Ads by Google X

نوفيلا الانسة ميم الحلقة الرابعة 4 بقلم منى الفولي

الصفحة الرئيسية

رواية الانسة ميم البارت الرابع بقلم منى الفولي

رواية الانسة ميم الفصل الرابع

أصابت كلماته جرح غائر لم يندمل أبدا، فاحتقن وجهها وهي تفر من أمامه هاربة، بينما علت ابتسامة انتصار شفتيه وهو يعود للطعام بنهم، فهاهو قد أحرز أول أهدافه بشباك كبرياءها الوهمي، وسيواصل الهجوم حتى يتحطم تمام وتعود تلك الخاضعة المتذللة له، ويعود لفرض شروطه لاستمرار تلك الزيجة، التي قرر استمرارها، ففي كل الأحوال هي ابنة عائلة الديب، وسينالها من ثروتها وأن لم تنفرد بها كما كان يأمل، ولكن لا بأس، عليه الأن الرضا بالوضع الحالي، فأن خسر مباراة كأس العالم، فلا بأس بالدوري المحلي.
**********
في إحدى قرى الجنوب، تحرك ذلك الرجل ذهابا وإيابا بتوتر، وهو يستمع لرنين الهاتف على الطرف الأخر، ليصيح بلهفة بمجرد بدأ المحادثة: أيوه يا عمي، رجعوا.
أتاه صوت صفوان هادئا: أيوه يا قاسم، رجعوا من السفاري و بنتك فتحت تليفونها، بس أديهم فرصة ياخدوا نفسهم ويفضوا شنطهم ويريحوا، وبعدين كلمهم.
أمأ إيجابا وهو يتمتم بطاعة: حاضر ياعمي.
انهى المكالمة وهو يزفر بارتياح، ليفاجأه صوت ذلك الشاب الغاضب دوما: اطمنت على الست هانم.
التفت إليه قاسم يزجره بحدة: أنت بتتكلم عن أختك كده ليه يا زين.
زفر زين بضيق : بصراحة ماهو مينفعش نفضل شايلين همها طول العمر كده، الأول كانت متعلقة في رقبتنا وخايفين تحط راسنا بالتراب، لكن دلوقتي بقيت في رقبة راجل يبقى نريح نفسنا بقى، مش هي تتفسح وتنبسط ، وأنت حارق دمك وهاتتجنن عليها.
احتد قاسم مستنكرا قسوة ولده: في أيه يا زين، أختك من يوم ما سافرت وهما مكالمتين والكام صورة اللي بتبعتهم كل كام يوم، قلبي كان واكلني عليها، خصوصا وهي في غربة ولوحدها من غير سند لو جوزها قسي عليها.
صاح زين بضيق: وكان لازمتها أيه الغربة، قلت لك من الأول بلاها الجوازة دي، خصوصا بالسرعة الغريبة بالشكل ده، لكن سمعت كلام جدي وخليته يعمل اللي في دماغه كالعادة.
نهره قاسم مؤدبا: احترم نفسك يا زين، أنت أزاي بتكلمني كده.
نكس زين رأسه وهو يغمغم معتذرا: أنا أسف يا بابا بس بصراحة أنا باضايق من موافقتك على كل حاجة بيقولها جدي، خصوصا لو الموضوع يخص ميرو، وأولها حكاية علامها اللي غصبنا عليها، وخلت الناس تاكل وشنا بزيادة.
زفر بحزن لرؤية صورته المزرية بأعين ولده: يمكن تكون فاكرني باخاف من جدك، بس الحقيقة أني عمري ما خوفت غير عليكم، خصوصا بعد موت المرحومة، كنت مرعوب ليحرمني منكم، صحيح القانون كان معايا، بس برضو ده صفوان الديب بجلالة قدره، يعني يقدر يخطفكم وهو قاعد في بيته، لكن لما عرفت أنه من انشل من قهرته عليها، وأن كل اللي هو عايزه أنه يكون له مكان في حياتكم بصفته جدكم، مكنش ينفع أمنعه.
تذمر زين متآففا: يبقى في حياتنا مش يتحكم فيها، هو مشترناش بكرمه اللي محدش طلبه منه.
