رواية في غيابة الجُب الفصل الرابع بقلم نعمة حسن
رواية في غيابة الجُب الفصل الرابع
بعد إنتهاء الحفل و مغادرة الحضور إنصرفت "لينا" عائدة نحو غرفتها تضع صورتها الجديده بجانب الأخريات ثم بدّلت ملابسها و ألقت بجسدها إلي فراشها بإرهاق و أغمضت عينيها فـ زارها ذلك الطيف الذي دائماً ما يواتيها، ظلت تتحدث إليه و يتحدث إليها حتي فُتح باب غرفتها فجأة.
_بتكلمي مين يا لينا؟!
تسائلت "بسمة" متعجبة فزفرت "لينا" بحدة و قالت:
=لو سمحتى يا مامي متدخليش من غير ما تخبطي بعد كده.
دخلت "بسمة" و أغلقت باب الغرفة خلفها و جلست بجانب "لينا" و قالت: أوكي.. أنا آسفه.. أنا إستغربت بس إنك بتتكلمي في الموبايل في وقت متأخر كده.
قالت "لينا" بـ نبرة أقرب للسخرية: آه.. فقولتي بقا تدخلي تمسكيني متلبسه.. مش كده!
إرتفعا حاجبا "بسمة" بتعجب و إستهجان و قالت: أمسكك متلبسة؟! إيه العبط اللي بتقوليه ده؟! و بعدين إنتي بتتكلمي معايا بالأسلوب ده إزاي؟!
تنهدت "لينا"بشدة و قالت:معلش يا مامي..اليوم النهارده كان تقيل علي قلبي..كل اللي في الحفله كانوا بيتكلموا عليا و إني شبه بابي مع إني مش بنته و كلام كتير خلاني إتخنقت و زهقت.
جذبتها"بسمة" إلي صدرها تحتضنها بشدة و حنان بالغ و قالت وهي تعبث بشعرها:
_مين قال إنك مش بنتنا؟! إنتي عمرك حسيتي إني مش مامتك و جمال مش باباكي؟!
هزت "لينا" رأسها بنفي فقالت "بسمة":
_الأم مش اللي ولدت ولا الأب اللي خلف..الأم و الأب اللي ربوا و حبوا و سهروا الليل من القلق و إنتي تعبانه..أنا صحيح مش أمك اللي ولدتك لكن أنا متأكدة إني لو كنت خلفت مكنتش هحب عيالي قد ما بحبك..إنتي فرحة قلبي و نور عيني يا"لينا".
طوقت"لينا" خصرها بذراعيها تشدد من ضمها إليها فتابعت "بسمة" قائلة:
_إوعي أسمعك بتتكلمي في الموضوع ده تاني أو تسيبيه يضايقك و يخنقك بالشكل ده..و اللي يجرؤ يقوللك كلمة تضايقك بسبب حاجه زي كده قولي لـ بابي بس و شوفي هيعملك في إيه.
نظرت لها "لينا" بإستجداء و قالت:
_طيب هسألك سؤال واحد و عشان خاطري تجاوبيني.
أشاحت "بسمة"بوجهها بعيداً و قالت:
=لو نفس السؤال بتاع كل مرة يبقا بلاش تسألي.
صاحت"لينا" بحدة: ليه يا مامي؟!
أجابتها "بسمة" بحدة مماثلة:لأني معنديش إجابه يا لينا.
قاطع حديثهم دخول "جمال"الذي قال:
_خير؟!شادين مع بعض ليه؟!
أشاحت كلاً منهما بوجهها عن الأخري فما كان منه إلا أن إبتسم ساخراً و قال:
_ياا ساااتر!! ده إنتوا مش طايقين بعض خالص.
تحدثت"لينا" و قالت بـ إستعطاف كعادتها عند حديثها مع والدها:
_يا بابي أنا بقيت 15سنة..يعني مش صغيرة و إنتوا بنفسكوا بتقولي إني عقلي أكبر من سني و بستوعب كل حاجه..صح؟!
أومأ'جمال' موافقاً و قال:صح يا حبيبة بابي.
_طيب..ليه كل ما آجي أسأل مامي عن حاجه تخصني و أنا صغيرة مترضاش تجاوبني؟!
