نوفيلا عبث باسم الحب كاملة جميع الفصول من الفصل الأول للأخير، وهي رواية رومانسية اجتماعية بقلم الكاتبة المصرية الشهيرة "رحمة سيد" والتي حازت على الأف المتابعين والقراء من الوطن العربي، والرواية تجمع بين اللغة العربية الفصحى والعامية المصرية، وسوف نشاركم جميع فصول الرواية عبر مدونة دليل الروايات للقراءة والتحميل pdf.
نوفيلا عبث باسم الحب الفصل الأول
في احدى الأحياء الشعبية التي يقطن بها أصحاب الطبقة المتوسطة في المجتمع، تحديدًا في احدى العمارات العالية وفي "شقة" تخص أسرة "عماد الحداد "، كان " مروان الطحان " يشغل نص الأريكة التي جلس عليها متكئًا بمنكبه العريض للخلف، يحدق في وجوه كلاً من " عماد" وزوجته اللذان كان التساؤل والترقب ينبض من نظراتهما، بينما هو ملامحه الرجولية الخشنة منحوتة في هدوء غريب، وعيناه السوداء تستوطنها نظرة ساكنة مغلفة بالهدوء التام.. هدوء يشبه الليل المُظلم مجهول الباطن، فقطع الصمت صوته الرجولي الأجش حين هتف:
- أستاذ عماد، من غير لف ودوران كتير، أنا جاي عشان أطلب إيد الأنسة رهف بنت حضرتك.
إلتقطت سوداوتاه تلك الدهشة المتوقعة التي عَلت وجيهما في اللحظة التالية، ثم قول " عماد " التالي الذي خرج متخبطًا بالإستنكار والمفاجأة للوهله الأولى:
-تطلب إيد رهف بنتي أنا؟
اومأ " مروان " مؤكدًا، ولم يتخل عن ذلك الهدوء الجامد في نبرته وهو يؤكد عليه مكررًا كلامه:
-أيوه رهف، وطبعًا حضرتك عارف إن والدي ووالدتي متوفيين وإني وحيد.
وعندما لم يقاطعه عماد بأي شيء تاركًا له المساحة الكافية ليفرغ كل ما بجبعته، أكمل:
-وعندي شقتي في **** لان زي ما حضرتك عارف أنا عزلت من المنطقة هنا من زمان، وبشتغل في المعرض بتاعي.
هز "عماد" رأسه وكأنه يقلب الكلام برأسه بحثًا عن رد مناسب، ثم تابع متسائلًا في شيء من الشك:
-أنت عارف اللي حصل مع رهف؟
وزادت المفاجأة تفجرًا حينما اومأ "مروان" مؤكدًا برأسه:
-أيوه عارف، ومايهمنيش، ولو حضرتك موافق أنا آآآ....
قاطعه بنبرة قاطعة معطيًا إياه ما سعى له منذ وقت طويل :
-أنا موافق.
لمعت الكلمة بعقل " مروان " للحظات، كان متوقع تلك الموافقة السريعة، ولكن.. هناك جزء من قلبه "مُظلم" يتناسى وجوده.. والذي اقتحمه النور بغتةً حينما سمع تلك الموافقة الأكيدة ليُشرق كل إنش داخله بتمهل..!
ولكنه نجح في تحجيم ذاك النور بسطوة من عقله الذي سارع بالتدخل مذكرًا إياه بكل شيء..!
ثم إنتشله "عماد" من صمته، قائلًا بصوت جامد :
-وهنكتب الكتاب في أقرب وقت يناسبك ويناسبنا.
لم تكن الصدمة من نصيب مروان وحده، بل كانت الجرعة الأكبر من نصيب "والدة رهف" التي شقت الصدمة قلبها لنصفين وملوحة التردد والريبة المكتومة تلسعه بضراوة..
فيما استجمع مروان شتات حروفه وأردف متسائلًا يلجأ لحظه:
-الأسبوع الجاي؟
دقيقة صمت واحدة استغرقها عماد، ثم اومأ برأسه موافقًا بنفس النبرة الأجشة الجامدة:
-معنديش مشكلة، ومش عايزين فرح، هتكتبوا الكتاب وتاخدها على شقتك بس.
عند تلك النقطة كان القرار محسوم في عقل مروان الذي رد في هدوء به شيء من الحزم:
-بعد إذن حضرتك أنا حابب نعمل فرح جدًا، وفرح كبير كمان، كلام الناس أخر حاجة تهمني، بس مش هيكون هنا، هيكون في قاعة جمب المنطقة اللي أحنا هنسكن فيها إن شاء الله.
توهج الأمل بعيني "ثناء" والدتها التي شعرت أن مروان لا ينوي أخذ ابنتها كسلعة باعوها هم دون مفاوضات حتى..!
ودام الصمت لدقائق والأفكار تتماوج بعقل عماد، ولمَ لا؟! حفل زفاف كبير وزوج محترم يعلمه معظم أهل الحارة، ثم تُغلق تلك الصفحة بشكل نهائي وتُخرس الألسنة.... او هكذا كان يظن!
ثم تابع أخيرًا قاطعًا ذلك الصمت:
-معنديش مشكلة.
فرسم مروان ابتسامة خافتة شبه رسمية وهو يتمتم:
-نقرا الفاتحة؟
أومأ عماد مؤكدًا برأسه يبادله نفس الابتسامة وهو يرفع يداه ليبدأ قراءة الفاتحة، ولكن ابتسامته هو لم تكن رسمية فقط... بل كانت محاولة فاشلة لرسم فرحة مقتولة في مهدها..!
تماثلهم فيما يفعلون " ثناء " في طاعة وصمت.
بينما في الداخل أمام غرفة رهف، كانت تقف "ابنة خالتها" تتابع بتخفي ما يحدث في فضول، حين خرجت " رهف " من غرفتها في هدوء تام حتى وقفت خلف "هدير" ابنة خالتها وراحت تسألها في ترقب:
-عرفتي مين الضيوف دول يا هدير ؟؟
تفاجأت هدير من خروجها في تلك اللحظة تحديدًا، فابتلعت ريقها وهي تومئ برأسها:
-ايوه عرفت.
فهزت رهف رأسها بمعنى " ثم ؟ " وحين استمر صمت هدير التي كانت تزم شفتاها وكأنها تجبرها على الصمت، زجرتها رهف في نفاذ صبر:
-ما تنطقي يابنتي هو انا هشد الكلام من بوقك ؟!
قررت هدير تفجير القنبلة مرة واحدة، وأجابتها:
-دا عريس وبيقروا فاتحتك برا دلوقتي.
للحظات لم تستوعب "رهف" ما سمعته، عريس.. الآن في تلك الفترة الحرجة جدًا من حياتها، بل والأهم وافق أبيها دون التفكير للحظة بأخذ رأيها ؟!..
صدح صوت داخلها متهكمًا بمرارة، وماذا كانت تتوقع بعدما حدث ؟!
هي أصبحت مجرد عبء ثقيل يودا التخلص منه في أقرب فرصة، بعد أن كانت حمل وديع يطوف حياتهما في سلام وهدوء..!
