رواية اغلال لعنته البارت الأول 1 بقلم اسراء علي
رواية اغلال لعنته الفصل الأول 1
ما الحب إلا خيال وجنون، وإنّي لأنبئك بأنّ المحبّ يستحق أن يُلقى به في غرفة مظلمة ويجلد بالسوط شأن المجانين،
وأمّا السبب في أن المحبين لا يعاقبون على هذا النحو ولا يشفون من علتهم،
فهو أن الجنون أصبح شيئا مألوفا حتى ليبتلي به الضاربون بالسياط أنفسهم
طرقت الباب بـ خفة ثم دلفت ليُقابلها رئيسها بـ العمل بـ إبتسامتهِ المُعتادة والمُخيفة ليس لشئٍ سوى رغبته المجهولة خلفها والغير مُريحة أبدًا
إبتسمت كيان بـ تكلف ثم تقدمت من مكتبهِ وقالت بـ عملية شبه مرحة
-حضرتك طلبتني، أقدر أساعدك بـ حاجة يا فندم؟!...
أشار إليها بـ الجلوس فـ إمتثلت لأمرهِ الصامت ثم إنتظرت حديثه بـ أعصاب تحترق ليُشابك هو يده فوق المكتب وقال بـ رزانة
-تعرفِ إني بعتبرك زي بنتي…
رفعت حاجبها بـ ريبة ثم قالت وهي تنظر لإبتسامتهِ التي لا يزال مُحتفظ بها
-البداية مش عجباني مستر رفعت
-ضحك رفعت وقال بـ مرح:ليه بس! هو مينفعش أتكلم معاكِ بـ راحة بعيدًا عن الشغل!!
-أجابت سريعًا:و دا لأنك بتخبي وراك كلامك دا خفايا بتخوفني شخصيًا
-عبس بـ لُطفٍ وقال:أنتِ قاسية شوية عليا…
حكت كيان جبينها بـ تعب ثم رفعت عيناها السوداء إليه لتردف بـ إبتسامة مُمتعضة
-تمام، حضرتك تأمرني بـ إيه!...
إتسعت إبتسامته فـ تأكدت شكوكها لنيتهِ الخفية ولكنها لم تتحدث بل تركته يبدأ حديثه بـ نبرةٍ راجية
-حوراء؟!
-قطبت جبينها وتساءلت بـ غرابة:خير! مالها حوراء؟!
-تنهد بـ تعب وقال:والدتها و أنا هنسافر فترة علاجية عشان مرضها…
بهت وجهها ثم تساءلت وهي تشعر بـ شئٍ حاد يُغرز بـ قلبها
-هي حوراء متعرفش لسه!!
-نفى رفعت قائلًا:لأ متعرفش و لا هتعرف أبدًا، مش هتتحمل يا كيان، هتروح فيها و أنا مش هستحمل اللي هيحصلها…
مدت يدها لتضعها فوق يده المُجعدة وهتفت بـ لُطفٍ
-متقلقش إن شاء الله هتخف و ترجع أحسن من الأول
-و دا أكتر حاجة بتمناها…
ساد الصمت لعدة ثوان قبل أن تقطعه كيان بـ سؤالها
-طيب و إيه دخلي أنا بـ حوراء؟
-أخذ نفسًا عميق وأجاب:هتاخديها معاكِ فـ الأجازة اللي طلبتيها، هتقضيها معاكِ مش هقدر أأمن عليها مع حد غيرك
-أشارت إلى نفسها وتساءلت:غيري أنا!