فطن قاسم لما يدور بخاطر ولده: أنا عمري ماطمعت في فلوس جدك، في الأول اخدت المرحومة وبعدت عنه وعن فلوسه، وبعد وفاتها رفضت كل الفلوس اللي جدك عرضها عليا، لكن أتفاجأت لما لاقيته فتح شركة هنا وكتبها بأسمك، والفيلا دي باسم ميرو، ووقتها أنا رفضت، بس وقتها هو قالي أن الحاجات دي مش ليك دول لأحفادي، لأن ولاد نادين مينفعش يعيشوا أقل من بنت خالهم وهما شركاتها بخيره وده حقهم.
صاح زين مستنكرا: وبدل هو حقنا، وهو أدهولنا وأنت طوعته ومسكت الشركة هنا، أيه علاقة ده بتحكمه فينا وفي ميرو وعلامها وجوازها.
زفر قاسم بنفاذ صبر: يابني أفهم، هو مش بيتحكم، بس أنا لما فكرت لاقيت أن ده في مصلحتكم.
ردد مستنكرا: مصلحتنا.
شرح قاسم موضحا: أنتوا أه اتولدتم هنا، بس في الأخر أنتم هتورثوا جدكم وتعيشوا حياته غصب عنكم، مكنش من مصلحتكم تكونوا غربة عن العالم ده، مكنش ينفع تبقوا أقل من حد ويبان عليكم أنكم شبعة من بعد جوعة، عشان كده كان من مصلحتكم أنكم تدخلوا مدارسهم وتعيشوا زيهم.
شدد زين غاضبا: وجوازها؟
صاح والده محتدا: ومين هنا في الكفر يليق بميرو وعلامها في المدارس الأجنبية، لأ وكمان كلها كام سنة وتبقى مليونيرة، [موضحا] اللي يستاهلها هيقلق نفتكره طمعان، واللي هيتجرأ هو الطمعان فعلا، يبقى ليه أرفض عريس ابن حلال وجدك ضامنه، ولو على السرعة زي ما جدك قالك كان مضطر عشان ينهي موضوع بنت عمه اللي فرضها عليه، وأديك شفت بنفسك الراجل سمج قد أيه، وعشان كده سمعت كلام جدك ومتكلمتش عشان الراجل ميلاقيش فرصة يبوظ الجوازة.
أفلتت شكوكه من لجام لسانه: ولو كانت الهانم شافته وحبته وهي بتدرس هناك واحنا نايمين على ودانا هنا.
زفر قاسم بحكمة سنين اكتسبها بأمر وأصعب الطرق: حتى لو كده، أهي اتجوزته برضانا وتحت عينا، بدل ما نرجع نقول ياريت.
**********
جلست مروة على طاولة المطبخ تفتح الوجبة التي أحضرها أحد رجال جدها كالعادة، لتنتفض ذعرا عندما سحب الطعام من أمامها بعنف مصحوبا بصوته الهادر: سيبي العلبة دي وشوفي لك أي حاجة تانية تطفحيها.
غمغمت بصدمة: ده أكل بعتهولي جدي.
أجابها بوقاحة وهو يضع الطعام أمامه: وهو جدك ميعرفش أن في بني أدم عايش معاكي.
نظرت له باحتقار، وهي تنتزع طعامها وهي تصرخ به: وهو جدي يأكلك ليه أطلب أكل لنفسك.
تحدث بسوقية بفم مملواء بالطعام، وهو يتمسك بالطعام: شيلي أيدك، وسيبيني أكل، بدل ماقطعهالك.
زاد تمسكها بعلبة الطعام وهي تردف بتحدي: لو راجل فكر بس ترفع أيدك علي.
بادلها نظرات التحدي للحظات قبل أن يرتخي يده عن العلبة، فهو يعلم بأن رجال جدها قريبون، بل قريبون للغاية، وأي تصرف أهوج منه سيدفع تمنه غاليا، لذا ترك لها الطعام وهو يقول بتعالي زائف: أنا هاسيبهولك بس عشان أنتي حامل.
التمعت عينيها بالنصر وهي تردف متهكمة: شكرا.
