رواية اغلال لعنته البارت السادس 6 بقلم اسراء علي
رواية اغلال لعنته الفصل السادس 6
لا تُزهري لغيري وأنا ربيعك…
قفزت عن الفراش لنتهض واقفة على قدميها المُرتعشتين ثم هدرت بـ صوتٍ قوي ولكنه خفيض
-أنت إتجننت يا قُتيبة؟
-أجابها بـ بساطة و هدوء:لأ لسه شوية…
كادت كيان أن تخرج من غُرفتها إلا أنها أحجمت جماح غضبها، لتتحرك بـ الغُرفة ذهابًا وإيابًا قائلة بـ غضب
-أنت بتعمل إيه قُدام العمارة؟ عاوز تفرج الجيران عليا!…
تنهد وأجاب بـ بساطة مُغيظة ونبرةٍ هادئة أكثر إغاظة
-لأ مش واقف قُدام العُمارة، أنا واقف قُدام بابك
-همست بـ عدم فهم:أنت إيه!!
-رد هو بـ نفاذ صبر:أُقسم بالله لو مخرجتيش دلوقتي يا كيان لأكسر الباب و أسحبك زي البقرة من وسطهم و أحُضنك و اللي يحصل يحصل…
فغرت فمُها بـ ذهول و دهشة لذلك التهديد وهي تعلم أنه قادر على فعلها، وضعت يدها على وجهها و همست بـ نبرةٍ حادة
-أنت غبي و حيوان
-قهقه قُتيبة وقال:أنتِ لسه عارفة حالًا! إفتحي يا كياني
-ردت هي بـ صوتٍ أكثر حدة:بلاش هزار تقيل شبه دمك و إمشي يا قُتيبة
-أردف هو بـ عناد:أنا حلفت خلاص، مش همشي يا كياني و لا أنتِ عوزاني أصوم تلات أيام!…
زفرت بـ غضب قبل أن تتوجه إلى خزانتها تسحب وشاحًا تضعه فوق منامتها الضيقة وهي تُتمتم بـ قنوط
-أنت غبي و أنا أغبى منك…
فتحت باب غُرفتها بـ هدوء وحدقت بـ الظلام المُحيط بها تبحث عن أحدهم ولكن السكون هو ما كان يُحيط بها لتزفر بـ راحة ثم سارت على أطراف أصابعها حتى وصلت إلى باب الشقة
سحبت أحد المفاتيح المعلقة بـ جوار الباب ثم فتحته بـ حذر و خرجت لتجد قُتيبة يجلس فوق درجات السُلم ما يُضيئ الظلام حوله هو وهج لُفافة التبغ، مُنكس الرأس و تشعر بـ إنحناء ظهره
إنقبض قلبها شفقةً عليه، لا يزال هذا الشخص يؤثر بها بـ زاوية عميقة من قلبها حتى وإن كانت تكرهه، أهي حقًا تكرهه أم هذا ما تُحاول به إقناع قلبها؟ لولاه لما كانت قابعة أمامه تنعته بـ القاتل
تنهدت بـ حرارة ثم توجهت إليه و هبطت درجتين حتى تقف أمامه وإنتظرت حتى يتحدث ولكن لا شئ لتتأفف هي بـ ضيق ثم هدرت بـ صوتٍ مكتوم
-أنا هنا أهو يا سيدي…
رفع رأسه بـ تكاسل ثم إبتسم بـ بُطء وأردف
-عارف، عارف إنك واقفة هنا من أول ما خرجتِ
-رفعت حاجبها و تساءلت:طيب، حضرتك عاوز إيه بقى؟
-فاجأها بـ ردهِ:أنتِ بتولعي النار فـ قلبي زي ما نار الحرب بتولع و أكتر…
إرتجف بدنها و توقف قلبها لعدة ثوان، ولم تشعر بـ وهج عينيها الذي أضاء العتمة حولها، شعرت بـ البرودة حولها لتُشدد الوشاح حول جسدها و تحتضنه بـ قوة، ليُكمل هو راميًا اللُفافة أسفل قدمها
-ديمًا كُنت عايز أقولك كدا طول الفترة اللي كُنت فيها فـ السجن، و لما خرجت كُنتِ هربتِ، فـ مرتضش ألحقك و أدور عليكِ عشان عارف كويس أوي إنك هترجعي عشاني
-همست بـ تحشرج:بس أنا مرجعتش عشانك
-رد بـ بساطة تقريرية:لأ رجعتِ عشاني، أنتِ بس اللي بتحاولي تقنعي نفسك بٓ العكس…
صدمها رده ليس لسُرعته ولكن لأنه حقيقة حديثه، تلون وجهها بـ الأحمر القاني ولكنها حمدت ربها على الظلام المُحيط بهما، تلعثمت بـ الحديث لتصمت ثم عاودت الكلام بـ موضوعٍ آخر
-لسه مبطلتش تدخن! التدخين مُضر على فكرة…
ثم دهست اللُفافة لتسمع قهقته الخافتة، إبتسمت كيان دون إرادة منها وتساءلت بـ جدية
-جيت هنا ليه يا قُتيبة!...
