رواية قطرات الحب الفصل الثالث 3 بقلم إلهام رفعت
رواية قطرات الحب الفصل الثالث
استحوذت عليها غرابة عجيبة من معاملته اللطيفة معها، ومن جموحه حين تتركه ولو للحظة، ذاك التغيير السريع في حالته لم يعجبها، وظلت متحيرة، جلبت له سمر مشروبًا باردًا، ثم توجهت به لشرفة غرفتهما، لتراه منغمسًا في شروده فتنهدت، ولم يفق هو سوى على صوت وضعها للصينية أمامه على المنضدة الصغيرة، انتبه لها زين وزيف ابتسامة سريعة، لم تقتنع بها، ففضولها يقتلها لمعرفة سبب تبدل معاملته لها، وسبب ما يشغل تفكيره عنها..
جلست بجانبه مبتسمة برقة، لمعت عيناها وهي تخاطبه بعدم تصديق:
-لحد دلوقتي مش متخيلة إنك بسرعة كده اتعودت عليا!
لم يبدي زين ردة فعل بملامحه؛ كي لا ترتاب في شيء، فأردفت سمر موضحة ما يخالجها:
-أصل اللي يشوفك أول ما جينا هنا، ميقولش إنك هتتقبلني على طول كده؛ أو كلامك معايا في حفلة جوازنا
تجهزت الكلمات في عقله ليرددها على لسانه فورًا، قال:
-أنا قولت ده تضيع وقت، إننا ناخد لسه على بعض والكلام الفاضي ده، وقولت الحُب بيجي بالقُرب أحسن
ابتسمت باستحياء وهو يلاطفها بنبرته الدمثة، خاصة نظراته المغازلة المتصلبة عليها، وبدون تفكير منها وضعت رأسها على صدره، قالت:
-باحبك!
مرر زين يديه على شعرها يمسده، ليوحي بذلك لها نفس المحبة التي امتصتها منه، في حين تبدلت تعابيره لغموض غريب؛ كأنه يستقبح ذاك الكذب، على قلبه قبلها، فتنافرت مشاعره، وتخبطت أفكاره، وفي لحظة خاطفة اختار كرامتـه، ليقتص مِن مَن تلاعبوا به، واستسخروا منه، ولن يتصاغر بتاتـًا..
اجتث هذا التفكير القاتل فيما يحدث له؛ معتزمًا أخذ حق كرامته المسلوبة بطريقته، أخذ زين نفس طويل ثم أعاد حديثه لـ سمر قائلاً:
-أنا على فكرة مستعجل على الولاد، يعني الموضوع يهمني
نبرته الجادة جعلتها تأخذ الأمر باهتمام، رفعت رأسها لتنظر له، فوجدت جدية في عينيه، ولم تعلن قسماتها أي اعتراض؛ أو قبول، بل قالت باقتضاب:
-إن شاء الله!
نهض زين وبدت عليه صلابة مفاجئة، ثم تحرك ناحية الدرابزين ليتطلع على المارة والشوارع أمامه، فنهضت سمر لتقف خلفه، وهنا لاح عليها قلق، ومن يراها يجهل استشفاف سببه، ورغبت في قول شيء؛ لكنها تراجعت مترددة، قالت:
-هروح أكلم ماما أطمنها عليا!
-تمام!
اختصر في رده فتحركت لداخل الغرفة، بينما وقف زين يحدق فيما أمامه؛ حتى رن هاتفه من خلفه، التفت فورًا له؛ وكأنه كان ينتظر، فسحبه ليجيب، مط شفتيه قليلاً حين وجده آيان، تنهد بقوة وجاوب:
-يا ترى فيه أيه المرة دي؟
لم يتعجب آيان من لؤمه فهو مدرك مدى حنكته، قال:
-يعني عاوز تفهمني إن موصلكش الخبر
اتسعت بسمة زين الخبيثة، رد مدعي الجهل:
-خبر أيه؟
قال الأخير متهكمًا:
-يا سبحان الله، مع إنك موصي على الموضوع، لدرجة خدوها في لحظة بلاغك عنها!
ظهرت نواياه وهو يرد بجبين معقود:
-مستغرب ليه، ما طبيعي أعمل كده وأكتر مع واحدة زيها
قال آيان مشددًا من أزره:
-إنت صح، بس كلمتك أقولك إن الجو مقلوب هناك، خصوصًا إن بكرة الجمعة، يعني مكملة اليوم وبكرة على ما النيابة تفتح
تعالت قهقهات زين وهو يخرجها من أعماق قلبه، فضحك آيان هو الآخر مثله، فقال زين من بينها بانتشاء:
-هنا مخ بيفكر!
قالها وهو يؤشر بسبابته على رأسه، أردف:
-كانوا أكيد هيخرجوها بكفالة على ما يثبتوا جوازها، بس خليها تقعد فيه وتتربى شوية
جملته الأخيرة أعربت عن مدى غله منها، فأدرك آيان أنه يعاني بسببها الآن، واساه قائلاً:
-متضايقش نفسك، متستاهلش تزعل عليها!
