رواية طيف السلطان الحلقة الثانية 2 بقلم قسمة الشبيني
رواية طيف السلطان الفصل الثاني
تراجعت طيف للخلف وقد رأت أن مبادلته التهديد لن تجدى نفعا لكنها لا يجب أن تظهر بصورة المرتعبة الخائفة فيسعى لاستغلال ذلك .
عادت خطوة للخلف ليتقدم منها فتوقفه محذرة : أبعد عنى احسن لك يا ياسر .. انا لا يهمنى انت مين ولا ابن مين .
مسد صدره بوقاحة مقتربا : وهى واحدة زيك إيه يهمها ؟؟ وانا مش عاوز يهمك انا مين .. فكرى هتكسبى من ورايا إيه ؟؟ بدل القعدة قدام الفرن وصهد النار والحطب .. معايا هترتاحى من كل ده وكمان تتبسطى انا هدلعك .
قاطعته بتهكم : قصدك هتوحلنى وتدوس عليا برجليك .. أبعد عنى يا ابن الشيخ إحنا بعيد عن داركم وهنا الناس هتصدقنى انا لانك انت اللى جاى ورايا .
ضحك ياسر : ناس هههههه بصى حواليكى كويس اقرب بيت بيتكم واول من هيسمعنا ابوكى .
ولم يرتجع ياسر عنها فهى بالنسبة له صيد سهل يحوى الكثير من المتعة بلا مشقة ولا تكلفة .. فأى كان المبلغ الذى سيدفعه لها لن يوازى تكلفة المتعة المحرمة .
اقبل عليها لتتراجع استعدادا للركض والصراخ لكنه أسرع منها فتمكن من إسقاطها أرضا دون جهد يذكر .
ابتسم لها بتشف كما حدث صباحا لترى تلك اللمعة البغيضة بعينه .. مال عليها يبغى التمتع بما لا يحل له ليرتعد قلبها .. تحسست الأرض و أمسكت اقرب حجر لكفها وضربت به رأسه بقوة كانت كافية لابعاده عنها وإصابته بجرح غائر ليصرخ ألما .
انتفضت واقفة والحجر لازال بكفها لتضربه مجددا بحقد : علشان تبقى تستقوى على الغلابة اللى زيى ..
وضربته ثالثة : ربنا ينتقم منك على كل لمسة غصبانية وعلى كل كلمة كسرت بيها خاطرى .
احتفظت بالحجر وهى تنظر له يمسك رأسه صارخا ، تلفتت حولها بفزع واسرعت تركض محتفظة بالحجر الذى يحمل دماء هذا النجس .
دخلت المنزل بإندفاع ليفزع أبيها ، ورغم حملها الحجر إلا أنها اخفته بحلبابها الفضفاض واتجهت تلقى على أبيها التحية متجهة نحو المرحاض حيث بزاوية بجانب الباب اخفته لتتمكن لاحقا من إخفائه عن أبيها .
غسلت وجهها وعادت إليه مبتسمة : جيت اطل عليك قبل ما انزل المركز .. هروح السوق هناك .
رفع أبيها رأسه : ليه يا بنتى ؟ ماتجيبى اى حاجة من هنا وخلاص .
جلست بجواره : عاوزة اجيب شوية دقيق غلة من اى فلاحة فى سوق المركز هعمل العيش هنا وابيعه على السريع القريب هناك العربيات يامه وناس غرابة احسن من التلطيم فى بيوت الخلق ويوم فيه ويوم مفيش .
ابتسم عبيد : يعنى مش عاجبك تقعدى جارى يوم ؟؟ يا بنتى اهو بترتاحى الحمل تقل عليكى اوى .
أصرت على رأيها : بالعكس يا أبا كده اقعد معاك اكتر انى هخبز بالليل ومع ترقريق النهار أقف ساعة ولا اتنين بالكتير وارجع اقعد جارك طول اليوم .
استسلم عبيد سريعا : اللى يريحك يا بنتى اهم حاجة عندى ماحدش يضايقك ولا يجى عليك .
وقفت بنفس الابتسامة : ماتخافش محدش يقدر .. انا همشى علشان ألحق ارجعلك بسرعة .
واتجهت للخارج مجددا عازمة على تنفيذ فكرتها للوذ بالنفس من خبائث الأنفس .
اتخذت نفس الطريق ولم تر ياسر فى طريق عودتها ، ربما أنقذه أحدهم أو تحرك هو هربا .
لا يهمها بالواقع ما حدث له فهى تتمنى له الأسوأ وعدم النجاة بأفعاله القذرة .. لابد أنه يقوم بالمثل مع غيرها من الفتيات .. كم تتمنى أن يزج به وبأمثاله لأشد العقوبة .
