رواية انين مكة البارت الثاني والفصل الثالث بقلم أم فاطمة
رواية انين مكة الفصل الثاني 2
ولجت مكة لمنزلها فاستقبلتها والدتها ببشاشة .
حكمت والدة مكة.. حمد لله على السلامه يا ضنايا .
مكة وهى تطبع قبلة على جبهتها .. الله يسلمك يا ست الكل .
ثم سئلتها وهى تضع يدها على بطنها من شدة الجوع ""'
ها عندك أكل ولا هقضيها عيش ناشف مع كوباية الشاى اللى من غير سكر وادخل أنام ؟
دمعت عين والدتها حكمت من المأساة التى تعيش بها إبنتها بسبب زوج معدوم الضمير ، مدمن يأخذ كل تملكه لإرضاء نفسه ويتركها فريسة للجوع ، حتى فقدت الكثير من وزنها .
حكمت بأسى ........يا حبيبتى يا بنتى .
لا النهاردة فيه مفاجأة "'
بصى أنا مخبيالك إيه ؟ بس كليه بسرعة قبل مالمنيل عباس يطلع ويشوفك ويطين عشتنا .
ثم أخرجت لها طبق من المحشى الذى قد بعثته لها جارتهم عنايات ، وخبئته والدتها لها .
اتسعت عين مكة من الفرحة قائلة....الله الله محشى مرة واحدة ، يا جمالو يا حركاتوا .
أكيد ده من عمايل خالتى عنايات ، تسلم إيدها وكتر خيرها .
ثم جلست مكة سريعا متمتمة ( بسم الله ) وتناولت أصابع المحشى بشراهة مع إطعام والدتها بيديها فى فمها .
حكمت........يا حبيبتى ، كلى أنتِ ، وسيبك منى ، أنا أكلت مع عمك عباس من شوية.
مكة بسخرية .......وأكلتى إيه ؟
مهو مفيش غير الفول والفلافل اللى خلاص نشفوا بطننا وكمان ساعات باجى مش بلاقيهم وفين وفين لما تعملى صنية فتة من غير لحمة من رز التموين ، ده لو لحقتيه قبل مياخده جوزك ويبعيه عشان الكيف .
حكمت بغصة مريرة........هنعمل ايه بس يا بنتى ؟
قدر ومكتوب ، ربنا يهديه .
مكة ....يارب .
وإذ بباب الشقة قد فتح من قبل عباس الذى ولج إليهم كالثور الهائج .
فارتعدت مكة واحتمت فى أحضان والداتها .
عباس وقد أطاح الإدمان بعقله ...أهلا بالسينورة ، أظن النهاردة أول الشهر وحضرتك قبضتى ، فاطلعى بالمعلوم .
ثم وقع نظره على طبق المحشى فاتسعت عيناه بنهم واختطفه من أمامها قائلا....إيه ده بتكلوا من ورايا وده منين إن شاءالله ؟
حكمت بخوف........ده من ست عنايات جارتنا .
عباس.... اه بس مش مفروض لو أنتِ ست محترمة تشليه لجوزك ، ولا تلهفيه أنتِ وبنتك لوحدكوا يا عالم معفنة .
بس كويس إنى جيت فى الوقت المناسب.
وها يا بت أمك ، أطلعى بالمعلوم ومينقصش جنى واحد وإلا هعلم وشك الحلو ده بالمطوة .
ثم أخرجها من بنطاله ، فشهقت مكة بخوف وأسرعت لإعطائه مرتبها إلا جزء يسير منه لا يكفى ثمن الموصلات.
خطف عباس من يدها المال ، ووضعهم فى بنطاله ثم ألتهم ما تبقى من المحشى وأسرع للمغادرة لينفق ما أخذه منها عنوة على المخدر .
بكت مكة بمرارة فى أحضان والدتها صارخة.........وبعدين يا أمى هنفضل فى الذل والأرف ده كتير .
حكمت......على عينى يا ضنايا ، ربنا على الظالم والمفترى ، ربنا ياخده ونرتاح منه بس نعمل إيه؟
ملناش مكان يؤينا غير بيته .
مكة بحزن .........أنا حاسه إنه فى يوم من الأيام هيدفنا هنا .
حكمت ......بعد الشر عليكِ يا ضنايا ، ومتخافيش هو بيهوش بس لكن جبان ميقدرش يعمل حاجة ، أنا خبزاه وعجناه وعارفه إنه بوق بس .
وربنا يجازيهم ولاد الحرام اللى علموه الكيف وخلوه كده .
ده مكنش كده لما اتجوزته ، كنتِ لسه أنتِ صغيرة.
ومش واعية لحاجة .
وكان يعنى مش وحش اوى بس عيبه الوحيد بتاع ستات لكن بعد كده أتلموا عليه صحاب السوء وخلوه يشرب ويشم لغاية مخلص فلوسه على الهم ده .
واتغيرت أخلاقه زى ما أنتِ شايفه كده .
مكة بغصة مريرة....طيب يا أمى ، ربنا يرحمنا برحمته ويكفينا شره .
وأنا هقوم بعد إذنك ألحق صلاة المغرب قبل العشا متأذن .
وأقرء وردى لغاية العشا وأصليها وأنام عشان مهدودة من وقفة طول النهار فى المستشفى .
غير إنى بصحى الفجر ومش بعرف أنام لغاية ما بتوكل على الله لما الشمس تطلع .
حكمت بحزن على حال إبنتها.....ربنا يقويكِ يا ضنايا .
وعقبال ما اشوفك فى بيت الهنا متهنية وسعيدة .
مكة بإبتسامة واهنة .....إن شاءالله ، دعواتك يا أمى ديما .
ثم ولجت مكة للمرحاض فتوضئت وولجت لغرفتها لإداء فرضها ثم أتمت وردها ورفعت أكف الضراعة لله قائلة.......اللهم أنت ترى مكانى وتعلم حالى ، فهل يا سيدى من فرج قريب ، اللهم إن كان بلائى بسبب ذنب فاغفره لى وارفع عنى البلاء .
ثم جلست فى مصلاها تنتظر صلاة العشاء ولكن أصاب النعاس جفنيها فجاءها زائر ما فى منامها يستغيث بها بعد أن وقع فى وحل من الطين ولم يستطع النهوض .
فمد لها يديه لكى تنشله من هذا الوحل ، فمدت له مكة يدها فأخرجته فتشبث بيديها ولم يتركها .