تجشم زين ووضع قناع الجمود والتحجر، قال:
-اللي عملته معاها ده حاجة بسيطة، قصاد حاجات كتير هدمر حياتها بيهــا...........!!
بقلم إلهام رفعت
ضيقها منه، لم يضاهي مدى انزعاجها من كذب ابنتها عليها، جلست السيدة إيمان على أحد المقاعد بمخفر الشرطة مستاءة؛ متجهمة؛ حانقة للغاية، وهم من حولها، يطلبون هدوئها؛ لكنها رفضت ذلك، مستمرة في لوم ابنتها، هتفت:
-كدبت عليا، فهمتني إنه طلقها
رد عليها السيد كارم موضحا:
-زين كدب على الكل، هو قال إنه طلقها، وطلع دا كله خدعة منه
حدقت به السيدة قائلة بتبرم:
-وهي كانت عارفة ده، بس تقريبًا الموضوع كان على هواها، فمقالتش إنها لسه مراته
رد بعقلانية:
-لو زي ما بتقولي، مكنتش غابت سنين بعيد عنه، وميعرفش عن ابنه حاجة لدلوقتي
تذكرت السيدة ردود أفعالها حين أتت من الخارج، واختلاقها زواجها بآخر، قالت بتهكم:
-ومن غبائها قالت متجوزة غيره، فيه واحدة عاقلة تعمل كده وهي على ذمة واحد تاني، تلاقيها كانت بتغيظه، واللي تعمل كده، شوف إنت بقى!
كلّ السيد كارم من هذه المسألة المعقدة، بينما تدخلت ابنته مايا وقالت لائمة:
-مش وقته يا طنط، يعني حضرتك قاصدة تقولي تستاهل حبستها دي
نهضت السيدة من مكانها نافخة بضجر وحنق، خاطبت السيد:
-خلاص مافيش أمل تخرج معانا
رد بقلة حيلة:
-المحامي قدامك قال، للأسف هتفضل ليوم السبت، لأن بكرة الجمعة، ويوم السبت هيجيب الأوراق اللي تثبت إنها مش متجوزة ولا حاجة
قالت بشيء من النفور:
يلا نمشي، أنا قرفت من المكان ده
سألها بغرابة:
-بس إنتِ مشوفتيهاش، معقولة هتمشي كده؟!
ردت بتضايق ظاهري فقط:
-مش عاوزة أشوفها، خليها تنبسط لما تخرج ويطلب رجوعها ليه، ما الست لسه على ذمة الحيوان ده...!!
بقلم إلهام رفعت
فركت أناملها في توتر ملحوظ، مصاحب لاشمئزازها من المكان، واختناقها من الأجواء العابرة حولها، جلست لمى على مقعد في غرفة بسيطة، وأمامها زوج والدتها السيد كارم، الذي أتى متوددًا لرؤيتها، وطمأنتها، ومن ملامح لمى تيقن سؤالها عن والدتها؛ لكنه بحنكته استشفه وقال:
-مامتك تعبت شوية، ومستحملتش الجو هنا، طلبت تروّح ترتاح
لم تقتنع لمى بذاك، قالت بأسى:
-ماما زعلانة مني، أنا عارفة، هي مش عاوزة تشوفني
جاء لينفي، بكذب بالطبع؛ لكنها تابعت حديثها بضيق:
-أنا عرفت بالصدفة إن ورقة طلاقي مزورة، ومتكلمتش علشان محبتش مشاكل، واختارت أبعد لأن في قانون كنت سمعت عنه، إن لو بعدت أربع شهور عن جوزي يحق ليا الطلاق
انصت إليها جيدًا؛ محاولاً فهم ما تقوله، قال:
-بس إنتِ اللي هربتي يا لمى منه، يعني من حقه يقاضيكِ، حاجات كتير ممكن ياخدها في حقك
تقطب وجهها بالكامل، قالت:
-طيب دلوقتي أنا مش متجوزة، وسهل أخرج، بعد كده ملوش دعوة بيا
رد باستنكار ما تفوهت به:
-لمى دا لسه جوزك و...
قاطعته بنفي:
-طلقني لما جه عند سيف
قال بجدية:
-مافيش يثبت إن دا حصل، حتى شهادة سيف وأخته مش هتنفع، فالموضوع بقى حسب ضميره قدام ربنا
ركزت لمى في كلامه وقالت:
-خلاص أطلب الطلاق منه، هو الجواز بالعافية، وهقول إني هربت من معاملته الوحشة ليا، ألف سبب ممكن يخليني أخلص منه
تنهد السيد بعمق؛ مبتئسًا من وضعها، قال:
-للأسف هتفضلي هنا لحد يوم السبت، إنتِ عارفة كده؟!
