رواية غريق على البر البارت الرابع عشر 14 بقلم نعمة حسن
رواية غريق على البر الفصل الرابع عشر 14
ذهبت "فرحه" إلي منزل عمها والد "رجب"..دخلت فتفاجأ الجالسين أجمعهم و جحظت أعينهم فقال"رجب": شوفتي ياما؟!مش أنا دايماً أقولكوا فرحه دي قطه بسبع أرواح؟!
إلتف حولها الجميع يعانقونها بشده و يصافحونها بحرارة و بين الكثير من الأسئلة عمّا حدث؟! و كيف نجت؟! و أين كانت؟! زفرت هي بشده و حاولت إخفاء ألمها و قالت:
_والله هحكي لكوا كل حاجه..بس أطمن علي أبويا و إخواتي الأول..و بعدين هحكي لكوا كلكوا مره واحده عشان الموضوع طويل و مش هقعد احكي كل شويه
قال ىجب بحماسه تملؤه: برن علي رضوان أهو..بيكنسل عليا أكيد سايق.
_سايق؟! قالتها فرحه بتساؤل متعجب فأومأ"رجب" قائلاً:آااه..ما هو إشتغل علي تاكسي هو و رامي..ألوو..أيوة يا رضوان مبتردش ليه؟!
=كنت داخل علي لجنه والله و معرفتش أرد..عاملين إيه؟!و إزي مرات عمي؟!
_إحنا كويسين الحمدلله..المهم..خد كلّم.
=أكلم مين؟!
لم يجيبه و أعطي الهاتف لـ"فرحة"التي تناولته بيد مرتجفه و قالت بحنين بالغ:إزيك يا رضوان.
علي الجانب الآخر..توقف "رضوان"بـ سيارته فجأه و هوي قلبه أرضاً و نطق بذهول:فرحه!!
بكت فرحه لصوت أخاها المشدوه و قالت:أيوة فرحه يا رضوان.
قال وقد فقد أعصابه:إقفلي يا فرحه أنا هجيب أبوكي و آخواتك و هننزل البلد حالاً..مع السلامه.
أغلق الهاتف بوجهها فضحكت بين دمعاتها و قالت:طول عمره مبيعرفش يركز في حاجتين سوا.
قالت زوجة عمها و هي تضع امامها ما لذ و طاب من الطعام:تلاقيه يا حبة عيني إنصدم..مسافة السكه و هيكون هنا.
ثم أكملت و هي تربت علي ظهر"فرحه"بـ ود حقيقي:
كلي يا فرحه..كلي يا حبيبتي تلاقيكي هفتانه.
نظرت لها"فرحه" بأعين دامعه و إرتمت بأحضانها بغتةً و إنفجرت بالبكاء قائلة:أنا تعبانه يا خالتي.
شددت زوجة عمها من إحتضانها بقلق و قالت:إسم الله عليكي يا حبيبتي مالك؟!
إلتف الجميع حولها يهدئها و يهدهدها كالأطفال و قال "رجب": متحطيش كلام الناس في دماغك يا بت عمي ولا يهمك..يا جبل ما يهزك ريح..إحنا عارفين بتنا متربيه إزاي.
سألته أمه بإستغراب:كلام إيه؟!
قال ساخراً غاضباً:قال إيه ولاد الكلاب مفكرين إن فرحه طول مدة غيابها دي كانت مع الأفندي اللي وصلها لوحديهم..مفكرين إننا عندنا بنات مشيها بطال لا سمح الله..بس إيه..أنا عرفت كل واحد مقامه.
تلاشت"فرحه" النظر لـ زوجة عمها التي نظرت لها بشك و قالت: و إنتي شوفتي الأفندي ده فين يا فرحه يا بنتي؟!
همّت "فرحه"بالجواب فقاطعها"رجب" قائلاً:هتكون شافته فين يعني ياما؟!إنتي هتعملي زيهم؟! شافته في المطار و....