خطى للخارج خطوتين، وهو يحدث نفسه كم هي غبية لو ظنت أنه مضطر لرفع أصبع واحد لإيذاءها، فهناك ماهو أشد وأبشع، لذا التفت لها ثانية وهو يقول بخبث: مروة ابقي اتصلي بماما وكلميها، كفاية أنها زعلت مني بسببك عشان مكلمتهاش شهر بحاله، وأديكي شايفة أنا باعامل أهلك أزاي، وأني في كام يوم بس بقيت أنا وزين أعز أصحاب، [لتزداد ابتسامته خبثا وكلماته إيحاءا] صحيح تفتكري رد فعل زين ممكن يبقى أيه لو عرف اللي بينا، [بتدارك] قصدي أسلوبك ده معايا.
غص الطعام بحلقها وهو تسمعه يهدد بأكبر مخاوفها منذ لاحظت استماتته على اكتساب صداقة شقيقها الذي يعلم جيدا بأنه أكتر من تخشى افتضاح أمرها أمامه، ورغم تداركه الكاذب، إلا أن المغزى الحقيقي لكلامه وصلها واضحا دون مواربة، لذا تشنجت معدتها، وعفت الطعام بينما هاجمتها نوبة قيئ جديدة، لتهرول مارة به متجهة للحمام، ليعود للطاولة مبتسما بشماتة، ينقض على طعامها بشراهة.
**********
وقفت تلك الفتاة الجميلة أمام كرسي صفوان تفرك أصابعها بتوتر: جدو كنت عايزة أتكلم معاك.
ابتسم صفوان بحب: طيب أقعدي يا مرام، اتكلمي يا حبيبتي.
زاد توترها وهي تتمتم بخجل: أصل أنا كنت..يعني كنت.
ابتسم وقد فهم عن من يدور الحديث بسبب خجلها الزائد: أزاي وائل، هو جه الشركة النهاردة ؟
تخضب وجهها بالدماء، وهي تردف بحياء: أيوه جه، وهو يعني كان بيقول يعني.
ابتسم بحب وقد قرر أن يرحم حياءها: هو فاتحك تاني فموضوع خطوبتكم رسمي، [أغناه أرتباكها وازدياد خجلها انتظار أجابتها] وواضح أنك المرادي موافقة، بس أنا مش موافق.
رفعت عينيها لوجهه، وقد تجهمت ملامحها بصدمة: مش موافق.
نظر جدها لعينيها وهو يستطرد بتفهم: أكيد مبتكلمش على خطوبتكم، أنتم متربين سوا، وحبكم لبعض كبر تحت عينينا وبرضانا، خصوصا وأنتم محترمينا وعارفين حدودكم، وأن علاقتكم حاليا متتعداش الشراكة والصداقة العائلية اللي بين الأسرتين، لكن اللي مش موافق عليه، سبب موافقتك الحالية، رغم أنك كنت مصرة أن مفيش أي حاجة رسمي قبل التخرج، وأنك مش هتعرفي تتحملي أعباء أكتر من الشركة والدراسة، ومش عايزة تحسي بأن خطوبتك حمل زيادة، بالعكس عايزة تكوني فرحانة بيها وبتجهيزاتها هي والجواز.
زاغت عينيها وهي تجده يكشف دواخل نفسها بذلك الوضوح: مفيش سبب حضرتك، عارف أنه ألح أكتر من مرة وأنا كنت...
قاطعها بلهجة حازمة: كنت بترفضي، لكن المرادي بتفكري توافقي، مش علشان بقيتي مستعدة، لكن عشان أحساسك بالذنب من ساعة ما كونتي بتكلمي فادي.
التمعت الدموع بعينيها وهي تغمغم بصوت مختنق: يا جدو...
قطاعها بحنان: أسمعيني يا حبيبتي، أنا عارف أني ضغطت عليكي وقت مشكلة مروة، وأنك كنتي بتتصرفي عكس أخلاقك وتربيتك، لكن أحنا كنا مضطرين يا حبيبتي، أنا كنت خايف يكون سمع عن ارتباطكم أيام ما ادرب في الشركة قبل ما يسافر، عشان كده استغليت الموضوع ده بالذات عشان اطمنه وأشجعه يحاول يقرب منك، وكمان وائل مش خطيبك، يعني أنت مغلطتيش في حقه ولا حاجة، أنت من حقك تستري على بنت عمتك قصاده.