غلبها الحزن والألم، من أفعال الأخير تجاهها، قالت متهكمة:
-عارفة، خليني مستحملة عمايله لحد ما أشوف أخرتها
ثم نفخت بقوة متبرمة، تذكرت ابنها فسألته بلهف:
-ويونس فين، عامل أيه وحشني؟!............
___________________________________
في مطعم فاخر، قامت رسيل بدعوة الوفد الأجنبي المكون من ثلاثة رجال وسيدتين؛ لتناول طعام الغداء، وكذلك حين حضرت نور لمرافقتها، ووجود محامي زوجها السيد ممدوح، وتكليف أيهم له بمتابعة ما يحدث، ذاك الأمر الذي زاد من فضول الوفد ليسأل أحدهم عن هويته قائلاً:
-من هذا الرجل، لم اتعرف به حتى الآن؟
ردت رسيل بإنكار:
-أنا قولتلك، دا محامي جوزي
هتف موضحًا مغزى سؤاله السابق:
-أقصد سيدتي، ما الداعي لوجوده، اعتقد الأمر فيما بيننا؟
هنا رد عليه السيد ممدوح بهدوء:
-فيه مشكلة في جودي مضايقة حضرتك؟، اعتبرني الحارس بتاعها، أصل أيهم بيه موصيني على المدام، وإن لازم أرافقها في كل مكان تروحه
لم تنزعج رسيل من وجوده مطلقًا، بالعكس أحبت ما فعله أيهم حين دعاه للمجيء معها، بينما صمت الوفد ولم يعلن أي تأزق، وحضور النوادل بالطعام خفف الأجواء كثيرًا، لينشغلوا به..
مالت نور على رسيل وهمست بالقرب من أذنها:
-مستر هانك دا باين عليه ذكي جدًا، كويس إن المحامي معانا، الصراحة لو كنا لوحدينا مكنش هينفع
زيفت رسيل بسمة، لتوحي لهم أن نور تمازحها في شيء، بينما همست لها بطلعة بشوشة مناقضة لما تقوله:
-بصراحة حسيت أنهم ممكن يستغلوا إننا ستات، ويحاولوا يضحكوا علينا ولا حاجة، وأيهم متعود عليهم، ومش أي حد يضحك عليه
مدحت نور ذكاء أيهم ودهائه في معاملة الأجانب بالأخص، ثم شرعوا في تناول الطعام، وبالطبع لم تخلو الجلسة من همسات البعض، ووجود الأحاديث الجانبية من قبل الوفد، وتعثر على نور ورسيل فهمها؛ لكن لم يبدين أي فضول أو تذمر منهــا..
بعد وقت من انتهائهم، أخذتهم رسيل ليجلسوا أمام حوض السباحة بنفس المطعم، حيث الهواء الطلق، والمنظر المريح، وهنا بدأ الحديث الجدي، حين هتف السيد هانك بعملية:
-تصديرنا للأدوية أمر صعب للغاية، حيث نجد مشكلة في موضوع مرورها، ويكلفنا ذلك الكثير من المال والجهد
قالت رسيل مؤكدة:
-عندك حق، كتير في أدوية بنحتاج نستوردها من الخارج، والموضوع ده لاحظته لما بدأت في مزاولة مهنتي، فقررت أساعد في المجال ده، وأحاول أوفر لهم أدوية، خصوصًا للأطفال
تبسم وجه هانك وهو يخاطبها:
-متأكد من نجاح هذه الشراكة سيدة رسيل، ولذا عليكِ مساعدتنا لفتح مقر لنا هنا
ردت بسماحة
-طبعًا!
أضافت نور بمفهوم:
-أنا بقول نخلي المقر هنا في القاهرة أفضل
لم تتفهم رسيل سبب اقتراحها ذاك، فوضحت نور بكذب:
-القاهرة موقعها أفضل، وأماكن التجارة فيها معروفة
رغبت نور قدر الإمكان ابتعادهم عن الأسكندرية، لأنها سبق وتعاملت معهم، ووجود هاتين السيدتين أمر مزعج، يذكرها بوقاحة الأجانب ودلالهم المستفز، قالت رسيل بلطافة:
-من بكرة هنبدأ تجهيز المكان، وهيكون في موقع مميز
تدخل المحامي ممدوح في الحديث أزعج هانك ومن معه، حين قال:
-الموضوع ده سبوه عليا.........!!
____________________________________
وقف خلف الباب كالود يمرر نظراته فقط على غرفتهما ككل، يتذكر اللحظات التي جمعتهما سويًا، وأوقات الضيق بينهما، والتي لم تستغرق وقت؛ حتى تعود الصفاوة كما كانت.
تحرك ريان أخيرًا ناحية التخت، وألقى بثقل جسده عليه، وتصلبت عيناه على سقف الغرفة، ثم أخذ يؤنب نفسه تارة، وتارة أخرى يعاتبها، فضيقه من ذاك الأمر أخرج وجه آخر بداخله، لم يكن يتخيله، حتى بانت عصبيته عليها، اغمض عيناه بائسًا متحسرًا، ولم يفتحهما سوى على دقات الباب الخاصة بوالدته، تنهد ريان ثم اعتدل جالسًا، قال:
-اتفضلي يا ماما!