خفتت قهقهته وتلاشت إبتسامته لينظر إلى الأعلى ثم هتف بـ صوتٍ قاتم
-زرت قبره…
الصوت الذي أطبق على المكان كان خانق، و مُقزز.. تنتابها قُشعريرة مؤلمة حينما تتذكر ذلك اليوم أو حينما يأتي بـ سيرة والده ليُكمل حديثه متغاضيًا عن العاصفة التي ضربتها بـ مقتل
-مقدرتش أقرأ له الفاتحة، مقدرتش أسامحه، و مش بس بسببك لأ دا كمان بسببي…
لا تعرف هل خرج صوت أنينها المذبوح أم صدى صوته المُدوي بـ قلبها إلا أنها هتفت بـ إرتعاش
-يـنفع، ينفع تمشي! عشان خاطري…
نهض قُتيبة على حين غُرة وأمسك بـ ذراعيها دافعًا إياها إلى الحائط ثم هدر بـ نبرةٍ قاتلة على الرغم من الألم المُحيط بهما
-عشان خاطري أنتِ حرريني من ذنبي، حرريني بيكِ يمكن ألاقي الراحة…
تفاجأت بـ هجومه ولكنها ضربت صدره وهتفت بـ نبرةٍ مُتألمة
-و مين اللي يحررني من اليوم دا! أنا مدبوحة يا قُتيبة، أنا عاوزة أكتر منك أتحرر من اللي فات
-وضع جبينه فوق جبينها وهتف:أنا و أنتِ هنحرر بعض، و أنتِ عارفة دا كويس أوي
-حاولت التملص منه قائلة:فوق يا قُتيبة، أنا معتش البنت المُراهقة اللي كُنت تعرفها، ولا أنت لسه الشاب الطايش اللي كُنت أعرفه، إحنا إتغيرنا تمامًا، إحنا الأتنين مقيدين بعض بـ ماضي بيقتلنا و بس
-هتف صارخًا:بس أنا متغيرتش، لسه زي ما أنا، و أنتِ لسه جوايا زي ما أنتِ…
صمت فجأة و هي نظرت إليه بـ صدمة صامتة، و فجأة قهقه قُتيبة بـ شر ثم هدر وقبضته تشتد حول ذراعيها حتى تألمت
-أنتِ طلعتِ أنانية أوي يا كياني، عاوزة تهربِ و تسبيني لوحدي!…
همت بـ الحديث ولكنه لم يسمح بها حين تحولت نظرته إلى شيطانية و نبرته إشتدت بـ عُنف قاتل
-بس لأ، أقسم بالله العظيم ما هيحصل، حتى لو إضطريت إني أخدك بـ أكتر طريقة ***، تتخيلها…
تقافز الخوف من عينيها مُرعبًا و تصاعدت ضربات قلبها بـ قساوة مُؤلمة ليُكمل هو بـ ذات النبرة
-و أنتِ عارفة إني أعرف أعملها و أعمل أكتر من كدا، و أنا مش هصبر كتير يا كيان، مش هسيبك لغيري طالما فـيا نفس
-صرخت بـ رُعب:كفاية تهديد، مش هتعرف تعمل حاجة
-لأ أعرف، أقسم بالله أقتلك قبل ما حد ياخدك مني، أُقسم بـ ربي لأقتل أي حد يفكر يقرب من حقي…
لم تستطع الرد ليودع جبينها قُبلة أوشكت على قتلها من شدة حرارة المشاعر الموضوعة بها ثم أكمل بـ همسٍ ناعم كـ الحرير ولكنه يحمل الشر بين طيات نعومته
-مش هسيبك يا كيان، مبقاش قُتيبة لو مخلتكيش ملكي، هتبقي فـ حُضني غصبن عن عينك، هسرق نفسك اللي بتتنفسيه لو فكرتِ فـ حاجة غير كدا…
إبتعد تاركًا إياها تسقط جالسة فوق الدرجات القديمة باكية بـ عُنف
********************
في صباح اليوم التالي
-فيه إيه يا نوح؟ أنت يا بني مش مركز بقالك يومين…
سأل زميله وهو ينحني ليجمع أشلاء الطبق الثالث عشر، مُنذ اليوم الذي قابل به حوراء وهو يفقد عقله.. يخرج أثناء مُناوبته عله يلمحها، كثيرًا ما يتهور و يتجه إلى منزل رب عمله ولكنه يتراجع بـ آخر اللحظات.. يُريد أن يراها و بـ شدة، لقد إحتلت الكثير من تفكيرهِ
تنهد نوح غيرُ مُجيبًا على صديقهِ الذي إبتسم بـ خُبث وأردف
-طب قول مين هي؟
-قطب نوح جبينه وتساءل بـ حذر:مين إيه؟
-اللي سارقة قلبك و تفكيرك!
