رواية أتحداك أنا الفصل التاسع بقلم أميرة مدحت
رواية أتحداك أنا الفصل التاسع
عندما يدفعوك الناس إلى أن تكون شخص آخر، هنـا تكون أصعب معركة في حيـاة الإنسان.
تلوت بإنفعالٍ أشد وهي تشعر بالخطر حولهـا، تشكل أمام عينهـا مصيرًا مؤسفًا سيلحق بهـا، بعنف شديد ضربت بمرفقهـا لتصيب جوف معدتـه، فـ صاح متألمًا وهو يدفعهـا بعيدًا عنه:
-آآه، بقى كدا؟!.. إنتي إللي جبتيـه لنفسك.
تصلبت ساقيهـا بمحلهـا وهي تنظر له بعيون واسعة هاتفـة بصدمة:
-أعقل يا مراد، أنت مش فاهم حاجـة.
ضغط على زر الإضاءة، ليراهـا تناظره بعينين جامدتين.. مصدومتين، في حين نظراته الحانقة ملأت حدقتيه وتشعب غضبه في عروقه فأستقام في وقفته مشدودًا متأهبًا للتشابك معها إن تفوهت بكلمة قد تنزع فتيل غضبه، تقدم منها وهو يقول بصوتٍ خطير:
-لوهلة صدقتك، وقولت إنك مانعة حد يلمسك، لكن تبقي بالرخص ده، فأنا لا يمكن أقبل بده أبدًا.
طالعته «لينا» بنظرات صارمة قبل أن تسأله بتشنج:
-وإنت مالك أنت؟!.. مين أنت عشان تحاسبني، إنت ملكش حكم عليا، أعرف حدودك كويس، إنت عارف إن محدش يقدر يقرب مني ولا يأذيني.
صاح بها صارخًا بانفعال وقد استشاطت نظراته وبرزت عروقه الملتهبة:
-وإنتي فاكرة إني هسيبك كدا؟؟.. إنتي طلعتيلي منين؟؟.. من ساعة ما عرفتك وحاجات كتير أتغيرت، أنا مش هسيبك إلا لما أخد إللي أنا عايزه.
ردت بهدوءٍ مستفز يشعل الأجساد حنقًا:
-وإيه إللي إنت عايزهُ؟!.. إنت عارف إني مش بخـاف.
صاح «مراد» بها بتهكم:
-لا يا روحي أطمني، المرة دي هتخافي.
تقدم نحوها بخطوات سريعة كالفهد، فـ بلعت ريقها بصعوبة لتبدأ تستعد بوضعية الهجوم وهي تقول:
-مراد، أعقل يا مراد.
لم يجيبهـا، بل وقبل أن يقبض على ذراعهـا، أمسكت يده بقبضتهـا القوية، لتبدأ معركة بينهمـا، في البداية بدأت تنتصر عليه حينما سددت له الكثير من اللكمات وهي تقول بصوت غاضب مكتوم:
-خلينا نوقف المهزلة دي، ونتكلم يا مراد.
دفع جسدهـا بقوة لينقلب الوضع، ويبدأ هو يكيل لهـا اللكمات وهو يصرخ بغضبـــه الجامح:
-المرة دي مسبتليش إختيار يا لينا.
وكأنهم كانا في معركة من الملاكمـة، حاولت الإنتصار عليه، لكن قوة بنيتـه وعضلاتــه البارزة بوضوح جعلتهـا في النهاية تشعر أنها ستهزم أمامه، شعرت أنها ستصيب بالجنون، لذلك صرخت فيــــه بعصبية وهي تبتعد عنــه بخطواتٍ سريعة:
-حتى لو هزمتني يا مراد، مش هتلمس مني شعرة، حتى لو هموت فيهـا، أنا محدش يلوي دراعي أبدًا مهما كان مين.
تجمدت نظراته على وجههـا، وقف «مراد» قبالتها ليطالعها بنظرات قوية حادة مليئة بالهيبة المخيفة، زفر معقبًا ببطءٍ ومتعمدًا الضغط على كل كلمة يتلفظ بها:
-تمام، إسمعي يا بنت الصاوي، أنا مكنش هقربلك من البداية، لكن حبيت أثبتلك أن جبروتك ده حتى أنا أقدر أقفله، وبعدين واحدة زيك لا يمكن حتى أبص في وشهـا من النهاردة.
ضغط على جرحهـا الغائر بقوةٍ، فـ أستقامت واقفة محاولة أن تظل ثابتة وتخبئ الآلآمهـا لذاتهـا، إبتسمت بهدوء قبل أن تتمتم:
-تمام يا مراد، حقك، بس ياريت من النهاردة ملكش دعوة بيا، ياريت يعني.
برزت أسنان «مراد» من خلف ابتسامته المتغطرسة وهو يؤكد لها بثقة تامة:
-أطمني يا.. يا لينــا.
