رواية اغلال لعنته البارت الخامس 5 بقلم اسراء علي
رواية اغلال لعنته الفصل الخامس 5
أما بعد، فـ لن أُحب أحدًا بعدك…
أما قبل، فـ أنا لم أعرف الحُب إلا بك…
إلتفت إليه قُتيبة بـ تكاسل ثم نظر إلى السكين بـ يدهِ و إبتسم قائلًا
-إيه التطور الرهيب دا! صاحب الكافيه الراقي المُحترم ماسك سكينة لـ *** زيي!...
تقدم عُميّر منه وهدر بـ صوتٍ ساحق
-هقتلك يا عديم الشرف…
رفع عُميّر السكين إلى أقصى إرتفاع مُتجاهلًا صُراخ كيان وهَمّ أن يطعن قُتيبة إلا أن حوراء إعترضت طريقه صارخة بـ فزع
-بلاش يا أُستاذ عُميّر كدا غلط و جنان
-حدق بها بـ أعين قاتلة ثم هسهس بـ فحيح:إبعدي عن طريقي وإلا أُقسم بالله هقتلك معاه…
إتسعت عيني حوراء بـ رهبة وعدم تصديق ولكنها لم تتحرك من مكانها، وقبل أن يُعيد حديثه صوت ضربة قوية على الأرض و و صوت رجولي ضعيف يهدر بـ عنفوان بما يسمح له سنه
-إحترم نفسك يا عُميّر، إحنا مبنمسكش سكاكين لضيوفنا…
ثم حدق ذلك الكهل بـ قُتيبة الذي إعتدل بـ وقفتهِ وبادله التحديق فـ أكمل بـ إزداء
-حتى لو كان حقير، أو قذر زي اللي واقف وراك…
أخفض عُميّر السكين لتتنفس حوراء و كيان الصعداء ثم غمغم بـ صوتٍ قاس
-حاضر يا جدي…
صوت ضحكة إنفلتت من بين شفتي قُتيبة لتلتفت إليه كيان بـ جنون صارخة بـ حدة
-يا غبي بتضحك على إيه! يلا إمشي من هنا…
لم يلتفت إليها قُتيبة بل أكمل تحديقه بـ الرجل ثم أردف ساخرًا
-الدُنيا دي عجيبة، الراجل اللي رباني هو اللي ناداني بـ الحقير، و القذر…
تحفز عُميّر لضربه ولكن نظرة واحدة من جدهِ أسكتته ليُكمل قُتيبة وهو يتوجه إليه مُتخطيًا الجميع بـ نبرةٍ صخرية، لا حياة بها
-رغم أنه عارف نوع القرف اللي تربيت فيه و رغم ده مطلعتش زيه…
إبتلع الرجل ريقه والذي بدا مُر كـ العلقم فـ قُتيبة مُحق و لِمَ لا وهو من كان يُحاول إنتشاله من تلك القذارة
-أُقسم بالله هيجي يوم و أقتله
-هتف جده بـ صوتٍ مُنهك:بس يا عُميّر كفاية، كفاية إنه يبعد عن حياتنا مش عاوزين أكتر من كدا
-جأر عُميّر بـ إعتراض:بس آآآ
-قاطعه جده قائلًا بـ نبرةٍ باترة:قُلت كفاية، دلوقتي لازم نفكر فـ عُذر نقوله للناس اللي مشت دي…
حكت كيان جبينها بـ إعياء وقالت بـ فتور
-مفيش مُشكلة يا جدو، هحاول أفكر فـ خل …
أومأ السيد حلمي و رحل بينما ظل ثلاثتهم واقفين بـ الممر قبل أن يستدير عُميّر بـ أعين نارية يُحدق بـ حوراء وهمس بـ صوتٍ مُرعب
-و دلوقتي يا آنسة حوراء، الكلب دا يعرفك منين و إزاي!…
تراجعت حوراء بـ رُعب وهي تُحدق حولها علها تجد مخرج ولكن عُميّر كان قد حاصرها فـ هتفت كيان بـ قوة
-إبعد عنها يا عُميّر ملكش دعوة بيها…
إلا أنه كان كـ الأصم لم يستمع لها بل كانت عيناه مُثبتة على حوراء والتي أردفت وهي تُمسك طرفي ثوبها
-هددني لما روحت الصيدلية أجيب الدوا بتاعي، ثم إني مكنتش أعرف إنه هيعمل حاجة مجنونة زي دي
-صر على أسنانهِ وأردف بـ صوتٍ مكتوم:و ليه مقولتليش يا غبية!...