-غمغم نوح بـ خشونة:مفيش حد سارق مني حاجة…
نهض نوح و تبعه زميله بـ العمل ليُلقيا الأشلاء بـ سلة المُهملات ثم أمسك ذراعه حينما همّ بـ الإبتعاد ليتوقف بـ تأفف وتساءل
-عاوز إيه يا مازن! مش واخد بالك إني بشتغل؟
-قول مين هي الأول!
-ذم شفتيه وقال:قولت مفيش، و ياريت تبطل بقى بدل أما أكسر مناخيرك اللي بتحشرها دي، متسمعش عن حاجة اسمها خصوصية!!
-ضحك مازن وأردف:طيب طيب خلاص متزعلش، كُنت حابب أساعدك مش أكتر…
إبتعد نوح عن مازن و جلس على إحدى الطاولات يتلاعب بـ مئزر زيه الرسمي، يتذكر تفاصيل الأعوام الماضية، كيف ترك بلده الأم وأتى إلى مصر مع والده المريض ليرعاه، ترك عائلته وأتى إلى هُنا هاربًا من قيود فُرضت عليه للمحافظة على أعمال العائلة
عاهدت نفسه أن يعمل بـ جِد حتى يستطيع أن يكفل والده و تكاليف علاج والده بـ عمله البسيط و الذي لا يتطلب شهادة جامعية حتى يُنهي دراسته
حتى ظهرت الجنية الصغيرة بـ حياتهِ لُعبة صغيرة ولكنها فاتنة،تملك أعين لامعة بـ شقاوة تسلب القلوب، أرادها وأراد أن يعرفها أكثر، كُل ما يعرفه أنها حوراء و فقط
نظر من الزُجاج المُطل على الخارج ليفقد قلبه صوابه حينما رآها تسير بـ شرود تنظر إلى الأرض، نهض سريعًا و بـ دون تفكير ليتطلع حوله فـ لم يجد مازن
إندفع إلى الخارج. ولحق بها حتى وقف خلفها وناداها بـ إشتياق لعن نفسه لـ خروج نبرته بـ ذلك الإشتياق
-حوراء!!!...
رفعت حوراء نظرها سريعًا تبحث عمن يُناديها حتى وجدته خلفها، جعدت جبينها بـ تذكر حتى أشرقت إبتسامتها فـ سرقت دقاته ثم أردفت
-نوح!! إزيك عامل إيه؟
-أجاب مُبتسمًا:كويس، بقيت كويس جدًا، إزيك أنتِ؟
-أنا كمان كويسة…
تأرجحت بـ وقفتها لا تجد ما تقوله ليضع هو يديه بـ جيبي بِنطاله الخلفيين ثم تساءلت وعيناه تدور فوق ملامحها بـ لهفة
-على فين كدا الصُبح بدري؟…
أشارت إلى الشاطئ ثم قالت وهي تنظر إلى نوح
-هروح الشط شوية
-ينفع أجي معاكِ؟
-نظرت إلى المقهى وقالت:عُميّر مش هيضايق!
