رواية ابتليت بعشقك الفصل الثلاثون والأخير بقلم بسنت علاء.. ويمكنك تحميل الرواية pdf كاملة اضغط هنا
رواية ابتليت بعشقك الفصل الثلاثون والأخير
منزل عائلة الغمراوي..
بجلبابه الأسود الذي يظهر طوله الفارع و بنيته العضلية يقف شاخصًا ببصره في الشمس التي تتوسط كبد السماء ، تسبح حولها قطع الغيوم المتفرقة في منظر ساحر من صنع الخالق ، يضفي عليه رونقًا خاصًا تلك الأشجار التي تظلل المكان لكنها أيضًا لا تحجب الشمس كليًا ، وتلك الحشائش الخصراء في الأرض العبقة برائحة تراب الوطن المختلط برائحة خفيفة لأريج بعض الزهور المتناثرة هناك وهنا لتكمل المنظر البديع في الباحة الخلفية للمنزل ، ملجأه منذ الصبى وملاذه الآمن كلما ضاق ذرعًا من مشاق الحياة أو كلما فرح فيأتي يتهلل هنا مع صوت تغريد العصافير ...
تلك البقعة التابعة لأرض المنزل ، التي لا يعرف عنها أحد سواه و جده .... سرهم الصغير الأول الذي شاركه به جده وهو في العاشرة ، ورغم بساطته إلا أن فرحة سيف كانت عظيمة لثقة جده به ... ثم توالت بعدها الأسرار فهو حفيد جده المفضل وبئر أسراره والوحيد الذي يأتمنه على كل أعماله خاصة بالعاصمة....
سره الذي أفصح لها به ، ولن يفصح لسواها .....
وصف لها المكان و أخبرها أن تلحقه بعد نصف ساعة ، لم يترك لها فرصة للاستغراب أو للسؤال فقد همس بها خلسة لأذنها ورحل....
أثناء انتظارها يقف مستندًا إلى جذع الشجرة خلفه مفكرًا في آخر مرة جاء بها إلى ذلك المكان ، يوم فرض عليه جده زواجه بسنابل ، جاء ثائرًا ناقمًا يزمجر ويضرب في الأشجار ، يكسر الأغصان من فرط الغضب وينثر وريقات الورد على الأرض داهسًا إياها بغل ، كان في حالة هياج كثور رأى بقعة حمراء كبيرة لا يستطيع الوصول إليها.....
لم يكن ثائرًا لحبه المفترض لشغف أو ما شابه ، بل كان منتفضًا لكرامته !
لإجباره على شيء وهو الذي لا يجبر ولا يغلب على أمره......
لم يكن يدري أن الله يدبر له .... الحياة !
نعم الحياة ، فتلك الحياة التي كان يعيشها قبلها لم تكن تمت للحياة بصلة ، حياته كانت رتيبة مملة ينهض ليذهب للعمل ثم يرجع منه فينام ليتكرر السيناريو أيام و ليال وسنوات....
هي من أهدات لحياته الحياة ، لونتها بألوان زاهية منعشة كألوان مناماتها الطفولية معطية إياها طعمًا ورونقًا ، هي من أضائتها بعد العتمة .....
ألبسته رداء الإنسانية وقد كان تجرد منه ليصبح كالإنسان الآلي ، حركت مشاعره الراكدة وعلمته معنى الحب ، علمته تلك الصغيرة كل شيء و أوضحت له أنه كان جاهل كبير ، حمد الله بتمتمة على نعمته.... حقًا .... لا أحد يعرف إرادة الله ، عقولنا لا تستطيع استيعاب تدبيراته الآلهية ، فيكشفها لنا بعد ذلك لنكتشف كم كنا ناكرين أغبياء ، فنشكره ونحمده طالبين الغفران ......
-: سيف ! سيـــــــف !
نظر لملامحها الحانقة مجفلًا و قد أخرجته من شروده بها ، ابتسم لها تلك الابتسامة التي يعرف تأثيرها عليها جيدًا وهو يقول بصوت مؤثر
-: نعم
اختلج شيء بداخلها جراء نبرته لكنها قالت متبرمة وهي تتكتف
-: ناديتك عدة مرات بينما أنت لست هنا !
جذبها بخشنوة إلى أحضانه وهو يضحك قائلًا
-: يا متبلدة الشعور ، ممَ تحنقين و أمامك مكان كهذا !
جالت بنظرها في المكان ولم تكن قد رأته جيدًا أثناء انشغالها بحنقها ، اتسعت حدقتها إعجابًا وهي تقول بصوت خافت منبهر
-: يا الله ما أجمله يا سيف !! ما...ما هذا المكان لم أره من قبل!
ابتسم وهو يطوق كتفيها بذراعه ويميل نحو أذنها هامسًا
-: هذا سر!
التفتت له معقودة الحاجبين لتكرر وراءه بتساؤل
-: سر ؟
أومأ مؤكدًا وهو يحكي لها بابتسامة حنين بينما تناظره منبهرة بكل تفاصيله وخلجاته إلى أن انتهى مردفًا
-: أخبرتك أن هدية نجاحك في الفصل الدراسي الأول ستكون متفردة ، هذا المكان يعني لي الكثير ، الكثير جدًا جدًا يا سنابل ، و أنت أول و آخر أحد يعرف به بعدي و جدي....
دمعت عيناها تأثرًا وهي ترفع رأسه ناظرة له وهو يحكي بتلك الجدية الممزوجة بالحنين ، فهمست أخيرًا بكل امتنان الدنيا
-: شكرًا !!
اتسعت ابتسامته بحنان لم يزر وجهه لسواها وهو يرفع كفه ليحاوط جانب وجهها ، ظل ذلك التواصل البصري بينهما قبل أن يقول بعبث ويده تمتد لدبوس حجابها
-: اشتقت لشلالات الشوكولاتة خاصتي...
وثب خافقها بين ثنايا صدرها وهي تمسك بكفه تمنعه لتقول بقلق ونظراتها تجول في المكان مجددًا
-: سيف أجننت !! ماذا إن رآنا أحد ؟
ابتسامة متسلية رانت على شفتيه وهو يزيح يدها بسهولة و يفك حجابها بتعود وخبرة متمرس مغمغمًا
-: لن يرانا هنا أحد أبدًا لا تقلقي
وسرعان ما كان يفك عقدة شعرها محررًا إياه ليميل بوجهه ويغرق في شلالاته الخاصة.....