أخفضت رأسها لتدلى خُصلاتهِا مُخفية تعبيراتها الواجمة فـ تدخلت كيان ساحبة حوراء خلفها ثم قالت بـ قوة
-كفاية يا عُميّر، هي ملهاش ذنب، و يلا حُط السكينة دي مكانها بلاش شُغل شوارع فـ البيت…
رمق عُميّر حوراء بـ نظرةٍ أخيرة قبل أن يستدير و يرحل، بينما كيان تنهدت وقالت بـ عتاب
-أنا معرفش أنتِ عملتِ كدا ليه، بس أنا مش هعرف أعمل حاجة أصلح بيها اللي حصل
-همهمت حوراء بـ كئابة:آسفة…
أحست كيان بـ الذنب لتبتسم رُغمًا عنها ثم قالت وهي تربت على ذراعها
-متعتذريش حبيبتي، دي مشاكل ملكيش دعوة بيها…
أومأت بـ تفهم لتضع كيان يدها على كتفها ثم أرشدتها إلى غُرفتها وقالت
-تعالي هتنامي معايا النهاردة فـ الأوضة…
********************
تفاجئ بـ تلك اليد التي أغلقت باب السيارة قبل أن يصعدها فـ إلتفت ليجد ذلك الجسد الضخم يقف مُحاصرًا إياه، رفع بصره ليجد قُتيبة وعيناه القاتمة تنظر إليه بـ عُنف مُقِلق ثم تساءل بـ غرابة
-أفندم! فيه مُشكلة يا أُستاذ ؟…
وضع قُتيبة يديه بـ خصره دافعًا بـ سُترته الثقيلة إلى الخلف و حدق به مُطولًا دون أن يُجيب فـ تعجبت والدة رشاد إلا أنه أجاب بـ النهاية بـ هدوء مُخيف
-أه و كبيرة كمان، متجيش هنا تاني
-رفع رشاد حاجبه وتعجب قائلًا:نعم!!…
ربت قُتيبة على صدرهِ ثم عَدّل ياقة سُترته و هتف بـ إبتسامة سمجة
-اللي سمعته يا حبيب أُمك، مش عايز أشوف خلقتك دي هنا تاني…
إرتفع حاجب رشاد الآخر وأردف بـ نبرةٍ قوية
-و أنت بقى مين عشان تأمرني مجيش؟
-أجاب قُتيبة بـ بساطة:مش حد مُهم، بس دي نصيحة أخوية، أصلي خايف رجلك تتكسر و متعرفش تمشي عليها تاني
-كشر رشاد عن أنيابهِ وهدر بـ حدة:أنت بتهددني؟!...
قهقه قُتيبة وهو يضم قبضته أمام فمهِ ثم هتف بـ مُزاحٍ قاتم
-معاذ الله يا أُستاذ، دي نصيحة أخوية مش أكتر، متخدهاش على صدرك أوي كدا…
تقدمت والدة رشاد من قُتيبة ثم سحبت إبنها بعيدًا عنه وهدرت موجه حديثها إلى الأول
-اسمع يا بلطجي أنت، إحنا عدينا دخولك البيت من غير إستئذان، بس إنك تهدد إبني! أهو دا اللي مش هعديه
-رد قُتيبة بـ دهشة:من غير إستئذان! إزاي بس و أنا خبطت الباب و فتحتلي أمورة صغيرة كدا؟…
كتم رشاد غضبه فـ أكمل قُتيبة حديثه وهو يلوح لهما مُبتعدًا
-وأنصحك تاخد تاكسي، أصل عيال المنطقة أشقية أوي و بيحبوا يفرقعوا كوتشات أي عربية غريبة، شقاوة عيال بقى…
فغرت والدة رشاد فمِها بـ إنشداه ثم نظرت إلى الإطارات المُفرغة و هتفت بـ عدم تصديق
-الراجل دا يا مجنون يا مجنون، ما هو مفيش حد طبيعي يعمل كدا…
بينما رشاد كانت عيناه مُثبتة على ظهر قُتيبة بـ جمود ثم غمغم بـ شك
-أكتر من أخ ها؟ تمام يا كيان بينا كلام طويل…
********************
-عُبيدة، مُديرك وقاص بره مستنيك فـ الصالون…
ذم عُبيدة شفتيه بـ عدم رضا لكلمات والدته التي إلقتها الآن، كيف له أن يأتي عقب ما حدث أمس صباحًا بـ الشركة
ضرب على فخذهِ بـ غيظ ثم نهض بـ تكاسل إلا أن صوت وقاص سمره مكانه حيث أردف بـ مُزاح
-إحنا مش عايزين نرهق السيد عُميّر، دا بقى ليه هيبة أكبر مني فـ الشركة…
فُتح الباب و دلف منه وقاص ولكن قبل أن يدلف، قَبّل جبين والدة عُبيدة و أكمل حديثه بـ ذات النبرة المازحة
-وأنا وقاص بس من غير مُدير يا ست الكل، ولا نسيتِ!
