ إنجذابي إليْها، أشعرُ أنني بحاجة لأعوامٍ طويلة حتى أتخلَص من حُبها، اقتربتُ من عبدالمحسن، سيُسامحني قريبًا! أنا متأكد أنه سيسامحني حين أخبره أنني ختمتُ القرآن، كنت دائِمًا أظن أن صاحب المعصية لا بُد أن تكون نهايته مروَعة وكأننا لا نملكُ ربٌ رحيم، أكتشفتُ أن صاحب المعصية له حق الإختيار إما الجنة أو النار، لا أحد يُجازى بشيء لا يُريده، جميعنا نُجازى بما نُريد، حتى لو أنكرنا ذلك! بالنهاية أنا عصيتُ الله إذن أنا راضٍ بالعقاب، لكن الحمدلله على ـ التوبة ـ ، الحمدلله على هذا الدِين الذي جعل ذنبي صغيرًا أمام رحمتِه وعظمته.
--
أغلق هاتفِه بعد أن تحدَث مع والدِه الذي مازال منذُ شهريْن يسأله نفس السؤال عن غادة " كيف لقيتها؟ " ويشرحُ له ذات الموضوع في كل مرَة.
في جُزء من الرياض جميلاً، ركن سيارته ليلتفت عليها : هذا المسجد
غادة إبتسمت : اللي بنيته ليْ؟
ناصِر : إيه . . كنت متحمس أجي الرياض عشان أوريك إياه بس الله يهدي عبدالعزيز كأن الرياض ذبحته على كُرهه لها
غادة : المُهم شفته الحين، وبعدين عزوز رضى على الرياض لا تنسى
ناصِر : وش عقبه؟ عقب ما راح صوتي وأنا أقنعه . . .
غادة إلتفتت بكامل جسدِه إليْه : جد ناصر، أنا محظوظة فيك . . يعني عقب كل اللي صار أنت هنا وقدامي
ناصِر : أنا اللي محظوظ فيك، . . ـ بضحكة من فرحته ـ أحس إني بحلم! لو تدرين كم مرَة بكيت وقلت كيف أعيش بدونها؟ حياتي مالها قيمة أبدًا بدونك
غادة : الله لا يحرمني منك ويخليك ليْ
ناصِر : اللهم آمين يارب
غادة : تدرين وش جايَ على بالي؟
ناصِر : وشو ؟
غادة : إنه أحلامنا اللي كتبناها! ما تحس إنها تحققت؟ يعني ماتحققت بالوقت اللي أنتظرناه فيه لكنها بالنهاية تحققت
ناصِر : خلَيه يجي البطل ومستعد أخليه يربيني
غادة غرفت بضحكتها وهي تضع يدها على بطنها : يوه مطوَلين، أحسب 8 شهور بالتمام
ناصِر : أنتظره سنة وسنتين واللي يبي . .
غادة : بتكمل فرحتي لو تصالح عبدالعزيز مع رتيل
ناصر : أخوك راسه مصدَي! ما يعرف يتعامل مع الأنثى
غادة تنهدَت : حرام عليك!! هو بس مايعرف يعبَر صح
ناصِر بإبتسامة : وش رايك نطبَ عليه الحين ؟
غادة : قلت بتمشَيني بالرياض ! بعدها نطبَ عليه
ناصِر بضحكة : أوديك قصر المصمك؟
غادة : تتطنَز؟
ناصر : وش فيه! حاله من حال برج إيفل! ولا هذاك على رآسه ريشة، هذا تراثنا مفروض تعتَزين فيه
غادة : ومين قال إني ماني معتَزة فيه؟ بالعكس بس يعني ودَني مكان فيه حياة
ناصر : مافيه غير الأسواق . .
غادة : طيَب خلنا نروح لأيَ سوق بديت أجوع
ناصِر حرَك سيارتِه، وعينيَ غادة تنظرُ للمسجد نظرةً أخيرة.
كيف أشكرُ الله عليك بما يليق؟ تبني لي مسجدًا؟ هذا أكبرُ طموحٍ لمْ أكن تصِل يدي إليه! مرَت سنين على معرفتي بِك ورُغم أن السعادة لم تكن تمَر هذه السنين ولكن يكفيني آخر شهريْن، أنا أسعدُ إنسانة على هذه الأرض في هذه اللحظة، مرَت أيامًا كنت أبكِيك وأنا أجهلُك، كنت أقول أن جُزءً مني فقدتـُه، ولكن لم أستطع أن أتذكَر إسمك وهيئتك، ولكن قلبك كنتُ أعرفه وهو من أشكِي له قوْلي " أشتقت "، ومرَت أيامُ أكثر حُزنًا وَ وجعًا حين حاولت أن أتذكَرك ولم أستطع، حين شعرتُ بأنني شخصيَتيْن، وأنني مُشتتة ضائعة، ولكن مرَت أيضًا، والآن أمرُ بمرحلةٍ أنا لا أعرفُك وفقط، أنا أعشقك كوداعة الخيرَة من الله في قلبي. وأنت الخِيرة التي أردتُها.