ارتعشت بقوة وهي تشعر بكفه تغوص في خصلات شعرها تسرحها برفق ، بينما يتشممه بصوت مسموع وكفه الأخرى تحيط خصرها بينما كان مصير الحجاب المسكين على أحد الأفرع كطرف ثالث للجريمة ، الرياح من حولهم تثور ، فتبعثر شعرها يمينًا وشمالًا كما يحبه مغرقة إياه ببعض وريقات الشجر فيخلصه هو منها وما أحب ذاك لقلبه...
تمنعت بوهن وكفاها يحطان على صدره هامسة حينما شعرت به يترك شعرها ليميل لعنقها يغرق وجهه به فتشعر بدغدغات ذقنه المحببة باعثة لأوصالها بالرجفة
-: سيف ، سيـ....ـف .. كفى !
رفع وجهه يسند جبينه على جبينها لاهثًا ليزمجر بهمس
-: أيتها المخادعة أنت تستغلين وجودنا هنا ، فتستيقظين قبيل الفجر وتنزلي للمطبخ مع النساء فلا أكاد أراك لأرجع للغرفة ليلًا فأجدك نائمة تشخرين !
شهقته بقوة وهي ترفع وجهها له صائحة باستنكار واضعة سبابتها على صدرها
-: أنا !!!!! أنا أشخر يا سيف!!!
أومأ مؤكدًا بضحكة مكتومة
-: نعـــــــــم ، تشخرين يا سنابل !
تملصت من ذراعيه بصعوبة ليتركها على مضض فالتفتت للناحية الأخرى متكتفة بحنق
-: حسنًا !!
ضحك بصمت وهو يتجه نحوها فيحيط خصرها بكفيه ويرفعها عاليًا ، ظهرها لصدره ، لتصرخ مجفلة وهي تلوح بقدميها بخوف تحاول أن تجد الأرض ، أنزلها على الفور حتى لا يفتضح أمرهما وهو لا يستطيع كبح ضحكته التي رفرف لها قلبها المدله ......
لفها نحوه فراحت تضربه بقبضتيها على صدره حانقة بينما هو يقف مبتسمًا لا تؤثر به ضرباتها ، منتظرًا إياها أن تتعب وقد كان بعد أقل من دقيقتين ، لهثت بقوة وهي تناظره بذات الحنق ، فيميل هو ليقبل شفتيها بخفة فيذوب حنقها ويتبخر ، كادت أن تتكلم عندما شخصت ببصرها فجأة لتصيح بفرح
-: سيف أنظر تلك الزهرة ما أجملها ، أريدها يا سيف أرجوك !!
وفي تلك الـ(واو) الممطوطة كانت تزم شفتيها بطفولية لينتفض قلبه ثائرًا في صدره وتجيش مشاعره الجياشة من الأصل ، ازدرد ريقه وهو ينظر حيث تشير بإصبعها إلى فرع من فروع إحدى الأشجار تقبع عليه زهرة بيضاء ناصعة يبدو أنها قد سقطت من الشجرة لتستقر هناك ، ابتسم بخبث وهو يقول
-: تريدينها ؟ أحصلي عليها إذًا !
قطبت عابسة وهي تقول بحنق مؤنبة إياه
-: ما بالك هكذا خفيف الظل لدرجة لا تطاق اليوم !
كيف سأجلبها يا ظريف !
ببساطة رفع كتفيه وهو يقول
-: يمكنني أن أحملك !
لترتسم ذات الابتسامة الخبيثة على وجهه وهو يردف
-: مقابل .... اممم ، أنا قنوع سأكتفي بقبلة !
أخفت ارتباكها وهي تتكتف قائلة بتبرم
-: و كأنك تنتظر إذنًا لـ......
أسكت ثرثرتها بشفتيه كالعادة وهو يميل ليقتنص شفتيها من جديد فتذوب بين يديه ويذوب كله فيها ، ابتعد عنها عندما ضربته على كتفه في إعلان لحاجتها للهواء ، فقال ضاحكًا وهو يستقيم
-: سأصاب بالانزلاق الغضروفي باكرًا بسببك أيتها القصيرة ، أمامك خيارين ، إما أن ترتدي الكعب العالي وتتخلي عن حججك الواهية حياله ، و إما سأحملك كلما أردت تقبيلك ، أي أن قدميك لن تزور الأرض إلا نادرًا !!
ضربته على كتفه بقبضتها بتبرم ووجنتاها يتخضبان بالحمرة
-: قليل الحياء !
ضحك بفخر وهو يحملها لتأتي بالزهرة قائلًا بعبث
-: قليل الحياء هذا تحبينه يا قطعة الشوكولاتة ، وتذوبين بين ذراعيه بينما.......
كانت قد التقطت زهرتها فأنزلها ومازال محتفظًا بها بين ذراعيه وجهه مقابل لوجهه فقاطعته بخجل جم وهي تضع سبابتها على شفتيه تمنع استرساله في هذا الكلام
-: أصمت ، أصمت بالله عليك !
قبل إصبعها في لفتة رومانسية نادرة منه فأسبلت أهدابها وهي تحتضنه لصدرها ، ليرجع لعبثه في اللحظة التالية هامسًا بصوت رجولي خشن وعيناه تغرقان في بركتي الشوكولاتة
-: أسكتيني !!
أخذت تتحرك بقوة تحاول التملص من بين ذراعيه هاتفة بالكثير من السباب الغير مفهوم منه إلا "قليل الحياء" ، ضحك وهو ينزلها بخشونته المعهودة لتتأوه وهي تمسك ظهرها هاتفة بحنق
-: على رسلك أيها المغفل ، أنا حامل !!
أكملت تأوهها وهي تمسد ظهرها بينما لم تدرك أنها قالتها إلا حينما رأت البلاهة ممزوجة بالعته على محياه فوضعت يدها على فمها بأسف وهي تطبق عينيها شاتمة نفسها في سرها ، سمعت صوته المرتجف لهفة ولوعة وهو يقبض على ساعديها بقوة آلمة
-: مـ....مـ..ـاذا .. قلت !!!