ثم أفاقت مكة من نومها على صوت آذان صلاة العشاء مبتسمة أن أكرمها الله بإنقاذ أحدهم
فمن يا ترى هو ؟؟؟؟
أدت مكة فرضها وعندما توجهت لفراشها للنوم ، تخلل لأذنها صوت مشادة بين والداتها وزوجها.
عباس بغضب..........بقولك يا ولية أنتِ .
هتجوزه يعنى هتجوزه ، وأنا خلاص اتفقت مع الراجل ، ولا عايزة تطلعينى عيل قصاده ؟
قضبت حكمت جبينها وهمست برجاء...يا راجل حرام عليك ده قد ابوها ومجوز بدل الوحدة اتنين .
عباس........مليش فيه .
هو راجل مقتدر وهيعشها فى نعيم وإحنا هينوبنا من الحب جانب .
حكمت.......أنت عايزنى أبيع بنتى عشان الفلوس .
عباس....والله سميها زى متسميها .
المهم هتجوزه يعنى هتجوزه .
وهو جى بكرة إن شاءالله نقرء الفاتحة ونحدد معاد الخطوبة وكتب الكتاب وبعدها الدخلة على طول عشان المعلم حنفى الجزار مستعجل .
حكمت بنفاذ صبر....حرام عليك يا راجل والله اللى بتعمله فيا أنا وبنتى ده ، هتروح من ربنا فين ؟
عباس بغضب....أنتِ بتدعى عليه يا وليه ، حرمت عليكِ عشتك أنتِ وهى .
مش عجبك أطلقك وتروحى فى ستين داهيه أنتِ وهى .
وفهمى بنتك لو موفقتش ملهاش قاعد تانى فى البيت ده .
سمعت مكة الحوار ولكنها لم تجرؤ على مناقشته أو الرفض فهى لا حيلة لها سوى رحمة الله .
فتكورت مكة على نفسها فى فراشها ،حيث ضمت رجليها إلى صدرها كأنها تضم إليها نفسها وتسللت العبرات من عينيها على وسادتها وتمتمت بقهر....حسبى الله ونعم الوكيل .
...........................
وفى أحد الأقسام .
جلس النقيب ركان على مقعده يزفر بضيق ويعلو صوته فيسبب الرعب فى قلوب من حوله .
ركان بصوت جهورى عالى .....أنت يا زفت يا شاويش منصور ، دخل المتهم خميس .
منصور برهبة.....حاضر يا باشا .
فدفع منصور المتهم خميس دفع إلى ركان مسددا لها الضرب على مؤخرة رأسه بضربات متتالية .
خميس بذل........الرحمه يا باشا ، الله يخليك .
فوقف ركان أمامه والغضب يمتلكه وقد برزت العروق فى رقبته قائلا.........دلوقتى بتقول الرحمة وكانت فين الرحمة لما قتلت صاحبك وعشرة عمرك عشان مية جنى كنت سلفهم منه ومردتش تردهم .
خميس ببكاء.......مش أنا اللى قتلته يا باشا ، صدقنى ، أحلفلك بإيه ؟
فصفعه ركان صفعة قوية على وجهه قائلا بزمجرة...........قالوا للحرامى أحلف .
أنت هتستهبل يلا ، أنت بصماتك على السكينة اللى غرزته بيها ، لما خدته على خوانه وهو ماشى بضهره .
فاعترف من سكات يا حيلتها وإلا ما هتطلع من هنا إلا على نقاله .
ذعر خميس و انهار وانهمرت الدموع من عينيه وعلم إنه لا مفر من الأعتراف بجريمته فاعترف بقوله .. ....كانت لحظة شيطان يا باشا صدقنى ومكنش فى بالى أعمل حاجة زى دى خالص .
بس هو أحرجنى وخله رقبتى زى السمسمه ، لما جالى وقلى فين فلوسى اللى خدته منى ، قولتله مخدتش منك حاجة ، فقعد يزعق ويحسبن عليه ، وراح ماشى .
فخوفت يفضحنى قصاد صحابى ، فأول مجه يمشى وعطانى ضهره ، راحت غارز فيه السكينة راح مستحملش وطب ساكت ، وأنا كنت قاصد بس أخوفه .
ضحك ركان بسخرية.......والله كنت خايف من فضيحة صغيرة ، أديك بعقلك ده ، أتفضحت قدام الخلق كلهم .
ثم أخذ ركان يسدد له الركلات وحدة تلو الأخرى والرجل يصرخ .
فولج إليه فى تلك اللحظة أخيه رياض ، فانزعج من ضرب ركان قائلا........كفاية يا ركان ، وخلى القانون ياخد مجراه أفضل من الضرب ده .
فانظر له ركان بحدة ثم أشار إلى الشاويش منصور لأخذ خميس إلى الحبس .
وبعد أن غادر ، سخر ركان من رياض قائلا.........هتفضل طول عمرك قلبك رهيف كده ، قانون إيه وبتاع ايه اللى بتكلم عنه ؟
الناس الزبالة دى ميجيش معاهم غير كده ، عشان ينطقوا ويعترفوا .
رياض.....مش لازم بالضرب ، أقيد الخناق عليهم وواجهم بالأدله وهما هيعترفوا .
ركان........ايوه يا حنين، المهم حضرتك سايب شغلك وجى ليه ؟
رياض بضحك ...عشان الست الوالدة مشددة عليه ، أشوفك كل شوية وأطمن إنك موجود ، عشان متزوغش كده ولا كده ، عشان معاد العروسة .
قضب ركان جبينه وزفر بضيق قائلا...يادى العروسة والجوازة اللى شكلها هم دى من أولها .
رياض....مش عايزها ، أنا فى الخدمة ، وعايز أتاهل من دلوقتى .
ركان .....ياريت ، اشربها أنت مبروك عليك بنت المحافظ .
رياض بتهكم.......مالها بس ؟
البت على حسب علمى ، حلوة ومركز ووظيفة قيمة ، فمالك مزربن كده ؟
وياريت كان ينفع بس حضرتك الكبير ولازم أنت تخوض المسيرة ونحن من ورائك .
ركان.......مش حابب أجوز بالطريقة دى ولا حابب فكرة الجواز أصلا.
إلا لو لقيت فعلا بنت احبها من قلبى واتمنى تكون من نصيبى ، غير كده فحياة الحرية أفضل .
رياض.......عندك حق ، هو الحب إحساس جميل ، بس تقريبا دلوقتى بقه مقتصر على الأفلام والروايات ، غير الواقع تماما ، فخلينا يا سيدى فى الواقع ، والله اعلم يمكن تحبها .
ركان بتنهيدة حارة.....لما نشوف الهانم اللى عشان خاطرها ، ضيعت سهرة النهاردة .
