رواية لأجلك أحيا الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم أميرة مدحت
رواية لأجلك أحيا المشهد الثاني والأربعون 42
بعد مرور عدة ساعات، فتحت "تيجان" عيناهـا بتثاقل شديد وهي تحرك رأسهـا محاولة يمينًا ويسارًا لتجد ذاتهـا نائمة في فراشهـا، عقدت ما بين حاجبيهـا بإستغراب وهي تضع يدهـا على جبينهـا بتعب، فـ آخر شيء تتذكره هو أنها ما أن وضعت رأسهـا على صدر "أصهب" حتى لم تشعر بعدهـا بأي شيء، وكأنها وجدت الراحة في أحضانه.
تنهدت بحرارة قبل أن تهبط من على الفراش، وقد تسللت إلى أنفها رائحة طهي شهية، حتى قبل أن تفتح باب الغرفة وتخرج بخطوات مترددة، سمعت جلبة ناجمة عن أدوات الطبخ، وصوت المقلاة كان واضحًا أيضًا ، وفي هذه اللحظة معدتهـا زئير الجوع، عندما تغلغلت تلك الرائحة المفضلة إليهـا.
سارت متبعة عبق الطعام حتى أوصلهـا عنده، إبتسامة صغيرة شقت شفتيهـا وهي تراه يعمل أمام الموقد بحرفية، شعر بوجودهـا فـ إبتسم تلقائيًا وهو يلتفت إليهــا برأسه، سمعهـا تقول بذهول:
-إنت بتعمل كوسة بالباشميل؟!..
هز "أصهب" كتفيه وهو يجيبهــا بهدوء:
-لما لاقيتك مطولة فالنوم قلت أسلي نفسي شوية، وأهي حركة جدعنة مني أنك تاكلي من إيديا، لأني نادرًا بطبخ.
أقتربت منــه هامسة ببهجة:
-تعرف أني بحب الأكلة دي أوي.
ترك ما بيده وهو يلتفت بجسده إليهـا هاتفًا بجدية:
-بقولك إيه يا تيجان، إيه رأيك لو نروح القصر نعيش فيه بدل هنا.
أضطربت قليلاً وهي تسأله بإرتباك:
-طب ليه؟؟..
تنهد "أصهب" وهو يرد بجدية:
-عشان مش هينفع أفضل سايب القرية لوحدهم كدا، لازم يلاقوا إللي يحكمهم، وبعدين والدي ووالدتي من أول يوم جوازنـا طلبوا مني أننا نقعد معاهم، بس لولا إللي حصل بقى، فإيه رأيك؟؟..
صمتت "تيجان" وهي تحدق بداخل عينيه قبل أن تجيبه وهي ترفع يديهـا الصغيرة إلى صدره القوي:
-معنديش مانع، بس أرجوك تخليك الفترة إللي جاية دي معايا لغاية ما أتعود عليهم.
بدأت أنفاسه بالأضطراب وهو يشعر بإرتفاع درجة حرارة جسده، دست جسدهـا بأحضانه وقد أرتفعت يديهـا الصغيرة تحيط عنقه، لم يشعر بشيء آخر بعدهـا فور أن وضع شفتيه القاسية أعلى تلك الشفاه الناعمة يلتهمها بعنف أدهشه هو نفسه، ولكن معهـا كل شئ يختلف.
سكنت تمامًا بأحضانه تُزيد من أحتضان عنقه ويديها قد بدأت تعبث بخصلاته بحركات لطيفة ما زادته إلا شغفًا بـ لحظاتهـا معه.
بدأ عقله بالإفاقة من ثورة مشاعره ما أن تذكر الطعام، فـ أبتعد عنهـا عن الفور بأنفاس لاهثة، مسح على شعره بقوة وهو ينظر حوله قبل أن يهدر بصوتٍ قوي:
-أطلعي يا تيجان من المطبخ فورًا.
أومأت برأسهـا وهي تغالب تلك الإبتسامة الشقية مغادرة من المكان، وقف أمام الموقد مرة أخرى وهو يتابع الطعام بإهتمام، ولكن إبتسامة صغيرة قد أحتلت شفتيـه.
**
بعد مرور ثلاثة أيام، لم تخرج من غرفتهـا إلا قليلاً برفقة "أصهب" فقط، نظرت حولهـا نظراتٍ شمولية وهي تشعر بالغربة بذلك المكان خاصةً حينما يغادر "أصهب" من القصر لعدة ساعات حتى يُتابع ما يحدث بالقرية أول بـ أول، تخشى كثيرًا أن يعلم أحدهم في القصر بـ أصلهـا الحقيقي، حتمًا سُتعيش في جحيم إن علمت والدتـه، فهي تكرهـا منذ أول يوم رأتهـا فيه.
أنتفضت من مكانهـا وهي تستمع إلى طرقات على باب غرفتهـا، فـ أرتدت حجابهـا سريعًا وهي تنهض من مكانهـا، فتحت الباب لتجد أحدى الخادمات تقول لهـا بإحترام:
-تيجان هانم، والدة الكينج عوزاكي ضروري.
عقدت ما بين حاجبيهـا وهي تسأل نفسهـا بقلق:
-اللهم ما أجعله خير.
*****
لاحقًا، أتسعت عيناها بصدمة وهي تتراجع إلى الخلف هامسة بقوة:
-محصلش أنا مسرقتش منك حاجة، أنا لسه جاية القصر هعرف منين مكان الأسورة دي!!..
هدرت "شاهيناز" بعصبية:
-ما هو ده طبعك أكيد، واحدة لقيطة، هتعمل إيه يعني؟!!.. أكيد هتعمل عمل (...) زيها.
أرتجفت شفتاها وهي تسألها ببطء:
-إنتي عرفتي منين إني..
لم تستطع نطق الكلمة، فبلعت ريقها بصعوبة بالغة وهي تنتظر منها الإجابة بخوف، فردت "شاهيناز" عليها بتحدٍ:
-أصهب، وخليكِ عارفة إن جوزاته منك مش هتستمر، مش هسمح لإبني يبقى مع واحدة زيك.
صمت عم على المكان، قبل أن يدخل "أصهب" بخطى مرهقة، ولكن سرعان ما تحفز جسده حينما رأى نظرات والدته الحادة تتقابل مع نظرات "تيجان" المريرة، حدجته "تيجان" بعينين دامعتين قبل أن تنطق:
-طلقني يا أصهب، طلقني بدل ما تندم في الآخر بجوازك مني.
ثم صرخت فجأة بإهتياج:
-أنا بكرهكم، بكرهكم!!..
حاول "أصهب" أن يقترب منها ولكن أوقفته بإشارة من إصبعها وهي تهدر بـ:
-أبعد عني، أبعد.. أنا بكرهكم، بكرهكــم!!!!..
غطت وجههــا بكفيهـا وهي تشهق ببكاء عنيف، شعرت بـ ذراعيه تحيط خصرهـا كي يجذبها نحوه، فـ ألتفتت إليه بعنف وهي تصرخ:
-متلمسنيش، أبعد عني، أنا خلاص مبقتش مستحملة.
ضيق "أصهب" عينيه نحو والدتـه وهو يسألهـا بحدة:
-في إيه؟؟.. إيه إللي وصلهـا لكده.
قبل أن تُجيب والدتـه بإرتباكها الواضح، هدرت "تيجان" بعصبية وهي تقترب منه تضربه بيديهـا الصغيرتين على صدره قائلة:
-كلمني أنا، بقولك طلقنـي، أرحموني بقى وأنا آآآه.
كادت أن تقع بعد تلك الألام الشرسة التي ضربت قدماهـا بدون سابق إنذار، فـ جعلتهـا غير قادرة على الوقوف، لولا ذراعه بعد أن حاوط خصرهـا بقوة يجذبهـا إلى صدره، فـ أسندت وجنتهـا عليه وهي تصرخ بوجع:
-رجلي، آآآآه رجلي يا أصهــب.
مرر "أصهب" عينيه على قدماها وهو يسألها بذعر:
-مالهم؟!.. في إيه يا تيجان؟!..
هبطت دموعهـا أكثر وذلك الألم يشتد بشراسة أكثر وأكثر:
-رجليا يا أصهب، حاسة كأنهم أتشلوا، لأ دول أتشلوا بجد مش قادرة أقف، آآآآه.
كادت أن تقع مرة أخرى وهي تصرخ بألمٍ قوي، هدر "أصهـب" بخوف ينهش قلبـه:
-تيجـــان!!!.. يتبع الفصل الثالث والأربعون اضغط هنا