مازالت مطبقة العينين لتهمس بارتباك يمس القلب
-: حـ...ـامل
صاح وهو يتركها ملتفتًا للناحية الأخرى ليغطي وجهه بكفيه صائحًا بلهفة مفضوحة وصوته ، بل كله يرتعش وقد خلخت توازنه بكلمتها الصغيرة تلك
-: أيتها الحمقاء ، أيتها الغبية
تناست كل شيء وهي تتخصر بحنق هاتفة
-: و لِمَ الخطأ إذًا !!
ثم تمتمت بصوت خافت وهي تتكتف وعيناها تدمعان بحزن حقيقي لردة فعله
-: ثور ، جلف !
التفت لها بقوة أجلفتها وهو يمسك كتفيها ويشد عليهما بقوة تؤلمها إنما لا تتكلم وهي تراه في هذه حالة ..
قال بتحشرج وتقطع ، بنبرة أكثر خفوتًا من ذي قبل وإن لازالت تحمل العنف المكتوم بين طياتها
-: أتعلمين .. معنى .. أن تخبر...يني أنك حـ...ـامل و نحن هنا!! ونحن خارج ... غرفتا ..... بل خارج بيتنا من الأساس !!!
لم تكد ترد حتى صاح بخفوت وهو يرفع رأسه إلى السماء غير مصدقًا ، يشعر قلبه من فرط هديره يكاد يخترق الضلوع ويصم الآذان ، يشعر أنه .. لا يعرف تصنيفًا لشعوره الآن
-: حامل !! يا الهي حامل سنابل ! بطـ...ـفلي ... بطفلي أنا !....
وبدون مقدمات رفعها من خصرها بأطراف مرتعشة وهو يقبلها كما لم يقبها من قبل ، كان يستمد منها الحياة ، عله يجد ثابته الذي تخلخل من مجرد .. كلمة
عل قلبه يهدأ والفؤاد يستكين فقد آلمته أضالعه مما يحتدم بهما .....
أنزلها وهما يلهثان بقوة ليميل ويحتضنها بقوة أكبر ، كادت تختفي بداخل أحضانه ووجهها ملتصق بصدره بقوة ، ذراعاه تحاوطانها بعنف فتكاد تسمع قرقعة مفاصلها ، بينما هو يبدو لاهيًا عن العالم يتشبث بها غير مصدقًا كطفل متعلق برداء أمه ، لم تكن تتوقع ردة الفعل تلك منه ، ربما الأولى حينما شتمها ، لكن الآن لا....
وعلى قدر فرحتها كان ألم عظامها فهمست ويدها تصل لوجنته بصعوبة
-: سيف ، سيف حبيبي أرجوك ، أكاد لا استطيع التنفس ، برفق علي أنا لست بحجمك !!
حررها فورًا وهو يقول بخوف ظاهر أن يكون تسبب لها بأقل أذى
-: هل ... هل أذيتك !!!
ابتسمت وهي تهز رأسها بـ"لا" ، فقال بسرعة وهو يطبق عينيه ومازالت تلك الرجفة تلازمه
-: إلى غرفتنا الآن يا سنابل و أنا سأصعد خلفك بعد قليل !
ذهبت بسرعة لتلتقط حجابها وهي تقول بجزع
-: سيف لا أرجوك ، سيفتضح أمرنا ، وكيف سأتملص من إعداد الطعام لـ.......
قاطعها هادرًا بعنف وهو يشوح بيده
-: الآن يا سنابل و إلا أقسم.....
هنا صاحت وهي تركض نحوه لتوقفه بوضع يدها على فمه هاتفة
-: لا ، لا تقسم
ثم أحكمت ربط حجابها وهي تلتقط الدبوس الذي رماه أرضًا لتقو بخفوت متبرم وصل إليه وهي ترحل
-: الله على الظالم !
لتختفي من أمامه فيضحك بخفوت شاردًا في أثرها.... مفكرًا وهو ينظر للسماء .... حامل !!!
أي نعمة أهداها الله لك يابن الغمراوي !!!!
الخاتمة
تجلس على مكتبها ، ترتدي نظاراتها الجديدة الخاصة بالعمل وهي منكبة على أوراق إحدى الصفقات المهمة تدرسها جيدًا بتوصية خاصة من زياد....
لكن رغمًا عنها عيناها تحيدان للهاتف بجانبها كل دقيقة ، فهذا موعده !
منذ عرس زياد لم تره مرة واحدة لكنه كان متواجدًا دائمًا !
كل يوم يرسل لها باقة من الورود التي تحبها والتي يحفظها ، يكتب لها أشعارًا مقتبسة و خواطر تحكي حالته في بعدها مع البطاقة المرفقة ، وفي نفس الوقت يبعث لها برسالة تحمل نفس المكتوب في البطاقة وتحتها يكتب شيء خاص به ، للتعارف ...
كلاهما يعرف أنها تعرف كل شيء يكتبه ، لكنها تستمتع بذلك التعارف للجديد بينهما لأبعد حد، وكأنه حلم مقتطع من الزمن ، تعيش مع حبيبها قصة حبهما منذ البداية مجددًا.....
هي لم تستطع أن تسامح بعد ، قلبها العصي لا يستطيع الغفران كليًا بعد ، تبقى تلك الغصة المرافقة لملامحه المتوحشة المحفورة في ذاكرتها كما كل شيء فعله ذاك اليوم ، تبقى انتفاضة الخوف عند رؤيته....
تحبه و تعشقه ... نعم ولن تنكر !
لكن يلزمها وقت لتنسى .... أو لتستطيع التناسي والتعايش مع ما حدث على إنه ذكرى ، ليس واقعًا !
وهو يفهم ذلك جيدًا وكم يريحها تفهمه ، كم يريحها أنه لا يفرض وجوده عليها ، ولكنه يفرض تواجده !
طرق الباب فانتفض قلبها بين الحنايا فرحًا ، أخذت نفسًا عميقًا وهي تسمح للطارق بالدخول مفكرة أنه تأخر عن موعده خمس دقائق !
ابتسمت ابتسامة صغيرة مجاملة وهي تتخيل أن ترى الفتى الذي يأتي لها كل يوم بالزهور ، لكنه لم يكن هو !
بل كان غيث !!......
