رواية أحاسيس كاذبة كاملة جميع الفصول بقلم ملكة الاحساس الكاتبة حنان عبد العزيز عبر دليل الروايات للقراءة والتحميل
مقدمة رواية احاسيس كاذبة
بين الليل و النهار قد تتغير أشياء تُغير مجرى حياتك ، من النقيض إلى النقيض ، كما حدث مع أبطالنا ،
فهد الشهاوي، شاب فى الثلاثين من عمره ، توفى والديه فى حادث أليم ، و تركوه يعاني وحده فى هذه الدنيا القاسية كان في الأساس يعمل صبياً ميكانيكياً فى ورشة تدريبية ، في حي من الأحياء الشعبية ، فى مصر القديمة ، لكنه كافح حتى درس الثانوية العامة ، وقد حصل على مجموع 98٪ والتحق بكلية الهندسة ، وتخرج بتقدير امتياز ، و عُين معيداً بها ، و لم ينكر معروف
رواية أحاسبس كاذبة بقلم ملكه الاحساس حنان عبد العزيز
من علمه مهنته ، و ساعده فى مشوار حياته ، فهو الحج سليم الهوارى ، رجل تمتد جذوره إلى عائلة الهواري ، أكبر عائلات الصعيد ، لكنه أتى هاربا من بحور الدماء بينهم و بين عائلة القناوي ، متزوج و عنده بنت واحدة ، نورسين ، ٢٥ سنه تخرجت من كلية فنون جميلة ، بيضاء هيفاء واسعة العينين ، ذات رموش كثيفة و شعر طويل أسود ، و جسدٍ ممشوقٍ ، كأنه تمثال نحت على يدِ فنان ، سبحان من أبدع فى جمالها ، تحب فهد ، بل تعشقه ، و هو يعشقها من رأسها حتى قدميها ، لكن أقدار الحياة ، لها رأي آخر ،
***
الفصل الأول من رواية أحاسيس كاذبة
فى ليلة حالكة الظلام ، يتراقص فى سمائها الرعد و البرق ،و تنسدل مياه المطر ، كقطرات الفضة النقية ، يتعثر المارة فى طريقهم ، فتنزلق الأقدام من وابل المطر ،
كما هو حال قلبه ، الذى كان يرقص بالحب و العشق ، و الآن هو يغوص فى وحل الفراق الذي أدمى قلبه ، هو الآن بين أحضان الفراق يتألم بقلب دامٍ يمزق أوردته و شرايينه حزنا ، و يبعث في عقله بخيبة الأمل من تلك التى أسرت قلبه بعنفوانها و عشقها و الآن تركته وحده يعانى الوحدة و الفراق ، يعيش الماضى بكل عشق و حب ، و حرمان ،
، ألم تحدثه عن مدى عشقها و شوقها له ، كانت تود أن تسكن ضلوعه ، تذوب بين قطرات دمه لتختلط جزيئاته و تسير فى شريانه بدلا من دمه ، كيف تخلت عن حبها الأوحد ، كيف نسيت عشقه لها؟ ، و ذهبت و تركته ، يلعن أطياف الماضى اللعين ،
أقسم بالله أن يسكنها قصراً كقصور الأميرات ، و أن يأتى لها بخاتم من الألماس ،و أن يُلبسها الحرير ، و أن يأتى بفستان زفاف صنع على أيدِ أشهر مصممي الأزياء عالمية ؛ فهى تستحق ، لكن ما إن فرد الفراق جناحه عليهما ، فقد كان حتماً ، أن ينتهي كل هذا ،
استند بساعديه على وسادته ، يتذكر كيف كان حبهما ،
عودة للماضي....
فى حى شعبى يكمن بمصر القديمة حيث البيوت العتيقة التى تنبعث منها رائحة الماضى ،
رواية أحاسيس كاذبة بقلم ملكه الاحساس حنان عبد العزيز
بكل تفاصيله ، الحب و التسامح و السلام الداخلى ،
يسكن العم سليم الهوارى مع ابنته الوحيدة نورسين ، التي تخرجت من كلية فنون جميلة ،
أشرقت شمس يوم جديد تخللت أشعتها عبر النافذة ، تداعب بشرتها الناعمة ، بحرارتها الدافئة ، تململت هى بفعلتها بضيق وثقل ، تجاهد فى فتح جفنيها عدة مرات ، فقد استيقظت من حلمها الوردي الناعم الجميل ، اليوم هو يوم زفافها على فهد ، ذلك الشاب الوسيم الذى أتى مع أبويه ليسكن الدور الثانى العلوى ، و قد توفى والديه فى حادث أليم ، و ظل وحيداً، يتيماً ، تولى والدها تربيته ، و تعليمه و تدريبه فى ورشته ، فعمل معه صبياً ميكانيكياً للسيارات ، و ساعده فى مذاكرة دروسه حتى التحق بكلية الهندسة و تفوق و أصبح معيداً فيها ،
و منذ ذلك الوقت ، و هو يعشقها، فهى حب الصبا و الكبر ، و هى أيضا ،فقد كبرت على عشقه ، فهى لا تعرف للرجولة اسماً غير فهدها ، و لا تعرف حباً غير حبه لها ،
رواية أحاسيس كاذبة بقلم ملكه الاحساس حنان عبد العزيز
و اليوم زفافها فظل يعمل جاهداً ليل نهار ، حتى أتى بخاتم باهظ الثمن ، كما وعدها ،
فكان رجلاً يفي بوعده ، و أتى بشقة كبيرة ، و جهزها بأفخم الأثاث ، كشفت الغطاء ، عن ساقيها المعلق على تختها لمست الأرض بقدميها البيضاء ، تعزف فى مشيتها ، بخطوات كراقصات الباليه ، تحتضن وسادتها و تتراقص معها على أنغام الموسيقى و غناء سيدة الغناء العربي أم كلثوم، و كشفت فى خزانتها عن فستان زفاف صنع بإتقان على أيدٍ متخصصة ، كما كانت تحلم قطع شرودها و رقصتها رنين جرس الباب يعلن عن قدوم الفهد المنتظر ، فهو ظل يسكن شقتهم القديمة ، حتى بعد أن تحسنت حالته المادية , و أصبح صاحب أشهر معارضٍ للسيارات إلا أنه ظل يسكن ذلك المنزل القديم ليحظى بلقاء محبوبته كل يوم ، و أقسم أنه لن يترك المنزل إلا و هى زوجته ، و اليوم تحققت الأحلام ، فاليوم زفافهما ،