-ردت مندفعة بـ إستنكار:مش وقاص بس و أنت مزعل إبني كدا
-ضحك وقاص وأردف:مكدبتش لما قولتلك إنك إبن أُمك، أهي بتكرهني أهي عشان إبنها حبيب قلبها زعلان مني و كأنه خطيبتي مثلًا…
زفر عُبيدة بـ نفاذ صبر و إتجه جاذبًا وقاص إلى الداخل ثم قال لوالدته بـ عبوس
-مُمكن كُوبايتين شاي من إيدك الحلوة دي…
وضع وقاص يداه بـ جيبي بِنطاله ثم هتف بـ شقاوة لبِقة
-يا ريت يكون عشا يا ست أُم عُبيدة، فـ بسبب زعله مني مكلتش من إمبارح
-ردت عليه والدة عُبيدة وهي تغلق الباب بـ قنوط:هسممك ياض أنت…
ضحك وقاص ثم إلتفت إلى صديقهِ و أردف بـ مرح
-والدتك بتتصرف و كأنها حماتي
-تساءل عُبيدة بـ جدية:جاي هنا ليه؟…
وضع وقاص يده على صدرهِ ثم قال وهو يتصنع التأثر و الحُزن لما قاله
-و دي طريقة تكلم بيها حد جاي يصالحك! صحيح جاي إيدي فاضية بس قلبي مليان حنان…
رفع عُبيدة حاجبه و لم يُجارِ وقاص في مزحته، ليردف بـ نبرةٍ جادة
-وقاص، أنا مبهزرش…
تنهد وقاص ثم جلس فوق المقعد الذي كان يجلس عُبيدة فوقه و حدق بـ ورق العمل الذي كان بين يدي صديقه ثم هتف
-حتى وأنت زعلان بتشتغل! مبتصعبش عليك نفسك!!
-هدر عُبيدة بـ تحذير:وقااااص!!!
-رفع وقاص يداه بـ إستسلام وقال:طيب طيب متتعصبش و تزعق كدا…
ربت وقاص على المقعد جواره ثم أردف بـ جدية هذه المرة
-تعالى إقعد
-رد عليه بـ جمود:مليش مزاج
-إقعد يا عُبيدة و متبقاش عيب عنده خمس سنين…
زفر عُبيدة بـ ضيق ثم توجه جالسًا راميًا بـ ثقلهِ كله حتى تحرك المقعد لذلك الجسد الضخم، ليبتسم وقاص بـ تسلية قبل أن يتنحنح قائلًا
-إيه بقى اللي زعلك إمبارح، و خلاك تمشي من غير أما تديني فُرصة أشرحلك؟
-هدر عُبيدة بـ حدة:و هو الجنان دا ليه تفسير؟
-أومأ وقاص مُؤكدًا:المُتهم برئ حتى تثبت إدانته…
رفع عُبيدة حاجبه بـ عدم إقتناع ليُكمل وقاص حديثه وهو يضع ملفًا ما فوق الطاولة والذي لم يلحظه الأول مُنذ البداية
-و قبل بس أما توديك لحتة غلط و تستنتج حاجة هبلة، أنا معملتش دا عشان أرضيك بعد أما إديت منصب المُدير المالي لحد تاني
-عقد ذراعيه أمام صدرهِ وتساءل:أومال إيه؟
-إبتسم وقاص وقال:دا حقك يا سي عُبيدة…
إنتفض عُبيدة واقفًا بـ غضب ثم هدر بـ جنون وعيناه تتسعان بـ غضب
-مش حقي، بالله عليك أنت سامع بوقك بيقول إيه؟…
نظر إليه وقاص بـ هدوء بالغ، مُثير للإعصاب قبل أن يُعاود الربت على المقعد وأردف بـ ذات الهدوء
-إقعد بس و هدي جنانك دا، متكسرش بيتك كمان كفاية مكتبي و اللي بـ المُناسبة وكأن إعصار ضربه بعد نوبة جنانك اللي حبستها كُل السنين دي و جيت تطلعها عنجي…