مظهره وهو يحمل باقة من ورد الجوري مسبل الأهداب بتلك الهيئة خطف أنفاسها ، و إن كان هدفه أن يعبث بنبضاتها ويبعثرها فلا تكاد تعرف مكان قلبها في صدرها من فرط هديره فقط نجح أيما نجاح !
وضع الباقة على المكتب ومازال مسبل الأهداب ، يمنع عينيه اللتان تتحرقان شوقًا من ملامسة وجهها ليقول بصوت رجولي خافت
-: مصطفى لديه دراسة فلم يستطع أن يأتي اليوم ففضلت المجيء أنا ، إن لم يكن يضايقك !
أشارت له بالجلوس بأيدٍ مرتعشة وهي تحاو تنظيم أنفاسها ومواراة انفعالاتها ، جلس بصمت فالتقطت الباقة وبحركات آلية كانت تبحث عن البطاقة كما اعتادت ، فور أن وجدتها مرت عيناها على الكلمات بجوع ، لكن تلك المرة كان يقرأها لها بصوته الأجش فيزلزل كيانها أكثر ويزيد من توثب قلبها داخل قفصها الصدري الذي يكاد يتحطم
-: يا ليته يعلم أني لست أذكره
وكيف أذكره إذ لست أنساه....
قالها بلوعة وحرقة ، وهو يتملى في ملامحها الحبيية على راحته بينما هي مسلبة الأهداب ، توقفت نظراته عند نظاراتها ففرضت ابتسامة عاشقة حصارها على ثغره ، كم هي جميلة وتجعل كل شيء حولها جميل ، وكأنها عدوى ، أجمل عدوى في الكون و أجمل مرض هو الذي تنقله .... فقد زادت النظارات جمالًا بجمالها ، آآآآه ... من حق تلك العيون أن تحصن بحصون وسدود منيعة ، وليس نظارات فقط !..
تنحنحت بارتباك عندما طال تأمله فيها فتمالك نفسه سريعًا وهو يقول غير متخليًا عن ابتسامته
-: بما أنني ها هنا الآن فاسمحي لي سيدتي ، أن أخبرك بفحوى رسالتي لليوم وجهًا لوجه.....
صمت قليلًا وهو ينظر لكفيها المعقودين على المكتب ، يركز نظره عليهما حتى لا ينظر لعينيها فينسى من و أين هو !....
نفسًا عميقًا عبأ به رئتيه ليشرع في الكلام بصوت ثابت
-: سأحكي لك اليوم عندما دق قلبي لأول مرة ، لا بل عندما غرق في بحر أزرق بلون الفيروز ليس له قرار ، ومذُ سقط وقد أقسم أن يظل غريقًا للأبد ....
ارتعشت وهي تشعر بأنه شهريار يحكي لها ، لشهرزاده .... لكن منذ متى شهريار أصبح هو من يحكي !
لا يهم ، الخروج عن المنطق في بعض الأحيان يكون أفضل الخيارات ، يكون فيه راحة وسكون للقلب العليل!
ابتسامة حنين اتخذت مكانها على شفتيه وهو يكمل وعيناه تشردان
-: فتاة صغيرة ، لديها من السنوات أربعة ، بينما انا كنت في الثانية عشر ، وقد بدأت تدب في جسدي فورة الرجولة ، احتضنتي بقوة مقبلة إياي على عنقي عندما جلبت لها كرتها العالقة على الشجرة !
وقتها انتفضت ، دبت في أوصالي رجفة قوية زلزلت كياني فبت لا أعرف ما يحدث لي ، قلبي ذاب بشعور لم أعرف كنهه بينما عقلي يبكتني ، أيها الأحمق إنها ابنة خالك ، تأدب !
فرحلت من فوري هائمًا على وجهي حتى وصلت لبيتي فأخبرت أبي أنني أريد الذهاب لطلبها من خالي حتى أضمن أنني سأتزوجها ، فضحك بقوة ولم يعقب !
لكنني منذ وقتها أقسمت أنها ستصبح لي مهما طالت السنون!
ومع آخر كلمة قالها بعزم كان يقف فارتفعت عيناها معه وهي تناظره بانشداه تام وقلبها يطفو فوق كل شعور و إحساس ، تسمع تلك الحكاية من فمه لأول مرة ، بل تعرفها لأول مرة !
بينما هو يغالب انفعالاته لمرآها هكذا ، بتلك التعابير التي تقتله بينما لم يتخلص من تأثير النظارات بعد....
نفسًا عميقًا أخذه وهو ينسحب قبل أن يتهور
-: و الآن اعذريني سيدتي علي الرحيل و ... آسف للإطالة !
ثم خرج بسرعة ، بينما كبحت هي نداءها له بصعوبة ، فظلت ساهمة في أثره بابتسامة عاشقة لتنهض بغتة .... تريد كوب من القهوة الآن ، لن تركز بهذا الشكل أبدًا !!!!......
**
منزل القاضي....
جناح زياد وملاك......
يتسلل على أطراف أصابعه وعلى وجهه ابتسامة خبيثة بعد أن أغلق باب جناحهما بهدوء شديد وتخلص من حذائه حتى لا تسمعه ...
وصل إليها ليحيط خصرها بذراعيه من الخلف بغتة دافنًا وجهه في عنقها ناثرًا بعض القبلات هناك بسكون تام...
لم تجفل عكس توقعاته بل تنهدت بحب وهي تحيط ذراعيه بذراعيها مستندة بظهرها إلى صدره بعد أن أطفأت الموقد على الطعام لئلا يحترق ...
لفها إليه ليحتضنها جيدًا هامسًا
-: كيف لم تجفلي؟
ضحكت بخفة داخل أحضانه وهي تطوق خصره بذراعيها -: لقد شعرت بك مذُ دخلت ، أخذت كل احتياطاتك إلا أن تتسل رائحة عطرك إلي حبيبي!
قهقه مرجعًا رأسه للخلف ليقبلها على وجنتها قائلًا
-: حسنًا سيدتي لقد خسرت ، هل ستطعميني من يديك أم لا؟
ابتسمت وهي تذهب لتحضر المائدة ليذهب ويساعدها حتى لا تجهد ساقها.....
