رواية لأجلك أحيا الفصل الثلاثون 30 بقلم أميرة مدحت
رواية لأجلك أحيا المشهد الثلاثون 30
سبعة أيام، في كل لحظة مرت به وهو بعيدًا عنها تمنى كسر كل القواعد و يركض إليها، كي يعتصرها بين أحضانه، يستنشق عبيرها الذي عشقه، ولكن قبل كل هذا ودَّ كثيرًا أن يطمئن على سلامتها.
ظل جالسًا على الفراش ينظر إلى أمامه بشرودٍ وهو يشعر في كل دقيقة بنغزة عنيفة تضرب قلبه، عينيه السوداوين مازالت تلتمعان بوميض قاسٍ، ونبضات قلبه تصرخ بعشق عن من تركها تصارع الموت وحدها، أغمض عينيه يكاد أن يعتصرهما من شدة الألم القابع بداخله، نيران ترتفع بصدره ولا أحد يدري ما يمر به من ألم.. إشتياق.. حسرة.. خوف.
لم ينتبه أبدًا بدخول والده إلى غرفته وجلوسه على الفراش أمامه، صمت دام في المكان لعدة لحظات قبل أن يتسائل "راجي" بـ بسمة صغيرة:
-تعرف إن عمري ما تخيلت إن هيجي يوم تبقى قاعد بالشكل ده؟!.. والخوف عمال ياكل قلبك ببطء.
تنهد "أصهب" قبل أن يقول بسُخرية:
-ولا أنا، لو حد كان قالي هيحصلك كده كنت هفتكره أهبل، بس تيجان عملت إللي محدش قدر يفكر يعمله، خرجتني من الضلمة إللي عشت فيها سنين عشان أشوف حلاوة النور، بس ملحقتش، كل شوية تيجي ضربة تضربنا مرة واحدة بتخلينا نقع، بس بنكافح وبنقوم وترجع الضربة تيجي تضرب ضربتها وتمشي بسرعة.
أعتدل في جلسته وهو يقول بجدية:
-المرة دي يا أصهب غير، لأنك عرفت كل حاجة، فهمت إللي كان بيحصل لتيجان وعرفت هي ليه طلبت منك تبعد عنها.
ألتمعت عينيه بعنف وهو يهمس بألم:
-ياريتني عرفت من بدري، كنت خدتها فـ حضني وبعدتها عن العالم بقسوته، وأنا إللي أروح بنفسي وأواجه الشر ده، بس للأسف محصلش!!.. ملحقتش أعمل حاجة.
أضاف وقلبه يشتعل من الخوف والإشتياق في آنٍ واحد:
-نفسي أشوفها، نفسي أمسك إيديها وأطمن عليها، سبعة أيام وهي في الغيبوبة وأنا هنا قاعد على السرير مش عارف أعمل إيه!!!!.. العالم كله فاكر أنها ميتة، مفيش حد يعرف الحقيقة غيري وغيرك وأخوها، نفسي تخرج من الغيبوبة وتبقى كويسة، نفسي أشوف قوتها إللي كانت سر خروجي من الضلمة وسر إني أعرف براءتها .
أشار "راجي" بيده قائلاً بصرامة:
-أبعد دلوقتي عن عواطفك، حياة تيجان لسه في خطر، وعشان كده عملنا اللعبة الكبيرة دي!!..
هاجمته تلك الذكرى التي عقد فيها الأتفاق مع الضابط الذي يدعى "ممدوح"، ذلك الضابط الذي تولى قضية "جاسم" والذي ظل بجوار "تيجان" حتى عادت إلى حياتها الطبيعية ولكن بعد هروب "الداغر" عاد القلق من جديد بين الجميع.
*****
في ذلك اليوم حينما أنتظر أمام غرفة العمليات حتى يخرج أحد من الداخل ويطمئنه، وبالفعل خرج الطبيب من الداخل فـ أسرع إليه وهو يقول بلهفة:
-ها يا دكتور طمني؟
أشار بيده وهو يتحرك نحو مكتبه قائلاً:
-تعالى ورايا.
سار خلفه بخطى متوترة عصبية، نظر خلفه نحو غرفة العمليات نظراتٍ خائفة.. مذعورة، دخل المكتب معه ثم هدر بصوتٍ حاد غاضب:
-ممكن أفهم في إيه؟؟.. وتطمني على حالتها.
قطب جبينه بقوة وهو يرى شخصًا ما يجلس على المقعد أمام مكتب الطبيب، يحدق فيها بنظراته الجادة، ثم قال له بصوتٍ هادئ:
-فعلاً زي وصلي، إن تيجان مش واحدة عادية بالنسبالك، شكلها حاجة كبيرة أوي عندك.
سأله "أصهب" بحدة عالية:
-مين حضرتك؟؟..
نهض من مكانه قبل أن يجيب بإبتسامة واثقة:
-أنا ممدوح محمد، ظابط في مكافحة المخدرات، وكنت أنا السبب فإن تيجان تعرف حقيقة جاسم والقبض عليه.
امتعضت ملامحه وهو يقول بإقتضاب:
-آه أفتكرتك.
حرك رأسه بإيماءة خفيفة ثم قال بهدوء:
-واضح إنك تعرف عن موضوع جاسم، بس إنت تعرف عن موضوع الداغر؟؟..
