الفصل الثاني عشر 12 من رواية سل الغرام الجزء الثاني من رواية عزلاء أمام سطوة ماله بقلم مريم غريب
رواية سل الغرام بقلم مريم غريب |
رواية سل الغرام الفصل الثاني عشر 12 بقلم مريم غريب بعنوان مناوشات
كانت "سمر" تباشر تقطيع شرائح اللحم المشوي إلى قطع صغيرة لتضع لـ"ملك" فوق صحن الأرز خاصتها، إذ هكذا تفضل الصغيرة تناول طعامها مجهزًا من الألف إلى الياء بإيدي أختها
حضرت لها "سمر" غدائها جيدًا، و أوصتها بوجوب إنهائه كله، ثم قامت متجهة نحو غرفة أخيها ...
وجدته يجلس فوق فراشه منحنيًا، يحاول إرتداء حزاؤه الرياضي بعناء، و لم تفلح محاولاته إطلاقًا مما رسم سخطٍ و ضيقٍ شديد على محياه
لتسرع "سمر" إليه هاتفة :
-زي ما إنت يا حبيبي.. إستنى أنا جايالك !
إلتفت "فادي" إليها بوجهه العابس، تنهد و هو يراقبها تجثو على ركبتيها أمامه، ثم تمسك بقدمه الواحدة تلو الأخرى و تلبسه الحذاء و تشبك أربطته بأصابع سريعة ماهرة ...
-تسلم إيدك يا سمر ! .. قالها "فادي" مبتسمًا بمودة
-شكرًا
ردت "سمر" الإبتسامة له و قالت :
-العفو يا سيدي. و لو إن قولتلك مليون مرة مافيش حاجة إسمها شكرً بيني و بينك
و تطلعت إليه بنظرات متفحصة.. لتراه مرتديًا سروالًا من الجينز الأزرق الفاتح تعلوه كنزة صوفية بيضاء، و لحيته التي كان يهملها بالكثير من الأحيان تطول زيادةً عن الحد الذي يعتاد عليه، إستطاعت "سمر" أن ترى بأنه قد شذبها اليوم حيث ظهرت متناسبة مع خفة تصفيفة شعره العصرية، و ذاك العطر الثمين الذي كان يدخره منذ بداية فترة عمله المشؤوم.. أخيرًا قرر أن يستعمله، بل أخيرًا قرر أن يواجه الحياة مرةً أخرى و يكمل من حيث توقف ...
تطلق "سمر" صفيرًا معجبًا و هي تقوم واقفة لتثني عليه قائلة :
-بس إيه الشياكة دي يا عم الشباب.. عيني عليك باردة هاتجنن العروسة إنهاردة !
إبتسم "فادي" و هو يقول متهكمًا بينما ينهض باحثًا عن جزدانه الجلدي :
-ممكن أجننها في حالة واحدة بس يا سمر.. أشمر دراعي اليمين و أوريها الطرف الصناعي
تنهدت "سمر" بضيق و هي تقول :
-يوووه يا فادي بقى. يعني مافيش فايدة فيك ؟ مهما يحصل في حياتك كويس هاتقضيها بؤس بقى أنا تعبت معاك و الله
يضحك "فادي" بمرح و هو يقترب منها قائلًا :
-طيب خلاص ماتزعليش نفسك كده. حاضر ياستي هابطل بؤس ! .. ثم وضع يده على مؤخرة رأسها و قربها منه ليطبع قبلة حنونة على جبينها
-آه منك إنت و من دماغك إللي مش بفهمها دي ! .. غمغمت "سمر" بقدر من الغيظ
ليبتعد عنها "فادي" و هو يقول محدقًا فيها بدهشة :
-أنا عملتلك إيه بس دلوقتي ؟ مش أنا بقولك حاضر أهو على كل حاجة بتقوليها ؟ أعمل إيه تاني عشان أرضيكي يا سمسمة ؟!!
و إستدار ماضيًا نحو المرآة المثبتة بخزانة ملابسه، أخذ يلقي على نفسه نظرة من كل الإتجاهات، بينما تتبعه "سمر" و هي تقول بإهتمام :
-أنا مش بهزر يا فادي. أنا فعلًا مش عارفة إيه إللي بيدور في دماغك.. مش عارفة إذا كنت راضي عن إللي حصل أو إللي هايحصل كمان و لا لأ. إنت ماتكلمتش معايا لحد دلوقتي في أي حاجة !!
يتسدير "فادي" نحوها عاقدًا حاجبيه ...
-و إنتي عاوزاني أكلمك في إيه يا سمر ؟ .. سألها متعجبًا
سمر بشيء من العصبية :
-تكلمني عن مشاعرك يا أخي. مش تفهمني إنت مرتاح للعلاقة دي و لا لأ ؟ وافقت عشان ده رأيك و إنت مقتنع و لا كده و خلاص عشان تريحني أنا ؟؟!!!