جلس وهو ينظر باشتهاء للطعام على الطاولة لكن لم ينس أن ينهيها عن الجلوس جواره _كالعادة_ آمرًا إياها بالجلوس على حجره ، بخجل نفذت أمره فدنا من عنقها يقبلها وهو يحاوط خصرها بذراعه قبل أن يقول هناك
-: ألم تسأمي يومًا من محاولة الجلوس منفردة تلك؟
لم ترد فعرف أن الخجل استبد بها كالعادة ليرفع وجهه مقابلًا لوجهها مبتسمًا بحنان لرؤية وجنتيها الحمراوتين كما توقع !
امتدت يده إلى الطعام وهو يوزع نظره بينه وبينها ليطعمها ، يطعمها بحنان كأب وابنته وهو ينظر لها مبتسمًا بصبر أن تمضغ طعامها ليسارع بإطعامها مجددًا مختلسًا قبلة من وجنتيها تارة و من فمها تارة.....
اعترضت أخيرًا بضعف وهي توقف يده قبل أن تصل فمها قائلة
-: لم تأكل حتى قضمة واحدة ، منذ بدأنا وأنت تطعمني ، لقد شبعت
أزال قطعة من فتات الخبر كانت عالقة بجانب شفتها بسبابته قبل أن يميل ليلثم ذات المكان بخفة وهو يقول هناك
-: أطعميني
نفذت طلبه بسرعة وهي تطعمه فكان يأكل من يدها ليقبل أناملها التي تلمس فمه في كل مرة باعثًا لأوصالها برجفة محببة ولقلبها برسائل تسرع نبضه ليهدر متغنيًا باسمه هو وحده ... حبيب القلب ومالكه دائمًا و أبدًا !
خاطر مر عليها تباطئت على إثره نبضاتها فأسبلت أهدابها ، تحجب عينيها عن عينيه المتسائلتين ، فرفع ذقنها بسبابته و إبهامه وهو يميل ليقبل تلكما العينان المحجوبتان عنه ، سأل بعدها مقطبًا وهو يرى التماعة الدموع فيهما
-: ما الذي يتحير في شدقتيك أيا مالكة القلب ويمسحهما بالحزن هكذا ؟
أسبلت أهدابها مجددًا فقال بحزم حانٍ وهو يمسد خدها بإبهامه
-: لا تحجبيهما ....
نفذت رجائه المغلف بالحزم لتنظر إلى عينيه بحزن مرتبك ، تحاول أن تشيح بوجهها فيثبته أمام وجهه بعناد هاتفًا
-: ملاك ، قولي ما عندك حبيبتي ، أفرغي همومك بصدري يا مالكة القلب
تنهدت بقوة وهي تغلق عينيها لثانيتين وتفتحهما هامسة بحزن وقلب يئن وجعًا
-: كانت آخر جلسة للعلاج الطبيعي بالأمس....
أومأ لها يحثها على إتمام كلماتها فأخذت شهيقًا قبل أن تكمل بصوت متهدج مكتوم بغصة بكاء
-: الطبيب أخبرني ... أنني ... أن العـ...ـرج سيدوم ... للأبد !
لم يبدُ عليه أنه سمع كلماتها التي يعرفها كلاهما منذ البداية لتحاول هي النهوض فيمنعها مشددًا ذراعيه حول خصرها وهو يقول بجدية ناظرًا إلى عينيها
-: وهذا ما نعرفه منذ البداية حبيبتي ، ونعرف أيضًا أن ما بقي منه هو أثر يكاد لا يرى ، بل هو فعلًا لا يرى لأنني بت لا أراه أبدًا
هنا انفلتت دموعها من عقالها وهي تضرب صدره بقبضتها صائحة بحرقة
-: بل ظاهر ، ظاهر لي أنا ،و ظاهر لكم ، أتعتقد أنني لا أرى الشفـ...ـقة في عيني والدتك !!
في عينيك أنت ... أحيـ...ـانًا ، غيث و شغف أيضًا !
لقد مللت ... منكم ومن تلك النـ...ـظرات التي تنحرني نحرًا .... كفــــى
ثم انهارت تبكي على صدره ، تدفن وجهها بين طيات قميصه تتشبث به بعد أن أشاعت الفوضى بين مخادع قلبه الذي يتمرغ في الوجع منها و ... لأجلها
ورغم كل شيء لم يستطع إلا أن يحتضنها مهدهدًا حتى خفت بكائها تمامًا ، ليسدل بعده الصمت ستاره الذي أزاحه هو بتلك النبرة الجامدة
-: لا أحد ممن ذكرتيهم يناظرك بشفقة ملاك ، أتعلمين لماذا ؟
نظرت له بصمت ومازالت عيناها تدمع ليقول بنبرة أقسى و أحد
-: لأن جميعنا نحبك ونراك كاملة ، لكنك من تتشبث بكلمة العجز السخيفة ينما في الواقع العجز يقبع هنا فقط.....
ثم نقر بسبابته على جبهتها غير مكترث لنظراتها المجروحة ورعشة شفتيها وهو يكمل بصوت أكثر تصلبًا
-: انهضي !
و لكم آلمتها تلك الكلمة أكثر من كل ما سبق ، فمنذ زواجهما لم يقلها مرة واحدة ، دائمًا ما كان يقول مبتسمًا عندما تسأله إن كان تعب "أحملك عمرًا بطوله ولا أنزلك إلا لكي أصلي لربي حامدًا وشاكرًا على نعمة حملك!!"
ازداد انهمار دموعها وهي تتشبث به أكثر رافضة النهوض بينما هو يقوي ذاته بشق الأنفس بينما يشعر أنه على قاب قوسين من مصالحتها بل وترجيها نادمًا أن تسامحه
فنهض بسرعة حاملًا إياها ليضعها مسبل الأهداب لكي لا يضعف على المقعد الذي كان جالسًا عليه ، تمسكها به يشطر قلبه نصفين ، هو لم يعطها فرصة التشبث به هكذا من قبل فهو لم يتركها أبدًا......
فك ذراعيها المتشبثين من حول عنقه ليرحل سريعًا ، لكنه لم ينس أن يوصي أمه عليها.....
تاركًا إياها تحدق في أثره بجمود وعقلها يعيد كلماتها على مسامعها بينما مآقيها لم تتوقف عن ذرف العبرات
**
ليلًا...
