رواية ابتليت بعشقك الفصل العشرون 20 بقلم بسنت علاء
رواية ابتليت بعشقك الفصل العشرون 20
-: أريد أن أرى سامر يا غيث !
نظر لها بتشوش و عدم فهم وهو يهز رأسه مستفهمًا
-: سامر ؟؟ لماذا !
انفعلت الأخرى على غير عادتها وهي تشوح
-: أريد أن أراه فقط يا غيث بدون لماذا هل ستأخذني أم لا؟
هز رأسه موافقًا ليقول بعدها
-: حسنًا ، لكن ليس اليوم بالتأكيد ربما غدًا أو بعد غد سأرى
هزت رأسها موافقة بالمقابل وهي تتجه بكرسيها لتجلس أمام غرفة زياد فجلس بجانبها مسندًا مرفقيه إلى ركبتيه بهم قائلًا بصوت خفيض نادم
-: آسف ملاك !
تنهد بقوة وهو يغمض عينيه لعله يحجب عن تفكيره صورة فيروزتاه المجروحتان ، اللتان لم يعودوا فيروزتاه بعد ....
-: آسف حبيبتي ، لقد كنتِ محقة ، أنا أرحل دائمًا ، دائمًا لا أكون موجودًا بجانبك ، و دائمًا ما أقسم بعكس ذلك وأحنث قسمي ، دائمًا ما أعدك وأخلف وعدي سامحيني...
أغمضت عينيها بقوة وهي لا تعرف من أي جهة يأتيها وجع القلب ، يا الله ألن ترتاح يومًا؟
كفكفت دموعها التي سقطت لكلامه لتقول بعدها مصطنعة القوة والهدوء
-: ليس ذنبك يا غيث ، المهم الآن هو أن أرى سامر ، أريد أن أخلص زياد من كل شيء ، أريده عندما يستيقظ أن يرتاح فكفاه وجعًا
هز رأسه موافقًا منحيًا ألم قلبه جانبًا لتجاهلها كلامه ليقول بتساؤل
-: حسنًا ، ألن تذهبي للمنزل لتبدلي ملابسك حتى؟
هزت رأسها نفيًا بقوة
-: أحضر لي ملابس من فضلك ، لن أتحرك من هنا ، يجب أن يجدني عندما يستفيق
هز رأسه موافقًا وهو ينهض ملقيًا عليها نظرة أخيرة قبل أن يرحل محني الكتفين فها هي حياته تنهار شيئًا فشيئًا وهو يلعب دور المتفرج بكل حرفية
**
اليوم التالي.......
قال بحنق شديد وعدم اقتناع وهو يوقف السيارة
-: أنا لا أفهم سر زيارتك لهذا القذر ؟ هل حقًا تطيقين رؤيته بعد ما فعل !!
أريد أنا أفهم ملاك ... والآن !
أنهى كلامه بحزم جعلها تنظر له بقلة حيلة قائلة
-: ألم تخبرني أنك لا تعلم عنوان بيت أهل حياة الجديد؟
هز رأسه موافقًا ببطء لتكمل
-: ألم تخبرني أيضًا أنك لم تجد لهم أثر في المدينة ؟
هز رأسه ثانية بالموافقة فتنهدت قائلة
-: بالتأكيد أنا لا أطيق سامر ولو الأمر بيدي لقتلته على ما فعله لكنه قريب حياة ، بالتأكيد لديه معلومات عن أهلها ، وقد جلبتك وجئت اليوم لعله يقبل أن يخبرني أي معلومة عنهم
هز رأسه نافيًا ليقول
- بعيدًا عن أن سامر لن ينطق بحرف وهذا ما أنا متأكد منه ، لماذا تريدين الوصول إلى أهلها؟
-: لا أعلم بعد ماذا سأفعل لكني يجب أن أخلص زياد من ماضيه بأي طريقة كانت وأشعر أنهم سيفيدوني....
رغم أن أغلب كلام أخته أحلامًا وردية إلا أن قلبه آلمه لنبرتها العاشقة التي لا تستطيع التحكم بها وهي تفعل كل ما في وسعها لأجل الذي تحبه ، أومأ لها بالموافقة مع ابتسامة صغيرة ليترجل من السيارة متجهًا لها ولسان حاله يردد بألم
"كم أنت محظوظ بها يا زياد"
**
يده مكبلة بيد الضابط ، يناظرهم بكره وحقد أسود كسواد قلبه ، عيناه كبركتان من الدماء والهالات السوداء تحفر تحتهما بعمق ، بعض الشعيرات النامية في ذقنه مع شعره المشعث من تحت رباط رأسه مكان جرحه لتكتمل هيئته التي تفصح عن مدى عذابه بعيدًا عن حياته بالخارج ، بعيدًا عن مخدره الذي يئن وجعًا كل ليلة مطالبًا به...
وصل إليهما ليبتسم ساخرًا كعادته موجهًا كلامه لملاك
-: هل اشتقتِ إليّ بهذه السرعة يا جميلة؟
فهتف غيث بحدة وهو يهب من مجلسه
-: سامر ، احترم نفسك والمكان الذي أنت متواجد به
أمسكت ملاك بكفه وهي تناظره مترجية فجلس حانقًا يزفر بقوة ليضحك سامر بقوة هاتفًا باعتذار متملق ساخر ليسمع ملاك تهاتفه محاولة الهدوء
-: سامر ، أنت أصبحت في السجن الآن وستقضي به مدة طويلة ... جدًا ، لذا أسألك أن تفعل شيئًا واحدًا جيدًا ، من فضلك ... أريد أن أعرف مكان بيت أهل حياة الجديد !
كان مبتسمًا بهدوء وكأنها لم تقل شيئًا ليضحك بخفوت بعدها وهو يهز رأسه، ضحكة تحولت إلى قهقهات هيستيرية وهو يضرب بيده على ركبته من شدة الضحك حتى أنهاه بسعال قوي ليقول بعدها باستخفاف وهو يمسح دموعًا وهمية سببها ضحكه
-: هل حقًا جئتِ لهذا ؟ لا أصدق !!
لتتحول ملامحه الساخرة إلى أخرى حاقدة كارهة قائلًا بفحيح
-: كم أنك غبية لتظني أنني سأساعدك أو أخيك الأحمق ! لو كان بمساعدتك ستفتح لي أبواب السماء والله لن أفعلها!
أمسكت ملاك بساعد غيث مهدئة إياه قبل أن ينهض ثانية ويتهور عليه لتقول بعدها في محاولة أخيرة
-: أرجوك يا سامر ... ألا تريد لحياة أن ترتاح بقبرها ؟ ، أرجوك...
فضحك ثانية بقوة هاتفًا بحرقة مخفية
-: ترتاح ؟ تلك الفاسقة الخائنة لا تستحق سوى العذاب وكم أتمناه دائمًا لها ، كما أتمناه لكم جميعًا...
فلا تعرفين كم فرحتي الآن لرؤية الوجع في أعين كل منكما ، أنت تترجيني متذللة إليّ ، عاجزة على كرسي متحرك ، لم أكن أنا سبب ذلك لكن أشكر القدر في الحقيقة ، زياد القذر والرصاصة تخترق صدره كان من أجمل ما رأيت ... لم آخذ حقي منه كاملًا لكن لا بأس ، حتى هذا الأحمق بجانبك تلاعبت به !
قالها وهو يشير برأسه إلى غيث ثم اقترب بجسده قليلًا قائلًا بتلك الابتسامة المنتصرة الشامتة
-: ما رأيك في الصور ومقطع الفيديو يا غيث ؟ رائعين صحيح ؟ وعاليين الدقة أيضًا ، لم تتغير ! أحمق وغبي كما أنت ، كالطفل الصغير يصدق أي شيء يراه !
كان يتكلم سريعًا بهيستيريا ثم أخذ يقهقه بقوة على ملامح غيث التي تكسوها الصدمة ، بينما غيث كان في عالم آخر ... هل يقصد ما يقوله !! هل....
-: دمرت حياتكم جميعًا وقمت بمهتمي فأهلًا بالموت أو السجن أو أي مصير آخـ......
لم يكمل حينما قاطعته لكمة غيث التي أوقعته أرضًا من مجلسه والضابط بجانبه ليمسك بتلابيبه مقيمًا إياه لكن قبل أن يسدد له المزيد كان رجال الشرطة والعساكر قد فصلوهم وهم يخرجوا غيث الذي لم يتوقف عن السباب هو وملاك خارجًا بحدة بينما تجلجل ضحكات سامر الهيستيرية وهت يتجه إلى زنزانته فها قد حصل على انتقامه أخيرًا.........
**
أدخلها للسيارة بصعوبة فهو لا يستطيع السيطرة على ارتعاش جسده !
فكرة أن تكون شغف بريئة عصفت به ! هل يمكن حقًا !! هل يمكن أن يكون فعل ما فعله من أجل سراب !
هل كان مغيب العقل لتلك الدرجة ! ، قليل الثقة في ابنة خاله قبل أن تكون حبيبته لتلك الدرجة !!
طفل هو .... طفل غبي كما قال سامر !
لكن يجب أن يتأكد أولًا ولأول مرة ورغم صعوبة الأمر يتمنى أن تكون شغف مذنبة !!
جلس بجانبها في السيارة صامتًا يرتعش ، يمسك المقود ليرجع ويتركه لا يستطيع تشغيل السيارة فسألته ملاك بقلق وهي تضع يدها على كتفه
-: ما بك غيث ؟ ما الذي قاله سامر وجعلك هكذا ؟ أي صور وأي مقطع تحدث عنه ؟
نظر لها بأعين دامعة ليقول بصوت مختنق وهو يسند رأسه على المقود
-: يبدو أنني ارتكبت أكبر حماقة في حياتي يا ملاك ، حماقة ستودي بي إلى الموت مباشرة !
**
اليوم التالي....
طرقات على الباب يحفظها جيدًا فسمح للطارق بالدخول وهو يسند رأسه إلى مكتبه بهم وتعب.....
دخلت ياسمين تحمل قهوته لتضعها على المكتب بأدب هامسة بتساؤل
-: سيد غيث ! ما بك ؟
رفع رأسه مشيرًا لها بالجلوس قائلًا
-: غيث فقط ياسمين ، لا داع للألقاب بيننا....
حدقت فيه باندهاش قليلًا لتومئ أخيرًا برأسها موافقة بابتسامة خفيفة ليقول هو
-: أما بالنسبة لما بي فهي مصيبة ! ، إن شغف بريئة !
حدقت به بذهول وقد ضربت رعشة عامودها الفقري فخرجت الكلمات منها متقطعة لا تكاد تُسمَع
-: كـ...يف ؟ كيف ... بريـ...ئة !!
نهض من مكانه وذهب ليجلس أمامها ثم وضع رأسه بين كفيه قائلًا بألم
-: اكتشفت البارحة فقط ذلك ، لا أعلم كيف ستسامحني لما فعلته بها إن كنت استطيع مسامحة نفسي حتى !
وثبت من جلستها هاتفة بتقطع
-: كيف بريئة يا غيث ؟ لقد ...خانتك ، أتتذكر ؟ إنها خائنة ، لا توجد في مثل هذه الأشيـ...اء بريئة أو ... مظلومة !
رفع وجهه إليها قائلًا بهدوء غريب
-: إهدئي واجلسي فقط ، أنا فقط أريد غفرانها من أجل خالي ، وهي أيضًا ابنة خالي في كل الأحوال !
نظرت له بعدم فهم لاهثة تحاول مواراة خوفها ، بل رعبها مما يمكن أن يحدث لتسمعه يكمل
-: إنما تلك الفترة التي مرت أثبتت لي أنني لا أحبها ، بل لم أحبها يومًا !
حدقت فيه بذهول فاغرة فاها ليهز رأسه مؤكدًا وهو يبسط كفيه
-: أنها الحقيقة ، لكنني أيضًا اكتشفت أنني ... أحبك أنت ياسمين !
تجمدت مكانها غير مصدقة لما يقوله ! هل حقًا تحققت آمالها بتلك السرعة !! هل أوقعته حقًا في شباكها بعدما انتزعت حب شعف من قلبه !...
أما هو فنهض متجهًا إليها ممسكًا بكفيه ذراعي الكرسي مقربًا وجهه منها فباتت محتجزه بين ذراعيه ليقول بخفوت مغوٍ ناظرًا إلى عينيها
-: نعم أحبك ياسمين ، و أنت ؟ ألا تحبينني ؟
هزت رأسها إيجابًا بقوة هاتفة بهمس متقطع
-: أحـ...بك ، أحبك غيث
ابتسم قليلًا ليقترب بوجهه من عنقها مستنشقًا عبيرها هامسًا هناك
-: أريدك ياسمين ، و أنت ؟ ألا تريدينني ؟
قالها ثم قبلها على وجنتها بتمهل لتهز رأسها أكثر قائلة
-: أريدك غيث ، أريدك جدًا !
-: إلى أي حد تريدينني ؟
همس بجوار أذنها بإغواء لتفك أول زرين من قميصه بتهور ممررة يديها على عنقه هامسة
-: إلى أبعد حد !
قبلها ثانية على وجنتها هامسًا في أذنها
-: إلى الحد الذي تبعدين به خطيبتي عني ؟
تجمدت يداها على عنقه ، بل تجمدت كلها هامسة
-: ماذا ؟
قبلها ثانيًا على وجنتها هامسًا وهو يعطي صوته أكبر قدر يستطيعه من العاطفة
-: لا تخافي حبيبتي فلا أعلم كيف أشكرك لهذا ، لقد أزلتِ غمامة الحب المزيف من على عينيّ لأرى حبك الحقيقي...
لانت ثانية بين ذراعيه لتقول بذات الهمس المتقطع ويداها تصبح أكثر تهورًا وهي تفتح ثالث زر تريد إزاحة قميصه عنه
-: نعم يا غيث ، أبعدتها عنك ... أبعدتها عنا فهي تستأثر بكل شيء لنفسها حتى الذي أحبه أخذته مني....
-: أوووه حبيبتي كم أنتِ مظلومة !!
قالها بأسف ليكمل هامسًا بعد أن قبلها ثانية لكن تلك المرة في عنقها
-: من صنع الصور والفيديو أنت أم سامر ؟ تلجلجت ثانية فرفع كفه يحتضن وجنتها هامسًا
-: أخبريني ... لا تخافي حبيبتي ألست حبيبك ؟
هزت رأسها إيجابًا وعيناها متعلقة بعينيه لتهمس بخوف لم يزُل بعد
-: هـ...و ، هو من صنعهم وجعلني أرسلهم لك ، و أعطيه معلومات عن ... غيرتـ....ك من سيـ...ف !
أنهت كلامها بهمس خفيض ليثلج صدره ويحتدم نيرانًا ، وتتحول في ثانية ملامحه المليئة بالعاطفة إلى أخرى مليئة بالتوحش ، عيناه التي كانت تشع حبًا كاذبًا باتت تشع كرهًا صادرًا من أعماق قلبه ، يده التي كانت تحتضن وجنتها باتت تحتضن خصيلات شعرها ، بل تقبض عليها بقوة حتى كادت أن تنتزعها وهو يصيح بقوة
-: أيتها القذرة ، بعد أن انفجر عقلي من التفكير لليلة كاملة لم يبق أمامي إلّا صورتك وقد صدقت ، هذه القذارة لا تصدر إلَّا منك ، تخونين صديقتك !! صديقة عمرك ! أهذا ذنبها أنها تفضي لك بمكنونات صدرها معتقدة أنك ستصوني سرها ... لم تكن تعرف أصلك القذر !
لم تكن تفهم شيء ولا تشعر بشيء سوى بشعرها في قبضته ، سرعان ما استوعبت الأمر لتنظر له برعب محاولة النفي ، لكن أي نفي وهي قد أفضت بكل شيء كالبلهاء بمجرد قبلة على وجنتها ! سمعته يقول بحسيس مرعب وهو يقرب وجهه من وجهها
-: لقد أقسمتِ لي بأنك لا تعرفين شيئًا وأنا صدقتك ! صدقتك لأنني غبي ، غبي...
كان يهتف بهياج وهي يرمي بها لتصطدم بالزاوية متأوهة فحجزها بها هامسًا بحرقة
-: دمرتِ عالمي كله ، أخبريني ماذا أفعل بكِ ؟ أي عقاب سيكون هين لما فعلتيه !
فصرخت به بتهدج ودموعها تجري كالأنهار على وجنتيها
-: لا تلعب فقط دور المظلوم فلا يليق بك ، أنا لم أفعل شيء سوى إلقاء الطعم وأنت بكل غباء التقتطه ، بكل غباء لم تثق بحبيبتك وابنة خالك قبل كل شيء ، بكل غباء ضربتها وأهنتها في مكتبك وربما كنت تحتجزها في الزاوية مثلي هكذا ، أنت غبي عديم الثقة يا غيث ، فلا تأت الآن لتلقي كل اللوم عليّ ، لو كان حبك من القوة الكافية لكنت سألتها حتى أو انتظرت لتسمع منها !
تجمدت عيناه بألم وكل كلمة تقولها تطعن في صدره كخنجر حاد يمزقه ، كل كلمة قالتها صحيحة ، هو الغبي عديم الثقة الذي فور أن رأى صدق وكأنه كان منتظرًا أي شيء يثبت خيانتها ، هو القذر الخائن وحبيبته البريئة....
في خضم رثائه لنفسه كانت ياسمين قد تملصت من بين ذراعيه وفي طريقها للهروب لكنه أمسك بساعدها بقوة جعلتها تتأوه ليهمس بشر وعينان مظلمتان
-: أرحلي ، أهربي وأحذري أن أراك أنا أو شغف أو أي من معارفنا صدفة ، إياك ان تحاولي حتى الاقتراب ، حقًا وقتها لن أرحمك ، خذي عائلتك التي هي سبب رحمتي لك وأرحلي
أنهى كلامه ليقربها منه صافعًا إياها بقوة هامسًا بألم لعينيها المذهولتان الممتلئتان بالدموع
-: أنا و أنتِ ندين لها بهذا !
ليلقي بها لتسقط على الأرض ثم تنهض مهرولة للخارج تتلمس نفسها بغير تصديق أنها خرجت قطعة واحدة وهي تعزم على تنفيذ ما أمرها به....
أما هو فسقط جالسا دافنًا رأسه بين ركبتيه ليشهق باكيًا بحرقة ، باكيًا كطفل فقد أمه ... ليعلم أنها لن تعود أبدًا
يبكي على اللبن المسكوب ، يبكي حبيبة امتلكت الفؤاد ليكسرها هو محطمًا فؤادها ، يبكي بعد فوات الأوان لإدراكه أن ما كسره ... لا يمكن إصلاحه.....
**
نفس اليوم.....
ليلًا........
-: هذا كل شيء من الألف للياء ، أعلم أن لا عذر لما فعلته ، أعلم بأنني غبي ، أنني الخائن وليست هي ، لكنني جئتك كطفل صغير يطلب من أبيه النصيحة ، جئتك نادمًا مترجيًا الفهم والصفح وسأقبل بالعقاب أي كان !
كانت تلك الكلمات التي ختم بها سرده كل ما حصل لخاله بينما يقف أمام مكتبه مطأطأ الرأس مشبكًا كفيه عيناه في الأرض لا يقو على رفعهما مواجهًا عينيه ، لينهض خاله متجهًا إليه يقف أمامه ولم يكد يرفع نظراته المكسورة إليه في خجل حتى حطت يد خاله على وجنته في صفعة قوية تبعتها أخرى أكثر قوة على وجنته الأخرى جعلته يرجع عينيه للأرض مع انفلات دمعة واحدة دون إرادته فسارع بمسحها قائلًا بصوت مختنق
-: استحق و أكثر ، اضربني خالي ، اصفعني ، اشتمني أنا استحق.....
ذهب خاله ليجلس على مقعد أمام مكتبه مواريًا انتفاضة قلبه لرؤية دموع ابنه قبل أن يكون ابن اخته ، ثم أخذ نفسًا عميقًا قائلًا بهدوء حازم
-: سأسألك بضعة أسئلة فقط يا غيث ، لو بدلنا الأدوار وكانت شغف من فعلت بك كل هذا هل كنت ستغفر ؟
نظر له بألم لتقابله نظراته الحازمة الغاضبة الخالية من عطفه الأبوي كما اعتاد ، فعاد لإنزال عينيه مكتفيًا بهز رأسه بالنفي ليسمع صوت خاله أكثر حزمًا
-: هل ترى نفسك رجل بعدما شككت في شرف خالك وتربيته ؟ بعدما صدقت وبكل سهولة محض مركبة صور ليس لها أساس ؟ بعد أن تركت نفسك فريسة للشك وكأنك لم تعرفها قط !وكأنك كنت منتظرًا الفرصة لتهينها وتكسر قلبها !
أخذ نفسًا عميقًا يعبئ صدره بالهواء لكن عبثًا فالاختناق الذي يشعر به مصدره قلبه ، لم يستطع الإجابة وظل واقفًا دون حراك ليسمع صوت خاله يقترب
-: بالطبع لن تستطيع الإجابة بأنك لست رجلًا صحيح ؟ هل تسامح نفسك غيث ؟
لم يستطع هنا عدم الإجابة فقال هامسًا بذات الصوت المختنق
-: لا...
-: إذًا كيف تريدني أنا أو شغف أن نسامحك؟
لم يجد ما يقوله فما حججه وأعذاره وقد عراه خاله أمام نفسه !! أين يذهب وماذا يفعل في ذنبه الذي يغطيه من رأسه لأسفل قدميه ليهمس في محاولة يائسة
-: نادم يا خالي ، نادم ويلفني الندم قبل الذنب لكنني ، أنا أحبهـ.......
لم يكمل لتحط يد خاله على وجنته في صفعة ثالثة أقوى من سابقتها مع صوته الذي احتد
-: لا تنطق بتلك الكلمة ، أين ذلك الحب عندما أهنتها ، قللت من احترامها ، طعنتها في شرفها وضربتها ... ضربت ابنتي و أنا الذي لم أفعلها طوال سنوات عمري !
أنس يا غيث ، فلو استطعت أنا مسامحتك فشغف لن تستطيع أبدًا إنها ابنتي وأنا أعرفها....
قالها وذهب ليجلس بتعب مسندًا جبهته على كفه بهم ليذهب غيث ويجثو أمامه بتردد قائلًا بأعين مترجية وهمس مذبوح
-: فقط سامحني أنت يا أبي ، أعرف أنه صعب لكنني ابنك ، أرجوك سامحني و اعطني الفرصة لأحاول نيل غفرانها ، أرجوك !
أبعد جمال وجهه عنه يداري ضعفه لكلمة "أبي" تلك التي نطقها بتلقائية ثم قال
-: لقد حكت لي شغف كل شيء منذ ما حصل ، حكت لي وكأنها تتحدث عن موضوع سياسي بكل هدوء ولم تذرف دمعة واحدة مما يعني أن قلبها تجلد مما فعلته فلا تتعب نفسك....
فقال غيث وهو يحاول تقبيل كفه الذي سحبه منه سريعًا
-: وأنت يا خالي أتسامحني ؟
حافظ على عينيه مثبتتان بعيدًا عنه ليقول بهدوء كاذب
-: أذهب واطلب غفران ربك أولًا وحاول تصليح أخطاءك ، كن رجلًا وعندها ... من يعرف ! يمكن أن أسامحك ، والآن هيا أرحل
قال تلك الأخيرة بحزم لينهض غيث ململمًا أذيال خيبته متجهًا نحو الباب محني الظهر تاركًا جمال وراءه يناظره بألم وعقل لا يهدأ دون أن يجد حل فأبن اخته قد أغلق الموضوع كلعبة دومينو ليس لها حل سوى البدء من جديد......
**
اليوم التالي......
تجلس بجانبه كالعادة ، تعاود الاتصال بغيث الذي لا يرد ولم يأت منذ البارحة مما أقلقها ، رمت الهاتف أخيرًا على الطاولة الصغيرة بجانبها بحنق بعد أن يئست من المحاولة محدثة ذلك النائم وكأنه يسمعها
-: هل رأيت يا زياد ؟ يعتذر عن الشيء ليرجع يفعله بعدها ، آآآه كم تعبت منه ولا أعرف ما به ؟ وكم اكتشفت حاجتي لك يا حبيبي بعد أن تركتني ، لا لم تتركني صحيح ؟ فأنت ستنهض ولن تتركني بالتأكيد ، صحيح ! ألن تأخذني لجلسات العلاج الطبيعي كما وعدتني ؟ هيا انهض حتى نذهب سويًا فأنا لن أقبل بالزواج بقدم مجبرة....
تثرثر وتحكي كما تفعل منذ الحادث دون رد منه ، حكت له كل شيء منذ طفولتها في تلك الأيام القصيرة ، ما تحب ، ما تكره ، كل شيء
ودائمًا ما تنهي حديثها معه بالبكاء لأنه لا يرد كالآن مثلًا !!
انهمرت دموعها على وجنتيها لتسقط على كفيهما المتشابكان هاتفة بوجع
-: هل ستظل كثيرًا تتركني أتكلم دون رد ؟ اشتقت لصوتك يا زياد ، لغزلك ، لنظراتك التي تأسرني يا آسر قلبي فمتى تعود لـ......
صمتت وهي تحدق به في صدمة !! لقد شدّ بيده على يدها !! لقد تحركت أصابعه ملامسة كفها !! هل تحلم ؟
لا والله لن تسمح له أن يكون حلمًا !
همست اسمه بذهول ورهبة
-: زياد ؟
لترى أجمل مشهد يمكن أن تراه الآن فها هو يرمش بعيناه ناظرًا لها ، لقد استفاق حقًا !!
بردة فعل تلقائية مدفوعة بقلبها الذي يذوب به عشقًا وبدون أن تفكر احتضنته بقوة وهي تبكي بحرقة ليتأوه بخفوت فابتعدت سريعًا بجزع وهي تعتذر بلهفة ليبتسم بصعوبة هامسًا بضعف
-: أين أنا ؟ هل مت و.. الآن في ... الجنة؟ أم أنه حلم آخر !
شهقت وهي تبكي أكثر هاتفة
-: بعيد الشر عليك زياد لا تقل هذا ، حمدًا لله على سلامتك ، الحمد لك يارب ، الحمد لله
قالتها بامتنان حقيقي وهي ترفع رأسها للسماء قبل أن تهتف بلهفة
-: كيف تشعر ؟ هل أنت بخير ؟ هل أنادي الطبيب ! ، بالطبع يا لغبائي سأناديه في الحال
قبل أن تهم بالرحيل أمسك بكفها بضعف هامسًا بابتسامة
-: ما أشعره لا يمكن ... وصفه ، أبق ... يا مالـ...كة القلب ، فقط أبق
حررت كفها من كفه بصعوبة كان مصدرها هي ! فكفها اللعين بل كلها لا تريد تركه لثانية واحدة لكنها همست مبتسمة وسط دموعها
-: سأبقى لا تخف فقط سأنادي الطبيب
ثم ذهبت بسرعة لمناداة الطبيب وهي تشهق باكية بحرقة تخالف تلك الابتسامة المشرقة التي تشق فمها مثيرة حيرة رواد المشفى ... فبالطبع لا أحد يعلم ما في القلب ، وفي قلبها الآن تتزاحم كل المتناقضات لكن بالطبع كان الظافر هو الفرح ... الفرح الذي لا يوصف بانبثاق شعاع الشمس للقلب الذي أظلم ، أو ... كان مظلمًا.......
**
خرجت من غرفتها وهي تتثاءب لتقابلها نظراته التي أصبحت عابثة منذ ذلك اليوم المشؤوم فأدارت وجهها الذي اصطبغ بالحمرة كالعادة للناحية الأخرى في حنق محاولة إبعاد ذكرى ذلك اليوم لكن عبثًا !!
عندما استيقظت من نومها لتجده جالسًا على الأرض بجانب فراشها ممسكًا بكفها يغط في نوم عميق ، ثم نظرت لنفسها لتجد أنها ترتدي ملابس أخرى غير تلك التي نامت بها لتتحسس بعدها شعرها المبتل وهي لا تفهم ماذا يحدث لتصرخ بقوة هاتفة باسمه فنهض مفزوعًا يهتف بكلام غير مفهوم وهو ينظر يمينًا ويسارًا بدون وعي ، رغمًا عنها ضحكت لردة فعله لينظر لها مقطب الجبين وسرعان ما تحولت ملامحه للغضب الشديد وهو يخرج حافرًا الأرض بقدمية تاركًا إياها تنظر في أثره كالبلهاء...
ليخبرها فيما بعد بما حدث لتتركه هي وتجري لغرفتها ومن يومها وهو ينظر لها بتلك الطريقة الـ... مستفزة وهي تتعمد تجاهله !
استفاقت من شرودها على صوته القريب وهو يغلق نار الموقد المفتوحة قائلًا ببعض التشفي لم تفهمه
-: حضري نفسك فغدًا سنذهب للقرية لحضور عرس محمد ابن عمك...
يتبع الفصل الواحد والعشرون اضغط هنا