حدق به عُبيدة بـ عناد ولكن وقاص لم يتأثر بل هتف هذه المرة بـ تحذير جدي
-إقعد و بلاش تقلق والدتك على الفاضي…
مسح عُبيدة على وجههِ بـ نفاذ صبر ثم أذعن لِمَ قاله وقاص وجلس، بينما هدر بـ همسٍ غاضب
- موقفي مش هيتغير يا وقاص…
ربت وقاص على ظهر صديقهِ المحني و هتف بـ إبتسامة وهو ينظر إلى المكتب البُني داكن اللون القديم
-المكتب دا يشهد على الأقلام اللي كلتها على قفايا منك بسبب الدراسة…
حانت من عُبيدة نظرة إلى المكتب ليبتسم هو الآخر بـ حنين ثم أردف بـ قهقهة صغيرة
-قولي أعمل إيه؟ إستيعابك كان قليل، هو مكنش قُليل بس لأ و كُنت بتبص من الشباك مستني بنت الجيران اللي كُنت بتحبها أيام مراهقتك…
ضحك وقاص بـ قوة ثم أردف من بين ضحكاتهِ
-رغم إنها كانت أكبر مني، بيتهيقلي أدك أو قُريب منك و بعدين مكنتش بحبها أنا كُنت بعمل كدا عشان أضايقك
-إتسعت إبتسامة عُبيدة وقال:لأ و كُنت مُتأكد أوي إنها بتحبني و هي بتخرج فـ البلكونة بتاعتها عشان تشوفني مش أكتر…
ضحك وقاص و أكمل مُؤكدًا وهو يضرب على فخذهِ بـ شفقة و كأنه يرثي حالتها
-ياريتك صدقت وقتها و إتجوزتها، بدل أما تتجوز الخرتيت اللي هي متجوزاه…
إختنق عُبيدة من كثرة الضحك ليربت وقاص على ظهرهِ و أكمل حديثه
-أنا كبرت و إتربيت فـ الحتة دي و عارف كُل شارع فيها، و والدك الله يرحمه كان أب تاني ليا لما فقدت بابا و هو اللي رباني…
خفتت ضحكات عُبيدة ونظر إلى وقاص والذي هتف بـ شرود
-والدك كان بيشتغل عند والدي، و لما بابا مات و حاول عمامي يسرقوا الشركة، والدك هو اللي رجعها و وقف قُدامهم، و أنت كملت طريق والدك و حافظت على الشركة فـ الوقت اللي أنا فشلت فيه…
تبسم وقاص وتراجع بـ مقعدهِ ثم نظر إلى صديقهِ وأكمل
-كُل لما أقع بلاقيك جنبي، بتساندني و تقويني عشان أحارب و أحافظ على حقي، و تيجي أنت فـ الآخر و تتنازل عن حقك! لأ مش هسمحلك يا عُبيدة
-نفى عُبيدة قائلًا:أنت عارف إنه مش حقي
-رد وقاص بـ قوة:لأ دا حقك، إتأخرت و الحمد لله إني إتأخرت، لو كُنت عملتها بدري كُنت فعلًا ضيعت حقك
-هتف بـ حنق:بطل تقول الكلمة دي كُل شوية…
مدّ وقاص يده وإلتقط الملف و فتحه ثم وقع بـ آخر الورق و مدّه إلى عُبيدة رادفًا بـ تأكيد قوي
-عشان هو حقك، و هفضل أقول الكلمة دي لحد أما تسلم بـ الأمر الواقع، وقع على الورقة يا عُبيدة أنا محتاجك…
نظر عُبيدة إلى الورق و الذي به إقرار بـ أن بعض أسهم الشركة تنتقل إليه بـ اسمه ثم إلى وقاص وهتف بـ يأس
