رواية لأجلك أحيا الفصل التاسع عشر 19 بقلم أميرة مدحت
رواية لأجلك أحيا المشهد التاسع عشر 19
تصلب جسد "الهامي" ما أن ألتفت بجسده ورأى إبنه وهو عاقد ساعديه أمام صدره، ضيق عينيه وهو يحدجه بنظرات قوية على رغم من القلق الذي يأكل قلبه خوفًا من أن يكون إستمع إلى حديثه، ولكن ملامحه القاسية.. وعينيه المحتقنتين.. وعروق نحره وكأنه يحاول أن يتمالك ذاته، جعلته يتأكد أنه إستمع إلى كل حرف نطقه، ورغم ذلك.. إلا أنه ظل ثابتًا وملامحه باردة تمامًا.
بروده جعلت نيران قلبه قبل صدره تشتعل، دنا "راجي" منه بخطوات سريعة قابضًا على تلابيبه وهو يصرخ بغضب جامح:
-ليـــــه؟؟.. ده حفيدك؟!!!!.. تضرب عليه نار؟!!.. ليــــــه يا ظاااالم!!!!..
قال "الهامي" بعصبية:
-نزل إيدك وإلا...
دفعه "راجي" بقوة وهو يقاطعه بنبرة جهورية:
-أنا مش بتهدد يا الهامي.
رمقه "الهامي" بصدمة من ذلك التحول الغريب، فمنذ صغره كان هادئًا عكس حالته الآن تمامًا، ظهر بريق القسوة بداخله حدقتيه وهو يستمع إلى كلمته قائلاً:
-طول عمري ساكت وبقول ده أبويا، لازم أحترمه ومش بعترض، طفولتي مش فاكر فيها غير خوفي منك لأغلط وأتضرب ورعب أمي الله يرحمها منك إنها تنسى حاجة ولا تغلط، ومراتي اللي بتخاف تغلط غلطة هايفة قدامك، وإبني إللي دخلت جوا قلبه قسوة وبرود، دايمًا عاوزنا نعيش مرعوبين منك، وعاوزني أقتل بدم بارد زي ما بتقتل إنت، بس أنا مش زيك!!!!!!!!..
دنا منه وهو يضيف بلهجة عنيفة:
-وكله كوم وإنك عاوز تموت إبني كوم تاني، إلااااا إبنـــــي.
هدر "الهامي" بقوة وغضب:
-خرج عن طوعي، الناس اللي كانت بتترعب من إسمي هيعرفوا دلوقتي أن إحنا كدابين وإن إحنا بنقول لكن منعملش، ضيع هيبتي وخوف الناس مني، ضيع تعب السنين، وأنا اللي يخرج عن طوعي أفعصه زي الصرصار حتى لو كان حفيدي من لحمــي ودمـــي.
أظلمت عينا "راجي "وهو يشير بيده هادرًا بإنفعال:
-إطلع براااا، مش من المستشفى من حياتنا كلها، وحق إبني هعرف أجيبه منك ومن التاني الـ(....) إللي عملها، إطلع برااااااااا.
أقترب "الهامي" منه وهو يصرخ بشراسة:
-حق إيه؟؟.. ولا تقدر تعمل حاجة، أنا أبوك مهما حصل وهفضل أبوك.
إبتسم بتهكم وهو يقول:
-إذا كان إبني هان عليكي وسلمته للموت عادي ومكنش فارق معاك، أنا كمان مش هيفرق معايا فإللي هعمله..
أشار بعينيه وهو يضيف بحدة عالية:
-أتفضل إطلع برا، وهثبتلك إن إحنا كنا القوة ليك، يعني من غيرنا ولا تقدر تعمل حاجة.
إبتسم "الهامي" وهو يقول بثقة:
-لو تقدر توقع الجبل يبقى هتوقعني يا راجي، مش الهامي إللي يقع، أنا قوي من غيركم وهتشوف.
ختم كلمته الأخيرة وهو يحدجه بعينين ظالمتين قبل أن يغادر من أمامه، تابعه "راجي" بنظراته القوية حتى أختفى من أنظاره، وهنا هبطت دمعة حارة من عينه على تلك الحقيقة المريرة، والده حاول يقتل وحيده، كان يعلم أن قلبه قاسي ولكن لم يتوقع أن يكون أمتلئ قلبه قسوة بتلك الدرجة العالية.
**
جلس "وافي" على المقعد بجوار فراش "تيجان"، مسح على خصلات شعرها بحنوٍ مثير وهو يتأملها بحزن، وخلفه يقف "يسر" يربت على كتفه وعيناه عليها، غير مصدق ما يحدث حوله، منذ أن وصل إليه خبر من أصدقائه بوجود "تيجان" برفقة "ساهد" والملك وأنها على قيد الحياة حتى ما حدث في تلك اللحظة، خرج من شروده على صوت إبن عمه وهو يقول:
-مش عارف أفرح ولا أحزن!!.. أفرح أنها عايشة وهلحق أعوضها من اللي شافته ولا أحزن على اللي وصلتله!!..
قال "يسر" بإبتسامة هادئة:
-كله هيبقى تمام يا وافي، إحنا نفرح وأول ما تبقى كويسة، حاليًا مقدمناش غير إننا ندعيلها وندعي لأصهب كمان.
ألتفت "وافي" برأسه ينظر إليه قائلا" بريبة:
-تفتكر ليه أصهب عمل كده؟؟.. ليه فداها بروحه؟؟..
