رواية غريق على البر البارت الخامس 5 بقلم نعمة حسن
رواية غريق على البر الفصل الخامس 5
_إستني!
قالها "أحمد" صارخاً بـ"فرحه" فألقت ما بيدها أرضاً و نظرت له بفزع واضعه يدها علي صدرها و قالت:
خضيتني يا أحمد أفندي يخربيتك!
رفع حاجبه دهشةّ و قال: هو إنتي شبه الأطفال كده كل حاجه علي بؤك؟!
نظرت له مغتاظه و ظلت تشهق و تزفر بعصبيه فقال:
لا تعالي خديلك قلمين أحسن.. إنتي تعرفي إذا كان المشروم ده صالح للأكل ولا مسمم؟!
رفعت شفتها بنزق و قالت: إسمه عيش الغراب علي فكره ماسموش البتاع اللي بتقول عليه ده.. و بعدين يعني ما هو كان بيطرح جمب البيت و كنا بناكله و احنا صغيرين مموتناش يعني.
_يطرح؟! يطرح إيه هو بلح؟! إنتي هتجيبي أجلي قريب يا فرحه.
=لا يا أحمد أفندي بعد الشر عنك.
نظر لها حانقاً ثم إنحني و إلتقط الفطر بيديه ثم فركه بين أصابعه فـ سرعان ما أصابتها الحمرة و إلتهبت.
نظر لها بمعني "أرأيتي" ثم قال: كان زمانك متسممه دلوقتي يا فرحه هانم!
قالت ببلاهة: إنت عملت إيه؟!
_زي ما شوفتي.. فركته بين صوابعي فإلتهبت.. معني كده إنه مسمم و كان هيسممك.
=يحلاوة.....
قاطعها مكملاً جملتها: العلم نور يا ولاد.
إتسعت إبتسامتها فإبتسم أيضاً و قال: متبقيش مستهترة كده يا فرحه.. فكري الأول قبل ما تتصرفي أي تصرف.
=معاك حق يا أحمد أفندي!
زفر قائلاً بملل:و إيه أحمد أفندي دي يا فرحه؟!
إسمي أحمد بسس..إرفعي الألقاب.
فاجئته عندما قالت:لاااا يا أحمد أفندي ماهو أنا مش بقولك يا أفندي إحتراماً ليك لا سمح الله..لا ده أنا لساني اللي واخد علي كده..يعني حتي كل يوم الصبح عندنا في البلد لما كنت أشوف عمي"حمدان" راكب الحمارة كنت بقولله صباح الخير يا حمدان أفندي!..الموضوع ملوش علاقه بيك متقلقش.
نظر لها نظرات فارغه و قال:قدامي يا فرحه..إمشي!
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
في بيت أهل فرحه..دق الباب فأسرع "كرم"بفتحه و كان الطارق"رضوان"بصحبة" بدر ".
أسرع"كرم"في إحتضانهما بشوق و لهفه.
بعد مرورهم للداخل و بعد أن إستقبلهم الكل بحفاوة قال والده:مفيش أخبار بردو يا رضوان!
هز"رضوان"رأسه بأسف و قال:لسه يابا مفيش خبر..لسه البحث شغال بس كل اللي طلعوهم مش عارفين يحددوا هويتهم..بس انا حاسس يابا إن فرحه بخير..والله هترجع إن شاء الله.
هز والده رأسه بحزن شديد و قال:يااارب..ملناش غيرك يارب..و إنتي عامله إيه يا بدر البدور.
قالها مقبلاً تلك الصغيرة التي تجلس فوق قدميه و قالت:أنا شوفت فرحه و أنا نايمه.
إسترعت إنتباه الجميع فأسرع والدها يسألها:شوفتي إيه يا بدر؟!
_شوفتها بتعوم في الميه و مبسوطه و فرحانه و عماله تضحك و كان معاها حد كمان بيضحك.
=أكيد رجب..قالها" رامي" متأففاً.
_لا مش رجب..ده كان واحد حلو أوي.
إبتسم الجميع فقال رضوان:بكرة هنزل مصر يابا.
ثم أكمل بتلعثم:بعد بكره آخر يوم في البحث..إن شاء الله هرجع بفرحه..متقلقش يابا.
قال والده:اللي ربنا رايده هيكون يا رضوان.
∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆
_وبعدين يا أحمد أفندي؟!بقالنا أسبوعين علي الجزيرة دهين ولا حد قال لنا إنتوا فين.
قالتها فرحه متسائله بيأس فأجابها بيأس مماثل:علي الأغلب يا فرحه فرص النجاه بالنسبة لنا بقت معدومه..النهاردة بقالنا أسبوعين..يعني أكيد سفن البحث هترجع لأنهم مبيقعدوش أكتر من أسبوعين.