رياض بغمز .....يا سهراتك يا عمنا ، متخدنى معاك مرة .
ركان بسخرية....لا السهرات دى للكبار .
فنكزه رياض بغيظ....ليه شايفينى عيل قصادك ولا إيه ؟
طيب قدامى وحلال فيك شاهى بنت المحافظ .
ركان.........كده ، امرى لله ، يلا بينا .
.............
زوجة المعلم حنفى الجزار الأولى وتدعى ( إجلال ) ذهبت لزيارة زوجته الأخرى ( تهانى ) على حين غرة .
فطرقت إجلال الباب بطرقات متتالية وسريعة تنم عن الغضب .
سمعت تهانى صوت الطرقات فزفرت بضيق ........ايوه يلى بتخبط مالك مسروع كده ؟
ما براحة شوية على الباب، هيتخلع فى إيدك .
ثم توجهت لفتح الباب لتفاجىء بضرتها ( إجلال ) .
تهانى بعبوس.......ست إجلال !
ده إيه اللى رماكِ علينا النهاردة مش بعاده يعنى .
إجلال وهى تدفعها برفق أمامها ثم تغلق الباب ....اللى جابنى هو المر اللى عايشه فيه يا تهانى .
وأهو أنتِ كمان هتدوقيه زى مدوقته قبلك .
مهو كاس وداير .
تهانى بإستغراب.......بس متزوقيش كده.
وهو إيه يا حبيبتى ده اللى ادوقه ؟
أنتِ شكلك جاية تجرى شكل على الصبح .
وبنظرة تكبر وثقة وهى تضع يديها فى جمبيها تابعت""
ومش قادرة لغاية دلوقتى تستوعبى إن المعلم إجوزنى عليكِ.
إجلال بسخرية....حيلك حيلك يا ست تهانى ، مش اوى كده .
ومتخديش فى نفسك قلم ، وياستى اللى خدته القرعة تحده أم الشعور .
تهانى بغيظ........بقولك إيه يا ست أنتِ ، إصطبحى وقولى يا صبح ، وأدخلى فى الموضوع على طول عشان مش فاضية .
ثم حاولت أن تدب فى قلبها الغيرة بقولها .......أصلو رايحه أعمل للمعلم شوربة الكوارع اللى بيحبها من إيديه .
إجلال محركة شفتيها يمينا ويسارا قائلة بسخرية........وماله يا أختى أعمليله ،مهو عريس جديد برده ومحتاج تقويه .
ثم ضحكت بإستهزاء .
تهانى بنفاذ صبر ......قصدك إيه ؟ وعريس إيه ؟
متدخلى فى الموضوع على طول .
إجلال......قصدى إن المعلم ناوى يعملها لتالت مرة ، يعنى هيجوز عليكِ أنتِ كمان يا حلوة وتدوقى نفس الكأس اللى دوقته من قهر وذل .
إرتجفت تهانى واهتز جسدها فأستندت على الحائط وقالت بصوت متحشرج........لا لا أنتِ أكيد كدابة ، وبتقولى كده عشان غيرانة منى عشان أحلى وأصبا منك .
إجلال بتهكم.......مهو برده منقى حتة كده صغيرة لسه .
بس عادية وجسمها زى عود القصب بس لسانها يتلف فى حرير وممكن تاخد الليلة كلها مننا .
ولو مش مصدقانى ، أسئليه بنفسك وهو هيقولك ، أصل المعلم حنفى صريح فى الحجات دى بذات .
تغير لون تهانى وتطاير الشر من عينيها قائله .....هى مين دى اللى ما تسمى وأنا أروح أولع فيها ؟
إجلال .....البت المسهوكة مكة بنت حكمت .
معرفش عجبه فيها إيه ؟ المقشفة دى .
بس صراحة كل رجالة وستات الحته بيحبوها عشان بت جدعة ولسانها حلو وفى حالها .
ضربت تهانى على صدرها بإحدى كفيها صارخه ....يا مصيبتى ، بقه المعلم يبص للبت دى عليه أنا .
دى ولا ريحه ولا طعم ، ومتسماش وحده ست فى سوق الحريم .
إجلال.........والله أسئليه أنتِ بنفسك ، إيه اللى عجبه فيها ؟
تهانى بغيظ...وأنا لسه هسئل ، أنا هروح أجبها من شعرها هى ولى يشددلها .
المهم جاية معايا ؟ ولا جاية تغظينى بس ؟
إجلال معاكِ طبعا ، بس تفتكرى نعملها دلوقتى ولا نستنى لما تكون معاه فى الكوشة ونديها العلقة التمام ، عشان متفكرش وحدة تانية تبص للمعلم بتاعنا ؟؟
..............
سهام والدة ركان فى إستقبال ضيوفها شاهيناز ووالدها اللواء ومحافظ البلدة وزوجته ( حنان ) .
سهام بإبتسامة .......أهلا اهلا ، شرفتونا بزيارتكم .
حنان.....أهلا بيكِ ، الشرف لينا .
سهام .... ماشاءالله على بنتنا شاهى ، زى القمر .
شاهيناز بخجل ....ميرسى .
سهام.......أتفضلوا فى الصالون ، وصليهم يا ريم .
ريم بأبتسامة صفراء ....أتفضلوا .
ثم ولجت سهام لغرفة ركان لتخبره أن عروسه قد حضرت فوجدته نائم .
فأمسكت الوسادة بغيظ شديد ثم ألقتها فى وجهه ، فقام مفزوعا مخرجا سلاحه الميرى من أسفل وسادته وسدده إليها بدون شعور .
سهام بغضب...أنت أتجننت يا ولد ، فترفع سلاحك فى وشى .
فرك ركان عينيه متثائبا بنعاس...معلش يا امى ، كنت بحلم إنى فى عملية للقبض على عصابة.
سهام بغيظ......وحضرتك ده وقت نوم ، كنت بعتقد إنك بتنهى لبسك عشان تطلع تقابل الضيوف .
ركان بتثاؤب.....ضيوف مين ؟
سهام....لا أنت زودتها عن اللازم ، ثم أمسكت بكوب الماء الذى على المنضده بجانبه ، ثم سكبته على وجهه ليستفيق .
فغضب ركان وأعتدل من جلسته قائلا....ليه يعنى كل ده ؟
منا قعدت ساعة استناهم وحضراتهم أتأخروا ، فعينى غفلت غصب عنى من إجهاد الشغل .
سهام بتوعد شديد .....قدامك خمس دقايق مفيش غيرهم يا سيادة النقيب عقبال ما نحضر السفرة للعشا وألاقيك قدامى بره .
