Ads by Google X

رواية الانسة ميم الحلقة الخامسة 5 بقلم منى الفولي

الصفحة الرئيسية

رواية الانسة ميم البارت الخامس بقلم منى الفولي

رواية الانسة ميم الفصل الخامس

أردف صفوان ببساطة رجل جدير بالزود عن شرفه ولو من فوق كرسي متحرك: القوي في الأقوى منه، شوف حد أعلى من أهله يجيبهولك زاحف.
ازدرد ريقه، تثقل على نفسه المطالبة بعد ما صدر منه أمر مشابه، فأراد أن يلقي بها على كاهل غيره: أصل عمي أكرم بيقول يعني أن احنا بقينا نسايب، وأن سمعتنا تهم حضرتك، وفاكر أني لو حضرتك عرفت هتساعدني، [عائدا للمراوغة كعادته] بس أنا مش عارف أقوله ليه مش هينفع ألجأ لحضرتك، وأكيد مش هاقدر أقوله أن بينا خلاف ولا أسبابه.
ضيق صفوان عينيه، لا يصدق أنه بتلك الخسة كي يلوح بذلك الأمر وهو بذلك الوضع الشائن، ورغم تعاطفه مع الظرف صفعه بتلك الإجابة المقتضبة غير المبالية بتلميحاته: ممكن تقوله أنك محرج تعرفني حاجة زي كده.
غص حلقه، وضاق صدره، وهو يحاول اغتصاب ابتسامة كانت أكثر إباءا من ضحاياه: عند حضرتك حق، فكرة كويسة.
تحرك يجر قدمه جرا ليفاجأه صوت صفوان الهادئ، الذي تغلبت نخوته على سخطه عليه، مكتفيا بتوضيح الصورة، وأن تعاونه كرما لا خوفا: ده لو كنت جاي تعرف تقول أيه لأكمل، لكن لو جي طالب المساعدة فبكرة الساعة خمسة جهز المأذون وأنا هاعرف أزاي أخليه يجيلك برجليه، ويصلح غلطته.
رغم خزيه انتفض قلبه أملا وهو يغمغم بلهفة: بجد يا باشا، ده يبقى جميل العمر.
أجابه صفوان بجفاء لم يقصده بل يسكن قلبه تجاهه جراء ما اقترفه نحو حفيدته: مش عشانك يا فادي، عشان البنت الغلبانة اللي قد أحفادي، واللي جت هنا وشوفت قد أيه هي بسيطة وساذجة، عشان والدتك الست المحترمة الطيبة، [ضاغطا على كرسيه المتحرك] اللي محدش يقدر يحس باللي هي حاسه دلوقتي قدي.
تمتم وهو ينسحب بخزي: شكرا يا باشا مرة تانية.
أكمل طريقه للخارج مهرولا، فارا من خزيه وامتهانه، لطالما استمتع بانتصاراته بعالم النساء، أو مباراياته كما كان يحب أن يسميها، كان يتخيل نفسه محمولا على الأكتاف احتفالا بكل هدف جديد، ولكن الهدف هذه المرة كان بمرماه هو، عصف بشباك شرفه وكرامته، وها هو يتمنى أيضا لو كان محمولا على الاعناق ولكن إلي قبره.
**********
تسابقا شادي وفادي بممر المستشفى بلهفة ، عقب تلقي اتصال من خالتهما بالحضور فورا، لإفاقة والدتهما ورغبتها برؤيتهما، تشنج جسدهما وهما يريا انهيار خالتهما البالغ الذي يتنافى مع خبر الافاقة، ليتسائل فادي بصوت مرتعش: بتعيطي كده ليه يا خالتي، مش بتقولي فاقت.
زاد انهيارها في نفس اللحظة التي خرج بها الطبيب من حجرة والدتهما ليهرولا إليه بجزع: هي فاقت يا دكتور.
ـ هي أيه الحالة دلوقتي بالظبط.
تهرب الطبيب من عينيهما وهو يجيب بآلية: ربنا معها، هي فاقت فعلا وعايزة تشوفكم، حاولوا متجهدوهاش، عن أذنكم.