صدقًا كانت والدته التي يعرف طريقتها عن ظهر قلب، ولجت سلمى مبتسمة له؛ لكن حزنها مما حدث كان يلاحظه، تقدمت منه ثم جلست بجانبه، قالت:
-كل اللي عملته مكنش يصح يا ريان، دي مراتك وحب حياتك
عارض أن يتقبل عدم طاعة زوجته له سابقًا، هتف:
-هي عارفة إني كنت حابب تخلف، بس هي مشيت ورا كلام أمها، تبقى غلطانة، لأنها حرمتنا من الولاد
قالت عائبة عليه:
-وهي الحياة أولاد بس، فين العِشرة وحبك ليها، إفرض أصلاً مكنتش بتخلف
رد بصدق:
-مكنتش هتكلم يا أمي، لكن هي اللي وصلتنا لكده، طنشت رغبتي وسمعت كلام أمها بس، مفكرتش فيا
لم يهمها كل ذلك بقدر اهتمامها بما سيحدث قادمًا، سألت بعبوس:
-يعني بتفكر في أيه دلوقت، عاوز تطلقها؟!
صمت ريان وتطلع أمامه، لم يفشي حتى الآن أي خطوة منه سيفعلها، وسط ترقب والدتها لمعرفة قراره، وبعد وقتٍ عصيب قال:
-ماريان حبيبتي، مش ممكن اتخلى عنها
انشرحت قسماتها لتمدحه بحركاتها حين ربتت على كتفه؛ لكنه صدمها حين أردف:
-بس دا ميمنعش إني عاوز ولاد، يعني فيني اتجوز اللي تجبهملي
استشاطت سلمى من وقاحة ابنها، نهضت من مكانها وهي ترمقه بغضب، هتفت:
-بجد إنت زودتها، وأنا لو مكانها كنت سبتك ومقعدتش معاك لحظة واحدة
أدرك قبيل عرضه لنواياه أنه سيقابل ذلك بالرفض من جميعهم، لذا جلس هادئًا، غير مبالٍ بانزعاجها أمامه، اكفهرت سلمى من أنانيته تجاه زوجته ثم تطلعت عليه باستهجان، قالت:
-مليش كلام معاك، ابوك هو اللي يتصرف، بس لعلمك، لو عملتها واتجوزت يبقى برة بيتي.
لامها ريان بنظراته نحوها، فتحركت هي نحو الباب لتتركه، لا تريد سماعه أكثر، نفخ ريان بقوة، وبداخله صمم على هذا الحل، فعودة زوجته للإنجاب في الوقت الحالي صعبة، وهذا سبب اختياره لهذا الحل.......!!
______________________________________
رغم تحذيرات والدتها لها، ضربت بها عرض الحائط؛ لتخبر زوجة أخيها بكل شيء، فقلب زينة اللطف في التعامل، ما دفعها لتبوح بما داخلها، عل ذلك يمحي بعض همومها، وبمجرد أن علمت زينة بمجمل المشكلة، هتفت متجهمة:
-إزاي يطلع بالوقاحة دي، معقول ينسى حبكم، أنا من وقت ما جيت هنا ومبسمعش غير عن قصة جوازكم صغيرين، وإنكم بتعشقوا بعض
بحّ صوت ماريان وهي تقول بألم:
-هو كان حابب نخلف، بس كلام ماما إني صغيرة خلاني أرفض ده، وهو بيلومني دلوقتي!
جاءت فرصة زينة لتعلق على ذلك بضيق، قالت:
-ما هي دي المشكلة، مامتك دلوقتي السبب في خراب بيتك، وكل ده علشان متجبيش ليها أحفاد يكبروها
استنكرت ماريان أن يكون هذا السبب، الذي دعا والدتها لذلك، قالت:
-مش صحيح، ماما كانت خايفة عليا!
تهكمت زينة من سذاجتها، قالت:
-الحمد لله إني مسمعتش كلامها لما كانت بتخلي آيان ميخلفش دلوقت، كان زماني زيك
اطرقت ماريان رأسها في شجنٍ وافر، فنظرت زينة لها بشفقة، هي تعرفها، فتاة رقيقة، طيبة القلب بعكس والدتها، ربتت على ظهرها وقالت بمواساة:
-متزعليش، كل مشكلة وليها حل، المهم دلوقتي تبتدي تتعالجي، وتقرّبي من ربنا، وإن شاء الله هيكرمك!
دماثة زينة وهي تتكلم ونبرتها المريحة، كان لها وقع غريب في نفس ماريان، لتتحول فجأة لفتاة متأملة، وبعفوية احتضنتها ماريان، لتخلق ود متبادل بين كلتيهما، وذاك الوضع جعل آيان الذي يقف من خلفهن ويتابع، يعجب بلطف زوجته مع أخته، ثم تحرك نحوهن قائلا ببشاشة:
-أيه الحب دا كله!