-الأسهم دي هتعمل بينك و بين عمامك و ولاد عمامك حرب و كُره
-مط وقاص شفتيه وقال:رغم إن الشركة دي مش من حقهم، بس أنا واثق إنك هتحارب معايا زي ما حاربت عشاني قبل كدا…
لم يُحرك ساكنًا فـ وضع وقاص الورق فوق ساقيهِ ثم هتف بـ مرح
-يا عم إيدي وجعتني، مد إيدك دا و لا كأني بديك مُخدرات…
لم يبتسم عُبيدة لمزحة صديقه فـ تنهد وقاص وقال بـ صوتٍ هادئ
-مش هجبرك توقع فـ اللحظة دي، بس فكر كويس عشان مش هقبل الرفض…
أخرج عُبيدة نفسًا حار ليربت وقاص على ساقهِ ثم قال وهو ينهض
-المُهم دلوقتي أنا جعان و عاوز آكل، طاقتي خلصت و أنا بصالح خطيبتي…
ثم خرج وقاص و إتجه إلى والدة صديقه التي نظرت إليه بـ نصف عين فـ ضحك وقال
-متقلقيش يا حماتي هصلح غلطتي و أجيب المأذون حالًا…
قذفته بـ عبوة الملح ليلتقطها ضاحكًا بـ صوتٍ عال لتهدر بـ قنوط وهي تتجه إلى المطبخ
-قليل الأدب…
ولكنها إبتسمت لتلك الصداقة التي دامت لسنوات كانت بدايتها دروس الكيمياء التي كان يأخذها عند عُبيدة تحت توصية من زوجها ودامت إلى الآن
بينما داخل الغُرفة ظل عُبيدة جالسًا يُحدق بـ الورق بـ غضب قبل أن يهدر بـ نزق وهو يقذف الورق بعيدًا
-هيودي نفسه فـ داهية الحمار دا…
********************
لم يكن عليها مُسايرته من الأساس الآن الجميع غاضب منها حتى كيان، لم تستطع النوم بـ الغُرفة معها فـ قررت العودة إلى غُرفتها
وليتها لم تفعل ذلك المنزل قديم، تلك البيوت القديمة الكبيرة حتى النوافذ خشبية من الأرابيسك القديم، على الرغم أنها أحبت المنزل بـ غُرفهِ العديدة ولكنها غيرُ قادرة على العودة إلى غُرفتها بـ تلك الممرات الكثيرة و الظلام الدامس
زفرت بـ قنوط و أردفت بـ حيرة وهي تلتفت حولها
- هرجع لباب الشقة يمكن أقدر أوصل للأوضة…
تحركت إلى الممر الذي به غُرفة كيان ثم بحثت بـ عينيها بـ تدقيق علها تستطيع الرؤية في هذا الظلام حتى وجدت المزهرية التي عرفتها موضع غُرفتها
توقفت بـ طريق عودتها إلى الغُرفة وهي تُبصر ظل قادم من إتجاه الممر الذاهبة إليه.. تسمرت مكانها حتى تتعرف على صاحب ذلك الظل وقد عرفت من هو حينما إقترب منها و تبينت ملامحه
إتسعت عيناها بـ صدمة وهي ترى ذلك الضخم أمامها، ما باله ذلك الوقح! ألا يعلم أن غريبة سكنت معه المنزل فـ يحتشم ويتحفظ بـ ثيابهِ ولو قليلًا، حيث كان يرتدي سروال قصير ما قبل الرُكبة من اللون الأخضر الداكن يعلوه مبذل النوم الثقيل، ولكن ما فائدته وهو يتركه مفتوح فـ يُظهر صدره العضلي و معدته المشدودة؟!