ولم يرتخي ذاك السوط من الضمير الذي أصر على جلد ذاتها وصوته يرتفع داخلها... يخبرها أنها هي مَن فعلت، هي مَن لطخت روحها وروحهم بسواد لن يزول سوى بالنار..!
انتبهت لهدير التي أمسكت يدها تدلكها في حنو وهي تسألها بصوت حمل في طياته قلق:
-رهف، مالك؟ انتي تمام؟
هزت رهف رأسها ولم تنطق بحرف، فأثارت الشفقة بقلب "هدير" التي حاولت التخفيف عنها فقالت:
-بس العريس حد أحنا عارفينه من زمان، وشكله واحد محترم وابن ناس، يمكن دا عوضك عن كل وحش يا رهف.
لم تنتبه رهف سوى لسؤال رن بعقلها ورنته شغلت عقلها عن أي تفكير آخر:
-هو مين يا هدير ؟ ونعرفه منين؟؟
فهزت هدير رأسها نافية في أسف:
-لا والله انا مش فاكرة أسمه، بس هو كان ساكن هنا في المنطقة زمان.
دون شعور تقدمت "رهف" في خطوات متهورة للأمام حتى تستطع رؤية هذا المجهول، في نفس اللحظة التي رفع فيها "مروان" رأسه بتلقائية لتظهر هي أمامه بجسدها الذي نحف مؤخرًا خلف الستار الذي لم يخفِ وجهها عنه، فتقابلت عينيها البُنية المستفسرة بعينيه السوداء المُعتمة إلا من تلك النزعة التملكية المتقدة فيها، وكأن عينيه تصك ملكيتها عليها بغتةً في لحظة وصال لم تطل كثيرًا حيث قطعتها رهف حين عادت خطوتين بسرعة للخلف، تضع يدها تلقائيًا على قلبها الذي كان يرتجف في خوف لحظي، خوف منه، ومن تواجده خصيصًا في هذا الوقت، خوف من تلك النظرة التي رأت فيها شيء أعمق من كونه مجرد عريس يتقدم لعروس مناسبة، شيء كالبئر مجهول القاع ولم تسعفها المفاجأة للغوص في ذاك البئر..!
فسألتها هدير في نبرة مرتابة متفحصة ملامحها البيضاء مخطوفة الروح:
-مالك يا رهف ؟؟ عرفتيه؟
فهزت رهف رأسها نافية، ومن ثم أجابت كاذبة:
-لأ، معرفهوش مش فاكراه.
ثم عادت بسرعة لغرفتها مغلقة الباب خلفها مسببة دهشة اخرى لهدير التي ازداد تعجبها من حالتها التي ازدادت توترًا بعد أن رأت هذا العريس..
فيما بدأت رهف تتنفس بصوت عالٍ وهي تنظر للاشيء، وذلك السؤال يطوف عقلها بحثًا عن اجابة ضائعة... ترى ما الذي جاء به ؟! ولمَ هي تحديدًا ؟.. تراه أتى ليكمل ما بدأه صديقه؟!!!...
وحين راودها ذلك الخاطر شعرت وكأن الرعب نفخ نفخته في اذنها مبعثرًا كل خلية فيها بهلع..!
بعد فترة ليست كبيرة، وقف مروان مستئذنًا للمغادرة يصافح عماد راسمًا نفس الابتسامة المُجاملة:
-بعد اذن حضرتك هستأذن.
فأومأ عماد برأسه موافقًا في هدوء:
-اذنك معاك يابني اتفضل.
وبالفعل غادر مروان، وما إن خرج من باب الشقة حتى سقط عنه قناع الرسمية، وبرزت في عقله فجأة كالفقاعة تلك اللحظة التي التقى فيها بُنيتاها الذهبيتان، ثم هروبها السريع من عيناه كغزال يهرب من صياده!
بينما في الداخل في نفس الوقت، استطاعت ثناء أخيرًا تلفظ ما يجول عقلها وقلبها الذي يئن في عاطفة أمومية بحتة:
-أنا حاسه إننا كدة بنرميهاله يا عماد.
فرمقها عماد بنظرة حادة ساخطة أسكتتها للحظة، ولكن لم تخبت عاطفتها فعاودت القول:
-دي بنتنا مهما حصل، مينفعش نرميها لأول واحد يجي كدة.
حينها هب عماد واقفًا يخبرها في نبرة جافة قاسية في ظاهرها ومتألمة في باطنها:
-بنتك خسرت وخسرتنا حق التمنع وإننا نفكر ونسأل ونتشرط.
ثم لوى شفتاه في ابتسامة باردة لا تمت للمرح بصلة:
-بس عمومًا متقلقيش، الراجل ابن حلال وأنا عارفه من أيام ما كان ساكن هنا.
فعقدت ثناء ما بين حاجبيها تنوي الاعتراض على النقطة الاخرى التي تشغل فكرها:
-وكمان هو آآ......
ولكن قاطعها عماد في نبرة حازمة حادة بعض الشيء:
-عارف هتقولي إيه، بس احمدي ربنا إنه هيتجوز بنتك برغم كل اللي حصل، ماتستنيش يجي حد أحسن منه لأن بنتك خلاص بقت معيوبة ومستحيل هيجيلها غيره الا واحد معيوب، دا لو جه!
ثم غادر متوجهًا نحو غرفته منهيًا هذا الحديث الثقيل جدًا والمُهلك لقلبه الذي شاب مؤخرًا من كثرة الهموم.
****
بعد فترة....
وصل مروان العمارة التي يقطن بها، متوجهًا نحو شقته، يُخرج مفاتيحه من جيب بنطاله، في نفس اللحظة التي كانت فيها الأخرى ترمي القمامة في السلة المتواجدة أمام شقتها والتي تقابل شقته في نفس الدور..
وما إن رأته حتى نادته مسرعة:
-مروان.
أغمض مروان عينيه عن اخر شخص يتمنى رؤيته في هذا الوقت، وبدأ هذا الغضب داخه يعاود الغليان مهددًا بالإنفجار في وجهها كالبركان، كاد يدخل شقته متجاهلًا رؤيتها، ولكنها اوقفته متابعة في نبرة مُلحة:
-مروان استنى لحظة لو سمحت.
فرفع إصبعه ثم زمجر في حدة محذرًا :
-إياكي توقفيني مرة تانية ولا تفكري تتكلمي معايا مهما حصل، مش عايز أشوف وشك ولا أسمعك ابدًا.
إنتفضت "غادة" في قلق وعادت خطوتان للخلف، تخشى لُقى مارد الغضب الذي صار يتلبسه مؤخرًا في وجودها..!
وبالفعل دخل شقته صافعًا الباب خلفه، كارهًا اللحظات التي يراها فيها، كارهًا تواجدها قربه.
رمى مفاتيحه على الأريكة ثم رمى بثقل جسده فوقها متنهدًا في إنهاك شديد...
والغضب لازال يحتل بين ضلوعه، غضب تجاه كل شيء... تجاه تلك المرأة التي حبست النسخة القديمة الطيبة اللطيفة منه في قوقعة سوداء لن تخرج منها، وخلقت من رحم هذا السواد نسخة اخرى لا ترى ولا تفكر سوى بنفسها... نفسها فقط!
