رواية ارتواء الروح الفصل الاول 1 بقلم سارة فتحي
رواية ارتواء الروح الفصل الاول
***
هناك صدمات بالحياة تفقدنا روحنا
وهناك صدمات اكثر قسوة تعيدها إلينا
لكنها تسبب تشقق الروح وجفافها
فإرتواء الروح ثانيةٍ يحتاج إلى قلوب صافية
فالقلوب تروى بالقلوب
******
اشرقت شمس الصباح تعلن عن يومٍ جديد
فكل يوم تشرق شمسان شمس الصباح وشمس
بداخلنا، لكن روحها لم يصل إليها نور حتى يكسر عتمتها
وقفت بجانب محطة القطار تنظر حولها
بنظرات خاوية باهتة تضم حقيبتها إلى صدرها
كأنها حصنها من العالم
سقطت دمعة حارقة من عيناها مسحتها بطرف اناملها سريعًا، تشعر بالضياع
فهى أول مرة لها فى القاهرة تلك المدينة الواسعة التى لا تعرف بها احد
فبعد وفاة والدها وتخلى خالتها عنها لم يتبقى لها أحد سوى ميراث واحدًا فقط وهو لقبها " نذير الشؤم " وجفاء اهل القرية و تحاشى التعامل معها
لا تدرى أن كانت فعلت الصواب أم الخطأ ؟!
لكنها كانت تريد تجنب الناس شرها كما يقولون
كم تشعر بالألم والقهر من قسوة الحياة
بينما هى شاردة حاول احد الشباب الاقتراب منها قائلًا وهو يغمز بعيناه :
- الجميل شكله مش من هنا احنا فى الخدمة
دق ناقوس الخطر بداخلها فهرولت دون أن تنبث بكلمةٍ واحدة حتى توارت فى احد الشوراع الجانيبه إلى ان
باتت فى مأمن ثم جلست على حجر كبير صدرها يعلو ويهبط ودموعها تتساقط برعب، ثوانٍ و اقترب منها فتى أخر متسائلًا :
- مالك يا أنسه ؟! بتعيطى ليه ؟!
عمل عقلها بكل طاقته فى محاولة لثبات الزائف ، هتفت بارتجاف وهى تضم حقيبتها إلى صدرها :
- وانت مالك انت كمان ؟!
مالكش دعوه، امشى من هنا
توسعت عيناه بذهول من اسلوبها الفظ هو فقط اراد مساعدتها حك مؤخرة رأسه قائلًا بحرج :
- انتى بس زى اختى وشوفتك بتعيطى قولت اساعدك
على العموم حقك عليا
مرت دقائق من الصمت لم تجيبه، استدار ينوى
المغادرة فسمع صوت همسها :
- عايزه مكان اسكن فيه حتى لو أوضه واحده
ممكن تساعدنى ؟!
استدار ثانيةٍ والقى نظرة عليها، كانت ترتجف
أومأ لها بهدوء قائلًا :
- تعالى طيب ورايا .. هوديكى عند ناس كويسين
نهضت وتابعت السير خلفه بداخلها شعوران متناقضان الخوف الفطرى والأخر اللامبالاة لا تخشى شئ
ولِمَ تخشى شئٍ ؟!
فهى من يخشاها الناس ويبتعدوا عنها
فحتمًا لو كان ذلك الفتى من قريتها لفر هاربًا
بعيدًا فجأة وجدت نفسها تقف فى حى شعبى
خلف احد الرجال يقوم بتصليح السيارة،
فتحمحم ذلك الفتى ليعلن عن قدومه
تنهد ذلك الرجل متسائلًا بعصيبة :
- البيه اتاخر ليه النهارده كمان ...