من ملامحه القاسية المتحجرة أدرك عدم معرفته بالأمر، فـ زم شفتيه وهو يقول:
-طيب بما إنك متعرفش، فالداغر أسمه الحقيقي حمزة، بس الداغر ده شهرته من كتر لؤمه، ده كان دراع اليمين اللي ماسك شغل تجارة المخدرات، بس بعد ما قبضنا عليهم كلهم والفضل يرجع لتيجان، للأسف هرب هو من السجن، فهو السبب ورا إللي حصلها دلوقتي ده، ومش هيهدا إلا لما يقتلها لأنها كانت السبب فالقبض عليه وقتل صاحبه الوحيد.. جاسم.
دنا "أصهب" منه وهو يهدر بعصبيةٍ:
-وطالمًا كنت عارف، ليه مجتش من بدري وبلغتني؟؟.. ليه معملتش حراسة ليها من البداية ولا إنتوا بتحبوا تستنوا لغاية ما المصيبة تحصل.
أعتراه الضيق وهو يقول بهدوء:
-من فضلك تهدا، أنا خلاص وصلت للخطة إللي هتحافظ على حياتها لغاية ما نقبض عليه، وهي أننا نوهم الجميع بموتها.
قبض "أصهب" على تلابيبه يصرخ بغضب شرس:
-موت مين؟!!!.. إنت بتقول إيه؟!!!!..
هب الطبيب واقفًا يقول بحدة:
-مينفعش الأسلوب ده، أسمعه الأول، هو بيقول عشان يحمي حياتها مش عشان أي حاجة تانية.
ظل "ممدوح" ينظر إليه بجمود حتى أرخى الأخير قبضتيه عنه، ثم تسائل بغضب مكتوم:
-هيحصل إزاي ؟؟..
رد "ممدوح" عليه بعد صمت طويل:
-الدكتور هيدخل وكأنه بيكمل شغله، وبعدها بشوية هيطلع يقولك البقاء لله، لأني متأكد أن الداغر زرع حد فالمستشفى هنا عشان يوصله آخر الأخبار، فلما يقول أنها ماتت هيوصل ظه الكلام ده.
إبتسم "أصهب" بسُخرية وهو يتمتم بتهكم:
-يا سلام؟!.. وتيجان هتفضل هنا إزاي وبعدين هخبيها فين ولإمتى؟؟..
رد الطبيب عليه تلك المرة بحذر:
-تيجان هتفضل هنا وهنكتب أسمها كمريضة أسم شخص تاني، وهي لازم تفضل هنا لأنها دخلت في غيبوبة.
وقع الخبر عليه كالصاعقة وهو يحدق فيه بذهولٍ، شعر وكأن الأرض تميد به فأهتز جسده تلقائيًا وهو يغمض عينيه في لحظة، أسرع "ممدوح" إليه وهو يسأله بقلق:
-أصهب باشا إنت كويس؟؟..
لم تتحمل قدماه الوقوف فجلس على المقعد وهو يفتح أول ثلاثة أزرار من قميصه الأبيض بعد أن شعر بالإختناق، ألتفت إليه الطبيب وهو يقول:
-ماتقلقش يا أصهب باشا، إن شاء الله الغيبوبة مش هطول، إحنا عدا علينا حالات أوحش من دي والحمدلله كانوا بينتصروا على الغيبوبة وبيفقوا منها.
وضع "أصهب" يده على جبينه محاولاً إستيعاب الأمر، فقال "ممدوح" بهدوءٍ جاد:
-أنا بأكد ليك إني هقبض على الداغر فوقت قريب جدًا، وإحنا هنحتاجك بس المهم إنك تطمن وتدعي بإنها إن شاء الله هتبقى كويسة وإن أنا شخصيًا هعمل كل إللي فإيديا عشان أحافظ على حياتها.
حرك "أصهب "رأسه قبل أن يهمس بصوتٍ خال من الحياة:
-موافق أما نشوف.
*****
عاد إلى أرض الواقع وهو يستمع إلى طرقات على باب الغرفة، ثم أنفتح الباب فظهرت الخادمة وهي تقول:
-أصهب باشا، ممدوح باشا مستني حضرتك تحت.
نهض من على الفراش سريعًا وهو يقول بحدة:
-أقدميله حاجة يشربها وأنا هنزله.
نهض "راجي" من على الفراش ثم تحرك معه نحو خارج الغرفة، وبالفعل وجدونه يجلس على الأريكة منتظر هبوطهم.
نظر "راجي" حوله كي يتأكد من عدم وجود زوجته في الأسفل، وأطمئن أكثر ان تلك الخطة قد حدثت بعد مغادرة "الهامي" من القصر، وإعلان "أصهب" حاكمًا على القرية بمن فيها.
جلس "أصهب" أمام "ممدوح" وهو يسأله بإهتمام:
-إيه الأخبار؟؟..
إبتسم "ممدوح" وهو يقول بجدية:
-ماتقلقش، قريب جدًا خلاص، مسكنا أول الخيط وفي خلال يومين هنكون وصلناله.
حرك رأسه بجدية وهو يسأله:
-طب إزاي؟؟..
صمت قليلاً قبل أن يجيب:
-في واحد بيساعدنا على ده.
عقد ما بين حاجبيه مُتسائلاً بتوجس:
-مين؟؟..
شعر بالقلق من ردة فعله، فقال دون أن ينظر إليه:
-ساهد.. يتبع المشهد الواحد والثلاثون اضغط هنا