--
دخل إلى الغرفَة وأفكاره تتوتَر أكثرُ وأكثَر، نظر إلى ضي التي بدأ تعبُها يشتَد في شهورها الأخيرة : مو قلت لك لا تصعدين فوق وأجلسي بالغرفة اللي تحت؟
ضيَ : كنت بغيَر ملابسي . . بس صاير فيني خمول وأنام بأي مكان
عبدالرحمن جلس : جاني عبدالمجيد
ضيَ : إيه؟
عبدالرحمن : هو صار له شهر ويعيد عليَ نفس الحكي بس مدري! خايف أقول لا وأظلمهم وخايف أقول إيه ويظلمها
ضي : مافهمت! قصدِك فارس و عبير؟
عبدالرحمن : إيه من فيه غيرهم، فارس تعبان حيل رحت شفته وأنكسر قلبي عليه، ماعاد في حياة بوجهه ويقولي عبدالمجيد لا يآكل ولا شي! حتى يوم قاله أمش نروح لأمك رفض! متوَحد مع نفسه، بس ما أبغى أضغط على عبير! ومستبعد إنه بفترة قصيرة قدرت ترتاح له مع أنَه لما أتصلت عليها يوم كانت عند رائد قالت لي إنه يعاملها زين . .
ضيَ : تبي شوري؟
عبدالرحمن : أكيد
ضيَ : خلها تروح له، حتى عبير بنتك تحتاجه . . وبعدين أنت بنفسك تقول إنه فارس شخص غير وبعيد كل البعد عن شخصية أبوه، لا توقف بوجههم! وبعدين عبير كبرَت ماعادت بنت صغيرة!!
عبدالرحمن : بس ..
ضيَ تُقاطعه : أنا عارفة مصدر خوفك، لكن هي بتكون قدام عيونك! مابينك وبين بيته إلا شارعين، وعبير قوية ما ينخاف عليها! لو ماتبيه بتقولها بوجهك ماأبيه لكن حتى هي تستحي تجيك وتسألك عن أخباره . .
عبدالرحمن تنهَد ليقف : بروح أشوفها
ضيَ : عبدالرحمن لا توقف بوجههم
عبدالرحمن : طيب . . . صعد لغُرفتها، طرق الباب وفتحه ليجد بوجهه رتيل التي مُتزيَنة وكأنها ستذهب لحفلةٍ ما : على وين ؟
رتيل بضحكة : وش رايك فيني ؟ جميلة ولا ؟
عبدالرحمن إبتسم : جميلة ونص
رتيل : بصراحة ماني رايحة مكان، بس أجرَب مكياج عبير . . .
عبير المستلقية على السرير نظرت إلى والدها وأستعدلت بجلستها : تعرف بنتِك تضرب فيوزاتها كل فترة
رتيل : والله يبه مخي محتاج يتنكس ويتنكس ويتنكس وأتنكس معه
والدها ضحك : وش سر هالسعادة عساها دوم ؟
رتيل عقدت حاجبيْها : شفت يبه لما تسألني كِذا أتذكر الأشياء السودا في حياتي
والدها : تدرين إنه عبدالعزيز جاء الرياض؟
رتيل تغيَرت ملامحها المبتهجة : جا؟
والدها : إيه بس طبعًا ما قالي بنفسه، شايل بقلبه عليَ مرة ..
رتيل : طيب . . أنا بروح لغرفتي . .
عبدالرحمن إقترب من عبير : جايَك بموضوع وأبيك تفكرين فيه
عبير تربَعت فوق سريرها : يخص؟
عبدالرحمن : تبين الطلاق؟
عبير أندهشت من السؤال وبقيْت متجمدَة، لم يخرجُ من شفتيْها نصف جواب.
عبدالرحمن : يعني لا، طيب فارس تعبَان ومافيه أحد ممكن يكلمه غيرك، وإذا منتِ راضية من بكرا أخليه يطلقك، أنا أنتظرت كل هالفترة عشان ظروفه، لكن بعد تهمني بنتي، أنتِ انجبرتي على هالزواج لكن ماراح تنجبرين بعد بإستمراريته
عبير أخفضت رأسها والدموع تتدافع في محاجرها، نطقت بصعوبة : ماني مجبورة
عبدالرحمن : يعني مرتاحة له؟
عبير هزَت رأسها بالإيجاب دون أن تنظر لوالدها، بخفُوت : شلونه الحين؟
عبدالرحمن : قومي شوفيه بنفسك . .
