رواية ابتليت بعشقك الفصل السابع عشر 17 بقلم بسنت علاء وبسمة عبد العظيم
رواية ابتليت بعشقك الفصل السابع عشر 17
أخذ يحدق في ذلك الرقم الذي يحفظه عن ظهر قلب ليهمس أخيرًا بنبرة مبهوتة
-: ملاك !!!
فرك عينيه جيدًا ثم نظر في الهاتف يتأكد مما رأى ! ، أخذ ينظر حوله ، يتحسس جسده ، يتأكد أنه ليس بحلم ! والله لن يحتمل كونه حلمًا هذه المرة فقلبه العليل اكتفى من الأحلام
وثب بسرعة من على الفراش وذهب ليستحم ، ليكون جاهزا في مدة قياسية ليذهب لها بأقصى سرعته ، يسابق الزمن وقد أعطته تلك المكالمة الحياة من جديد بعد أن كاد يفقدها ، كغريق يتعلق بآخر قشة نجاة مقنعًا نفسه بأنه سينجو حتى لو كانت ... مكسورة!
وصل إليها يطرق على باب الغرفة بارتعاش ويدخل
نظرت له في دخوله وهي تلعن نفسها على لحظة التهور تلك عندما اتصلت به ! بالتأكيد الآن سيظنها تجري وراءه !
أما هو فكان يتقدم نحوها حتى اقترب من الفراش وهمس بسؤال وهو مازال واقفًا
-: ملاك ؟
تحاشت النظر إليه ، فأخذ هو ينظر في أنحاء الغرفة بتوتر ، يعبث بشعره تارة ، يخرج هاتفه ، أخذ يفتح فمه ويغلقه كطالب متوتر من الاعتراف لصديقته بالحب لكنه تكلم أخيرًا وقال بصوت ... عالٍ!! كان سببه التوتر
-: لقد اتصلتِ بي
نظرت له باستغراب من نبرته التي علت فجأة ، فنفخ بقوة يلعن نفسه وهو يجلس بحنق على المقعد المجاور لتضربه رعشة الذكرى فقال بصوت مهتز خفت تلقائيًا
-: لقد أتـ...صلتِ ، هل تريدين شيئًا ؟
هل يحق له ضرب نفسه الآن أمامها !! ربما لكمة واحدة ستفي بالغرض لترجع له صوابه المفقود ، بحق الله ماذا يقول ! هل أتى هنا ليسألها ماذا تريد من اتصالها !!
لكنها قطعت تصارع أفكاره وهي ترد بخوت ناظرة لكفيها المتشابكان في حجرها
-: غيث ، لم يأت منذ البارحة وهاتفه مغلق ، لقد قلقت عليه ولم أجد سبيلًا سوى الاتصال بك و أنا عـ... عاجزة عن البحث عنه أو ... إتخاذ أي خطوة ، آسفة إن ازعجتك !
نذالة منه ألَّا يفكر في حال صديقه لكن رغمًا عنه اهتز قلبه وانتفض لنطقها كلمة العجز بذلك التقطع المتألم ، شعر أنها لا تقصد عجزها في البحث ! وتوجع لعدم اتصالها به لذاته ، لكنها على الأقل اتصلت !
قال بخفوت مترجي وهو ينهض مقتربًا منها
-: ألهذا فقط اتصلتِ ؟ أرحمي قلبي العليل وقولي لا !
مازالت على نفس جلستها لم تتحرك إنشًا فهمس بارتعاش وهو يتقرب أكثر
-: هل كرهتني ملاك ؟ أخبريني فقط أنك لا تريديني في حياتك ، أنك.... تكر..هينني لا تريدين رؤية وجهي اللعين ثانية وصدقيني سأنفذ مطلبك و إذا....
توترت أنفاس كلاهما فباتت الغرفة مشحونة كقنبلة موقوتة ستنفجر فقط... بلمسة ! أكمل بعد أن مرر يده على صفة وجهه
-: و إذا تبقى لي أي رصيد عندك ولو ضئيل ، أصغر قدر من الأمل بداخلك نحوي ، أخبريني فقط وأنا سأتفهم موقفك ، سأنتظرك طوال عمري ولن أمل ، سأعمل جاهدًا بكل قواي على كسب قلبك فقط أرضي و... أخبريني الآن أرجوكِ الآن
أخذ شهيقًا طويلًا أخرجته زفيرًا أطول وهي تغمض عينيها لثوان ثم تفتحهما ناظرة إليه لتقول بارتعاش يوازي ارتعاشه
-: هل يمكنك أن تطمئنني على غيث ؟
زفر بحنق قائلًا
-: ملاك ! لن أتحرك من هنا إلَّا ومعي إجابة ، أرجوكِ ... أنا أتألم ... لأبعد حد
نظرت له بألم ، وجع قلبها لنبرته تلك التي يقطر منها الوجع دمًا ، فقالت وهي تنظر إليه وقد ترقرقت الدموع في عينيها
-: أنا أيضًا أتألم !