ابتعدن عن بعضهن ثم نظرن له بقسمات مشرقة، جلس بجانب زوجته التي قالت:
-ليه بتقول كده؟، أنا بأحب ماريان أكتر واحدة هنا!
زيف آيان غضب طفولي وهو يسألها بلوم:
-يعني أكتر مني؟!، يا خسارة حبي الكبير ليكِ
انحرجت زينة من حديثه هذا أمام أخته، وغمزت له أن يكف، فتفهم ذلك؛ كي لا تنجرح أخته، والتي بدورها نهضت وقالت:
-هكلم مامي أشوفها هترجع إمتى!
نظرا لها بقبول استئذانها، فغادرت ماريان باطراق، تعقبتها نظرات زينة وقالت:
-متستاهلش اللي حصل معاها، حرام!
اندهش آيان وسألها:
-هي ماريان قالتلك على سبب وجودها هنا؟!
عقدت جبينها وقالت ساخطة:
-أيه مش عايزها تقولي، ولا الست مامتك منبهة عليكم محدش يعرفني حاجة؟
قال بتلجج:
-ماما مقلتش حاجة يا زينة أ..
قاطعته بحنق:
-لا أنا متأكدة، هي أكيد مش عاوزة تعرفني إنها اللي خربت حياة بنتها، وكانت بتلح عليك إنت كمان منخلفش دلوقتي
تأفف آيان وتكشر، قال:
-زينة خليكِ بعيد، متدخليش في الموضوع، هو ميخصناش
ردت مصححة تكليفه لها:
-قصدك مقولش قدام مامتك إني عرفت، علشان متزعلش منكم
قال بحزم:
-المهم ملكيش دعوة، مش عاوز اسمعك بتتكلمي، أنا مش عاوز مشاكل
ما يضايقها منه خوفه الزائد من والدته، وتقليله منها أمامها، ولذلك بدأت تفكر فيما يسعدها، حين قالت بتصميم:
-إحنا كنا اتفقنا نروح أسوان، يلا أنا جاهزة علشان نروح.......!!
__________________________________
نهض من مقعده مدهوشًا من حضورها المباغت، حين أتت لزيارته في مقر شركته، قابلها أيهم بحفاوة وهي تلج، غير مصدق لعينيه وهي تراها الآن، اقتربت رسيل منه فقال معجبًا:
-أيه القمر والشياكة دي كلها
وقفت أمامه تعبث في قميصه بخجل مصطنع، بينما طوق خصرها بتملك يعجبها، قالت:
-قولت أعدي عليك، وأشوفك خلصت شغلك ولا أيه، يمكن نروّح سوا
سحبها أيهم بود لتجلس معه على الأريكة؛ مسرورًا لرؤيتها، قال:
-ولو عندي شغل، أنا خلاص هروح معاكِ، ميجليش قلب اسيبك تروحي لوحدك
اتسعت بسمتها من محبته لها، فدنت منه لتضع قبلة على خده، ابتعدت قائلة:
-ربنا ما يحرمني من حُبك ليا!
مسح على حجابها بلطف، مرورًا بملامسة أنامله لوجهها، قال متذكرًا:
-على فكرة سألتلك عن الشركة، وطلعت كويسة ومعروفة، كمان زين سأل وكانت نفس النتيجة
سألت بترقب:
-يعني خلاص اتعامل عادي وأثق فيهم؟!
-أيوة
رد مؤكدًا ذلك فقالت بامتنان:
-معرفش من غيرك كنت هاعمل أيه، بتساعدني في حاجات كتير يا أيهم، وطول ما إنت ورايا أنا مببقاش خايفة
رفع كفها ليلثمه بقبلة محبة، قال:
-وطول ما أنا عايش مش هتحتاجي لحد غيري، ما هو الست لو محستش إن جوزها سندها، يبقى ميستاهلهاش
وصلت رسيل لمرحلة أنه يفني حياته لإسعادها، ويغدقها بمشاعر فياضة مبهجة، استطرد أيهم:
-كلمت بابا الصبح، وطلبت يرجعوا، وهو وافق، وبكرة يمكن يوصلوا
لم تصدق أذنيها وهو يخبرها، هتفت بتهلل:
-دا خبر كويس قوي، شوفت يا أيهم لما بتطلب إنت منهم بيجوا إزاي
رد بمفهوم:
-عمتك لحد دلوقت بحسها مفكراني إني مش قابل وجودها
اعترضت رسيل ووضحت:
-لا مش كده، هي متعودة على البلد والجو هناك، وكمان لما روحنا فيلتنا الخاصة، حست إنها السبب في إنك تسيب المكان اللي اتربيت فيه بسببها، فهي حساسة مش أكتر، لكن هي بتحبك، علشان شيفاك بتحبني!