أرتعش صوتها، وهي تفرك أصابعها بقوة: بس أنا خايفة، أن الحيوان اللي اتجوزته يقوله عشان ينتقم مني، خصوصا الكلام اللي يخص كرهي ليه، وأنك جابرني عليه عشان الشراكة.
اقترب بكرسيه يربت على كتفها بحنان: عارفة أنا مبسوطة من كلامك ده، صحيح أنت في الشركة مشروع سيدة أعمال ممتازة، لكن لما اتكلمتي عن وائل بقيتي انثى وبس، انثى بتحترم شريكها وتخاف على مشاعره، [يبثها الطمأنينة بصوت واثق] اطمني يا قلبي، فادي أجبن وأعقل من كده بكتير، وهو مش بيفكر ينتقم ولا حاجة، بالعكس، هو لو كان يعرف أن مروة كمان حفيدتي كان مترددش لحظة أنه يتجوزها من غير ماحتى نطلب منه، بعدين هو مش هيحاول يخسرني بالعكس، هو أحرص مننا أن الجوازة دي تستمر، لكن بأكبر قدر ممكن من المكاسب.
غمغمت بدهشة: وبدل حضرتك عارف كده، كان أيه لازمة كل اللي عملناه.
خفت صوته الذي لم تقهره يوما مصاعب الحياة، وقهره ضياع الشرف وانتهاك العرض: مش هاقول أن مروة ضحية وكان لازم نساعدها، بالعكس هما الأتنين شركا بنفس الجريمة وبنفس الدرجة، ويمكن أنا شايف جريمتها أكبر بصفتها البنت، اللي لازم تخلي بالها من شرفها وتحافظ عليه، وللأسف كمان شايف أنها متعقبتش كفاية، صحيح أنا خاصمتها أكتر من شهر، لكن ده ولا حاجة قدام ذنبها، لكن ظروف انتحارها، وظروفي أنا الصحية اللي منعوني أعاقبها، والخوف من الفضيحة منعني أبلغ أي حد عشان يعاقبها هو، ومع ذلك مقدرتش.
غمغمت بدهشة: مقدرتش، مقدرتش أيه.
أجابها بصوت اختنق بقهر الرجال: مقدرتش، مقدرتش اتخلى عنها، مهما غلطت ومهما قلت تستاهل، مهنش علي اسيبها تحت رحمته، أه كان هيوافق يتجوزها بس كان يبيع ويشتري فيها، كان هيتعمد يأخر الجواز على قد مايقدر وهو عارف أن كل يوم بيعدي بتقرب من الفضيحة أكتر وتخضعله أكتر وأكتر، كان هيعرف أهله ولو كملوا سواه تعيش عمرها كله وعينها مكسورة قدامهم، كان هيستفرد بيها ويكسرها، كان هياخد منها اللي يقدر عليه وبعدين يرميها لأنها رخصت نفسها من الأول.
شعرت بالغضب يمتزج بالقهر بصوته، فترجته مستعطفة: وأديك الحمد لله عملت كل اللي عايزه، اتجوزها بسرعة الصاروخ وهو ناقص يبوس أيدك عشان توافق، أهله كلهم جم طلبوا أيدها ومكنوش مصدقين نفسهم أنك وافقت، خايف يرفع عينه فيها وهو عارف أنك في ضهرها ، ده غير أنه دفع كل اللي حيلته في الشبكة غير المؤخر يعني رقبته في إيديها، سامحها بقى، كلمتني كذا مرة هتتجنن، لأنها مسمعتش صوتك من يوم ما هددت الكلب ده يوم رجوعه.
تهدج صوته بحزن: قلبي مسمحهاش ولا عارف يسامحها، بس برضو مش عارف يقسى عليها أكتر من كده وأنا عارف كسرة النفس اللي عايشاها معه، لكن حسرتي وكسرتي منها أكبر، [تنهد بحسرة] شرفنا هو الكنز اللي بنحافظ عليه بحياتنا ونتباهى بيه، متخيلة حسرة راجل عاش عمره كله يحافظ على دهبه بحياته وفجأة يكتشف أن دهبه مجرد ملح داب مع أول قطرة مياه.
