رواية ابتليت بعشقك الفصل الحادي عشر 11 بقلم بسنت علاء وبسمة عبد العظيم
رواية ابتليت بعشقك الفصل الحادي عشر 11
اتسعت عينيه وهو يحدق في الفراغ أمامه هامسًا بذهول
-: شذا !!!!
هب واقفًا وهو يمسك رأسه بيده غير مصدقًا ! هل يعقل ! تذكر تهديدها له في ذاك اليوم يا الله !! تحرك بسرعة نحو الباب وهو يبحث في جيوبه عن هاتفه بسرعة وتوتر إلى أن وجده فذهب إلى الشيخ أولًا و شكره بتمتمة خافتة مع وعد بلقاء قريب ثم اتجه مسرعًا نحو الخارج وهو يضرب الأرقام على هاتفه مستمعًا بغير صبر للرنين وهو يهز قدمه بعصبية إلى أن انفتح الخط فقال بدون مقدمات
-: شذا الغارب ... اريدك أن تعرف خط سيرها منذ خروجها صباحًا حتى ترجع إلى فراشها ... راقب لي هاتفها وكل معلومة تتعلق بها و افعل المستحيل لتجلب لي من قابلت خلال الشهر الماضي أو حتى لأسبوعيين ماضيين ... اريد كل شيء عنها ... لا تغفل عن أيّ تفصيلة مهما كانت صغيرة ... سأحادثك ليلًا لأرى ما فعلت
ثم اغلق الخط وهو يشير لسيارة الأجرة ويركب بها ممليًا السائق العنوان فهناك شيء مهم بل الأهم يتوجب عليه فعله ......
**
دق الجرس بتوتر وملامح متجهمة ... قلق عليها حد الموت أن يكون حدث لها أيّ مكروه ... يقسم أنه لن.....
قاطع شروده المتوتر صوت فتح الباب فرفع عينيه بلهفة لتقابله عيناها الجامدة و لم يكد يفتح فاه ليتكلم وقد وجدها تهم بإغلاق الباب فوضع قدمه حائلًا بسرعة ليمنعها قائلًا بصوت عالٍ
-: أمي ... ارجوكِ ... ارجوكِ فقط اسمعيني
ظلت على حالتها بضع دقائق وهو يستجديها بنظراته حتى أذعنت دون كلام وهي تلتفت لتدخل تاركة اياه واقفًا على الباب بتجاهل ... لم يكترث وهو يدخل ببطء مغلقًا الباب خلفه ثم تقدم نحوها وهو يجثو أمام مقعدها الذي جلست عليه قائلًا بخفوت
-: آسف
أمسك كفيها يريد تقبيلهما إلَّا أنها سحبتهما بقوة مديرة وجهها للناحية الأخرى في إشارة واضحة منها للرفض ... فوضع كفيه على ركبتيها قائلًا بحرقة
-: أمي ارجوكِ انظري إليّ ... إلَّا خصامك وخصام نظراتك ... أنا آسف آسف مهما كررتها لن أوفي ذنبي أنا اعلم لكنني....
تحشرج صوته وهو يكمل ببحة بكاء لا يسمح له بالانطلاق وإلَّا فلن يتوقف
-: لكنني طفلك ... طفلك الصغير الغبي الذي اخطأ ... فعاقبيه ... اضربيه ... اشتميه .. افعلي فيه ما يحلو لك لكن إلَّا الخصام لن احتمل أمي اقسم لن احتمل
رأى بعض الدموع التي تجمعت في مقلتيها فتشجع وهو يكمل
-: لم أكن في وعيي لأفعل ما فعلت ... أعلم أنني اوجعتك .. لكن صدقيني وجعك رد في صدري أضعافًا ... بعد طردك لي ذهبت للمسجد ... اغتسلت و استفقت ثم توضأت وصليت ... صليت بدموعي ليغفر الله لي ... والآن أنا اطلب غفرانك أنت مع وعد بعدم تكرارها مجددًا لو سأموت فهل سترديني ؟