عبير رفعت عينيها بدهشَة : جد ؟
عبدالرحمن : إيه والله . . قومي ألبسي وخلينا نروح له . . . اقترب وقبَل رأسها . . تمَر الدقيقة تلو الدقيقة حتى خرج والدها وأرتدت بصورة سريعة ولبست عباءتها، أخذت نفس عميق وهي التي أشتاقت بشدَة إليْه.
مرَ الوقتُ سريعًا بالطريق، أشار لها والدها بمكان فارس : من هِنا . . . ودخل هو الآخر إلى المجلس عند عبدالمجيد
عبير نزعت نقابها وفتحت باب الغرفة بهدُوء، أختنقت عينيْها بالدموع عندما رأته، كان نائِمًا وملامحه لم تعَد هي ذاتُها التي تعرفها، ذقنه المهمَل و نحولِه، أكل هذا يفعلُ به موتِ والده؟
اقتربت منه لتنظر إلى ـ رواية ـ عند رأسه، أخذتها لتفتح الصفحة الأولى وبخطَ يدِه قرأت إهداءهُ لها حتى سقطت دمعة في وسط الورقة، فتح عينيْه التي كانت غافيَة مؤقتًا : عبير؟؟ . . شعَر وكأنه يتخيَلها.
عبير جلست بجانبه وهي تضع يدَها فوق كفَه، بضياء الدمع بعينيْها : يا روحها . .
فارس أستعدَل بجلسته ليُقابلها : مين جابك ؟
عبير : أبويْ . .
فارس صُدم من رضَا والدها وهو الذي شعر طوالِ الأيام الماضية أنهُ لن يراها أبدًا : أبوك!!
عبير : هو اللي قالي أجيك . . . . شلونك ؟
فارس بذبُولِ نظراتِه : بخير
عبير : ليه كل هذا؟ . . . نحفان مرة و عيونك تعبانة
فارس بضيق مازال غير مصدَق، قفزت دمعة إلى عينيْه : أنا أتخيَلك ولا أنتِ صدق قدامي
عبير أجهشت بالبكاء وهي تُخفض رأسها : لا تقول كِذا!!!
فارس : كيف رضى أبوك ؟
عبير : رضَا وبس . . . أهم شي أنتْ
فارس بلع ريقه بصعوبة، وضع يدِه على خدَها حتى يُصدَق ما يراه : منتِ حلم؟ . . تعرفين إني أنتظرتك كثييير
عبير : مقدرت أتكلم وأقول لأحد . . . ماكان راح أحد يظن فيني ظن حسَن حتى أبوي، لكن هو اللي جا ليْ! . . وسألني إذا أبي الطلاق، بس قلت له لا . . . فارس لا تسوي في نفسك كِذا
فارس نزلت دمعَة على خدَه : مات قدامي يا عبير! ناديته وما ردَ عليَ!! فقدت أبويَ
بقلم الكاتبة طيش
عبير : الله يرحمه ويغفر له . . هذا قضاء وقدر . . إذا ما مات اليوم بيموت بكرا، كل شخص ويومه مكتوب ماتقدر تسوي شي
فارس بتعَب يشتَد حُزنه و وجعه، دمُوعه كانت قاسية جدًا على قلب عبير التي لم تعتاد النظر إلى دموع الرجالِ كثيرًا : فقدته . . أحس روحي بتطلع
عبير : بسم الله عليك . . بسم الله عليك من هالوجَع . . . قوم صلَ ركعتين يمكن يهدآ بالك . . . حاسَة فيك والله، تخيَل حتى عمي مقرن محد قالي إنه توفى إلا من كَم يوم، حسَيت بوقتها إن روحي بتطلع لمَا سمعت، كان أكثر شخص قريب مني، بس كلهم كانوا جمبي . . وأنا جمبك الحين
فارس بتشكِيك : أبوك رضى ؟
عبير ببكاء تقطَع صوتك : والله رضَى والله يا فارس
فارس أجهشت عيناه بالدمَع، ماذا يحدُث؟ هل عبِير هي الحسنَة التي أخرجُ بها من وفاة والدِي؟ يارب إجعلها حسَنةٌ دائِمة، يارب إني أموت من الوجَع على أبِي ولا تجلعني أذُوق وجعها، يارب يارب ساعدني حتى أصبر على فراقه.
عبير : يالله فارس قوم . . صلَ
فارس قبَل جبينها وعيناه لا تتوقفَ من البُكاء، هذا الحلم الذي كان ينتظرُه منذُ زمَن وتوقع إستحالته ولكن لا شيء يستحيل على الله : إن شاء الله . . . إتجه ناحية الحمام ليتوضأ.