ظلت واقفة في مكانهـا كالصنم حتى أولى لها ظهره ثم خرج من الغرفـة صافعًا بابهــا بقوة، أنتفض قلبهــا ألمًا، فوضعت يدها على صدرها مكانه وهي تحاول أن لا تبكي، أغمضت عينيهـــا بقوةٍ تكاد أن تعتصرهمـا، شعرت أنها ستموت إن لم تصرخ، لذلك قبضت على وسادتهــا ثم خبأت وجههـا بهــــا تصرخ بقوة جبـارة، صرخت وصرخت حتى وجدت نفسهـا تنفجر في بكاءً حارًا.
لم تشعر بدخول «آريان» الغرفة بعدما طرق على الباب أكثر من مرة، وهو يقف في الخارج يستمع إلى صوت بكائهــا، دنى منهــا يقبض على وسادتها ليلقيهــا بعيدًا وهو يقول بصدمة:
-إيه يا لينا، إيه إللي إنتي عملاه في نفسك ده؟!.. مالك؟!..
رفعت عينيهـا الحمراوتين دون أن تنطق، جلس على ركبتيه أمامهـا وهو يسألها بإهتمام:
-مراد عملك حاجة؟!.. أنا لسه شايفه خارج من أوضتك؟؟..
صمت طويل دام وهي تمسح دموعهـا بظهر يدهـا قبل أن تقول أخيرًا بصوتٍ ميت:
-أنا شكلي حبيت مراد يا آريان.
أتسعت عينـاه وهو يهب واقفًا هادرًا فيهـا بصدمة:
-إيـــه؟!.. إنتي أتجننتي؟!..
نظرت له «لينا» وهي تبلع ريقهـا بتعب ثم قالت:
-أنا مش متأكدة من مشاعري يا آريان، بس أنا حاسة إني هضيع على إيديه هو، يمكن حسيت بمشاعري دي لما عرفت أنه ظابط.
مسح على شعره بقوة قبل أن يهدر بحنق:
-ولو بردو، إنتي ليه بتعملي في نفسك كدا؟!.. إنتي بتضيعي نفسك؟!.. بتقربي دايمًا الخطر ليكي ليـــه؟!..
أخفضت «لينا» رأسها وهي تقول بصوت بارد:
-كدا كدا أنا ميتة يا آريان، إنت لسه فاكر؟!..
*****
نصف ساعة، وكان الجميع اجتمع في الأسفل، دخلت الخادمـة وهي تحمل صينية كبيرة بها المشروبات، ناولت كل فرد مشروبه الخاص، ثم غادرت من المكان بكل هدوء، أعتدل «روكان» في جلستــه وهو يضع ساقه فوق الأخرى، ثم رفع رأسه ليخاطبهم بهدوءٍ رزين:
-أنا دلوقتي قدامي أكفئ تلاتة هيقوموا بالمهمة دي، والمهمة دي لازم تنجح، لأنها هتعوض الخسارة إللي خسرناها في الشحنة إللي فاتت، ده غير هيحصل نقلة كبيرة لو تم الموضوع زي ما أنا ما خطط.
أومئ كل منهم رأسـه، ليتابــع بصوتٍ جاد:
-الشحنة كبيرة، شحنة فيهـا مخدرات وأدوية منتهية الصلاحية، كلهـا هتدخل مصر، بس مش عن طريق شركة مراد بس، لأ في شركة تانية «لينـا» تعرف صاحبهـا كويس، هي اللي هتتعامل معاه.
تسائلت «لينا» وهي ترفع حاجبهـا للأعلى:
-وليه مش من عند شركة مراد بس.
تنهد «روكان» ليجيبهـا بتركيز:
-لأن أنا عايز للشحنة دي بذات مساحة كبيرة من الحماية، فـ هتتقسم عليكم أنتوا الأتنين، وإنتي يا لينا هتابعي مع آريان.
سكت لحظةٍ قبل أن يقول بصوتٍ قوي:
-إحنا في مركب واحدة، الخيانة من فرد واحد هتغرق المركب بكل إللي فيهـا، عاوزكم تستعدوا العملية بعد أسبوع من دلوقتـي.
*****
دخلت «لينا» غرفتهــا ثم أغلقت الباب بالمفتاح مؤقتًا ريثما تنتهي من مهمتهـا، تحركت نحو الفراش لتخرج هاتفهـا من تحت وسادتهـا، عبثت فيه قليلًا ثم وضعته على أذنها تنتظر الرد، ما أن فتح الخط حتى قالت بجدية:
-أيوة يا فندم، العملية هتم بعد أسبوع، هتدخل عن طريق شركة «مراد الحسيني»، وشركة تانية صاحبهـا أسمه «عماد الجازوي».
أغمضت عينيهـا للحظاتٍ وهي تقول:
-أنا حياتي في خطر هنا، لازم يوم العملية يحصل التنفيذ بإني أخرج من هنا.