فقال سريعًا بلهفة موجوعة وقد أثارت جنونه جملتها الخافتة
-: يا ليت كل الألم يصب في صدري فقط ولا يعرف لكِ طريقًا
سالت دموعها لكلماته ، كيف يستطيع ! كيف يستطيع أن يكون... هكذا ؟
لم تعِ أن لسانها ترجم أفكارها في غفلة منها ! فلم ترَ إلَّا تلك الابتسامة الحزينة التي تشكلت على وجهه قائلًا
-: هكذا كيف ؟
هزت رأسها ببلاهة قائلة
-: ماذا !!
لم يتحمل رؤية دموعها ، نقطة ضعفه الأقوى ، هي كلها نقطة ضعفه ، وعلى حين غفلة منه هو الآخر امتدت يده تمسح دموعها ، يزيلها بكفه ، يود لم يمتصها داخله ويخرج لها بديلًا عنها ضحكة مشرقة لكن أين الإشراق وهو منطفئ ! منطفئ هي مصدر ضوئه الوحيد
سحب كفه بسرعة في نفس اللحظة التي أدرك كلاهما فيها الواقع ، نظرت له عاقدة حاجبيها فأكمل بصوت هامس متحشرج ، متقطع ! يحمد الله أنه خرج من الأساس وهو يكور قبضته محاولًا الاحتفاظ بملمس بشرتها داخلها
-: قلتِ .. كـ..يف يمكنني أن... أكـ... أكون هكذا !! ، أسأ...لك هكذا ... كيف؟
أنهى كلامه بسعال خفيف ليس له داعٍ فسألته مبهوتة ومازالت عاقدة حاجبيها
-: هل وضـ..عت يدك على ... وجنتي للتو!!
أسبل أهدابه ، وهو يضع يده خلف عنقه بخجل
-: لم استطع رؤية دموعك و أقف مكتوف اليدين ، إلَّا دموعك ملاك أرجوك ، عاهديني الآن ألَّا تذرفي الدمع أبدًا ، والله دموعك وكأنها تسقط على قلبي أسيدًا كاويًا ألا ترحميه ؟
كان قد رفع عينيه لها في آخر كلامه باستجداء فانهمرت دموعها أكثر ، مرر يده على صفحة وجهه بقوة وهو يصيح متحاشيًا النظر إليها
-: توقفي أرجوكِ ، لا أريد أن أتهور ، توقفي
مسحت دموعها بسرعة وشفتها ترتعش من كتمها للبكاء ، عندما نظر لها وقعت عيناه هناك على الفور فأسبل أهدابه مجددًا ، يتنفس بعمق يخمد تلك النار بداخله ، يتمنى لو يهدئ ارتعاش شفتيها هذا ! لكنه همس ومازال متحاشيًا النظر إليها
-: أعدك أنني سأجعلك تبكين كل شيء ، لكن على صدري ، وقتها اسطتيع امتصاص ألمك ، كفكفة دموعك ، وبعدها لن أجعلك تبكين ثانية أبدًا
كان في خضم كلامه قد وضع يده على صدره موضع قلبه فتعلقت أنظارها بها ، بعد صمت دام لعدة دقائق سألها مجددًا -: ما هو جوابك يا مالكة القلب ؟ أرحمي مملوكك بإجابة فقد آلم صدري من هديره المتواصل منتظرًا إجابتك برعب
أيضًا لم ترد !! هي من حافظت على أهدابها المسبلة تلك المرة بعناد فقال يستجديها بيأس ، كالمثبت بغراء على قضبان قطر سريع لكنه يحاول الفكاك ، يحاول وهو يعلم أنه هالك لا محالة ... حتى يستسلم ، يراقب نهايته كمتفرج !
-: ملاك ، أعلم أن بشاعتي ونقاؤك لا يجتمعان ، أعلم أنني لا استحق فرصة ثانية ، لا استحقك من الأساس ، لكني أرى في عينيك فتات متبقي من المشاعر ، فهل يمكنني احياؤه مجددًا ؟ هل تسمحين لي بتعويضك والعيش فقط لأجل سعادتك ؟
عاشق ولهان أنا جاءك طالبًا الصفح والسماح ألا تقبلين ؟ ألا تقبلين أن تكوني منارة يهتدي بها من لا هداية له ... أن تكوني المرسى لقلب عاشق هرم من كم العشق المكتوم داخله ، أن تتربعي في هذا القلب ، هذا القلب الذي لم يعرف معشوقة سواك ... أن تكوني ملاكًا ينقي هذا الشيطان الماثل أمامك ... أن تكوني قبس للنور في ظل حياة مظلمة سوداء ؟
أقتليني وأرفضي أو أرحميني وأرضي...
صمت وهو يلهث من كم المشاعر المحتدمة داخله ، لقد ترجاها حرفيًا ! لو لم تقبل الآن هو فقط وببساطة ... سيتحطم ! سيتهشم كقطعة زجاج سقطت من ارتفاع الآف الأمتار ، أخذ يحدق في تحديقها به ، ساقاه لم تعد تقوى على حمله فجلس أو بمعنى أصح تهاوى ببطء على الكرسي منتظرًا الحكم ... حكم إعدامه أو إحياؤه إلى أن سمع صوتها الخافت فهب واقفًل مقتربًا منها يسمع بكل حواسه
-: ماضيك لا يحق لي أن أحاسبك عليه ،
لا يحق لي محاسبتك على فترة لم أكن متواجدة فيها بحياتك ، من منا لا يخطئ ! لا أحد ملاك يا زياد ، لكن ما لا أقبله هو تأثيره اللامحدود عليك في الحاضر ، ليس ماضيك المشكلة ، لكنني ببساطة لا استطيع مسامحتك على ما فعلته بي ، كلما أراك أتذكر كل كلمة خرجت منك لتصوب كالسهم يخترق قلبي ، لا استطيع تصديق حبك الذي اشعره شـ..فقة ، فهل لديد الصبر والتحمل لكل هذا ؟ لتغير كل هذا وتزرع بدلًا منه حبًا صافيًا ؟ ألديك القدرة لتتغلب على ماضيك لأجل ذلك الحب الذي تنسج فيه الأشعار أم كله محض كلام ووهم !!
كان محدقًا بها كالأبله وكأن الكلمات سقطت قبل اختراق عقله ! هل يعني كلامها موافقتها الضمنية ؟ هل تفتح له بابًا ولو صغيرًا للولوج لقلبها هل....
-: هل وافقتِ؟؟
همس بذهول ثم كررها بصوت أعلى وأعلى وكل مرة يزداد ذهولا ، أخذت الابتسامة تتسع على شفتيه حتى باتت ضخكة لا يستطيع السيطرة عليها فأخذ يضحك بذهول ثم حاول تمالك نفسه وهو يقف أمامها متسائلًا من جديد
-: هل قبلتِ؟
فردت بثبات
-: لقد قلت ما لديّ
فابتسم بفرحة هاتفًا
-: قبلت إذًا
-: أسمعت جيدًا ما قلته ؟
سألت بوجل من ردة فعله فأجاب بحرارة وصوته ينتفض من فرط ما به
-: سمعت جيدًا وأقسم ، أقسم لكِ أنني سأعوضك عن كل لحظة ، سأقتلع كل ذكرى سيئة لأبدلها بأخرى مليئة بالعشق ، أعشقك ملاك أعشقك
احمرت وجنتاها وهي تسبل أهدابها فضحك بقوة وصاح بأعلى صوته
-: أعشقــــــــــك
نظرت له بذهول وسرعان ما احتقن وجهها وهي تصيح به بخفوت
-: هل جننت !! هيا أرحل هيا
فضحك بقوة وهو يقول مبتسمًا
-: مجنون منذ زمن بعشقك حبيبتي
زمت شفتيها تمنع نفسها من الابتسام ثم قالت بجدية
-: هيا أذهب و أبحث عن غيث من فضلك وطمئنني
ابتسم وهو ينحني بطريقة مسحرية
-: أمرك يا مالكة القلب
ثم التفت مغادرًا بحيوية يكاد يقفز كطفل صغير حصل على حلواه المفضلة تاركًا إياها تغالب ابتسامتها بالقوة مع تصارع الراحة والقلق بداخلها غير عالمة أبعاد ما فعلت.......
**
خرج من الغرفة بابتسامة نابعة من القلب تخبر كل من يراه على الفور أن هذا الشخص عاشق ... عاشق حد النخاع ، ركب سيارته وهو يدندن بلحن مجهول الهوية متجهًا إلى الشركة ليرى غيث فطلبات مليكته واجبة التنفيذ ، وصل إلى المكتب وهو يدخل مبتسمًا ليجد ياسمين التي وقفت في استقباله قائلة
-: مرحبًا سيد زياد ، السيد غيث ليس بالداخل
عقد حاجبيه باستغراب متسائلًا
-: هل رحل منذ قليل ؟
فهزت رأسها نفيًا قائلة بهدوء
-: لا لم يأت منذ الصباح
تمتم في نفسه
-: غريب !!
لكنه شكر ياسمين على أي حال وذهب متجهًا لمنزله بالتأكيد هو هناك وأين سيكون إذًا ؟....
وضع أصبعه على الجرس مطولًا في حركة مزعجة ولم يرفعه إلَّا عندما رأي غيث العاري الصدر أمامه بملامح قلقة سرعان ما تحولت إلى منزعجة عند رؤية ابتسامته السمجة فتركه على الباب ودخل متجاهلًا إياه ليدخل زياد وراءه بلا اكتراث قائلًا
-: أين أنت أيها الشبح !! لماذا لا ترد على اتصالات أختك لقد أقلقتها ولماذا لم تذهب إلى الشركة ؟
ثم أخذ يتأمل مظهره المشعث وتلك الهالات تحت عينيه ! نظراته المنطفئة !! وأكمل
-: ولماذا مظهرك هكذا ما بك ؟؟ ما تلك الكدمات بوجهك وصدرك ؟
ارتمى غيث على المقعد خلفه بقوة وهو يقول كاذبًا محاولًا تصنع اللامبالاة
-: لا شيء شجار شارع مع أحد السائقين الهمجيين ، و أردت أن أرتاح اليوم من العمل حتى يطيب وجهي على الأقل
عقد زياد حاجبيه بعدم تصديق لكنه سرعان ما تجاهل الأمر فهناك شيء أهم يجب أن يخبر به صديقه ، فذهب يجلس بجانبه والابتسامة العريضة تربعت على شفتيه من جديد قائلًا
-: لدي خبر جيد ، جيد فقط !! لا لا بل الأجمل ، الأروع ، لقد عاد صديقك إلى الحياة يا صديقي
نظر له ببطء ، رغمًا عنه ذلك الجزء الأناني بداخله يحسد زياد على فرحته تلك ! زياد الذي لم يفرح من قلبه سوى مرات معدودة الآن يحسده !
لكن رغمًا عنه كلمته "لقد عاد صديقك إلى الحياة" ... آلمته !! ذكرته بموته البارحة ! ذكرته بأنه الآن ميت حي عالق بين السماء والأرض وما أصعب هذا الشعور ... شعور انسحاب الروح ببطء ... ببطء شديـــد من الجسد فلا تعرف أتتمنى عدم خروجها لتحيا .. أم تتنمى التعجيل به فترتاح من ذلك الألم القاتل ، بدون وعي ارتفعت يده تمسد موضع صدره وكأنه سيخفف ألمه ، وكأنه سيخمد النار التي تأكله .... أفاق على صوت زياد المنادي بقلق
-: غيث ! غيـــــث؟؟ أين ذهبت !
نظر له محاولًا الابتسام ، حاول بالفعل لكن كيف !! حاول إظهار أي من الحماس لكن جملته خرجت باهته مجردة من المشاعر
-: أي خبر ؟؟
عقد زياد حاجبيه متسائلًا بجدية
-: غيث ؟ أنت لست بخير !! ماذا هناك يا صديقي أخبرني
تنهد بقوة وهو يرد
-: لا شيء يا زياد ، قلبي فقط يؤلمني قليلًا ، مجرد وخزات بسيطة
ابتسم داخله بسخرية عندما سمع صوت زياد القلق
-: لابد أن نذهب إلى الطبيب إذًا ، إلَّا القلب ووجعه يا غيث
ابتسم ! ، حقًا ابتسم ابتسامة مرة بمرارة العلقم الذي ينضح من داخله وهو يهز رأسه موافقًا
-: نعم ، إلَّا القلب ووجعه
أسبل أهدابه يخفي وجعه ، يود لو يطرد زياد ليذهب خلف الخزانة ويبكي كما كان يفعل في صغره لكنه سأله مجددًا
-: أي خبر يا زياد أخبرني فأنا أريد النوم
ابتسم زياد مجددًا وفرحته تلهيه عما يحدث لصديقه ، فوثب متجهًا ناحية غيث يمسك بكتفيه قائلًا بسعادة
-: ملاك يا غيث ، لقد وافقت ، وافقت أخيرًا يا الله حتى الآن لا أصدق
نظر له غيث وهو يدور حول نفسه تقريبًا ، لا يعرف أين يذهب ولا ماذا يفعل من فرط فرحته ، سمعه يكمل
-: لقد أعطتني فرصة جديدة ، أعطتني الفرصة في العيش مجددًا ، سأحارب ماضيّ ونفسي لأجلها لكي أظفر بها وبقلبها آآه يا صديقي قلبي أنا من يؤلمني من كثرة دقاته الهادرة ، يريد الخروج والرقص طربًا
أنهى كلامه بأن ارتمى جالسًا بجانبه متنهدًا براحة تنهيدة تزامنت مع تنهيدة غيث الموجوعة ، كانا الشيء ونقيضه ، أحدهما في قمة السعادة والآخر في قاع التعاسة يتجرع مرارته رشفة رشفة ، كلاهما قلبه يتألم لكن ألم عن ألم يختلف !
لم يستطع غيث الإتيان بردة فعل أكثر من تربيتة صغيرة على كتف زياد مع عبارة مباركة باهتة
-: مبارك يا صديق فقط فلتكن على قدر تلك المسؤولية
نهض زياد بقوة قائلًا بوعد وعينيه تلمعان بوميض الحياة
-: أعدك يا غيث أنني لن أخذلها أو أخذلك أو أخذل نفسي قبلكما
هز غيث رأسه بالموافقة فنظر له زياد قليلًا قبل أن يقول
-: حسنًا أراك مجهد ، سأذهب لأطمئنها عليك و أنت فلتسترح اليوم في المنزل
أومئ برأسه مجددًا قبل أن يصيح زياد من أمام الباب
-: ولا تنس أننا سنذهب لطبيب القلب غدًا على أقصى تقدير
قالها وذهب مسرعًا يتصيد الفرصة لمكالمة ملاكه تاركًا غيث وراءه يبتسم بسخرية ولسان حاله يقول
-: وهل يوجد طبيب لأمراض قلبي ؟
**
استيقظت من نومها ، بل التعبير الأصح هو نهضت من على الفراش فالنوم لم يعرف لجفنيها طريق ، نهضت وهي تتأوه بألم ، تئن بوجع لا تعرف مصدره فكلها باتت .... وجع ! ألم جسدي مصدره يديه ، ألم داخلي مصدره كلماته .... الحبيب صار كل ما يعنيه الألم لها فماذا بعد !!
نظرت لنفسها في المرآة بنظرة ... ضعف ! نظرة لم تسمح لها بالسكن في عينيها إلَّا الآن وهي بمفردها ، نظرة انكسار تبعها عدد من العبرات غير متناهي حانثين بقسمها بعدم البكاء
شهقت وهي تترك لدموعها العنان مقربة وجهها من المرآة تتلمس مكان صفعته المزرقة ، شفتيها المتورمتين ، تمسد فروة رأسها مكان ما شدت يده على خصلات شعرها حتى قطع البعض منها في قبضته ، ابتسمت بسخرية وسط دموعها هامسة
-: آآه يا حبيب العمر ، يا لحبك العظيم
أخذت تتأمل مقلتيها المليئتان بالدموع ، تتذكر قوله حين همس في أذنها مصالحًا وهو يكفكف دموعها بكفه الذي صفعها "تبًا لغيث الذي يخلط صفاء فيروزتيك بدموع الحزن ، هذه العينان لم تخلق إلَّا لتسحرني وبئسًا لمن يبكيها"
تمتمت تردد كلامه وهي تمسح دموعها بقوة
-: بئسًا لمن يبكيها ، تبًا لك يا غيث
ذهبت وغسلت وجهها ثم غطت مكان الكدمات بمساحيق التجميل ، أتقنت رسم أجمل ابتساماتها على شفتيها وهي تنزل للجلوس مع والديها منحية كل مشاعرها جانبًا ، لا تريدهم أن يشعروا بشيء حتى تعرف خطوته القادمة.....
**
يشرب قهوته في المطبخ بجمود ، شارد في نقطة وهمية ، يتحسس وجهه بألم طفيف ، بالرغم من تورم وجهه إثر قبضة ذلك الحقير إلَّا أن ذهابه للعمل اليوم واجب أكثر من أي يوم آخر ، لكنه قبلًا أخرج هاتفه بتردد ، فتحه على رقمها ثم ضغط عليه بسرعة قبل أن يتراجع ... بينما هي كانت تجلس مع والديها عندما دق هاتفه ففتحته لتجد اسم "سيف" !!! تلبكت وهي تنهض بسرعة معتذرة من والديها اللذان أخذا ينظران لها بغير فهم ، وصلت سريعًا إلى غرفتها وردت بارتعاش يناقض كل تلك القوة التي تتصنعها فاتصاله هذا لا يعني سوى أنه علم .... بالتأكيد غيث ذهب له !
-: مرحبًا ... سيد سيف
أخذ نفسًا عميقًا ، يشعر بمشاعر حمقاء تجتاحه إثر نبرتها المرتعشة لكنه هز رأسه بسرعة وهو يرد
-: مرحبًا آنسة شغف !
ثم حل الصمت !! كلاهما لا يعرف بماذا يتكلم أو من أين يبدأ !! تخاف أن تعتذر له فيكون لا يعرف وتفضح نفسها وهو يخاف أن يجرحها أو يمس كرامتها خصوصًا بعدم فهمه الكلي للأمر ! ، لكنه أجلى حنجرته وقال أخيرًا
-: اممم لم تأتِ للعمل البارحة ؟ هل ستأتين اليوم ؟!!
أخذت شهيقًا وهي تدور في أنحاء الغرفة قائلة بنبرة حاولت جعلها ثابتة
-: لا .... إعذرني لن استطيع
تمتم بخفوت
-: نعم ... لا يهم
ثم صمت لثوان وألقى بجملته
-: لقد أتى السيد غيث للمكتب البارحة
كتمت شهقتها بيدها وعيناها تتوسع بينما هو أكمل بابتسامة ساخرة
-: تشاجر معي بقوة و أهانني ، قال أشياء تتعلق بكِ ، أخبرني أيضًا أن أخبرك أنه سيجعلك تندمين !!
صمت وهو يكشر عندما سمع صوت تنفسها العالي ويبدو أنها تغالب دموعها ، ماذا بها ؟ ماذا كانت ستفعل لو كان أخبرها حرفيًا بما حدث وبما استنبطه من حديث ذلك الأبله !!
لكنها أخذن نفسًا عميقًا وهي تقف أمام المرآة تزيح مساحيق التجميل من على وجنتها لتعطيها القوة
-: لا أعرف كيف أعبر عن أسفي سيد سيف ! أنا حقًا لا أفهم أبعاد الأمر للآن لكن يبدو أنه أحد يقصد تخريب حياتي و أوقعك حظك معي في تلك الدوامة ، أتأسف حقًا من كل قلبي وأعدك أن لا شيء سيصيبك بعد اليوم ، حتى أنا سأنتقل من الشركة كلها
عند تلك الكلمة انفعل وهو يقول بسرعة
-: لا
عقدت حاجبيها باستغراب لكن قبل أن تستفهم منه كان قد تدارك نفسه وهو يقول بهدوء
-: أقصد لا ، لقد كان هناك الكثير من الموظفين البارحة وإن انتقلتِ من الشركة أو المكتب حتى ستثبت عليكِ التهمة
شردت بنظراتها في المرآة وهي تفكر ... كلامه صحيح !! تبًا لك يا غيث
لكنها قالت بهدوء قدر الإمكان محاولة التماسك
-: حسنًا سيد سيف سوف أرى ، شكرًا حقًا لتفهمك ، إلى اللقاء
وأغلقت الخط في وجهه تاركة إياه ينظر للهاتف باستهجان سرعان ما تحول إلى ابتسامة شاردة صغيرة وهو يهمس بصوت مسموع
-: ماذا بعد يا شغف !؟
قالها ونهض يذهب للعمل ولم يرِ تلك التي جرت لغرفتها ودموعها تسيل بدون توقف ، ثم رمت نفسها على الفراش وهي تبكي وتشهق بوجع هامسة
-: سيتزوج !!