رواية عيناك ملاذي بقلم الكاتبة سارة علي كاملة جميع الفصول من الفصل الأول إلى الفصل الأخير، للقراءة والتحميل pdf عبر دليل الروايات (deliil.com)
رواية عيناك ملاذي الفصل الأول 1
كانت تسير بخطوات سريعة على رصيف أحد الشوارع العامة بينما الأمطار فوقها تتساقط بغزارة ...
ركضت بلهفة بإتجاه إحدى العمارات السكنية وهي تفكر بأن الأمطار لن تبللها أكثر فهي لا تمتلك مظلة تقيها مياه الأمطار الغزيرة كونها ببساطة لا تملك ثمنها ... تنفست الصعداء أخيرا وهي تحتمي بسقف البناية العالي ، ربتت على خصلات شعرها المبللة تعدلها قليلا فقد تبعثرت بسبب المياه ثم سارت نحو المصعد لتتجه الى الشقة المنشودة ...
وصلت أخيرا الى الشقة لتضغط على جرس الباب عدة مرات دون رد ... شعرت بالإحباط فهذه بداية غير مبشرة إطلاقا ...
ظلت واقفة لأكثر من نصف ساعة تطرق الباب مرة وترن الجرس مرة أخرى دون رد ، قررت أن ترحل أخيرا فيبدو أنه لا أحد ينتظرها في الداخل ... ما إن تحركت من أمام الباب حتى سمعت صوتها يفتح فإستدارت بلهفة الى الخلف لتتفاجئ بشاب يقف أمامها يرتدي بنطال برمودا جذعه العلوي عاري تماما ...
أخفضت بصرها في الحال بينما تثائب الشاب بنعاس ثم قال لها :
" انتِ مين ...؟! وعايزة ايه ..؟!"
حمحمت بخجل قبل أن ترفع وجهها الذي أصبح أحمرا نحوه وهتفت بخفوت :
" أنا الخدامة الجديدة ..."
قال بتذكر :
" آه انتِ جيتي ... طب ادخلي يلا ..."
فسح لها المجال لتدخل ، ولجت هي الى الداخل بخطوات مترددة قبل أن تسمع صوت إغلاق الباب يتبعه اقتراب الشاب منها وهو يقول بنبرة أمرة :
" عايزك تنظفي الشقة كلها ، بس قبلها اعمليلي فطار ...."
أومأت برأسها دون أن ترد ليكمل :
" عايز أومليت البيض بالجبنة ... تعرفي تعمليه يا ...."
ثم سألها :
" صحيح إسمك إيه .....؟!"
" تالا ... اسمي تالا ..."
هز رأسه وقال بجدية :
" هتعرفي تعملي الأومليت يا تالا ولا أعمله أنا ...؟!"
أجابته بسرعة :
" أعرف طبعا ..."
" هايل ... يبقى خشي اعمليه بسرعة عشان أنا جعان ... المطبخ على إيدك الشمال ..."
اتجهت تالا بسرعة الى المطبخ بينما جلس الشاب على الكنبة بعدما فتح التفاز وأخذ يقلب في قنواته بملل ....
رن هاتفه فحمله ليجد والدته تتصل به فزفر أنفاسه بضيق وهو يضغط على زر الإجابة ليأتيه صوتها المتذمر :
" كرم ... أنت فين وليه مبتردش عليا ...؟!"
أجابها بملل من تساؤلاتها وتدخلها في كل شيء :
" انا عند أمير ... وكنت نايم وحاطط التليفون سايلنت ..."
قالت مرة أخرى ببرود :
" وبتعمل إيه عند أخوك ...؟! عايز تعيش هناك أنت كمان ...؟! مش كفاية عليا انوا سابلي البيت وراح ...عايز تسيبهولي انت كمان ...؟!"
نظر الى الأعلى بنفاذ صبر قبل أن يقول ردا على كلامها :
" اطمني مش هسيبك ... انا بس قلت اقعد كم يوم معاه ... اسليه بيهم ..."