فاهم ؟
ركان بنفاذ صبر ....فاهم .
غادرت سهام وتركته يتخبط لا يدرى ما يرتدى فى تلك الدقائق القليلة .
فسحب سريعا بنطال باللون البيچ وتيشريت بأكمام طويلة كاجول باللون الزهرى .
ثم صفف شعره بإحترافية ونثر عطله المفضلة.
فولج إليه رياض فصفر بفمه قائلا........إش إش يا حضرة النقيب ، مز جامد أنت ، والعروسة برده مزه ، شعر أصفر وعنين زرقة وأعتقد سنانها بيضه .
مش متأكد .
مش باينه اوى من صباع الروچ اللى وكلاه .
ركان بضحك....يخربيت كده ، إهدى يا حضرة الملازم .
ربما يكون الجمال ده جمال صينى مضروب مش أصلى .
رياض مداعبا خصلات شعره....اه اتصور ،طب والعمل ، نوصى البت ريم عليها وهى هتعرف تجيب قرراها وتوقعها .
ركان.......أسكت بلاش فضايح ، أنا هعرف لوحدى ، أنا واخد على الأشكال دى وأعرف الطبيعى من الصناعى.
رياض.....يا لعبك يا عم ، خلاص لما يجى الدور عليه ، هاخدك معايا تعاين البضاعة .
واتفضل يلا عشان أمك بتغلى بره وبتقرمشلك .
ركان.......حد قالها عايز أجوز ، تشرب بقه .
رياض بمداعبة .. ....معلش هدى الدور وأزمة وتعدى يا اخويا متعملش فى نفسك كده .
ركان بضحك....هتموتنى وأنا لسه عايز أشوف الدنيا اللى بره .
رياض .....طيب قدامى يا عريس .
فدفعه رياض أمامه حتى ولج إلى غرفة الصالون .
رأت شاهيناز ركان فحدثت نفسها ...واو ،كتير جانتيه .
وعندما لمحها رياض حدث نفسه ....شكلها مش بطال .
بس لو طلع عقلها فى شكلها هتبقى مشكلة ، يلا لما نشوف عقل الآنسه فيه إيه ؟
فتحدث ركان معها فى أمور عدة ولكن وجدها لا تهتم سوى بالأزياء وآخر صيحات الموضة والميكب والسفر والرحلات والنوادى .
ركان بنفور محدث نفسه ......ودى هتجوز وتفتح بيت إزاى إن شاءالله وهى كل تفكيرها فى اللبس والفسح ؟
هى دى أخرتك يا ركان ،يا خسارة .
ولكنه لم يجد مفر من مجاراتها فى الحديث من أجل إرضاء والديه ، الذى تفاجىء بتحديد والده موعد لزيارتهم قريبا .
فالتزم ركان الصمت لعله يفكر فى سبيل للخروج من هذا المأزق .
ثم رن هاتفه من رقم يعلمه جيدا فتنهد بإرتياح فعسى هذه المكالمة تساعده على التخلص من ثرثرة تلك العروس .
فستأذن ركان للولوج للشرفة ليتستجيب للمكالمة.
فأذنوا له على مضض منهم .
ولج ركان للشرفة واستجاب للمكالمة .
ركان....الووووو
دلال......قلبى يا روكا ، وحشتنى مجتش ليه النهاردة ؟
ركان بغضب....أنتِ أتجننتى يا دلال ، بتتصلى بيه وبتكلمينى بالأسلوب ده ، أنتِ نسيتى نفسك ولا إيه ؟
دلال بحرج وتوتر.........أسفة يا باشا بس قلقت عليك ، اعذرنى ، سماح المرة دى عشان خاطرى .
ركان بتوعد....إياكِ تعمليها تانى ، هخسف بيكِ الأرض وهرجعك تانى السجن .
دلال بخوف وصوت متوتر......حرمت يا باشا حرمت .
ركان....طيب سلام .
دلال....استنى بس يا باشا معلش .
ركان بنفاذ صبر ...عايزه إيه إنجزى ؟ مش فضيلك .
دلال........البت كرميلا صاحبتى الأنتيم .
أتمسكت أداب من شوية وقلبى وكلنى عليها يا باشا .
فسايق عليك النبى ، تشوفها وتحاول تطلعها زى ماعملت معايا ، أنت قلبك كبير وحنين .
ركان بنفور........هى ناقصه بلاوى، خليها تتأدب شويه وبلاش سرمحه .
دلال برجاء........عشان خاطرى يا باشا ، البت كرميلا دى مش بتاعة بهدله ودى أول مره تعملها .
ركان بسخرية....أول مرة ؟ أنتِ هتشتغلينى يا روح أمك .
دلال..... وحياة غلاوتى عندك أباشا
(ولا يجوز الحلف بغير الله )
ركان بزفير حار....طيب ، هى متلقحه فى أنهو قسم ؟
دلال.....قسم المنتزة أباشا .
ركان محدث نفسه.......فرصة أزوغ من العروسة الحلاوه اللى بره بحجة الشغل .
ركان ....ماشى ، أنا رايحلها وهجبها وهاجى البار .
دلال بفرحة....ألف شكر يا باشا ، مش عارفه نودى جميلك فين علينا والله .
ركان....تحطى بس لسانك جوه بوقك ، وما تكلمنيش تانى .
دلال...اخر نوبه يا باشا.
ركان...طيب أقفلى ، سلام .
ثم ولج لضيوفه واستأذن لإن لديه شغل هام ، فنظر له والديه بحده ولكنه تغافل عن نظراتهم وأسرع للمغادرة متنفسا الصعداء بعد تخلصه من تلك المقابلة التى أصابته بالأختنقاء .
.............
وجدت عنان صديقتها مكة فى إحدى أركان المشفى تضع يديها على وجهها وتبكى بمرارة .
فتبدلت ملامح عنان للحزن واقتربت منها لتربت على كتفها بحنو قائلة.........قلب عنان مالو زعلان ؟
والدموع دى مش هتنشف كده أبدا ولا إيه ؟
مسحت مكة دموعها بكفيها متنهدة بحرارة موجعة ....وأنا بإيدى إيه غير الدموع ؟
عنان...يا حبيبتى ، صلى على النبى كده ، وقوليلى حصل إيه لده كله ؟
مكة ....النهاردة قراية فتحتى على المعلم حنفى الجزار .
عنان ....يوه _ مش كنتِ رفضتيه وقولتى مش عايزه مشاكل مع نسوانه .
مكة.......أعمل إيه ؟
جوز امى منه لله ، قال لو موفقتش ، هيكرشنا من البيت .