-خلاص هما بكرة هيوصلوا، واتفقت يقعدوا معانا، علشان رسيل كمان، سليم بيحبها!
لمّح بجملته الأخيرة بطريقة خبيثة جعلتها ترتبك قليلاً، قالت:
-عملت الصح!
فرك أسفل ذقنها بلطف، قال مضيقا نظراته:
-طول عمري باعمل الصح، ولا أيه؟!..........
_____________________________________
اقترح عليه الخروج معًا لإحدى الكافيهات، والتحدث بعيدًا عن زوجته، فوافق زين على ذلك، واكفهر وآيان يسترسل حديثه دون مقاطعة منه، ويخبره بما توصل إليه من خلال زوجته، وطفح غضب زين وهو يسأله:
-تبقى لعبتها صح، مرضتش تتجوز علشان عرفت إنها مراتي
قال آيان بمعنى زاد الطين بلة:
-ومعنى كده إنها مع التاني ومخلفه منه من غير جواز
تخمين آيان لم يفرق كثيرًا عما توقعه زين، فلعنها من بين شفتيه بلفظ لاذع قمئ، أردف بغلول:
-العيل اللي معاها هيثبت ده، وأنا مش هسكت، هفضل وراها لحد ما أوصلها لحبل المشنقة
هياج زين ولمعة عينيه الحزينة وهو يتحدث عبرا عن جرح قلبه الذي سببته له، فقال آيان ليخفف من غضبه:
-يا زين خليك هادي، هي أصلاً عاوزاك كده متعصب، عاوزة تنكد عليك، ومتأكد رجوعها ده علشان تنتقم منك
اغتم زين وتساءل في نفسه، هل ما فعله معها جعلها تبغضه لهذا الحد وتتمنى انهياره؟، استنكر ذلك وقال مبررًا لنفسه:
-كنت عملت أيه يعني، هي مراتي، واللي عملته حقي!
-شكك فيها واتهاماتك لشرفها مكنش كويس برضو يا زين
رد آيان عليه أكمده أكثر، بل وازعجه أيضًا، هتف:
-إنت بتبررلها ولا أيه، قصدك تقول جوازها دا نتيجة اللي عملته
لوح بيديه وقال نافيًا:
-لو كانت تبعد شوية ماشي، إنما ترتبط بغيرك لأ، هي زودتها في دي، خصوصًا إنها عارفة إنها لسه مراتك
رد زين بهدوء عجيب:
-أنا هروح لها!
نيته في الذهاب للأخيرة فاجأت آيان، نصحه بعقلانية:
-بلاش يا زين، ممكن تتهمك بحاجة، أو تضعف موقفك قدام القضية اللي رفعتها عليها
قال بسخرية أبانت تعاسته:
-وأنا القضية دي مش هتخفف حتى الوجع اللي أنا فيه دلوقتي
نبرة زين الشاجنة جعلت آيان يبتلع أي كلمات سيقولها له، وابتأس من أجله، سأله:
-وهتروح تعمل أيه؟!........
_____________________________________
كانت في طريقها للعودة، وأثناء ذلك هاتفتها ابنتها، فردت نور عليها لتملي فراغها طول فترة السفر تلك، ووسط حوارهن سردت ماريان ما قالته لـ زينة باندفاع وطيش منها، فتملكت من نور عصبية مفرطة، استفاضت في نبرتها المنفعلة وهي توبخها:
-مش نبهت عليكِ يا ماريان
ردت الأخيرة بندم وهي تعلل:
-أسفة يا مامي متزعليش، بس صدقيني زينة كويسة وكانت زعلانة علشاني قوي
هتفت باحتدام:
-دي بنت خبيثة، دلوقتي هتشمت فيكِ وفيا، وبكرة تعايرك بعيالها، علشان تغيظني قبلك
استنكرت ماريان أن تفعل زينة ذلك، قالت:
-لا يا مامي مش صح، زينة غير كده خالص
لم تتحمل نور كمية الحُب الذي يمنحها الجميع لهذه السمجة، ثم ضبطت أنفاسها وحاولت الهدوء، لتؤجل هذه المناقشة، ليتما ترجع، خاطبتها باستفهام:
-عمتك كلمتك، أو حتى ريان؟!
نفت بحزن:
-عمتو اتصلت بيا بس أنا كنت نايمة، ومرضتش اكلمها أنا، مش عارفة هقولها أيه!
قالت نور بتشدد:
-عمتك تكلميها، ومتفكريش تزعلي منها، مهما حصل
اطاعتها ماريان دون نقاش، فانهت نور معها المكالمة لتعطي لنفسها الحانقة فرصة في التهدئة، زفرت بقوة ثم اعتزمت مهاتفة زوجها زين، لتعرف منه مستجدات الموضوع، وحين جاء صوته سألته بلهف:
-طمني يا زين، كلمت معتز؟
رد عليها بتعقل:
-كلمته يا نور، بس كنت مستنيكِ لما ترجعي ونتكلم
قالت بنفاذ صبر:
-قولي مش قادرة أصبر يا زين، دي حياة بنتي مش حد تاني
رد بإذعان:
-الموضوع في إيد بنتك مش حد تاني، سواء وافقت على طلباته؛ أو رفضت
سألت بانصات شديد:
-وأيه طلباته إن شاء الله؟!