أتاها صوت الطرف الثاني قائلًا:
-أطمني يا لينا، أنتي في أمان هناك، في عيون كتير حواليكي، وخلاص المهمة قربت تنتهي.
صمتت قليلًا قبل أن تقول بصوتٍ مرتجف:
-تمام.
*****
بعد مرور عدة أيام، وقبل العملية بيومٍ واحد فقط، قررت «لينا» أن تتحدث مع «مراد»، يجب أن تتحدث معه حتى لو أعلمتـه الحقائق، صعدت على الدرج ولكن توقفت في المنتصف، حينما وجدته يهبط وهو يضع يديه بداخل جيوب بنطاله، محاولاً أن لا يلقي النظرة عليهـا، أوقفتـه «لينا» قبل أن يمر من جانبهـا هاتفة بصوتٍ قوي رغم الإرتجافة البسيطة التي تشعر بها:
-مراد، إستنى، لازم نتكلم.
رمقهـا بنظرة مظلمة وهو يقول بصوته العميق:
-معدش في كلام تاني، أنا قرفان أبص في وشك، وشوش إللي بتمثل دي بكرها، وإنتي تستاهلي جايزة أوسكار فتمثيلك.
وقبل أن يتحرك قبضت على ذراعه وهي تقول بحنق:
-مش هتمشي يا مراد إلا لما نتكلم.
هدر بها بغضب وهو ينفض يده بعيدًا عنها قائلًا:
-وأنا مش عاوز أكلمك، هو بالعافية.
وقبل أن يتركهـا هتفت بإسمه وهي تحاول أن تسبق خطواته السريعة من على الدرج ولكن ألتوت قدمهـا لتشهق حينما وقعت فوق درجات الدرج، ولكن حاولت التمسك بسور الدرج كي لا تقع وقعة عنيفة، أرتمت على أقرب درجة عريضة تسمع صوت صراخ «مراد» الفزع بإسمهـا.
أصابهــا الدوار وهي تتأوه بألم، شعرت به يمرر ذراعيه على جسدها يحملهــا بخوف، تحرك بهــا نحو الأريكة يمدد جسدهـا عليهـا، جلس على ركبتيـه أمامهـا وهو يسألها بقلق:
-لينا، أنتي سمعاني، لينا مركزة مع صوتي؟!..
فتحت جفنيهـا بوهن دون أن تتكلم، ليتابع وهو يصيح بقلق:
-حاسة بوجع فين؟؟.. لينا أنطقي متفضليش ساكتة كدا.
-إنت إللي واجعني يا مراد.
صمت «مراد» دون أن يتحدث، حاولت أن تعتدل في جلستهـا وهي تضيف بتعب:
-إنت متعرفش حاجة عني، بتعاملني كأنك تعرف عني كل حاجة، لكن الحقيقة لأ.
تنهد «مراد» بحرارة وهو يقول بسخرية ألم:
-لو كنا أتقابلنا في ظروف تانية، كنت خدتك وأتجوزتك، كنت قدرت أعترفلك بحبي ليكي، بس بعد إللي حصل فهمت إني لا يمكن أفضل أحبك مهما حصل.
رفعت حاجبيهـا للأعلى وهي تسأله بتهكم:
-إيه يا مراد، مش المفروض إن طريقنـا واحد؟!..
لم يهتز بل أتسعت إبتسامتــه وهو يقول بغموض:
-بكرا هتعرفي كل حاجة.
-وإنت كمان بكرا يا مراد هتعرف عني كل حاجة، قبل العملية هنتكلم، هقولك أنا مين، ومش هندم أبدًا إني هقولك أنا مين.
هب واقفًا وهو يقول بجمودٍ:
-إللي بينا أنتهى يا لينا.
ثم غادر من المكان بأكملــه تاركًا إياها في حالة من الألم، مسحت على وجهها بتعب وهي تتأوه بوهنٍ، من المؤكد سقوطها سبب لهـا بعض من الكدمات، دخل «آريان» القصر ليجدهـا جالسة، فتحرك نحوها وهو يسألها بإهتمام:
-جاهزة لعملية بكرا يا لينا؟!..
أومأت برأسهـا إيجابيًا وهي تقول:
-أيوة يا آريان، وهقول لمراد على كل حاجة.
عقد ما بين حاجبيه وهو يسألهـا بريبة:
-قصدك إيه؟!.. هقوليله إنك آآ..
قاطعتـــه بإشارة من يدهـا وبصوتها القوي العميق:
-أيوة يا آريان، هقوله إني مش وحشة، هقوله إني صحيح بنت أكبر تاجر مخدرات، لكن أشتغلت مع البوليس لما هربت من هنا ونزلت على مصر.
يتبع الفصل العاشر اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية أتحداك أنا" اضغط على اسم الرواية