عنان.......حسبى الله ونعم الوكيل .
بس معلش يمكن يكون رحمه عن جوز أمك ده وتلهفى من وراه قرشين حلوين ، ومتقلقيش من نسوانه ، حطى صبعك فى عنيهم الأتنين .
فانفجرت مكة فى البكاء قائلة بصوت منبوح.....أنتِ مش فهمانى يا عنان ، فلوس إيه بس ؟
دى أنا كده ببيع نفسى .
عنان ....طيب والحل ؟؟؟؟
رواية انين مكة الفصل الثالث 3
فانفجرت مكة فى البكاء قائلة بصوت منبوح.....أنتِ مش فهمانى يا عنان ، فلوس إيه بس ؟
دى أنا كده ببيع نفسى .
عنان ....طيب والحل ؟
مكة بغصة مريرة.......الحل من عند ربنا بقه ، مليش غيره، وزى متيجى ، وأنا راضيه بلى قسمهولى .
عنان...........ونعم بالله العلى العظيم ، والله يا بت يا مكة .
أنتِ ربنا هيكرمك أخر كرم عشان صابره وبترضى بالمكتوب .
مكة بإبتسامة رضا......أنا عندى حسن ظن بالله ، وربنا يعجل بالفرج .
ويلا لما ندخل نغير هدومنا ونستعد نروح ، نبطتشيتنا خلصت .
عنان.........ايوه _ يلا بينا .
بس هنروح على طول ولا برده لازم تشوفى منظر الغروب وتسلمى على البحر ، مش عارفه بتستفادى إيه ؟
مكة بإبتسامة .........منظر الغروب والبحر بحس بيغسلنى من جوه وبيدنى طاقة وبرتاح نفسيا .
وأصبح أساسى عندى كل يوم .
عنان........هو البحر مفهوش كلام ، بس الجو برد يا اختى وشكلها بترخ بره .
والبحر فى الشتا بيكون هايج وممكن هوب تتطرش علينا موجة تظبطنا .
مكة بفرحة.........هييييه ،حلو اوى .
مفيش أحلى من كده .
عنان بسخرية........والله شكلك لسعتى ، ومش هترتاحى ، لما تاخدى دور برد تمام .
بس امرى لله ، يلا بينا ، لما نشوف أخرتها معاكِ.
........
وعند البحر وقفت مكة وعنان تشاهدان غروب الشمس وتنفست مكة عبير البحر ثم تمتمت بكلمات وكأنها تحدثه ""
يــا بحرُ خفّفْ مِـــــنْ هياجكَ واسمـــعِ
مِنّــي حديثــــــا ً لمْ يمُـــــرّ بمسمعِ
يــــا بحْرُ قالـــــوا أنَّ صــــدركَ واسع ٌ
فلذا أتيتُ وكـــلُّ أوجاعـــي معـــي
من غيــــــرِ أمتعــــــة ٍ قدمتُ إلــى هنا
عريان َ إلّا مِــــــنْ رداءِ توجّعـــى
صافحـتُ موجــكَ كالضحى بوضوحهِ
لمْ أُخْف ِ وجهــــــي عنكَ أو أتقنّـعِ
ضاقـــــتْ بيَ الدنيــا فما مَنْ مرفئ ٍ
يأوي جراحــــاتي ولا مِنْ موضع .
عنان برجاء وهى تضم يديها إلى صدرها .......يلا بينا يا حبيبتى .
أقربت أتجمد والميه هتغرقنا .
مكة.......عشان خاطرك بس ماشى ، لو عليه مش عايزه أمشى.
عنان .......معلش يا قلبى يا حنين أنت .
وبينما هما على أحد الأرصفة ينتظرون وسيلة مواصلات تنقلهم إلى منزلهم .
إذ بسيارة مسرعة تعبر من أمامهم فتسببت فى تناثر مياه الشتاء التى تجمعت على الأرض على ملابسهم فابتلت وشعروا بالبرودة تتسرب إلى أجسادهم .
فغضبت عنان وارتفع صوتها بالسباب والشتائم ، مشيرة بيديها نحو السيارة.
وقد كانت سيارة ركان ورأى من مرآة سيارته وهو منطلق الفتاتان أحدهما بوجه غاضب وتشير بإشارة تدل على النفور والغضب وعلى شفتيها كلمات لم يسمعها ولكنه قرء حركة الشفايف بإجادة وعلم ما تفوهت به .
كما لاحظ السكون على وجه الفتاة الأخرى متمتمة بكلمات يظن إنها تقول ""
خلاص بقه يا عنان ، اكيد مش قاصد يعنى ، وهى الدنيا غرقانة من الشتا فغصب عنه .
حصل خير يا ستى ،متبقيش أفوشه كده ، فوكيها بقه .
وأدينا مروحين خلاص .
عنان........لا منه لله ، إلهى ينطس فى نظره البعيد .
تعجب ركان من تناقض فعل الفتاتان ، فوجد نفسه يعود إدراجه بالسياره إليهم مرة أخرى ، ليراهم عن قرب .
ركان بغضب.........والله لوريها مقامها اللى بتشتم دى ، واعرفها أنا مين بالظبط .
بس غريبة البنت اللى معاها ، على نقيضها تماما فى رد الفعل حتى واللبس كمان .
شهقت عنان عندما وجدته يتراجع بالسيارة ليقف أمامهم بطالته الخاطفة الأنفاس .
عنان مرتعدة بخوف .......هو شكله سامعنى ولا إيه ؟
ثم تابعت بقولها ""
بس وماله ما يسمعنى ، أنا هخاف منه ولا إيه ؟
مكة بتوتر.......عجبك كده ، يا ام لسان عايز يتقص ؟
عنان بثقة.....سبيك أنتِ ، أنا بعون الله ، هوقفه عند حده لو قال كلمة كده ولا كده .
مكة بسخرية....مهو باين عليكِ اوى ، امال وقفة ترتعشى كده ليه ؟
ترجل ركان من سيارته وعينه تنذر بالشر ، فنظر لـ عنان بحدة ارعبتها ، فتمسكت فى ذراع مكة من الخوف .
ثم نظر ركان إلى مكة متفحصا لها من اعلى رأسها حتى مخمص قدميها ، فاصابها التوتر وأحمر وجهها خجلا ثم أشاحت بوجهها عنه .
ركان مندهشا ........غريبة البنت دى !
رغم إنها مش جميلة اوى ، بس فيها حاجة جذابة كده فى ملامحها ، وكمان وشها أحمر لما بصتلها ، هو لسه فيه بنات من النوعية دى ، أنا كنت بعتقد إن النوعية دى إنقرضت خلاص .