كانت دموعها قد تحررت من عينيها رافضة لرغبتها في حجزها دون أيّ تغير في وضعها ... هي فقط دموعها وقلبها المنفطر لأجل فلذة كبدها ... للحرقة التي تسمعها في صوته ... ندمه الصادق ودموعه الملتمعة في عينيه الحمراوتين ... فالتفتت إليه ببطء بينما هو كان شاخصًا نحوها بنظراته يستجديها السماح بملامح معذبه ثم وبدون مقدمات كانت تصفعه ... صفعة أقوى من أيّ صفعة سددتها له من قبل ... وقد كانت تلك الإشارة لأنهمار الدموع من عينيه وهو يشهق دافنًا وجهه في حجرها بينما كفيها كانا قد عرفا طريقهما لرأسه يملسان فروتها بلطف يناقض قوة الصفعة ... أخذ يشهق ويبكي في حجرها لوقت لم يحسبه كلاهما وهي تركته يفرغ كل دموعه لتفهم منه ما حدث ... أخذ يردد كلمات الأسف والندم بصوت مكتوم ومازال رأسه في حجرها حتى نضبت دموعه وقد كان محتاجًا لهذه الصفعة أكثر من أيّ شيء آخر فقد فرغت منه كل قهر ووجع الأيام الماضية ... جعلته يبكي كل شيء حصل منذ عرفها ولكن لعل دموعه تغسل قلبه مما فيه كما غسلت وجنتيه .... بعد عدة دقائق رفع وجهه المغطى بالدموع إليها وهو يمسحها عن وجهه بقوة ثم أخذ نفسًا عميقًا متسائلًا بوجع
-: لماذا أعيش كل هذا القهر امي ؟ لماذا لست شابًا عاديًا كأي شاب ... لماذا مكتوب عليّ وجع القلب لماذا؟
فربتت على وجنته قائلة بصوت مختنق
-: حاشا أن تسأل لماذا أو تحاسب الله بنيّ ... لكن في حالتك تلك أنت من تجلب الوجع لنفسك ومن حولك ... أنت تحب ملاك ... ولا تنكر لقد رأيتها في عينيك مرات لا تحصى ولا تعد ، بالإضافة إلى حالتك منذ ما حصل ... لماذا تفعل بك وبها هذا ؟ لماذا تبعدها و أنت تهفو لقربها ... لماذا توجع نفسك وتوجعها ! حبيبي أنت شخص جيد ... من يقدر على التغير ملقيًا الماضي خلفه بكل عيوبه وقذارته هو بطل و أنت بطلي يا زياد ...
كانت تبتسم لعينيه المنكرتين الرافضتين لما تقول وهي تهز رأسها مؤكدة ... بينما هو كان يهز رأسه علامة النفي قائلًا
-: لا أمي ... لم اجلب لها سوى الوجع ... ثم أنت لم ترها !! إنها ملاك بحق ... ملاك على الأرض ... كيف سأحكي لها ما حدث ! كيف سأظلمها معي هكذا ... منذ اعترفت لها بحبي في لفتة مجنونة مني وهي تلاحقها المصائب فما بالك عند كوني زوجها أو خطيبها !
ثبتت ذقنه وهي تنظر في عينيه بثبات قائلة
-: أنت شخص جيد ... أتسمعني ! وهي تحبك وأنت تحبها وهذا يكفي لتتحديا العالم سويًا ... يمكنك حمايتها وهي بجانبك ... هذا سيكون دافع لك لكي لا ترجع ابدًا إلى الماضي ... ثم لا يوجد ملائكة على الارض .... أنت فقط من تعلي قامتها مخفضًا قامتك في عينيّ نفسك لتقنع نفسك بحججك الواهية بعدم استحقاقك لها ... جرب ... افشل ... فلترفضك وتجري وراءها ثانية ... لا أحد يعيش حياة سعيدة بسهولة بنيّ و أنت قد شقيت كثيرًا وقد حان الوقت لترتاح وراحتك لن تكون إلَّا بها ومعها ....
كان ينظر لها بذهول كطفل صغير تخبره أمه أن *بابا نويل* ليس حقيقيًا ... فربتت على وجهه بحنان متمتة بما لم يصل لعقله ونهضت ذاهبة للأعلى تاركة إياه يفكر في كل كلمة قالتها وقالها غيث و داخله مرتعب ... مرتعب من قبس الأمل ذاك الذي أضاء بداخله فجأة
**********
شركة الهواري الهاشمي.....
جالسة تعمل في المكتب بحنق منه ومن نفسها ... لقد صاح بها للآن ثلاث مرات على إهمالها وخلطها لأمور العمل ببعضها ... تتعجب من نفسها كيف لم ترِه مقامه !! أنها شركة أبيها بحق الله ! أبيها و خطيبها !
خطيبها الذي لم يسأل عليها منذ ما حصل ... منذ أن طردها !!