-أومأ بـ تأكيد وأردف:أيوة أنتِ و بس، عارف إني هقدر أعتمد عليكِ و مش هتخذليني أبدًا يا كيان
إتسعت عيناها بـ صدمة قليلًا قبل أن تقول بـ حرج
-دا شرف ليا و أكيد حضرتك عارف بس آآآ
-قاطعها رفعت بـ توسل:أرجوكِ يا كيان، قرايبها هيكلوها حية…
صمتت لا تجد ما تقوله.. تذكرت هي ما قَصْهُ عليها سابقًا عن عائلته وما يُريدونه منه، الشركة و أملاكه فقط إذًا تزوجت حوراء من أحد أبناء أعمامها، لذلك لم تستطع الرفض لتلك الفتاة الصغيرة التي لم تتخطى حاجز العشرون فـ إبتسمت وقالت
-تمام أصلًا كدا كدا هحتاج حوراء معايا فـ حفلة الخطوبة ، أنا معنديش إخوات بنات…
إرتسم الإمتنان على وجه رفعت ثم أردف بـ بشاشة
-مبروك بـ المُناسبة، رشاد شاب رائع و مُكافح أحسد أي بنت هتتجوزه
-غمغمت بـ خجل فطري:شكرًا جدًا…
نهضت كيان لتُصافح رفعت قائلة بـ هدوء
-ألف سلامة على حرم حضرتك، أتمنى ترجعلكوا بـ السلامة
-شكرًا يا كيان، بتمنالك ديمًا الأفضل، لأنك تستحقيه…
********************
نظر خلفه إلى الباب الذي أُغلق خلفه لتو ثم إبتسم بـ شراسة إكتسبها أثناء طوال تلك الثلاث سنوات رابتًا على كتف صديقه الذي خرج مُنذ قليل وأردف بـ صوتهِ القوي
-مبروك الخروج يا وحش…
إبتسم صديقه، ذلك الذي خاض مع شجارات ومعارك طاحنة، فـ بـ الداخل البقاء للأقوى ثم هتف بـ سعادة وهو يتنفس بـ قوة
-أخيرًا دُقت طعم الحرية، ياااه الواحد مكنش عايش يا جدع جوه
-رد هو بـ شرود:عندك حق، بس بتبقى مُرة جدًا لما متلاقيش اللي مستنيه، مستنيك
نظر إليه صديقهِ مطولًا ثم تساءل بينما هو يسير بـ إتجاه دراجة البخارية الواقف خلفه
-هي مكنتش مستنياك! .. هي إتجوزت ولا إيه!!
-ضحك ساخرًا:لأ هربت، هربت وكُل اللي سابته نظرتها المرعوبة اللي بصتلي بيها قبل لقاءنا الأخير
-عدا أد إيه على الحادثة دي يا قُتيبة!...
تقدم قُتيبة ليأخذ من صديقهِ آدم حقيبته ثم ثبتها فوق المقعد الخلفي و أجاب بـ نبرةٍ لا تنم عن شئ
-ست سنين، تلاتة قضيتهم أنا مُجبر بعيد عنها فـ السجن و التلاتة التانين إختارتهم هي بـ رضاها…
صعد قُتيبة الدراجة و تبعه آدم لينطلق قبل أن يسأله
-و ليه مرجعتهاش ليك!
-معرفش هي فين و محدش بيقولي هي فين، و كأنهم أما صدقوا يفرقونا
-طب و ليه أنت مدورتش عليها بـ نفسك؟!...
قابله الصمت ليبتسم آدم بـ إشفاق ثم أردف بـ تقرير
-أنت خايف مش كدا!...