امير مخصوم منك يومين عشان مأكد عليك متتاخرش امبارح وقايلك ان ورانا شغل كتير
تلقى أمير التوبيخ وهو صامت، اما هو التقط من جانبه قطعة من القماش يمسح بها آثار الشحم وزيت السيارات
ثم استدار له فوقع بصره عليها الانبهار فقط ما يوصف حالته
هى أنثى فائقة الجمال بفستانها الكحلى وحجابها الأبيض وعيناها الرماديتن
لكنها تقف كامنه كالموتى تنظر ارضًا إلى موضع قدميها ، منكمشة على نفسها بخوف
عقد حاجبيه ينظر لها بتفحص ثم دنى إلى امير يسأله عنها :
مين ديه ؟!
فاجابه امير وهو يطالعها :
- لقيتها قريبه من المحطة وبتعيط ، ولما سألتها
قالت عايزه مكان تسكن فيه، فجبتها هنا نشوف مكان بدل ما حد يتعرض لها شكلها غلبانه
هز رأسه ايجابًا ثم اقترب منها يكسر حاجز صمتها يسألها عن هويتها :
- انتى مين ؟! وفين اهلك ؟! وايه حكايتك ؟!
هى لا شئ ، كيف تخبره بذلك ، هى اكبر خطاياها
واعظم ذنوبها انها نذير الشؤم على من حولها
همست بصوت مرتجف :
- ونس اسمى ونس ونزلت القاهرة ادور على شغل
ماليش حد اهلى متوفيين
لا يعلم لماذا بداخله يشعر بالغضب لأنها لم تنظر
إليه وهى تجيبه شعر بتجاهلها له فسألها ثانية :
- مالكيش قرايب هنا ؟!
يعنى أى حد تروحى ليه
هزت رأسها بنفى ومازالت تتحاشى النظر إليه
اقترب هو من امير :
- امير كمل انت على ما اطلعها للحاجه فوق
العربية ديه خلاص كده وشوف اللى بعدها
اسرع امير ينزع سترته ليباشر عمله وهو يهتف بحماس :
- تمام يا زعامة متقلقش
نظرة تائهة ومشتتة تملأها الحيرة ، قلبها يرتجف بقوة
لكنها تطمئن نفسها فربما غدًا يحمل لها الأفضل
سارت خلفه بخطوات مثقلة ، دلف إلى البناية وهى
خلفه تغمض عيناها تحارب ذكريات ماضيها الذى
يؤسرها بداخله صعدت درجات السلم وقفت
بعيدة عدة درجات حتى طالعت وجه امراة
فى اواخر العقد الخامس لكنها لم تلاحظها
كانت تهمس بحنو :
- أنس ايه ياحبيبى .. طلعت ليه بسرعة كده
فى حاجه ؟!
تنحى جانبًا حتى ترمق من تقف خلفه على درجات السلم
قطبت حاجبيها وهى تنظر له بتسأل :
- انت معاك ضيوف ولا أيه ؟!
مين ديه يا واد ؟!
يا مصبيتى لتكون واحده ضحكت عليها..واتجوزتها عرفى وهربتوا من اهلها انطق يا ولا كنت حاسه والله
رفعت بصرها للأعلى سريعًا ، تهز رأسها تنفى تلك التهمة عنها ، بينما هو جز على اسنانه فوالدته حتمًا ستصيبه بجلطه اردف بنبرة مشتعلة:
- فى أيه يا نبع الحنان هو انتِ عمرك ما تسترى ابدًا
المسلسلات كلت عقلك .. دي ضيفه استهدى بالله
ودخلينا كده
رفعت عيناها إليه هاتفه بصدق وهى تفسح لهم الطريق بارتباك من تلك الصامته. فقط عيناها هى التى تتحرك
وتقبض بيدها على طرف فستانها :
- لأ ازاى اتفضل يابنى تعالوا ادخلوا .. طالما ضيفة تنور
تحركت الحاجه نوال خلفهم بعد أن اغلقت الباب
ثم جلست على الأريكة وبيدها مسبحتها التى لا
تفارقها ، تلتزم الصمت تنظر لهم بعيناها وقلبها ينبض خوفًا تنتظر تفسير ابنها للموقف،
اما هو استنشق الهواء من حوله ثم تحدث قائلًا :
- الاستاذه امير قابلها عند المحطة وكانت عايزه
سكن لأنها سابت بلدهم وجايه تشتغل هنا ، فكنت بقول لو الاوضتين الفوق ممكن ينفعوها
رمقتها بنظرة سريعة ثم اشارت لها بالجلوس بجوارها
فجلست ونس منكمشة على نفسها بقلق ، وتوتر ، وخوف
تحدثت الحاجة نوال بنبرة أم حانية :
- فهمينى انتِ يا حبيبتى ايه الحكاية ..
وانتى مالكيش حد هنا .. وسبتى بلدك ليه ؟!
بس بصراحة انا مبحبش الكدب، خليكى
صريحة واعتبرينى زي مامتك عشان اعرف
اساعدك
ستعترف بكل شئ دفعة واحدة فحتما سيعرفونه
انها سبب البلاء، ستخبرهم وتترك لهم الاختيار
همست ونس بنبرة قاربت البكاء :
- انا .. انا مشيت من البلد هربانه من الناس
بيخافوا منى وبيقولوا عليا وشى وحش عليهم
بابا اتوفى مبقاش ليا حد
سبت البلد ونزلت القاهره بعدت عنهم، وريحتهم منى
وانا استريحت من نظرتهم ليا تعبت اوى من إني ابقى منبوذة كده
ثم اكملت بجملة اخيره وعيناها تفيض بالدمع :
- وطبعًا حضرتك ليكى حرية الاختيار تقبلى بيا اسكن هنا ولا لأ
لاحظت رجفة جسدها فربتت على كتفها بحنو :
- وحدى الله يا بنتى دي نفوس مريضة ، قل
لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، وانا حبيتك
من غير حتى ما تأكد من كلامك ،
فيه فوق اوضتين ممكن تقعدى فيهم بس هو انتِ مش معاكى عفشك صح
كان يتابع حديثها
باندهاش و استنكار كيف تكون كتلة البراءة هذه كما يدعون ، كانت تسرد
قصتها وملامحها تفيض بالألم لا يعلم ماهو الشعور الذى يداهمه لكنه يغزو صدره شعور غريب فأسرع يجيب
والدته :
- طب ممكن تقعد هي فى شقتى
نهضت مسرعه تهز رأسها تهمس بصوت حانق :
- لا شقة مين اللى اقعد فيها ، انا ممكن اسكن فى الاوضتين عادى من غير عفش لو مفيش
مشكله عند حضرتك
جذبت نوال يديها لتجلسها ثانيةٍ بجوارها :
- تفتكرى واحده فى سنى ترضى بحاجه غلط
ديه شقه مفروشه ومقفوله ، وأنس ابنى قاعد معايا هنا
على ما يتجوز ويريحنى يارب ، ويرزقك انتى كمان
يا بنتى
ارتسم الارتياح على ملامحها الشاحبه ثم اجابتها بضعف شديد. :
- انا مطلقة اصلًا
ثوانٍ من الصمت حلت بينهم، اما هو وقف مستعجبًا هل هناك رجلًا لديه ذرة عقل يفرط بإمرأة مثلها ظل مثبت نظره عليها فعيناها تعكسان حملًا ثقيلًا يود أن يعلم كل شئ عنها
رفعت نظرها فالتقت عيناها بعيناه الداكنتين،ملامح وجهه الوسيم ،عضلات ذراعه القويتين وذقنه الناميه
اجفلت حينما شعرت بنظراته تحاصرها
فأطرقت رأسها ارضًا وشردت فى ذكرى كلمات تتردد فى اذنها كطعنات الخناجر اصابت روحها :
- بقولك ايه ياحبيبى طلقها واسمع كلام امك ديه
نحس و اوعى تقولى لأ كفايه دخلتها علينا طلقهاا
- انتى طااااااالق
يتبع الفصل التالي :اضغط هنا