نسخة جعلت كل ما يشغل تفكيره هذه الفترة أن يمتلك ما يود امتلاكه، أن يزأر في وجه الدنيا منتشلًا كل ما حُرم منه، مستعيدًا كرامته وروحه التي دُهست تحت أقدام المواقف والأشخاص!..
****
بعد مرور يومين...
عَلت الطرقات على باب منزل "عماد" الذي أشار لزوجته بالإستعداد فهم كانوا على مشارف استقبال "مروان" الذي طلب من عماد أن يأتي ليعرض على رهف بعض الأشكال لغرف النوم، دلف مروان راسمًا ابتسامة تلقائية مُجاملة وهي يُلقي التحية على حماه مصافحًا إياه:
-ازيك يا عمي
فقابله عماد بابتسامة خفيفة مُشابهه، وأجاب:
-الحمدلله بخير يا مروان، أتفضل.
توجها للداخل سويًا، فدلفت بعدها بدقائق "ثناء" تلقي التحية على مروان، وبعد جلوس مروان مع عماد لوقت ليس بطويل، دخلت "رهف" على استحياء دون أن تجد القدرة على رفع عينيها والنظر لمروان او حتى والدها، وجلست جوار والدها والذي هو جوار مروان نوعًا ما..
بدأ مروان يُطلعها على نماذج غرف النوم، بينما هي أخذت تتفحصهم دون اهتمام حقيقي، ارضاءًا لوالدها الجالس جوارهم يتابع ما يفعلاه في صمت، حتى اختارت بالفعل مع مروان النموذج المناسب لذوقه وذوقها..
ثم عَلت الطرقات على الباب مرة أخرى، ففتحت "ثناء" الباب ثم صدح صوت ثناء وهي تقول مرحبة:
-اتفضل يابو خالد اتفضل.
ثم صوت "فهمي" شقيقه، يسأل في نبرة هادئة مستفسرة:
-تسلمي يا ام رهف، هو عماد هنا ؟
فأومأت ثناء مؤكدة برأسها:
-ايوه هو جوه.
-طب معلش ناديه عشان عاوزه ضروري.
حينها اضطر "عماد" أن ينهض ليغادر الصالون ثم يتوجه حيث شقيقه..
وبمجرد خروجه من الصالون، طرق التوتر أبواب عقل "رهف" مرسلًا لها رجفة مرتعدة هزت كيانها وهي تشعر وكأن الغرفة فجأة ضاقت بهما، وحضوره القوي لم يترك لها المساحة الكافية بل فرض سيطرته حتى شعرت أن الهواء الذي تسحبه لرئتيها أصبح محملًا بعبق رائحته، وزاد ارتباكها حين صُوبت أنظاره نحوها في تساؤل خفي وكأنه يرى انتفاضاتها الداخلية..
ثم اخترق هالة التوتر التي أحاطت بها صوت رنين هاتفها الذي صدح معلنًا وصول اتصال من صديقتها، ففصلت هي الاتصال في نفس اللحظة، فلم يمنع مروان السؤال الذي إنطلق مغادرًا أسر شفتاه المزمومة:
-مين؟
خرج صوت رهف ناعم مبحوح بعد صمت طويل، ترد:
-حد مش مهم.
فارتفع حاجب مروان تلقائيًا وهو ينظر للهاتف، فلم تفكر هي ايضًا وهي ترفع يدها له بالهاتف أمام وجهه حتى يرى، متمتمة في صوت أجش كاد يكون حاد:
-اتفضل شوف بنفسك.
هز مروان رأسه نافيًا ببساطة وكأنه لم يتجهم وجهه منذ ثوانٍ وهو يسأل عن هوية المتصل:
-لا براحتك انتي حره.
إلتوت شفتا رهف في ابتسامة ساخرة مكتومة صامتة التعبير، أين هي الحرية في كل ما يحدث او سيحدث ؟!..
هي ليست حرة بأي شيء او أقل شيء حتى، هي مُكبلة بأصفاد ذهبية، تسير في الخطى التي يحددونها لها.
وعلى ذكر ما حُدد لها، رفعت رأسها ولم تستطع كبت السؤال الذي إنطلق من بين شفتاها كالسهم قاصدًا اجابة متخفية داخل مروان:
-أنت بتعمل كده لية ؟
كان قد وصل مقصدها خط إدراك وفهم مروان الذي أصر على ملاعبتها فسألها في نبرة حملت المكر:
-بعمل إيه ؟
حينها لم تستطع الرد وهي تطالعه بنظرة حملت في طياتها السخط والحسرة، الاجابة حُسرت في جوفها في مرارة، وهو كان يعلم جيدًا أنها لن تستطيع البوح بما حدث وفعلته ببساطة !!..
فأردفت من بين أسنانها :
-أنت عارف كويس أنا قصدي إيه.
نظرَ لها بملامح مُبهمة، لا ينضحَ بها ما يفكر ونبرته كانت هادئة غامضة ومُخيفة لها، تهمس ولا تفشي سره الداخلي:
-لما تبقي في بيتي هتعرفي بعمل كده لية.
نشب الخوف أظافره في قلبها خادشًا إياه بضراوة، ولكنها حاولت جاهدة ألا تُظهر ذلك، وكادت تقول:
-يعني آآ....
ولكن قاطعها رنين هاتفه الذي عَلى فجأة، ليُخرجه مروان من جيب الچاكيت وهو يردد ناهضًا متجهًا نحو الشرفة المغلقة أمامهم:
-ثواني.
لم تنطق رهف بحرف وهي تقبض على ملابسها بقوة في محاولة لتحجيم تيار الغضب الذي كان يتضخم داخلها..
مرت دقائق قليلة جدًا ولم تستطع رهف السيطرة على فضولها فنهضت على أطراف أصابعها تقف أمام الشرفة تسترق السمع في محاولة لمعرفة الشخص الذي يتحدث له مروان بهذا الغموض!
ثم تجمدت مكانها حين أتتها الاجابة كالصاعقة التي رنت بأذنيها لتصمها عن الدنيا وما فيها، حيث مروان يستطرد في هدوء وحزم:
- الجوازة هتتم وكل حاجة هتحصل زي منا عايز بالظبط.
وصمت للحظات، على ما يبدو يستمع للطرف الآخر..
ثم صدح صوته الأجش يخبره:
-لأ متقلقش، أنا مركز ومسيطر على كل حاجة.
شعرت رهف أن كل ذرة بها ترتخي في رعب وأقدامها كادت تصبح هلامًا لا تقوى على السيطرة عليها ثابتة..
وفي اللحظة التالية عاد والدها للغرفة، فكانت تقاوم كل عضلة مرتخية فيها لتتحرك مغادرة تلك الغرفة قبل أن تقع منهارة أمامهم جميعًا، بعد أن استأذنت والدها بصوت خرج بصعوبة.!
****
بعد مرور أربعة أيام... تحديدًا يوم حفل الزفاف..
وقفت "رهف" أمام المرآة تنظر لفستان زفافها الأبيض البسيط الذي لم تختاره كأي عروس وإنما اختاره لها مروان بدلًا عنها، لأنها أصلًا لم يسمح لها والدها بالخروج من المنزل ابدًا لأي سبب وطلب من مروان اختياره بدلًا عنها بعد أن أخبره بمقاسها، وكأنه يخبرها ببساطة أن الثقة بينهما إنهار قوامها تمامًا ولن تعود..!