عبير سحبت منديلاً حتى تمسح دمُوعها، أخطأت كثيرًا، أدركتُ خطأي ولكنني لم أواصل به، الله يعلم إنني حاولتُ وأجتهدت أن أبتعد عنه، لم أتواصل معه ولم أتقدَم خطوة إليْه، منعته عن نفسِي وحققه الله ليْ بالحلال، أفهمُ تمامًا كيف تجيء جُملة ـ من ترك شيئًا لله عوَضه ـ بلسمًا على قلبي، منذُ اللحظة التي تركتُ به هذا الطريق والله يرحمني بفارس، لو أنني واصلتُ بهذا الطريق؟ وتحدَث مع فارس دائِمًا بالخفاء؟ لو أنني لم أمتنع عنه ماذا حصَل؟ رُبما كارِثة ورُبما مصيبة ورُبما حتى حزنٌ طويل، ولكن حُزني ببعده أتى الآن فرَحْ، يالله! كيف للأشياء التي تكون بالحلال جميلة أكثر، للمرةِ الأولى أنظرُ إليه وأنا لاأشعرُ بالخوْف من ذنبٍ ومعصيَة، يالله عليك يا فارس " وش كثر أحبك ؟ ".
--
عائشَة ركضت إلى حصَة : والله ماما
حصَة : يمه يمه أعوذ بالله وش ذا الخرابيط، اليوم بشغَل قرآن في الدور الثالث وإذا فيه بسم الله بيطلعون إن شاء الله
عائشة : أنا ماراح ينام فوق . . أنا يقول حق أنتِ
حصَة : طيب نامي تحت محد ماسكِك . . خلني أشوف سلطان وش سوَى؟ يارب يصلح قلبه بس . . . حاولت أن تتصل عليه ولكن أتاها مُغلق.
في جهةٍ اخرى كان جالسٌ أمامها لوحدهما، منذُ دخلت وهو يشتت نظراته لتجيء في بطنها، كان يُريد أن ينظر ويُطيل النظر ويكتشفُ تغيَرات جسدِها.
الجوهرة تنحنحت : إيه وش الموضوع ؟
سلطان : ممكن تلبسين عبايتك وتجين معي ؟
الجوهرة إبتسمت رُغمًا عنها : كِذا تعتذر؟
سلطان وقف : أنتظرك
الجوهرة : ماراح أروح معاك يا سلطان . .
سلطان تنهَد : يعني ؟
الجُوهرة بسخرية : جيت عشان تبيَن لي كيف إني مستعبدة عندِك ومتى مابغيت أروح معك أروح ومتى ما بغيت جلست؟
سلطان : طبعًا لا، جيت عشان آخذك
الجوهرة وقفت بصعُوبة وهي تواجه بعض التعب في هذه الأيام من الحمَل : وش مطلوب مني؟ أنا إنسانة لي كرامة دامك أهنتني مرَة بتهيني مليُون مرَة . . .
سلطان بعصبية : نسيتي وش الأسباب؟ تبيني أعدد لك إياهم ؟
الجوهرة بغضب تصرخ بوجهه : وأنا ما فكرت وش أسبابي؟
سلطان يقترب منها ويُشير إليها بالسبابة : صوتِك لا يعلى!! لا أقطع لك لسانِك
الجوهرة جلست وهي تتكتف والدمعة تقترب من النزول : ماني رايحة معاك! مو طلقتني؟ خلاص ماعاد بيني وبينك شيَ
سلطان : هذا آخر كلامك عندِك ؟
الجوهرة : أنت حتى ما أعتذرت لي عشان أفكر بالموضوع ؟
سلطان : ليه أعتذر لك؟ ماشاء الله أنتِ رايتك بيضا! آخر من يعلم بموضوع حملك و لا قدَرتي إني زوجك ولا شي
الجُوهرة بإستهزاء : على أساس إنك أنت مقدَر إني زوجتك، أنواع الذل بعيونِك وساكتة أقول معليه يمكن أنا فهمي غلط لكن حتى لسانك ما سلمت منه
سلطان بسخرية بمثل نبرتها : والله عاد إذا بتحاسبيني على عيوني مشكلة . . بكرا تحاسبيني ليه أتنفس!
الجوهرة تذكرت ذلك الموقف الذي حبست به أنفاسها من أجل كلماتها التي قالتها : بالله؟
سلطان : أنتِ أعتذري لي طيَب، قولي يا سلطان أنا آسفة ما علمتك بالحمَل بدري . .
الجوهرة وقفت لتقترب منه وهي تحتَد بنبرتها : عشان تسقط الحجَة مني، أنا آسفة يا سلطان ما علَمتك بالحمل .. يالله وش سويت شي ثاني؟ ما سويت شي بس أنت سوَيت
سلطان ينظرُ إليها وهي تقتربُ إليه بقوَة لم يعتادها منه، أخذ نفس عميق : آسف
الجوهرة بشعور الإنتصار : على ؟
سلطان لا يتحمَل أن تتلاعب به الجوهرة : لا والله؟ تبيني اطلع جنوني عليك
الجوهرة إبتسمت : طيب أنا ما أعرف على وش الآسف؟ قولي آسف على الشي الفلاني والفلاني والفلاني
سلطان بغضب سحبها من ذراعها : فاهمة غلط يا روحي . .