عمد "فادي" إلى تهدئتها و هو يقول بلطف :
-بالراحة بس يا سمر.. إنتي ليه بتفترضي حاجات زي دي ؟ إيه إللي هايخليني أوافق على علاقة فيها جواز عشان أريح إنسان غيري ؟ حتى لو إنتي.. إنتي لسا ماتعرفيش أخوكي و لا إيه
سمر بتشكك : يعني إنت مستريح ؟ أقصد يعني بالنسبة لموضوع إن هالة مطلقة. مش مضايقك الموضوع ده ؟ ماكنتش تفضل واحدة بنت.. آنسة يعني ؟!
-لا أنا الأمور دي ماتفرقش معايا ! .. قالها "فادي" و هو يشيح ببصره عنها، و تابع بحزم :
-بنت مطلقة أرملة.. طالما كويسة و أنا إتقبلتها خلاص. مافيش حاجة تمنع
سمر بريبة : يعني إنت يا حبيبي مش حاسس إنك إتسرعت و آ ..
-خلاااص بقى يا سمر إنتي كده معطلاني ! .. قاطعها "فادي" صائحًا بسأم
أزاحها من أمامه بلطف و إتجه إلى الخارج و هو يهتف :
-ماتعمليش حسابي على العشا الليلة. هقابل ناس صحابي و هانسهر برا.. يلا سلام !
حدقت "سمر" في إثره الفارغ و هي تهز رأسها للجانبين و شعور بعدم إطمئنان يعتمل بداخلها ....
_____________________
في قصر "البحيري" ...
خرب خط الكحل الدقيق الذي تحاول خبيرة التجميل أن تضيطه فوق جفن "هالة" حتى الآن قرابة الساعة ...
تذمرت الشابة العشرينية أخيرًا و رفعت يداها عنها و هي تصيح :
-مش معقول كده يا مس هالة أنا مش عارفة أظبط الآيلاينر خالص كده الشغل كله هايبوظ !
تنهر دموع "هالة" أكثر مع شدة الضغط عليها، ليتدخل أخيها تاليًا و هو يقول بلهجة حادة :
-خلصينا بقى يا هالة. خلي الآنسة تشوف شغلها خطيبك على وصول. و لا عايزاه يجي يشوفك كده و علامات الكآبة و الحزن باينة عليكي ؟ إللي قدامي دي مش إنتي أصلًا !!
تحاول "هالة" السيطرة على نحيبها الحار المتزايد، و تتمكن من ذلك بعد جهد مضنٍ... تسحب منديلًا ورقيًا من فوق طاولة الزينة و تجفف دموعها بحرص، ثم تسترخي من جديد فوق المقعد تاركة نفسها تحت تصرف خبيرة التجميل الكامل ..
تنتهي الفتاة في زمن قياسي حين أبدت "هالة" القليل من التعاون، جمعت أدواتها و تقاضت أجرها من "صالح"، ثم ذهبت إلى سبيلها ...
-كلكوا خدعتوني ! .. تمتمت "هالة" و هي تنظر لإنعكاس شقيقها بالمرآة
تنهد "صالح" بثقل و قال بصوت خافت :
-كل إللي بنعمله عشان مصلحتك يا هالة
تجاهلت "هالة" رده و تابعت بخيبة أمل قاتلة :
-كلكوا خدعتوني و أولكم عثمان.. عثمان. لعب بيا و عشمني. بس أنا كنت متوقعة إيه يعني منه غير كده ؟ ما هو مشهور بالغدر.. بيغدر بأي واحدة تدخل حياته. مش بيرحم حد. حتى مراته إللي بيقول بيحبها.. عمره ما رحمها !
و أضافت بغل شديد :
-بس و حياة حبي له. و حياة ما عشمني فيه و غدر بيا.. ليكون الرد أبعد حتى عن خياله. هادمرله حياته زي ما دمر حياتي !
كانت قدر شردت و هي تستكمل نصف عبارتها، فشهقت مذعورة فجأة حين أفاقت متأثرة بقبضة أخيها التي طوقت ذراعها العاري بشدة، إجتذبها لتقف على قدميها مقابله و هي يصيح بوجهها :
-فوقي بقى يا هالة. فووووقي. عثمان عمره ما كان ليكي أصلًا. عمره ما بصلك بصة تديكي أمل و لو واحد من مليون أنه بيفكر فيكي حتى.. إنتي مريضة بيه و علاجك إنك تغيري نظرتك كلها عنه. بأي طريقة لازم ده يحصل إنتي فاهمة ؟؟؟
رمقته "هالة" بنظرات ساهمة، متبلدة و لم ترد عليه ...