تنهد "جمال" بخفة و قال: بصي يا "لينا"..ربنا سبحانه و تعالي قال إيه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) يعني بلاش نسأل عن حاجات ممكن لو عرفناها تتعبنا و تزعلنا و تجرحنا بل و تصدمنا كمان.
قاطعته"لينا" متسائله: للدرجه دي؟!
إمتنع عن الرد فأعادت سؤالها: هو أنا لقيوني إزاي يا بابي؟!
زمّ شفتيه بغضب و قال: بردو مفيش فايدة يا لينا؟! أنا داخل أنام تصبحوا على خير.
هرب سريعاً إلي غرفته و لحقت به زوجته علي الفور وهي تقول: يلا نامي عشان الوقت إتأخر..تصبحي علي خير.
ظلت تنظر "لينا" في أثرهم و تمتمت بإستخفـاف:
_مسيري هعرف كل حاجه..ده أنا "لينا".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي إستيقظت"لينا" علي صوت طرقات علي باب غرفتها فقالت:
_صحيت يا مامي.
=طيب يلا عشان لسه ساعه علي ميعاد مستر "محمود" يادوب تلحقي تفطري و تجهزي.
_تمام..جايه وراكي.
تجلس"لينا"مقابل معلمها الوسيم الذي لا يتجاوز عمره الخمس و عشرون عاماً، الذي يأتي إلي المنزل لتلقيها الدروس الخصوصيه.
بدأت تستشعر" لينا " أسلوبه العجيب خاصةً و أنه يميل بجسده تجاهها و يتحدث بنبرة صوت هادئه و بحه غريبة تغلبت علي صوته فقالت "لينا" بحدة:
_في حاجه يا مستر؟!
تنحنح "محمود" و قال مجاهداً كي يخفي إرتباكه و توتره:
لا أبداً مفيش حاجه..يلا نكمل.
هزت رأسها بتعجب و أعادت النظر بالكتاب الموضوع أمامهما و تابع هو شرحه و لكنه توقف فجأه و تاه بجمالها مرة أخري.
نظرت له فوجدته ينظر لها بتمعن و إنبهار كذلك فنظرت داخل عينيه بقوة و قالت:
_حضرتك معجب بيا يا مستر؟!مش كده؟!
ألجمت الصدمه لسانه و ظل يدور ببصره يميناً و يساراً فأكملت:
_متستغربش..أنا أقدر أعرف اللي قدامي بيفكر في إيه و بيكدب ولا بيقول الحقيقه كمان!
برز صوته متذبذباً و قال: إزاي يعني؟! بتنجمي؟!
_لا مش بنجم..كذب المنجمون و لو صدفوا..الرسول علية الصلاة والسلام قال كده..كل الحكاية إني بترجم لغة جسد اللي قدامي.
ثم إبتعدت للخلف وهي تبتسم بسخرية و تابعت:
_و لغة جسدك فضحاك يا مستر.
تناول "محمود" أحد المحارم من جيبه و جفف به جبينه المتعرق ثم قال:
=لا يا آنسه لينا إنتي فاهمه الموضوع غلط..علي العموم خلينا نخلص قبل الوقت ما يعدي.
بعد مغادرته المنزل خرجت "لينا" إلي حديقة الڤيلا و إفترشت الأرض فأتي كلبها المقرب "بابسي" الذي جلس بجانبها فإحتضنته و ظلت تداعب شعره حتي أتاها صوت والدها قائلاً:
_عامله إيه يا "لولي"؟!..أهلاً "بابسي".
=كويسه الحمدلله يا بابي..مال صوتك؟!
نظر لها مبتسماً و قال: دايماً بتقفشيني يا سوسه إنتي..حتي لو كدبت علي مامي مبعرفش أكدب عليكي.
إبتسمت أيضاً و قالت: طيب قوللي بقا مالك.
قاطع حديثهم مجئ"بسمة" التي قالت بحنق:
_إنت قاعد هنا و أنا عماله أتصل بيك يا جمال؟!
=أنا لسه داخل أهو يدوب كنت بشوف "لينا" مالك جايه متعصبه كده؟!