لا تعرف هل تعطيه عذره أم لا ! فهي الأخرى لم تتصل به وتكتفي بسؤال ابيها عن صحة ملاك فقط ... تشعر بالألم والفراغ لكن كرامتها اللعينة تمنعها من مكالمته واخباره كم اشتاقت .... سمعت صوت هاتفها منقذًا لها من أفكارها ففتحته بلهفة متمنية أن يكون هو إلَّا انها لم تكن سوى ياسمين ... فتحت الخط وهي ترد عليها ببعض البرود سببه خيبة الأمل داخلها
-: مرحبًا ياسمين
-: مرحبًا شغف كيف حالك !
قالت ياسمين التي كانت جالسة في مكتبها الجديد فردت شغف تحكي لها
-: لست بخير ... لم يكلمني ولا مرة واحدة منذ الحادث يا ياسمين ولا مرة !
فردت ياسمين باستهجان وهي تنظر نحو باب مكتبه تتأمله
-: وكيف يتصل في تلك الظروف شغف !! فلتتصلي به أنت !
تنهدت شغف بقوة
-: لا اعرف .. اريد ولا استطيع ... اشعر أن ذلك اليوم بنى حاجزًا غير مرئيًا بيننا ...
فطمأنتها ياسمين بالقول
-: لا ... لا تخافي فقط حدثيه غدًا لأنه اليوم عصبي جدًا حتى أنا لم اسلم من سهامه الطائشة التي يلقيها هنا وهناك
اخذت ترسم رسومات وهمية بأصبعها على الورق وهي تقول ببؤس
-: حسنًا سأرى ... إلى اللقاء الآن لكي لا يخرج لي هذا الأحمق من الدخل .. لو صاح بي ثانية اقسم أنني سأقتله !
ودعتها ياسمين بتمتمة ضاحكة ثم اغلقت الخط وعيناها تشردان في باب المكتب مخفية عن نفسها مشاعر الفرح تلك التي تولدت داخلها !!
**********
لم يكد يمر بضع دقائق قليلة على مكالمتها مع شغف حتى دق الهاتف الخاص به ففتحته ولم ترد فصوته الحازم وصلها سريعًا
-: ياسمين ! هل انهيتِ أوراق الصفقة ؟
-: نعم سيدي جاهزة منذ نصف ساعة
-: حسنًا أحضريها الآن
و أغلق الخط ... لم تستغرب فهيّ قد اعتادت على مزاجه الناري منذ ما حدث .. نهضت بهدوء وهي تجمع الأوراق ذاهبة إليه.....
طرقت الباب بهدوء ثم دخلت ببطء وعيناها مسلطة عليه بهيئته المشعثة إلى حد ما والجذابة ... الجذابة جدًا بذقنه التي استطالت قليلًا والتي يفرك بها الآن ناظرًا للأوراق أمامه في تفكير عميق ... تنحنحت لينتبه لدخولها لكن يبدو أنه في عالم آخر ... فنادته بخفوت
-: سيد غيث !
لم يرفع رأسه وهو يخاطبها
-: ضعي الأوراق على المكتب
نفذت أمره بهدوء ثم انطلق النداء الخافت مرة أخرى من فمها قبل أن تمنعه
-: سيد غيث
فرد بنفس وضعيته أيضًا بنبرة ظهر بها بعض الضجر
-: هممممم !
فقالت ايضًا وقد فقدت القدرة على لجم لسانها
-: شغف
وقد كانت تلك الكلمة السحرية التي يحتاجها ليرفع رأسه عن الأوراق أمامه ناظرًا إليها في وقفتها المتوترة فأشار لها بالجلوس وهو يسأل بنبرة حاول إضفاء أكبر قدر من اللامبالاة بها و هو يشبك كفيه أمام وجهه
-: ماذا بها ؟
توترت وهي لا تعرف ماذا تقول في ذلك الموقف الذي ورطت نفسها به بالإضافة إلى نظراته المسلطة عليها بانتظارها أن تتكلم فقالت أخيرًا وهي تنظر أرضًا
-: إنها .... ان حالتها النفسية غير جيدة لماذا لا تجرب ... مكالمتها !
فابتسم بسخرية قائلًا وهو يدور بكرسيه للجهة الأخرى مخفيًا وجعه الذي ارتسم على ملامحه عنها
-: حسنًا إذًا ... لقد حدثتك مدللة أبيها مخبرة اياك أن غيث السيء لم يحدثها مما يؤثر سلبًا على حالتها النفسية ... اووه كم أنا بغيض!