تركت ما بيدها و خرجت ، و بالفعل كان هو فقد أتى ليأخذها إلى مركز التجميل الشهير ،
وقف فهد فى بهو المنزل ينتظرها ، و عندما وجدها تأتي من خلفه ظل ينظر أمامه يُوهمها أنه لا يدري بقدومها ، و عندما اقتربت منه انقض هو كالفهد على فريسته و احتضنها بيدٍ فولاذية ، يود لو يدخلها بين طيات ضلوعه ، لتذوب مع جزيئاته ، و أخذ يقبلها في كل إنش من وجهها فهو زوجها و حقه ، و هى تذوب بين ضلوعه خجلاً ، تضربه ضربات خفيفة تعلن عن خجلها أمام
رواية أحاسيس كاذبة بقلم ملكه الاحساس حنان عبد العزيز
والدها ، الذى كان يقف يراقب الوضع من بعيد ، بفرحة فاليوم أتم رسالته و سلم ابنته لرجلٍ بمعنى الكلمة ، يحافظ عليها لتسكن هى قلبه ، و يسكن قلبها ،
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثانى
**
سحقا لك لم خنتني
واستعجلت وعدك بالرحيل
أهذا هو ما وعدتني
أن نبقى معا لدهر طويل
فحنث وعدك وتركتني
أجافي الهجر بجسد عليل
قدر قاس صرعني
ودمع على الأوجان يسيل
قدر قتلك وقتلني
وهما ظننت الحياة لي تميل
يا ليتك ويا ليتني
لم نتعاهد على حب جميل
بالحب قد علمتني
أني بدونك أعماً ضليل
فيا قدرا ما كافيتني
خذني معه لأشفى الغليل
رواية أحاسبس كاذبة بقلم ملكه الاحساس حنان عبد العزيز
تمت
شمس السباعي
***
أنزلها فهد تحت الحاحها ، و هو يضحك على خجلها ، و قال
اليوم زفافنا و أنتِ كما أنتِ منذ سنين تخجلين مني، لا تخجلي يا معشوقتى و زوجتي ، فاليوم لا مكان للخجل ، و أخذ يداعبها و يدغدغها ، ظناً منه أن العم سليم يُحضر له القهوة ، و لا يعلم أنه خلفه ، اتسعت عيناها من الخجل و الحياء ، عندما رأت والدها خلف فهدها ،
رواية أحاسيس كاذبة بقلم ملكه الاحساس حنان عبد العزيز
فهد باندهاش من شكلها ، نورسين حبيبتي مابكِ؟.
أنتِ بخير؟ ،
لم يأته الجواب إلا أن تركته و اختفت بسرعة الصوت من أمامه ، نظر مكان ما كانت تبحلق ، وجد العم سليم ، مسد أنفه و حرك شفتيه محاولاً تفادي سحابة خجله و رفع حاجبيه و حك مؤخرة رأسه خجلاً من العم سليم ، و ابتلع باقي كلامه في جوفه من اضطرابه،
رواية أحاسيس كاذبة بقلم ملكه الاحساس حنان عبد العزيز
العم سليم بجدية يود أن يخرجه من خجله قال ، اجلس يا بني أود أن أتحدث معك في موضوعٍ شائكٍ جداً
انتبه فهد و جلس ، و أخذ العم سليم يقص عليه نفس قصة الثأر و هروبه من البلد و من عائلة الهواري ، و أخذ يخفض صوته حتى لا تسمع ابنته ، فإنه بعد سفرهم شهر العسل ، لابد أن يسافر إلى الصعيد لتقديم كفنه لعله يوقف سلسال الدم القائم هناك ؛ و لكنه يخشى عائلته فإن ما يفعله بمثابة جريمة يعاقب عليها بالقتل ، لكنه يود أن يبعد ابنته و أولادها مستقبلاً من ذلك الثأر أو انتقام عائلة الهواري ،
رواية أحاسيس كاذبة بقلم ملكه الاحساس حنان عبد العزيز
صدم فهد مما سمع ، بالتأكيد هنالك خطر على محبوبته و أولادهم فى المستقبل من العائلتين ، اتسعت عيناه خوفاً وفزعاً على العم سليم و على محبوبته و قال ،
لا يا عم سليم ، لن أتركك تذهب إلى هذا الجحيم ، سأفتتح فرعاً جديداً من معارض السيارات في أمريكا ، و نذهب لنستقر هناك ،
لتبتعد عن هذا الجحيم و بحور الدماء ، أنا لن أسمح بأن يتأذى أياً منكما ، أنت والدي، و هي زوجتي ، أرجوك استمع لي و لنترك هذا المكان بأكمله ، و نذهب ،
أجابه العم سليم ،
لقد فات الأوان ، فلن أسمح أبداً بتعكير حياتكم ، فقد ساءت الحياة هناك ، و قد امتد سلسال الدم حتى نال أصغر الشباب سناً ،
رواية أحاسيس كاذبة بقلم ملكه الاحساس حنان عبد العزيز
اليوم سوف يأتي ابن عم لى هو و ابنته هرباً أيضاً منهم ، فهناك قوانين لا يقدر أحد على مخالفتها ، أنت لا تعلم قوانين الهواري و حكم من يهرب منهم ، الإعدام له ولكل عائلته ، فهم يعتبروه وصمة عارٍ لهم ,
قاطع حديثهم خروج نورسين ، بوجنتيها الورديتين و عيونها الزرقاء مثل لون البحر تبتسم ، و تعلن أنها جاهزة للذهاب معه لمركز التجميل ،