أسرع مبتعدا غير سامحا لهم بمزيد من الأسئلة، ليتبادلا نظرات قلقة قبل أن يحسما أمرهما مندفعين لغرفتها، ليتوقفا فجاة وقد هالهما شحوب وجهها وهزالها الشديد وكل تلك الاجهزة المتصلة بجسدها، تقدما نحوها ببطء لتنتبه لوجودهما، لترفع لهما وجهها بأعين مليئة بالدموع وصوت واهن: حبايبي، حمد الله على السلامة وحشتوني قوي.
اقترب كلا من جهة ممسكين بيديها المتصلة بالأجهزة الطبية برفق، يقبلنها بحب، بينما شادي يتمتم باكيا: أنت كمان وحشتينا قوي، ألف سلامة عليكي، متعمليش فينا كده تاني.
ربتت عليه بحنان غير قادرة على الحديث وقد أوهنها مصاب القلب أضعاف ما أوهنها أصابته.
بينما أخرج فادي ورقة من جيبه واضعا لها بيدها، دي قسيمة شيرين يا ماما، الكلب كتب عليها غصب عنه.
أخفى عنها قاصدا، وحل المهانة الذي خاض به ليخرج بتلك الورقة، وطلاق النذل لها بمجرد توثيق الزواج، ليحمد الله وهو يرى الارتياح يغزو وجهها رغم حزنه، وهي تغمغم بوهن: وصايتكم أختكم، عارفة أن هي اللي غلطانة بس دي لحمكم مهما عملت، [نهتت بألم وكأن الكلمات أشواك تنتزع من روحها] وملكوش دعوة بيه ولا تتعرضوله تاني، ربنا مطلع، هو الخسران، هو الخسران، يا خسارته اللي يعمل بنات الناس تجارته.
اختفى صوتها ليحل محله تلك الصافرة المتصلة، ليجن جنونهما، وترتفع صراختهما ونداءهما عليها، وهما يحركنها رافضين تصديق أنها النهاية، ليتدخل الطاقم الطبي، يسحبهما للخارج محاولين انقاذها، ليتوقفوا بعد برهة معلنين فشلهما، لينهار شادي أرضا يحتضن نفسه باكيا، بينما فادي يضرب رأسه بالجدار صارخا بأمل وهو يسترجع تنبأ والدته بخسارته، وأن عنت بها غيره، لكنه يشترك معه بنفس الجرم دون علمها، لتتردد جملتها الأخيرة تدوي برأسه كدقات طبول الحرب {يا خسارته اللي يعمل بنات الناس تجارته}.
**********
انهت مرام محادثتها الهاتفية، لتلتف لجدها قائلا: مصممة ترجع.
أجابها صفوان حزينا: كده أحسن رغم أني خايف عليها من السفر، بس هي قاعدة هناك لوحدها، وكمان مينفعش متجيش في وفاة حماتها، خصوصا وجوزها وأهله في الظروف دي.
زفرت مرام بألم وهي تردف بندم: زعلانة قوي من نفسي أني حاولت اقنعك أنك متساعدهوش، لوكنت سمعت كلامي والست دي ماتت مكنتش هاقدر اسامح نفسي.
أجابها صفوان بوقار: أنا مساعدتوش يا مرام، ولو طلب مني أي مساعدة تخصه كنت رفضت، أنا ساعدت في ستر مسلمة، وده أجره عظيم عند ربنا، ده غير أني حبيت أشكر نعمة ربنا عليا بالعزة والستر، ربنا يهدي بنات المسلمين ويسترهم.
لتؤمن على دعاءه برجاء: آمين يارب العالمين.