-رد وهو يحك رأسه:هقول لصاحبي ياخد الشيفت بتاعي…
أومأت مُبتسمة لـ يلوح لها مُبتعدًا وقال بـ إبتسامة مُتحمسة
-إستنيني هنا، مش هتأخر عليكِ
-أوكيه براحتك…
ركض نوح إلى داخل المقهى لينزع مئزره الأسود ثم ربت على كتف صديقه الذي تفاجئ به وقال
-خُد الشيفت بتاعي و أنا هاخد بتاعك بالليل…
لم يدعه ليرد بل ركض مُسرعًا إلى الخارج تاركًا مازن مذهولًا
عاد إلى حيث تقف حوراء وأردف
-يلا بينا…
أومأت حوراء و سارت جواره في صمت.، كانت هي تنظر أمامها أما هو فـ ينظر إليها بين الحين و الآخر حتى إستدارت فجأة وسألته
-أنت مش مصري صح؟…
رفع نوح حاجبيه بـ دهشة قبل أن يبتسم و يُجيبها بـ لباقة
-لأ مصري، بس والدتي من أصل تركي
-قولتلك…
إتسعت إبتسامته و تغضنت ملامحه بـ سعادة لم يذقها مُنذ سنوات ثم همهم بـ صوتٍ مُنخفض
-أه صح قولتيلي…
وصلا إلى الشاطئ لتجلس حوراء فوق الرمال و جاورها نوح ثم سألها
-أنا حاسس إنك زعلانة شوية! مكنتيش كدا أول مرة شوفتك فيها
-سألته بـ عفوية:ينفع تكون صاحبي!...
لم يستطع السيطرة على الذهول الذي أصابه ولكنه أردف بـ رزانة لا يمتلكها
-أكيد طبعًا
-تنهدت وقالت:أنا عملت غلطة، بس مش مقصودة
-رد عليها بـ هدوء:طيب مكنش مقصود ليه زعلانة بقى!
-نظرت إليه وقالت:مكنتش عاوزة أعمل مشاكل، أنا عارفة إنهم متضايقين مني بس مش عاوزين يبينوا دا…
وضعت وجنتها فوق قبضتها ثم نظرت إلى المياه، ليردف نوح وهو يُحدق بـ خُصلاتهِا المُتطايرة
-عشان هُما عارفين إنه مكنش قصدك…
رفعت رأسها فجأة وإلتفتت إليه ثم تساءلت بـ تفاجؤ و أمل
-بجد! ...
خفق قلبه لتلك النظرة القططية التي ترمقه بها ثم أجاب وهو يُحاول إخفاء إنفعالاته
-بجد يا حوراء، أنتِ صغيرة و بريئة و كمان عفوية، و أكيد الكُل كان عارف إنه مكنش قصدك
-هتفت هي بـ إمتنان:شُكرًا جدًا يا نوح…
"يا ويل قلب نوح منكِ"
تفوه بها مرة أُخرى وهو يقر بـ داخلهِ أن تلك الفتاة ستُغير مجرى حياته بـ الكامل
أخرجته حوراء من تفكيره و هي تتساءل بـ فضول
-أنت عارف مين هو قُتيبة! و تعرف إيه اللي حصل بينه وبين كيان أُخت عُميّر؟
-أجابها بـ تفاجؤ:معرفش أنا لسه جاي من تلات سنين بس، بس سمعت من أهل الحي إن قُتيبة دا كان فـ السجن و خرج
-همست بـ قنوط:دا بس!!
-أومأ قائلًا بـ مرح:حاولي متكونيش فضولية، لو محدش قالك حاجة يبقى محدش عاوز يقولك، دي حياتهم الشخصية و الناس بتحب تحافظ على خصوصيتهم…
********************
طرقت والدته باب الغُرفة ثم دلفت لتجدها غارقة بـ الظلام.. لتتأفف بـ ضيق ثم دلفت و فتحت الستائر و النافذة ليهدر قُتيبة بـ إنزعاج
-إقفلي الشباك، النهاردة إجازة…
ثم رفع الغطاء فوق رأسهِ لتسحبه عنه ثم أردفت بـ قوة
-فيه حد مستنيك بره
-فتح عينه اليُسرى و تساءل:مين؟
-ردت بـ برود:معرفش، بيقول أنه يعرفك من أيام السجن…
رفع قُتيبة حاجبه بـ ذهول ثم نهض بـ تفكير عله يتذكر ذلك الشخص ولكنه لم يستطع التركيز، لذلك تنهد ونهض يرتدي كنزته الداخلية و فوقها دس كنزة شبه ثقيلة و خرج
توجه إلى الصالة ليجد ظهر هذا الشخص يواجهه.. مسح قُتيبة على خُصلاتهِ و توجه إليه مُتساءلًا بـ خشونة
-أنت مين!؟…
لم يرد الشخص على الفور بل أخذ وقته ثم نهض و إستدار قائلًا بـ سُخرية
-متمدنتش شوية يا بلطجي…
إتسعت عينا قُتيبة قليلًا بـ إنشداه ثم إبتسم و قال بـ محبة
-أرسلان الهاشمي؟!!...