" ارجع بسرعة يا كرم ... وحاول تقنعه يرجع معاك ... "
رد كرم بجدية :
" انتِ عارفة انوا صعب يرجع معايا ، فملوش لزمة تطلبي مني شيء مستحيل زي ده .."
قالت الأم برقة مصطنعة :
" معلش حاول معاه ... عشان خاطري ... نفسي أشوف ولادي حواليا قبل ما أموت .."
" ايه الجو القديم ده ..؟! ومين دي اللي تموت ...؟! ده انتِ صحتك أحسن من صحتي أنا شخصيا ..."
قالها بتهكم لترد بعصبية :
" خليكوا كده ، فاكرين إني كويسة وسعيدة لحد متخسروني ، ساعتها بس هتحسوا بقيمتي ..."
" طيب ... عايزة حاجة تانية مني ، عشان هروح افطر ..."
أجابته :
" لا خلاص قلت اللي عندي .... بس خد بالك من نفسك ...سلام يا حبيبي ..."
" سلام ..."
قالها وأغلق الهاتف ثم رماه على الكنبه بجانبه ، نهض من مكانه متجها الى المطبخ ليجد تالة قد أعدت الأومليت ووضعته في أحد المواعين ليقترب منها ويقول :
" عملتيه بالسرعة دي ...؟!"
أومأت برأسها وهي تجيبه :
" هو سهل اصلا ومش بياخذ وقت ..."
ابتسم لها وقال :
" ميرسي يا تالا ... "
تنحنت تالا قائلة بأحراج :
" العفو..."
ثم إتجهت خارج المطبخ لتبدأ بتنظيف الشقة ..
بقلم الكاتبة سارة علي
في مكان أخر وتحديدا في شركة صغيرة بعض الشيء نجد شابة جميلة ذات قوام ممشوق تقف أمام مديرها تدون في دفترها ما يلقيه على مسامعها ...
توقف مديرها أخيرا عما يقوله لتهتف متسائلة :
" فيه حاجة تانية تحب أكتبها يا أمير بيه ...؟!"
أجابها أمير وهو يقلب في أحد الملفات :
" لا كده تمام ... رتبي الكلام ده وابعتي النهاردة ليهم ..."
" حاضر ..."
قالتها وهي تتجه خارج غرفة مكتبه لينظر أمير الى الباب الذي أغلقته ثم يغلق الملف الذي كان يقلب فيه ويتراجع الى الخلف مستندا بجسده على ظهر الكرسي مغمضا عينيه لثواني ...
ما إن أغمض عينيه حتى ظهرت صورتها أمامه ، صورتها التي إعتاد أن يراها في أحلامه قبل واقعه ، صورتها التي احتفظ بها في قلبه وعقله عن ظهر قلب ...
فتح عينيه أخيرا كمن مسه شيء وهو يحاول أن يبعد صورتها عنه ، فهو لا يريد أن يتذكرها على الأقل الأن ...
فذكراها تعني ضعفه وهو بحاجة لأن يكون قويا...قويا للغاية ...
عند هذه النقطة شعر بحقد كبير على والديه اللذان تسببا له بكل هذا الوجع والحيرة ...
لو لم يفعلا ما فعلاه لكان الأن شخصا ثانيا ، سعيد وقوي بما فيه الكفاية ...
نهض من فوق كرسيه وسار بخطوات رتيبه نحو النافذة التي تطل على الحديقة الخارجية ذات التصميم الهندسي الراقي ..
ثلاث أعوام مرت على انفصاله التام عن والديه بل عن عائلته بأكملها ...
ثلاث اعوام لم يتجرأ أحدًا منهم ويتحدث معه او يقترب منه ...
ثلاث أعوام مرت على تركه لهم وبنائه لمستقبله بعيدا عنهم ...
ثلاث أعوام لم ينسَ بها ربى التي ما زالت تسيطر على قلبه وعقله ، وكأنها تأبى أن تتركهما ولو لثانيه واحدة خوفا من أن يعتادا على نسيانها ...
أفاق من أفكاره المظلمة على صوت باب مكتبه يفتح يتبعه دخول صديقه المقرب فراس الى الداخل ..
اقترب فراس منه وغمغم بلهجة هادئة :
" صباح الخير ..."
التفت أمير نحوه رادا عليه :
" صباح النور ... كنت فين ...؟!"
أجابه فراس وهو يجلس على أحد الكراسي الموضوعة على جانب مكتبه :
" كنت بجهز لسفرية بكرة ..."
" يعني نويت خلاص ...؟!"
قالها أمير وهو يتجه نحو مكتبه ليجلس على كرسيه فيومأ فراس برأسه ويقول :
" كلها أسبوعين أغير فيهم جو ... متيجي معايا ...؟!"
قال أمير بإقتضاب :
" مليش نفس ..."
أومأ فراس برأسه متفهما وقد إعتاد على برود صديقه ليقول محاولا تغير الأجواء قليلا :
" أخبار كرم إيه ....؟! لسه بايت عندك ..؟!"
تذكر أمير أخيه كرم أخيرا والذي يحاول أن يفرض نفسه عليه مرارا ويخرجه من عزلته ليومأ برأسه ويقول مجيبا على سؤال فراس :
" للأسف لسه ..."
تنهد فراس وقال بجدية :
" كرم ملوش علاقة بأخطاء أهلك ... متحملهوش ذنب حاجة معملهاش ..."
" ومين قالك إني بحمله الذنب ...؟! انا بس مش عارف أتأقلم معاه ... انت عارفه انوا طبعه غير طبعي ... انا بحب الهدوء وهو بيحب الزيطة ..."
ابتسم فراس وقال مؤكدا كلامه :
" فدي معاك حق ...."
ثم نهض من مكانه وقال :
" اروح انا بقى ... يادوب الحق أودع عيلتي قبل السفر ... عايز حاجة من هناك ....؟!"
" ربنا معاك ... تروح وترجع بالسلامه ..."
أشار فراس له مودعا ثم خرج وتركه لوحده ليغرق في دوامة أفكاره من جديد ...
بقلم سارة علي
كانت تقوم بعملها على أبلغ وجه ، تنظف غرفة تليها الأخرى بإجتهاد ...
انتهت من تنظيف جميع الغرف ولم يتبق سوى صالة الجلوس والمطبخ ...
توجهت نحو صالة الجلوس لتجد كرم جالسا يتابع أحد الأفلام الأجنبية وبيده زجاجة خمرة ...
أبعدت بصرها عنه بسرعة وهي تستغفر ربها قبل أن تبدأ بعملية التنظيف ...
أخذ كرم يتابعها بتمعن متأملًا جسدها النحيل للغاية والذي يشبه جسد فتاة لم تتعد المرحلة الإعدادية ، وجهها الشاحب للغاية والذي تبرز عظامه بوضوح ، بالتأكيد هي تعاني من سوء التغذية ...
راقبها رغما عنه ولم يخفَ عنه جمالها الهادئ ببشرتها البيضاء وشعرها البني الحريري وعينيها البنيتين...
تناول ما تبقى من زجاجة الخمرة على دفعة واحدة وقد شعر برغبة كبيرة بإكتشاف ما تخبئه تلك النحيلة داخل ثوبها البالي ...
وقفت تالا أمام الطاولة الموضوعة في احد أركان الصالة تنظف احدى الفازات الثمنية حينما شعرت بأحدهم يحملها بين ذراعيه ...
صرخت بأعلى صوتها وهي تهز قدميها للأمام والخلف ليهتف كرم بها بينما يده تضغط على فمها :
" هش اخرسي ... هتفضحينا ...."
ثم ركض بها نحو غرفة نومه ورماها على السرير لتقفز من فوقه فورا وتسير بخطوات متراجعة نحو الحائط خلفها وترجوه بصوتها الذي خرج مرتعش :
" ارجوك سيبني ...متقربش مني .."
أشار لها بصوت منخفض :
" يا بنتي اهدي ، مش هأذيكي والله ..."
أدمعت عيناها بقوة وهي تردد :
" انا عايزة أروح ... سيبني أروح من فضلك ..."
إلا أنه لم يبال بما قالته حيث قال بلهجة خافتة :
" تؤ ... مقدرش أسيبك... "
ثم أردف بوداعة :
" انتي اسمعي الكلام ونفذي اللي هقولهولك وانا هديكي المبلغ اللي تعوزيه ... مش أحسن من الخدامة فالبيوت ..."
هزت رأسها نفيا وقالت ببكاء :
" لا أنا بحب الخدمة فالبيوت ...."
زفر أنفاسه بقوة وملل ثم ما لبث أن انقض عليها محيطا جسدها بذراعيه محاولا السيطرة على صراخها ومحاولاتها لدفعه ...
في نفس الوقت دلف أمير الى الشقة ليتفاجئ بأصوات بكاء وصراخ تأتي من غرفة كرم فسارع بالذهاب الى هناك وولج الى الداخل ليجد كرم أمامه وهو يحاول الإعتداء على الفتاة ...
انطلق بسرعة نحويهما وأبعد كرم عن الفتاة ولكمه على وجهه بقوة بينما قفزت تالا من فوق السرير وتراجعت الى الخلف قبل أن تنهار باكية ...
عاد أمير وضرب كرم على وجهه بقوة ليسقط الأخير أرضا بينما لم تستطع تالا أن تتحمل ما يحدث أكثر ففقدت وعيها تماما تحت أنظار أمير المصدومة ...
اتجه أمير نحوها وحملها ثم وضعها على السرير ، عاد ببصره نحو أخيه ليجده يحاول النهوض من فوق الأرض وأنامله تمسح الدماء التي تنزف من فمه ...
توجه أمير نحوه مرة أخرى وهو يقول بلهجة متحفزة :
" عايز تغتصبها ... ؟!! تغتصب الخدامة ...؟!"
هدر به عاليا ليرتجف جسد الواقف أمامه بينما لسانه يقول بترجي :
" والله لا ... انا كنت بلاغيها عشان أجيب قرارها لأحسن تغرر بيك..."
قبض عليه من ياقة قميصه بقوة وهتف بنبرة عصبية :
" تغرر بمين يلا .. انت نسيت أنا مين ...؟! "
حاول أن يتحدث ويبرر لكنه قاطعه بحزم:
" انت تخرس خالص ... حسابك معايا بعدين ... بس العيب مش عليك ... العيب عاللي معرفوش يربوك .."
" انا مش متربي ... انا عارف .. بس كفاية لحد كدة .."
قالها كرم بتوسل لينظر إليه بقرف ثم يقول :
" تلم هدومك وتروح عند أمك ... مش عايز أشوف وشك هنا تاني ..."
أومأ كرم برأسه خوفا من أخيه بينما اتجه أمير نحو تالا وبدأ يحاول إفاقتها لتستيقظ بعد عدة محاولات ...
ما إن استوعبت تالا ما حدث حتى انزوت بعيدا عن أمير وقالت بعينين باكيتين ونبرة متوسلة :
" انا اسفة .. انا والله معملتش حاجة ... هو اللي كان .."
توقفت عن الكلام وشهقت باكية ليقول بهدوء :
" هش اسكتي ... انا عارف انك معملتيش حاجة
...متقلقيش ...."
صمت لوهلة ثم قال :
" أنا بعتذرلك بالنيابة عنه وأتمنى إنك تقبلي اعتذاري ... كمان قوليلي طلباتك وأنا هعملك اللي إنتِ عاوزاه ...."
قالت بسرعة :
" انا مش عايزة أي حاجة ... أنا عايزة أروح وبس ..."
شعر أمير بالشفقة لأجلها فقال :
" تقدري تروحي ... "
اتجهت بسرعة نحو باب الغرفة لكنها توقفت حينما وجدته يهتف بها :
" استني ....انا هوصلك ...."
" بلاش ... أقصد ملوش لزوم .."
قالتها بخوف حقيقي لاحظه فأصر على عرضه :
" انتِ تعبانه ومينفعش تروحي كده والجو برد أصلا ..."
أكمل بعدها بلهجة أمرة :
" اتفضلي يلا عشان أوصلك وأرجع بسرعة .."
إضطرت تالا لأن تنفذ كلامه فسارت أمامه ليتجه بها نحو سيارته....
أرادت تالا ان تركب في الخلف لكنها وجدته يفتح الباب الأمامي لها لتركب فيه ويركب هو في مقعد السائق ، قاد أمير سيارته متجها الى المنطقة التي يقع بها منزل تالا بعدما أخذ العنوان منها ...
وصل أمير الى هناك ليتأمل المنطقة الشعبيه ذات الأحياء الفقيرة بملامح جامدة ، لقد سمع كثيرا عن هذا النوع من الأحياء بل وشاهدها بالتلفاز لكنه لم يتصور أن يأتي يوم ويدخل إليها ...
التفت نحو تالا التي همت بالنزول بينما أنظار جميع من في الحي اتجهت نحوها لتلعن نفسها ألف مرة فكيف سمحت له أن يوصلها الى منزلها أمام الجميع ، لقد تناست حديث الناس الذي لن يرحمها ولم تنتبه لهذا بينما تحاول أن تسيطر على أعصابها بعد الصدمة التي تعرضت لها ...
وجدت تالا أمير يمد يده لها برزمة أموال ويقول :
" خدي دول ..."
إلا أنها إعترضت بسرعة :
" لا مش هاخدهم ... اتفضل روح..."
قالتها بسرعة وهي تخرج من السيارة ليهبط من مكانه ويسير خلفها ويقول بنفس لهجته الأمرة :
" استني ... ده حقك ولازم تاخديه ...."
ما ان انهى كلماته حتى تفاجئ بشاب غريب الشكل يقبض عليه وهو يهتف به بنبرة عالية :
" انت عاوز منها ايه ...؟! وفلوس ايه دي اللي تاخدها ...؟!"
" انت بتعمل ايه ...؟! انت اتجننت ...؟!"
قالها أمير وهو يحاول إبعاده عنه ليتفاجئ بمجموعة شباب يقتربون منهما وهم يهتفون :
" فيه حاجة يا حسن ... ؟"
رد حسن عليهم:
" فيه فضيحة بتحصل هنا ولازم نلمها ..."
خرجت على أثر صوته سيدة وفتاتان من المنزل لتهتف السيدة وهي تلطم على صدرها :
" حصل ايه يا حسن ...؟! "
ثم جذبت تالا من شعرها وهي تهتف بكره :
" عملتي ايه يا بنت الكلب ... انطقي ..."
هطلت دموع تالا وهي تجيبها :
" والله ما عملت حاجة يا مرات عمي ..."
دفع أمير حسن بقوة بعيدا عنه ثم قال بلهجة محذرة :
" ايدك دي متتمدش عليا .. انت مش عارف أنا مين ولا إيه ....؟!"
عاد حسن واقترب منه قائلا :
" ميهمنيش انت مين ... اللي يهمني سمعتي وشرفي .."
" وهو مين جه جمبهم...؟!"
" أمال تسمي ايه اللي عملته ايه ... توصلها لحد البيت وتديها فلوس ...."
قالها حسن بصوت عالي ثم جذب تالا من شعرها وقال بغضب كبير :
" هو ده الشغل اللي قلتي عليه ؟! بتضحكي عليا وانت بتشتغلي شغلانة تانية يا حقيرة ..."
حاولت تالا أن تبرر له وسط دموعها وشهقاتها بينما هتف احد الرجال الذين يتابعون ما يحدث :
" البت دي وطت راسنا كلنا واحنا لازم نخلص عليها... ونخلص على الرجل اللي معاها ..."
" بس متقولش رجل ...."
قالها حسن بإحتقار ليفقد أمير أعصابه وينقض عليه بعدما حرر تالا من قبضته لتتلقاها زوجة عمها وبناتها ويبدئن بضربها بينما هجم بقية الشباب على أمير وبدئوا بضربه وهو يحاول مقاومتهم ...
في هذه الأثناء اقترب رجل كبير في السن منهم وهتف بهم بصوت عالي بينما رجاله يلتفون حولهم :
" الكل يوقف مكانه ... "
" المعلم وصل ..."
هتف بها بعض الموجودين ليتوقف الجميع عما يفعلونه فتسقط تالا أرضا بينما يقول المعلم :
" واحد بس يحكيلي ايه اللي حصل ...؟؟"
قال حسن بسرعة :
" تالا بنت عمي وطت راسنا وطلعت بتشتغل وتبيع شرفها ... واللي قدامك ده واحد من زباينها..."
" كدب ... الكلام ده كدب ..."
قالها أمير بصوت عالي ليهتف المعلم به بحدة :
" انت تخرس خالص ... "
ثم التفت نحو حسن وقال :
" عرفت ده ازاي ....؟! وعندك شهود ...؟!"
أجابه حسن وهو يومأ برأسه :
" المنطقة كلها شافته وهو بيوصلها لحد باب بيتنا وبينزل وراها عشان يديها الفلوس ... وبيقولها ده حق شغلك ..."
تدخلت زوجة عمها في الحوار قائلة :
" انا ياما كنت بحذر ابني منها .... البت دي ماشية فسكة مش كويسة ... وكل يوم بتتأخر فشغلها لحد الليل .... واستغفر الله العظيم بترجع وباين عليها أثار اللي بتعمله ..."
" كدب .... هي بتشتغل خدامة مش أكتر ..."
قالها أمير محاولا الدفاع عنها لتنقل تالا بصرها بين الجميع بنظرات تائهة بينما تكمل زوجة عمها :
" من الأخر كدة انا مش عايزة البت دي عندي .... دي بت مش شريفة وانا اخاف على بناتي منها..."
عاد الجميع يثرثر بين مؤيد ومعارض لكلام زوجة العم ليهتف المعلم اخيرا بحسم :
" انا لا يمكن أطردها إلا لما أتأكد الأُول من كلامكم ...."
تنهد أمير براحة فيبدو أن هذا الرجل عادلا بينما لوت زوجة العم فمها بإعتراض وقال حسن بسرعة محاولا انهاء الحوار :
" ملوش لزمة يا معلم .... تالا بنت عمي وانا هربيها...."
إلا أن المعلم كان مصرا على كلامه :
" انا هتأكد يعني هتأكد ... ولا انا عايز الناس يفتكروا انوا المنطقة هنا سايبة ...."
ابتلع حسن باقي كلماته داخل فمه بينما أشار المعلم لتالا قائلا :
" انتوا تجيبوا الست هيام تكشف عليها ونشوف اذا كانت شريفة وبنت بنوت ولا لأ ..."
نظرت تالا إليهم بفزع وقالت بترجي :
" لا انا مش عايزة حد يكشف عليا .... ارجوكم متعملوش كده ..."
إلا أن زوجة عمها جذبتها وقالت :
" ايوه اكشفوا عليها ... عشان تعرفوا انوا كلامنا حق ...."
---
جلست تالا أمام الست هيام التي أخذت تنظر إليها بقرف ثم قالت بلهجة حادة :
" نامي يلا عشان نخلص من الليلة دي ..."
" ارجوكِ بلاش ... انا والله العظيم معملتش حاجة ..."
قالتها تالا بصوت مبحوح باكي لتهتف هيام بملل :
" الناس كلها واقفة برة ومستنيه النتيجة .... وانا لازم اعرفهم الحقيقة ... وطالما انتِ معملتيش حاجة يبقى متخافيش ... الحق هيبان والكل هيعرف انك شريفة ..."
ثم أكملت :
" يلا نامي عشان اكشف عليكِ ...."
بالكاد استطاعت تالا أن توقف شهقاتها وتتمدد على الكنبة لتبدأ هيام بالكشف عليها ...
شهقت تالا بقوة وهي تشعر بالذل الكبير والمهانة ...
لقد تعرضت لأقسى أنواع الإهانة ...
صرخت بقوة حينما شعرت بلطمة كبيرة تنزل على وجهها بينما جذبتها هيام من ذراعها واخرجتها من منزلها وهي تهتف :
" طلعت مش بنت يا معلم ... "
بينما علا صراخ الجميع ...
نهاية الفصل