عبس "صالح" و هو ينظر إليها مذهولًا، إذ لم يستطع أن يصدق بأن تلك التي بين يديه هي أخته.. لا يعقل أن تكون هذه هي "هالة" !!!
يدق باب الغرفة في هذه اللحظة، فيهتف "صالح" بغلظة :
-إدخل !
لم يحيد بناظريه عن "هالة" حتى عندما سمع صوت الخادمة يتردد من خلفه :
-صالح بيه ! عثمان باشا بيقول لحضرتك خطيب هالة هانم وصل.. و هما مستنيين تحت في الجنينة
ظلت نظرات الأخوين متشابكة بتحدٍ، بينما يعلو صوت "صالح" بصرامة شديدة :
-هالة هانم نازلة حالًا.. إنزلي بلغيهم !
__________________
أسفل مظلة البرجولة الخشبية المنمقة وسط حديقة القصر الغناء ...
وقف "عثمان" أمام شقيق زوجته يرحب به و هو يربت على كتفه قائلًا بإبتسامة :
-أهلًا أهلًا يا فادي. نورت !
إبتسم له "فادي" بسماجة و رفع يده دافعًا يد "عثمان" بطريقة تخلو من الذوق تمامًا و هو يقول :
-بنورك و الله.. متشكر
رفع "عثمان" حاجبه و هو يكتم ضحكة ساخرة بداخله، تنحنح غير مباليً بسلوك ذاك الشاب الأرعن، مد ذراعه مشيرًا له حتى يجلس ...
-إتفضل يا فادي أقعد
لبى "فادي" دعوته هذه بكل سرور، حيث جلس موليًا ظهره إلى المنزل بينما بواجه "عثمان" تمامًا ...
كان الأخير لا يزال يبتسم له و هو يقول :
-أنا بقى للأسف مش هقدر أحضر قعدتك مع هالة. و بصراحة أنا شايف إن ده أحسن عشان تبقوا على راحتكوا .. و أكمل و قد إلتمعت عيناه بخبث :
-و أنا كمان هاخطف ساعتين مع أختك قبل ما ترجع البيت و أهو نكون على راحتنا إحنا كمان
جمدت ملامح "فادي" في هذه اللحظة، و تصاعدت الدماء إلى وجهه لتضفي عليه غضب خطير و هو يحملق بصهره الذي يستمر بالتبسم إليه بإستفزاز ...
إتسعت إبتسامة "عثمان" و هو يراقب ردة فعل شقيق زوجته، ليراه عاجزًا على الرد و رغمًا عنه يكبت كل هذا الغضب المتجلي بنظراته
و هنا لم يستطع "عثمان" السيطرة على ضحكة صغيرة أفلتت من بين شفاهه و هو يقول مداعبًا :
-ماتقلقش أنا مش هاروح لوحدي. هاخد يحيى معايا .. و غمز له مكملًا :
-يعني بيتك هايفضل طاهر ماتقلقش !
الآن و قد أثار "عثمان" حفيظته إلى درجة كبيرة، كان سيخرج عن طوره الهادئ.. لولا أن شاهده يتحول كليًا بمزاجه من المرح إلى التآهب و الجدية ...
لاحظه ينظر إلى نقطة ما خلفه، و قبل أن يلتفت ليرى هو الآخر إستمع له و هو يقول على عجالة :
-طيب يا فادي أنا لازم أطلع أجيب يحيى بقى عشان منتأخرش على سمر أكتر من كده.. ياريت قبل ما تمشي تكلمني. يلا باي !
و أسرع "عثمان" صوب المنزل لكن من جهة معاكسة للنقطة التي كان ينظر إليها.. قام "فادي" واقفًا و إستدار مستطلعًا بنفسه ...
ليحبس أنفاسه لوهلة، حين رآها.. الحورية كما وصفها من قبل، تقبل عليه في ثوبها العنابي الضيق الذي يبرز مفاتنها المثيرة حد اللعنة بوضوح تام
رباه !
إنها تبعث على الجنون، كتلة غواية و دعوة للخطيئة، خطيئة ترتكب بأيّ ثمن و أيّ طريقة إذا تجرد الشخص أمامها من أخلاقه و صار بربريًا كما في العصور الوسطى !!!!
-هاي !
تسلل صوتها الناعم كالحرير إلى مسامع "فادي" فكاد يذيب حواسه و يخدرها بالكامل.. لولا حمحمة قوية صدرت عنه و هو يطالعها بثبات عندما وصلت إليه و وقفت أمامه مباشرةً ...
-مساء الخير ! .. قالها "فادي" بصوته القوي بسننا تتسارع نبضات قلبه
كان يستطيع أن يشم عبير جسمها خلال هذه المسافة بينهما، إذ بدت و كأنها غمست نفسها ببركة عطور و كريمات الترطيب الشذية التي تستعملها الفتيات المدللات مثلها و ربما "سمر" أيضًا قد رآها مؤخرًا تهتم بنفسها و بشرتها أكثر كما لم تفعل من قبل ...