_لا مشوفتوش في المطار.
قالتها فرحه بخوف و قلق شديدين و ترقب للآتي.
قال "رجب" التي بدأت أمارات عدم الإرتياح بالظهور عليه: مشوفتيهوش في المطار أومال شوفتيه فين؟!
إزدردت ريقها بتوتر و قالت: هو اللي طلعني من الميه لما الطيارة وقعت في البحر!
_وبعدين؟!
=ولا قبلين..و فضلنا كل ده ماشيين في الغابه لحد ما وصلنا تركيا و روحنا عند ناس قرايبه و هما اللي ساعدونا نرجع مصر.
_و كل الوقت ده كنتوا قاعدين سوا لوحديكوا؟!
=بقولك كنا بنجري في غابه يا رجب..غابه..يعني مليانه حيوانات مفترسه و كنا متعرضين للخطر..تقولي قاعدين لوحديكوا؟!
ثم أكملت بأسلوب أكثر عدائية: و بعدين أنا شامه ريحة تلميحات كده مش حلوة..في حاجه؟!
تراجع و قال: لا مش القصد يا فرحه..و بعدين هو أنا تايه عن أخلاقك.
أومأت بإقتضاب و إلتزمت الصمت.
بعد مرور ساعتين و نصف الساعه..وصل والد فرحه و أبنائه محدثين جلبه شديدة عند وصولهم.
دخل والدها يتسائل:فينها فرحه؟!بنتي فين؟!
فور أن إلتقطت أذنيها صوت والدها هرعت إليه تحتضنه بإنتظار دام أيام و ساعات طويلة.
تلقّاها والدها بين ذراعيه بإشتياق و إلتف حولها إخوتها كلاّ يتسارع أيّاً منهما يعانقها أولاً.
قبّلت يد والدها و قبّل رأسها قائلاً: حمدالله علي سلامتك يا فرحتنا..روحي ردت فيا يا فرحه.
إنتزعها "رضوان"من بين ذراعي والدها و عانقها بشوق بالغ و قال:كنت حاسس..قلبي مبيكدبش عليا أبداً في أي حاجة تخصك يا فرحه..كنت حاسس إن روحي مسابتش جسمي و كنت عارف إنك هترجعي.
شددت"فرحه"من إحتضانه و إرتفع صوت نحيبها.
في بداية الأمر ظن"رضوان"أن بكاءها هذا طبيعي بسبب اللقاء بعد غياب وهكذا.
و لكنه شعر بأن الامر أكبر من هذا و أن قلب شقيقته قد مسّه الضر.
نظر بداخل عينيها يحاول سبر أغوارها فوجدها تحمل الكثير و الكثير الذي لن يتواني حتي تبوح به.
إنحنت"فرحه" و جلست القرفصاء تحتضن "بدر" الباكيه و بكت معها مرة أخري مما أثار حفيظتهم جميعاً فتسائل "رامي":بتعيطي ليه يا فروحه ما إنتي وسطينا أهو الحمدلله.
_مفيش حاجه..أنا بس تعبانه و عايزة أرتاح.
قال والدها:بينا علي البيت عشان ترتاحي و بعديها تبقي تحكيلنا اللي حصل.
اومأت بموافقه و ذهبوا إلي بيتهم فقالت فرحه: أنا بقالي كتير منمتش..همووت و انام..لما أصحي هبقا أحكي لكوا كل حاجه.
هربت إلي غرفتها و دخلت ثم أغلقت الباب من خلفها بإحكام و ألقت بجسدها إلي فراشها البسيط ثم إنفجرت باكية.
بكت بـ قدر ما عشقته و هي تعلم أنه صعب المنال.
بكت بـ قدر ما شعرت معه بالسعادة و الإكتفاء.
بكت بـ قدر ما أحست أن روحها تأن شوقاً إليه.
بكت كثيراً حتي إستسلمت لـ سلطان النوم.
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
عاد أدراجه إلي "القاهره" يكسوه الحزن و خيبة الأمل..لقد جرت المقادير علي عكس هواه..لم يتوقع أن تتعقد الأمور هكذا.
وصل إلي منزله و طرق الباب بلهفة لرؤية شقيقته التي ألجمت الصدمه لسانها عندما رأته يقف علي الباب.
نظر إليها بشوقٍ بالغ و إحتضنها وهي ما زالت تحت تأثير الصدمه.
ضربها خلف رأسها بخفه و قال ممازحا علي غير عادته:إيه مبترديش ليه؟! القطه كلت لسانك؟!
نظرت له بأعين دامعه فأعاد إحتضانها و قال:أيوة أحمد والله..إنطقي بقا.
إنفجرت باكيه بشدة و تشبثت به قائلة:إزاي؟!إزاي؟!
ضحك و غني وهو يحركها بخفه و قال:
إزاي ترضيلي حبيبتي..قد ما أعشق إسمك و إنتي
..عماله تزيدي في حيرتي و منتيش حاسه بطيبتي إزااي؟!
تعجبت أسلوبه الجديد تماماً و لكنها ضحكت بشده و أعادت عناقه و قالت:روحي رجعتلي تاني يا أحمد.
نظر إليها و اطلق تنهيده حارة و قال بألم داخلي يملؤه: بس أنا روحي راحت مني يا رضوي.
قطبت بين حاجبيها وقالت: مش فاهمه..هو إنت مش مبسوط إنك شوفتني؟!
إبتسم قائلاً بتمتمه:سبحان الله..نفس الغباء.
_بتقول إيه؟!
=بقول إني جعااان و هلكاااان و عايز أنام.
_مش قبل ما تحكيلي كل حاجه بالتفصيل.
=لا لما خالتك و عمتك ييجوا عشان أحكي لكوا مرة واحده لأن الموضوع طويل و مش هقعد احكي كل شويه انا.
_خالتو نزلت تطمن علي عيالها و كانت هترجع تبات معايا..إستني أكلمها أعرفها.
=لا مش دلوقتي..أنا مش عايز اتكلم دلوقتي و يا ريت متعرفيش نورا بردو..أنا هبقا أفاجئها بكرة في الشركه.
أومأت "رضوي"بموافقه و قالت:طيب مش هتقعد معايا..ده إنت واحشني.
قبّل رأسها و قال:و إنتي كمان يا حبيبتي وحشتيني فوق ما تتصوري والله..بس إعذريني..أنا تعبان و محتاج أرتاح و بعدين هبقا أقعد معاكي و نرغي و نحكي كل حاجه.
كان يود الهروب و بالفعل حدث..دخل إلي غرفته و أشعل الضوء و نظر إليها بإبتسامه باهته.
لقد راهن عقله علي أنه سيتابع غربة روحهِ عن جسدهِ عندما تفترق بهما السبل،و قد حدث.
إنه الآن جسد بلا روح،بلا حياة،بلا شغف.
ألقي بجسده المتهالك علي سريرهِ الفخم و وضع يده علي عيناه و فوراً قفزت صورتها بـ مخيلته.
إبتسم لإبتسامتها التي تشع نوراً و إتسعت إبتسامته عندما تذكر ليلة أمس عندما إحتضنته و إعترفت بحبها له.
ليلة أمس؟! هل بين ليلةٍ و ضحاها من الممكن أن يتبدل حال الإنسان كلياًّ هكذا؟!
هل من الممكن أن يخلد إلي النوم و قلبه يتراقص فرحاً و بمجرد مرور الساعات تخفق دقاته؟!
دمعه مكلومه هربت إلي جانب عينيه و لكنه لم يأبه بها..ظل مغمضاً عيناه حتي واتاه النوم و غطّ به.
- تابع الفصل التالي عبر الرابط: "رواية غريق على البر" اضغط على أسم الرواية