لم تتخيل يوما أن ترى جدها بهذا الإنكسار، ولكن هكذا الرجال، تصهر المحن معادنهم، وتقوي الشدائد من عزمهم، إلا ما يمس الشرف والعرض، فهو يصيبهم بالخزي مهما اقتصوا من المجترئ عليه، وكأن وشم بنفوسهم القهر، وما أعظم قهر الرجال.
**********
خرجت مروة تستند للحائط بوهن بعد نوبة قيئها المعتادة، لينظر لها باشمئزاز وهو يسخر قائلا: يعني اللي أنا أعرفه أن الواحد بيتمتع له شوية وبعدين يبدأ القرف، لكن أنت بسم الله ماشاء الله عليكي جاية بقرفك جاهزة من أولها.
غامت عينيها بحزن، فهو لا يكتفي بمعاناتها مع الحمل، لينهال عليها بسياط لسانه يجلد روحها المعذبة بكل حين، غمغمت بوهن: سيبني في حالي يا فادي.
مط شفتيه مشمئزا وهو يردف بإزدراء: ليه شايفاني ماسك فيكي، أنا بس مستحرم النعمة، كل يوم غدا تمنه يأكل شارع وفي الأخر تجري على الحمام تنزليه.
أغلقت عينيها بألم من وقع كلماته على نفسها المنهكة سلفا، يستكثر عليها طعامها الذي يتكفل به جدها، فماذا لو أخبرته اشتهاءها لأحد الأطعمة بعينه، لكنها لا تجرؤ على طلبه فمثلها لا يحق له الدلال، تتذكر إحدى صديقاتها التي كانت تخرج زوجها بعد منتصف الليل ليجلب لها ما تشتهيه، بل أنها كانت تتحايل عليه ببعض الأوقات لتجرب صنفا جديدا، و أخرى كانت تملأ الدنيا صراخا كلما تحرك الجنين ليهرول بها زوجها للطبيب بقلق، بينما هي كانت أحشاء تتمزق بالأمس ولم تجرؤ على البوح خوفا من شماتته وسخريته هذه ولكنها تنالها مهما تجنبتها.
زادت لمعة عينيه الشرسة إنتشاءا، وهو يلحظ إنكسارها الواضح، وهم بإلقاء إحدى قذائف كلماته، ولكن قطع عليه رنين الهاتف متعته، لينصرف عنها وينصب على هاتفه وهو يجيب، باهتمام: ألو، أيوه ياعمي، [لتعلو صرخته بلوعة حقيقية] أميييي.
**********
هرولا شادي وفادي بممر إحدى المستشفيات بالقاهرة بعدما حضرا من المطار رأسا، ليتجها بلهفة لمجموعة من الأفراد وهما يتسائلا بلهفة: ـ أيه اللي حصل ده يا خالي.
ـ ماما فين وجرى لها أيه يا خالتي.
بكت الخالة بحرقة: في العناية والزيارة ممنوعة، يا حبيبتي يا أختي كان مستخبيلك ده كله فين.
بينما حاول الخال طمئنتهم، لكن ملامحه كانت توحي بغير ما يقوله: خير بإذن الله يا ولاد، ربنا يطمنا عليها.
تسائل شادي بقلق: أزاي ده حصل وأمتى، ده أنا بكلمها كل يوم.
أجابته الخالة من بين نحيبها: اتنقطت يا قلبي، الضغط علي عليها مستحملتش انجلطت في ساعتها، بيقولوا عندها جلطتين في القلب.
صرخ فادي بقهر: ليه أيه اللي حصل لكل ده؟
تبادل خالته وخاله نظرات مضطربة، ولم يحريا جوابا بينما زاغت اعينهما، ونكسا رأسيهما أرضا، قبل أن ينتفضا على صوت أكمل الفظ: كله من تحت راس الفاجرة اللي مرمغت شرفنا بالتراب.
احتج خالهما معاتبا: ملوش داعي الكلام ده هنا يا أكمل.
ليصيح أكمل مهتاجا: بلا يصح بلا ميصحش، داريتوها مني ومخبينها وقولتوا لما أخواتها الرجالة يرجعوا، هما اللي يتصرفوا، وأديهم رجعوا، ممكن بقى أعرف خضرة الشريفة فين؟
بهت كلا من فادي وشادي بذلك الهجوم ليصيح شادي بانفعال: في أيه ياعمي.