هي لا تتدعي الفضيلة فـ قد شاهدت مُمثلين ذوي جنسية أجنبية بـ ذلك المشهد ولا تخجل إلا أن الحقيقة مُختلفة تمامًا هما كانت تعتقد
مر عُميّر جوارها وهو يبتسم إبتسامة لعوبة وأردف بعدما إرتشف من كوبهِ
-تصبحي على خير يا حوراء…
ظلت رأسها تستدير معه وهي تسير بـ الإتجاه المُعاكس حتى إصطدمت بـ باب غُرفتها لتصدر عنها شهقة إلتفت على إثرها عُميّر قاطبًا لجبينهِ فـ أردفت بـ حرج وهي تضع أُذنها على الباب تتدارك موقفها المُحرج
-ياربي مش معقول، الباب نبضه ضعيف…
لم تسمع صوته بل صوت خطواته تقترب حتى وقف خلفها واضعًا أُذنه هو الآخر على الباب.. لتتسع عيني حوراء لأقصى مدى مُستشعرة حرارة صدره تلفح ظهرها ثم سمعته يهمس بـ تسلية
- معاكِ حق، شكل حالته خطيرة جدًا…
تنفست حوراء بـ سُرعة قوية ليبتعد عُميّر عنها فـ إلتفتت هي إليه تُحدق بـ عينهِ الخضراء ثم هتف هو راسمًا ملامح جدية على وجههِ
-باب أوضتي من فترة كانت عليه الأعراض دي متقلقيش…
أمسك يدها لتنتفض هي بـ فزع إلا أنه وضع بها كوبه الذي كان يرتشف منه ولم يكن سوى أعشاب طبيعية ثم هتف وهو يقترب بـ رأسهِ منها
-إهدي دلوقتي، و بكرة هتصل بـ واحد صاحبي هو دكتور أبواب شاطر أوي، هيعرف يعالج الحالة…
الآن مد يده وعقد رابطة المبذل يُخفي جسده عن عينيها الخائنتين ليُكمل حديثه وهو يبتعد عنها
-إشربِ الأعشاب دي مُفيدة جدًا، بترخي الأعصاب و بعدين نامِ، مش عاوزينهم يتهمونا إننا سارقين النوم من عينيكِ الحلوة دي…
نظرت إلى الكوب بـ غرابة ثم إليه وهو يبتعد عنها دون إكتراث، لتضع الكوب سريعًا ثم توجهت إليه
-أُستاذ عُميّر! لحظة لو سمحت…
توقف عُميّر و إستدار إليها ثم تساءل وهو يُحدق بـ منامتها الزهرية دون خجل
-عاوزة إيه يا بسكوتة؟ و عُميّر بس بلاش أُستاذ دي
-خرج السؤال من فمِها تلقائيًا:هو ليه أهل الحي محدش بيقولي غير كدا إشمعنى يعني اللقب دا!
-قهقه عُميّر وقال:آسفين يا برنسيس، بس دي أول مرة تزورنا بنت أجنبية عن المنطقة
-وضعت يدها بـ خصرها و تساءلت بـ فضول مُستنكر:و دا ليه يعني!...
إنحدرت عيناه رُغمًا عنه إلى خصرها الذي حددته قبضتها الصغيرة وكم أدهشه هشاشته ولينه الفتّاك، لين يجعلك غاضب لعدم لمسه والتحقق منه بـ نفسك
نفض تلك الأفكار الوضعية عن رأسهِ ثم أجاب سؤالها وهو يحمد الله في سره لذلك الظلام الذي أخفى عنها ملامحه والتي يُقسم أنها كانت مُشتعلة ويشعر بـ حرارتها الآن
-يعني مُختلفة عن بنات المنطقة، طريقة لبسك و كلامك حتى رقتك اللي تغيظ و الأهم، أنتِ فعلًا شبه البسكوتة الناعمة…
ضرب قلبها قفصها الصدري بـ عُنف و تراجعت بـ خجل تُخفض رأسها ولكن سُرعان ما عاودت رفعه وهمست بـ تلعثم
-عمومًا، أحم، أنا أنت كُنت عاوزة أعتذر عن اللي حصل قبل كدا…
نظر إلى كفيها اللذين تفركهما بـ توتر فـ لانت ملامحه و إبتسم إبتسامته اللطيفة واللبقة
-متتأسفيش دا مش ذنبك…
وضع يده على مؤخرة عُنقهِ وحركها بـ حرج ثم أردف بـ نبرةٍ مُعتذرة
-أنا اللي لازم أعتذر، مكنش لازم أكون قاسي و أقول الكلام دا
-إبتسمت حوراء وقالت:مفيش مُشكلة كدا كدا أنت معاك حق…
إبتسم عُميّر لإبتسامتها البريئة ثم نظر إلى يدها التي رفعته بـ نية مُصافحته وقالت بـ طفولية
-صافي يا لبن!...
تغضنت زوايا عيناه لإتساع إبتسامته ليرفع يده مُصافحًا إياها وأردف بـ مرح مُتسلي
-حليب يا قشطة…
تراقص الحماس بـ عينيها لتسحب يدها ثم هتفت وهي تُلوح بـ يدها له
-أوكيه، تصبح على خير
-تصبحي على خير يا بسكوتة…
رفع يده يلوح لها ولكن إتسعت عيناه بـ صدمة و هو يُقرب يده من أنفهِ يتشممها لقد عَلِقَ عطرها الناعم بـ يدهِ!!
********************
القذارة!!