تقدم قُتيبة و صافحه بـ حرارة و كذلك أرسلان الذي تساءل
-إيه الأخبار! و خرجت من السجن إمتى؟
-من فترة مش طويلة…
أومأ أرسلان بـ خفوت ثم جلس و كذلك قُتيبة، وساد الصمت و كِلاهما يُحدق بـ الآخر حتى دلفت والدته تضع الشاي و بعض الكعك وخرجت دون حديث
إلتقط أرسلان كوب شايه بـ صمت فـ تأفف قُتيبة وأردف بـ نفاذ صبر
-أنا مش عايز أكون قليل الذوق، بس إيه اللي جابك هنا؟
-إبتسم أرسلان شبه إبتسامة وقال:من يوم ما عرفتك و أنت وقح و قليل الذوق، بس ما علينا، عاوزك في موضوع مهم
-تساءل قُتيبة بـ جدية:و إيه هو الموضوع دا؟…
وضع أرسلان كوب الشاي ثم نظر إلى قُتيبة بـ إهتمام و قال بـ تمهل قاتل
-شُغل، عشانك…
الرد الأوحد الذي حصل عليه أرسلان كان رفعة حاجب قُتيبة دون أن تتغير ملامح وجهه فـ أكمل بـ هدوء دون أن يأبه
-قولتلي فـ مرة إنك خريج كُلية هندسة، مش كدا؟
-أجابه قُتيبة بـ جمود: أه، المرة اللي أنت مردتش عليا فيها، و أه متخرج من كُلية هندسة قبل ما أدخل السجن على طول
-يعني!!
-صر قُتيبة على أسنانهِ وهتف:يعني إيه مش فاهم؟
-أجاب أرسلان بـ بساطة:عاوزك تشتغل معايا…
الآن رفع قُتيبة حاجبه الآخر و بدأت ملامح وجهه يُحلق حولها علامات الإستفهام بـ كثرة ثم هتف بـ عدم فهم
-أنا تخرجت من قسم الميكانيكا ، هفيدك بـ إيه؟
-أجاب أرسلان مُجددًا بـ بساطة مُغيظة:بـ مجال قسمك
-تساءل قُتيبة بـ نفاذ صبر:خليك واضح أكتر معايا؟!...
أخرج أرسلان ملفًا صغير ثم وضعه أمام قُتيبة الذي كاد أن يفتحه ولكنه منعه قائلًا بـ جدية
-تقدر تقرأه بعدين، بس حاليًا أنا عاوزك تساعدني، هبدأ في بُنا مصنع لماركة عربيات…
إعتلت الدهشة ملامح قُتيبة أكثر و تساءل
-جبت التصريح منين؟
-مش شُغلك، المُهم إني جبت التصريح و دلوقتي عاوز مساعدتك، هتقدر و لا أشوف غيرك؟!...
تلكأ قُتيبة بـ الرد فـ حثه أرسلان ليتحدث و أردف بـ قوة
-إديني إجابة و اضحة حالًا
-تنهد قُتيبة وقال:تمام، إتفقنا…
أومأ أرسلان بـ رضا ثم نهض ليرحل و لكنه توقف و تساءل بـ نبرةٍ غريبة
-أنت عارف مين كبش الفدا بدالي!
-عقد قُتيبة حاجبيه وتساءل:مين!