صمت زين للحظات قليلة يستجمع كلماته، التي يدرك أنها لن تتقبلها، قال:
-هو عاوزها ترجع، بس هيتجوز
شُدهت نور وبدت متيبسة الجسد والعقل، غير واعية لهذه المهاترات التي يتفوه بها، ومعارضة أن يتخلى زوج ابنتها عنها بهذه السهولة، وبعد فترة صمت منها، قالت:
-يتجوز على بنتي، دا مستحيل!
رفق زين بحالتها وتفهم سبب ألمها ذاك، فتابعت نور بتهكم:
-من غير ما بنتي تفكر، خليه يطلقها يا زين.........!!
_____________________________________
تناولت كوب القهوة من الخادمة، ثم أخذت ترتشفها بتوتر، كانت السيدة إيمان مذبذبة، مشغولة الفكر بابنتها التي ستأتي بعد لحظات، تفكر في المواجهة بينهما، وما سببته من خديعة لها، أحس السيد كارم بارتعاشة يدها فقال:
-هدى نفسك، شوية وهتلاقيها دخلت عليكِ
ردت بتضايق مزيف:
-أنا مش عاوزة أشوف وشها
يعلم السيد أنها تتحدث فقط بلسانها، لكن قلبها يحمل العكس، وجه بصره لـ نيفين وخاطبها:
-متأسفين لو سببنا ليكم مشكلة، أو حطيناكم في موقف بايخ
ردت بسماحة:
-لمى اختي قبل ما تكون صديقتي أنا وسيف، وكان لازم نقف معاها لما تطلب مننا حاجة، المهم هي تكون كويسة
نظرت السيدة لـ نيفين بعبوس، فقد ظنت أخيها بالفعل مرتبط بابنتها، وبداخلها استاءت من ذلك، سألت زوجها باكتراب:
-هي لما تخرج هيحصل أيه؟
قال شارحًا:
-المحامي قال هيخرجها بكفالة، وهيقدم الورق اللي يثبت إنها متجوزتش
-أنا خايفة يطلب يرجعها ليه، هنعمل أيه؟
ردت نيفين بدراية:
-هو بالعافية، هي مش عاوزاه، والمحامي نقوله يرفع قضية طلاق، مع إنه طلقها، يعني حرام يحلل رجوعها ليه وهو قدامنا رمى اليمين عليها!
غمغمت السيدة بكراهية:
-ودا حقير، عمره ما هيقول.
قالت مايا شيء لم يلفت انتباه أحد وهو:
-طيب يونس، ممكن زين يستغله ويثبت بيه إنها خانته مع غيره
تنبه السيد والجميع لذلك، قال:
-يونس وجوده مشكلة، إحنا ممكن نخبيه أو أي حاجة، أو نقول مش ابنها
في تلك اللحظة ولجت لمى برفقة سيف، حين تم إخلاء سبيلها، أشاحت السيدة إيمان بوجهها؛ تعبيرًا عن عدم ارتضائها لما فعلته، بينما نهض جميعهم لمقابلتها والترحيب بها، ثم توجهت لمى ناحية والدتها لتطلب السماح منها، متفهمة سبب هذا الضيق الوارد منها، خاطبتها بأسف:
-سامحيني يا ماما، أنا لو كنت رجعت من السفر فدا علشانك، إنما أنا بعدت كتير، ولو كان في نيتي ارجعله مكنتش غبت السنين دي برة وبعيد عنه
مشاعر الأمومة غلبت جمود ملامحها أمامهم، وجدت السيدة نفسها تنظر لها وتعتب عليها قائلة:
-بس كان المفروض تقوليلي، مش تخبي عليا، على الأقل نكون فاهمين.
عاودت لمى الإعتذار منها وقالت:
-أسفة، من هنا ورايح مش هخبي حاجة تانية
تناست السيدة بسرعة البرق ما فات، وانجلت بسمتها الحنون وهي تحتضن ابنتها، وتقول:
-حمد الله على سلامتك
ابتسم الجميع من مسامحتها الفورية لها، ولم يعلق أحد، قالت لمى بعدها باشتياق:
-فين يونس؟!
ردت السيدة عليها بلطف:
-هو نايم وكويس، متقلقيش
-وحشني!
بدون تفكير طلبت السيدة من الخادمة إحضاره لها، ثم خاطبت ابنتها بتحنن:
-إنتِ كمان وحشتيه قوي، كان بيعيط وعاوزك، بس أنا مكنتش بسيبه وبنيمه في حضنـ.....
بترت السيدة جملتها نتيجة صوت مشادة كلامية حادة في الخارج، نهض جميعهم مدهوشين وكذلك السيدة ورددت بجهامة:
-خير يا رب، فيه أيه تاني؟!
قبيل تحركهم لفهم ما يحدث في الخارج، ولج أحد الحراس موجهًا حديثه للسيد وللسيدة:
-طليق الست لمى برة مُصر يدخل، وإحنا مانعين ده بناءًا على أوامر سيادتك يا هانم
ارتبكت لمى تلقائيًا وتزعزعت أوصالها، فتضايقت السيدة حين لمحت خوفها، احتدت نظراتها وهي ترد على الحارس:
-بلغ البوليس بسرعة، وقولهم فيه واحد جاي يعتدي علينا
ثم وجهت حديثها لهم من حولها:
-كده أحسن، خليها محاكم بمحالكم
اخترق جلستهم زين الذي ولج عنوة، حاملاً لسلاح ناري كان بحوزته، هذا الأمر بث الزعر في نفوسهم، واندفع سيف هنا ليقف في مواجهته وهم من خلفه، يعلمه بأنه سيحميهم، ذاك الأمر جعلت بسمة زين الساخرة تتسع، وتجاهله عمدًا ليقلل منه أمامهم، ثم وجه نظراته لـ لمى، التي شخصت أبصارها من هول ما تراه، وارتجفت، تحرك نحوها وبدون تفكير وقف سيف أمامه، هتف بامتعاض:
-مفكر البتاع اللي في إيدك ده هيخوفنا
مرر زين نظراته المحتقرة عليه، قال باستخفاف:
-لا دا علشان أوصلكم هنا بس
انكمشت لمى في أحضان والدتها، التي ترمق زين بعدائية، بينما وضع زين السلاح في جيب سترته، تابع مستهزئًا:
-إنت بقى اللى مفكر هتمنعني أوصلها
رد سيف بثقة:
-جرب تقربلها وشوف
ثم أحد النظر في عينيه مباشرةً، فطولهما يكاد يكون مماثل؛ لكن خوفًا من نشوب شجار بينهما، تدخل السيد كارم ليقول بتعقل:
-مينفعش الأسلوب ده، لو سمحت يا زين اتفضل برة، ولو ليك حق خده بالمحاكم
وجه زين بصره نحوه بحنق، هتف:
-أنا واحد مراته راحت اتجوزت وهي على ذمته، عاوزني اتصرف إزاي مـ...
قاطعه معارضًا:
-بس لمى متجوزتش حد
تركزت أنظار زين على لمى، فاهتزت نظراتها هي نحوه وهي تلاحظ احتقاره لها، لتجد اتهاماته السابقة في شخصها تتجدد، قال:
-لا برافو عليها، وبدل ما تودي نفسها في داهية، عاشرته في الحرام، وخلفت منه كمان
صُدم الجميع من توقع زين المستقبح، وكانت صدمة لمى الأفظع، فردت عليه هنا السيدة إيمان لتعنفه:
-احترم نفسك، أنا بنتي أشرف منك
رد باستهزاء مستفز:
-ما هو باين أهو
رفع سيف يده ليلكمه على تطاوله؛ لكن زين كان الأسرع في تحاشيها، حين مال بجسده للجانب، وبسرعة رهيبة كان يوجه له لكمة أسفل ذقنه، وتابعها بأخرى في أنفه؛ حتى نزف، وسقط أرضًا متألمًا، وما يحدث كان كفيل برعبهم من حدوث أي مكروه لأحدهم، وبهلعٍ توجهت نيفين صوب أخيها لتطمئن عليه، فاستغل زين ذلك ليسحب لمى من ذراعها ناحيته فارتعدت بشدة وهو يقرّبها منه، هتفت السيدة بغضب:
-واخد بنتي فين، هي سايبة يا بني آدم إنت، يلا سيبها
أيضًا قال السيد كارم بعدم رضى:
-اللي بتعمله يا زين غلط، رجوعك ليها مش غصب، لمى عاوزة تتطلق منك
لم يهتم زين بحديثهم وتجاهلهم، ثم تحرك بها ناحية الخارج، فجاء الصغير يونس يركض ناحية والدته، فانتبهت لمى له، وبعفوية تشبث الصغير بساقها وهي تتحرك مع زين، ورددت بحنوٍ:
-حبيبي يونس
انتبه زين له قبيل خروجه من الباب ثم توقف، كانت نظراته نحوه توحي بكراهية ونفور مدرار تجاهه، فهذا ثمرة خيانتها له، لم يتحمل زين رؤيته؛ أو وجوده بالأصح، لذا بغيظ وغل جذبه ليترك والدته ثم دفعه بعيدًا، فصرخت لمى من معاملته القاسية لطفل في عُمره، وتعالى صراخها أكثر وضجيج الجميع حين ارتطدم رأس الصبي في طرف طاولة جانبية، ووقع فاقدًا للحركة...!!