توتر فادي، لا يريد أن يصدق ما يدور بخلده خاصة وقد انتبه لغياب شقيقته بظرف كهذا: أنت بتتكلم على مين، وشيرين فين.
لتخبره قذائف أكمل بما خشى سماعه: أختك كسرت وسطنا وحطت راسنا في التراب، أختكم حامل يا بهوات، جابت لنا العار ووقفت حال بنات العيلة كلها.
انقض عليه شادي، ممسكا بتلابيبه وهو يصرخ: أنت بتقول أيه، أنت عارف بتتكلم عن مين.
بينما تخشب فادي، لا يصدق أن ذلك اليوم قد جاء، يوما استنكره كثيرا متمسكا بثقته بأخلاق شقيقته ورقابتهم عليها، ولكن بداخله كان يرواده ذلك الكابوس، أن يأتي يوما فيسقى مما سقى به غيره، كأي لص يخشى الأمساك به رغم براعته، ولكن انتزعه من كابوسه الحي، صرخات عمه الشماتة: بتمد أيدك علي أنا يا كلب، طب كنت اتشطر على ربة الصون والعفاف اللي صورها مالية الشارع.
انتفض يخلص عمه من بين يدي شقيقه صارخا: بس ياعمي، سيبه يا شادي سيبه.
نهت أكمل بقوة، بعدما تخلص من قبضة ذلك المجنون الذي كبله شقيقه وخالهما بكل قوتهما، ليبتعد عن مرمى يديه يعدل هندامه وهو يصرخ بغل: أختك حملت من واحد تعرفه، ولما مرضيش يتجوزها هددته أنها تفضحه، فسبق هو ومن يومين صحينا لاقينا الشارع مفروش بصور المحروسة وهي عريانة،[تفل بوجههم] ابقى استرجل عليها هي يا عرة الرجالة.
توقفت مقاومة شادي فجأة وسيل كلماته يخترق أذنيه، بينما تراخت يد فادي عنه، بعدما طعن بخبر حمل شقيقته، وفضيحتهم على هذا النحو، تطلع لخاله يناشده تكذيب ما سمع، لتزداد طعنته نفاذا بصرخة خاله الزاجرة لعمه والمؤكدة لحديثه بنفس الوقت: اتقي الله يا أكمل أنت شمتان في عرضك يا راجل، ده بدل ما توقف جنبهم في المصيبة دي.
صرخ أكمل ببغض: لا طولي ولا عرضي، اللي ليا مات، وأنا متبري منهم على الموت والحيا، خلي نسايبه ولاد الأكابر يقفوا جنبه.
تفاجأ فادي بذلك الثقل فوق قدميه، لينظر لأسفل ليجد شادي ممددا أسفل قدميه فاقدا الوعي.
**********
احتقن وجه شيرين وأزرقت شفتيها وهي تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، بينما أصابع فادي تطبق على رقبتها بقوة، وقد فقد أحساسه بكل ما حوله، كل ما يراه أمامه هو ذلك العار الذي لطخته به، هو الذي لطالما رمى ضحاياه بالفجور والوضاعة لاستسلامهم له، استسلمت شقيقته لمن هو أكثر وضاعة وخسة، أمسك شادي بكفيه يضغط عليهما بكل قوته حتى أفلتها، وهو يصرخ به: أعقل يا فادي هتموت في أيدك يامجنون.
حال شادي بينهما لتحتمي هي بظهره تدلك رقبتها وهي تسعل بقوة: ضحك علي يا فادي والله ضحك علي.
صرخ هادرا وهو يحاول أن يتخطى شادي ويعاود الإمساك بها: ليه عيلة صغيرة، ولا شربك حاجة اصفرا يا فاجرة.
ارتفع صوت بكاءها، وهي تتوسله بصوت مرتعش: قالي أنه بيحبني وهيتجوزني، بس مش هيقدر دلوقتي يتجوزني رسمي عشان مامته عايزة تجوزه بنت أختها، وأول ما عرف أني حامل قطع الورقتين.
اختلط صريخهما بعدما نجح بالامساك ببعض خصلات من شعرها من فوق كتف شادي: وتتجوزيه عرفي ليه وتسيبيه يصورك ويفضحك ليه.