دلوقتى البنت تبصلها تقول ( بتبصلى ليه يا مز المزاميز ؟ عجباك صح ؟ أنا عارفه نفسى قمر ) .
ثم عاد ركان بنظره إلى عنان وبصوت عالى أفزعها.......سمعينى كده كنتِ بتقولى إيه عليه ؟
عنان بأوصال مرتعدة ....أنا يا باشا ؟ هو أنا أعرفك عشان أكلم عليك ؟
ركان ....اووى اووى ، أعرفك بنفسى ، عشان تعرفى حجمك كويس .
أنا النقيب ركان مجدى الزيات .
فضربت عنان على صدرها بخوف........ظابط يا مصيبتى .
السماح يا باشا ، العتب على النظر .
ركان بتهديد ........لا لازم تتربى الأول ، عشان تتعلمى إزاى تتكلمى مع اسيادك .
وهنا نظرت له مكة بحدة لم يتوقعها بعد أن كانت تتحاشى النظر إليه .
مكة بعين ثابتة لا تتحرك ......يا حضرت رغم مكانتك اللى إحنا مقدرنها طبعا ، بس معلش مفيش سيد علينا غير ربنا سبحانه وتعالى .
غير كده كلنا بشر بنخطىء ونصيب ، والفرق الحقيقى بينا مش فى المناصب الفانية دى ، لكن الفرق فى التقوى.
كما قال الرسول صل الله عليه وسلم.
لا فرق بين عربى واعجمى إلا بالتقوى .
صُدم ركان من كلماتها وثقتها من نفسها وعدم خوفها من رتبته كما يفعل الكثير او حتى الإعجاب به ومحاولة التقرب منه كما تفعل كثير من الفتيات .
ولكن هى على النقيض تماما .
فتسائل ؟ لما هى هكذا وما وراء تلك الثقة ، رغم هيئتها التى تدل إنها من فئة بسيطة .
فيا ترى ما هو السر ؟
ركان محدث نفسه ......مالك واقف قصادها كده مبتنقطش ؟ رد عليها .
معقول بنت زى دى ، تخليك كده ،لا مش ركان ابدا .
فضيق ركان عينيه وزفر بضيق ونظر لها بتوعد قائلا.........حضرتك بتقوليلى أنا الكلام ده ؟
وفاكرة نفسك واعظة وحكم على الناس ، لا فوقى لنفسك واعرفى مكانك .
أنا بإشارة منى ، ممكن أبيتك الليلة فى التخشيبة .
ثم أشار على قدميه قائلا بإهانة لها """
أو على الأقل أفعصك برجلى دى .
مكة بقلب كله إيمان بقدرة الله ....وتفتكر بعد متعمل كده هيسيبك ؟
ركان وقد برزت عروقه من الغضب ...هو مين ده اللى مش هيسبنى أو حتى يلمسنى ، شكلك فعلا مش مقدرة أنا مين ؟ أو ابن مين ؟
مكة بكل ذرة من كيانها أردفت .....الله .
تفوهت بها بإحساس جارف ، وكأن الله سمعها من فوق سبع سموات فاهتزت لها السماء .
وسُمع لصوت الرعد صوت دب الذعر فى قلب الجميع .
سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وينزل الصواعق فيصيب بها من يشاء ويصرفه عمن يشاء )
اهتز قلب ركان حتى إنه تراجع بعض الشىء ليستند على سيارته .
فهذه أول مرة يستشعر إسم الله فى قلبه ، فهو بعيد كل البعد عن الله ، لا يعلم له طريق .
فنعم إنه مسلم ولكن لا يعلم عن إسلامه سوى الشهادتين فقط ، فهو لا يصلى ، لا يصوم ، يصاحب الفتيات ويقع فى الرذيلة معهم .
هذا غير أخلاقه السيئة كالغضب والتكبر وإهانة كل من يتعرض له .
فحدث نفسه ركان..... إيه مالك مش على بعضك ؟
لا إثبت كده كويس ، دى وحدة ولا راحت ولا جت وتلاقيها حفظلها درس وبتجربه فيك ، مفروض أنت قوى ومش بيأثر فيك حاجة .
فأثبت ورد عليها ، إياك تضعف .
فاعتدل ركان وثبت واقفا وتجهمت ملامحه ولكن صوته تحشرج بعض الشىء ، فهمهم .....أنتِ بتقولى إيه يا أنسه ، فكرانى تلميذ فى حصة دين ؟
على العموم ، أنا مش هضيع وقتى مع أشكال زيكم ، وهسبكم بس عشان مش فاضى ناو .
لكن لو كان وقت غير كده ، كنت عرفت إزاى أعرفكم مين ركان الزيات .
فتمتمت عنان ...الحمد لله إنك مش فاضى ، زوق عجلك يا اخويا ألا وقعت قلبى .
ركان بصوت غاضب...بتقولى إيه يا زباله أنتِ ؟
إرتجفت عنان قائلة...لا مبقولش ، بقول طريق السلامة يا باشا .
ولكن مكة تقدمت لتقف أمامه قائلة بكل ثقة ....
الزباله دى بتتقال على الشىء القذر سواء كان مخلفات أو ألفاظ بذيئة ، لكن الإنسان ربنا كرمه فى قوله تعالى ( ۞ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) .
اتسعت عين ركان من الإندهاش بقوة تلك الفتاة رغم ضعف جسمانها ولم يجد ما يقوله لها ، ففضل الإنسحاب حتى لا تشعر بضعفه وهو من هو ؟
فتركها واستقل سيارته ثم أنطلق بها هائم على وجهه
مرددا على مسامعه ما قالت .
وحاول أن يتجاهل صوتها الذى يرن فى أذنيه .
ولكنه لم يستطع .
حتى إنه وضع يده على أذنه كأنه يحاول صم أذنه عن كلماتها ولكن بلا فائدة .
...................
تخشبت عنان فى مكانها ، محدقة بعينيها بصديقتها مكة ، غير مصدقة إنها إستطاعت وقف هذا البركان عن إحراقهما .
مكة بتساؤل .......مالك وقفه كده زى الصنم ومبحلقالى ؟؟
مَتفوقى ، مشى خلاص ،متخفيش .
عنان بإندهاش ....أنا مش عارفه منين جتلك القدرة تكلمى معاه كده ؟
إذ كان أنا بيقولوا عليه بسبع ألسان ومعرفتش أرد عليه .
وأنتِ اللى بتكسفى من خيالك ، كنت وقفاله ولا هركليز ، أنتِ تحولتى كده إزاى ؟
مكة بضحك ....هركليز إيه بس ؟ ده أنا لو حد زقنى أقع وربنا.
كل الحكاية يا حبيبتى ، هو ثبات من ربنا سبحانه وتعالى ، حاجة كده جوايا بتطلع لما بشوف اى حد بيتعدى حدوده مع ربنا .
عنان بتصفير....بس براوة عليكِ يا بت يا مكة ، كان عامل زى الفار المبلول بس بيقاوح .
لغاية مهرب .
فضحكت مكة ....ألفاظك دى هتودينا فى داهية .
عنان........اضحكى اضحكى ، هو الواحد فى الدنيا دى بيملك إيه غير ضحكه حلوه كده من القلب .
مكة ......أنا معاكِ بنسى الدنيا يا صاحبتى بس للأسف .
ادينى رايحه للغلب من تانى ، والمعلم حنفى فى إنتظارى .
عنان......اه صحيح ، معلش يا حبيبتى يمكن اللى تخافى منه ميجيش أحسن منه .
بس لو الموضوع سلك كده ومشى كويس ،متنسيش أختك حبيبتك فى اللحمة.
مكة بضحك....صحيح زى مبيقولوا هم يبكى وهم يضحك .
يلا بينا وزى متيجى تيجى وكل اللى ربنا كتبه حلو .
............
وصلت مكة إلى الحارة ، فاستوقفها حمادة النمس فتوة الحارة.
حمادة بغمز ......الجميل عامل ايه ؟ مش ناوى يحن عليه بكلمة ولا بنظرة ؟
ولا لازم أغنيله زى عبد الحليم ، قولى حاجة اى حاجة ،قول بحبك ، قول كرهتك ، بس قولى اى حاجة يا حبيبى .
مكة بغضب......على فكرة عيب اوى اللى بتعمله ده مع بنت حتتك .
إزاى توقفنى كده وتسمعنى كلمتين ملهمش لزمة ؟؟
وقال إيه بيسموك راجل وفتوة الحتة وأنت بتتعرض لبنت حتتك .
اوعى كده من طريقى ، وإلا ولى خلق الخلق ، هخلى اللى ميشترى يتفرج عليك يا فتوة الحارة .
ارتسمت ملامح الغضب على وجه حمادة قائلا ......ما براحه عليه شوية يا مدمزال مش كده الكلام .
الكلام اخد وعطى ، وأنا معملتش غلط .
وأنتِ على العين والراس لا مؤاخذة .
وأنا طلبك فى الحلال ، يعنى مغلطتش ، فها إيه قولك بقه ؟
إرتبكت مكة وحاولت التفوه ولكن وجدت من يمسك تلابيب ملابس حمادة من الخلف بعنف قائلا بصوته الجهورى الغاضب .....أنت إيه موقفك مع خطيبتى يا عرة الرجاله مش فتوة الرجاله .
عشان أنت بس فتوه على العيال الصغيرة والناس الضعيفه .
فكلمنى يا حيلتها دلوقتى راجل لراجل وورينى الجدعنه .
انتفض حماده من صوت المعلم حنفى وصدم عند سماعه كلمة خطيبته ، فنظر لمكة بقهر وحزن ثم همس ....بجد الكلام ده يا مكة .
فدمعت عين مكة على حالها ما بين رجل فى عمر والدها وبين شاب وضع مكان عقله عضلاته فأصبح لا يفقه شىء ، ثم أسرعت من أمامهم راكضة للأعلى .
حنفى بتهكم...عجبك كده ؟
لازم تكسفها يعنى ؟
ثم تابع بثقة ..
ايوه خطيبتى وقرى فتحتى عليها النهارده ، ثم أشار إلى زوج والدتها ليأتى ، فأتى عباس .
حنفى.وهو ينظر لحمادة بتشفى ......مش يلا بينا يا عباس أهى عروستى جت .
فيلا نبل الشربات ونكيد الأعادى .
عباس وقد أبتسم من فرط سعادته من الخير الذى سيأتى من وراء تلك الزيجة .....اه طبعا يا معلم ، يلا بينا ، ده إحنا حصلتلنا البركة والله .
فدفع حنفى حماده حتى كاد أن يسقط أرضا ولكنه تمالك نفسه ثم ركض إلى منزله باكيا حتى لا يرى دموعه أحد وهو فتوة الحارة .
وصدق من قال ""
ومن الحب ما يجعل أقوى الرجال كالخرقة الباليه .
..........
صعدت مكة واختبئت فى أحضان والدتها باكية .
حكمت بغصة مريرة......يا عينى عليكِ يا بنتى ، ياريت كان بإيدى حاجه ، منك لله يا عباس .
مكة ببكاء.....أدعيلى بس يا أمى بالصبر والرضا .
حكمت....ربنا يصبر قلبك يا ضنايا ويقويكِ على اللى أنتِ فيه.
مكة....يارب يا أمى ، تصورى أنا دلوقتى كنت محتاجة بابا اوى ، يمكن لو كان لسه عايش ، مكناش
أتبهدلنا كده .
فدمعت عين حكمت قائلة...ايوه يا بنتى ، هو فيه زى ابوكِ الله يرحمه ، كانت الناس كلها بتشهد بأخلاقه ورجولته وكان هو كل حاجة فى حياتى .
مكة....كنتِ بتحبيه يا امى ؟
حكمت.....ياه كلمة بحبه دى متكفيش ، ده كان حب عمرى كله .
ومكنتش أتخيل أبدا إنى أجوز من بعده ، حتى رفضت عمك لما طلبنى للجواز ، مع إنى كنت متأكدة إنه بيحبنى .
ولولا البهدلة اللى اتبهدلتها بعد مصاحب البيت اخد الشقة ، أنا مكنتش أبدا أجوزت ، بس خوفت عليكِ من الناس وكلاب الشوارع .
فاضطريت أجوز اللى مايسمى عباس .
لم تتم حكمت كلماتها حتى ""'
سمعت صوت أقدام عباس والمعلم حنفى على الدرج .
كما تخلل لأذنهم صوت ضحكاتهم المستفزة فانقبض قلب مكة ثم أسرعت لغرفتها تنعى حالها .
ولج عباس والمعلم حنفى للداخل.
عباس لحكمت.........قومى فزى يا وليه .
خدى من المعلم حنفى الشربات ده وبليه .
وشوحى حتتين لحمه كده لزوم العشا .
وكمان بسم الله ماشاءالله جايب بتاع اسمه باكت شاى .
يعنى يدوبك تسخنى ماية وتحطى البتاع فيها يبقى شاى .
