رواية ابتليت بعشقك الفصل الثامن عشر 18 بقلم بسنت علاء وبسمة عبد العظيم
رواية ابتليت بعشقك الفصل الثامن عشر 18
بعد يومين..
-: هل أنت جاهزة ؟
قالها مبتسمًا بحماس بعد أن دخل الغرفة ليجدها مازالت في نومتها على الفراش لم تبدل حتى ثيابها فعقد حاجبيه بتساؤل وهو يقترب منها
-: ماذا يا مالكة القلب ألا تودين الرحيل؟
أسدلت أهدابها قائلة بخفوت حزين
-: أين غيث ؟ لماذا لن يوصلني هو ؟
فابتسم وهو يقترب أكثر منها قائلًا بصوت مفعم بالمشاعر
-: أتبخلين عليّ بقربك مليكتي ؟ ، سيدتي لقد ترجيت غيث ليوم كامل ليعطيني شرف إيصالك للمنزل حتى وافق....
لن يخبرها بالطبع أنه لم يحتج أكثر من تكرار طلبه لمرة واحدة ليحصل على موافقة غيث الفورية بحالته الغريبة تلك ! فقط لو يعرف ماذا يحدث معه!!
رجع من شروده السريع على صوتها المتبرم
-: لا ... أنا أريد غيث ، هو أخي بالنهاية و سيـ..تحملني
عقد حاجبيه بعدم فهم ثم سرعان ما فهم ما ترمي إليه بكلامها ليستدير نحو الباب وبنبرة جافة يخاطبها
-: سأنتظرك خارجًا حتى تجهزين
ثم أغلق الباب بهدوء يناقض اشتعاله الداخلي معطيًا إياها الإشارة لتنهمر دموعها وهي تشعر بخطأ قرارها......
**
بعد قليل كانت قد بدلت ملابسها بمساعدة الممرضة التي ساعدتها أيضًا في الجلوس على الكرسي المتحرك والتي أخذت تتساءل عن سر بكاءها المستمر دون إجابة منها ، دخل هو ثانية متجهم الملامح حتى رآها في جلستها بملابسها الرقيقة الطفولية ، أيضًا ترتدي الوردي !! مصرة هي على الفتك بقلبه
اقترب منها وهو ينظم أنفاسه محاولًا القول بجفاف
-: جاهزة ؟
لكن حينما رفعت عينيها الحمراوتين إليه ذابت كل مقاومته وملامحه تتبدل على الفور من التجهم إلى الخوف سائلًا بسرعة ملهوفة
-: لماذا البكاء يا ملاك ؟
أسدلت أهدابها تحجبهما عنه فركع على ركبتيه أمامها ليكون في مستوى وجهها متسائلًا مرة أخرى
-: لماذا يا مالكة القلب ؟ لماذا تبكين ؟ ألم أخبرك أن دموعك تقتلني ؟
لم تستطع السيطرة على عبراتها بعد كلامه هذا فانهمرت دموعها مجددًا لتسمع تآوهه الحارق هاتفًا
-: أرجوك ملاكي إلَّا الدموع ، ألم نتعاهد ؟ لماذا حبيبتي !
كانت في أوج لحظات ضعفها فها هو راكعًا أمامها يطالبها بعدم البكاء بعدما كان متجهم الوجه لعجزها ! فهمست بدون وعي ما يجول بخاطرها
-: أنا ... عا...جزة ، لن ... تتحملني ، لا أريد لا ... لا أريد
قالتها و أخذت تشهق في بكاءها بألم مزق ضلوعه ، وكأنها تستلذ بعذابه ، بحرق أحشاءه على نار هادئة ، لم يستطع ألَّا يرفع كفيه محاوطًا وجهها ، يكفكف دموعها برقة تناقض جموح مشاعره في تلك اللحظة ، أخذ يهمس لها بكلمات رقيقة تارة ، يلثم كفيها تارة أخرى ، حتى هدأت وهي تستفيق لنفسها ووضعهما فهو مازال على نفس جلسته لم يتحرك إنشًا ، تزامن أخذهما لنفس عميق قال هو بعده بهدوء مزيف
-: لنتفق على شيء منذ الآن ، أنتِ لستِ عاجزة ، ألغي تلك الكلمة من قاموسك كما ليس لها وجود في قاموسي ، ملاك !
أخذ نفسًا عميقًا آخر يحاول تجميع تلك الكلمات التي بعثرتها ببكاءها
-: ملاك ، أنت من يمكن ألَّا تتحمليني ، يمكنك بعد حين اكتشاف مدى بشاعتي ، يمكنك عدم التعايش مع ماضيّ ، حينها ستتركيني ولن أكون قادرًا على لومك ،
أنت أهديتني فرصة للحياة ، كنت ميتًا فأحييتني بنظرة قبول منكِ لتتحول حياتي في ثانية من الرمادية إلى مشرقة زاهية بالألوان ، خاصة الوردي
قالها وضحك بتوتر قليلًا ثم أكمل بجدية مشددًا على كل حرف
-: جمعتي شظايا قلبي المفتتة بالرغم من أنها جرحتك كثيرًا ، فبالله عليك كيف تقولين هذا وأنا أدعي في كل يوم فقط أن تكوني لي سالمة آمنة من كل شر ، كيف فقط تفكرين و أنا يمكنني الموت من أجلك ، ملاك ... في حروف اسمك الأربعة تتلخص حياتي أتفهمين ؟
صمت لدقيقة يتأمل بركتا العسل في عينيها مبتسمًا ثم همس بوله
-: فالميم : مارد شرير جاءك ليتوب على يديك
واللام : لم ترديه بنقاءك
أما الألف : أحييته من جديد
و الكاف: كل شيء في حياته أنت
حدقت به بشفتين ترتعشان كقلبها ، غير قادرة على الكلام وماذا ستقول بعد تلك السيمفونية ، قلبها ليس في مكانه فقد طار محلقًا ، أسدلت أهدابها تحاول تنظيم أنفاسها ، ثم بعد دقيقتين همست بصعوبة
-: هل نرحل ؟
فوثب من مكانه مبتسمًا بارتعاش قائلًا
-: هيا
**
-: يا لوجعك أيها القلب
همس بها لنفسه وهو يرى معاناتها لدخول السيارة بمساعدة الممرضة و برفض قاطع منها أن يساعدها ، لم تسامح بعد ... تبخل عليه بلحظات قليلة من الحياة ، هو لا يشعر بالحياة إلَّا بها ومعها
آه كم أنت أناني يا زياد ! أتريد كل شيء دفعة واحدة ! ألم يتراقص قلبك فرحًا لإعطاءك الفرصة ومازال ؟ أصبر ... فمن يصبر ينول ... ينول ملاكًا ليس من دنيانا
نبهته من شروده تلك الممرضة وهي تخبره بابتسامة أنها بالفعل في السيارة ، شكرها ثم ركب السيارة ليجدها مسندة رأسها على الزجاج بجانبها شاردة الملامح بحزن ، فأمسك كفها المستريح على حجرها وهو يلثم باطنه ، قبلة ، اثنتان ، ثلاثة وهي لا تشعر به ، أيترك نفسه ليغرق في كفها مستغلًا الفرصة ؟ لكنه لا يعلم أي تهور سيصدر منه بعدها ، أخذ نفسًة عميقًا يهدئ ضربات قلبه ثم أخذ قراره وهو يفعل ما جعلها تصرخ بخفوت مخلصة كفها من حصار كفه بسرعة ، أخذ يقهقه على ملامحها الغير مستوعبة وهي تقول بغير فهم
-: هل قرصت باطن كفي للتو ؟
هز رأسه بالأيجاب غير قادر على السيطرة على ضحكاته فتكتفت وهي تزم شفتيها بقنوط ، هدأت ضحكاته تدريجيًا لتنتهي بتلك الابتسامة الحنونة على شفتيه وهو يراقب منظرها كطفلة صغيرة أُخِذت منها حلواها على حين غرة فاقترب قليلًا هامسًا بابتسامة
-: آسف
لم تلقي عليه بنظرة حتى فكرر أسفه مجددًا بابتسامة أوسع
-: آسف ، آسف يا مالكة القلب ، هل يمكنك إعطائي كفك لأعتذر منه كما يجب ؟
نظرت له بطرف عينها في توتر فقابلها بتلك النظرة التي تهد جميع حصونها ، لكنها أيضًا لم تتحرك ، فحاول هو الأخذ بكفها فلم تمانع لكن خصام نظراتها مستمر ، ملاكه تتدلل عليه وما أحب ذلك على قلبه ، أخذ يرسم بيده دوائر وهمية على كفها قبل أن يلثم باطنه من جديد ، قبلة طالت وطالت تلك المرة حتى ارتعشت أطرافها كما يرتعش قلبه ، لم يترك كفها إلّا بعد عدة قبلات صغيرة رقيقة أخرى قال هامسًا بعدها
-: تدللي ملاكي ، تدللي فالدلال لم يخلق إلَّا لك.....
أدار السيارة سريعًا وهو يتنهد حتى لا يتهور أكثر ، تاركًا إياها تحاول تنظيم أنفاسها متسائلة بذنب داخلها
"هل ما يحصل صحيح؟"
كان ينظر لها كل دقيقتين تقريبًا مبتسمًا بغير تصديق ، لم يتوقف عن فعل تلك الحركة حتى نهرته هاتفة
-: انتبه للطريق ، على ماذا تنظر !
فرد مبتسمًا بوله ناظرًا للطريق كما قالت
-: نظري إلى وجه الجميل نعيم
صمت قليلًا ومازال مركزًا نظره على الطريق وتحمد الله لذلك لكي لا يرى ماذا تفعل بها كلماته ، لكنه أكمل بنفس الابتسامة إن لم يكن أوسع وهو يوجه نظره إليها
-: أنظر لهبة من الله ، لعطية من السماء لا أستحقها ، لكن الله لطيــــف بعباده ، ألطف بي يا لطيف
قال تلك الأخيرة باحتراق عم السكوت بعده فقد كانت ضربات قلبهما تكفي.....
وصلا إلى المنزل فترجل من السيارة بهدوء وهو يأتي بالكرسي المتحرك بقلب ينعصر ليضعه أمام باب السيارة ، فتح الباب وبدون مقدمات وبدون تفكير منه هو شخصيًا كان يحملها خارج السيارة ، رعشة ! بل عاصفة ضربت قلبه وأطاحت به ! ، هل يحملها حقًا ؟ تلك هي رأسها القريبة لموضع قلبه !! أجسدها هذا الملتصق بجسده !! يوم العجائب هو هذا ، يخاف ألا تتحمل طوفان المشاعر المتأجج بداخله دائمًا ، استفاق من نشوته على صوتها المتذمر وهي تضربه في كتفه
-: أجننت يا زياد كيف تحملني هكذا أنزلني فورًا !
نفذ طلبها وهو يجلسها على الكرسي هامسًا كالمغيب لعينيها
-: يا ليتني فقط أحملك طوال العمر كما أحملك في قلبي من زمن....
حسنًا ! تعترف بقدرته الفائقة على إسكاتها دائمًا وبعثرة كلماتها كطفلة في الخامسة ، صمتت وهي تخفض رأسها مقسمة ألَّا ترفعها إلَّا بداخل المنزل فاستجاب لطلبها الصامت وهو يدخلها للمنزل مبتسمًا ، يريد الجري ، القفز ، يريد مكبر صوت ليقف على أعلى قمة في العالم صارخًا بعشقه لكن صبرًا يا زياد ... فقط صبرًا
**
قبل قليل...
تدخل إلى الشركة برأس مرفوع ، ابتسامة رسمتها صباحًا بأدوات التجميل على شفتيها وهي تخفي الآثار المتبقية لقلبلته ! ، فور أن خطت إلى الداخل حتى التفت كل الرؤوس إليها وبات الكل محدقًا بها ، همس من هنا ، غمز ولمز من ناحية أخرى ، يتهامسون في أذنها عنها ! ، عن تلك الموظفة التي تشاجر من أجلها اثنان من المدراء والتي اكتشفوا بنوتها لجمال الهواري ! ، حثت خطاها أكثر نحو المصعد حتى دخلته ، تنفست الصعداء ما إن أُغلِق بابه وهي تمسح بعض الدمعات التي كادت أم تتسلل من عينيها ، ثم نظرت في المرآة ترسم ابتسامتها من جديد ، تقوي نفسها فهي لم تقابل سيف بعد ، ويجب أن تكون مستعدة له....
**
كان جالسًا يعمل بنصف ذهن ، فلا خبر عنها منذ مكالمتهما ، بينما هو غير قادر على الاتصال بها ، هل هي بخير ؟ أم أن ذلك الحقير فعل بها شيئًا سيئًا !!!
ضرب بيده بقوة على المكتب وهو يزفر بحنق ، سمع صوت فتح الباب فخرج ليرى من فكانت ... هي ! هل شعرت به أم ماذا ؟
كانت كما هي برأسها المرفوع وابتسامتها الدبلوماسية ، لكنه لاحظ وهج عينيها المنطفئ ، أعجبته قوتها بالرغم من كل شيء ، يستعجب أنه لم يأخذ الأمر بمنظور الرجل الصعيدي الشرقي هذه المرة ونظر له على أنه عدو يريد التفرقة بين حبيبين ، ربما سيجمع حبيبين آخرين دون أن يدري!
بابتسامة دبلوماسية تخفي دواخله رحب بها
-: مرحبًا آنسة شغف ، أنرت المكتب من جديد
ابتسمت ابتسامة صغيرة مع عبارة شكر باهتة وهي تتحاشى النظر إلى عينيه في خجل كان واضحًا له !
فأخبرها بتلك النبرة العملية متحاشيًا ذكر الأمر
-: مستعدة للعمل ؟
أومأت بالأيجاب وبداخلها امتنان كبير له على عدم إحراجها أو التطرق للموقف لكن فرحتها لم تدم كثيرًا عندما طرق باب عقلها أنه عاجلًا أو آجلًا سيتكلم لا محالة ، لكنها نحت أفكارها جانبًا وهي تجلس على مكتبها وتبدأ في تفحص الملفات التي جلبها منحية كل مشاعرها جانبًا ، متجاهلة ذلك الألم الذي يحرق أحشاؤها حتى وهي بعد أن باتت رمادًا.......
**
شركة الهاشمي الفرع الرئيسي.....
يعمل .... يدفن نفسه في العمل بمعنى أصح ، يحاول برمجة عقله على عدم التفكير مطلقًا ، يمنع عينيه من النظر في أنحاء المكتب ، يمنعهما من النظر لبنصره الفارغ ، لكن كيف سيمنع قلبه من النبض بإسمها ؟ كيف سيمنعه من الاحتراق ، الوجع ، كيف سيخمد تلك النار داخله !! كيف يمنع نفسه من تذكر كل شيء ، كل صورة ، كيف يسكت ذلك الصوت في عقله الصارخ ليلًا نهارًا بأنها خائنة !! كيف سيذهب إلى بيت خاله ؟ كيف سيراها من جديد ؟ بل السؤال الأدق ... كيف سيكون عندما يراها ؟
كيف وكيف ومع كل كيف تغرز سكينًا جديدًا في قلبه حتى لم يعد فيه مكان
صفق بيده بقوة على المكتب وهو يتأوه رافعًا رأسه إلى السماء
-: يا الله أرحمني
ثم رفع سماعة الهاتف مخاطبًا ياسمين بحدة
-: كوب قهوة آخر
ثم أغلق الهاتف دون سماع ردها وهو يخرج سيجارة وجد بها رفيقًا بعدما حدث يحرق بها غضبه ، يحرق بها داخله وكأنه ينقص !
بعد قليل دخلت ياسمين حاملة كوب القهوة لتسعل بسبب الدخان قائلة من بين سعالها
-: سيد ... غيث .. ما كل هذا الدخان؟؟
كان يناظرها بجمود وهو يخرج سيجارة أخرى لكن قبل أن يضعها في فمه كانت وبتهور غير محسوب قد سارت نحوه بسرعة واختطفتها من بين أصابعه بملامح حازمة
-: ستقتل نفسك هكذا سيدي ، لا أراك إلَّا تدخن وتشرب القهوة ! هذا لن يغير شيئًا من الواقع ، سيضرك زيادة فقط !
أخذ ينظر لها بذهول قليلًا لما فعلت ! لجرأتها معه في الحديث ومحاسبته على أفعاله ! من هي لتفعل ذلك ؟
كان سؤاله قد تُرجِم على لسانه باستهجان فتلبكت وهي تقول بتلعثم
-: آ... لقد قلقت عليك فقط سيدي ، أعرف أنك تفعل هذا بنفسك بسبب .... ما ... حصل لكنه لن يغير شيئًا فأرجوك أنس وعش حياتك.....
تضغط على ضعفه ، على رغبته بإخبار أي شخص بما يجول بداخله ، رغبته المستحيلة فلا أحد غيرها يعرف بعاره الأكبر ، أشار لها بالجلوس فجلست بتوتر أثناء سؤاله لها
-: ماذا كنت لتفعلين إن كنت مكاني ياسمين ؟ لقد سمعتِ ماذا حدث يومها بالتأكيد هل ترينني مذنب ؟ قاسي عديم الآدمية ربما؟
قالت هي على الفور وبدون تفكير
-: بالعكس سيدي ، أي رجل في موقفك كان سيفعل أضعاف ما فعلته ، يكفي أنك سترت عليها ولم تفضحها
ثم صمتت قليلًا وأكملت بخفوت وهي تسدل أهدابها
-: لا استطيع استيعاب أن تفعل ذلك فقط ! لم تظهر لي أي شيء ! كانت طبيعية تمامًا طوال الفترة الماضية
مقلتاه كانتا متحجرتان بلا تعبير معين وهو يسأل بصوت مظلم
-: ألا تعرفين أخبارها ؟ ماذا تفعل ؟
فردت بسرعة وانفعال
-: لا أعلم عنها شيئًا ، للأسف لقد قطعت كل صلة لي بها ، أعذرني سيدي...
تنحنحت بخجل قبل أن تقول بخفوت ناظرة أرضًا
-: من تكون الخيانة في دمه يصعب بل يستحيل التعايش معه وهي .... خانت خطيبها ... ألن تخون صديقتها ؟!
حقها ... حقها أن تهينة في رجولته ولا يستطيع الرد فكل شيء حدث أمامها ... انكساره كان أمامها ، هو من فتح باب الحديث ذاك منذ البداية وهو من سيغلقه ، ضرب بكفه على المكتب بخفوت وهو يقول مخرجًا سيجارة أخرى
-: حسنًا يا ياسمين تسطيعين الخروج
فوقفت وبتذمر طفولي كان دخيلًا على الموقف قالت
-: سجائر أيضًا !! سأجعلك تقلع عنها
رمت بجملتها وسارت مهرولة نحو الباب تاركة إياها وراءها يناظر طيفها المختفي وراء دخان سيجارته بشيء من الشرود غير محدد المعالم
**
تهرول نحو الباب ما أن حل موعد الانصراف لكن صوته المنادي أوقفها
-: شغف !!
التفتت له بخوف أخفته جيدًا لتجده مترددًا هو الآخر لكنه دخل في صلب الموضوع مباشرة
-: تلك الصور ! والفيديو
أخفضت رأسها تجمع شتات نفسها ثم رفعتها وهي تقول بهدوء
-: أكرر اعتذاري ثانية يا سيد سيف وأعدك أنها لن تسبب لك أي ضرر ولن تنتشر في أي وسط
لكنه هز رأسه نافيًا
-: لا ! كنت فقط أريد أن أعرف تأثيرها عليك ، هل ... مازلت مخطوبة لغيث هذا؟
فردت بقليل من الحدة
-: بعد إذنك سيدي أنه شيء شخصي ، أعذرني !
قالتها وهي ترحل تاركة إياه ينظر إلى عنفوانها بحسرة فبعد كل ما حصل لايزال يستطيع رؤية حبها لهذا الاحمق !
**
دخل إلى المنزل صافقًا الباب كعادته ليعلمها أنه أتى بدون كلام ، مازالت تتحاشاه وتتعامل وكأنه ليس موجودًا ... على قدر ما يريحه هذا إلَّا أنه يزعجه لأبعد حد .... فك ربطة عنقه زافرًا بقوة وهو يتجه إلى المطبخ ليأكل الطعام المعد والجاهز كما تعده كل يوم له ، لكنه تفاجأ بها تدخل عليه بتوتر ، تفرك كفيها وتناظره بشك ودموع تلمع في مقلتيها ، تجاهلها هو هذه المرة وهو يصب كامل تركيزه على الطعام وكأن حياته فيه في حركة مكشوفة ، لكنها جلست أمامه على الطاولة ، أخذت تفتح فمها ثم تغلقه عدة مرات ، الكلام صعب ، صعب عليها جدًا بالرغم من تدربها على قوله عشرات المرات أمام المرآة !
كان يناظرها بطرف عينه والفضول يعصف به منتظرًا ماذا ستقول ويوترها هكذا إلى أن قالت ما جعل الملعقة تتوقغ في نصف الطريق إلى فمه
-: سيف ! أنا أريد الطلاق....
عم الصمت ! تكاد تسمع صوت صرصور الحقل يرن في أذنها
تريد أن تضحك بل تقهقه لمنظره وهو محدق بها في ذهول هكذا ومازال ممسكًا الملعقة بتلك الطريقة لكن فجأة .... ارتطمت الملعقة بالأرض ليهب هو واقفًا ويصيح بصوت أفزعها
-: تريدين ماذاااااا ؟
انتفضت من صوته ومظهره بعروق رقبته التي نفرت وتوحش ملامحه لكنها قامت تقول بارتعاش موجوع
-: الطـ...لاق ، أنت ... ستتزوج على أي ... حال فماذا ... يهمك ؟؟
فصاح بها بصوت أعلى وهو يضرب بيده بقوة جعلت بعض الأطباق تسقط من على الطاولة لتعم فيه فوضى كالتي بداخل كل منهم حاليًا
-: ماذا ؟ سأتزوج !! وحتى إن كنت سأتزوج ... ماذا بها ! أنت تعرفين هذا منذ بداية زواجنا ولم تعترضي ! ماذا حدث الآن لتغيري رأيك هكذا ؟!
فضربت هى الأخرى على الطاولة صائحة بحرقة دون أن تشعر بدموعها التي تتساقط
-: لا ... تغير كثير ، أنا لن أقبل أن تكون بين أحضانها تاركًا إياي هنا لا مستحيل
صمتت لثوان تتنفس بقوة ثم قالت بصياح أعلى وهي تشوح بيدها
-: أنا لست دميتك !
لست مزهرية بالبيت أو إيطار للزينة لقد تعبت أقسم أنني تعبت ، تتجاهلني وكأنني خادمتك و احتمل ، تهين وتجرح وأنا صابرة ... راضية بما قسمه الله ، لكن أخبرني ! ماذا فيها وليس فيّ ؟ الجمال؟ أعرف أنني لست جميلة لكن هل سنوات عمرك الخمسة وثلاثين الذين تتغنى بهم سيجعلوك تتزوج إمرأة لشكلها فقط يابن العم ؟
صمتت تلهث ودموعها تغرق وجنتيها ، ضربات قلبها توجع صدرها وهي تشعر بالأرض تميد بها لكنها صامتة فهي ستفضي بكل ما في جعبتها الآن وليحدث ما يحدث !
اتجه نحوها بهدوء ، خطوات متمهلة مليئة بالشر جعلتها تتراجع للخلف وقلبها يهبط في صدرها فقال بصوت خفيض ومازال يتقدم نحوها
-: أتهينني يابنة العم ؟ لا بل سأتزوجها لأنها إمرأة أُعجبت بها وليست طفلة فُرِضت عليّ ، أفهمتي ! سأتزوجهااااا
قال تلك الأخيرة صائحًا في وجهها بقوة لتسقط في حينها فاقدة الوعي بين ذراعيه تزامنًا مع صرخته الجزعة بإسمها
-: سنااابل !!
**
دق جرس الباب ليفتحه غيث الذي مازال بملابسه الرسمية الخاصة بالعمل ورائحة الدخان تفيح منه !
نظرت له ملاك وهي تدخل للمنزل بعتاب قابله بابتسامة مرتعشة وهو يميل نحوها مقبلًا رأسها محتضنًا إياها بقوة قائلًا بحنان
-: حمدًا لله على سلامتك حبيبتي ، كان البيت مظلمًا بدون ورديتك ، اشتقت إليك
أخفضت رأسها قائلة بتبرم
-: نعم ، واضح لأبعد حد اشتياقك ، أتتركني آتي للمنزل بمفردي يا غيث ؟
تدخل هنا زياد محاولًا تلطيف الأجواء
-: وهل أنا كيس من الفواكه يا أخت ملاك ؟ راقبي ألفاظك جيدًا...
لم تكد ترد عليه حتى دق هاتف غيث فأخرجه ليفتحه برتابة وهو يرد ، لكن سرعان ما ارتسم الذعر على وجهه هاتفًا
-: ماذا ؟ أنا قادم في الحال
ثم خرج جريًا دون أي كلمة إضافية تاركًا زياد وملاك محدقين في طيفه بذهول ، لكن سرعان ما قطعه زياد قائلًا بتوتر محاولًا الابتسام
-: لا تقلقي ملاكي بالتأكيد سيأتي في الحال
ثم ذهب يجلس بعيدًا عنها بمسافة كافية لتطمئن ، وسرعان ما دق جرس الباب فابتسم هاتفًا
-: ألم أخبرك ؟
نهض متجهًا نحو الباب يفتحه بابتسامة قلقة ، لكن ما ان فتح الباب وجد من يركله بقدمه للخلف ويدخل سريعًا مشهرًا مسدسه نحوه هاتفًا بابتسامة
-: الأحبة مجتمعون يالهنائي!!
يتبع الفصل التاسع عشر اضغط هنا