-همس أرسلان بـ قسوة:اللي حطوه و إنتحل شخصيتي…
فغر قُتيبة فمه و بـ عفوية وضع يده فوق الجرح الغائر الذي أصاب فخذه ليلفت ذلك أنظار أرسلان الذي غامت عيناه بـ تعبير قاتم قبل أن يُجيبه الأول
-مفضلش كتير، قتلوه على طول
-إتكلم عنه شوية…
جلس قُتيبة فوق الأريكة و نظر أمامه بـ شرود ثم هتف بـ صوتٍ بعيد و لكنه يحمل نغمة قاسية بعض الشئ
-بعد هروبك من السجن، معداش ليلة و لاقوا بديل، فـ حبس جديد بعيد عن أي حد يعرف مين هو أرسلان الهاشمي، و لما إتخانقت مع حد فـ الحبس القديم نقلوني للجديد معاه…
جلس أرسلان أمامه فـ أكمل قُتيبة و هو يتنهد بـ حرارة
-مكنش حد عارف إني أعرف مين هو أرسلان، و إختصارًا لكلام كتير، الشاب كان فـ سنك و إعترف إنهم هددوه عشان ينتحل شخصيتك
-أشار أرسلان إلى إصابتهِ وتساءل:و أنت إيه اللي حصلك؟
-أجاب بـ لامُبالاة:لما حاولت أقول الحقيقة، هددوني و إضربت بـ الجرح دا كـ تحذير يعني، و لما رجعت من مُستشفى السجن عرفت إن أرسلان الهاشمي مات و إتشوه بـ آآ
أشار إليه أرسلان بـ ألا يُكمل فـ صمت قُتيبة هو أيضًا لا يُريد التذكر
نهض أرسلان ثم هتف بـ جمود قبل أن يرحل
-اللي حصلك بسببي، و أنا كدا بحاول أعوضك…
أومأ قُتيبة دون حديث و بعد رحيل أرسلان ظل يُحدق بـ تلك الأوراق دون أن يجد القُدرة على فتحها
********************
فتح أرسلان باب المنزل و حدق بـ الهدوء ليهدر بـ قلق
-سديم؟؟…
كان صوته هادرًا، الماضي لا يزال يُشكل هاجس قوي، يخشى أن يخسر تلك السعادة الوليدة، لا يجب أن يخسرها إنها مُكافأة القدر له
أتته سديم و على وجهها إمارات الفزع ثم تساءلت بـ خوف
-إيه في إيه يا أرسلان؟ صوتك كان عالي…
إقترب أرسلان منها ثم حاوطها بـ قوة و همس بـ صوتٍ حاد
-متعمليش كدا تاني
-ربتت على ظهرهِ و هتفت بـ غرابة:أنا كُنت فوق، أنت غريب، ليه بتعمل كدا؟…
قَبّل أرسلان جبينها و هتف بـ صوتٍ هادئ
-متاخدش فـ بالك، فين أرسلان؟
-متعاقب
-رفع أرسلان حاجبه و تساءل:نعم؟!
-هتفت سديم:متعاقب يا أرسلان و مش هيروح تمرين السباحة بتاعه…
نزع أرسلان قميصه و ألقى به فوق الأريكة ثم تساءل
-و ليه كُل دا؟
-هتفت سديم بـ غضب حقيقي:الأُستاذ الصُغير قرر يعاقب المستر بتاعه و يضربه بـ السكينة اللي بتفتح بيها رسايلك، و تعرف ليه؟ بيدافع عن مراته المُستقبلية…
ثوان مرت حتى تلقت أُذنا أرسلان حديث سديم و يُترجمه عقله لينفجر بعدها ضاحكًا بـ قوة غير قادرًا على التوقف، بينما سديم أمامه تفغر فمها بـ دهشة وهى تراه يضحك بـ تلك القوة
ماذا قالت ليضحك هكذا؟ جعدت جبينها بـ شراسة ثم هدرت من بين أسنانها
-أرسلان أنت بتضحك على إيه! دي مش حاجة تضحك على فكرة…
إستمر أرسلان بـ الضحك فـ تأففت سديم بـ غضب و تخطته متوجهة إلى المطبخ بينما هو يتبعها ثم أردف وهو ينزع قميصه
-بالعكس دي حاجة مُضحكة جدًا
-إستدارت سديم بـ شراسة وهتفت:لأ دي حاجة خطيرة و خطيرة جدًا كمان، أنت مسمعتش اللي قولته؟!...
كانا قد دلفا المطبخ و وقفت أمام الخزانة تستمع إلى نبرتهِ العابثة من خلفها
-سمعتك كويس جدًا، تحبِ أعيده تاني!...
رفعت سديم حاجبها بـ إمتعاض فـ أردف بـ نبرةٍ ساخرة
-أرسلان خد السكينة بتاعتي عشان يضرب الأُستاذ بتاعه اللي ضري البت اللي ماشي معاها، اللي هو هيتجوزها…
عقدت سديم ذراعيها أمام صدرها و لا تزال رافعة حاجبها بـ إمتعاض ثم هتفت بـ نبرةٍ خطيرة
-و دي حاجة تضحك يعني!