شرد فهد فى جمالها و قُبض قلبه للحظة خوفاً عليها ، و تمنى لو يخفيها بين ثناياه ، هربت دمعه من عينيه غصباً عنه ، تدل على قلقه الذى سيطر عليه ، و ألف فكرة و فكرة مجنونة سيطرت على عقله ، خطى نحوها و جذبها من ذراعها بقوة فاصطدمت بصدره ، و أحكم من احتضانها بيدٍ فولاذية ، ليُهدئ نبض قلبه الذي أخذ يتصارع يعلو و يهبط يكاد يخرج من بين ضلوعه ، من شدة الخوف الذي تمكن منه ،و من كل ذرة فى جسده ،
رأى العم سليم خوف فهد و اهتزازه فزعاً عليها ، فاقترب منهما ينظر له ، بل يترجاه ألا يبوح بهذا السر ، حتى لا تُفسد ليلتهما ، و انضم إلى حضنهما هو أيضا ، حتى يبث الإطمئنان إلى قلب ابنته ، الذى تأكد أنها اهتزت لتلك الحالة التي عليها فهد ،
لكن سرعان ما سألت بقلق وهي بين أحضانه ما بك يا زوجي العزيز ، ما بكما ؟
و أخذت توزع النظرات بينه و بين والدها ، و حررت نفسها من بين أحضانه ، لتنظر فى عينه و تعيد سؤالها بإستفسار و قلق ، عندما لمحت تلك الدمعة الهاربة على خده ،
مدت أناملها تمسح تلك الدمعة الحزينة، و قلبها ينبض بلهفة بسبب تلك الحالة التى هو عليها ، فلم تراه هكذا من قبل ، رواية أحاسبس كاذبة بقلم ملكه الاحساس حنان عبد العزيز
لكن تمسك فهد و احتضن وجهها بين كفيه بحب فاض به قلبه ، و أجابها بكياسة ، و ثقة ليطمئن قلبها ،
أنا لا أصدق أنني سوف أمتلك أجمل أميرة على وجه الأرض ، فأنت حلم ظل يراودني حتى حققته ، و اليوم سوف أعلن امتلاكي لكِ أمام الجميع ، أليس هذا حدثٌ يستحق تلك الدموع ، فهي دموع الفرح ، لفوزي بسندريلا حياتي ، و بأميرة قلبى ،
تنهد عم سليم براحة عندما رأى إبتسامة ابنته لذلك العاشق ، الذى فازت به ، بارتياح ، و طمأنينة
ارتمت نورسين بين أحضان زوجها و والدها ، و قالت
أنا أسعد إنسانة على وجه الأرض ، حيث رزقني ربي بأبٍ قلبه جنتي فى الأرض ، و زوجٍ قلبه جنتي في السماء ، رواية أحاسبس كاذبة بقلم ملكه الاحساس حنان عبد العزيز
الحمد لله على نعمه ، فأنا مِن مَن أنعم الله عليهم
رن هاتف فهد ، برسالة تطلب تواجده الآن فى قاعة الفرح ، لترتيب بعض الأمور و أنه قد تأخر ، و الوقت لا يسمح بالتأخير أكثر من ذلك
أخبرهم بمَ فى الرسالة ، فاقترح العم سليم بأنه هو من سيذهب بابنته لمركز التجميل ، فوافق فهد وخرج على هذا الاتفاق ،
و ياليته ما وافق ،
---
الفصل الثالث
رواية أحاسبس كاذبة بقلم ملكه الاحساس حنان عبد العزيز
كيف لك ؟
كيف لك كل هذا الحضور .. رغم الغياب
كل هذا الظهور رغم الإختفاء و حب يزيد في البعد عذابا فوق العذاب .
كيف لك ؟
بالتواجد و الشروق في بهيم الليلة الظلماء
كيف تتجرأ على طرق أبواب قلب ظنَّه فيك خاب ؟
كيف تفرض صورتك على لوحة ذكرياتي بكل هذا العنفوان و الاجتراء ؟
كيف تحث عبراتي على الإنهمار في تجاعيد السنين كي تلومني دائما على مراسم حضورك السلطاني في انتشاء .
ألف سؤال تحتويه أداة الإستفهام .. ألف سؤال ينطلي على ملايين من الأسئلة التي تدق عنق رأسي والجواب واحد .. واحد فقط ..
مريض بك وعجز الأطباء واستعصت الأدواء... فانهار العقل السجين في مرماك يعجز عن الهرب من باحة وجودك .. يأبى العصيان والخيانة لذكريات ربطت شريان قلبينا بمقامع من حديد ..رغم المسافات .. رغم المستحيل .. فالقلب والعقل تلاحما وقررا ألا يبرحاك ..
رواية أحاسيس كاذبة بقلم ملكه الاحساس حنان عبد العزيز
ولا أزال كل لحظة أسأل ب كيف ؟
ولا تزال إجابتي مهما مر من الدهور .. أني أحبك جدا .. وحبك لحياتي ممر العبور .. بل يشرق حبك في نفسى كل صباح في غلالة من نور فتمنح حياتي للغد كجواز مرور ...
رواية أحاسيس كاذبة بقلم ملكه الاحساس حنان عبد العزيز
شمس
**
وافق و ياليته لم يوافق ، و ذهب كل منهم إلى حيث طريقة ،
فهد ذهب لقاعة الفرح ، فقد كان يُحضر مفاجأةً لمعشوقته و زوجته ، و هى أنها تدخل القاعة محمولة في سفينة فرعونية على أكتاف مجموعة من الكهنة ، و هو يأتي إليها بطائرة هليكوبتر ، و ينخفض قليلاً بالطائرة و يخطفها لتظل بجانبه و اللقاء يرسم صورة التحام الماضى بالحاضر ، و هو من انتصر و أخذها إلى عالمه و أصبحت ملكه ، و يعلن عن امتلاكه لها أمام الجميع ، بأن يأخذها فى قبلة طويلة حميمة ، يبث فيها حبه و عشقه لتلك العابثة بقلبه ، و أخذ فهد يرسم و يخطط ، و يحلم أحلاماً وردية ، لكن القدر كان له رأى آخر ، حيث أعلنت طلاسم الفراق ، و هي تحوم فوق رأسه ، كطائر أسود يوحي بشؤم في ليلة كهذه ،
على الجانب الآخر ، احتضن الأب سليم ابنته و قال بدموع الفرح بارك الله لكما حبيبتي ، دام الله عليكِ سعادته ،
نورسين بحب و فرحة قالت بارك الله فيك و في عمرك ، حتى يأتي لك حفيداً يكمل فرحتنا ، و أنت تعتني به و تحسن تربيته كما أحسنت تربية حبيبي ،
و ذهبا معا
في طريقهم صدح هاتف الحاج سليم ، باسم ابن عمه ، أنه ينتظره فى محطة القطار ، فقال أنه قريب منه ، و سيذهب إليه قبل أن يذهب بابنته لمركز التجميل ، حتى تذهب معها ، ياسمين بنت عمها ، و تكون برفقتها ، فهي تقريبا فى نفس السن ، خريجة كلية آداب ، كما كان يخبره ابن عمه ،
وصل سليم المحطة ، و التقى ابن عمه ، و احتضنه ، فمنذ سنين لم يراه ، و احتضنت نورسين ياسمين ،
نورسين بإعجاب من وجه الشبه ، و نفس لون العين مع اختلاف بسيط قالت ، أنت ِجميلة يا ياسمين ،
ياسمين ، لن أكون أجمل منكِ حبيبتي ، ليس بيننا اختلاف كبير ،
نورسين بفرحة حمداً لله على أن أصبح لي أخت مثلك ،
و ركب الجميع السيارة ، و قد صمم ابن العم بأنه هو من يقود السيارة لغرض فى نفسه و ركب العم سليم بجانبه ، و ركبت البنات بالخلف ليستمعا كلامهما
و فى الطريق تحقق ابن العم من ظنونه فمنذ كان بالقطار وهو يشعر بعيونٍ تراقبه ، و بالفعل فقد كان على حق و كان يوجد من يراقبه ، فقد لمح سيارة و بها فرد من أفراد عائلته ، فأسرع بالقيادة حتى يضلل من يتابعهم ، و لكن كان للقدر رأي آخر ،
انحرفت عجلات السيارة عن مسارها ، و اختل توازن السيارة جراء سرعتها ، و اصطدمت بسيارة نقل تحمل أسياخاً من حديد التسليح التي انقلبت ثم تبعتها سيارة العم سليم و أهله ، و انغرست أسياخ الحديد في سيارة العم سليم و من معه ،
أعلنت الطوارئ على الفور ، و أخذت سرينة الإسعاف تجوب فى المكان ذهاباً و إياباً لنقل الضحايا ، منهم الموتى و منهم المصاب ، و نقلتهم جميعاً على المستشفى ، فى حالة خطر ،
و فى المستشفى ، أعلن الأطباء وفاة نورسين بنفاذ سيخ من البطن إلى الظهر و فشل الكليتين ، ،و ابن عم الحاج سليم بتحطيم الرأس و فصلها عن الجسد ، فقد كان حادثاً مروعاً،
و أصيب سليم بقطع فى قدميه ، فأصبح عاجزاً مدى الحياة ، و أصيبت ياسمين ، بسيخٍ قد غُرس في قلبها فهي تصارع الموت هى الأخرى و قلبها قد يعلن استسلامه خلال دقائق .
كل هذا الحديث يدور بين ممرضتين كانتا تتحدثان مع بعضهما ، فقالت إحداهما ، سيكون لتلك الفتاة عمر لو تم نقل قلب الفتاة الأخرى إليها قبل أن تلحق بهم ، بدلاً من وفاة كلتا الفتاتين ، ردت الممرضة لو كان بيدى الأمر لفعلتها ، و لكن من لديه القدرة على فعل هذا
قالت الممرضة الأخرى ، أبيها هذا هو من له القرار ،
اتسعت عين الحاج سليم و صعق مما سمع ، لقد فقد ابن عمه ، و الفتيات و سوف يعيش وحده ، عاجزاً عليلاً ، بكى بكاءً هسترياً ، و أخذ ينادي على ابنته ، حضر الطبيب لإعطائه مهدئاً و لكنه طلب مدير المستشفى على الفور، و الأطباء المتابعين لحالة الفتيات ، و حضر المدير فأخبره برغبته بنقل أعضاء فتاة لأخرى ، و كتب موافقة كتابية على إنقاذ إحدى الفتاتين و اتخاذ اللازم ، على مسؤوليته الكاملة ، و إنهار عقله بعدها و ذهب عقب الحقنه المهدئة التي حقنه الطبيب بها لراحته ،
و بالفعل عمل الأطباء جاهدين على قدم و ساق لنقل القلب فقد كانت العينات متطابقةً ، لتعيش ياسمين ، بعد أن أفصحت مشيئة القدر رأيها ،
على الجانب الآخر فهد ، فى حالة هياج ، لم يعرف ما حدث بهم ، لم يجدهم فى مركز التجميل و لا فى المنزل ، أين أنتِ يا محبوبتي ، هل أصابك مكروه ، إلى أن جاءه خبر الحادث من المستشفى ، فجن جنونه ؛ فأخذ الطريق فى لمح البصر ، لا يرى أمامه سوى محبوبته و زوجته ، و يرفض أى فكرة تخطر على باله تخبره بالفراق ، أو حتى إصابتها بأي مكروه نفض تلك الفكرة و زاد من سرعته ، وهو يدعو الله بأن يحفظ زوجته و عشقه الأوحد ، حتى حضر إلى المستشفى ظل يجري إلى أن وقف أمام باب غرفة العم سليم ، اهتزت يده علي إثر نبض قلبه المتسارع ، و ارتعش جسده ، و تجمعت دموعه التي تأبى السقوط ، حتى لا توحي بنظير شؤمٍ على حبيبة قلبه.
استجمع قواه و فتح الباب فوجد عم سليم وحده مع الممرضة ، التى كانت ترعاه ، بعد عملية بتر قدميه ، رأى فهد قدم عم سليم ، فلثم فهد فمه بيده و اتسعت عيناه مما رآه ، و هزمته دموعه ، فسأل عن زوجته ، فأخبروه بوفاتها ، هرب العقل البشري الذي لم يقدر على تحمل تلك المصيبة الفجة ، أيعقل أن يدخل بها القبر ، قبل أن يدخل بها عشهما ، فيا لسخرية القدر ، إنهار جسده و لم تقدر قدمه على أن تحمله أكثر من ذلك ، وهو يراها ملتفه داخل الثوب الأبيض ، لكن ليس بفستان الزفاف و لكن بثوب الفناء ، رأى جسدها الممشوق قابعاً فيما يسمى بالثلاجة ، تحمل ليكشف عن وجهها ليراها آخر مرة ، كان يبكي بصوتٍ عالٍ يمزق القلوب ، و يهزها ، و يردد ، لمن تركتني، لمَ خلفت وعدك بالبقاء و فارقتني ، ألم أقل لكِ أني لن أترككِ و سأذهب معكِ إلى حيث تريدين ، لمَ خلفت الوعد ، و تركتِ القلب الذي أحبك ، خالفت وعدك بالبقاء و أنك ستنجبين لي من الأطفال ، خمسة أولاد يكونون فى الشبه مثلي ، حتى إن انشغلت كان عندكِ مني شبيه ، و بنتاً واحدةً تكون فى الشبه مثلك ، حتى لا يكون في حياتي غيرك و غيرها ، أين كل هذه الوعود ، و أخذ يهزها و يردد سؤاله ، احتضنها ، و ود أن يأخذها ، و يذهب ليدخلها شقته ، التف حوله الأطباء جاهدين فى مواساته ، بأن هذا قضاء الله و قدره ، حتى استسلم ، و أكمل مراسم دفنها ،
و مرت أيام حزن عتيقة و ثقيلة ، و هو كما هو ، يبكى عند قبرها ، يبكى بكاء طفل تركته أمه وحده فى الطريق و ذهبت ، بكاء قلب ينزف جراحه ، يسألها كيف حالها ، و يخبرها بسوء حاله ، و أنه لم يقدر على فراقها ، و يود أن يظل هنا حتى يلحق بها ، و فعلا اتخذ من قبرها سكناً ، لعدة شهور ، حتى أتى ذلك اليوم الذي تغيرت فيه الأحوال و تبدلت من حال إلي حال ،
--
الفصل الرابع
ويحك قلبي المتمرد
كيف خنتها فصرت كالغريب
كنت تظن الحب مثلها
كما أحببتها وفي العقل أريب
لوثت ذكراك لوثتها
ووضعت في قلبك غيرها
أيصف سم الزعاف طبيب
ظننت أنك تحبها ولكن
لم يكن الحب إلا لها
حبيبة قلبي وحدها
بعد أن اقتنصها النصيب
وها أنا الآن بدونها
أحرق ذاتي بعبرات على قبرها
وكأنني مصلوب على الصليب
أبكيها بعقد الياسمين
وفي أنفي ما زال عطرها
ينادي باسمها فيا ليتها
تعفو عن قلب كان لها حبيب
تمت
شمس السباعي
***
إلى أن أتى ذلك اليوم و كان هو بجوار محبوبته ، بشعره المبعثر و ذقنه التى تركها تنمو بعشوائية ، و أهمل عمله و ترك منزله ، و منذ ذلك اليوم و هو يتخذ من قبرها سكناً ، يغفو في الليل فى غرفة بداخل المقابر ، و عند شروق الشمس ، يجلس يتحدث معها ، كأنها نائمة ، سمع صوتاً يعرفه جيداً ، نعم إنه صوت العم سليم ، يحدث ابنته ، و هو يبكي و يطلب منها السماح ، فقد فعل ما فعل وهو لا يعرف من فيهما التى توفيت ، فهو لا يعرف ، من تغلب عليه وقتها القلب أم العقل كل ما فكر فيه ، هو إن كانت ابنته هى التي تحتاج إلى القلب فقد أنقذها ، و إن كانت ياسمين فقد احتفظ بجزءٍ من ابنته أمامه ، فهو لا يعرف إن كان أنانياً أم مثالياً لا يعرف ،كل ما يعرفه أن قلبها ينبض في جسد آخر ؛ لكن يكفيه أن قلبها دائماً أمامه ، هذا كل ما فكر به وقتها ، و هذا هو ما يُصبره الآن .
و أنه يستمتع بسماع نبض قلبها بجواره ، فقد أصبحت ياسمين ابنته ، لا تتركه بعد عجزه ، و يحكى لها أنها لا تفرق عنها خُلقاً ، ولا طيبةً حتى إنها انتظرت بالخارج تعطف على أطفال فقراء أمام المقابر ،
ظل هكذا يكلمها و يبكي، و يحكي لها أنه لم يجد فهد ، منذ ذلك اليوم المشؤم ، و هو لم يعرف عنه أي خبر ، سمع فهد كل ما دار من حوار ، و خرج كالمجنون من الجهة الخلفية ، يبحث عن من أخذت قلب زوجته و محبوبته ، نعم رأها تجلس فى سيارة العم سليم ، عرفها من نظرة عيونها ، و كيف لا يعرفها ، فهو من عشق لون عيون محبوبته فهى تشبهها فى لونهم ، و لمعتهم ، ود أن يفتك بها ، و لكن ما إن رأته ياسمين يقف أمامها بوجهه العبوس حتى صرخت و دخلت المقابر ، و نادت ، يا عم سليم عفريت يا عم سليم ، و أخذت تصيح وتهلل و تهرول ، نحو مقبرة نورسين ، وقف فى دهشة متسع العينين ، منفرج الفم ، مستغرباً مما فعلته تلك البلهاء راقبها من بعيد حتى وصلت إلى العم سليم ، و احتضنته بخوف تمكن منها و رعب و فزع ، و هي تحكي عن جني له شعر طويل منكوش و ذقن مبعثرة و شكله قبيح ، لكن ذو عيون حزينة لكنها جميلة ، ذهب فهد يضرب كفيه ببعضهما
باستغراب من تلك المجنونة ، عفريت بعيون جميلة ؟
دخل إلى غرفته ، ينظر لأول مرة منذ شهور فى المرآة ، فوجد شخصاً قبيح الهيئة كما قالت ، اشمئز من نفسه و ألقى المرآة من يده بلامبالاة ، و استلقى على سريره ، و انتظر حتى غادر العم سليم و ذهب إليها كالعادة يشكو لها حزنه و ألمه مما عرفه عنها و عن كمية الألم الذي مر به ، مما زاد عليه أنهم انتزعوا منها قلبها ، لتحيا به غيرها ، بكي بكاءً مريراً و تنهد و زاغت و لمعت عيناه بالشر و أقسم لها أنه لن يتركها تحيا بقلبها و هي تقبع هنا تحت التراب ، لابد أن تأتي يوما هنا و تستردي أمانتك ، و ظل يبكي ،و صوته يعلو بالوعيد ، لتلك الياسمين ، التى أخذت قلب محبوبته ، شرد للحظة ، و طرقت بذهنه فكرة شيطانية للإنتقام منها ، و في نفس الوقت يحظى بقلب محبوبته و يتمتع بنظراتها بتلك العيون ، بلونها الصافى لون البحر بطياته و السماء بصفائها ، كأنه امتلك الدنيا و ما فيها ، لمعت عيناه بفرحة عندما تذكر نظرتها ، فهى تشبه نورسين أيضاً فى الشبه ، و لكن نفض رأسه و لام نفسه ، كيف تتطرق إلى ذهنه هذه الفكرة ،
أيعقل أن يفكر في غيرها ، و أن ينظر إلى غيرها حتى لو كانت تشبهها ، كيف تسكن بيتها الذي أعد كل ركنٍ فيه لها وحدها ، أكمل قسوته على نفسه ، و أخذ يضرب الجدران بيده يلعن نفسه كيف يغدر بروح محبوبته ، و غفى من شدة البكاء و التعب لكنه وجدها تبتسم ، وتمسح بأناملها دموعه المتساقطة ، و جلست بجواره ، و هو لا يصدق نفسه ،أهى بين يده احتضنها بشوق عارم لا يقدر على إخفائه ، أراد أن يخفيها عن عيون الكون و الدنيا ؛ أراد أن يسافر بها إلى عالمها لينعما سويا ، فذاب بين ذراعيها وهو يشدد من احتضانها ، خوفاً أن تتركه مرةً أخرى ، ظل ممسكاً بها كطفل وجد أمه بعد غياب ، و لكن الغريب ، أنها خرجت من حضنه بهدوء عكس ما كان يعتقد ، و مدت يدها و رفعت وجهه إليها ، و قالت أنا هنا فى عالم من نسج خيالك و أحلامك فقط لكن إذا كنت تريد أن أكون معك هنا و هناك ، لكان بإمكانك ذلك ،
فجزء مني لازال هناك ؛و هو قلبي الذي ينبض فلا تتركه يود أن يحتضنك هو أيضاً ، كيف تركته إلى الآن و لم تملكه ، ألم أقل لك أن كل إنش فى جسدي و روحي ملكٌ لك ،
فعقد حاجبيه مما تقصد فقال و كيف ذلك ؟
، بدأت تتلاشى و هي تردد احتضن قلبي يا فهدى ، إياك أن تتركه لغيرك ، امتلك قلبي يا فهدي ، و هكذا حتى تلاشت صورتها نهائياً ، استيقظ مفزوعاً ، وهو ينادي باسمها نورسين ابقى معى لا تذهبي ، نورسييييييييييين
***
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الخامس
سحقا لك لم خنتني
واستعجلت وعدك بالرحيل
أهذا هو ما وعدتني
أن نبقى معا لدهر طويل
فحنثت وعدك وتركتني
أجافي الهجر بجسد عليل
قدر قاس صرعني
ودمع على الأوجان يسيل
قدر قتلك وقتلني
وهما ظننت الحياة لي تميل
يا ليتك ويا ليتني
لم نتعاهد على حب جميل
بالحب قد علمتني
أني بدونك أعمى ضليل
فيا قدرا ما كافيتني
خذني معه لأشفى الغليل
تمت
شمس السباعي
***
استيقظ من نومه على رذاذ الأمطار فزعاً ينادى بصوتٍ عالٍ
نورسين لا تتركيني ، إياكِ أن تذهبي وحدكِ ، نورسين ، و لكن لا حياة لمن تنادي ، فأيقن أنه حلم أو ربما يكون إشارةً أو رسالة تود أن تخبره إياها ، فاحتضن جدران القبر بيده ، و قال بدموع حزينة لقد وصلت الرسالة يا معشوقتي ، ألم يكفي منكِ قسوة على قلبٍ تاه فى محراب عشقكِ ، لماذا تقسين عليّ بالفراق ، و الآن تقسين عليّ بلحاق و احتضان غيركِ ، ألم يكفيكِ قسوة على معشوقك ، كيف تريدين مني شيئاً كهذا ، كيف تريدين مني أن يسكن غيركِ ضلوعي، ألم يكن هذا سكنكِ ، ألم يكن هذا لكِ وحدكِ ، ألم يكن هذا مكانكِ ، لمَ تركته لغيركِ ، ألم يعد مثل ما كان ، ألم يكن هو محور الأمان ، و دوران الكون ، هز رأسه بيأس و لكن تغيرت الأحوال ، رفع عيناه كأنه يراها ، و يجادلها بإستفهام ، كيف تريدين تعذيبي بأن يحترق القلب و الشريان بضم غيركِ إلى هذا المكان ، و كان يضرب قلبه و حضنه بقسوة ، حتى و إن كان يشبهكِ ، كفاكِ قسوة يا محبوبتي كفاكِ قسوة ، و بكى بدموع تحرق الوجدان ، اشتدت الأمطار و الرعد و البرق لتعلن السماء العصيان على عقولٍ و قلوبٍ ترفض إرادة الرحمن ، بأن الموت و الحياة بيد القدير الجبار ، رفضت السماء استسلام قلباً لليأس من رحمة الرحمن ، فكان ينظر للسماء و يسألها كيف لها أن تضم الرعد بوحشته و الليل بظلمته ، و البرق يضربها فترسم ضياءً بشفتيها ، ففهم الرسالة و عزم على التنفيذ ،
و ذهب إلى غرفته عازماً تنفيذ الرسالة ، و إن كان قلبه يحترق أو يذهب هو إلى الجحيم من الألم ، المهم تنفيذ الرسالة ، و هو أن يضم كل ما يتعلق بها حتى لو كانت نظرة عابثة ،
غفى و قد عزم الرحيل ، و استيقظ صباحاً ، فذهب إلى قبرها يودعها ، و يخبرها أنه لن يسمح لأحدٍ أن ينازعها حبها فى قلبه ، سلاماً يا حبيبتى سلاماً إلى أن يرد الله اللقاء سلاماً ،
رحل فهد ، و ذهب إلى محرابها كما كان يطلق عليه هو ، فتح الباب وجد الزينة التي صنعها بيده احتفالا بها ، جلس بجانب النافذة ، يفكر كيف يكون اللقاء ، بهذه الياسمين ،
دخل يريد الاغتسال و قص شعره أو حلق ذقنه و رجع إلى هيئته و وسامته ، و أخذ متعلقاته و ذهب إلى العم سليم ،
طرق الباب ، و كانت ياسمين من استقبلته ، بابتسامة مهذبة عندما نظر إليها و وجد ابتسامة عيناها ، أراد أن يحتضنها ويقبلها ،كما كان يفعل بزوجته ، و لكن تراجع للحظة عندما لمح العم سليم ، على كرسيه المتحرك ، و عندما رأه فتح له ذراعيه بدموع و ناداه ؛ فتخطاها فهد دون أن يوجه لها كلمة واحدة و ارتمى فى حضن العم سليم ،و دموع الفراق أرادت الاستسلام ، مر من الوقت ما مر ، حتى هدأت الأمور ، كل هذا و ياسمين تقف تفكر أين رأت تلك العينان الحزينة ،
هزت حاجبيها بعدم المعرفة ، و استسلمت ، عرضت عليهما أن يشربا شيئاً ساخناً ، فوافق فهد و طلب كوباً من الشاى ، لأنه يريد أن يتحدث مع العم سليم على انفراد ، حكى له أنه كان غارقاً فى حزنه ، و أنه فاق و أيقن أن إرادة الله فوق كل شيء ، لكن الغريب أنه طلب منه ألا يخبر ياسمين بأنه زوج نورسين ، و أخبره أنه سيرجع إلى شقته العلوية ، ليعتني به ، و مرت الشهور ، و زادت علاقة فهد و ياسمين ، لكن بتحفظ ، حتى ذاك اليوم ، الذي فاجأ فهد العم سليم برغبته بالزواج من ياسمين ، لعدم حديث الناس عنها بأي سوء ،
اندهشت ياسمين من المفاجأة لكنها خضعت بالموافقة لإحساسها بالارتياح من جهة فهد ، و تزوج فهد ياسمين و اليوم يوم زفافهما ،
ياسمين فرحة لأنها فازت برجلٍ مثل فهد ، ففى الشهور القليلة التي مرت عليهما عرفت أنه على خلقٍ عالٍ و شهامةٍ و رجولة ،
لكن فهد يعرف ما يفعل و ماذا يريد ، بل و عزم على تنفيذه ،
وقف فهد أمام باب شقته هو و زوجته ، لكن لم يحملها كأي فارس أحلام يحمل زوجته و محبوبته ليدخلها عشهما ، لكن استسلمت ياسمين و دخلت ورائه ، و وجدته فى حالة غريبة تعرق ، رجفة أشبه بتشنج ، و أخذ يمسك برأسه و ينتابه صداع شديد ، و فكرة الإنتقام تراوده ، و هو بين هذا و ذاك ، فهو فى النهاية إنسان ، يصيب و يخطئ ، لكن سرعان ما أن تماسك ، و تحجج بالصداع من الإرهاق ، عرضت عليه بأن تأتي بالطبيب ، لتطمئن عليه ، ولكنه رفض ، و تحجج بالإرهاق ، استسلمت ياسمين و دخلت غرفتها و نامت ،
و ظل هو يفكر و يتحدث مع محبوبته نورسين كالعادة ، فهو لا يريد أن يعاشر غيرها ، لكن رأها تبكي ، و كأنها حزينة ، سألها ،مابكِ يا نورسين ؟
قالت أنها تود اللقاء به ، أنها تريد أن تنظر له و يود قلبها احتضانه ، فهم فهد ما تقصده قام على الفور و هو على غير حاله ،كأنه شخص آخر ، دخل الغرفة ، وجدها نائمة مستسلمة ، اقترب منها لمس شعرها الحرير ، فتحت جفنيها و ابتسمت عيونها ما إن رأى تلك الابتسامة حتى انقض عليها كالفهد الذي ينقض على فريسته ، و أخذ يقبلها قبلات شوق و اشتياق و عشق أخرج كل ما فى قلبه من حب و عشق و اشتياق لها منذ أن فارقت محبوبته الحياة ، نعم إنه كان مع زوجته و عشقه الأوحد نورسين ، أما ياسمين فقد استسلمت له عندما رأته فى حالة عشق لم تراها أو تسمع عنها حتى فى كتب الحب الأسطورية و ذابت بين أحضانه و عاشت ليلة كأنها من ألف ليلة و ليلة ، و هو أيضاً ، عاش كل ما كان يحلم به ، و هو يراها تبتسم و تتململ بين يديه فى نعومة وانسيابية عشقها هو وأفضى كل الحرمان والألم الذي عاش به منذ أن تركته ،
لكن سرعان ما إن انتهت تلك( الأحاسيس الكاذبة ) ، و استيقظ كلاً منهما على كابوسٍ عندما كان يقبلها بنهم شديد و ردد اسمها و قال وحشتينى يا معشوقتى ، وحشتينى يا نورسين ،
تيبس جسد ياسمين مما سمعت ، و اتسعت عيناها ، و ظهرت ملامحها له بأنها ياسمين ، و ليست نورسين ، انتفض هو بفزع و هى مازالت على صدمتها ، مر من الوقت ما مر ، و كلاً منهما على حالة ، هو يلوم نفسه كيف فعل هذا ، ألم يقسم ، بألا يسكن قلبه أحداً غيرها ، و لا تفيض مشاعره لأحد بعدها كيف خانها بهذه السهولة ، كيف شعر معها بهذه المتعة و اللذة ، كيف ؟ و أخذ يكسر فى كل شيء حوله ، لا يريد أن يراها ، و لا يفكر كيف فعل معها هذا و أحس هذه الأحاسيس ، التى لم تكن إلا( أحاسيس كاذبة ) هكذا وصفها ، هو كان يعيش مع زوجته و معشوقته نورسين ،
خافت ياسمين من حالة الهياج التى أصابته ، و هربت بعد أن ارتدت ثيابها بسرعة مخيفة من حالته و نزلت عند العم سليم ، الذى لام نفسه بأنه خبأ عنها الحقيقة ، عندما رأها بهذه الحالة ، لكن كان ما كان و أصبحت زوجته ، فقال لها أن فهد زوج نورسين ،
فهمت هي ما كان به ، و ما حقيقة تلك المشاعر الجياشة ، و الإشتياق العارم إلى حد الجنون ، كان لمن ، كان لنورسين و ليس لها ، فتلك المشاعر و الأحاسيس لم تكن لها ، بكت بدموع ندم ، على استسلامها له ، بهذه السرعة و السهولة و اليسر ،
نزل هو عندها كالمغيب يود أن يقتلها ، ويقتلع قلب محبوبته بيده
تكلم بصوتٍ عالٍ تهتز له الجدران و يتحرك كالمجنون يكسر أي شيء أمامه ، أو كالأسد المجروح المسجون فى عرينه ،