**********
جلسن مجموعة من النسوة المتشحات بالسواد، يقدمن واجب العزاء، لتكن قلوب بعضهن أكثر قتامة من لون ملابسهن، وقد حولن جلسة العزاء لجلسة نميمة، فمن لم يكن له الموت واعظ فلا تنفعه المواعظ، طالعتها نظرات الإذدراء من معظم الحاضرات وتفرسن بطنها وكأنهن ينتظرن أن تتكور بطنها من حمل شهر واحد، يبحثن عن معالم فضيحتها، وكأن فضيحتها تستر عوراتهن، ولكن وأن كن يلوكن سيرتها فهي من صفتها على مائدة اللئام، مالت إحداهن على جاراتها مشيرة لشيرين بطرف خافي: صحيح تقتل القتيل وتمشي في جنازته، قاعدة في وسطنا مقطعة نفسها عياط ولا كأنها عملت حاجة.
تجاوبت معها السيدة الثانية وقد مطت شفتيها باستياء: قادرة يا حبيبتي ووشها مكشوف، وهي اللي تعمل عملتها هيهمها حد، دي واحدة عيارها فالت.
لم يراعيا تلك المسافة القصيرة بينهما وبين شيرين التي تجلس وسطهن بجسدها، بينما روحها تصطلي بجحيمها الخاص، جحيم هي من أشعلت نيرانه لتتدفأ بها للحظات معدودة فامتدت ولم تخمد إلا بعد أن التهمت عالمها كله، فياله من ثمن فادح لدقائق من دفء كاذب وحضن مليء بالأشواك فجر بلون أحلامها ودهس بقاياه بقدميه بلا شفقة.
وصلها همسهما المهين، ولكن لم تستنكر قولهما بل هي تؤيدهما فيه، هي قاتلة أمها، قتلت من وهبتها الحياة، أصابتها بسيف العار، وأطلقت على قلبها طلقات القهر فانفجرت دماءه الطاهرة أرضا ملوثا بجرمها هي، هي من استسلمت وأضاعت شرفها، فاضاعت الجميع، جرت وراء سراب في صحراء العلاقات المشبوهة فأحرقتهم بشمس الفضيحة لولا قطرات من ستر على وثيقة زواج صورية للحق أخويها بأمهما أما قهرا أو قصاصا لو فكرا منحها ما تستحقه من عقاب، ارتفع رنين هاتفها، فلاحت منها نظرة لشاشته لا تنوي الرد كعادتها منذ الفاجعة، ولكن ذلك الاسم فوق الشاشة اطاح بتلك العادة وهي تستقبل المكالمة برهبة وقد احتلت الهواجس رأسها، ورغم توقعها لكارثة جديدة، لكن ما سمعته كان أقوى من احتمالها ليسقط الهاتف من بين يديها أرضا وهي تصرخ بهيستيريا، تتمنى لو أن ما سمعته محض خيال، فضميرها المثقل، لا يحتمل دماء جديدة تحمل وزرها، ولا جريمة أخرى تضاف لجرائمها، جريمة لن يغفرها لها شقيقها أبدا.
********************
تمددت مروة فوق الفراش بأحد المستشفيات يحيط بها جميع أفراد أسرتها، صفوان على كرسيه تقف بجواره مرام ومن خلفها والدها من جهة وعلى الجهة المقابلة يقف قاسم الذي ينظر لابنته بحزن، وبجواره زين الذي ينصب اهتمامه على تلك التي تقف خلف جدها وكأنها تحتمي به من نظراته لها وبجوارها والدها.
تأوهت مروة بوهن انفطر له قلب والدها، وهو يهتف مشفقا: على مهلك يا حبيبتي، ألف حمد الله على سلامتك، ربنا يعوض عليكم.
تمتمت مروة بوهن: الحمد لله يا بابا.
ليفاجأها صوت زين الناهر: ما هي اللي ركبت دماغها وصممت تيجي، وأدي النتيجة.
زجره زياد موبخا: أيه اللي بتقوله ده.
ليزفر زين بضيق: يا خالي ما هو جوزها مش ناقص بكفياه اللي هو فيه.
هتفت مرام بصدمة: أنت صعبان عليك جوز أختك، ومش صعبان عليك أختك.