لكن للأسف فهو وأمثاله يرتدون ثياب الفضيلة أمام الناس وينأون بدنائة نفوسهم للخفاء .
هل الخفاء يمحى ذنبهم ؟؟
هل التفضل أمام الناس يغفر خطيئتهم ؟؟
كيف يفكر هؤلاء الأقذار ؟؟
اتخذت طريقا جانبيا خرجت منه مباشرة أمام العربة التى ينادى صاحبها الركاب ليقلهم للمركز .
جلست بمقعد منفرد حيث يمكنها أن تبتعد عمن يجاورها فهى لم تعد تشعر بالأمان لأى ذكر وإن رأته أمام الناس داعيا مدعيا .
الجولة بالسوق مرهقة لكنها لم تعد إلا بما أرادت وزادت بعض الخضر حيث يمكنها إعداد حساءها لأبيها المريض وإعداد وجبة غنية لها .
حملت مشترواتها فوق رأسها وسارت عائدة تجاه العربات تبحث عن سيارة لتعيدها لمشارف القرية وهذا يكفيها .
****
أنهت الممرضة سريان المحلول بعروقه وسحبت الخرطوم من كفه لتبتسم بتكلف : ألف سلامة .
أجابها أبيه بإكرامية ممتازة دستها بجيبها وسارت نحو فراش مريض اخر ورغم شعوره بالدوار وتورم عينيه تابع انصرافها مميزا تمايل خصرها الذى تبالغ فيه .
لقد نجى من موت أو إصابة بالعمى كما قال طبيب المشفى الذى حمله إليه الأهالى فور رؤيته مضرجا بدمائه قرب الزراعات .
أبيه يفخر به لصموده أمام ذلك اللص الذى ادعى أنه ضربه بعصى رغبة فى سرقته وأمه تتضرع إلى الله أن ينزل بهذا اللص أشد أنواع العقاب .
وصل ضابط شرطة لسؤاله حول واقعة إصابته ليدعى بثبات أن اللص ضربه من الخلف ولم ير ملامحه لتأتى شهادة الطبيب مكذبة لإدعائه فقد أكد الأخير أن الضربات جاءته من الأمام وأنه يعلم جيدا شخصية الفاعل ويتستر عليه لسبب مجهول .
**************
عليها توفير الحطب لتضمن خبزا جيدا يمكنها بيعه بمقابل مرضى .. تحتاج لأخشاب لا تخبو جذوتها بسهولة .
أمسكت اناءا كبيرا وسارت نحو الإتجاه المعاكس ، بالقرب من الطريق الذى سيكون مورد رزقها قريبا .
عمليات الإنشاء هنا مكثفة لتطوير المنطقة ، تتعجب لما يكون التطوير دائما قرب الطرقات الرئيسية ؟؟
ربما لأنها محط أنظار الجميع !!
ماذا إن تعمق هؤلاء المطورون قليلا فى الداخل ؟؟
لوجدوا حتما منزلهم المتهالك والذى هو أحق بالتطوير من تلك البنايات الضخمة .
سارت بالقرب بتؤدة لتتوقف اثر نداء أحدهم : بتعملى إيه الناحية دى يا حرمة ؟؟
دارت تنظر لمحدثها والذى كان فى عقده الخامس تقريبا .. غزا الشيب مفارقه بكثافة وله من حدة الملامح نصيب كبير لكنها لم ترهبه بل أجابت بثبات : هعمل ايه يا عم الحج عاوزة شوية رايش اخبز بيه .
رفعت انائها : هملى الطشت وامشى ما انتو بترموه مالوش عوزة .
نظر لها الرجل ولم تتغير حدة قسماته : ما تيجى يوم الجمعة والرجالة إجازة بدل ما الكل يتفرج عليكى كده ! هو لازمك الخبيز اوى ؟
هزت راسها : اكل عيشى انا هبيع العيش مش هأكله .
أعاد النظر لها ولبساطة ملابسها ليرى الحاجة تستتر خلف تلك البساطة .. أشار نحو اتجاه جانبى : طب روحى خدى من اللى الرجالة لموه على جمب ده .. خدى يكفيكى ليوم الجمعة .
تهللت ملامحها وهى تطالع تلك الكومة من قطع الاخشاب الممتازة لتأجج نيران مرجلها البسيط .. لقد رأتها وخجلت من الاقتراب منها ظنا أنها جمعت لغرض تجهله .
تسلم يا حج
شكرته وهى تتجه نحوها فعليا لتملء هذا الوعاء .. كل الاخشاب برأيها قيمة فهى ستوقدها نيرانا ولا يهم حجمها أو شكلها لذا ملئت الوعاء فى دقائق وكان هذا الرجل لا يزال بالقرب وهى لا تعلم أنه يتعجب حصولها على هذه الكمية .