الجوهرة رفعت حاجبها : أنا حامل! ياليت لو تحسَن أسلوبك شويَ لو مو عشاني عشان اللي في بطني
--
سلطان ترك ذراعها مُجبرًا ولأولِ مرةٍ يُجبر على فعل أشياءٍ كهذه. : روحي جيبي أغراضك
الجوهرة تستلذُ بتعذيبه : أنا ما بعد رضيت
سلطان بحدَة : الجوهرة!!!
الجوهرة : يعني بالغصب بتوديني؟ طيب وش يضمني إني بربي ولدي ببيئة صحية؟ ماهو بيئة أم وأبو يتهاوشون ليل نهار
سلطان : وش البيئة الصحية اللي تطلبينها حضرتك ؟
الجوهرة : ما أطلب شي، أبي حقوقي بس
سلطان بدأ الغضب يشتدَ بملامحه : إن شاء الله إني بيتي بيكون بيئة صحية يا مدام
الجوهرة تحبس ضحكته خلف إبتسامةٍ ضيَقة : صفَي قلبك ناحيتي، ليه دايم تحسسني كأني مآكلة حلالك؟
سلطان : أنتِ جالسة تستهبلين وتطلعين ألف عذر وعذر!!! يالله صبرك ورحمتك
الجوهرة : تذكر لمَا . .
سلطان يقاطعها بغضب كبير جعلها ترتجف : الجوووهرة!!!
الجوهرة بهدوء وهي تُشتت نظراتها : لا تصرخ عليَ، إذا توترت بتوتَر اللي في بطني وأنت بكيفك
سلطان مسح وجهه : طيب .. طيب يا بنت عبدالمحسن
الجوهرة إبتسمت : ليه معصَب؟ لهدرجة الإعتذار يخليك كِذا؟ ولا أنا ما أستاهل كلمة آسف؟
سلطان يضغطُ على نفسه : تستاهلين وبعد تستاهلين كفَ
الجوهرة حاولت أن تقف على أطراف أصابعها حتى تواجهه بالطول، إلتصق قدمها بقدمِه : تمَد إيدك عليَ ؟
سلطان عضَ شفتِه السفلية وبإكراه : لا
الجوهرة بإستفزاز : طيب بفكَر وأردَ لك خبر، بستخير يمكن حياتي معك . .
سلطان بغضب : حسبي الله ونعم والوكيل في العدو، شوفي أعصابي تلفت ولا تخلينها تتلف أكثر!!
الجوهرة : بسأل أبوي
سلطان : وش رايك بعد نسأل الجيران ؟
الجوهرة تنهدت : هذا أبوي
سلطان : لو أبوك ماهو موافق ما خلاني اشوفك . . ممكن تتنازلين حضرتك عشان عندنا أيام وردية بالرياض
الجُوهرة : تهددني حتى وأنت جايَ تآخذني؟ يارب أعن عبدك
سلطان : ماهددتك! قدامنا أيام وردية إن شاء الله
الجوهرة : طبعًا وردية بقاموسك وسودا بقاموسي
سلطَان : أقول تحرَكي روحي جيبي أغراضك وأنتظرك بالسيارة
الجوهرة : ماني متحركة
سلطان بإبتسامة وبدأت ملامحه تلين : أعدَ لمَا الثلاثة لو ما رحتي تحمَلي وش بيصير . . . واحد . . . إثنين . . . ثلـ
الجوهرة ضربت قدمها بالأرض ومشَت، مهما حاولت أن تُظهر قوتها إلا أنها تخاف منه، سلطان بضحكة : مجنونة!!
---
إقترب من الخادمة : نادي رتيل . .
الخادمة : اوكي
عبدالعزيز : بابا موجود ؟
الخادمة : فيه يروح ويَا ماما عبير . .
عبدالعزيز : محد موجود ؟
الخادمة : لأا
عبدالعزيز : وضيَ ؟
الخادمة : فيه يروح مستشفى
عبدالعزيز : طيب أجلسي أنا أدخل، . . . دخل منزلهم بعد أن تأكد من خلوه، صعد للأعلى وفتح الغرفة ولا أحد بها، تأكد أنها غرفة عبير، إقترب من الغرفة الأخرى التي أجزم أنها لرتيل، فتح الباب بهدوء وكأنه لصَ يحترفُ الدخول بهذه الطريقة، طلَ يمينه ويساره ولم يراها، شعَر بحركة خلف السرير، إتجه للناحية الأخرى ليجدها مستلقية على الأرض وسيقانها مثبته على طرف السرير ومُغمضة عيناها ويبدُو أنها تفكَر بجَد وجُهد.