انتفض قلبه بين ضلوعه، لا يصدق أنها تحادثه هو، فمنذ حضرت لم توجه له ولو كلمة، بل تجنبته، وللأسف حتى حين تكرمت بالحديث إليه لم يكن إلا لتنتقده وبسبب شقيقته كالعادة، لذا فقد تذمر ساخطا: هي فيها أيه يعني ده حمل شهر، شهر ونص بالكتير يعني شوية دم ونزلوا.
غامت عين مروة ليس لغلظة أخيها المعتادة، ولكن لخطأها الذي يطاردها حتى بعد أن انتهت ذكراه، فماذا لو علم أخيها بأن حملها كان بالشهر الخامس؛ أي قبل زواجها بما يقرب الشهرين، ولكن أنتشلها من مخاوفها صوت صفوان الهادر: والله أنت اللي ما عندك دم.
نظر زين تجاه مرام بحرج فساءه تلك النظرة الرافضة له بعينيها غير المستوعبة لمدى قسوته، حتى على أقرب الناس إليه، ليوخزه قلبه لنظراتها، لا يعلم لما لا تفهمه، ولا تستوعب كونه من عالم مختلف عن عالمها ولو كانا ظاهريا من أسرة واحدة.
ارتفع صوت زياد محاولا إنهاء هذا الجو المشحون: حد عرف يبلغ جوزها يا جماعة؟
أجابه صفوان مجاريا له: اتصلنا بتليفونه وتليفون أخوه كانوا مقفولين بس أخته ردت، بس أول ما بلغتها قعدت تصرخ، مش عارف إذا كانت فهمتني ولا بتصوت على مامتها، الله يكون في عونها.
بمجرد إنهاء جملته طرق الباب ليدلف فادي مطأطأ الرأس بانكسار: السلام عليكم.
رد الجميع التحية بخفوت، وهم ينظرون له بإشفاق، لكن نظرة زين له كانت مختلفة، نظرة تفهم لكل ما يشعر به، فمن أقدر منه على معرفة معنى أن تسير بين الناس حاملا على عاتقك ذنب لم تقترفه يداك، أن تلطخ رجولتك بذنب امرأة لمجرد أنها تخصك حتى لو لم تكن حاضرا، سيان أن تكن أختا أثناء سفرك، أو أما قبل ولادتك، بكل الأحوال أنت الملام ، فذلك قدر الرجال.
خرج صوت فادي متحشرجا مرتعشا: سلامتك يا مروة.
أشاحت بوجهها جانبا دون أن ترد، فخشى صفوان من فضح أمرها تحت تأثير حالتها النفسية بعد ما تعرضت له من ضغوط، ليتمتم: طيب يا جماعة نخرج احنا نستنى بره شوية، أكيد هما محتاجين يتكلموا مع بعض.
غمغم الجميع بالموافقة وهم يتحركون للخارج، بينما أمسك زياد بكرسي والده يدفعه، ليستوفقه صوت مروة الواهن: خالي، من فضلك أنا محتاجة جدي يفضل معايا.
نظر زياد لوالده، فأمأ له موافقا، فاستأذن خارجا مغلقا الباب خلفه، اقترب صفوان بكريسه من فراشها ممسكا بيدها، داعما لها أيا كان قرارها، بينما نكس فادي رأسه لا يقوى على مواجهتها، فلطالما أهانها ناعتا لها بالفجور مقارنا لها بشقيقته العفيفة ذات الأخلاق، ليتغير الحال وتوشم شقيقته بما وشمها به، بل وقد أحني هامته أمام جدها طالبا مساندته لسترها، ساد صمت ثقيل قبل أن تشعله هي متوسلة جدها: جدي أنا عايزة أطلق.
وبالخارج لم تكن الأجواء أقل سخونة، فبمجرد خروج قاسم تحرك مسرعا باتجاه المسجد مستغلا الوقت في الصلاة والدعاء لها وقد لمس سوء حالتها النفسية والبدنية، بينما خرج خلفه زين ليثور مهتاجا فور رؤيته لذلك الشاب أمامه، ليصيح به موبخا: أنت أيه اللي جابك هنا؟
ليصدح خلفه صوت مرام مندهشا: وائل!