اقترب منها حين وقفت إعلانا بإنتهاء ما تقوم به ليتساءل : هتخدى كل ده ازاى ؟
ابتسمت بثقة : هشيله .. عين عليا بس وكتر خيرك .
انحنى يرفع الوعاء فوق رأسها لتقف بثبات تضبطه قبل أن تتحرك مغادرة : كتر خيرك يا عم الحج .
أوقفها متسائلا : انت بتبيعى الرغيف بكام ؟
وقفت تنظر له : صراحة اول يوم ليا بكرة .. مش عارفة اللى يدفعه الناس هاخده .
رفع حاجبيه وابتسم لتلين حدة قسماته : يبقى هتتسرقى من اول يوم .. عدى عليا الصبح عشرين رغيف وانا اقولك بيعى بكام .
زاد تهلل وجهها وهى تغادر مجددا : بس كده من عنيا .. بالإذن .
غادرت ليتجه عائدا لمراقبة عماله وسير العمل هامسا لنفسه : ملعونة الحوجة اللى تبهدل الحريم بالشكل ده .
***********
كان العمل شاقا فهى تعمل بمفردها ، حصلت على قسط من الراحة ببداية الليل ثم نهضت بحماس للعمل الذى سيكفيها شر السؤال .
كانت تعمل بجوار المنزل حيث أقيم ذلك الفرن الفلاحى الذى بناه أبيها منذ سنوات طويلة .. حين كان أبيها يملك من الصحة ما تكفيها شر الحاجة .
تعترف أنه بحاجة للترميم لكن لا بأس به حاليا .. ربما راج عملها وتمكنت من شراء ذلك الفرن الحديث الذى يعمل بالغاز .. حقا سيلزم شراء اسطوانة غاز أيضا لكنها تحلم أن تتمكن يوما ما من حلمها البسيط ذا .
مع انشقاق الصباح كانت تعمل على التعبئة .. ألقت نظرة على أبيها آملة أن تعود سريعا بفضل دعواته التى لم تتوقف مطلقا .
حملت نفس الوعاء وقد جمعت به اكياس الخبز واتجهت نحو ذلك المكان مجددا .
وقفت تبحث بعينيها عنه ليأتيها صوته من الأعلى : نازل اهوه .
نظرت لتشهق بفزع لذلك الارتفاع الذى يطل منه ببساطة .
دقائق وكان أمامها متعجبا : ما شاء الله الرغيف ده يتباع بإتنين جنيه اوعى حد يضحك عليكى .
حذرها وهو يخرج ماله لينقدها أربعين جنيها كاملة لقاء الارغفة التى طلبها فعليا .
سارت بعد قليل غير مصدقة أنها ستجنى المال الوفير ببساطة .
وقفت بجانب الطريق الذى تمر عليه السيارات مسرعة .. وضعت حمولتها أرضا وحملت كيسا واحدا أثناء وقوفها عل أحدهم يطلب منها بعضا منه .
بعد نصف ساعة تقريبا وقفت سيارة حديثة ليتساءل صاحبها : بكام يا شاطرة ؟
أجابت دون أن تتقدم : الرغيف بإتنين جنيه يا بيه .
طب هاتى خمسة .
سعدت بطلبه ونفذته فورا وسرعان ما تحركت السيارة وحين عادت نحو خبزها كان أحدهم يقف بجواره : انت مين يا بت ومين سمح لك تقفى هنا ؟
اقتربت تبعد خبزها عن مرماه : وانت مالك انت !! انا واقفة على طريق عمومى مش فى بيتكم .
رأت الغضب يستعر بملامحه ليصيح : وهتمشى من هنا حالا بدل ما امرمطك وافرج عليكى الرايح والجاى .
هيئته مخيفة لكنها لا تملك رفاهية الخوف .. عليها أن تحمى نفسها منه ومن غيره .. لا مجال للتراجع .. لقد جمعت ببيع ربع الكمية رأس المال الذى تكلفته ولن تتخلى عن هذه الفرصة .
اقترب منها لتصيح : لو قربت منى هصوت وألم عليك الخلق ..
ابتسم بتهكم وقد نزع حمولتها كاملة : صوتى حد مسكك ؟
تمسكت بمصدر رزقها : سيب العيش بقولك هى بلطجة وخلاص .
جذب الإناء بقوة لينزعه عن كفيها : ايوه بلطجة .
ومفيش بلطجة وانا واقف يا نمر
نظرت بإتجاه الصوت الذى تابع : رجع لها العيش بالذوق احسن لك .
يتبع الفصل الثالث اضغط هنا
- الفهرس (رواية طيف السلطان كاملة)