لا شيء يحدث كما أرادت، فهي لم تكن لتتمنى أن يأتي هذا اليوم على هذه الشاكلة وبهذه الظروف، لم تود أن تكون عروس ماريونت تتحرك حسبما يريدونها أن تتحرك، ولكن... هي مَن فعلت هذا بنفسها...
اومأت برأسها مؤكدة وهي تنظر لنفسها في المرآة وكأنها تحذرها؛ لا يجب أن تلوم أي شخص سوى نفسها، نفسها الضعيفة فقط!
نفسها التي كانت تظن أنها تسير على أرض حافلة بالورود في طريق سعادتها، ولكن اكتشفت أنها لم تكن سوى أرض نهايتها حافة قاتلة، وهي مَن زينتها بورود لم يكن لها وجود سوى بعقلها الباطن..!
مسحت دموعها بطرف إصبعها مغمضة عينيها تتنهد بصوت مسموع، ستتحمل.. مهما كانت عاقبة ما فعلت ستتحملها، ستتحملها وستبتلع شوكة الخوف المؤلمة في حلقها..
طُرق الباب ثم فُتح ليدلف والدها في هدوء تام، فنظرت هي أرضًا تلقائيًا، لا تقوى على رفع عينيها في عينـا والدها فتطعنها نظرة الخذلان فيهما من جديد..!
وقف " عماد " أمامها ثم رفع رأسها لأعلى متمتمًا بنبرة قوية رغم الحشرجة الخفيفة التي لم يستطع قتلها بها :
-أرفعي راسك، النهارده لازم ترفعي راسك واوعي تنزليها ولا تسمحي لحد إنه ينزلها في الأرض، ومش عايز الابتسامة تفارق وشك طول الفرح.
رفعت رأسها بالفعل تنظر له بعينين دامعتين مذبوحتين تنزفان دمعًا دون أن تجد القدرة على إيقافهما، فاستطرد عماد بصوت أجش:
-أنتي غلطتي لما عملتي حاجة من ورايا، وغلطك كبير، لكن خلاص، يمكن دي فرصة تانية من ربنا ليكي.
ثم رفع ذراعاه يحيط كتفاها ضاغطًا عليهما برفق يوصيها في نبرة حازمة:
-حافظي على حياتك الجايه، واوعي تسمحي للشيطان إنه يخربها عليكي، أي حاجة هتحصل بعد كده في حياتك فـ دا يخصك انتي خلاص، مبقاش هيجي في وشي أنا !
اومأت رهف برأسها مؤكدة في طاعة، ثم انحنت ممسكة بكف يده تقبل ظاهره عدة قبلات في لهفة ثم هتفت تتمنى نيل رضاه:
-طب أنت مسامحني يا بابا ؟ سامحني بالله عليك.
لم يسحب عماد يده من بين يديها كما كان يفعل في الأيام السابقة غير سامحًا لها حتى بمحاولة نيل غفرانه، ولكنه أيضًا لم ينطق ما يُريح قلبها الملتاع، بل كان صامتًا تمامًا...
صحيح أنه بهذا الزواج، وبليلة الزفاف التي أصر مروان على إقامتها استعاد كرامته، ولكن تبقى تلك الغصة داخله تفسد ما يتشكل من سعادة او رضا !!..
تنهد بقوة ثم أمسك ذراعها واضعًا إياه على ذراعه ثم تحرك للخارج معها، ونزل بها لأسفل العمارة حيث ينتظر مروان والزفة التي ستأخذهم للقاعة في المنطقة الأخرى..
وما إن رآها مروان، حتى إرتجف قلبه في انتشاء لحظي غريب، انتشاء غذاه التملك الذي نُفث في دمائه وهو يرى اقتراب تحقيق ما يسعى له..
اقترب منها ببطء وعيناه مُثبتة عليها، حتى أصبح أمامها فطبع قبلة عميقة على جبينها في رقة والعيون تراقبهم، وقد تعمد فعلها أمام الجميع ليرد لها هيبتها وكرامتها التي كانت علكة على لسان الناس في الفترة الأخيرة.
****
بعد فترة ليست بكبيرة.... في حفل الزفاف..
طيلة حفل الزفاف وبالفعل لم تفارق الابتسامة وجه رهف امتثالاً لطلب والدها، ولكن قلبها... بل كيانها كله كان في حالة غريبة وكأنها في خضم عاصفة مشتتة المشاعر، يغلفها الجمود والمحاولة المستمرة في الطاعة ودفع الثمن، بينما في داخلها منحورة نحرًا بالخوف، من كل شيء... من مروان شخصيًا، من القادم، من فكرة أنه ربما يُكمل لعبة اخرى ستُدمي حياتها، ولكنها بكل أسف لم يعد لها حق في الرفض..!
بينما مروان كان طيلة الوقت يحيطها بذراعه العضلي القوي، يضمها نحوه... وكأنه يعلنها لنفسه وللدنيا... أنه نجح.. نجح في انتشال ما هو له! بغض النظر عن الأسباب والظروف، وحتى وإن كان هذا النجاح ليس إلا قمة القهر والفشل بالنسبة لـ رهف !! ....
وبعد انتهاء حفل الزفاف....
في منزل مروان الذي أصبح عش الزوجية لكلاهما، منذ أن دلفا معًا للمنزل ولم يتحدث أيًا منهما سوى بهمهمات مختصرة بسيطة إن لزم الأمر..
وبعد أن بدل كلاهما ملابسهما؛ كانت رهف تتحرك في توتر واضح هنا وهناك، تلملم فستانها واشياءها ثم صارت تعبث بأي شيء، وكأنها لا تود ترك ولو دقيقة واحدة لتكون فرصة لمروان لكسر حاجز الصمت بينهما، بينما مروان جالس يراقبها في صمت تام، حتى نفذ صبره فنهض مسرعًا ليمسك ذراعها بحركة مباغتة حين كادت تتعثر بسبب حركتها المتوترة السريعة...
فضغط على ذراعها مرددًا بنبرة حازمة خرجت حادة مُخيفة لرهف:
-اهدي!
انكمشت في وقفتها أمامه في استكانة تامة، فرفع هو ذقنها نحوه ناظرًا لعينها المهتزة تحملق في سوداوتيه الباردتين بجمود في قلق واضح، خاصةً حين تابع في خشونة حادة جعلت قلبها ينتفض مترقبًا :
-أسمعيني كويس اوي عشان اللي هقوله دا مش هكرره تاني وعشان كل حاجة تبقى على نور...
نوفيلا عبث باسم الحب الفصل الثاني
لم تنطق رهف وإنما كانت تحدق بعينين مهتزتان في قناع زائف من الثبات، في عيناه التي بدت لها وحشية وهو يرمقها بنظرة حادة مُحذرة، فابتلعت ريقها بتوتر والخوف كالزلزال يهاجم دواخلها حتى فقد قلبها القدرة على الاستقرار والهدوء، ثم حاولت بصعوبة أن تُجلي صوتها الذي كان وكأنه يأبى الخروج:
-سامعة.