_طب ما أنا عندي فكره..ليه نستناهم هم يلاقونا؟!
هز رأسه بتساؤل فأكملت:نروحلهم إحنا!
_نروحلهم فين؟!
=مكان ما الطيارة وقعت!
_إنتي عبيطه يا فرحه؟!هو إنتي مفكرة إن إحنا واقعين في بول؟!
=و إحنا إيه اللي هيوقعنا في البول..ده إيه القرف ده؟!
_بول إيه يخربيت تفكيرك المعاق..بول يبنتي اللي هو حمام السباحه.
=آااااه..البسيم يعني.
_بسيم؟! أه هو البسيم ده بالظبط..أهو إحنا بقا مش واقعين في البسيم..إحنا واقعين في بحر ملوش أول من آخر..يعني لو دخلنا إحتمال منخرجش تاني.
وضعت يدها علي خدها بإحباط و قالت:طب وبعدين..هقضي بقية عمري في الجزيرة كدهون..بين السناجب و القرود!
خطرت بباله فكره فجأه فقال متمتماً: إشارةالإستغاثه .. ثم قال: قومي بسرعه يا فرحه.
_علي فين يا أحمد أفندي؟!
=لازم نجمع حطب كتير و نقسمه علي 3 كومات و نرصهم علي شكل مثلث..دي إشارة إستغاثه ممكن الطيارات تشوفها لو بالقرب مننا..بسرعه يا فرحه.
ركضت "فرحه"بحماس شديد تجمع ما تستطيع جمعه من الحطب و فعل هو المثل حتي فرغا بعد ساعه.
قسّم"أحمد"الحطب لـثلاث مجموعات و وضعهم علي هيئة مثلث و جلس ينتظر برفقة"فرحه" مرور أي طيارة.
حدث ما تمنونه و إستمعا إلي صوت مروحية تلوح في الأفق فوقفا يصرخان و إرتفع صوتهما بطلب النجده مشيرين إلي أنهما هنا ما زالا حيان يرزقان ولكن ثبطتت محاولاتهما عندما إختفت الطيارة و عاد الجو ساكناً كما كان.
لأول مره يشعر هو بالعجز الشديد و لأول مره تشعر هي بأن النهايه تقترب.
ألقت بجسدها إلي الأرض و إنفجرت باكيه فجأةً فنظر لها و شيء ما قد أصاب قلبه لرؤيتها تبكي هكذا فجلس بجوارها و ربت علي ظهرها محاولاً مواساتها فقال:متعيطيش يا فرحه..إن شاء الله هترجعي لأهلك بالسلامه.
قالت بنشيج:إمتا يا أحمد أفندي؟!بقالنا أسبوعين و محدش لاحظ إننا موجودين هنا..إذا كانت الطيارات و السفن وهي جمبنا ملقوناش..أومال لما يمشوا هيحصل إيه؟!
_متفقديش الأمل يا فرحه و سيبيها لله..ثم قال ممازحاً:وبعدين يعني هتعوزي أيه أكتر من كده..ماء و خضرة و وجه حسِن.
قال الأخيرة مشيراً إلي نفسه فضحكت بخفه فأكمل:
ولا خطيبك وحشك و مبقيتيش قادرة علي بعده؟!
سألها فأجابت:وحشني؟!و يوحشني ليه؟!
أجابت بجديه فضيق بين حاجبيه متعجباً و قال:
يعني إيه يوحشك ليه؟!مش المفروض أي إتنين بيحبوا بعض لما بيبعدوا عن بعض بيشتاقوا لبعض؟!ولا إنتي مش بتحبيه من الأساس؟
أطلقت لسانها و قالت:لا بحبه..و أنا هكرهه ليه؟!
تعجب لمنطقها و قال:لا تفرق يا فرحه..بين إنك مش بتكرهيه و بين إنك بتحبيه!
_تفرق في إيه..ما هو نفس المعني.
=لا يا فرحه مش نفس المعني..إنك تكوني بتحبيه ده يعني إنك بتشتاقيله،بتهتمي لأمره،بتتمنيه زوج ليكي و أب لأولادك،،بتتمني يشاركك حياتك بكل تفاصيلها
..ده الحب يا فرحه..لكن مش بتكرهيه دي كلمه مايعه متعرفيش تفسريها..يعني إنسان عادي في حياتك لا بتحبيه ولا بتكرهيه..وجوده زي عدمه..مش فارقلك من الآخر.
وكأن كلماتها لمست وترً حساس بداخلها فقالت:يمكن كلامك صح..بس بردو أنا عمري ما فكرت بالطريقه دهين..أنا عمري أصلاً ما فكرت في رجب..يعني هو بالنسبة لي إبن عمي اللي متعوده عليه من صغري و حافظه شكله و كلامه و تصرفاته و طباعه..بس.
ثم أكملت بحيرة:بس عمري ما فكرت فيه إنه هيبقي جوزي و أبو عيالي و الكلام اللي بتقوله ده..و متهيألي هو كمان مفكرش فيا كده خالص..مش عارفه.
_يعني عمره ما قاللك مثلاً..و صمت قليلاً يفكر ثم أردف: أنا بحبك يا فرحه!
إرتعدت أوصالها و إرتبكت..لأول مره تختبر ذلك الشعور..لأول مرة تستمع إلي تلك الكلمات.
أشاح بيديه أمام وجهها للفت إنتباهها و قال:هييييي
روحتي فين؟!
_هاا..لا معلش سرحت شويه!
=سرحتي في إيه؟!
ثم أكمل بإبتسامه متلاعبه:يبقا أكيد قالها.
_هي إيه دي؟!
=أكيد قاللك بحبك يا فرحه!
قالت بمزاح ساخر:هه..لا والله يا أحمد أفندي أنا أول مره أسمع الكلمه دي منك دلوقتي.
_معقوله!..أومال لما بتقعدوا مع بعض بتقولوا إيه؟!
=لا ما احنا مبنقعدش سوا..و لو قعدنا سوا بنتخانق!
_أومال هتتجوزوا إزاي؟!
قالها مستنكراً فقالت:في إيه يا أحمد أفندي إحنا هنقضي النهار كله نتكلم عن رجب..زمانه مات شرقان.
شعر بأن شيياً ما قد أصابها بالضيق فغيّر مجري الحديث قائلاً:طيب قومي يلا نشوف هنتغدي إيه؟!
قالت ممازحه ساخرة:إيه رأيك لو أعزمك علي أكله جديده؟!
_يسلاااام..يبقا كتر خيرك..ها هتأكليني إيه؟!
=هأكلك سمك.
أطلق صفيراً بإعجاب و قال:سمك..ياااه من زمان مكلتش سمك..بجد مش عارف أشكرك إزاي.
=لا خد التقيله بقاا.
ضحك و قال:هاااا؟!
_سمك مشوي كمان.
=يا وعدي يا وعدي..بجد إنتي عظيمه..عايز أقوللك إني مكلتش سمك مشوي ييجي من 7ساعات كده.
أطلقت ضحكه رنانه إنشرح لها قلبه فظل ينظر لها بإبتسامه ثم تركها و سار ناحية المياه الضحلي.
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
أمام مطار القاهرة الدولي.
ينتظر كلاً من أهالي الغرقي ذويهم بين بكاء و عويل و قلق و دعاء.
تقف عائلة "فرحه"تدعو من كل قلبها بأن تعود سالمه و كذلك جميع العائلات التي تنتظر أي خبر.
تقدم منهم أحد المختصين بالبحث و قال بأسف:للأسف بعد بحث إستمر أسبوعين مقدرناش ننقذ أي حد من اللي كان علي الطياره حتي طاقم الطيارة..
ثم أكمل بعملية شديدة قائلاً:في جثث تم إنتشالها كامله و في أشلاء و في جثث مقدرناش نوصل لها، أقرب تقدير إنها إتحللت..إحنا أسفين جداً..البقاء لله.
تقدّم والد فرحه بوهن و حدثه قائلاً:عايز أستلم جثة بتي عشان أدفنها..ثم إنفجر باكياً.
ربت الرجل علي كتفه بأسف و قال:للأسف يا حج الجثث اللي تم انتشالها مفيش فيها سيدات..شد حيلك.
هوي والد فرحه أرضاً و إرتفع صوت نحيبه و عويله و أخذ يردد:إن لله و إن إليه راجعون..اللهم أجرني في مصيبتي.
علي الجانب الآخر..وثبت"رضوي"ناحية رئيس فريق البحث و سألته باكية بخوف و قالت بتلعثم:أحمد إدريس..أخويا أحمد إدريس..هو طويل و عريض كده..أخويا..علي الأقل أستلم جثته!
فتح ملف بيده يحتوي علي أسماء الضحايا و قال:للأسف..الجثث اللي تم التعرف علي هويتها مش موجود فيها الإسم ده..البقاء لله..عن إذنكوا.
توقفت حواسها و أظلم الكون من حولها..سارت إلي الخارج برفقة خالتها بعدم إستيعاب..كانت تنظر أمامها نظرات فارغه..لا تبكي..لا تنطق..لا تصرخ.
إصطدمت بصاحب الطول الفارع الذي لم يكن يري أمامه من كثرة البكاء..نظرت له فتمتم معتذراً فسقطت تحت قدميه مغشياً عليها.
- تابع الفصل التالي عبر الرابط: "رواية غريق على البر" اضغط على أسم الرواية