عبدالعزيز عاد للخلف خطوتيْن، ليأخذ الزهر غير الطبيعي الذي على تسريحتها، إقترب منها وأنحنى ليضعه أمام وجهها، فتحت عينيها لتصرخ برُعبٍ شديد جعل عبدالعزيز أمام منظرها يغرق بضحكاته العاليَة : إسم الله عليك
رتيل بإنفعال لم تعد تدري ما تفعل، أخذت كل الأغراض التي أمامها وبدأت ترميها عليْه : حسبي الله . . وقَفت قلبي . . يممممه
عبدالعزيز يتأملها وهي مُتزيَنة بكامل زينتها : كنتِ زايرة أحد ؟
رتيل : كيف دخلت غرفتي؟
عبدالعزيز : محد في البيت وقلت بدخل
رتيل : إلا ضيَ موجودة
عبدالعزيز تنهَد : حتى صاحبة البيت ماتعرفين عنها! تقول الشغالة بالمستشفى . .
رتيل تكتفت لتنتبه إلى قميصها المفتوح، بغضب أخذت الكتاب ورمتهُ عليه.
عبدالعزيز بضحكة : أنا وش دخلني طيَب؟ يا أم أصفر عطينا وجه شويَ . . وش سر الأصفر معك؟ ذوقك مضروب ولا وش السالفة؟
رتيل بدأت الحُمرة ترتفع إلى وجهها وهي تُعطيه ظهرها، إلتفتت عليه بجمُودِ ملامحها : وش دخلك ؟
عبدالعزيز : تستحين تقولين لي أنا أحب الأصفر؟ تراه لون عادي!
رتيل :ها ها ها ؟ طيب وش المطلوب؟
عبدالعزيز إتسعت إبتسامته : مرَيت من عندكم وقلت أسوي الواجب وأشوفك
رتيل تشعُر وكأنها متعرية أمامه من نظراته، وبحدَة : إرفع عيونك عنَي
عبدالعزيز ينظرُ إلى عينيْها : عفوًا؟ أرفعها عن أيَ جهة بالتحديد؟
رتيل : قليل حيَا . . زين أطلع من غرفتي وروح لأبوي مالي كلام معك . .
عبدالعزيز : أصلاً كلامي كله معك . .
رتيل بضيق : جد عبدالعزيز أطلع، لا تضايقني . . إذا طلقت أثير ذيك الساعة تعال، ماتجمعني معها لو أيش!
عبدالعزيز : أثير ماراح أطلقها
رتيل بغضب : أجل روح تهنَى معها واتركني
عبدالعزيز : الشرع حلل 4
رتيل : إذا الشرع حللك أربع ترى الشرع محللَي الطلاق
عبدالعزيز تنهَد : رتيل . .
رتيل تُقاطعه : ماابغى أتناقش في هالموضوع، غايب صار لك فترة طويلة والحين ترجع عشان تقولي ماراح أطلَق أثير! أجل ليه جايَ!! والله ثم والله ما أقبل بشي هي تشاركني فيه . .
--
عبدالعزيز : يعني هذا كلامك؟
رتيل : أنا حلف . .
عبدالعزيز : طيب
رتيل بدأ الدمعُ يقفزُ إلى محاجرها : ماراح تطلَقها ؟
عبدالعزيز : أنا ما تزوجتها عشان أطلَقها . . هي زوجتي مثل ما أنتِ زوجتي
رتيل بصراخ : أطلع برااا . . ما ابغى أشوفك وأرسلي ورقة طلاقي بعد
عبدالعزيز : على فكرة هي زعلانة ومارضت تجي معي الرياض
رتيل بإنفعال : أبركها من ساعة! أصلا لا جت الرياض بتحترق من وجودها
عبدالعزيز تنهَد : رتيل . . أنا أبيك
رتيل : وانا ما أبيك
عبدالعزيز : حطي عينك بعيني وقوليها
رتيل إقتربت منه ونظرت إليه : نظام أفلام أبيض وأسود وإني مقدر أقولها بوجهك، لا ياحبيبي أنا أقولها في الوجه
عبدالعزيز : أستغفر الله! وش فيك حشرتيني بصراخِك!!