ليجن جنون زين وهو يراها تنطق باسمه بتلك الحميمية، بينما تعزف عن الحديث معه إلا بكلمات مقتضبة، فيكرر تسائله غاضبا: باقولك أنت أيه اللي جابك هنا؟
أجابه وائل ببساطة: جاي لمرام.
اشتعلت عينيه غضبا وهو يصيح: أنت اتجننت، ده أنا...
قاطعته صيحة زياد وهو يخرج موصدا الباب، حتى لا يصل ذلك الجدال للداخل: في أيه؟ وائل، أزيك يا حبيبي.
ابتسم وائل محييا: أزي حضرتك، حمد الله على السلامة.
زياد بود: الله يسلمك، في حاجة، أنتم صوتكم عالي وواقفين لبعض كده ليه.
صاح زين منفعلا: البيه باسأله جي لأختي ليه، يقولي جاي لمرام.
أجابه وائل برابطة جأش: ألف سلامة على أخت حضرتك، بس أظن أن مدخلتيش الأوضة، وأنا فعلا جاي لمرام.
صاح زين منفعلا: أيوه وحضرتك جي لمرام ليه.
أجابه وائل ببساطة: رحت الشركة السكرتيرة قالت لي على اللي حصل، محبتش أسيبها هي وجدي لوحدهم، مكنتش أعرف أن عمي رجع بالسلامة.
أستشاط زين غضبا، لتنصيب نفسه مسئولا عنها وتجاهله له: يا سلام ده على أساس أني هوا، وأنت حامي الحما.
أجابه وائل متهكما: ليه وهو أنت هتسيب أختك التعبانة، وتهتم بجدي.
ثارت ثائرته وهو يستثنيها من اهتمامه وكأنها لا تخصه: مش مشكلتك أنا باعرف أهتم بكل اللي يخصوني كويس قوي.
صاحت مرام محتدة رافضة مضايقته لوائل بسخافته تلك: على فكرة...
قاطعها صوت زياد الحازم: خلاص يا مرام، شكرا يا وائل كلك ذوق أقعد استريح، أطلبي حاجة من الكافيتريا نشربها يا حبيبتي.
تحركت مرام تقود وائل لأحد المقاعد جالسة بمقابلته وهي تضغط جرس استدعاء الخدمة، تتابعها عين زين باشتعال، ليفاجأ بيد زياد تسحب وجهه لاتجاهه، وهو يهمس زاجرا: أنا مرضيتش احرجك قدامه، بس وائل تقريبا خطيب مرام، وتصرفاتك دي مش مناسبة.
زادت نيرانه اشتعالا وهو يستمع لمكانة وائل بالنسبة لها: مكنتش أعرف أن الحاجات دي فيها تقريبا يا خالي، معلش صعيدي بقى، ومليش في شغل ولاد الذوات ده.
احتد صوت زياد رغم خفوته: احترم نفسك هو أنا باقولك متصاحبين، مرام رغم سنها مش بنت طايشة ولا مشاعرها متقلبة وعارفة هي عايزة أيه كويس، [لان صوته وهو يرى نيران الغيرة بعين ابن شقيقته] اسمعني يا زين، أنت اتقدمت لمرام وهي رفضت، يبقى نقطة ومن أول السطر، أنت بالنسبة لمرام دلوقتي مش أكتر من ابن عمتها وأخوها.
غمغم متهكما بمرارة: أخوها، دي تقريبا مبتبصش في وشي، ومبتكلمنيش نهائي ولو اتكلمت بيبقى بالقطارة.
نظر له زيادة نظرة ذات معنى متسائلا: وأنت بتعامل مروة أحسن من كده.
غص حلقه وهو يتمتم بحرج: بس...
ليقاطعه زياد بحزم: مبسش، أنت ومرام مش لبعض، تفكيرك وتربيتك مختلفين والحب لوحده مش كفاية، وأظن أنك أكبر دليل على كده.