حينها عاد مروان خطوة للخلف، وكأنه يعلن هدنة في الحرب الصامتة التي دارت بين عيناهما، قائلًا في خشونة:
-اول حاجة لازم تعرفي إني متجوزك عشان أنا عايز أتجوز وأستقر، مش عشان أي أسباب تانية في دماغك.
ثم رفع اصبعان من أصابعه يشير لتلك الاهتزازة المستفزة في عينيها متابعًا:
-يعني الخوف اللي في عينيكي دا ملهوش داعي.
فحاولت رهف أن تهتف مناقضة ما تبوح به عينيها:
-أنا مش خايفة على فكرة.
ثم هزت كتفاها وأكملت وهي تتحاشى النظر لعيناه المترقبة:
-بس الطبيعي إني أكون متوترة زي أي واحدة من تجربة جديدة وحياة جديدة بالنسبالي.
-فعلًا ؟
تمتم بها مروان متهكمًا كداخل رهف والذي ناصر مروان فسخر منها ومن حروفها التي كانت مُغطاه بالثبات والثقة بينما وجهتها الأخرى مُصداه بالخوف الذي أصابها منذ ظهر مروان في منزلهم لأول مرة..
انتبهت لمروان الذي تنحنح وهو يخبرها بنبرة رجولية هادئة ثابتة:
-أنا عايز ابدأ معاكي حياة جديدة هادية يا رهف زي أي زوجين طبيعين.
صمت برهه ثم اكمل معترفًا وهو يهز رأسه:
-أنا عارف إننا جوازنا جه في ظروف مش حلوه خالص بالنسبالك، وإنك كنتي مضطرة توافقي عليا حتى لو في اعتراض من جواكي ناحيتي.
ثم حان كلامه قليلًا نحو الضفة التي انغرست فيها رهف مكتومة الأنفاس ولم تخرج منها حتى تلك اللحظة، فقال:
-لكن أحنا خلاص اتجوزنا، عايزك تنسي كل اللي فات، وهنبدأ صفحة جديدة، وكأن النهارده أول يوم هنعيشه.
-بس أنت أصلًا آآ......
كادت رهف تتمتم معترضة بالشيء الذي سيبهت مؤكدًا على بياض الصفحة الجديدة التي سيحاول كلاهما فتحها...
ولكن مروان قاطعها دون أن يجعلها تكمل:
-عارف هتقولي إيه، بس اعتبريه محصلش، عشان انا وانتي نكون مرتاحين.
لم ترضى كل الرضا بما قاله، ولكن شيء خفي انبعث من كلامه محررًا نفسها المُقيدة بسلسال الخوف قليلًا..
فسألها مروان مؤكدًا وكأنه يود التأكيد على الميثاق الذي خطه منذ دقائق فقط بينهما:
-هتقدري تعملي دا يا رهف ؟
كان يقصد هل ستستطع نسيان كل ما مضى، وطريقة زواجهم، وتبدأ معه صفحة جديدة، ولكنها اعتقدت أنه يقصد قدرتها على نسيان النقطة الاخيرة التي قاطعها فيها والتي تؤرقها، فهمست تهز رأسها في خفوت:
-هحاول.
لم تؤكد... لم توثق الرابط الذي يحاول خلقه بينهما، مازالت تُقدم قدم نحوه وتؤخر الاخرى!
هكذا فكر قبل أن ينفث الشيطان النار على بارود أفكاره؛ هامسًا له أن ترددها هذا ليس له إلا سبب واحد..!
فلم يشعر مروان بنفسه سوى وهو يقبض على ذراعها في شيء من العنف يسألها بهسيس خافت خطير:
-لسه بتحبيه ؟
بوغتت حرفيًا من سؤاله وحركته المباغتة، لم تتوقع أن يطرحه اليوم... بل الان تحديدًا !!
يبدو أنه يحاول طي صفحة الماضي بكل لطخاتها...
مرت في عقلها لمحة سريعة من الماضي كانت نواة الكره التي تفجرت بين حروفها وهي تجيب مروان الذي كان متهافت لتلك الاجابة:
-أنا دلوقتي مابكرهش في حياتي قده، وأكيد أنت متخيل كويس حاجة زي دي.
بدأت أصابعه تنساب من على ذراعها ببطء، واجابتها كانت المياه التي اطفأت ذلك الحريق المشتعل داخله، فزفر بعدها مبررًا سؤاله المندفع في غضب:
-كان لازم كل حاجة تبقى على نور من أولها، عشان من النهارده مفيش أي حاجة هتستخبى بينا مهما حصل.
قال أخر كلماته بشيء من التحذير الذي استبطنته رهف المستعمة في صمت وتركيز لكل حرف..
فأومأت برأسها مؤكدة، رافعة كافة رايات الاستسلام لكل ما يُرضيه ويُريحها في حياتهما القادمة.. داعية الهدوء والسكينة ليغمرا حياتها التي عاث فيها الماضي فوضى ضارية..!
فارتفعت شفتا مروان في ابتسامة مرتاحة؛ معلنة نجاحه في "الحبو" في منطقة علاقتهما.
ثم أردف وهو يشير برأسه نحو الفراش، ملقيًا اشارة مُبطنة بين كلماته، لم تخفى عن رهف:
-يلا غيري هدومك و ننام شوية بقا عشان نرتاح من المجهود.
اومأت رهف برأسها ولم تنطق، ثم تحركت نحو الدولاب تنوي انتشال اقرب "منامة" محتشمة نوعًا ما تستطع ارتدائها بدلًا من قميص النوم الذي لا يستر شيئًا والذي جهزته لها والدتها مسبقًا..
وما إن لمحها مروان وقفت أمام الدولاب وكادت تفتحه، حتى تحرك نحوها وأصبح خلفها مباشرةً، فباغته رد الفعل باهتزاز جسدها تلقائيًا ثم تصلبه كالشمع ما إن مسها جسده الذي كان شبه ملتصق بها، ثم همسه الرجولي عند اذنها مباشرةً وأنفاسه تداعب جانب وجهها ورقبتها فتترنح نبضات قلبها مُثقلة بشعور غريب يدغدغ الأنثى داخلها مذيبًا عنها الجليد الذي يغلفها منذ بداية تلك الزيجة:
-رعشة جسمك كل ما أكون قريب منك دي ملهاش داعي لأني بقيت جوزك.
ردت رهف في صوت مرتعش مبحوح كجسدها الذائب أمامه:
-ماشي بس غصب عني لازم أتوتر لأني مش متعودة إن أي راجل يقرب مني.
فأحاط مروان خصرها بذراعه يحتوي جسدها الغض بجسده الصلب متعمدًا الاقتراب منها أكثر، يتحداها ليقتل تلك الرعشة المستفزة بجسدها وكأنه يعلن الرفض الذي لم تنطقه، فيما تهدجت أنفاسها هي مبتلعة ريقها بتوتر اكبر.
ليتابع هو في خشونة رجولية:
-بس أنا مش أي راجل، أنا جوزك، يعني من حقي أقرب منك في أي وقت وبأي طريقة وماحسش إنك خايفة وكأني هاكلك!
فناطحته بجملتها المُصرة رغم نبرتها التي كانت واهنة بعض الشيء:
-قولتلك انا مش خايفة.