حاجة كده ألاجه وأنضف من التفل اللى بيعمله الواد حمامه بتاع القهوه .
حكمت بتنهيدة حزينة....امرك يا اخويا .
عباس ...طيب أسرعى يختى وخفى كده بدل ما أنتِ عاملة زى برميل الطرشى .
ونادى المحروسه بنتك ، عشان تقعد تكلم مع عريسها وتتفاهم معاه عقبال متخلصى ونقرا الفاتحة .
حكمت بنظرة غل له .....حاضر هناديها .
ولجت حكمت لإبنتها فوجدتها قد تلطخ وجهها بِسواد الكحل من عينيها بفعل الدموع .
حكمت بإبتسامة مصطنعة تخفى بها حزن قلبها ....يلا يا عروسة ، عريسك بره مستنيكِ ، وجايب معاه الخير كله .
يلا يا بنتى وأديكِ هتخلصى من الفقر والجوع وتعب الشغل .
فمعلش قومى عشان خاطر أمك حبيبتك ، أغسلى وشك واطلعيله ، عشان المخفى عباس ، ما يسمش بدنا فى الكلام .
نظرت مكة لوالدتها نظرة إستعطفاف لعلها تنهى تلك المأساة قبل أن تبدء ولكن والدتها تهربت من نظراتها وأسرعت للخارج قائلة....همى يا بنتى ، الله يسيئك .
فاعتدلت مكة واقفة ورفعت أكف الضراعه لله تناجيه ( يا كاشف الهم والبلوى ، فرج عن أمَتك الضعيفه ، فليس لى سواك ) .
وتوجهت المرحاض تغسل وجهها ثم نظرت للمرآه ، وتحسست بيديها وجهها قائلة.....هو أنا صحيح ملامحى عاديه ومش جميله اوى ، امال ليه المعلم ده مصمم يجوزنى وكمان حماده عينيه بتقول إنه بيحبنى ؟
يعنى ارضى بالمكتوب ، بدال مفيش فرص قدامى أحسن ؟
وهو الجمال كان مقياس لفرص لجواز أحسن ولا هو نصيب وقدر .
ثم جال أمامها صورة النقيب ركان ، فوجدت على ثغرها ابتسامة لا تعلم لها سبب .
ولكنها سرعان ما عاد وجهها للعبوس ، ثم تنهدت بمرارة واستعدت للولوج إلى عريسها المنتظر المعلم حنفى .
........................
توجه ركان لقسم المنتزة فى محاولة منه لإخراج فتاة الليل ( كرميلا ) صديقة ( دلال ) .
قابله من فى القسم بترحيب ووتعظيم فهو ابن اللواء مجدى الزيات ، هذا بجانب طالته التى تفرض على الجميع إحترامه ومهابته .
الرائد محمد بترحيب ....اهلا وسهلا نقيب ركان نورتنا بالزيارة والله .
ركان......تسلم يا محمد والله ، ده نورك وياريت متكسفنيش فى الطلب اللى هطلبه منك دلوقتى .
محمد ......أنت تؤمر يا ركان واحنا ننفذ .
ركان .....كلك ذوق يا حبيبى .
بقولك بس ، فيه بت جابوها النهاردة عندكم أداب اسمها كرميلا.
بت عيله كده لسه وأول مره تعملها .
وصراحه حد من أهلها أتوسطلى عشان سمعة العيلة وكده .
ووعدونى إنهم هيمسكوها عندهم ومش هيخرجوها أبدا عشان تتعلم الأدب .
فأنا يعنى طمعان فيك يا سيادة الرائد تقفل المحضر وتكتب إنها أتقبض عليها عن طريق الخطأ وتخليها تطلع معايا بهدوء .
اتسعت عين محمد بذهول محدثا نفسه....ركان بذات نفسه جى عشان يشفع لبنت زى دى .
وأداب كمان ، حاسس الأمر وراه حكاية ، بس مقدرش أرفضله طلب ، عشان مصلحتى النهاردة عنده ، بكره عندى .
فابتسم ابتسامة مصطنعة قائلا.....اوى اوى ، عشان خاطر عيونك يا باشا ،بس مشفهاش تانى هنا .
ركان .....لا متقلقش ، أول وأخر مرة .
محمد للعسكرى....هات البت كرميلا من الحجز .
العسكرى ...امرك يا باشا.
فأتى بها العسكرى ليراها ركان فيجدها فتاة فى عمر الزهور لا يتخطى عمرها سبعة عشر سنة.
ملامحها الأنثوية مازالت صغيرة ولكنها تحمل من الهم فى وجهها ما يقال إنها تعدت الستين عاما.
رق لها قلب ركان القاسى لأول مرة ، وتسائل ما دفع تلك الطفلة للسقوط فى بئر الهاوية مبكرا هكذا ؟
ركان.....أنتِ كرميلا ؟
كرميلا بحزن ...ايوه أنا يا باشا .
الرائد محمد بغضب.....حبى بوسى إيد سيادة الرقيب ركان .
عشان لولاه كنتِ زمانك بكره هتترحلى النيابة.
ويتعملك قضية أداب معتبرة ، بس هو عشان خاطره هطلعك منها معاه دلوقتى عشان أهلك بس الغلابة الطيبين دول .
اتسعت عين كرميلا قائلة بإندهاش ...أهلى ؟
ثم تابع محمد ...بس عارفة لو شوفت وشك هنا تانى هعمل فيكِ إيه ؟ مش هرحمك ومش هقبل أى حد يدخلك تانى .
فبكت كرميلا وبصوت منبوح من البكاء....خلاص يا باشا حرمت ، أخر نوبه والله .
ثم إنحنت بجذعها لتقبل يد ركان .
ركان وهو يسحب يديه ....خلاص ويلا قدامى عشان مش فاضى لأمثالك .
فذهبت معه إلى السيارة وجلست بجانبه ولكن بدئت أوصالها فى الإرتعاش .
ركان......إيه مالك متثبتى شوية ؟
كرميلا بصوت مهزوز......هو حضرتك عايز منى إيه ووخدنى على فين وليه طلعتنى ؟؟؟
ركان........هعوز منك إيه يعنى ؟ وطلعتك عشان خاطر دلال وهوديكِ عندها دلوقتى .
فصرخت كرميلا ....لا لا الله يكرمك يا باشا ،متودنيش عندها .
فتعجب ركان قائلا...ليه !
أنتم مش أصحاب ولولاها كنتِ زمانك مشرفه فى القسم .
فانهمرت كرمله فى البكاء ....؟؟؟
يتبع الفصل 4 و5 اضغط هنا