رتيل : ليه جيت ؟
عبدالعزيز : أشتقت لك
رتيل : والله ؟
عبدالعزيز : بالفرنسية ما يقولون إشتقت لك، يقولون فقدت نفسِي . . وأنا بقولها لك بالفرنسية فقدت نفسي والله
رتيل بضيق بدأت تلينُ ملامحها التي أنشدَت بالغضب : وأثير ؟
عبدالعزيز : أثير زوجتي
رتيل بعصبية : الله يآخذها قل آمين . . أجل يا أنا يا هي . . أختار يا عبدالعزيز
عبدالعزيز : أنتِ وأثير
رتيل : إختار ماراح أرضى لو وش ما صار! ماني أنا اللي تشاركني فيك وحدة
عبدالعزيز : قلت لك أنا ما تزوجتها عشان أطلقها، تزوجتها لأني أبيها زوجتي، ممكن تسرَعت لكن بالنهاية خلاص موضوع تم ماراح أظلمها وأطلقها بدون سبب
رتيل بدأ يخرجُ لسانها الأنثوي شديد الغيرة : يا ماشاء الله ماتبي تظلمها! بسم الله على قلبك يالعادل ياللي تخاف الله في حريمك . .
عبدالعزيز غرق بضحكتِه على إنفعلاتها : إذا أثير ماجتني وطلبت الطلاق مستحيل أطلقها، إذا أنتِ فاهمة إني تزوجتها عشان أوجعك فأنتِ غلطانة، ماهو أنا اللي أستغل أحد ولا هو أنا اللي اتزوَج عشان أطلَق! في ذاك الوقت كانت هي الوحيدة اللي أحس إني اشوف أهلي فيها، وكنت أبي أتقرف منها
رتيل : يعني تزوجتها عشان أهلك قبل يعرفونها؟
عبدالعزيز : إيه و أعزَها
رتيل : قلبك فندق ماشاء الله
عبدالعزيز إبتسم : قلبي تعرفه صاحبته
رتيل رُغمًا عنها إبتسمت، رفعت حاجبها : لا تحرجني طيَب!! عشان أعرف أفكر،
عبدالعزيز بضحكة يستفزها : ماراح تقولين لي علاقتك بالأصفر؟
رتيل ضربته على صدرِه : سُبحان الله ماتشوفني الا فيه . . . ماأحب الأصفر وصرت أكرهه الحين
عبدالعزيز : يالله أنتظر إختيارك سموَك
رتيل : ماراح أرضى، أنقهر يوم ويومين لين أنساك ولا أنقهر عُمر كامل عشانها
عبدالعزيز : تقوين تنسيني؟
رتيل : ماني أول وحدة ولا آخر وحدة، مليون حمارة زيي تحبَ وأنفصلت عن اللي تحبه
عبدالعزيز : حاشاك!
رتيل : إلا أنا حمارة يوم حبَيتك، لأنك ما بادلتني بأيَ نوع من الحُب
عبدالعزيز بغضب إقترب منها : جاحدة! أقسم بالله إنك جاحدة
رتيل إبتسمت من غضبه : دام هي ماهي راضية بجيَتك للرياض وش تبي؟ بس تبي تقهرني . . أنا أعرفها سوسة
عبدالعزيز : لا تغلطين عليها ولا تذكرينها بسوء! وأنتِ بعد مو مقصرة بالتحليل
رتيل شتت نظراتها بعد أن زاد حرجها : قهرتني ولو يرجع الزمن لورى بسوي نفس التصرف لأنها قهرتني
عبدالعزيز بعصبية : ألعبي بكل شي لكن لا تقربين من شي يتعلق بحياة أو موت، لو صدَقت وقلبها وقف من التأثير النفسي اللي تحسَه! وش برود الأعصاب اللي عليك؟
رتيل : تخاف عليها ؟
عبدالعزيز : لا حول ولا قوة الا بالله . . .
رتيل : يارب إني حمارة وكلبة . . المُشكلة لو رجع الزمن لورى بعد بحبَك بكامل خبالي، وأنت بتحبني بكامل إهاناتك
عبدالعزيز بإبتسامة : ماعاش من يهينك، أقص إيد اللي يهينك
رتيل : أنا بسبَ نفسي لين أحس حرَتي بردَت
عبدالعزيز بجديَة : رتيل . . أكلمك جدَ، خلينا ننسى اللي صار
رتيل : ترضى أروح يشاركك أحد فيني ؟
عبدالعزيز : أنتِ مجنونة ولا صاحية؟ لا تقارنين بين شيئين أصلاً الشرع محرَمهم وأنا أمشي على الشرع
رتيل بعصبية : مقطَعك الدين! . . .
عبدالعزيز تنهَد لينظر لهاتفه الذي أضاء برسالةٍ جديدة : الطيب عند ذكره، هذي أثير
رتيل : روح ردَ عليها برَا
عبدالعزيز : مسج ماهو مكالمة . . . قرأ " أبي أكلمك بموضوع ضروري " . . إتصل عليها وبعناد جلس على سريرها.
رتيل بلامُبالاة أخذت مناديل المكياج لتمسح مكياجها التي وضعتهُ من غير سبب.
أثير : وينك ؟
عبدالعزيز : وش بغيتي ؟
أثير : أنا فكرت وماوصلت الا لحاجة وحدة، إختار بيني وبينها!