احتقن وجهه بشدة، يلعن ماضي لم يكن موجودا فيه، ولكنه يتحكم به كيفما شاء، ليقيده تارة بقيد الإذدراء، ويحرمه أخرى من حبيبته.
بينما عند مرام جلست هامسة بخفوت: وائل أنا قولت لك أن بابا رجع.
زفر بضيق وهو يخبرها منفعلا: عارف، بس أنت كنتي متخيلة أن ممكن أسيبك وأنا عارف أنه معاكي هنا.
غمغمت معترضة: زين ابن عمتي، وطبيعي أن الظروف تحكم أننا نشوف بعض من وقت للتاني.
أجابها بصوت يقطر غيرة: عارف، بس أنا هاتجنن وخصوصا وانت مدياه الفرصة أنه يبقى أقرب ليكي مني.
هتفت مستنكرة: أنا!
زفر بنفاذ صبر وهو يحاول أن يضبط انفعالاته وألا يضغط عليها: أيوه يا مرام، كونك بتأجلي ارتباطنا رسمي ده ادله الحق أنه يحس أنه وجوده جنبك مقبول بحكم القرابة، ووجودي أنا هو اللي من غير صفة، ده غير أنه بيخليه لسه عنده أمل أنكم ممكن ترتبطوا بيوم.
شحب وجهها وهي تتبين صحة كلماته، لتتلعثم حروفها بارتباك: أنا مفكرتش كده، أنا...
قاطعها بحنو فهو يعلم جيدا أنها لم تنتبه لأمرا كهذا وأنها فقط تتمنى أن تتمتع بكل تفاصيل ارتباطهما: والله عارف، ومقصدتش أي حاجة بكلامي، غير أنك تفهمي اللي باحسه وانا عارف أن له صفة في حياتك وأنا لا، [ليبتسم بمودة مغيرا مجرى الحديث] سيبك من ده دلوقتي، أنا عارفك مش بتعرفي تاكلي وأنت متوترة، وطبعا لو طلبتلك أكل برضو مش هتاكلي [وهو يخرج عدة مغلفات شيكولاته كبيرة من جيبه] بس كمان عارف أنك متقدريش، تقولي للشكولاتة لأ، فاكليها بقى بدل ما يجيلك هبوط من قلة الأكل كالعادة.
التقطت المغلفات بسعادة وهي تنظر له بحب، تحمد ربها أن رزقها شريك لين حنون، يراعيها ويهتم بها.
فجأة انتفض الجميع على صوت باب غرفة مروة يفتح بحدة ليخرج منه فادي مهرولا دون أن يلقي التحية على أحدهم، حتى أنه لم يلتفت لنداء قاسم العائد من صلاته لتوه: فادي، فادي.
تبادل الجميع نظرات قلقة متوترة ليهرعوا مسرعين للغرفة، عدا وائل الذي التزم مكانه بضيق وقلة حيلة.
دلف الجميع للغرفة ليجدوا مروة منهارة بالبكاء وهي تدفن وجهها داخل وسادتها، ليتطلع الجميع لصفوان بتساؤل، ليردف متجهما: فادي طلق مروة.
ليصرخ بها زين وقد وجد منفسا لغضبه: وجاية تعيطي دلوقتي بعد ما خربتيها.
صاح به زياد موبخا: وهي ذنبها أيه؟!
استطرد بغضب متنامي وهو يقترب من شقيقته: أنتم ماشفتوش قلبة سحنتها أول ما دخل، [ممسكا بكتفه بغلظة غير مراعيا لحالها] بتحاسبيه على أيه، على واحدة واطية ضيعت نفسها وضيعته وهو مسافر عشان يعرف يسترها، ذنبه أيه هو عشان يخسر كل حاجة كده.
اقترب زياد يسحبه بعيدا عنها بينما تلقفتها مرام بحضنها تربت عليها برفق، ليعلو صوت صفوان حازما: اللي بتعمله ده مفيش منه فايدة، نصيبهم مع بعض واتقطع لحد كده، يبقى نفضها سيرة.
ضحك ساخرا بمرارة من تجرع الهوان من ألسنة الناس ويعي بشاعته: نفضها سيرة، ده احنا اللي سيرتنا هتبقى على كل لسان، الهانم مكملتش تلات شهور متجوزة، ده غير أن مش كل الناس تعرف اللي حصله، واللي يعرف هيقول علينا واطيين، سرعنا الجوازة وهو فرحه، ورميناه على طول دراعنا في همه.
صاح به صفوان: افهم كلامك ده ملوش لازمة، باقولك خلاص طلقها.
هدر غاضبة بثورة: من غلبه وقلة حيلته، قال تيجي مني بدل ما تيجي منهم بعد ماشاف لوية بوزها، [ليوجه كلامه لوالده الذي تصنم منذ معرفته بالخبر وقد تجلت على وجهه علامات الحيرة والحزن] عرف بنتك أنها هتخرج من هنا على بيت جوزها، هي لسه في عدتها وأنا هاتكلم معه وافهمه أن اللي حصل ميقلش منه في حاجة، وخصوصا وأنه عرف يرد هيبته ويجبره يتجوزها.
صاحت به مرام مشفقة على تلك المنتفضة بحضنها: أنا مش فاهمة أنت فاكر نفسك مين تتحكم فيها وفي حياتها بالشكل ده، ده قرارها هي وحياتها هي.
ابتسم متهكما وهو ينظر لعينيها بألم: الكلام ده تقوليه لما اتكلم في حاجة تخصك، لكن أنا باتكلم عن أختي واللي باقوله هو اللي بيمشي، وهي عارفة كده كويس، احنا صعايدة والرجل هو اللي بيشيل الشيلة في الأخر، ومعدش فينا حيل نشيل أكتر من كده.
انهى جملته وهرول خارجا، تاركا كلا منهم يفسر كلماته كما يحلو له، ولكنه لن يسمح لأيا منهم أن يحمله المزيد من ذنوب لم تقترفها يداه.
**********
عاد فادي لمنزله مساءا، ملقيا نفسه على أقرب مقعد مغلقا عينيه بإرهاق، ليفاجأ باقتراب شادي الذي يتجنبه منذ ما حدث: ربنا يعوض عليك يا فادي.
وكأنما ارتاح لوجود من يشاركه هذه اللحظة العصيبة، وخسارته لكل شيئ: أنا طلقت مروة.
صمت شادي للحظات، قبل ان يردف برضا: كده أحسن، اللي كان رابطكم انتهى، ومش فاضل ما بينكم غير الجرح.
تطلع له بصدمة، وهو يتسائل بدهشة: أنت كنت عارف؟!
غمغم شادي بخفوت: من أول ما عرفت أن أسمها مروة مش مرام، وأنها بنت بنت صفوان باشا، مش بنت دكتور زياد وأنا فهمت، وحمدت ربنا أنك سترت عليها، ومتقلقش أنا مفتحتش بوقي مع حد.
أمأ له ممتنا، غير قادرا على الحديث، ولكن شادي استطرد منتقلا لنقطة أخرى: ناوي على أيه يا فادي؟
تمتم بدهشة: ناوي على أيه في أيه؟! باقولك طلقتها.
أجابه بكلمة واحدة تخبره عما يدور سؤاله السابق: شيرين.
انعقد حاجبيه، وتجهمت ملامحه بذكر تلك التي القت شرفه أرضا ودهسته بقدميها مقابل بضعة كلمات كاذبة من سارق أعراض، يعلم مكانتها عنده جيدا، فهو مثله، وأخته ومثليتها لا تعنين لهما شيئا، ولا ينظرنا لها إلا كفتاة رخيصة، أن لم تبع نفسها له لباعتها لغيره، والثمن بخس بالحالتين.
ضاق شادي من صمته وإعراضه عن التحدث بأمرها، يعلم بفداحة جرمها ولكن بالنهاية هما المسئولان عنها، لذا أخبره مقررا: أنا راجع دبي وهاخد شيرين معايا، الشيخ خلاف اتصل بيا عزاني وقالي أنه مستنيني أول ما أظبط ظروفي، ولما قولتله أن مش هينفع اسيب أختي لوحدها، قالي اجيبها وأنه هينقلني من السكن الجماعي ويوفر لي سكن فردي، ههتيجي معانا.