ذلك السؤال الذي ظل يسأله كثيرًا بداخله منذ أن دخل "أصهب" غرفة العمليات، ولكن لا وجود لإجابة، رفع حاجبيه للأعلى وهو يهمس بداخله:
-أمه يفديها بروحه ده معناه أنه بيحبها!!!...
ما أن وصل إلى تلك الفكرة حتى قال بذهول:
-أيعقل؟؟!..
**
ساعات كثيرة مرت على الجميع ببطء شديد، كل لحظة يزداد الألم في قلوبهم، فتحت "تيجان" عينيها بتثاقل شديد حتى أتضحت لها الرؤية، أقترب منها "وافي" وهو يقول بلهفة:
-تيجان، حمدلله على السلامة.
ما أن أستوعبت ما حدث ومكان وجودها حتى أعتدلت في جلستها سريعًا وهي تقول بخوف:
-أصهب، أصهب فين؟؟..
رد عليها "يسر" وهو يدنو منها:
-أهدي يا تيجان، هو لسه مفاقش و...
هتفت وهي تحرك رأسها بالسلب:
-لأ، أنا لازم أشوفه، لازم أطمن عليه.
وبالفعل هبطت من على الفراش، ولكن وقفت فجأة حينما سد عليها "وافي" بجسده قائلاً بحدة:
-تيجان أهدي، مش هيسمحولك تدخلي.
هتفت برجاء وهي تمسك بيده:
-عشان خاطري هما خمس دقايق، خمس دقايق بس.
صمت "وافي" قليلاً وهو يلتفت برأسه نحو إبن عمه الذي هز رأسه بالإيجاب، تنهد تنهيدة حارة نابعة من قلبه وهو يفكر في علاقة شقيقته بالملك!
**
بعد قليل، سارت معها لترتدي ثوبًا معقمًا وغطاء للرأس والقدمين، حتى تتمكن من الدخول الآمن إليه، فتحت الممرضة لها الباب وتركتها تنفرد به لدقائق معدودة، أقتربت منه "تيجان" قليلاً لتتبين لها ملامح الأعياء الظاهرة على وجهه، وبشرته الشاحبة وتكوين طبقة من الهالات السوداء أسفل عينيه، أرتجفت أوصالها وهي تكتم صوت بكائها الذي أنفجر في لحظة واحدة، غالبت دموعها وهي تلمس بشرته بأطراف أناملها، فإذ بها باردة الثلج مما جعلها تقشعر على الفور وتسحب كفها فجأة، زاد بكائها ولكن حاولت التماسك وهي تقول بصوت مرتعش:
-ليه عملت كده يا أصهب؟؟.. أنا مستاهلش إنك تحافظ على روحي بروحك.
تابعت بصوت خالجه النشيج:
-إنت أدتني حاجة كبيرة أوي، حاجة عمر ما حد قدمهالي، أدتني روحك!!!..
مسحت دموعها وهي تقول بقوة:
-إنت كنت بتقول إن إللي خلاك تصدقني هو قوتي، شوف قوتي دي هتعمل إيه عشان تجيب حقك يا أصهب.
إبتسمت بألم وهي تقول برجاء:
-بس عشان خاطري، قاوم اللي إنت فيه، إياك تستسلم.
لوحت لها الممرضة من الخارج قائلة:
-يالا يا آنسة.
أبتعدت عنه رغمًا عنها وعيناها عالقتين عليه، قاومت رغبتها الجامحة في مرافقته وعدم المغادرة، وجدت كل من "وافي" و"يسر" ينتظرونها بالخارج، ولكن قبل أن تقترب منهما وجدت "شاهيناز" تقترب منها ولكن تعبيرات وجهها بدا عليها الصدمة، وقفت أمامها وهي تسألها بحدة مخيفة:
-يعني إنتي السبب فإللي إبني فيه؟!!!..
**
وقف "الهامي" وهو يخرج هاتفه من جيب بنطاله، عبث فيه قليلاً قبل أن يضعه على أذنه منتظرًا الرد، وما أن أتى حتى قال:
-عاوزك تعرفلي فين السجن إللي بناه أصهب.. أيوة.. قصدي السجن اللي عمله مخصوص للزانيات عشان يحسبهم هناك بدل ما يقتلهم.. أول ما توصل لمكان السجن بلغني.. وأول ما أديك الإشارة تجهز رجالتنا عشان ياخدوهم ويتقتلوا قدام أهل القرية.. بعدين هتعرف.. خلاص سلام.
أغلق الهاتف وهو يبتسم بتهكم قائلاً بلهجة مخيفة:
-ده اللي كان المفروض يتعمل من زمان، وأنا بقى إللي هعمل كده.
**
هب واقفًا بصدمة وقد عقد حاجبيه بشدة، قبض على الهاتف بعنف بعدما علم بفشل خطته وإنتقامه، وجد نفسه يصرخ قائلاً بغضبه المشحون:
-يعني إيه الكلام ده؟؟.. أنا كان قصدي تيجان، طلعلنا منين البني آدم ده؟؟..
سكت لحظةً قبل أن يسأل:
-هو أسمه إيه؟؟.. وإيه المعلومات إللي تعرفها عنه؟؟..
ما أن إستمع إلى حديث الطرف الآخر عن ذلك الشخص وعن هيبته وقوته المخيفة بعض الشيء حتى قال بهمسٍ خافت يملؤه الشر:
-لو زي ما بتقول كده، يبقى الحرب مش هتبقى مع تيجان وبس، ده كمان مع الكينج!.. يتبع الفصل العشرون اضغط هنا