-أجاب أرسلان بـ هدوءٍ جاد:هو لسه طفل يا سديم، متقلقيش مش هيبقى زيي…
أجفلت سديم بـ صدمة فـ هي لم تكن تعني ذلك وهو يعي أنها كذلك، ولكن أراد طمأنتها إلا أنه أحزنها، لذلك تنهدت بـ حرارة و إستدارت تُحاول إخراج بعض الأطباق من الرف العلوي الخزنة ولكنها لم تنجح
شهقت بـ فزع وهي تجد نفسها تُرفع من خصرها و صوت أرسلان يهتف بـ هدوءٍ مُزعج
-هاتِ اللي أنتِ عاوزاه…
رُغمًا عنها إبتسمت لتلك الذكرى التي مرت بـ عقلها في الكوخ الخشبي، الشاهد الوحيد على ميلاد عشقهم، جلبت ما تود ثم هتفت بـ إبتسامة
-خلاص خلصت…
لم يُنزلها أرسلان على الفور بل قَبّل الجزء الظاهر من خصرها ثم أنزلها، لم يسمح لها بـ الإستدارة حيثُ حاصرها بين أحضانهِ و إتكئ بـ ذقنهِ على كتفها ثم هتف بـ صوتٍ خشن
-كُنت عاوز أعملها فـ أول مرة كُنا بـ الكوخ، فاكرة!...
شابكت سديم أصابعها مع خاصته و إبتسمت بـ حنين ثم هتفت وهي تميل بـ رأسها إلى رأسهِ
-وإزاي أقدر أنسى؟ دا اللي فكرت فيه لما شلتني دلوقتي…
قَبّل أرسلان تجويف عُنقها و تنهد بـ حرارة قاتلة جعل سديم تعقد حاجبيها و تسدير إليه واضعة يدها على وجههِ وهتفت بـ إهتمام
-مالك؟ فيك حاجة متغيرة…
حملق أرسلان بها طويلًا بـ صمتٍ حتى كادت أن تُعيد سؤالها ولكنه أجاب بـ نبرةٍ غريبة
-قابلت واحد من اللي كُنت أعرفهم فـ السجن
-همهمت بـ إهتمام:و بعدين؟
-قست عيناه فجأة وأردف بـ صوتٍ غليظ:حكالي كُل حاجة عن اللي حطوه بدالي، ولاد الـ ***…
سافرت قُشعريرة مُخيفة على طول جسدها و لكنها لم تتحدث بل تركته يُكمل
-و اللي قابلته برضو هو كمان إتأذى بسببي، كل اللي دخل حياتي صابته اللعنة…
ربتت سديم على وجنتهِ وقالت بـ نبرةٍ هادئة ولكنها تبث الإطمئنان
-كل دا ماضي و أنت ليك حق تعيش، و بالنسبة للشخص اللي قابلته مظنش إنه بيحمل ذنبه، هو مش بيلومك
-مش محتاج يقولها
-هتفت سديم بـ جدية:كفاية تتوقع الأسوء يا أرسلان، كُل دا إنتهى دلوقتي…
إبتسمت وهي تجده قد زفر بـ عُنف ثم تساءلت
-طب و أنت روحت له دا ليه!
-أجاب:محتاج أعوضه، دا دين ليه فـ رقبتي
-قطبت جبينها و سألته:و دا إزاي!