قرر مروان أن يُغير الموضوع فسألها مستفسرًا:
-انتي كنتي بتعملي إيه؟
أجابت في تردد:
-كنت بجيب بيچامة عشان ألبسها.
قال مروان بحزم قاصدًا انتشالها من بقاع الرهبة والخجل المطلق تجاهه:
-متهيألي إنك عروسة، والعروسة ليلة فرحها بتلبس اللبس اللي متجهزلك على السرير دا .
شعر بالتجهم متبوعًا بشيء من الاعتراض والتردد يتشعبا بين ثنايا وجهها، فأكمل دون تردد بصلابة وإصرار:
-من يوم ما أسمك إتحط جمب أسمي، وخلاص كده أنسي أي حواجز او حرج بيننا.
فشعرت رهف حينها أن التوتر جعل أحبالها الصوتية كالعقدة لا تستطع فكها لتنطق بأي كلمة، ولم تكن تملك سوى تلك الايماءة الموافقة من رأسها..
فتحرك مروان نحو الفراش يبدأ هو بالخطوة الاولى ويُحدد لها باقي الخطوط التي ستسير عليها كالطفل..
ثم تمدد على الفراش، يضرب على الفراش برفق جواره مغمغمًا وهو ينظر لها مازالت واقفة:
-يلا غيري وتعالي.
فأومأت برأسها، ثم تشدقت بـ:
-تمام.
هز مروان رأسه مُريحًا جسده على الفراش مغمضًا العينان يتنهد في ارتياح..
بينما رهف ما إن أغلقت باب المرحاض عليها حتى بدأت تتنفس بصوت مسموع، تعلم أنه محق في كل ما يقوله ويفعله، ولكن ماذا تفعل في ذلك الحاجز النفسي بينهما والذي يأبى أن يزول بسهولة، ولكنها رغم ذلك تحمد الله أن مروان بدد مخاوفها وشكوكها، لتحاول هي المضي قدمًا في تلك الحياة الجديدة دون أي عرقلة من الماضي.
خرجت من المرحاض وتوجهت نحو الفراش، لتتمدد جوار مروان الذي أحس بحضورها، وقاوم حدقتيه التي كانت تجاهد لتفصل بين جفنيه هيئتها الجديدة حتى على خيالاته!..
بينما هي نظرت لأعلى الغرفة للحظات صامتة تحاول أن تستدعي النوم، وبالفعل بعد دقائق قرر النوم العطف عليها منقذًا إياها من بؤرة أفكارها.
****
صباح اليوم التالي...
تفرق جفنا "رهف" حين شعرت بشفتا مروان التي كانت تداعب كل إنش بوجهها كالفراشات الخفيفة، فتحركت رأسها تلقائيًا نحوه وما إن قابلت عيناها عينيه حتى رأت فيهما ما كان يلمح به منوهًا بالأمس..
احتضن كفه الخشن وجنتها الناعمة يتحسسها بحركة دائرية ماهرة رقيقة من إبهامه، وعيناه السوداء مُسلطة على عينيها في لهفة ملتاعة بالشوق مقروءة بين سطور عينيه، وأصابعه لا تكف عن العبث وكأنه يتعمد إرخاء أعصابها المشدودة لتذوب تمامًا في استسلام انثوي بحت.
أغمضت عينيها حين مال بوجهه نحوها مستسلمة لقبلاته الخفيفة التي بدت وكأنه يستأذنها متسائلًا عن أي رفض؛ رغم يقينه بحتمية الحدوث.
ورغم أنها لا تجد أي سبب عاطفي بين جنبات قلبها للاستسلام له، إلا أنها أيضًا لا تجد سبب للرفض، هو ليس بشخص سيء بل هو أفضل رجل قابلته؛ هو مَن أنقذها من وصمة سوداء كادت تلتصق بها مدى الحياة.
بالإضافة لكونه زوجها وهذا حقه شرعًا، لذا لم ترغب أبدًا أن تبدأ حياتها الجديدة بمعصية لله.
ولأول مرة وبسيطرة من عقلها استطاعت لملمة بقايا التردد المتناثرة بين ثنايا عقلها، ودفنها في أعمق نقطة داخلها لتكتم ذبذباتها التي تشوش على سيطرة عقلها.. لتستسلم راضية بكل ذرة فيها.
وقد كانت تعي أن استسلامها هو أول نقطة في صفحات الحاضر، وأنها ربما لو رفضت لكانت ضربت عكر شياطين أي رجل، وأخرجت منه أعتى شياطينه ألا وهو "الغيرة والشك"...
بينما شعر هو وكأن أعاصير متضادة تتضارب داخله؛ أن شيء مهتاج مشتاق يحرق أوردته بحثًا عن الكمال؛ كمال نيل حقه وصك ملكيته.
وشيء أخر كالمفرقعات كان يهز قلبه هزًا مهددًا بإنفجار مشاعره المكتومة.. ولكنه دكها دكًا بسيطرة مُذهلة معيدًا إياها لنقطة اللاظهور، عالمًا أنه لو حرر تلك المشاعر، ربما تتصادم بهالة الجمود التي تحيط بـ رهف فتعود سهامها لتنغرز بقلبه مدمية إياه.
ازدادت لمساته جرأة في ظل استسلام رهف التام، لتقترب شفتاه بحثًا عن شفتاها في قبلة لم تكن مجرد قبلة؛ بل كانت دمغة... دمغة لقلبها المرتجف معلنًا صاحبه ومالكه الجديد.
****
ليلاً....
كانت رهف في المطبخ تعد شيئًا للعشاء، فارتفع رنين هاتفها معلنًا وصول إتصال من والدتها..
أجابت رهف على الفور هاتفة في اشتياق:
-الو السلام عليكم.
-وعليكم السلام، ازيك يا رهف؟
ثم سارعت في لهفة واضحة كعين الشمس تسألها:
-عاملة إيه يا حبيبتي؟
فهزت رأسها تطمئنها بهدوء:
-انا الحمدلله يا ماما كله تمام، انتوا عاملين إيه؟ وبابا ؟
نظرت "ثناء" تجاه "عماد" الواقف في صمت أمامها منتظرًا أن تبثه الاخبار ليطمئن قلبه، فهو رغم كل شيء ومهما حدث يظل أب.
ثم عادت لتسأل رهف في نبرة مبطونة بالشك والقلق:
-احنا كويسين، المهم طمنيني عنك، عامله إيه انتي وجوزك؟ حصل حاجة عكس الطبيعي يا رهف؟ وبيتعامل معاكي حلو ولا عمل حاجة؟
فنفت رهف بحرج:
-لا يا ماما كل حاجة تمام متقلقيش زي أي اتنين متجوزين، واحنا كويسين مع بعض الحمدلله.
فتمتمت والدتها مرتاحة:
-الحمدلله يا حبيبتي، ربنا يهدي سركوا ويسعدكوا ويبعد عنكم كل سوء.
-امين يارب يا أمي.
تنحنحت والدتها ثم بدأت تخبرها مبررة:
-احنا كنا هنجيلك أنا وباباكي النهارده لكن حبينا نسيبكم اسبوع على الاقل تكون حياتكم استقروا وبدأتوا تتفاهموا مع بعض.
-فهماكي يا ماما.
-طيب انتي بتعملي إيه دلوقتي؟
أجابت رهف متنهدة وهي تنظر للطعام الموضوع على رخام المطبخ:
-المفروض هبدأ أحضرلنا عشا.
-ماشي يا حبيبتي مش هعطلك، روحي خلصي وانا هتصل بيكي كل يوم اطمن عليكي، واوعي لو حصل أي حاجة ماتقوليليش يا رهف أنا أمك يا حبيبتي.
-لا متقلقيش يا ماما، ان شاء الله خير ومش هيحصل حاجة.
-ماشي يا حبيبة ماما في رعاية الله.
-مع السلامة.
أغلقت ثناء الهاتف رافعة وجهها نحو عماد الذي هتف في زهو يهز رأسه:
-شوفتي بقا إن كلامي صح وإن نظرتي في شخصية بني ادم عمرها ما تخيب، وإن أنتي وبنتك اللي خوافين.
فهزت ثناء رأسها متنهدة ثم تشدقت بـ:
-الحمدلله يا عماد، أنا الفترة اللي فاتت مكنتش بدعي إلا إن ربنا يخيب ظني ويطلع ابن حلال.
غمغم عماد مرددًا بعدها:
-ربنا يهديهم لبعض ويجبر بخاطرها.
فرددت ثناء خلفه:
-آميين.
ثم بدأت ذكرى من الماضي القريب تقتحم عقلها مذكرة إياها بسبب خوفها هي و رهف تجاه مروان......
خلال اليوم الثاني بعد زيارة مروان لرهف قبل الزواج حين كان يعرض عليها بعض نماذج غرف النوم...
كانت رهف في حالة مُثيرة للشفقة من إنفلات الأعصاب، وصدمة الجملة التي سمعتها من مروان تفتت أي تماسك قد يتشكل داخلها، ترددت كثيرًا ولم تدري ماذا عساها تفعل، وفي النهاية لم تجد مفر من اخبار والدتها بما سمعته، وبالفعل ركضت لوالدتها تفرغ في احضانها كل ما بجبعتها....
تلونت ملامح ثناء بداء الخوف والقلق الذي نقلته لها رهف عبر حروفها المُبطنة، ثم قالت بشك تسألها:
-انتي متأكدة من الكلام دا يا رهف ؟
اومأت رهف مؤكدة بسرعة وعيناها البُنية المشطورة بالدمع والخوف تناشدها بالتصديق:
-ايوه طبعًا يا ماما، والله العظيم سمعت بودني صدقيني.
فأسرعت ثناء تربت على كتف ابنتها وهي تستطرد قائلة لتسد فجوة الخوف من التكذيب التي كانت تكبر داخل رهف مع مرور الوقت، فهي لا تود خسارة رهف تمامًا وإنسداد كل الطرق الممكنة بينهما :
-مصدقاكي يا رهف، بس قصدي يعني يمكن انتي فهمتي غلط او كده.
عضت رهف على شفتاها مفكرة، ثم نطقت فارشة هياج أفكارها المشوشة أمام والدتها:
-مش عارفة يا ماما، بس خايفة.
ثم زفرت وهي تفرك جبهتها في إرهاق نفسي حقيقي:
-او يمكن أنا اللي من بعد اللي حصل بقت أقل حاجة تخوفني.
ربتت ثناء على كفها تحتضنه بين يديها هامسة في حنو تحاول بثها ذريعة الاطمئنان التي اهتزت داخلها اصلًا رغمًا عنها:
-متقلقيش يا حبيبتي، أنا هقول لأبوكي، وأنتي صلي استخارة كتير، وبأذن الله خير.
-باذن الله يارب.
وبالفعل بعد فترة، أخبرت ثناء عماد بكل ما قصته عليها رهف، فتغضنت ثنايا وجه عماد في قلق نوعًا ما، ولكنه جادلها قائلًا:
-طب وانتوا لية افترضتوا سوء النية يا ثناء ؟ مش يمكن كان بيقول لحد صاحبه بيطمنه إن الجوازة هتتم، ومثلًا حد كان بينصحه زي باقي الشباب فبيقوله إنه مسيطر على كل حاجة ومفيش حاجة تقلق او مشكلة بخصوص شخصية رهف.
-تفتكر كده ؟؟
سألته بعينين موخوزتين بالشك والقلق، راجية أن يكون كلامه هو الصحيح، فهز عماد رأسه مؤكدًا وأكمل:
-ايوه طبعًا، أصله إيه جو المخابرات اللي عاملينه أنتي وبنتك دا، وهنقعد كلنا ورا شك نفكر ونعقد نفسنا وماشوفناش من الراجل حاجة وحشة او تشكك وعارفينه من زمان.
فهزت ثناء رأسها في محاولة لإقناع الأم القلقة داخلها بكلامه:
-صح عندك حق يا حاج.
فتابع هو في نبرة حازمة يخبرها مشددًا على حروفها:
-عقلي بنتك، وفهميها إن ربنا هو دليلها ووكيلها، وإن مش كل حاجة بنسمعها بتبقى صح، وأكيد ربنا مش هيجيب حاجة وحشة، حتى لو في حاجة وحشة من وجهة نظرنا كبشر حصلت بس بنتعلم منها.
في طاعة وهدوء هزت ثناء رأسها ورددت:
-ونعم بالله.
عادت ثناء من ذكرياتها مغمضة عينيها، وأخيرًا وجدت الراحة مسكنًا لها بين ضلوعها، فهمست بصوت يكاد يسمع:
-الف حمد وشكر ليك يارب.
****
بينما على الطرف الآخر...
أغلقت رهف الهاتف وهي تضعه جوارها على رخامة المطبخ، ثم بدأت في اعداد الطعام، وهي تتذكر مروان الجالس في غرفة الاطفال يقرأ بعض الكتب؛ هوايته المفضلة، لحين انتهائها من اعداد الطعام.
مرت دقائق، ودلف مروان المطبخ، ليراها واقفة أمام الرخامة معطية ظهرها له، والذي يتناثر عليه شعرها الأسود الطويل والذي تركته منسدلًا كعادتها لأنه لم يكن قد جف بالكامل من المياه، اقترب منها ببطء حتى أنها لم تلحظ تواجده خلفها، أصبح على بُعد خطوات قليلة منها، فنفضت رهف شعرها بتلقائية للخلف وهي تزفر بحدة، فباغتت قطرات المياه الخفيفة وجه مروان الذي أغمض عينيه وتلك القطرات سقطت كالندى على دواخله القاحلة لتسقي فيها رغبة مُلحة باستكشاف خصلاتها السوداء بيداه وتمريغ أصابعه فيه!
اقترب اكثر ليصبح خلفها مباشرةً، ثم وببطء نفخ عنذ اذنها حيث خصلاتها الملمومة، لتشهق رهف متفاجئة تضع يدها على قلبها وهي تردد في تلقائية تامة:
-حرام عليك خضتني.
فهمس في نغمة رجولية اثارت داخلها ذبذبات غريبة أربكتها:
-سلامتك من الخضة.
ثم لمعت عيناه حين وقعت على خصلاتها المبتلة نوعًا ما والتي إلتصقت برقبتها المرمرية البيضاء، فازدرد ريقه وعيناها تراقب تفاحة ادم التي تحركت، فانتقل لها داء التوتر على الفور، ولم يشعر هو بيداه التي تحركت تجاه رقبتها وأصابعه الخشنة تبعد خصلاتها الملتصقة بجلد رقبتها الناعم، نعومة تغري شفتاه المتلهفة وبإلحاح أن تستكشف نعومتها بدلًا من أصابعه..
لم يكن يدري أنه ودون شعور كان يتحسس رقبتها ببطء شديد ومُهلك وهو يزيل تلك الخصلات، بينما المسكينة مغمضة العينان ترتجف وملمس أصابعه العابثة لا يرحم أوتار أنوثتها فيتلاعب بها مذيبًا خلاياها ببطء...
بدأ يشعر أنه يسقط تدريجيًا من برج التحكم العقلي والسيطرة الذي كان يحبس نفسه به، فأخذ نفسًا عميقًا مستعيدًا سيطرته ثم ابتعد خطوتان للخلف معطيًا المساحة لرهف للتتنفس قليلًا...!
ثم تنحنح محاولاً اخراج حروفه بنبرة عادية وهو يقول:
-بتعملي إيه؟
فتمتمت رهف مجيبة بصوت مبحوح:
-بعمل عشا.
أومأ برأسه ثم استطرد مشاكسًا بابتسامة خفيفة:
-المهم يكون عشا حلو يرم العضم كده.
فهزت رهف رأسها نافية وهي تجيبه برقة:
-لا متقلقش ماما قالتلي هعمل إيه.
فأكمل مروان وقد بدأ يحرك أقدامه لخارج المطبخ:
-ماشي انا هروح اكمل قراية الكتاب اللي بقرأه عقبال ما تخلصي وابقي ناديني.
-تمام.
وبالفعل بعد وقت ليس بطويل إنتهت رهف من إعداد العشاء، وقدمته بشكل لائق على طاولة الطعام، ثم توجهت نحو الغرفة التي يقطن بها مروان ونادته ليأتي، وتناولا الطعام سويًا وقد كان لا يخلو من بعض العبارات العابرة كمحاولة مستمرة من مروان أن لا يترك للحاجز النفسي بينهما المساحة الكافية لينمو، بل يستمر ويستمر في حسره حتى يأتي الوقت الذي ربما يكون قد إقتلعه تمامًا خارج منطقة حياتهما.
بعد انتهاء العشاء، عاد مروان للغرفة يتسلى في قراءة كتابه في حين توجهت رهف لتصنع كوب من مشروب ساخن بعد أن اخبرها مروان بعدم رغبته في شرب أي مشروب...
وبالفعل إنتهت وحين كادت تأخذه متوجهه للخارج دلف مروان، لينظر للكوب متسائلًا في هدوء:
-دا إيه دا بقا ؟
فأجابته رهف مبادلة نفس النبرة الهادئة العملية:
-دا كاكاو باللبن، أنا بحبه وعلى طول بعمله، لو عايز ممكن أعملك.
هز مروان رأسه نافيًا، ثم أردف بابتسامة هادئة كالطفل حين يستأذن لينل شيء:
-لأ انا هادوق بتاعك الاول وأشوف هحبه ولا لا.
اومأت رهف مؤكدة، ثم استدرات وكادت تسكب له من كوبها في كوب آخر ليتذوقه، ولكنه اوقفها قبل أن تفعل بقوله مستنكرًا:
-استني انتي هتعملي إيه؟
فهزت كتفاها تجيب في تلقائية:
-كنت هحطلك في كوبايه تانية، أصل في ناس مابتحبش تشرب مكان حد.
نفى مروان برأسه ثم مد يده يتناول الكوب من يدها ورغمًا عنهم تلامست أصابعهم في ثانية سريعة ولكنها كانت كالشرارة الخافتة بينهما.
ثم سألها وهو يشير لأحد أطراف الكوب:
-انتي شربتي من هنا صح؟
اومأت رهف مؤكدة متوقعة أنه سيعكس المكان الذي شربت منه، ولكنه فاجأها حين شرب من نفس مكانها دون أن تلمح أي طرف للاشمئزاز او التقزز على ملامحه، بل كانت ملامحه مرتخية متلذذة وهو يتذوقه، وداخلها تتسائل عن سبب فعلته تلك!
أحست أنه يريد أن يخبرها أن لا خصوصية، لا تقزز بينهما، بل كل شيء وأصغر شيء سيتشاركونه سويًا..!
وحين رفع عينيه ينظر لها أحست للحظة أن شفتاه تطبع على شفتاها وليس مكانها فقط!...
فاندفعت الحمرة تفترش قسماتها البيضاء، ابتلعت ريقها بتوتر، ثم قطع هو هذا الصمت حين سألها:
-هو انتي حاطه سكر قد إيه؟
فأجابته هادئة:
-حاطه معلقة واحدة.
ليهز رأسه نافيًا يتصنع الاستنكار:
-لا مش معقول، دا مسكر خالص.
ثم ضيق عينيه محدقًا بها للحظة هامسًا:
-إيه دا استني كده.
وبحركة مباغتة وقبل حتى أن يصحو عقلها مدركًا مقصده، كان مروان يطبع قبلة سريعة سطحية على شفتيها المنفرجتين، قبلة قصيرة المدة ولكن كان لها الأثر الأكبر والأطول في غفوة مسكرة لذيذة لعقلها الذي بدا وكأنه توقف عن الاستيعاب مؤقتًا، فظلت ترمش للحظات محدقة به ببلاهه..!
بينما هو قال في ابتسامة جانبية تقطر رجولة ومكر:
-اه دلوقتي عرفت هو مسكر ليه
بدت رهف وكأنها استوعبت ما فعله للتو فرفعت يدها على الفور تضعها على شفتيها وكأنها تستكشفها إن كان قبلها فعلًا في حركة مباغتة عابثة داعبت شيء باهت داخلها !...
***
في اليوم التالي..
كان "مروان" في المرحاض يستحم، فيما كانت رهف تقوم بترتيب بعض الاشياء الخفيفة في المنزل، حين طُرق الباب عدة مرات متتالية، فعقدت رهف ما بين حاجبيها في تعجب من الإصرار والسرعة في الطرق، وصاحت:
-ايوه ياللي بتخبط ثواني.
توجهت نحو اسدال الصلاة الخاصة بها ترتديه مسرعة ومن ثم سارت نحو الباب، فتحته لتتفاجئ بسيدة شابة ذات ملامح متجهمة وعينان مهاجمتان يطفوهما الغضب..
فسألتها رهف بتعجب جلي:
-ايوه مين حضرتك ؟
فرفعت "غادة" حاجبها الأيسر مستنكرة وفي سخرية تامة ردت:
-حضرتي مين! دا على أساس إنك متعرفيش حضرتي.
هزت رهف رأسها نافية وبنبرة مماثلة من السخرية:
-لأ محصليش الشرف.
فباغتتها الاخرى باجابتها الصادمة التي ضربتها في مقتل:
-أنا مراته الاولى يا حبيبتي!...
يتبع الفصل الثالث اضغط هنا