علت صراخاتها وقد انتزعت تلك الخصلات بيده: مكنتش موافقة بقالوا شهور بيقولي نرتبط وموافقتش، بس لما لاقيتك حبيت واتجوزت من النت، افتكرت أن في ناس ممكن تكون قصتهم بدأت كده ونجحوا، وعاشوا سعدا، أنا هددتوا عشان يتجوزني ومتفضحش قدامكم، مكنتش أعرف أنه هيفضحني كده.
برغم حمايته لها التي لا تنبع من شفقة عليها، بل خوفا من تصاعد الأمر لما لا يحمد عقباه، صرخ شادي بها وهو ينهت من مقاومته لشقيقه ومنعه من الوصول لها: ومفكرتيش فينا ليه قبل ما تعملي عملتك.
تخشب جسد فادي فجأة وصدى نفس الكلمات تتردد بأذنه وهو يزجر بها مروة، استغلت شيرين جموده اللحظي لتفر مهرولة محتمية بإحدى الغرف، انتبه لها وحاول أن يقطع طريقها، ليتشابك معه شادي يمنعه، وهو يصرخ به: دلوقتي عايز تموتها، كله من تحت راسك، عمايلك القذرة طالت الكل، وشربنا كلنا من نفس الكاس، مش كنت باقول الدنيا ماتش، ادينا بقينا كورة شراب، وبنتشاط يمين وشمال.
أزاح يدي أخيه عنه، يدفعه بعيدا وهو يهرول فارا خارج المنزل، لتطالعه أعين الجيران بعضها مشفق وبعضها شامت، فينكس راسه وهو يهرول مبتعدا وقد ضاقت الدنيا بوجهه، لا يعلم أهو ذنب شقيقته تحاسب عليه وحدها، أم أن دعوة مظلومة أصابته، ولكن ما يعلمه حقا، أنه كان مخطئا عندما ظن أن الرجال لايعيبها أي أمر، فبرغم أن جريمة شقيقته قد وصمت جسدها هي، ولكنها وصمت روحه ورجولته.
**********
ازدادت ضربات قلبه تسارعا، يشعر بروحه تشتعل داخليا بينما بدنه يرتعش بردا، وتعرقتا يداه بإفراط، زاغت نظراته فوق البساط أسفله، لا يقوى على مواجهة مضيفه بعدما قص عليه قصة شقيقته المخزية كاملة رغم محاولته لتجميل الصورة والبسها ثوب الضحية، ولكن طال الصمت فتنحنح متسائلا بصوت متحشرج: أيه رأي حضرتك في اللي سمعتته، يا صفوان باشا.
أجابه صفوان بعملية: لو البنت مش حامل كنت نصحتك تدفنه مكانه وتسلم نفسك وأنت رافع راسك، لكن بما أن في طفل جاي فالسكة فالجواز أنسب حل في الحالة دي.
زاد ارتجاف بدنه وهو يتخيل مصيره لولا وجود طفله الذي لعن وجوده سابقا، ولكنه حاول التغافل وهو يرنو الوصول لهدفه مع الحفاظ على اقصى ما يستطع من كرامة أن كان تبقى له منها شيئا: بس زي ما قولت لحضرتك الولد أهله واصلين، ومش هامه حد بالعكس بيهددنا أن لو لجأنا للمحاكم يجيب شهود،[اختنق صوته قهرا] يقولوا أنها كانت بتروح لهم بفلوس.
أردف صفوان ببساطة رجل جدير بالزود عن شرفه ولو من فوق كرسي متحرك: القوي في الأقوى منه، شوف حد أعلى من أهله يجيبهولك زاحف.
ازدرد ريقه، تثقل على نفسه المطالبة بعد ما صدر منه أمر مشابه، فأراد أن يلقي بها على كاهل غيره: أصل عمي أكرم بيقول يعني أن احنا بقينا نسايب، وأن سمعتنا تهم حضرتك، وفاكر أني لو حضرتك عرفت هتساعدني، [عائدا للمراوغة كعادته] بس أنا مش عارف أقوله ليه مش هينفع ألجأ لحضرتك، وأكيد مش هاقدر أقوله أن بينا خلاف ولا أسبابه.
يتبع الفصل الخامس اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent