رواية لأجلك أحيا الفصل الأول 1 بقلم أميرة مدحت
رواية لأجلك أحيا المشهد الأول 1
شهقت بعنف حينما ألقى أحد مياة باردة على وجهها، أنتفضت من مكانها وهي تنظر حولها برعب، جحظت عيناها بصدمـة وهي ترى نفسها في ساحة القرية، والجميع ينظرون إليها بتفحص واضح، أعتدلت في جلستها وهي تحاول الإستيعاب ما يحدث لها من المصائب على ذنب لم تقترفه، سمعت همساتهم وهم يقولون بفضول:
-مش دي تيجان؟؟.. إيه اللي رماها بفستان فرحها كده؟؟..
هتف أحدهم:
-إيه اللي خلي جوزها يرميها الرمية دي إلا لو أكتشف أنها مش عـذ..
حركت رأسها بالسلب وعيناها تلتمع بالدموع، أشار إليه زميله قائلاً:
-متكملش، بس معقولة يطلع منها كل ده؟؟..
هتفت إحدى السيدات بإمتعاض:
-كان الله فـ عون جوزها، ده كان بيحبها أوي قبل ما يكتشف أنها ***.
أنسابت عبراتها بألم وهي تستمع إلى تلك الكلمات السامة، تابعت فتاة ما بقلق:
-ده الـ king زمانه عرف وهيعاقبها بالقانون اللي جدوده عملوه زمان!!!..
تابعت "تيجان" همساتهم المخيفة بنظرات مرتعدة، حركت رأسها بنفي وهي تهمس برعب:
-لأ، أنا معملتش حاجة، والله معملتش حاجة.
هبت واقفة وهي تقول سريعًا:
-أنا لازم أهرب، مش هقدر أشوفه، هيموتني.
قبل أن تتحرك كي تغادر من المكان وجدت ثلاثة رجال أشداء البنية يقتربون منها، صرخت بعنف:
-لأااااا، متقربوش مني.
هي تعلم أنهم من رجال "الملك"، يبدو أنها ستموت اليوم على شيء لم تفعله، سُتعاقب وسُتقتل ظلمًا، قبض أثنين منهما على ذراعيها بينما هدر الثالث بقوة كي يسمع جميع الموجودين:
-الـ king زمانه جاي، هو إللي هيحدد عقابك، إحنا خلاص بلغناه بمكانك.
هدرت "تيجان" بكل قوتها:
-أنا معملتش حاجة، والله العظيم معملتش حاجة.
ألتفتت برأسها نحو رجل ما وهي تهتف بألم:
-عم حسين، ياعم حسين أقف جنبي، ده أنا أتربيت على إيدك، معقولة هتصدق عليا الكلام ده؟؟..
رمقها بنظرات جامدة وهو يشيح بوجهه عنها، دارت برأسها نحو جهه أخرى وتحديدًا نحو أمرأة في منتصف الأربعينات وإبنتها:
-وإنتي يا أم وتين، هتسبيني كده!!!!.. أنا عشت ست سنين معاكم يعتبر، كنت بلعب مع وتين وبحميها من أي أذى حتى لو على حسابي، هتصدقيهم وتسبيني؟!!...
أطرقت رأسها وهي تبكي بصمت، فهي إن تدخلت سُتعاقب على ذلك، وقعت عيني "تيجان" على أمرأة أخرى فقالت بتلهف:
-وإنتي يا أم وجد، هتسبيني كده؟؟.. مش كنتي دايمًا بتقولي إني بنتك التانية، فين كلامك؟!!!!!!!..
بكت "أم وجد" بعد جملتها تلك وهي تشير لها بعجزها، أغمضت "تيجان" عينيها تكاد أن تعتصرهما وهي تصرخ بكل قوتهــا:
-ياااااااااااااااااااارب.
لولا تلك الأذرعة التي تقبض على ذراعيها بقوة لكادت سقطت سقطة عنيفة.
دقائقٌ وكان وصلت ثلاثة سيارات سوداء، رفعت عينيها الباكيتين نحو السيارة الثانية حيثُ فتح أحد رجاله الباب، ضيقت عيناها بوهن وهي تراه يترجل منها، كان هدير أنفاسها عاليًا وهي تحدق به، أرتفعت نبضات قلبها وهي تراه يتقدم منها رويدًا رويدًا.
شاب في أوائل الثلاثينات من عمره ولكن ملامحه تحمل جمودًا وعمقًا، عيناه السوداء تشتعل تلقائيًا، عيناه ذاتا الجمر المشتعل.. نيرانًا من اللهب الأزرق، ملامحه سوداء ونظراته العميقة التي حدجها بها أشد سوادًا، وقف أمامها قبل أن يقول بصيغة آمرة لرجاله:
-سيبوها.
رد أحدهم بإحترام:
-أمرك يا أصهب باشا.
إذًا أسمه "أصهب"!!.. أي شديد البرودة، يا له من البداية المُبشرة، حتمًا سيقتلها بدم بارد، خرجت من شرودها على صوته الأجش:
-شكلك صغير، 20 أو 19 سنة، مش كده؟؟..
حركت رأسها إيجابيًا بصعوبة بالغة، في حين مط "أصهب" شفتيه ببرود متابعًا بأسف مصطنع:
-ياعيني على زهرة شبابك اللي بقت زي الفجلة.
لم تجيبه بل أطرقت رأسها فـ أخفى شعرها وجهها البارد الحزين، ألتوت شفتاه في إبتسامة متوحشة وهو يقول ببطئ أمام أعينها:
-غلطي لما سلمتي نفسك قبل الجواز، وكملتي الحكاية بأنك ضحكتي على جوزك، بس معملتيش حسابك أنه أول ما يعرف هيرميكي هنا قدامنا عشان عاوز حقه.
أبتسمت بتهكم مرير وهي ترفع وجهها المعذب نحوه، تابع "أصهب" بصوتٍ حاد صلب كالسياط التي تجلدها:
-إنتي قبل ما تضحكي على جوزك كنتي زانية، وإنتي هنا فـ مملكتي، يعني القوانين هنا قوانيني، فـ هتتعاقبي على جريمتك دي وهي المـــوت.
قال كلمته الأخيرة وهو يخرج سلاحه الناري، صوبه نحوها قبل أن يقول ببرود ثلجي:
-نفسك تقولي حاجة قبل ما تموتي؟؟..
نظرت إلى أهل القرية نظراتٍ سريعة الذين يتابعون ما يحدث بخوف كبير، عاودت النظر إليه وهي تهز رأسها نفيًا دون أن تدرك ثم قالت بنبرة معذبة:
-ربنا ينتقم من ساهد، وأنا هستنى أن حقي يرجعلي حتى لو أنا ميتة.
لن تموت وهي تبكي وتُقسم له أنها لم تقترف تلك الجريمة، لذا رفعت ذقنها قليلاً وهي تغمض عينيها، هتفت بصوت لا حياة فيه:
-أنا جاهزة للموت.
حدجهـا "أصهب" بنظرات ميتة وقد أشتدت ملامحه سوادًا، في حين ظلت واقفة "تيجان" بثبات منتظرة مصيرها الأسود، وبالفعل شعرت بتلك الرصاصة تخترق جسدها بقوة، فـ تهاوى جسدها على الأرضية الصلبة، تسرب إليها خدر مغري فـ أستسلمت له بصدرٍ رحب، لم تشعر بعدها بتلك الصرخات العنيفة والمُخيفة التي ملأت المكان.
***