عبدالعزيز : وشو ؟
أثير : ماراح أرضى فيها أبَد
عبدالعزيز : أثير . . تناقشنا بهالموضوع في باريس
أثير : طيب وأنا الحين أخيَرك
عبدالعزيز : ماراح أطلقك عشان هبالِك!!
رتيل إلتفتت تنظرُ عليه ونظرات الحقد تشَع منها.
أردَف : حطي عقلك في راسك منتِ بزر عشان تفكرين بهالطريقة
رتيل : يعني أنا بزر ؟
عبدالعزيز نظر إليها وأشار لها بالصمت، أثير : أنت عندها ؟
عبدالعزيز : إيه
أثير : طيب طلقني
عبدالعزيز : ماراح أطلقك عشان سبب سخيف زي هذا! لا صار فيه سبب صدقيني بننفصل ولمَا أحس أنه الخيرة بالإنفصال لكن عشان أسباب تافهة مثل هذي طبعًا لا
أثير : أنا ماراح أعيش بالرياض، تقدر تعيش بباريس معاي؟
عبدالعزيز : طبعًا بتجين الرياض
أثير : لا ماهو طبعًا، عبدالعزيز أفهمني ماعاد يهمني رتيل وغيره، أنا مقدر أتكيَف مع بيئتك بالرياض، أبي أعيش هنا وأبيك تكون عندِي ولي لوحدِي مو مع وحدة عايشة بالرياض وتجيها كل فترة أو حتى يمكن عايش عندها
عبدالعزيز تنهَد : أثير . . لو سمحتِ لا تحطين أسباب من مزاجك عشان ننفصل
أثير : أنا ما أحط أسباب، أنا جد أبي أعيش بالبيئة اللي تربَيت فيها، ما أبي أجي الرياض ولا أبغى زواجي يكون بهالطريقة! أنت تحبني؟
عبدالعزيز تفاجئ من السؤال : وش هالسؤال البايخ؟
أثير بضيق : شفت! حتى أبسط سؤال مقدرت تجاوب عليه . . لأني أصلاً ما أعني لك شي، خذيتني عشان ذكرى أهلك ولا أنا غلطانة ؟
عبدالعزيز : مين قالك هالحكي؟
أثير : طول الفترة اللي فاتت، كنت أفكر بدون ضغوط وأكتشفت إني فعلاً ما أعني لك شي
عبدالعزيز تنهَد : نتناقش في هالموضوع بعدين
أثير : أنا أبي جوابك الحين
عبدالعزيز نظر لرتيل الصامتَة الهادئة، و فكَر بأثير : مقدر
أثير : تبيها هي؟ . . طيب طلقني وكل واحد يشوف حياته بعيد عن الثاني
عبدالعزيز : على الأقل أستخيري، لا تخليني أندم ولا تندمين معايَ
رتيل بحلطمة : تندمون بعد!! يارب أرزقني صبر أيوب
أثير : عبدالعزيز هذا آخر حكي معك! دامِك أخترتها تهنَى فيها وأشبع منها، وأنا أمحيني من حياتِك . . . أغلقتهُ بوجهه دون أن تسمع ردَه بعد أن أعطتهُ قرارها.
رتيل : وش قالت لك ؟
عبدالعزيز : يا قُو حوبتك
رتيل : تبي الطلاق؟
عبدالعزيز : إيه . . ماشاء الله دُعاءك ضارب
رتيل إبتسمت : الله يرزق العبد على نيته
عبدالعزيز ضحك رُغم أنه لم يُريد الضحك : الله والنية اللي تعرفينها . . . بكرا الله بيحاسبني على هالطلاق! شرعًا مايجوز الطلاق بدون سبب . . وهي ما تستاهل!
رتيل بضيق : وأنا يعني أستاهل؟
عبدالعزيز : وش فيها لو الواحد تزوَج ثنتين ؟
رتيل : تقدر تعدل بيننا ؟
عبدالعزيز : إيه
رتيل : لا ما تقدر! مو يقولك لا ضرر ولا ضرار! طيب زواجك منها في ضرر لي
عبدالعزيز : تفسرين المواضيع على كيفك!!
رتيل : أختار يا عبدالعزيز . .
عبدالعزيز إقترب منها ليُحاصرها بذراعيْه وظهرها مستنَد على التسريحة : كم مرَة لازم أقولك إنه قلبي ماله إختيار معك؟ و كم مرَة لازم أقُولك إنه الحياة سببها أنتِ؟
--
مانشيت 16/11/2013
( ترقية عبدالعزيز بن سلطان العيد في جهاز أمن الرياض )
تمت بحمد الله وفضله.
- قراءة الرواية كاملة من الفصل الأول إلى الأخير أضغط هنا