أجفل "فادي" حين مدت "هالة" يدها للمصافحة
نظر لها بإمعان، ليجدها مصممة، و هنا علم بأنها تتعمد الإشارة لعجزه ...
إبتسم لها "فادي" و رفع كفه الأيسر ليضعه فوق صدره قائلًا :
-أهلًا بيكي.. معلش مابقتش بسلم باليمين !
نظرت "هالة" إليه بإستخفاف و قالت :
-لا و لا يهمك
و سحبت يدها، ثم مضت لتجلس هناك قبالته
أستدار "فادي" على مهل و عاد يجلس كما كان، ساد صمت لبعض الوقت.. لتقطعه "هالة" أخيرًا قائلة بصوتها الرقبق :
-تحب تشرب إيه ؟ .. و أشارت للخادمة التي وقفت على مقربة منهما
جاءت الفتاة مهرولة، فأملت عليها "هالة" طلباتهما و أصرفتها ...
وجهت تركيزها إلى"فادي" من جديد، نظرت له فوجدته يتفرس فيها بجرآة، و قبل أن تسأله سمعته يقول بلهجته الرزينة :
-هو إنتي مش بردانة و إنتي لابسة كده في الجو ده ؟
و أشار بذقنه لعري ذراعيها و صدرها و ساقيها ...
هالة بإبتسامة تهكمية :
-لأ أبدًا أنا متعودة على كده أصلي. و بعدين الشتا في مصر أهبل أوي أساسًا.. أنا عيشت في باريس فترة طويلة و كنت في لندن بقالي سنتين. مش عايزة أقولك الـWeather بيبقى عامل إزاي طول السنة بالذات في الـChristmas
أومأ لها "فادي" ثم قال بهدوء :
-عمومًا الـ style ده كده كده هايتغير. أنا مابسمحش بالمناظر دي.. مش عايز أقولك أنا بقى لو شفتها قدامي في الشارع بقول إيه !
إحتدم وجه "هالة" غيظًا كلما خرجت كلمة من فمه.. لم تستطع كبح مشاعرها أكثر من ذلك و قالت بنزق :
-مش هايبقى في مجال تسمح أو ماتسمحش أصلًا. إوعى تكون صدقت نفسك .. و رمقته بمقت شديد و هي تستطرد :
-إنت أكيد مش غبي.. أكيد جاي و عارف إني مش طايقاك و طبعًا عمري ما أوافق أتجوز واحد زيك !
بقيت إبتسامة "فادي" الهادئة كما هي، كما قال بصوت ملؤه الثقة و هو يومئ لها مجددًا :
-عارف. عارف يا هالة هانم. فعلًا أنا مش غبي عشان أصدق إن هانم زيك ترضى تتجوز واحد زيي ! .. و أضاف بلهجة قاتمة دون أن يرف له جفن :
-بس أهلك راضيين بيا. و عايزينك تتجوزيني.. و إللي فهمته دلوقتي إنك ماتقدريش تقولي لأ قدامهم. و من ناحية تانية كلامك مأثرش فيا خالص. رفضك مالوش أي قيمة بالنسبة لي.. الجواز هايتم. عشان أنا عايزه يتم. مش معقول أضيع فرصة زي دي من إيدي أبدًا !
هالة بإنفعال : فرصة إيـــه ؟ فرصة إيه إللي بتتكلم عنها ؟ إنت عايز فلوس يعني ؟ كنت عايز تستفيد من جوازي منك ؟ أوكي على فكرة ممكن أديك مبلغ كويس أوي هاتتبسط بيه.. لكن جواز لأ. مش هايحصل
فادي ببرود : فلوس إيه يا هانم ؟ إنتي فهمتيني غلط. إللي أنا عايزه منك حاجة أهم و أغلى من الفلوس. و ماينفعش أخدها منغير جواز !
و راح يطالعها بنظرات وقحة
إحتقنت عينيها و هي تنظر له بغضب شديد، لتقفز واقفة فجأة و هي تهدر بعنف بينما شعرها الغزير الطويل يتأرجح حول وجهها بشكل مثير :
-إبقى وريني هاتاخد إللي إنت عايزه ده إزاي. يا حيوان يا سافل.. إنت لو عندك كرامة أساسًا ماكنتش قبلت على نفسك أو على رجولتك علاقة زي دي. لكن أنا هاعرف أتعامل معاك كويس إنت و أختك و جوزها !
و أسرعت تركض تجاه المنزل تلاحقها نظراته الاي إستحالت من البرود إلى الوجوم ...
جيد جدًا.. هذه مستجدات لم يكن يحسب حسابها !
- سل الغرام الفصل الثالث عشر 13 أضغط هنا