_أصل اللزقه اللي إسمها "سالي" دي كلمتني دلوقتي و بتقول قال إيه عازمه نفسها علي الغدا هنا هي و جوزها.
أجاب ببساطة: ييجوا ينوروا.
إرتفع حاجبيها بتعجب و قالت:ييجوا ينوروا؟! هو أنا بقولك عشان تقولي ييجوا ينوروا؟!
زفر بتعب و قال: أومال عايزاني أعمل إيه يا بسمه؟!أكلمهم أقوللهم متجوش عشان مراتي مش عايزه تشوفكوا؟!
إحتد النقاش بينهم فقالت "لينا":
_خلاص يا جماعه..الحكاية مش مستاهله كل ده؟! خليهم ييجوا يا يا مامي و كلها ساعتين و هيمشوا يعني مش حوار.
قال"جمال" مؤكداً: شايفه بنتك و عقلها و رزانتها..و بعدين دول جايين في شغل يعني مش جايين نتساير.
علي مضض وافقت "بسمة" و إنصرفت لتستعد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد مرور ساعة و أثناء جلوس عائلة " جمال" و عائلة
" رامي الفيومي " رجل الأعمال الشهير علي مائدة الطعام بادرت "سالي" بالحديث فقالت:
_ماشاء الله يا جمال بيه..لينا شبه حضرتك بالمملي.. يستحيل حد يصدق إنك مش أبوها الحقيقي.
توقف الطعام بحلق كلاً من الجالسين و نظر "جمال" إلي "رامي" بغضب فبادله الآخر نظرات متأسفه و قال:
_ههه..سالي متقصدش يعني هي التعبير خانها بس..تقصد يعني "لينا" شبهك جد......
قاطعه "جمال" بإقتضاب:حصل خير.
نظرت "سالي"إلي"بسمة" و قالت:
_إلا قوليلي يا بسوم.. أخبار شاليه الساحل إيه؟!بسمع إنكوا قافلينه من فترة طويلة.
أومأت "بسمة" و قالت: الفتره الأخيرة كانت عملية "لينا" و بعدها وفاة بابا الله يرحمه و بعدها إمتحانات..يعني مفيش فرصه.
_امممم..سلامتك يا لينا يا حبيبتي..عملية إيه دي؟!
قالت الأخيرة وهي توجه حديثها إلي "لينا" التي إبتسمت بتصنع و أومأت برأسها و قالت: الزايدة.
_يا حرااام..ده "رامي" كان عاملها قريب و كان بيموت و أنا كنت بموت جنبه..أصلك متعرفيش أنا بحب أنكل رامي قد إيه!!
أومأت "لينا" برأسها مرة أخري وهي تبتسم إبتسامه سمجه فقالت "سالي" وهي تحدث "بسمة":
_تصوري يا "بسمة" لما بيكون رامي مسافر في شغل أو حاجه يستحيل أفضل في البيت..بتخنق لو هو مش موجود..بعشقه بجد.
نطقت "لينا" بتلقائية: بتكدبي!
نظر لها الجميع بتعجب و عنفها والدها بعيناه ولكنها لم تكترث.
قالت "سالي": بكدب؟! أنا؟!
=أيوة إنتي بتكدبي.
قالت"سالي" بإستهزاء: و عرفتي منين بقا إني بكدب ؟!
أجابت "لينا": بتهرشي في أنفك كتير وإنتي بتتكلمي.
ضحكت"سالي" ضحكه عاليه و قالت:
_بتهزري بجد وهو كل حد بيهرش في مناخيره وهو بيتكلم يبقا بيكدب؟!
=أيوة..تعرفي بينوكيو اللي أنفه بيطول لما بيكدب؟! أهو ده اللي بيحصل بالظبط لأي حد بيكدب.
نظر لها الجميع بإهتمام و تعجب فتابعت:
_الكدب بيعلي ضغط الدم، و ضغط الدم بينفخ الأنف و بيهيجها و بيخلي اللي بيكدب ده يهرش و يحك في أنفه و كمان الخدود و الودان بتحمر..زيك كده!
نظروا جميعاً إلي "سالي" التي يتآكلها الغضب و نهضت عن الطعام فجأة و قالت:
_أنا شبعت..قال بينوكيو قال!
إنصرفت نحو "الخلاء" فإنحني "رامي" بجذعه يحادث "جمال" قائلاً:
_إيه الجحود ده !! "لينا" بنتك دي فلته..دي هتنفعنا في شغلنا جداً.
قال جمال رافضاً: لاا يا عم ولا تنفعنا ولا ننفعك ملكش دعوة ببنتي الله يسهللك.
بعد مغادرة "رامي" و زوجته "سالي" إتخذت "لينا" طريقها عائدة نحو غرفتها فأوقفها والدها قائلاً بنبرة حادة:
_إيه اللي عملتيه النهاردة ده يا لينا!؟؟
=إيه اللي عملته؟!
تسائلت لينا بتعجب فقال والدها:
=إزاي تحرجي طنط سالي و تكسفيها بالمنظر ده قدامنا و تقللي أدب معاها كمان و تقولي إنها بتكدب.
_لأنها فعلياً كانت بتكدب و كل كلامها كدب.
قال بغضب و حدة: و إنتي عرفتي منين..إنتي مصدقه نفسك و عشان متعلمه لك كام حركه هتمشي تفتي و تقولي ده صادق و ده كداب!!
إحتقن وجهها بغضب و قالت: لأ أنا مش بفتي..و أنا فعلاً لما بقول إن الحد ده بيكدب بيبقا بيكدب..مش بتبلي عليه.
=كل دي تهيؤات و وهم..إياكي اللي حصل منك ده يتكرر تاني..أنا قولت كلمة و مش هكررها.
قال الأخيرة بتوعد حاد و تركها منصرفاً نحو غرفة مكتبه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد مرور بضعة أشهر و مع بدأ "لينا" دراستها بالمرحلة الثانوية.........
كانت تجلس "لينا" بمفردها بداخل مقصف المدرسة تتناول طعامها فأقبلت عليها فتاة سمراء جميله و جلست بجانبها دون إستئذان و قالت:
_ممكن أقعد معاكي؟!
=ما إنتي قعدتي خلاص!
قالتها "لينا" مبتسمه بخفة فإبتسمت الأخري و قالت:
_أصلي لقيتك وحيده شريده فريده زيي كده فقولت أجي أقعد جمبك أهو نحط خيبتنا علي خيبة بعض.
إبتسمت "لينا" و قالت:إنتي سنه أولي زيي؟!
_لأ سنه تانيه..أنا أصلاً أكبر منك بحوالي خمس سنين بس تقدري تقولي كده إني فاشله يعني خدت أولي في سنتين و 3 إعدادي في سنتين و راحت عليا سنه لما نقلنا من مصر لإسكندريه.. يعني حوارات كده.
أومأت "لينا" برأسها و مدت يدها تصافحها قائلة:
_لينا البدري.
إستجابت الأخري علي الفور و قالت وهي تصافحها:
_حنين بكري.
=إسمك حلو زيك يا "حنين" إيه رأيك نكون صحاب!
_يسلاام..هو أنا أطول أصاحب لهطة القشطة دي!
إبتسمت "لينا" بـ ود صادق و قالت:
=إنتي اللي جميله يا "حنين" و روحك حلوه كمان و أنا حبيتك و شكلنا كده هنكون صحاب و إخوات كمان.
_والله ياريت..أصل أنا طول عمري كان نفسي يكون عندي أخت أصغر مني..بس أمي بقا جابتني و إعتزلت علي كدا.
_يعني إنتي مفيش عندك إخوات؟!
=لا إزاي..عندي "خالد" الكبير و بعده "حنان" و بعدها "ماجد"و بعده"حنين"..أنا.
قالت الأخيرة وهي تشير إلى نفسها بمزاح فضحكت"لينا" علي أسلوبها المضحك و قالت:
_ماشاءالله..ربنا يخليكوا لبعض..يلا بينا عشان البريك خلص.
نهضا إثنينتهما عن المائده و عادت كلاً منهما إلي
وجهتها حتي إنتهاء اليوم الدراسي.
يتبع الفصل الخامس اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية في غيابة الجُب" اضغط على اسم الرواية