فهزت رأسها نفيًا بسرعة ثم ادركت عدم رؤيته لها فقالت
-: لا صدقني ... هي فقط قالت أنها .. تشتاقك
ابتسم بسخرية أكبر عند آخر كلمة قالتها ثم قال
-: حسنًا ياسمين عندما تشتاقني بحق أظن أنها ستتحنن وتكلمني ألا تظنين هذا؟ أم انني مخطيء؟
فقالت الحقيقة وهي تنهض
-: لا لست مخطئًا ... لست مخطئًا ابدًا سيدي ... هي المخطئة
لا تعرف لماذا أضافت تلك الإضافة الغير مستحبة ! لكن ما يخرج من الفم لا يمكن استرجاعه لكن المهم هو .. هل تريد استرجاعه من الأصل !! ، نحت افكارها جانبًا وهي تستأذنه للخروج مبعدة كل تلك الأفكار التي تتضارب في عقلها و.... قلبها !!
**********
منزل الغمراوي
عرس .... ولكن !
جالس بجوارها على منصة العروسين مبتسمًا ابتسامة باهتة مصطنعة أوجعت عظام فكه ... يناظر مظاهر الاحتفال وهو يرى أبناء أعمامه يرقصون الدبكة وقد أصرّوا عليه أن يرقص معهم أكثر من مرة لكن وكيف يرقص ويضحك في تلك الليلة !! بالإضافة إلى صوت الطلقات النارية الذي يشق عنان السماء ... كم يشعر بالقهر وهو يرى نفسه كأي امرأة أُجبِرت على الزواج ! هو ... سيف الغمراوي يجبر على الزواج ! ومن يجبره ! جده ... جده الذي دائمًا ما كان يناصره معطيًا إياه هيبة كبيرة دونًا عن أبناء أعمامه الآخرين ... توجه بنظراته نحوها يريد أن يرى تعابير وجهها لكنها مختبأه وراء تلك الطرحة البيضاء أمام وجهها فرجع بنظراته للجموع أمامه وهو يوميء هنا ويُحيي هناك ... يفعل المفترض على كل عريس في مكانه أن يفعله إلى أن شده ابن عمه من مجلسه ثانية فوقف متأثرًا بقوته ثم وجد نفسه بجانبهم يدبك رغمًا عنه ... أخذ يرقص معهم قليلًا غصبًا حتى اندمج في الرقص فصار يرقص بحماس ضاحكًا معهم ناسيًا أو بمعنى أصّح متناسيًا ما هو فيه......
***********
جالسة بفستانها الأبيض تناظر الناس ومظاهر الاحتفال بوجع داخلي لا يحتمل ... ابتسمت بمرارة مطمئنة أن لا أحد سيرى ابتسامتها المخفية تحت الطرحة فهي العروس التي يجب أن تكون أسعد امرأة في الكون فاليوم زفافها وعلى من ! على سيف الغمراوي .. حفيد عائلة الغمراوي المميز وحفيد الجد المفضل ... الذي تمرد على قوانين قريتهم وخرج للعيش في العاصمة ... كما أنه و لسخرية القدر حبيب طفولتها وصباها و للأسف مازال حبيبها ... و لكم هو موجع أن تحب من لا يحبك فما بالك بمن يستحقرك .. يزدريك ... يراك أقل شأنًا منه مقيّمًا إيّاك بنظراته صعودًا ونزولًا بسخرية كلما رآك .... تشاهد حفلة بيعها والتي يرقص بها الشاري فرحًا ضاحكًا وهي تقسم أغلظ الايمان بداخلها أنها سترد له كل شيء فعله فيها ... كل شعور وجع أحست به .. كل سباب سبت به نفسها قبله ... ستوقعه صريعًا في حبها و إن لم يحصل هذا هي من ستقتلع حبه من قلبها اقتلاعًا حتى لو اقتلعت قلبها معه ... ليست هي من تدع الحب يضعفها ... هي لم ولن تكن ابدًا ضعيفة .... فإن لم يقويها حبه فباطلًا هو وحبه سويًا ... الأمر صعب لكنها ستحتمل ... ستحتمل وتقاتل للرمق الأخير ... لكي لا تحتقر نفسها ... لكي تنظر في المرآة لنفسها بأعين قوية غير مخزية ... ستُخرِج أخيرًا سنابل المحاربة المقاتلة وتنزع عنها ثوب الطاعة و الخنوع .... ألم يخبرها بكونها زوجة على الورق ! ... ألم يخبرها أنه لن يمسها ! حسنًا وهي أكثر من راضية بهذا الاتفاق ... ألم يقل سيتزوج اخرى ! حسنًا وهي تنتظر زواجه بأخرى لكي تحيل حياته جحيمًا اسودًا مجبرة اياه على العدل بينهما وإما الطلاق ... وبالرغم من الغصة التي استحكمت قلبها قبل حلقها لمجرد التفكير في الكلمة فستكون أرحم كثيرًا من رؤيته سعيدًا مع أخرى يحبها تاركًا اياها تتحول مع الوقت إلى حطام انثى تنتظر منه الفتات ...... نهرت نفسها في سرها على كل هذه الأفكار الموجعة للقلب ثم نحت كل أفكارها جانبًا وهي تراقب العرس محاولة الاندماج في الأجواء فإنه ... عرسها !
