رواية كاره النساء البارت الرابع عشر 14 بقلم سهير عدلي
رواية كاره النساء الفصل الرابع عشر 14
لم تجد نريمان الرغبة في الذهاب الى العمل كما وعدت سامر، وذلك بسبب قلقها على مالك ، لم يطاوعها قلبها أن تتركه وهو مازال غارقا في غيبوبة، ولا تعلم كيف ومتى سيفيق منها، حتى عندما سألت الطبيب متى سيعود للواقع؟ قال لها لابد أن يعرف بعض المعلومات عن أيام طفولته، فاخبرته أنها لا تعرف الكثير عن حياته لأنهما كان تقريبا شبه منقطعين، فأخبرها أنه يجب عليها أن تسافر الى بلدته مسقط رأسه ،وتسأل جيرانه أو أصدقائه لعلهم يعرفون أشياء قد تفيده في علاجه.
ولكن مع اصرار سامر وكثرة اتصالاته والحاحه على حضورها اضطرات أن تذهب الى العمل، استقبلها سامر بترحاب مبالغ به، وطلب منها أن تجلس في حجرة مكتب والدها..وما إن جلست عليه شعرت بشئ غريب كأن على كاهلها جبال..مسئولية جسيمة حطت على رأسها..شتان مابين حضورها سابقا عندما كانت تحضر وهي ابنة صاحب المحلات الشهيرة، الفتاة المدللة التي تأتي فقط لكي تأخذ اموال منه وتنصرف على عجل لكي تذهب للتسوق..وبين حضورها الآن كمسئول عن كل تلك الأعمال..شعور غريب جعلها تشعر أنها قد هرمت..خاصة عندما أخذها سامر في جولة لكي تتابع الأعمال عن قرب..شعرت برهبة ورجفة في قلبها..كيف لها أن تتحمل كل تلك الأمور..الآن أدركت قيمة أباها..كيف كان يشقى ويتعب لكي يوفر لها كل أسباب الراحة والمتعة..وجدها سامر شاردة وكأنها طفلة تائهة فسألها في فضول:
-مالك يامدام نريمان..في حاجة مش عجباكي في الشغل؟
قالت وهي تنفض عن نفسها ذلك التيه فغمغمت:
-هه..لا لأ مفيش حاجة...أ أنا تعبت شوية وبقول كفاية كده..أنا حروح بقى.
سامر وهو يخفي ضيقه:
-تحت أمرك..بس بقول يعني في شوية أوراق ياريت توقعيهم.
قالت وهي تضيق عينيها باستفسار:
-أوراق ايه دي؟؛
أردف بثبات وقد هز كتفيه في حركة أن الأمر عادي:
-لا دي شوية أوراق بس خاصة بفواتير وأذون صرف وكده يعني.
لم تفهم نريمان شئ ولكنها قالت له:
-طيب خليهم بكرة لأن أنا فصلت ومش حعرف أركز في حاجة.
-وبنبرة غير مبالية حتى لا يثير شكوكها:
-تمام..مفيش مشاكل خليهم لبكرة.
ثم أمر السائق أن يقوم بتوصيلها الى المنزل وذهب هو الى مكتبه..يخرج بعض من الأوراق درج مكتبه قابضا عليهم بغيظ قائلا:
-مش مهم ..نستنى يوم كمان مش حيجرا حاجة حتروحي مني فين.
ثم زفر في عدم صبر وعيناه تشعان في اصرار حتى يحصل على مراده.
لم تمكث كثيرا في العمل كانت قلقة على مالك للغاية توجهت الى حجرته مباشرة، وجدته نائم ولكنه يبدو عليه كأنه يحلم ..يحلم بشئ مخيف هكذا اتضح من صورته، فقد كان وجهه يتصبب عرقا، ينازع ويصدر اصوات غير مفهومة، وهماهمات كأنها أواجع، ينتفض جسده على الفراش كأنه في نوبات صرع.. ركضت نحوه بانزعاج تهزه وتناديه بهلع:
-مالك..مالك..في ايه حبيبي..قوم يامالك ..اصحى ..اصحي فيك ايه ياحبيبي .
بأصابع ترتعش وانفاس لاهثة خائفة، اخرجت هاتفها تتصل بالطبيب وتخبره باكية:
-الحقني يادكتور.. مالك كأنه بيحلم بكابوس وعمال ينازع..وبيقول كلام مش مفهوم، وشه اصفر ومليان عرق.
الطبيب باهتمام:
-طب كويس ده معناه انه قرب يفوق ..مسافة السكة واكون عندكم.
جلست بجواره على الفراش تمسح عنه عرقه..وهي تزرف دموع الخوف عليه.
عندما حضر الطبيب حقنه ببعض المنشطات حتى تساعده على تنشيط وعيه..وسألها:
-قولي لي قدرتي تجيبي اي معلومات عن حياته؟
هزت رأسها بالنفي قائلة بأسف:
-للاسف يادكتور مقدرتش أروح ..اولا لاني معرفش اروح لوحدي وكمان خفت لانها بلد أرياف وأنا مش حقدر أتعامل معاهم ..ثانيا انا كنت مشغولة جدا عشان شغل والدي وكمان اهتمامي بمالك مقدرتش أسيبه لوحده وأسافر..عشان كده انا بفضل اننا نستنى والدي لما يرجع من السفر هو حيقدر يفيدك اكتر ويجبلك المعلومات الحضرتك عايزها.
أومئ برأسه تفهما فقال على مضص:
-تمام ..ياريت يفوق بقى عشان أسمع منه شخصيا.. المهم أنا عايزك تفضلي جمبه..واظن ان مراعاتك ليه وقعادك معاه وكلامك له كان ليه أثر كبير بانه بيحاول يقاوم غيبوبته..أنا حمشي وأي تطورات اتصلي بيا فورا.
-حاضر يادكتور.
قال وهو يصافحها:
-ربنا يشفيه يارب
-يااارب.
جلست بجواره تتأمله بشفقة جعلت ذراعها فوق رأسه، وأراحت خدها على جبينه مقربة رأسه نحو حضنها أكثر وأكثر وراحت تهمس له باشتياق:
-ياااه يامالك قد ايه أنت واحشني قووي..واحشني صوتك حتى لو كان زعيق وشخط..وحشتني نظراتك حتى لو كانت نظرات كره..وحشتني أوامرك ..وحشني وجودك معايا..قوووم بقى أنا محتجااالك قوووي..حاسة أن جزء مني سايبني وضايع مني..ربنا يشفيك ياحبيبي ويرجعك لي بالسلامة.
جادت عيناها بفيض من الدموع.. دموعها تسقط على وجهه علها تغسله من غياب طال لأيام وكأنها سنوات..وبالفعل دموعها أتت مفعولها فقد ظل يتململ وكأنه يقاوم لكي يخرج من غيبوبته تلك وعندما شعرت بحركته رفعت رأسها وحدقت به بشوق بالغ ولهفة تنتظر وتتمنى لكي يستيقظ.. فظلت تساعده وتخفزه بصوتها الحنون:
-قوم ..قوم يامالك..اصحى..قاوم ياحبيبي.. فوق..فوق ياروحي.
لم تصدق عيناها عندما فتح عيناه ونظر لها بأعياء وكأنه كان نائما مع أهل الكهف حدق بها وغمغم بضعف وأعياء:
-أ أ أنتي مين..أنتي ميين...
فرحتها باستيقاظه جعلتها تصرخ وتنادي على دادتها بصوت ضال اعمى لا تدري ماذا تفعل في ذلك الموقف:
-دادة ...ددداداة ..مااالك فاق ..مالك اتكلم.
حتى انها تركته وذهبت اليها..لكي تشاركها تلك اللحظة فقد شعرت أنها لحظة قوية لن تتحملها بمفردها.
**
لأول مرة منذ أن جاءت الى المستشفى في حالة يرثى لها يراها وهي تبتسم ..عندما دلف الى حجرتها وألقى عليها تحية الصباح:
-صباح الخير
فردت عليه تحيته باابتسامة عذبة صنعتها شفتيها خصيصا له:
-صباح النور
قال وهو يدقق في ملامحها التي تبدلت من اليأس الى الأمل ومن التعاسة الى السعادة:
- ايه ده هو انتي بتعرفي تبتسمي زينا؟؛
أطرقت رأسها خجلا وهي تبتسم من مزاحه.
تناول يدها لكي يتابع نبضها وحتى يرفع عنها خجلها:
-وريني ياست الكل.
بينما هو محدق في ساعته كانت هي تراقبه في صمت ملامحه الرجولية ووسامته اللتان آسراها، والأهم حنانه الذي يغدقه عليها ومعاملته الطيبة لها..والتي افتقدتها وحرمت منها من قبل والدها وزوجها..وراح عقلها ينقم على والدها ذلك الوالد القاسي الذي لم يكلف نفسه أن يسأل عليها وكأنه ماصدق وتخلص منها..أي أب هذا..مازالت تجهل خبر موته فلقد فضلوا أن لا تعرف به حتى تتحسن حالتها..هتف باسمها عندما وجدها شاردة:
-مالك ياجومانة..ابتسامتك اختفت ليه مرة وحدة.
-مفيش.
قالتها وهي تضم شفتيها تحاول ان تخفي مشاعرها.
ولكنه طارد تلك المشاعر باصرار حتى لا تختزنها بداخلها فتقتلها:
-مفيش ازاي..وشك باين عليه ايه ال فكرتي فيه خلاكي اضيقتي كده مرة وحدة.
ولم طال صمتها سألها باصرار حتى تبوح بمكنون نفسها:
-قولي ياجومانة مالك في ايه؟؛ أحنا مش اصدقاء..واتفقنا انك متخبيش علياحاجة .
حدقت فيه لثواني هي بالفعل تشعر تجاهه بقرب وراحة فقالت له كأنها تشكو اليه:
-بفكر في بابا ال مسألش عليا ولو مرة وحدة من ساعة ما جيت.
أشاح بوجهه بعيد عنها في حيرة هل يخبرها عن أمر موته..أم لا ؟
وكأنها شعرت أن هناك شئ خفي لا يريد أن ببوح لها به فسألته في توجس:
-فيه ايه يا دكتور..أنت مخبي عليا حاجة؟؛
- ابوكي مات ياجومانة من أول يوم جيتي فيه مستحملش الصدمة ومات .
وجد نفسه يقول ذلك وظل يراقب ردة فعلها لأستقبالها مثل ذلك الخبر .راقب انفعالاتها ووجهها الذي ظل جامدا للحظات وعيناها الشاخصة، محدقة فيه بعدم تصديق وعدم استيعاب..حتى أنه خشى عليها فهتف اسمها بانزعاج:
-جومانة..جومانة قولي أي حاجة.
كانت جومانة في صراع مع نفسها..في تلك اللحظة لم تنقم على أبيها على الرغم مما تسبب لها من متاعب..لقد شعرت بعد أن فقدته كأنها ورقة شجرة سقطت فتلقفتها الريح تطير بها في الهواء..لقد بكت عليه بكت بشدة..برغم من كل ما حدث منه..تبكيه برغم كل الضغوط النفسية التي سببها لها ..تبكيه برغم سجنه لها وحرمانها من حنانه تبكيه.
حب الأبنة لأبيها حب فطري..لا تهدمه أي ظروف حتى لو كانت قاسية.
ارتاح أكرم لدموعها تلك فهي علامة صحية..دموع طبيعية، لقد أطمأن أن هذا الخبر لم يحدث لها أي انتكاسات ربت على يدها وقال مواسيا:
-متبكيش..اكيد ابوكي ليه ظروف خلته قست عليكي كده هي ايه الله اعلم .لكن في النهاية لازم تتطلبيله الرحمة.
لم ترد عليه ولكن راحت تبكي بحرقة ودموعها تسيل بغزارة.. حتى حضرت في تلك اللحظة مربيتها ام أحمد وقد بدى عليها الانزعاج عندما رأتها تبكي ولما سألت الطبيب قال لها بأسف:
-عرفت ان باباها مات خليكي جمبها متسيبهاش.
فاقتربت منها تضمها الى صدره وتمسح على شعرها مرددة في أسف:
-ياضنايا يابنتي..ربنا يزيح عنك ياااارب.
شيعها أكرم قبل أنصرافه بنظرات آسفة..كل يوم يرتبط بها أكثر من الأول..فكيف السبيل من التخلص من هذا الحب المستحيل.
**
-وبعدين الساعة بقت عشرة الصبح ونريمان ماجتش لازم تمضي الورق قبل ما مالك يخف ويرجع الشغل.
قال ذلك سامر وهو يزفر بضيق قاطعا الحجرة ذهابا وإيابا في قلق بالغ قرر أن يتصل بها وتكون حجته سؤاله عن مالك لعله يعرف سبب تأخرها وبالفعل اتصل بها.
وعندما سمع صوتها كسى صوته الطيبة قائلا:
-السلام عليكم
-وعليكم السلام ورحمة الله
-أتأخرتي قوي يامدام نريمان فقلقت قلت اتصل اطمن عليكي.
صدمته عندما قالت له:
-معلش يا أستاذ سامر أنا مش حقدر أجاي مالك في حالة مش طبيعية ..بيفوق ويغمى عليه تاني وأنا جمبه مستنية الدكتور.
أخفى ضيقه بالكاد وقال بلهفة مصتنعة:
-سلامته الف سلامة ..طبعا لازم تفضلي جمبه..طيب لو احتاجتي حاجة رني عليا.
-متشكرة قوي.
اغلق هاتفه وضرب راحته بقبضته في غيظ..وظل يفكر وهو يعض ابهامه في قلق جم ماذا يفعل الآن ..فهداه عقله الى أن يذهب اليها بحجة أن يجب أن يكون بجانبها في مثل هذا الموقف.
كان مالك قد استفاق ولكنه لا يتكلم..عيناه مفتوحة ولكنه لا يرى أحد، بعد أن فرحت نريمان بعودته.. عادت سعادتها لتتحطم من جديد، كانت تحدق في عيناه مباشرة تحدثه ووجهها قريب من وجهه يكاد يلامسه، انفاسها تلفح وجهه كأنها رياح تريد أن تقتلعه من ذلك الجمود..راحت تهمس له وكلماتها تقطر عذاب وألم:
-أنا تعبت يامالك..أنت في عالم تاني..ومش حاسس بيا..أنا تايهة من غيرك..عنيك مفتحة بس مش شيفاني..طب سامعني يا مالك.. طيب فيك أيه..حاسس بايه..كنت فين وجرالك أيه..كنت مع مين..الدكتور ليه ساعة بيكلمك ومقدرش يستفسر منك عن حاجة..بيقول إنك لو اتكلمت حتخف..لو عرف أنت كنت فين أخر مرة حيقدر يعرف سبب الحصلك، في حاجة حصلتلك خلتك منهار كده..ايه الحصلك ياحبيبي.
ولما لم يجيب عليها وكأنها تحدث صنما..أغمضت عيناها بقوة فتولدت دمعات ساخنة ألهبت خديها ولكنها استطردت بصوت محشرج ونبرة مفعمة بالأصرار لكي تجبره على التحدث فأمسكت كتفيه بقبضتيها وراحت تهزه بقوة قائلة:
-أتكلم يامالك..أتكلم..اتكلم بقى حرام عليك تعبتني..تعبتني..فووق...فوق عشان تشيل الحمل عني..قلبي قرب ينفجر من كتر خوفه عليك أتكلم بقى.
ولكنه كالصنم ..حجر ليس فيه روح فاراحت رأسها على صدره تبكي بيأس بكاءا حارا كاد يصدع قلبها.
أخرجها من بكائها صوت مربيتها أم أحمد وهي تقول من خلف الباب:
-ست نريمان الأستاذ سامر تحت وعايز يطمن على الأستاذ مالك.
رفعت رأسها من على صدره..تنهدت بقوة..وكأنها سوف تخرج قلبها مع تلك التنهيدة..واردفت وهي تمسح دموعها:
-طيب قدميله حاجة لحد ما أنزله.
-حاضر يابنتي.. بس بعد أذنك حروح مشوار كده لحد بنتي..وآجي عالطول.. ساعة زمن مش حتأخر.
نريمان على مضض:
-طيب يادادة
ثم غمغمت لنفسها:
-هو ده وقتك أنت كمان
راحت تبدل ثيابها بثياب لائقة لأستقبال سامر.. وقبل أن تخرج نظرت لمالك فرأته على حالته زاهلا متصنما لا يبدي حراك..فاقتربت منه وساعدته أن يرقد بجسده كله دثرته ثم أنصرفت.
فتحت باب حجرتها واذ بها قد اتسعت عيناها فجأة..فتراجت للخلف بعض الخطوات فلقد رأت سامر يدخل ويقول بعد أن تحمحم:
-أنا آسف أضطريت أني اطلع لحد هنا كنت عايز اطمن على مالك وأشوفه لاني قلقان جدا عليه.
المفاجأة أربكتها وقيدت لسانها وعقلها فلم تستطيع أن تبدي أي رد فعل. غير أنها قالت له وهي في قمة حرجها:
-هه ..لا عادي اتفضل.
جلس على مقعد أمام فراش مالك ..فقال سامر بعد أن نظر له ورآه نائما:
-هو عامل ايه دلوقت:
أجابت بخفوت :
-تمام..الحمد لله بقى أحسن.
لحظات صمت ثقيلة مغلفة بالحرج..وراح سامر يتحدث حتى يقضي على ذلك التوتر:
-طيب هو الدكتور قال أيه؟
قالت دون أن تنظر له وكانت خجلة ومازالت تحت تأثير الحرج:
-قال أنه بيتحسن الحمد الله.
جذبه خجلها ..لأول مرة يرى خجلها ذلك، كان دائما لا يرى الا الكبرياء مرسوما على وجهها وكأنه جزء من قسماته، ظل يتأملها بإعجاب وهو يحدث نفسه كأنه وهي في خلوة وليس معهما أحد:
-( كل شئ اتمنيته راح مني أتمنيتك قووي..من أول ما اشتغلت مع أبوكي وكان عمرك عشر سنين وأنا حبيتك وكل ما تكبري يكبر حبك في قلبي.. تعبت وشقيت معاه وفي الآخر مانبنيش غير مرتبي.. أبوكي كبر بفضلي وفضل أفكاري ال كانت بتكبر شغله..من غيري مكنش بقى أكبر تاجر جملة..صحيح كان بيكبر مرتبي ..لكن ده مكنش كفاية ..ثروتكم دي كبرت بفضل عقلي أنا وأنا استحملت وفضلت معاه على أمل لما تكبري أجوزك. . كنت مستني تخلصي دراستك واتقدملك..لكن للأسف أبوكي جوزك بأسرع مما توقعت..استنيتك على الفاضي..كان ممكن أسيب أبوكي واشتغل لحسابي لكن مرتضتش أمشي عشان خاطرك.. بس أنا لازم آخد حقي فيكي وفي فلوس أبوكي ..وحتمضي على الورق ال معايا..ورق يثبت أنك سحبتي مني فلوس لحد ما أبوكي يجي من السفر)
كانت عيناه تخترقها نظراته خليط من الحب والحقد والرغبة..نظرات شعرت بها نريمان حتى أنها وبحركات عفوية راحت تسدل ثوبها.. وتغلق فتحة جيدها بيدها.. نظراته اصبحت صريحة تتحدث بوقاحة حتى شعرت بالأختناق..فقالت حتى تصد نظراته تلك علها تصرفه:
-طيب يا أستاذ سامر هو في حاجة مهمة في الشغل عايزني اعملها.
نطقتها مغلفة باابتسامة مجاملة، ونبرة جاهدت أن تخرج طبيبعية وقد أخفت توترها بالكاد.
لكنه لم يجيبها..وأصر أن يحدق فيها بوقاحة وجرأة لا تفهم لهما سبب..فخفق قلبها وراح ينبض بعنف..وأذ به وبدون سابق أنذار..وجدته ينهض وكأنه فقد عقله فهجم عليها يقبلها ويضمها عنوة وهو يغمغم بحقد وانتقام:
-أنا عايزك أنتي..عايزك أنتي أنا فضلت صابر عشان تكوني ملكي ..لكن خسرتك.. خسرتك..كانت تصده..بكل ما أوتيت من قوة..وهو راح يكمل اعتداؤه عليها كالمجنون المغيب عن الوعي..وهي تصرخ وتصرخ..ضعيفه لم تقوى على صد هجومه الغاشم..فبدأت تستغيث:
-آااااه ..انت اجنننت ..انت بتعمل ايه..سبني ياكلب..سبني..ماااااللك ..مااااالك الحقني..الحقني يامالك..آااااااااه ..لالاا ماااااالك.
**
-مش عايزة أروح معاه يادادة بلاش..بلاش تروحيني الله يخليكي.
هتفت بها جومانة، بصوت ضعيف عاجز وقد لجئت لحضن مربيتها كأنها تلوذ به، ضعفها هذه اوجع قلب مربيتها فضمتها اليها بقوة ليتها تستطيع ان تخميها وتصد عنها أي سوء تشعر بها ما حيلتها حيال ذلك غير انها تبث لها كلمات حتى لو بالكذب علها تقويها:
-ياحبيبتي مروان بيه مش حيأذيكي متخافيش..وأنا معاكي مش حسيبك.
رفعت رأسها بحركة حادة وهتفت بحدة:
-لأ أنا خايفة منه ومش طايقة اشوفه..وبعدين ايه ال رجعه بدري مش كان بيقول انه حيفضل اسبوع رجع ليه بعد تلات ايام بس.
-يابنتي مهو خلص شغله بدري ،وبعدين هو انتي حتفضلي هنا في المستشفى عالطول مكان مسيرك تروحي.
اخفت وجهها بين كفيها وهي تغمغم لنفسها:
-ياريت افضل هنا عالطول..لكن حتى ال كنت حقعد عشانه من امبارح مش باين ..هو زهق مني ولا ايه..راح فين ..رحت فين يااكرم
-يلا يابنتي استهدي بالله وقوي غير هدومك عشان مروان بيه مستني بره.
قالتها مربيتها وهي تربت على ظهرها وتجبرها على النهوض.
في النهاية اضطرت جومانة أن تمتثل لارادتها..تشعر أنها سلبت كل شئ..ضعيفة منكسرة..وحيدة..وأنها في أخر مطاف حياتها، دلفت الى المرحاض ظلت ساكنة لفترة لا تعلم ماذا تفعل؟ وجهها جامد ليس به حياة..كأنها تتأرجح بين السماء والأرض، فردت يدها أمامها تنظر لعروق يدها وتضم قبضتها بقوة حتى انتفخت تلك العروق..دموعها تسيل على وجنتيها بصمت مخيف..لماذا تعيش؟ ولمن؟ ومن أجل ماذا؟ تلك الأسئلة كانت تدور في رأسها ..ودقات قلبها اليائسة تحرضها على انهاء حياتها .. في خضم لحظاتها اليائسة تلك سمعت الممرضة تطرق عليها الباب ولم تنتظر اجابتها وفتحته بحركة سريعة..وجزعت عندما رأت منظرها ذلك وهي على وشك التخلص من حياتها فهتفت بانزعاج:
-انتي حتعملي ايه في نفسك؟ .. اوعي تعملي حاجة..الحمد لله لحقتك ..دكتور أكرم كان قلبه حاسس..خدي.. ده جواب منه بيشرحلك فيه كل حاجة اقريه ونفذي ال فيه بالظبط فاهمة.
نظرت لها جومانة بعيون زائغة لقد انقذت حياتها في اللحظة الأخيرة..راحت تتأمل الخطاب كأنه طوق نجاة القشة التي انقذتها..راحت تضمه الى صدرها تشكره لأنه اتى في ميعاده..قرأت خطابه وابتسمت وادعمت في سعادة لقد اعادت كلماته اليها الحياة ومدتها بالقوة.. ارتدت ثيابها وخرجت وهي تقول لمربيتها بثبات:
-يلا يادادة أنا جهزت
-يلا يابنتي.
قالتها وهي تتعجب من سر تبدل ضعفها هذا الى تلك القوة ..والثبات الذي بدى عليها فجأة.
يتبع الفصل الخامس عشر اضغط هنا