تنهدت بقوة عندما وصلت إلى الفراش لتجده نائمًا على طرفه موليًا إياها ظهره في إشارة واضحة لمخاصمته لها منذ الصباح ، فهو لم يعد إلا منذ قليل ليبدل ملابسه وينام دوم حتى أن يتمنى لها ليلة سعيدة ، دون حتى أن يعتبرها معه في نفس المكان ، تسللت إلى السرير بهدوء ظاهري وهي تستلقي بجانبه مقتربة منه جدًا ... جدًا حتى بات يفصل بينهما ذرات الهواء فسارع لإغلاق عينيه قبل أن تراه ... ظل يمثل النوم غير مدرك أن أنفاسه العالية تفضحه حتى شعر بأصابعها ترسم دوائر وهمية على ظهره ، تتلاعب به !
لم يظهر تأثرًا ومازال يمثل النوم ليشعر بها تقترب أكثر لتطبع قبلة على ظهره ، قبلة تليها أخرى ، و أخرى تكاد تحرق القماش مخترقة ظهره الذي ارتعش رغما عنه فابتسمت بانتصار وهي تتشجع أكثر ، اقتربت منه حتى التصقت به وهي تدس أحد ذراعيها تحت جذعه وتلف الآخر حوله من اﻷعلى فبات محاصرًا ، تنهد بقوة وهو يشعر أنه سيضعف ... فهي تحاربه وبكل قوتها مستغلة أسلحتها الفتاكة ببرائتها وهو ... ضعيييف !
لكن لا ، لن يتركها تتلاعب به ، يجب أن يضع حدًا لهذه المهزلة ، تنهد ثانية بملل مفتعل وهو يفك كفيها من حول جذعه بصعوبة قائلًا بجمود
-: ملاك ! نامي وكفاك تلاعبًا
أعادت شبك كفيها من جديد وهي تتمسح بوجهها في ظهره كقطيطة أليفة قائلة بحزن ناعم متوسل
-: وكيف يزور أجفاني النوم ولا يجافيني ؟ ألم تعودني على النوم على صدرك ؟ كيف أنام وقد باتت دقات قلبك هي أغنية ما قبل النوم خاصتي فلا استطيع النوم إلا بعد سماعها !
أغمض عينيه بقوة تأثرًا ، اللعنة !! كثير عليه والله كثير ... ماذا سيحدث إن اعتصرها الآن بين ذراعيه ضاربًا بالعقاب الأحمق عرض الحائط !!
لكنه أخذ نفسًا عميقًا يقوى نفسه هاتفًا ببعض الحدة
-: نامي يا ملاك ، جربي النوم دونها لتفكري بعد ذلك قبل التفوه بالكلام الأحمق الذي يوجعك قبل أن يقتل غيرك....
شددت من احتضانه والندم يغزو محياها وهي تشرأب بعنقها لتقبل عنقه هامسة
-: آسفة ، آسف ، لكن هل يهون عليك أن أتحمل برودة الشتاء وحدي ؟ دون ذراعاك الحاميان لي من الصقيع ! دون أن أدفن رأسي بصدرك ؟ هذا ظلم !
لونت نبرتها في آخرها ببعض البكاء المزيف الذي كشفه على الفور ، ففك ذراعيها بقوة من حوله وهو يتملص منهما ويستقيم جالسًا بسرعة قائلًا وهو يتحاشى النظر إليها
-: لديك الغطاء كله ، تدثري به جيدا أنا لا أريده
وهم بالوقوف إلا أن ذراعها المتشبث بساعده منعه فنظر لها حانقًا ليتجمد من نظرتها المستجدية الدامعة فقالت بصوت مهزوز
-: اليأس قاتل يا زياد ، أحيانا أفضي بما أشعره لنفسي ، و أنت نفسي ! بل أقرب إلي من نفسي ، وأحيانا أخرى أريد أن أرى نفسي جميلة كما تراني بعينيك ، أن أشعر أنني لست من هذا الكوكب كما تخبرني دائما فأتفوه بذلك لتزيد من تدليلي والتغزل في ، أنت من عودتني على الدلال فهل تخاصمني الآن ؟ وتريد أن تحرمني من النوم أيضا !!!
أنهت كلامها وهي تتخلى عن تشبثها به وتنخرط في البكاء دافنة وجهها بين كفيها ، لتتهاوى آخر ذرات من مقاومة واهية لم تكن موجودة من الأساس !
صعد بكليته على الفراش ليسحبها إلى أحضانها حاملًا إياها على حجره كالطفل الصغير ، بل كانت طفلة حقًا بمنامتها التي تحمل رسومات كرتونية ... طفلته هو ! لتستقر رأسها على صدره كما تحب ، أخذ يهدهدها بخفوت مقبلًا رأسها ، مرورا بعينيها الباكيتين لوجنتيها الحمراوتان من أثر البكاء ... وكل إنش في وجهها ، قبلات ناعمة حنونة جعلت بكاءها يخفت حتى صمتت تمامًا فقال بعتب رقيق وهو يهتز بها برفق ووجهه يستريح في تجويف عنقها بينما على ثغره كانت تلك الابتسامة الحنونة التي تخصها وحدها
-: وهل بخلت عليك يوما بالغزل حبيبتي ؟ هل قصرت يوما في إخبارك كم أحبك ، كم أعشقك وكم أنني لا أستحقك ؟ و حتى إن قصرت سهوًا مني ، عاتبيني ، أصرخي بي لكن لا تفعلي هذا ! يا مالكة القلب كلامك يوجعه ... يوجعه إلى أبعد حد ، أترضين هذا ؟
هزت رأسها نفيًا بقوة وهي تقول ببكاء طفولي وشفتها السفلى متدلية حزنًا ترتعش
-: لا بالطبع لا ، يوجعني أنا أيضا ، آسفة آسفة
ثم التفت بجسدها لتدفن هي رأسها بعنقه وتلف ذراعيها حول جذعه لتشرع مجددًا في نحيب أقوى من ذي قبل من جديد فأصدر تأوهًا متوجعًا معترضًا وهو يشدد من احتضانها هامسًا وهو يقبل جانب شفتها
-: كفاك يا مالكة القلب ، إلا دموعك ، حسنا لقد قبلنا الاعتذار وعفونا عنك ، بشرط ألا يحدث هذا مجددًا
قالها بنبرة متملقة لتخرج من حضنه ضاحكة وسط دموعها ضاربة إياه على كتفه فيتأوه بوجع كاذب
ابتسم لابتسامتها بعشق وهو يحتضن وجهها بكفيه مكفكفًا دموعها هامسًا
-: ما أجمل تلك الابتسامة حين تشق دموعك كقوس القزح بعد المطر يأتي محملًا بأجمل الوعود
احمرت وجنتاها وهي تسبل أهدابها فاقترب من وجهها يمسد وجنتاها بحنان قائلًا بخفوت أذابها
-: سيدتي كم مرة أحتاج أن أخبرك أنني ... أذوب حبًا ... أهيم عشقا...