***********
دخلت الغرفة تتقدمه في خجل ناظرة أرضًا حتى كادت تتعثر في كومة القماش الأبيض تلك التي ترتديها أمّا هو فكان يسير وراءها مبتسمًا بسخرية لخجلها مفكرًا أنها على ما يبدو قد اتقنت دورها جيدًا ... أغلق الباب خلفه بنفس الابتسامة ثم التفت لها وهو يناظرها واقفة تفرك كفيها في بعضهما مخفضة عينيها أرضًا فقال بهدوء
-: سنابل .. ارفعي طرحتك عن وجهك
صدمتها جملته الهادئة ! هه ولكنها مع سيف الغمراوي هل ستستهجن الصدمات ! أنه لا ينفك يصدمها لماذا ستكون تلك المرة مختلفة ... رفعت طرحتها عن وجهها ببطء مرافق لخيبة الأمل فقد تمنت موقفًا مناقضًا تمامًا لهذا الموقف ثم نظرت له .... اخترقته نظراتها البنية الواثقة ... تناظره بعيناها الواسعتان في ثقة لم تخفضهما وكأنها تخبره "أنا ندٌ لك"
لكنه تنحنح وقال وهو يقطع هذا التواصل البصري
-: ادخلي للمرحاض لتغيري ملابسك وأنا سأبقى هنا
لم تتكلم وهي تنفذ كلامه بسرعة وتدخل مغلقة قفل الباب على نفسها مما جعله يبتسم بسخرية وهو يخلع جلبابه الأبيض الخاص بالعرس ويلبس قميص قطني مريح مع سروال قصير نوعًا ما .... بعد قليل من الوقت خرجت مرتدية قميص النوم الأبيض الطويل التقليدي بالروب الخاص به فوقه والذي يغطيها كاملة ... لكنه أخذ يحدق بها بانبهار فما لم يكن تقليديًا أبدًا هو ... شعرها !!! شعرها البني الطويل ... الطويل جدًا والذي تخطى خصرها واصلًا إلى وركيها بلمعته الفريدة ... كان باختصار كالشلال ... شلال من الشوكولاتة الذائبة هذا أول وصف تبادر إلى ذهنه ... أخذ بضع دقائق قليلة يحدق به ثم سألها بخفوت مذهول
-: هل هذا شعرك !
استشعر غباء سؤاله عندما رأى ابتسامتها التي تحاول إخفاءها وهي ترد عليه بإيماءة فتنحنح وقال بصوت خشن
-: نعم ... فقط كنت اسأل لأتأكد من أنه ليس صناعيًا فالنساء لم يعد فيهن شيئًا طبيعيًا هذه الأيام....
قال جملته الأخيرة بسخرية فرفعت ذقنها تواجهه بعينيها ثانية مخفية داخلها تأثرها الأرعن بمظهره البسيط بذلك القميص القطني الملتصق بعضلات جذعه مدمرًا لأعصابها
-: لكنني لست كنساء هذه الأيام ....
قالتها ببطء و ابتسامة سمجة ثم جلست على الفراش وقد كانت واقفة كل هذا الوقت قائلة
-: حسنًا بعد إذنك اريد أن انام ... هل ستنام معي بالغرفة ؟
نظر لها بذهول وكأنها تتكلم بلغة فضائية ثم قال ببطء
-: بالتأكيد سننام في نفس الغرفة ! أتريدين مني الخروج يوم عرسي لأبيت خارجًا في الوقت الذي من المفترض فيه أنني افعل أشياء أخرى مناقضة للنوم !!