ليست بـ مُصطلح غريبٍ عليه فـ قد عاش به عُمرًا طويل لم يُنقى منه إلا قريبًا
لأ يملك من الذكريات التي تُمكنه من العيش كـ إنسان سوي بل تحطمت طفولته وصباه وشبابه أمام عينيه، ولم يكسب شيئًا
قبل تلك الحادثة كان شاب جامعي أكمل مسيرته الدراسية التي كللها النجاح بـ طريقة مُبهرة وكأنه يُثبت لنفسهِ أنه قادر على تخطي كُل الصعاب، مواجهة كُل من أقسم على فشله وأولهم والده
ذلك الطاغية الذي لم يترك بـ نفس ابنه شئ ليتذكره به حياة سوداء تتخللها بقع دماء شاهدة على عُنف أولد منه شخصية حاول كثيرًا دحضها، إذًا ماذا يفعل أمام قبره الآن؟
نظر إلى يده والتي خُيّل إليه أنها لا تزال ملوثة بـ دماءهِ، قد يشعر بـ النفور سابقًا أما الآن فـ هو يشعر بـ فخر يُقيد شعوره بـ الذنب
لا يزال يتذكر المشهد وكأنه حدث أمس، السكين الحاد الذي حمله بـ يده و عدد من الطعنات أولها إخترقت ظهره فـ تناثرت الدماء عليها
ونظرة عيناه المُلطخة بـ دماءهِ جعلت منه لوحة شيطانية مُخيفة، و بريق الشر الذي يلمع بها جعلها تبدو وكأنها نيران جحيم مُستعرة
لن ينسى نظرة والده المصعوقة حينما عَلِمَ هوية طاعنه، ولكن بـ زاوية صغيرة كان يعلم أن ذلك اليوم قادم لا محالة.. وعبارته التي إخترقت أُذنه حتى اليوم
"لقد جعلت منك مسخ ستتذكرني ما دُمت حيًا، سأُعذب روحك حتى بعد مماتي"
تلك العبارة كانت عبارة عن كابوس يُطارده و بـ الفعل لم يستطع نسيان ما أَلمَ به بـ حياتهِ كلها.. وجعل منه ما هو عليه.. صحيح أنه لم يُصبح مثله ولكن يكفي التشوه الذي ترك أثره بـ داخله فـ أصبح عقيم عن مُداواتهِ
-حاسس بـ إيه و أنت فـ قبر ضلمة لوحدك من غير أي حد حواليك!!…
أمسك حفنة من تُراب القبر و ضغط عليه ثم هدر بـ صوتٍ قاسي، مُرعب
-قولي بقى لما إتسألت عن اللي عملته فيا و فـ أُمي جاوبت قولت إيه؟! يا ترى عرفت تجاوب و لا ساكت زي دلوقتي و أنت مش عارف تجاوبني!!…
رفع يده وترك التُراب الجاف يتناثر تحت تأثير الرياح وجأر بـ صوتٍ بدي كـ فحيح مُرعب
-جاوبني بقى أنت مبسوط و راضي دلوقتي؟ شايفني بقيت إيه! خيبت ظنك مش كدا…
ضرب الأرض بـ قسوة ثم صرخ بـ صوتٍ ساخر، مُتألم
-مبقتش زيك، كُل اللي شوفته منك مخلنيش زيك جُزء من جبروتك، كُل الفلوس اللي لميتها ضيعتها…
نهض قُتيبة عن الأرض ونفض ثيابه ثم هتف بـ جمود قاتل
-الفلوس اللي جبتها من الحرام ضيعتها، يمكن يشفعلك دا قُدام ربنا أنت بين إيديه واقف من غير حاجة…
نظر مُطولًا إلى الاسم المحفور فوق القطعة الرُخامية ثم أردف بـ تقزز
- ياريت كُنت قادر أقرألك الفاتحة بس أنت مزرعتش فيا غير الكُره و الحقد و أنت تستاهل أكتر من كدا…
ثم تركه و خرج من المدفن الخاص بـ عائلتهِ وأغلق البوابة الصدئة ورحل بـ سواد ظن أنه قد ينجلي حينما يُفرغ كراهيته كما إعتاد مُنذ خُروجه من السجن ولكن اليوم لم يحدث
********************
إنتفضت مذعورة على صوت هاتفها لتنظر إلى ساعة الهاتف فـ وجدتها قد تخطت الثانية بعد مُنتصف الليل
بحثت بـ عينيها عن حوراء فـ لم تجدها لتنهض و تُحدق بـ الهاتف الذي توقف عن الرنين، أضاءت الضوء الخافت جوار فراشها ثم رفعت الهاتف وفتحته لتعلم هوية المُتصل ولكن وجدت رقم غير مُسجل
كادت أن تحظر الرقم ولكن عاود الإتصال فـ فتحت و إنتظرت دون رد، والصمت كان ما تلقته من الجهة الأُخرى إلا من صوت هدير أنفاس بدى كـ أعاصير جعل قلبها يتقافز هلعًا عندما علمت هوية المُتصل
تسمرت و تصلب جسدها.. لم تكن قادرة على إغلاق الهاتف بل إنتظرت و إنتظرت حتى أتاها صوته الأجش بـ عبث كما عرفته دائمًا
-لسه زي ما أنتِ يا كياني متغيرتيش، بتستني أبدأ أنا الكلام ديمًا…
تسارعت أنفاسها بـ شدة و شحب وجهها و فقدت القُدرة على الحديث، لتصلها صوت قهقهته التي زلزلت كيانها ثم صوته المُداعب
-ساكتة ليه يا كياني؟ محتاج أسمع صوتك يمكن أقدر أتغلب على شيطاني
-قُـ.. قُتيبة…
همست بها بـ تردد لتسمع صوت تأوه حاد و بعدها صوته الهادر
-تعرفِ! وحشني أسمع اسمي منك أوي، وحشتيني أوي…
وضعت كيان يدها على صدرها الخافق بـ رُعب ثم تحدثت بـ نبرةٍ جاهدت أن تخرج ثابتة وليست مُتذبذبة
-قُتيبة دا ميصحش، مينفعش تتصل بيا فـ الوقت دا، أنا كمان هتخـ…
هدر بـ صوتٍ جهوري أخرسها، يمنعها من الحديث صوت أفزعها وجعلها تنتفض مذعورة
-إخرسي و إلا والله هدبحك، أنتِ مش هتكونِ لغيري أبدًا، طول ما فيه فـ صدري نفس…
لم تعرف هل خرج صوت تأوها المتوجع أم لا ولكن ما تعرفه أنها شعرت بـ زلزلة عنيفة تضرب جسدها فـ تُثمِل روحها ليُكمل بـ نبرةٍ مُميتة، و مُخيفة
-أيوة إتوجعي، و هتتوجعي أكتر لما أكسرلك عضمك، عضمة عضمة…
شهقت كيان وهي تضع يدها على فمها فـ أكمل قُتيبة حديثه بـ صوتٍ مُرعب
-كُنت عاوز أكسر وشه الأمور دا قُدام عينيكِ و فـ بيتك، بس جدك و جدتك إحترمت وجودهم و إحترمت إنهم ربوني، كفاية إنه مش هيعتب المنطقة دي تاني…
إختفى كُل الرعب وحل مكانه الغضب لتنهض على ركبتيها فوق الفراش وهدرت بـ حدة
-عملتله إيه؟!
-أجابها بـ تسلي مجنون:معملتش، مطوتي هي اللي قامت بـ الواجب
-صرخت بـ حنق و غضب:قولي حالًا يا قُتيبة عملت إيه!
-إهدي يا كياني، أنا بس فرغت كوتش عربيته مش جريمة كبيرة…
زفرت بـ راحة فـ أكمل قُتيبة قائلًا بـ صوتٍ غريب
-أنا معتش قاتل…
فغرت فمُها بـ ذهول وشحب وجهها أكثر ثم همست بـ تعثر
-مش مش قصدي
-أجاب بعد صمتٍ طويل:عارف…
ساد الصمت قليلًا فـ حكت كيان جبينها و تساءلت بـ إعياء
-عايز يا قُتيبة؟…
لم يُجيب سريعًا بل صمت و صمت حتى أردف بـ حرارة و نبرةٍ متوسلة
-عاوز أحضنك و يا حاجة من الأتنين يا أحضنك لحد أما أكسر عضمك، يا إما أدمغك بيا، أدمغ روحك بيا…
صُدمت كيان و توقف قلبها عن النبض ثم عاود النبض بـ سُرعة مُخيفة حينما أكمل حديثه
-إفتحي الباب، هحضنك بس و أمشي، دا اللي محتاجه فـ الوقت دا
يتبع الفصل السادس اضغط هنا