من رأسي حتى أخمص قدمي عاشق...
حتى النخاع أنا عاشق ولهاااان يذوب لوعة من نظرة...
أفبعد كل هذا يا مالكة القلب لا تعرفين أنك كل دنياي ، مصدر قوتي ... أنك الروح يا ملاك الروح !
أنك الكمال بذاته في نظري ، أنت ولا سواك مالكة قلبي وملكته.....
كانت تنظر له مبهورة كعادتها كلما يغازلها لكنه لم يمهلها وقتًا للاندهاش وهو يقول بابتسامة خبيثة ويداه تتخذان منحنى غير مهذب
-: أكفانا غزل سيدتي أم تريدين المزيد ؟
هزت رأسها بغير معنى وعيناها متعلقة بعينيه فأكمل بذات الابتسامة
-: حسنًا ! وقت الدرس العملي...
ثم أخذ شفتيها بقبلة رقيقة ناعمة ، قبلة طالت وطالت حتى انقطعت انفاسها فحررها على مضض لتأخذ نفسها بقوة هامسة
-: زياد !!
-: زياد عاشق ، زياد يحتاجك الآن حتى لا يجن وقلبه
قالها باحتراق لتدفن رأسها بعنقه هامسة
-: وملاك عاشقة ... تحتاجك أكثر
أثارت جنونه وثورة قلبه بكلماتها الهامسة ليتسلم هو الدفة بعد ذلك مخبرًا إياها عن مدى عشقه بالافعال لا الكلام علها.... تقتنع
**
كتمت تأوهًا بصعوبة وهي تغمض عينيها تمنع دموع الألم وقد سقطت من علو أربع درجات من على السلم الواصل بين غرفتها و الحديقة الخلفية المؤدية للشارع...
أخذت نفسًا عميقًا وهي تزيل دموعًا لم تسقط ، لا يهم ، هي في طريقها للتحرر الآن !
أحكمت ارتداء حقيبة ظهرها الكبيرة التي تحمل بها بعض ملابسها و أشياءها الضرورية و ... المال !
الكثير من المال سرقته من خزانة والدتها ....
ستذهب للطرف الآخر من المدينة حيث لن يتوقع وجودها هناك أحد ، ثم ستتدبر أمورها وتسافر خارج البلاد ... حيث يمكنها أن تنتقم منهم ... جميعًا !
شهيقًا قصيرًا أخذته من أنفها وهي تمسحها بظاهر سبابتها ، أول شيء ستفعله فور ذهابها لتلك الشقة التي دبرتها هو أخذ جرعة تعادل كل ما حرمت منه من المخدرات في خضم الأيام الماضية ...
تشبع دمها الذي يحرق أوردتها وشرايينها طلبًا لجرعته المعتادة التي اعتاد عليها !
ترضي جسدها الذي أن ألمًا بما يكفي وتسكن من جأشه !
أغبياء هم كل من يعتقدون أنها شفيت بمجرد خروجها من ذاك المصح اللعين ، بل انها كانت تنتظر خروجها بشق الأنفس لتستطيع التحايل على أمها والهرب !
و ها هي نفذت خطتها ، ستتركهم يواجهون وحدهم عواقب ما فعلوه بها ....
لا يهمها سمعتها ، بل بالعكس ، هي منتشية بما سيحل بهم عندما يعرف الناس عن هربها !!
ألم يفعلوا بها كل ما فعلوه ؟ فليحتملوا إذًا !!
تمشي على أطراف أصابعها حتى وصلت لسيارتها التي ركنتها خلف البيت ، اعتلتها لتصرخ بقوة في جنح الليل وسكونه فور إغلاقها للباب وقد رأت ذلك الوجه الذي دخل من نافذة المقعد جانبها ، شخص رأته من قبل لكن لا تتذكر أين ....
أخذت تتنفس بقوة وهي تناظره بفزع ريثما يقول بصوته الرخيم
-: إلى أين تذهبين يا ... زوجتي العزيزة؟
**
-: أخرجي أيتها الحقيرة مدعية الشرف ، لو كنت شريفة حقًا ما كنت جئت لهنا منذ البداية!
صاحت بها صاحبة الملهى الليلي قبل أن تبصق في أثرها وهي ترميها كالكلاب الضالة خارجًا بعد أن أشبعتها ضربًا هي و الأخريات ، فقد رفضت بيع جسدها بعد أن أتت لتعمل كساقية خمور ، تغري الرجال بعينيها وجسدها وهي تفتح لهم العديد من زجاجات الخمر بينما هم يحدقون بها بفم فاغر يكاد يسيل منه اللعاب موافقين على أي شيء تفعله...
تغضن جبينها بألم وهي تنهض بصعوبة و تتأوه باكية بوجع يغزو جسدها بالكامل فلا تعرف له مكانًا محددًا...
تسير منزوية في ركن مظلم ، ملابسها المبهرجة ممزقة إثر الضرب الذي تلقته ، الكدمات الزرقاء تغطي وجهها وجسدها ، وتحمل حذائها ذو الكعب العالي في يدها ، كانت ببساطة هيئتها مذرية ، صيد سهل لكل من تسول له نفسه الحقيرة الاقتراب .....
كل هذا لأن أحد أهم زبائن المكان أرادها في التو واللحظة ، وتجاوز معها الحدود التي وضعتها منذ أتت ، فلم تجد بدًا من أن تضرب العجوز بزجاجة الخمر التي بيدها على رأسه ، لم تكن تعلم أن في مثل تلك الأماكن لا يوجد شيء يسمى بالحدود ، من لديه المال و النفوذ هو من يضع الحدود !!....