-قبل ما أهرب كان بيحاول يهون عليا، الكلام و حاجات تانية، إفتكرته و قولت أساعده، أساعده و أسدد دينه…
لم ترد سديم بل إبتسمت و فقط، أرسلان وإن لم يُظهر مشاعره إلا أنه يتغير بـ بُطء، لا يزال قاسي و غامض ولكن يكفي أنها تعلم أنه يُحبها و أنه يُحاول لأجلها
فـ من أجلها تغير الشيطان…
********************
في مساء اليوم
كانت كيان تجلس بـ فراشها تستمع إلى الاُغنيات مع دندنة خفيفة و قد قررت المُضي و الحديث مع رشاد ولكن تلك الحوراء لا تسمح بـ ذلك و عبارة واحدة تنخر أُذنيها حتى الآن
-أنتِ مش بتحبِ رشاد، و لو إتجوزيته يبقى أنتِ بتخوني الأتنين…
تلك الصغيرة لم تكن تعلم أنها تمتلك ذلك القدر من الحكمة و لكن حديثها صحيح فـ تعود وتتراجع عن قرارها و تُقرر أنها ستتصل به لتعتذر
هي لن تعود إلى قُتيبة ولكنها لن تخون من تتزوجه، حينما تتخطاه ستبدأ حياتها حتى و إن تقدمت بـ العُمر، قُتيبة جُزء لا يتجزأ من ماضيها، الأسود
وعند ذكر الشيطان، إنتفضت على صوت هاتفها حنيما صدح بـ نغمتهِ الصاخبة لترفعه وتنظر إلى رقم هاتفه الذي تحفظه عن ظهر قلب
تسارعت دقات قلبها و تركت الهاتف دون أن تجرؤ على الرد ليعود و يصدح من جديد ليصمت بعد مُدة و يعود ويصدح دون ملل، تعلم إصراره و عنده، لن يصمت حتى ترد
لذلك رفعت هاتفها و أجابت بـ تردد ليأتيها رده الساخر
-أقسمت بيني و بين نفسي لو مرتديش، هجيلك، بس نجدتِ نفسم
-سألته بـ نبرةٍ مُرتجفة:بتتصل ليه؟
-أتاها صوته:عايز أتكلم معاكِ
-هتفت بـ ملل:و أنا مش عاوزة أتكلم معاك…
ساد الصمت قبل أن تسمع صوت ضحكاته العميقة ثم سمعت صوته وهو يهتف
-طب إطلعي من البلكونة نشوف بعض من غير كلام…
إنتفضت عن فراشها و إتجهت إلى الشُرفة تفتحها ثم هدرت و هي تخرج تنظر إلى الشارع الخاوي من المارة عاداه!!
-أنت بتعمل إيه هنا تاني يا قُتيبة؟…
وضع يده بـ جيب بِنطاله ثم أجاب بـ إريحية وهو ينظر إليها
-اللي بعمله ديمًا، جيت عشان أشوفك…
صمتت و هي تُبادله التحديق غير قادرة على الإشاحة بعيدًا و كيف ذلك وهي تشعر أن نظراته تخترقها كـ سهم مُسمم فـ يُدمي روحها و يُذكرها بـ مشاهد قديمة لهما معًا
قُتيبة كان ولا يزال بـ روحها يقبض عليها بـ أفرع خضراء ولكنها ذات أشواك، تعتصرها فـ ينزف قلبها قبل جسدها، ذلك الأخرق أضاع من عُمرهِ ثلاثة أعوام من أجلها و هي كذبت لأجلهِ، إن كانا لا يزالان عاشقين فـ الماضي سيظل حائل بينهما مُخلفًا طعم مُر كـ العلقم
-مبترديش ليه يا كياني؟
-تنهدت بـ تعب وقالت:عايزني أرد عليك بـ إيه يا قُتيبة! طُرقنا أنا و انت معتش فيه بينهم مجال يتقابلوا…
إهتز بدنها و إرتعش لإجابته والتي وصلها عبر موجات الهاتف هدير أنفاسه و الذي بدى كـ عاصفة أحرقت جسدها بـ حرارة كلماتهِ
-يبقى هكسر أي حاجة تمنع طُرقنا تتلاقى و لو مفيش طُرق، يبقى هخلق طُرق جديدة و هجبرها تتلاقى يا كيان…
تمسكت بـ حاجز الشُرفة و تعالت أنفاسها ليُكمل وهو يُشير إليها
-أنتِ ليا لوحدي، أنتِ كُنتِ ملكي زمان و مش ناوي أتخلى عنك، مش هتخلي عن جُزء مني…
إرتعشت و سارت رجفة بـ جسدها لحديثهِ ثم قالت بـ صوتٍ مُرتعش
-كفاية، أرجوك كفاية أنت عارف إنه مُستحيل نرجع زي ما كُنا…
هدر بـ صوتٍ قوي خشت أن يسمعه جميع من في الحي فـ نظرت حولها تتأكد من خلو الشارع و الشُرف من أهل الحي
-لأ أنتِ اللي كفاية يا كيان، أنتِ عارفة كويس أوي إني مش هستسلم عنك
-صرخت هي بـ صوتٍ خفيض:لأ إستسلم و ريحني، إستسلم و خلاص
-صرخ هو بـ المُقابل:و ليه المفروض أستسلم! ليه عايزاني أستسلم!...
أردفت بعدما تجمدت ملامحها بـ نبرةٍ ناحرة تعلم أنها ستقتله بما ستقول و لكنها تُريده أن يستسلم هي و قُتيبة لا حاضر و لا مُستقبل لهما معًا
-أنت قتلت أبوك قُدام عيني، يبقى إزاي عايزني أثق فـ قاتل؟…
يتبع الفصل السابع 7 اضغط هنا