شرد للحظات، قبل ترتسم على وجهه علامات الصدمة وكأنه للتو قد أدر مجمل خسائره: أجي فين، باقولك طلقت مروة، وافتكر بعد اللي عملته مستحيل صفوان يرجعني الشغل، ولا أنا حتى هاقدر أآمن لرجل زي ده.
سأله شادي بتردد لمعرفته بتطلعات أخيه: طيب تحب أكلم الشيخ خلاف وتنزل فأي فرع؟
صاح مصدوما لا يصدق أن يعرض عليه مثل هذا الاقتراح: سوبر ماركت، بعد ما كنت مدير فرع دبي لمجموعة الديب، عايزني أشتغل في سوبر ماركت، مش معنى أني سيبت الديب أني مش هلاقي حد يقدرني ويقدر خبرتي.
أجابه شادي بهدوء، فهو لم يفاجأ برد فعله: الشغل مش عيب يا فادي، وممكن تيجي معنا لحد ما تلاقي مكان يقدر خبرتك، مش هينفع تقعد هنا، وترفع عينك في عين الناس بعد اللي حصل.
وضعته كلمات شقيقه أمام حقيقة موقفه، فهو لا يحتاج لعمل فقط، بل محتاج لمخبأ يتوارى به عن أعين الناس، بعدما تكلل بعار، لطالما وصم به غيره.
***********
{مستحيل}
صرخت بها مروة بوجه
والدها، وجسدها كله يرتجف بانفعال.
تغاضى والدها عن أسلوبها الفج تقديرا لحالتها النفسية والصحية، وهو يحاول اقناعها بلين: أهدي يا حبيبتي، أنا عارف أن الموقف صعب، والفضيحة مش قليلة، بس كمان جوزك ملوش ذنب، وكفاية عليه اللي هو فيه مش هتبقي أنت والزمن عليه.
زفرت مروة بضيق، لا تعلم لما يناقش الأمر ثانية وقد اخبرته بالهاتف بأنه أمر منتهي: وأنا مالي، أنا معملتوش حاجة ولا جيت عليه في حاجة، احنا اطلقنا وانتهت القصة على كده.
ربت قاسم على كتفها بحنان: أنا عارف أنك واخدة على خاطرك عشان طلقك وأنت في المستشفى، بس هو معذور يا بنتي، وبصراحة كبر بنظرنا لما داس على قلبه في عز قهرته على ابنه عشان يعفينا من الحرج، ابن أصول بصحيح.
ارتسمت ابتسامة مريرة وهي تغمغم بتهكم لم يعيه والدها: فعلا ابن أصول، وأهو عمل اللي عليه ورفع عنا الحرج زي ما بتقول، يبقى نحمد ربنا وننسى بقى.
هتف والدها مستنكرا: لا طبعا، أذا كان هو ابن أصول، فاحنا الأصول نفسها، وميصحش تتخلي عن جوزك في وقت زي ده، عايزة الناس تاكل وشنا، أصلا دول يجرسونا لو عرفوا أنك اطلقتي بعد كام شهر، فما بالك بقى لما تبقي اطلقتي عشان متقفيش جنبه في مصيبته.
صاحت محتدة باستنكار: وأنا مالي ومال الناس، أنا اللي هاعيش معه ولا هما.
زفر بنفاذ صبر: أنا سيبتك عند جدك كام يوم عشان تهدي، ده زين كان مصمم يجي بنفسه ياخدك من أيدك يوديكي لحد جوزك ولو غصب عنك، لكن أنا قولت له أنك متربية وبنت أصول وأكيد أول ما هتهدي أنت من نفسك هتقولي عايزة أرجع بيتي، لكن خلاص بكفايكي دلع، منتيش أول واحدة تسقط يعني.
يتبع الفصل السادس والأخير اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent