رواية و قبل أن تبصر عيناكِ الفصل الحادي عشر بقلم مريم محمد غريب
رواية و قبل أن تبصر عيناكِ الفصل الحادي عشر
كان مجرد ولدًا صغيرًا، لكنه ذو حساسية مرهفة، و مشاعرٌ دقيقة خوّلته إدراك ما يحدث من حوله، ببساطةٍ كان فطنًا و ذكيًا كما عرف عنه.. و ذلك الفتور بين والديه... بل الاجواء المكهربة بينهما كان يستشعرها جيدًا
لكنه عاجزٌ
لا يدري كيف يصلح ما فسد فجأة بحياتهم، لا يدري كيف يداوي حزن أمه، و لا يجرؤ على إتهام أبيه !!!
ذكريات جميلة عاشها في طفولته و سنواته القليلة الفائتة، لكن الأليمة و الأخيرة كانت الأشد و طأة عليه، تؤرقه و تثقل فؤاده حزنًا و ندمًا
حزنًا عليها.. و ندمًا على أنه لم يصغي إليها عندما سألته الرحيل معها... لكنه يعلم بأنه لو كان فعلها لكانت النتائج وخيمة و لكانت عادت ثانيةً إلى جحيمٍ أكثر عذابًا
ريما هذا عزاؤه الوحيد، لا يستطيع أن يلوم نفسه كثيرًا عندما يفكر بالأمر، أجل، هو ليس مخطئًا مئة بالمئة ...
شقة زوجة أبيه تلك، سلبها إياها منذ حلّت زوجته الثانية بالمنزل.. أو ليس هكذا بالضبط... كان النظام كالآتي
أن تبيت "هانم" و أولادها الليل بالأسفل في شقة جدته السيدة "دلال".. إلى أن يبزغ الصباح، فتصعد مجددًا ليبدأ عملها، فتحضر الفطور و تغسل الثياب و تنظف المكان
تفعل كل هذا، بينما إبنة الباشا تجلس وراء باب غرفتها، لا تخرج و لا حتى تلمح طيفها
لعل هذا يفسر حجم الحقد و الكراهية التي تكنّنها السيدة "هانم" للأم و الإبن معًا، و لكن و إن يكن.. "رزق" لا يآبه، لم يكن يهتم سوى لأمر أمه، أمه التي بالرغم من كل هذا الحسد عليها و البغضاء، أبدًا لم تكن سعيدة منذ جاءت إلى هذا البيت ...
لا يستطيع أن ينسى، السيناريو نفسه الذي يتكرر يوميًا، كل ليلة قبل أن يخلد إلى النوم، يراها خلسة و هي تخرج من غرفتها باكية.. تذهب إلى دورة المياه و تغتسل، ثم تعود بعد أن أهدرت كل طاقتها على الحزن و الكآبة
حينها لم يكن يفقه ما كان يحدث لها، و ذات ليلةٍ قرر أن يتلصص ليطمئن على والدته، فمر من جوار غرفة النوم الكبيرة و تنصت بتوترٍ بينما قلبه الصغير يرفرف في صدره ...
صوت أبيه أولًا، يسمعه لأول مرة و هو يتحدث بهذه القسوة الفجائية لأمه :
-أنا سيبتك كل السنين دي على راحتك.. بس دلوقتي خلاص. بكفاية أوي !
ترد "كاميليا" بصوتٍ منفعل يشوبه بكاء :
-زمان كنت مترددة عشان حطيت مصلحة رزق و أولويته في حياتي يكون لوحده بس.. لكن دلوقتي أنا بقولهالك بثقة. أنا مش هاخلف منك يا سالم. و ده قرار نهائي !!
ينتفض "رزق" فجأة لدى سماعه صوت تحطمٍ مصمّ، يعقبه صياح أبيه مباشرةً :
-هانشوف كلمة مين إللي هاتمشي يا كاميليا. و حبوب منع الحمل دي. إبقي شوفي مين هايسمحلك تاخديها... تعالي هنا !!!
صراخ أمه الليلة كان أكثر حدة و ذعرًا من المعتاد، و كلماتها التي تلت ذلك جعلته يشحب و يبكي بصمتٍ في مكانه ...
-لأ يا سالم.. مش هايحصل. مش هاتعمل فيا كده.. مش و إنت كده.. مش بالطريقة دي أرجوووووك !!!
هلى الكرف الآخر يصك "رزق" أذنيه بكلتا يداه، لكن الصوت لا يزال يخترق مسامعه.. و من شدة ارتباكه يتصرف من فوره بتهورٍ، فيقفز ناحية الباب و يقرع بإلحاحٍ ...
-ماما.. ماما إنتي صاحية ! .. لا يعرف كيف خرج صوته طبيعيًا هكذا
و لكن صوت أمه الذي أتاه باللحظة التالية لم يكن مثله تمامًا :
-أيوة يا رزق.. عاوز حاجة حبيبي ؟!
كان صوتها يكنف نزعة نشيجٍ متقطع بيّد أنها حاولت اخفائها و لم تفلح ...
يرد عليها الصغير بلهجته المهذبة :
-أنا مش عندي نوم.. كنت عاوزك تنامي جمبي شوية لحد ما أنام لوحدي !
جاء جوابها متشنجًا و كأنه أنينٍ :
-حاضر يا حبيبي. إسبقني طيب.. أنا هقوم على مهلي و هاحصلك !
أومأ لها "رزق" و كأنها تراه
عاد إلى غرفته مسرعًا و استقر بمنتصف فراشه ضامًا ساقيه إلى صدره، في انتظار مجيئ أمه.. ظل يحصي الثوانِ و الدقائق على خفقات قلبه المتسارعة
حتى لمح ظل يقترب و سمع خطواته بوضوح، تنفس الصعداء و رفع نظراته متشوقًا لرؤية وجه والدته العزيزة الجميلة
لكن خاب أمله
فذاك الذي كان يقف أمامه الآن لم يكن سوى والده ...
-قوم يا رزق ! .. هتف "سالم" باقتضابٍ و هو يقف أمام فراش ولده عاري الجزع عابس المحيا
نظر "رزق" إليه ببلاهةٍ، ليأمره ثانيةً بحزمٍ أكبر :
-يلا روح نام مع أمك !!
لم يضيع "رزق" لحظة أخرى، و قفز من سريره في طرفة عينٍ، ثم هرع إلى أمه فورًا، دفع باب غرفتها و ولج عندها بأنفاسٍ لاهثة
كانت الاضاءة خافتة بالداخل
لكنه استطاع أن يراها و هي تستلقي فوق السرير الكبير على جانبها الأيمن حيث ظهرها فقط الذي يواجهه.. ثم ما لبث أن سمع صوتها الرقيق بمسحة حزنٍ :
-تعالى يا رزق.. تعالى !
كان مكان أبيه بالفراش خاليًا الآن
فأقبل بخطوات وئيدة، ثم صعد إلى جوار أمه و هو يلقي بنظراته الفضولية القلقة في وجهها، كانت تبكي و تبتسم في آنٍ، ليجدها بعد لحظة ترفع يدها تقبض على رسغه.. شدته صوبها حتى إستقر بين أحضانها وجهه يلامس بشرتها الناعمة و كرف قميصها الحريري
و على هذا النحو طيلة تلك الليلة، بقيت تحتضنه و تبكي، و بقى هو ساهرًا يستمع إلى أنينها، يتنفس عبقها و ينعم بالبقاء في حضنها الدافئ.. ملاذه الآمن على الإطلاق ...
°°°°°°°°°°
كان ينظر إلى شاهدة قبر جده
جده الباشا
في قرارٍ مجنون قد إتخذه كعادته منذ ساعتين، لم يشأ أن يعود إلى الحي مباشرةً و يلتقي بهؤلاء الناس، لم يكن في حالته الطبيعية و ارتأى أن يختفي عن الأنظار لبرهةٍ
لذا إنطلق بسيارته دون أن يخبر أحد و أغلق هاتفه، و ها هو الآن.. بمقابر عائلة "الباري"... أمام شاهدة القبر الضخمة التي يرقد تحتها جده لوالدته
كان يضم يديه أمامه، كما علّمه الأخير في صغره أن يقف أمامه مبديًا احترامًا و تبجيل، كان يرفع ذقنه و هو يتحدث إليه بينما عيناه تلتمعان بطبقة دموعٍ خفيفة :
-أنا عارف إنك غضبان مني.. ممكن كمان تكون ندمان على الوقت إللي ضيعته في تربيتي و تعليمي. عارف إنك شايفني.. زعلان مني.. مخاصمني. عارف إن سببك الأول هي... مقدرتش أحميها !
و فرت دمعة ساخنه من عينه على طول خده ...
أزالها بظاهر يده بسرعة و هو يكمل بصوتٍ أجش :
-بس أنا حاولت.. و الله حاولت. كنت لسا مش فاهم أي حاجة.. إنت وحشتني أوي يا جدو
توفيق يا باري.. كنت أتمنى أكمل العمر إللي فات ده جمبك. كنت أتمنى تكمل تربيتك ليا
أنا عارف إنك بردو كنت شايف فيا الإبن إللي ماخلفتوش. مش بس الحفيد.. أنا خيّبت أملك
آه بعترف.. ماليش عين أصلًا أجي لحد عندك دلوقتي و أقف كده و أكلمك عادي.. لو ماكنتش فعلًا محتاجلك. لو ماكنتش حاسس إن فاضل شعرة و أضيع خالص
صدقني ماكنتش جيت.. لكن أوعدك خلاص. مش هاجي هنا تاني بعد اللحظة دي.. مش هاحسسك بوجودي تاني و أنا في الحال ده
أنا بقيت قذر. و عارفك.. مابتحبش الناس القذرة. مش عارف هقدر أنضف تاني و لا لأ.. لو عرفت. ممكن أرجعلك
سلام يا جدو !
و لوّح له بكفه مودعًا
لم يجرؤ على لمس قبره، لكنه ألقى بباقة الزهور فوق السور الرخامي، ثم ولّى مدبرًا إلى الخارج
و إنطلق مرةّ أخرى بسيارته مغادرًا مدينة الاسكندرية.. عائدًا من جديد إلى مملكة أبيه الموحشة ...
____________
-ده آخر فنجان قهوة لحد شهر قدام. سامعة ياما ؟!
قال "سالم" هذه العبارة و هو يصب سائل القهوة السادة بفنجان والدته المفضل
كان يجلس في كرسي مقابل لها، و قد أطفأ شعلة الجاز الصغيرة أنتيكة الطراز، قدم الفنجان لأمه
بينما تقول الأخيرة بابتسامة خبيثة :
-علطول تقولي آخر فنجان بعدين أصعب عليك بالشويتين بتوعي ف تعملهولي بايديك ..
و ضحكت
ليقول "سالم" بجدية :
-المرة دي مش هاتصعبي عليا ياما.. إنتي أساسًا صحتك مش عجباني. و مابقتيش تاكلي كتير ليه ؟ إللي في البيت بيشكوا منك. قليل لما بترضي تاخدي الأكل إللي بينزلك
-ماتخافش على أمك يا سالم.. مش هاموت دلوقتي. لما أشوف عيال رزق و ليلة بإذن الله
-بعد الشر عليكي ياما ! .. و انحنى ليقبل يدها
ثم عاود النظر إليها قائلًا بصرامة :
-أنا أهم حاجة عندي ماتقصريش في حق نفسك. إنتي كده بتضايقيها عليا.. إن كان ليا عندك خاطر تهتمي بصحتك أكتر من كده و تتغذي كويس. بلاش عشان خاطري. عشان رزق.. إنتي عارفة هو بيعتبرك إيه
ابتسمت "دلال" بوداعةٍ و قالت :
-حاضر يا سالم.. إللي إنت عاوزه يمشي. بس خلينا فيك إنت دلوقتي. مش جعان ؟ عبير مرات أخوك طابخة إنهاردة فتة كوارع و عكاوي. الحاجات دي تقيلة عليا. بس إنت بتحبها.. إستنى أما أتصل بيها تنزل منابك !
-لأ ياما لأ ! .. استوقفها قبل أن تنبش بجوارها و تمسك بهاتفها المحمول
-أنا لسا متغدي برا.. مش قادر. عديت عليكي بس أخد رأيك في موضوع كده !
دلال باهتمامٍ : خير يابني !!
قص عليها "سالم" ما جرى ظهر اليوم _ باستثناء ما حدث بينه و بين زوجته "هانم" _ و ظل بانتظار ردها ...
-إنت طلبت رأيي ! .. قالتها "دلال" بجدية تامة
-بس هاتعمل بيه يا سالم ؟
سالم بثقة : إللي هاتقولي عليه ياما.. أنا ماعنديش شك في نصايحك
-طيب يا سالم.. أنا رأيي إنك تنفذ الكلام ده المرة دي !
-قصدك يعني أوافق على جواز مصطفى و بعد جمعة من إنهاردة ؟ إزاي ياما أجوز الصغير قبل الكبير.. إنتي عارفة لو مصطفى إتجوز الأول. رزق عمره هايتجوز و لا هايسمع كلمتي في الموضوع ده. إنتي عارفاه و عارفة دماغه الناشفة
-يابني إسمعني بس.. أنا ماقصدش كده بالظبط. إنت هاتجوز الاتنين سوا !
رمقها ببلاهةٍ بادئ الأمر، حتى فهم ما رمت إليه ...
-قصدك رزق و مصطفى.. في ليلة واحدة ؟!
ابتسمت "دلال" مكتفية بهذا ردًا، ليقول "سالم" بتفكيرٍ :
-هو حل كويس جدًا.. بس كده الواد مصطفى ممكن يفكر إنه مشى كلامه عليا !!
-ماتحسبهاش كده يا سالم. مش أحسن ما ولادك يكلوا في بعض ؟
بعد إللي حصل ليلة إمبارح. و قدام الخلق كلها.. فاكرين إن الاخوات خلاص بقوا اعداء. لازم تثبت للكل غير كده
لما يشوفوهم الاتنين بيتجوزوا في ليلة واحدة و واقفين في ضهر بعض. محدش هايقدر يظن فيهم الظن ده تاني. و من جهة تانية مصطفى ناره تبرد.. و مايفكؤش يعادي أخوه علني. قدامنا و قدام الناس. صدقني يا سالم.. عشان تقضي على الفتنة دي.. لازم تنفذ إللي قولتهولك بالحرف الواحد !
غضن "سالم" جبينه و هو يمعن التفكير بكلام أمه
كان رأيها صائبًا و لا شك
حتى جميع دفاعاته سقطت أمام منطقها السليم !
فليكن إذن، هذا القرار الذي فكر به مليًّا، صار يعتمده بدءً من الآن ...
_________
لم تمر دقيقة منذ أن فتح هاتفه
لتنهال عليه الرسائل و المكالمات من إبن عمه و صديقه الصدوق... "علي" !
في البداية تجاهل اتصالاته، و لكن مع الإلحاح الزائد، اضطر أن يرد عليه ...
-إيه يا علي زن زن زن في إيه ؟؟!!!
تلقّى "علي" هذا الانفجار الكبير و هو يرد عليه مذهولًا :
-إيه إنت يا حبيبي. مالك كده مشمّعلي الفتلة.. ده جزائي إني قلقان عليك من إمبارح
-و تقلق ليه يابا كنت خطيبتي مثلًا !!
-إيه يالا مالك في إيه. حد داسلك على طرف.. ما تهدا شوية
-عاوز إيه يا علي ؟!
-إنت فين طيب ؟
-مالكش دعوة. هاتقول عاوز إيه و لا أقفل !
-طيب خلاص براحتك.. أبوك قالب الدنيا عليك من إمبارح. طالبك حالًا
-في حاجة حصلت ؟
-لأ.. بس عايزك ماعرفش ليه
-تمام. أنا ربع ساعة و جاي.. سلام !
-سلام يا عم فاندام !
و أغلق معه ...
كان ميزان النهار قد مال نحو المغيب، عندما وصل "رزق" أخيرًا إلى"حي الجزارين".. كانت الأعين مصوّبة نحوه
لكنه تابع طريقه غير ملتفتًا
أوقف سيارته الفارهة أمام المنزل، ترجل منها مغلقًا إياها بكبسة زر، ثم إنطلق كالسهم تجاه البيت
صعد الدرج أربع فأربع وصولًا إلى طابق أبيه، أخرج سلسلة مفاتيحه و استخدم نسخته الاحتياطية لباب الشقة
عندما دخل عثر عليه بسهولة، حيث على بعد سبعة عشرة أمتار، كان "سالم" يجلس بالتراث يدخن النرجيلة كعادته
ما إن شعر بحضور إبنه حتى تركها و قام عائدًا إلى الداخل ...
-أهلًا بالسبع !
قالها "سالم" و قد عناها حقًا
كان يفيض فخرًا به ...
تقدم ناحيته و قال و هو يدعوه للجلوس :
-أقعد يا رزق.. أقعد عايز أقولك كلمتين
أذعن "رزق" لأمر والده و جلس في أريكة صغيرة بالصالون المفتوح ...
جلس "سالم" مقابله ملقيًا بالشال الصوف عن كتفيه، ثم قال و هو يشمله بنظرة فاحصة :
-وشك لونه مخطوف.. تحت عنيك غامق. شكلك مانمتش كويس.. صحيح إنت كنت فين إمبارح ؟
أطلق "رزق" نهدة مثقلة و أجابه بفتورٍ :
-كنت بايت عند جماعة صحابي
كان يعرف بأنه يكذب، لكنه مررها بمزاجه، و قال بهدوءٍ :
-طيب.. من ليلة إمبارح و إنت برا يعني فوقت و غيرت جو.. كويس عشان الكلام إللي هاتسمعه مني محتاج تكون هادي و حلو كده عشان تستوعبه. لأنك هاتنفذه يعني هاتنفذه
عبس "رزق" و قد أخذ حذره و تحفز جيدًا ضد والده و هو يقول بصلابةٍ :
-ممكن أعرف إيه الحكاية بالظبط ؟!!
-مصطفى أخوك
-إشمعنا !
-دخلته الجمعة الجاية
-ألف مبروك !
-و مبروك ليك إنت كمان ..
-أفندم ؟! .. ردد "رزق" باستنكارٍ
ليوضح له أبيه على الفور :
-قصدي أقولك إن دخلتك إنت كمان معاه في نفس الليلة.. إنتوا الاتنين سوا
رزق باسلوبٍ فج :
-الكلام ده يمشي على مرى مش راجل. إنت مفكر إنك تقدر تغصبني على جوازة مش عاوزها ؟!!
بقى "سالم" هادئًا كما هو ...
-يعني إنت بجد مش عايز ليلة ؟ غريبة.. مع إن نظرتك ليها خصوصًا إمبارح ماتقولش كده. إطلع من دول يا رزق ده أنا أبوك و عارفك كويس.. البت عجباك. قول الصراحة ماتبقاش جبان !!!
إحتدت لهجته بأواخر كلماته
فنطق "رزق" بشجاعةٍ :
-إفرض إنها عحباني.. ده مش مبرر يخليني أخدها غصب عنها. هي مش عاوزاني
سالم بسخرية : مين دي يا عبيط إللي مش عايزاك ؟ هو في واحدة عاقلة تشوفك بس و ماتتمناش تبصلها.. إنت مش حاسس بنفسك يالا. ده بنات الحتة كلهم يتمنوا إشارة منك
-هي بقى غير الكل. كل إنسان و دماغه يا معلم سالم.. هي مش حساني. هي حرة !
-لأ يا حبيبي مش حرة. إحنا ماعندناش الكلام ده.. هاتتجوزك و رجلها فوق رقبتها
رزق منفعلًا : أنا ماجبرش واحدة عليا.. أنا مش زيك !!!
تجاوز "سالم" اهانة إبنه و كأنه لم ينطقها و قال بصرامةٍ :
-و أنا خلاص قلت كلمتي.. الجمعة الجاية فرحك إنت و أخوك مصطفى على بنات عمامكوا. ليلة و فاطمة !
كان "سالم" يعلم جيدًا إلام يرمي إبنه، شاهد أحقاد و إتهامات الماضي كلها تتقافز من عينيه، رغم ذلك لم يجاريه لفتح تلك الجبهة... بينما يثب "رزق" قائمًا و هو يعلن بحزمٍ :
-بص يا معلم سالم.. إنت تقدر تمشي الجوازة دي. بس أنا بكيفي أقدر أخليها ماتَّمش. و إنت فاهمني.. أنا محدش يسوقني أبدًا... عن إذنك !
و مر من جانبه كإعصارٍ
ثوانٍ و سمع "سالم" باب الشقة يُصفق بعنفٍ، فلم يسعه الآن إلا إلقاء رأسه للخلف و اغماض عينيه بقوةٍ مستسلمًا للنوع الوحيد من العجز بحياته، و الذي لم ينجح بخلقه سوى إبنه و قطعة من قلبه... "رزق"
يتبع الفصل الثاني عشر اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية و قبل أن تبصر عيناكِ" اضغط على اسم الرواية
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية و قبل أن تبصر عيناكِ" اضغط على اسم الرواية