شهقة بكاء أفلتت من بين شفتيها فسارعت لكتمها بكفها حتى لا يسمعها أحد من أولاد الحرام الذين تكتظ بهم الطرقات العفنة في تلك الساعة من الفجر....
لكن الأوان كان قد فات ، فمن العدم كان قد ظهر لها شابين متوسطي العمر يبدو أنهما أخذا جرعتهما من المخدر للتو يسدان طريقها ، أصدر أحدهما صوتاً مستنكرًا بشفتيه وهو يهز رأسه بأسف مصطنع قائلًا بصوته الذي يظهر صغر سنه
-: لا لا ، من تجرأ على إحزان الجميلة ذات الشعر الأسود و جعلها تبكي !
رعشة خوف ممزوجة بالتقزز ضربت عمودها الفقري باعثة لها بالإضافة لرائحة أنفاسه الكريهة برغبة في التقيؤ ، قوت نفسها وضحدت انفعالاتها وهي تنكس رأسها وتحاول تخطيهما دون أن تنبس ببنت شفة ، لكنهما قطعا عليها الطريق مجددًا فقال ذات الشخص بفحيح والذي يبدو أنه السيد ، ويده تلمس بجسدها بفجور
-: إلى أين يا جميلة ، الحفل لم يبدأ بعد !
انتفضت بقوة لملمس يده على جسدها فأزاحتها بعنف شديد صارخة في وجهه
-: ابتعد عني أيها القذر
اشتعلت عيناه غضبًا حارقًا استطاعت أن تميزه حتى في ظلمة المكان وهو يقرب منها فيحبسها بينه وبين الحائط ، رغم جسده الرفيع الخالي من العضلات إلا أنه كان قويًا ، أخذت تبكي وهي تحاول التملص منه ، تبكي بنشيج محترق وتدعو الله ، لكن بلا فائدة فقد انضم له الآخر وهو يكبلها ليستطيع سيده الاستمتاع جيدًا !
لم تستسلم للحظة وهي تقاتل للرمق الأخير رغم يقينها أنها هالكة لا محالة....
لكن فجأة تراءى لمسامعها صوتًا عابثًا فيه مسحة سخرية
-: لو كنت مكانكما لما كنت لأفعل هذا أبدًا !!
انتفض كلاهما مبتعدين عنها ، التفتا له ليقول أحدهما بشر
-: ابتعد من هنا يا هذا لكي لا تلقى ما لا يسرك !!
أخرج يديه من جيب بنطال حلته الغالية وهو يقول بأسف
-: لا ، هذا لن ينفع ، اعتبرني مثل أخيك الأكبر يا فتى ، هل تلك نبرة تكلم بها أخيك!
وقبل أن يعطيه فرصة للكلام كان قد هوى على وجهه بلكمة أطاحت به أرضًا ، وقد كانت قوة بنيته غير متكافئة إطلاقًا مع بنيتهما التي نخرت بها قذارة الشوارع ، فنهض الفتى منتفضًا بخوف وهو يرفع يده مهادنًا ويتراجع إلى الوراء في طريقه للرحيل ناظرًا لذاك الذي لم يفقد ثباته لثانية و الابتسامة الساخرة تعتلي ثغره
-: سنرحل ، سنرحل !
لكن قبل أن يرحلا ، كان الفتى قد أستل مدية صغيرة من جيبه وهو يفتحها وبلمح البصر كانت تشق بطنها....
ليركضا بسرعة ضاحكين بتشفٍ مختفين بين الأزقة تتبعهم صرختها التي شقت سكون الليل البهيم قبل أن تتهاوى أرضًا ليجثو ذاك الغريب جوارها في جزع يتفحص جرحها بخوف قبل أن ينقر على هاتفه عدة أرقام بعصبية ليصرخ بعدها بقوة
-: الإسعاف!!!
**
فتحت عينيها بصعوبة لتغلقهما ثانية بضعف فور أن واجهها الضوء ، تحاملت على نفسها ثانية وهي تئن وجعًا ينبض به كل جزء من جسدها لتفتحهما تلك المرة فيطالعها البياض من كل جهة و ... وجهه المبتسم بسخرية طفيفة يبدو أنها جزء من شخصيته وهو يميل نحو فراشها رافعًا حاجبًا واحدًا قائلًا بنبرة مرحة
-: حمدًا لله على سلامتك يا .... ياسمين ، ياسمين صحيح؟
تسائل مدعيًا الجهل وهو يسقيم واقفًا لتقطب حاجبيها متسائلة بصوت خافت ضعيف
-: من ... أنت ؟ و... كـ...كيف ... عرفت اسـ..ـمي ؟
وضع كفيه في جيب بنطاله وهو ينظر لها من علو قائلًا بلا مبالاة
-: لقد كنت متواجدًا الليلة السابقة في الملهى الليلي !
احمرت وجنتاها بقوة ونكست رأسها خزيًا بينما هو يكمل بغير اكتراث لخجلها
-: أما من أنا ، فأنا زيد ، زيد الهاشمي !!!
و أخيرًا انتهت رحلتنا ، وسنودع أبطالنا ، على أمل لقاء قريب مع ضيوف جدد سيضحوا أبطالًا لحكايات جديدة لا تنتهي....
لكن ما يربط بين جميعهم ، أنهم ابتلوا بالعشق....
وما أجمل العشق ابتلاء !!
كلمة من القلب
شارفنا على العشرة أشهر سويًا ، كانت رحلة من أجمل ما عشت رغم كل الضغوطات ، تعرفت على أناس وجودهن في حياتي مكسبًا كبيرًا ، ضحكنا و بكينا ، تشاكسنا وتناقشنا ، رحلة أضافت لي الكثير و أرجو لكم المثل .... الآن و أنا أخط كلمة النهاية يختلج قلبي بأسف الفراق المؤقت لكن .... لنا لقاء آخر
أرجو أنني كنت خفيفة على قلوبكم و أن يكون العمل قد نال إعجابكم وقدم المغزى المطلوب منه...
شكرًا من أعماق القلب تمت رواية جديدة اضغط هنا