ساد الصمت لعدة لحظاتٍ أُخرى قبل أن يُجيب قُتيبة بـ صوتٍ غريب، مُتباعد
-خايف! أه خايف، خايف ألاقيها و ألاقي نفس النظرة، نفس نظرة الرُعب…
توقفا أمام الشاطئ ليترجل قُتيبة تبعه آدم وخلعا نعليهما ثم سارا فوق الرمال الصفراء ليُكمل الأول
-نظرة دي بتطاردني فـ كُل لحظة، حتى فـ كوابيسي، خايف وقت أما أقابلها تقولي إنها بطلت تحبني، إنها إختارت تتخلى عني بـ إرادتها…
جلس آدم فوق الرمال وجذب قُتيبة ثم أردف وهو ينظر أمامه إلى المياه الزرقاء
-بس هي كذبت عشانك، شهادتها الزور هي اللي خلتك بره السجن دلوقتي، أنت بره بسبب كذبتها…
تلاعب آدم بـ الرمال ثم نظر إلى صديقهِ وأكمل بـ نبرةٍ ذات مغزى
-واللي تعمل كدا تفتكر مش هتستمر بـ حُبك؟
-رد بـ شك:كانت صغيرة، مشاعرها هتتغير من غير شك
-هز آدم كتفيه وقال بـ بساطة:و ممكن لأ، هي إتربت على إيدك يا قُتيبة، فـ مُستحيل مشاعرها تتغير بـ سهولة، ولو شكيت فـ كدا يبقى أنت معندكش ثقة فيها من الأساس و قبلها ثقة فـ اللي زرعته فيها…
لم يصله إجابة سوى تنهيدة عميقة مُحملة بـ الكثير، آدم يعرف الكثير عن قُتيبة كِلاهما خاضا الكثير معًا من أجل البقاء على قيد الحياة وماضيه كان الأكثر قسوة على الإطلاق و بـ الوقتِ ذاته الأجمل على الإطلاق
نظر إلى قُتيبة الذي ربت على رُكبتهِ ثم أردف
-يلا مراتك مستنياك، أنا أقنعتها بـ صعوبة متجيش عشان تستقبلك
-طيب، يلا…
********************
سارت بـ رواق الشركة ورأسها يعمل دون هوادة، الآن وبعد غياب دام ست سنوات ستعود إلى نقطة البداية.. المكان الذي هربت منه سابقًا ولكن الذكريات ظلت تُطاردها بـ شراسة مُقسمة ألا تدعها تنسى مُطلقًا، مُقسمة ألا تنساه
-كيان؟…
إنتفضت على الصوت الرجولي الآتي خلفها لتلتفت إليه فـ وجدته رشاد، شاب يسبق سنواتها الثلاث وعشرون بـ ثلاث سنوات، وجهه بشوش مبتسم، جسده نحيل مُقارنة به
هزت رأسها بـ قوة تنفض صورته التي لا تنفك تتجسد أمامها ثم إبتسمت ونظرت إليه قائلة بـ لُطف
-إزيك رشاد؟
-إبتسم وقال بـ راحة:بخير، بقيت أحسن لما شوفتك
-شكرًا…
حكت جبينها بـ توتر قبل أن ترفع رأسها مُجددًا حينما سألها بـ شك
-المُدير وافق على إجازتك!
-أومأت قائلة:أه، بس بعد عناء طويل
-ضحك هو وأردف:هو يُحبك
-ضحكت هي الأُخرى وهتفت:عارفة، بس هو ساعات كتير بيخرجني عن شعوري
-بس أنتِ عارفة معزتك عنده، عشان كدا الموضوع يستحق شوية تعب…
أومأت ثم ساد الصمت المتوتر مرةً أُخرى حتى أردف هو بـ صوتٍ أجش، خافت
-هاجي بكرة مع والدتي، عشان أطلبك…
لا تعلم لِمَ أصابتها تلك القبضة الثلجية وجثمت فوق صدرها، لا تشعر بـ السعادة كأي فتاة يرغبها شاب كـ رشاد، وسيم يتسم بـ الرجولة و يمتلك أخلاق عالية تتمناها أي فتاة إلا أنها لم تشعر بـ السعادة مُطلقًا، يبدو أنها تنتظره