شهقت من جرأته وهي تخفض نظراتها أرضًا سريعًا وقد احمرت وجنتاها فضحك مقهقهًا غير مبالٍ بخجلها وهو ينهض من الفراش قائلًا
-: حسنًا يا صغيرة فلتنامي الفراش كله لك وأنا سأفترش الأرض بجانبك...
رأى نظرة الاستهجان في عينيها فقال بحنق
-: ماذا !! لا تخافي لن افترسك !
فهزت رأسها نفيًا لكنها قبل أن تتكلم كان قد قاطعها سائلًا
-: كم عمرك ؟ عشرون صحيح ؟
فأومأت برأسها علامة الموافقة فتحول حنقه لابتسامة ساخرة ثم قال
-: حسنًا وأنا عمري خمسة وثلاثون عامًا أي أنني اكبركِ بخمسة عشر عامًا ... أي انني لو كنت تزوجت في سن اصغر لكنت الآن املك طفلة اصغر منكِ ببضع سنوات فقط ...
ثم بسط كفيه أمامها مستمتعًا بنظرة الذهول في عينيها
-: هل رأيتِ ؟ اعتبريني مثل أبيك حسنًا ! لكن مقامًا وليس فعلًا
قال كلمته الأخيرة بسخرية وهو يلتفت متجهًا ناحية الخزانة ليخرج أيّ شيء يفترش به الأرض عندما سمع صوتها الصغير قائلًا
-: أنت لست أبي
التفت لها ليجدها قد نامت معطية ظهرها له فابتسم وهو يهز رأسه بخيبة أمل ثم يكمل ما يفعله بينما هي كانت قد استقامت جالسة قائلة بغل طفولي
-: ولن تكون
ثم رمت نفسها على الفراش ملتحفة بالغطاء وكأنها تحجب نفسها عنه هكذا تاركة إياه يفترش الأرض والضحكة المذهولة لم تغب عن شفتيه لوقت!!
**
العاصمة...
اليوم التالي صباحًا......
يدخل إلى المستشفى بابتسامة مشرقة لم تعرف طريقها إلى فمه منذ مدة طويلة ... طويلة جدًا في الواقع ،
يمشي بين الطرقات بسرعة إلى أن وصل إليها ... تلك الغرفة التي تقبع بداخلها مُعذِبة فؤاده ومالكته.... لكن قبل الوصول للأميرة عليك تخطي الوحش اولًا ... الوحش المتمثل في غيث الذي وقف متحفزًا عند رؤيته وهو يتقدم منه سائلًا بتجهم وعينان ينطلق منهما الشرر
-: ماذا تريد يا زياد ؟ لماذا جئت ؟
قال زياد بحنين وبنفس الابتسامة التي لم تغب عن ثغره
-: اشتقت لك يا صديقي
توتر غيث ومشاعره تغلبه خصوصًا عندما أخذه زياد على حين غرة في عناق حاد فربت على ظهره بقوة خشنة ... اشتاق له هو الآخر جدًا وقد كان يحتاجه في هذه الأيام أكثر من أيّ وقت آخر .... لكنه ازاحه عنه بفظاظة محاولًا اخفاء مشاعره
-: ماذا تريد يا زياد
أسبل زياد اهدابه ثم قال بهدوء خافت
-: اسمعني جيدًا اولًا...
**
وها هو تخطى الوحش ودخل إلى الغرفة وقد ضربته نفس القشعريرة على طول عموده الفقري كالتي احسها المرة الماضية .... كانت ملاكه نائمة بسلام في سريرها وشعرها العسلي منتثرًا حول وجهها معطيًا اياها تلك الهالة التي تؤكد له ملائكيتها ... لكن ما عرفه من غيث أنها ليست نائمة بل هذا هو حالها دائمًا تلك الايام ... تتصنع النوم للهروب منه .... جلس على نفس المقعد وكأن الموقف يعيد نفسه ، لكن هذه المره هو من يعيد صياغته ... أمسك بكفها ذلك الذي قبله مودعًا المرة الماضية ...ثم قبل باطنه ثانية باشتياق وهو يغمض عينيه مستنشقًا رائحته التي ادمنها وحفظها بالرغم من رائحة المعقمات التي تملأ الغرفة ... ثم قال أخيرًا بصوت واثق حرص على أن يصل لها واضحًا
-: أحبك.
يتبع الفصل الثاني عشر اضغط هنا