ماذا تريدين مني ألم يكفيكِ أن أخذتِ منها قلبها لتحيى أنتِ به ألم يكفيكِ ، تريدين مكانها و سكنها ، لا لن تنالِ مكانها أبداً ، و أخذ يردد،
لا لن تنالِ مني مكانها أيتها المغتصبة ، و مد يده يود أن يقتلها خنقاً ،أوقفه صراخها ، و يد العم سليم ، و هو يقول ، اهدأ يا بني ، ما بك يا بني ، لقد ظلمتها يا بني ، هى لم يكن لها ذنب هذه هي مشيئة الله ، أنا من طلبت و وافقت على نقل قلب نورسين لها هى لم يكن لها أى ذنب أو علم ، هى كانت تصارع الموت أيضا ، ، إنهار جسده أمام كرسي العم سليم ، و بكى بصوتٍ عالٍ ، أنت خنتها و أخذت قلبها لتحيي به غيرها ،
و أنا خنتها خنتها خنتها يا عمي خنت نورسين ، لن أسامح نفسى أبداً أبداً
ربت سليم على كتفه ، و قال يا بني هذا قضاء الله وقدره ، ارضى يا ولدى ارضى بمشيئة الله لا تعترض على قدره ،
رفع رأسه عندما سمع كلامه أما هي فكانت مصدومة مما سمعته الآن ،
فقالت في نفسها إن كانت مشيئة الله أن أحيا بقلب نورسين فهذا قدره ، و لكن إن كنت سأحيا بقلبها ، فليس من العدل أن أعيش بديلةً عنها ، و أنا لن أقبل بظلمٍ أكثر من ذلك ، يكفى أن قتلت فرحتي في ليلة كهذه ، و انهارت كل آمالي و أحلامى ، فقالت في وجهه أنا أود الطلاق منك ،
فاتسعت عيناه ، عندما سمعها تردد تلك الكلمة ، أنها تود الطلاق
و الإبتعاد عنه ، نظر لها بنظرة تحدٍ و رفع يده بتهديد لن أدعك لأحد غيري ينعم بقلبها ، فهو من حقى أنا ، و إن كان هذا قدرك أن تحيى بقلبها فعليكِ أن تتقبلى بوجودي أنا أيضاً فهذا القلب ملكٌ لي ، وعليكِ أن تتقبلى قدركِ بأكمله ،
تكلمت ياسمين بنظرة استعطاف ، و ما ذنبي أنا ، أن أعيش مع رجلٍ لا يحبنى أنا ، بل يحب قلباً أعيش به ،
قال بهدوء عكس ما بداخله ذنبكِ أنها ماتت و أنتِ تعيشين بقلبها ،
قالت ،هذه مشيئة الله ،
قال نعم ، و هذه مشيئتي أن تبقي معي ولن تكوني لغيري
قالت بدموع و قسوة ظلمتني بهذا القرار و لن أسامحك أبداً ،
قال كلنا مظلومين بهذه الدنيا ، و الله وحده من يُسامحنا ،
و غادر ، و تركها ، و لم يعد منذ ذلك اليوم ،
مرت شهور عدة ، و قد ظهر على ياسمين حملها ، و اليوم هو يوم مخاضها ، تبكي بين يدي العم سليم من الألم ، تصرخ من ألم المخاض ، و من ألم قلبها ، و من ظلم الدنيا لها ، ياليتها هي من ماتت ، و لم تُظلم بهذا الشكل ، فقد تركها زوجها يوم زفافها ،حتى إنه لم يعلم بحملها ، و اليوم سوف تضع طفليها ، و هو لم يعلم ، ما ذنبها و ما ذنب طفليها ،
و في الجانب الآخر يجلس فهد بين يدي الطبيب فقد رفض أن يكمل جلسات الكيماوى فإنه اكتشف مرضه الخبيث ، و استسلم له ، و رفض أن يكمل جلساته ، فإنها دون جدوى ، هو أصلا لا يريد الحياة هو يريد أن يذهب لزوجته و معشوقته ، لكنه أراد أن يذهب إلى العم سليم ، وياسمين يطلب منهما السماح ، و يودعهم
و ذهب و صعق مما رأى فقد رأى ياسمين بين يدي العم سليم تبكي و تتألم من مخاضها و سليم يستعجل الإسعاف ، لم يستوعب أنها حامل حتى وجد من يزيحه بعيداً ليحمل ياسمين و هم رجال الإسعاف ، صاح به سليم عندما رأه اذهب مع زوجتك يا بني ،و استقبل طفليك ، استوعب وقتها أنها زوجته وأنها تحمل ابنيه ، ذهب سريعاً ، و دخلت ياسمين غرفة الولادة ، و سرعان ما سمع صراخ طفل يبكي ، بكى هو معه فقد كان يتمنى أن تكون هي من بالداخل ، لكن سبحان الله يزهق روحاً ، و يأتي بغيرها ، فقد علم من الطبيب أنه مريض بمرضٍ خبيث ، تشعب و استفحل به ، و عليه أن يخضع للجراحة على الفور ، لكنه رفض ، أفاق من شروده على يد الممرضة تعطى له طفلان و هي تبتسم و قالت هذا ولد و هذه بنت ، مبارك لكما ،
أخذهما و احتضنهما و استأذن بالدخول إليها ، قبل رأسها و قال ، سامحيني يا ياسمين ، أرجوكِ سامحيني ،
أمسكت يده ، و قالت المسامح هو الله ، و أنا ارضى بقضاء الله وحكمته ؛ كنت أظن أني ظُلمت لكن حكمة الله ، أفصحت عن مسامحتها فمن كان يظن أن تكون هدية الله لي هذان الطفلان ، شكراً لله و الحمد لله ، و شكراً لك يا فهد على هذه الهدية الجميلة ، فهد و نورسين ، هكذا عزمت على أن تسميتهما بهذه الأسماء ، فابتسم فهد من حكمة الله ورحمته بعباده ،
رجوع إلى الوقت الحاضر ،
اليوم سبوع طفليه جلس وسطهما يحتضن كل واحد منهما إلى أن أشرقت الشمس ، و هو نائم و بين يديه طفليه ، ابتسم عندما راها تأتي إليه بفستان زفافها و تقترب منه بابتسامة ، تفتح ذراعيها تود احتضانه ، و هي تقول اليوم يوم عرسنا ، لقد تأخرت عليا يا فهدى مد لها ذراعيه ليحتضنها و يذهب معها و لكن قبل أن يذهب مال لكى يقبل طفليه و ودعهم و احتضنهم بسعادة وحب حتى تلاشى جسدهما سويا ،
و بعد مرور عشرين عاماً نجد نورسين و فهد و ياسمين يقفون عند قبر فهد و نورسين ، و يعتنون بالزهور حول المقبرة و ياسمين تحكي لهم قصة حب و عشق و جنون و قصة أحاسيس كاذبة ،
تمت قصة جديدة من صفحة واحده أضغط هنا عبر دليل الروايات