أخفضت وجهها فـ تناثرت خُصلاتهِا تُخفي وجهها الجامد والذي فسره رشاد كـ خجل ليبتسم ثم أردف مُحمحمًا
-تمام مش هكسفك أكتر، أنا همشي دلوقتي، و هبقى أتصل بيكِ نتفق على معاد عشان أقدر أجي
-أجابت بـ خفوت ميت:تمام، هسـ هستناك…
سمعت غمغمة لم تتوضح ما هي ثم صوت خطواته تبتعد لتزفر هي بـ راحة كبيرة والثقل بدأ يزداد بـ شراسة مُقلقة إلا أنها قررت التخطي، لن تستطيع المُضي قدمًا إلا بـ تلك الطريقة
أجبرت ساقها على التحرك لتعود إلى منزلها وحزم حقائبها
********************
في اليوم التالي
-متخافيش يا ماما منستش الدوا
-و متنسيش تحطي هدوم تقيلة، الجو برد جدًا يا حوراء…
تنهدت حوراء بـ تعب وهي تنظر إلى والدتها التي تحزم حقيبتها هي الأُخرى معها، لا تفهم سر إبعادها مع كيان، أجل مُسافران من أجل أمور العائلة والتي تكرهها كثيرًا فـ هي تعلم نوايا أقرباءها ولكنهم لم يتركوها قبلًا
وضعت آخر قطعة ثياب ثم أغلقت الحقيبة لتردف بـ إبتسامة ضعيفة
-أنا معرفش أنتوا بتفكروا فـ إيه، بس هثق فيكوا…
إقتربت والدتها منها وربتت على وجنتيها ثم قبلتها وقالت بـ حنو
-لازم تثقِ يا روحب…
عانقتها حوراء بـ شدة وكذلك فعلت والدتها ليقطع لحظتهما صوت رفعت والدها
-متعمليش مشاكلل يا حوراء.. كيان عندها أمور شخصية و عندها حاجات مهمة و أنتِ عارفة، فـ خليكِ عاقلة…
-رفعت حوراء حاجبها وأردفت بـ غيظ:وهي دي كلماتك الأخيرة و أنت بتودع بنتك!
-أجابها هو بـ نبرةٍ ذات مغزى:و دا لأني عارفك أكتر من صوابع يدي…
إبتعدت حوراء عن والدتها لتتجه إليه ثم وقفت أمامها هاتفة بـ شقاوة
-تمام يا صاحب المنزل.. يلا هات بوسة عشان كيان زمانها على وصول…
إبتسم رفعت رُغمًا عنه لترتفع حوراء على أطراف أصابعها ثم أودعت وجنة أبيها قُبلة رقيقة كـ شفتيها الصغيرتين وقالت
-بحبك يا بابا، متتأخروش عشان هتوحشوني أكتر مما بحبكوا…
كان دور رفعت ليودع جبينها الأبيض قُبلة ثم قال وهو يُحاوط وجنتيها بـ كفيهِ المجعدين
-متقلقيش يا حبيبتي، أنتِ عارفة مقدرش أعيش من غيرك…
إبتسمت حوراء بـ إتساع وقبل أن ترد كان بوق سيارة يصدح أسفل الشرفة، ليسحب رفعت نفسًا عميق ثم هتف بـ جدية
-تمام يلا عشان كيان وصلت، و إفتكرِ يا حوراء، إبعدي عن المشاكل
-فهمت سيدي…
جذبت حقيبتها وتحركت إلى الخارج يتبعها رفعت و زوجته المريضة بـ صمتٍ مُتألم
بـ الأسفل وقفت كيان تتكئ إلى سيارة الأُجرة تنتظر خروج حوراء والسيد رفعت، تلك الليلة المُؤرقة التي قضتها ما بين الصحوة والغفوة، كابوسها الذي لم تتغير أحداثه ولو لمرةٍ واحدة، بل يُعاد بـ تفاصيله المُؤلمة والنهاية الشنيعة التي تتمنى أن يعود الزمن لتُغيرها
رسمت على شفتيها إبتسامة عملية وهي ترى حوراء تقترب منها بـ إبتسامة مُشرقة عكس خاصتها لتُعانقها ثم أردفت الأخيرة
- هتقل عليكِ بس معلش أنتِ قلبك طيب و هتستحملي…
ربتت كيان على ظهر حوراء والتي تصل فقط إلى كتفها ثم قالت بـ نبرةٍ هادئة
-أنتِ زي أختي متخافيش
-رفعت حوراء رأسها وقالت:صحيح سمعت إنك هتتخطبي، ألف مبروك يا كيان، هنقضِ أوقات حلوة و إحنا بنجهزك يا عروسة…
ضربتها كيان على جبينها ثم هتفت بـ غيظ
-بطلي يا حوراء، أنا عارفة دماغك و بتفكرِ فـ إيه…
ضحكت حوراء بـ خُبث فـ أجبرت كيان لتضحك هي الأُخرى حتى إلتفتا على صوت رفعت وهو يردف بـ جدية و صرامة
-لما توصلوا محطة القطر كلميني يا كيان عشان عارف إن بنتي مش هتتصل، و لما يتحرك و لما توصلوا وآآآ
-قاطعته كيان قائلة بـ ضحك:متقلقش يا مستر رفعت أنا مش عيلة عندها عشر سنين، أقدر أتصرف كويس
-أُعذري قلقي و خوفي
-إبتسمت بـ تعاطف قائلة:فاهمة متقلقش…
نظرت إلى ساعتها ثم قالت وهى تنظر إلى السيدة فـ حيتها بـ رأسها لتردف وهي تنظر إلى رفعت
-لازم نتحرك عشان نقدر نلحق القطر…
عانقت حوراء والديها مُجددًا ثم صعدت السيارة مع كيان وقبل أن تتحرك سيارة الأُجرة أردف رفعت بـ قلق
-خدوا بالكوا من نفسكوا، و متنسوش تتصلوا بيا…
أومأت كيان وهي تبتسم بـ إطمئنان لتنطلق السيارة.. ظل رفعت يُتابع رحيلها حتى إختفت ثم توجه إلى زوجته وهتف بـ نبرةٍ مهمومة وكأن قطعة قد أُنتزعت لتوها من قلبه
-يلا نحضر شُنطنا، الطيارة معادها بعد كام ساعة، لازم نستعد…
********************
إتسعت عيناها بـ فزع مُؤلم وهي تجد تلك الجُثة تسقط جوارها بعدما تلطخ وجهها بـ بعض الدماء
إنتقلت تلك النظرة المُرتعبة إلى ذلك الذي يقف أمامها يحمل السكين بـ يدهِ،سكينه المُلطخ بـ دماء غزيرة حتى أنها بدأت تتساقط أرضًا مُحدثة دويًا قاتل، قاتل و مُرعب
هو يُحدق بها، هيئتها الرثة، الكدمات التي تُغطي وجهها، الخدوش على ساقيها العاريتين،والعبرات الحارقة التي تُلهب وجنتيها الورديتين، نظرته كانت قاسية لا حياة بها، لا تحمل ذرة من المشاعر الإنسانية
ثم صرخة مدوية مزقت أُذنيه، لينتفض فزعًا وهو يفتح مديته ويلوح بها أمامه
قابله الفراغ، الدماء إختفت وهي تبخرت وصرختها أُستبدلت بـ صوت آلات ضخمة و بعض المُحركات
مسح حبات العرق الباردة التي تعلو جبينه و أخذ يتنفس بسرعة ثم أغلق مديته وأعاد وضعها بـ جيب بنطاله الخلفي، أتاه صوت أحد زُملائه بـ العمل وهو يردف مازحًا
-نايم تاني فـ الشُغل، لو عرف صاحب الشغل، هيطردك ومش هيرجعك تاني…
نظر إليه قُتيبة بـ أعين قاتلة قبل أن يهتف بـ صوتٍ صخري
-ملكش دعوة و إطلع من دماغي
-هتف زميله بـ غيظ:المرة الجاية هعرف صاحب الشُغل و هفتن عليك…
نهض قُتيبة بـ جسدهِ الضخم وقد بدأت عضلات فكه تتشنج بـ قوة ليس لِمَ قاله الشاب ولكن لذلك الكابوس المُرعب الذي عاود الظهور بعدما قد بدأ بـ الإختفاء تدريجيًا ثم قال بـ جمود قاتل
-لو باقي على حياتك.. فـ أمشي من وشي الساعة دي سعيد…
توتر المدعو سعيد ولكن صرخ بـ تردد نابع من خوفهِ
-آآ.. بتهددني يا قُتيبة؟…
لم يُكلف قُتيبة نفسه عناء الرد بل أخرج مديته من جديد ولوح بها أمام وجه الآخر والذي فَقَدَ ألوانه ثم هسهس بـ فحيح
-شايفني بهزر؟
-حد يساعدني…
تدخل آدم وهو يسحب قُتيبة بعيدًا عنه ليركض سعيد و لكنه هتف قبل أن يخرج من تلك الغُرفة الضيقة
-أنت مجنون، السجن أثر على مُخك
-هدر آدم بـ صرامة:إمشي حالًا يا سعيد وإلا أُقسم بالله هسيبه يقتلك…
هرول سعيد مُبتعدًا ليدفع قُتيبة صديقه الذي أردف بـ غضب حقيقي قلما تملكه
-أنت غبي؟.. ولا أنت لسه متخلصتش من العادات دي؟ أنت معتش موجود فـ السجن تاني، إهدى يا قُتيبة…
لم يرد عليه بل جذب المديّة من يد آدم الذي إنتزعها منه على حين غفلة و عاود الجلوس فوق الأريكة، ليقترب آدم منه ثم زفر مُستغفرًا وهتف بـ خفوت
-نفس الكابوس تاني!...
أومأ قُتيبة دون أن يفتح فمه.. ليومئ آدم ثم أكمل بـ غرابة
-الكابوس دا مجاش ليك من فترة كبيرة، أنا مشوفتكش بتعاني من الحوار دا غير أول الشهور اللي شوفتك بيها
-معرفش…
فتح أزرار قميصه المُهترئ لتظهر ثيابه الداخلية الضيقة مُظهرة عضلاته المُتناسقة ثم حك مؤخرة عُنقهِ وقال بـ صوتٍ مُتباعد
-أنا معرفش إيه اللي حصل و اللي بيحصل الفترة دي
-ربت آدم على كتفهِ وقال:ممكن يكون بسبب كلامنا إمبارح…
نهض قُتيبة وجذب حقيبته ثم أردف وهو يفتح باب الغُرفة
-يلا نرجع شُغلنا، مش لازم نتأخر…
********************
ضربت بـ قدميها أرض مدينتها الساحلية بعد غياب دام طويلًا، كان قلبها يكاد يقفز بين أضلعها تاركًا إياها، تُرى هل خرج وعاد إلى حيهم الصغير؟، هل ستراه الآن؟!، أم بعد تلك الحادثة قد ترك المكان بعد ما تناقله أهالي الحي!
-هو إحنا وقفنا ليه؟…
تساءلت حوراء وهي تجذب حقيبتها خلفها ناظرة إلى كيان المُتجمدة أرضًا، شاحبة الوجه وكأنها رأت شبحًا لتو
نظرت كيان إلى حوراء ثم إبتسمت بـ إهتزاز وقالت بـ خفوت هادئ
-تعالي فيه مكان لازم نروحه الأول قبل ما نروح البيت…
تبعتها حوراء بـ فضول ثم تساءلت بـ تعجب
-هو مش المفروض نروح البيت الأول؟!!
-أجابت كيان بعد مدة:لأ، المكان دا مُهم، و هتحبيه…
رفعت حوراء كتفيها بـ بساطة وهي تمط شفتيها ثم تبعت كيان والتي بدت وكأنها بـ عالم آخر، عالم لا يوجد به سواها و سواه
ركضت حوراء تحلق بها واضعة يدها فوق قُبعتها حتى لا تطير مع الرياح ثم تساءلت بـ فضول غير قادرة على قمعه
-رايحين فين يا كيان؟ مش هتجاوبيني!...
نظرت إليها كيان مُبتسمة إبتسامة لم ترها حوراء قبلًا جعلت فمها يفغر بـ إنبهار
- هنروح شط البحر…
بعد دقائق قليلة كانتا تقفا فوق الرمال أمام البحر الأزرق الشاسع أمامها، المياه الدافئة تُداعب أقدامهم العارية فـ تُدغدغهما بـ لُطف يُجبرهما على الضحك
لاعبت حوراء الماء بـ قدمها ثم قالت بـ سعادة
-المكان هنا جميل جدًا وقت الغروب، كان هيفوتك المنظر دا…
أومأت كيان مُبتسمة والرياح تُداعبها بـ رقة و ثوبها الأبيض يتطاير حولها فـ أكسبها هيئة حورية البحر الهاربة ولكنها تحمل بـ داخلها قصة حزينة، لا أن تبحث عن أميرها
إلتفتت على صوت الأطفال القادمة خلفها وهما يتضاحكون بـ صوتٍ عال وما أن لمحها أحدهم حتى صرخ بـ سعادة وهتف
-رجعت.. كيان رجعت يا صحابي…
ضحكت كيان والأطفال يلتفون حولها بـ سعادة بينما حوراء تقف مُبتعدة تُحدق بهم بـ إنبهار سعيد
-مين البنت الجميلة؟!...
سألت فتاة صغيرة وهي تُشير إلى حوراء لتُجيب كيان مُبتسمة
-دي صاحبتي…
حياها الأطفال ثم عاود آخر سؤالها
-هتفضلي هنا!
-أيوة، شوية
-عبست طفلة وقالت:ليه؟ أنتِ وحشتينا…
تنهدت كيان بـ حرارة كيف تشرح لهم ما يختلج داخل قلبها المُمزق، كيف تُخبرهم أنها تُحب هذا المكان و تمقته بـ الوقت ذاته!، كيف لها المجئ من الأساس؟، هذا المكان بـ خواءهِ وصوت الرياح القوي يُرعبها كما لم يفعل من قبل، من قبل كان هذا المكان ملجأ وجنة بـ النسبةِ لها ولكن كل هذا تهدم ذات يوم
أخرجها من شرودها يد طفلة تسحب ثوبها لتتساءل كيان بـ إبتسامة واسعة
-في إيه يا حبيبتي!
-تعالي نلعب
-رفعت حاجبها وتساءلت:دلوقتي؟ مش الوقت إتأخر!
-حركت رأسها نافية وقالت:لأ، إتبقى لينا نص ساعة عما نرجع البيت…
تقدمت حوراء منها وهي تضحك بـ إشراق و شقاوة ثم قالت
-رغم إني تعبانة، بس هعلب معاكوا
-هتفت طفلة بـ صوتها الرفيع:بس عاوزة أخد بوسة الأول وحشتني، كيان وحشتني أوي
-وأنا
-وأنا كمان
-و أنا كمان مش هاخد ولا إيه!...
ضحكت كيان بـ قوة.. كانت أفتقدت ذلك الدفئ والبراءة.. كيف لها أن تكره ذلك المكان وأؤلئك الأطفال؟
لذلك نهضت و قذفت نعليها ثم ركضت وهي ترفه ثوبها الطويل، حافي القدمين، تضحك بـ قوة رادفة وهي تنظر إلى الأطفال من خلفها
-اللي هيعرف يمسكني الأول، فـ هياخد جايزته…
و الجائزة كانت قُبلة، قالتها و هي تُشير إلى وجنتها علامةٍ على إعطاء قُبلة، وحين إستدارت إصطدمت بـ جدار صلب، قوي و كِلابيّن حديدين يُحيطان خصرها و صوتًا لم تسمعه مُنذ سنوات يردف بـ صوتهِ العميق بـ مكر
-دلوقتي أنا مسكتك، ينفع آخد جايزتي؟!..
يتبع الفصل الثاني اضغط هنا