رواية في غيابة الجُب الفصل الحادي عشر بقلم نعمة حسن
رواية في غيابة الجُب الفصل الحادي عشر
بحاسبك إنتي عشان بحبك إنتي مش بحبها هي!!
ماذا؟!بماذا نطق ذلك اللعين؟!هل يحبني حقاً!!
شعرت بثقل بلسانها و خدر بجميع أطرافها يشملها ثم قالت بأحرف متقطعه:
=إنت..إنت قولت إيه دلوقتي حالاً؟!
أحس هو بالندم علي تسرعه و عدم تريثه فمسح وجهه بضيق و غضب و لم يجيب.
بادرته هي بالسؤال مرة أخري:رد عليا..قولت إيه؟!
ثم بدأت ملامح وجهها تميل للضعف أكثر و قالت:
_قولت إنك بتحبني..صح؟!
و قبل أن يجيب بالإيجاب أو السلب كانت هي تطوّق عنقه بيدها الضئيلة و تضحك بهيستيريا قائلة:
_أنا كمان بحبك يا رزق..بحبك أووووي!!
لم ينفك أن يفيق من صدمته بسبب ذلك العناق المفاجئ حتي زادت دهشته بإعترافها له بحبها!
=بتحبيني؟!!
برز بها صوته مذهولاً مشدوهاً متوسلاً أيضاً فأومأت بموافقة شديده و قالت:
_بحبك أووي يا رزق.
رفعها عن الأرض يشدد من ضمه إليها و أطبق علي جسدها الصغير بذراعيه حتي كادت تتهشم عظامها مما أسعدها لكونها أيقنت أنه يعشقها و بشدة!
أنزلها أرضاً و أحاط وجهها بكفيه و قال بتساؤل قلق:
_إنتي قولتي إنك بتحبيني دلوقتي؟!ولا أنا بيتهيألي؟!
وضعت يديها علي كفيه اللذان يحيطان وجهها و إبتسمت وهي تنظر داخل عينيه مباشرةً و قالت:
=لا مش متهيألك..أنا فعلاً بحبك!
أغمض عينيه بسعادة بالغه وهو يجذبها لصدره يحتضنها بعشق بات واضحاً ولا حاجة له في إخفاؤه بعد الآن.
حاصرت خصره بيديها الناعمتين و أسندت رأسها إلي صدره تبتسم بحب و سعاده بينما قبّل هو أعلي رأسها بحنان بالغ و قال منادياً:
_فله!!
نظرت للأعلي لتقابل عينه و قالت:
=فله؟!حلو أوي الإسم ده ناديني بيه علي طول!
_إنتي تؤمري يا ست البنات..كل طلباتك مجابه بس إنتي تشاوري.
لم تجيبه بل أعادت التشبث بحضنه تتلذذ بعناقه الذي تشعر وكأنها كانت تفتقده منذ أمد بعيد،فقال:
_إن شاءالله ربنا يقدرني و أعمل كل اللي أقدر عليه عشان أستحقك..أنا عارف إن طريقي مش سهل لكن بردو مش مستحيل.
أعادت النظر بداخل عينيه بثبات و قالت بصدق:
=أنا مش عاوزه أي حاجة يا رزق..عايزة أعيش معاك بس حتي لو في أوضه واحده.
إبتسم لحديثها الذي أثلج صدره و قال:
_إنتي مقامك أعلي من كده بكتير..إنتي تستاهلي تعيشي في قصر مش في أوضه!!و إن شاءالله هعمل كل اللي أقدر عليه عشان أعيشك في نفس مستواكي.
ثم أكمل و القلق ينبض بعيناه:الخوف كله من جمال بيه!
_بابي؟!ليه؟!
=ليه إيه؟!إنتي فكرك يعني جمال بيه هيوافق يجوز بنته الوحيده للحارس بتاعه؟!مهما كان بيعزني أو بيعتبرني زي إبنه..بس لما الأمر يوصل عندك إنتي كل حاجه هتختلف.
إبتسمت بلطف و قالت تطمئنه:متقلقش يا رزق..أنا مش صغيرة و بابي مش هيجبرني علي حاجه و كمان لما يعرف أد إيه أنا بحبك مش هيرفض إننا نتجوز!
إبتسم لبرائتها و لم يشأ أن يعكّر صفو تلك اللحظه الحالمه و قال:
_إممممم..طيب قوليلي أنا الأول أد إيه إنتي بتحبيني!!
=بحبك أكتر من كل حاجه في الدنيا..
بترت كلماتها وهي تزمجر قائلة:
=قوللي صح..كنت بتتكلم مع حنين في إيه؟!و الشنطه اللي إديتهالها دي فيها إيه؟.
ضحك ملء فمه و قال بسعاده يداعب وجنتيها:
_حبيبي بيغير يا ناس؟!
أزاحت يديه عن وجنتيها بغيظ و قالت:
=بلاش هزار..كنتوا بتتكلموا في إيه و ضحككوا واصلني و أنا في الشاليه!!
_هنكون كنا بنتكلم في إيه يا نون يعني؟! أنا كنت بدور عليكي فلمحتها و ناديت عليها أسألها عنك فقالتلي دي نايمه لسه فعطيتها الشنطه اللي شوفتيها دي كان فيها المايوة اللي قولتلك هجيبهولك بدل المسخرة اللي كنتي لبساه ده.
قال الأخيرة بعتاب بالغ فأخفضت بصرها بحرج و قالت:
_وبعدين؟!
=وبعدين أخدت الشنطه و لقيتها بتقوللي إنت بتحبها صح؟!فـ أنا إستغربت و فضلت أضحك زي الأهبل وهي تضحك علي ضحكي اللي مالوش سبب..و بعدين يستي لسه هرد عليها ظهرتي إنتي قدامي!
صرّ علي أسنانه من شدة الغيظ وقال بنبرة أرهبتها:
_أقسم بالله لو اللي عملتيه ده إتكرر تاني ما هتشوفي مني طيب.
ثم تحدث بصوت أكثر حنان:لينااا..إنتي مش بس حبيبتي..إنتي بنتي و حته من روحي كمان و هتبقي بإذن الله مراتي و شريكة حياتي..يعني كل حاجه ليا..أنا عايز كمان أبقا كل حاجه ليكي..و تعرفي إني بخاف عليكي و بغير عليكي كمان..يعني اللي أقوللك بلاش منه تعرفي إنه فعلاً هيضرك..ماشي يا فله؟!.
اومأت بإبتسامة عريضه و دفنت رأسها في صدره تلتمس منه الدفء فقال ممازحاً:
_ما خلاص بقا إنتي ما صدقتي ولا إيه؟!!
إبتعدت عنه تنظر له بصدمة فضحك فوراً وهو يجذبها لصدره يحتضنها و يقبل جبينها قائلاً:
_إنتي تعملي اللي إنتي عايزاه..بس يلا نشوف حنين صاحبتك راحت فين ألا تكون تاهت.
=إستني صح..و ليه مستنيتوش أجي معاكوا الحفله؟!
_والله دي بقا تسألي صاحبتك فيها لأن أنا عن نفسي قولتلها نستني قالتلي هي أول ما تعرف هتيجي جري..و حصل.
ثم أكمل بتلاعب أثار حنقها:
_ساعة ما عرفتي إن إحنا سوا جيتي علي ملا وشك!
إنفجر ضاحكاً عندما رأي أمارات الغيظ ترتسم علي وجهها فأمسك بيدها يحتضنها بكف يده و قال:
=ده إنتي حبيبتي يا فُله و محدش يملي عيني غيرك..يلا بينا؟!
_أيوة يلا زمان حنين قلبت الدنيا علينا !
=لا مش إنتي هترجعي هناك بالمسخرة اللي إنتي لبساها دي..لو عايزة تحضري الحفله يبقا نرجع البيت تغيري و تنزلي..غير كده لأ!
_خلاص أنا هستناك في العربيه..هات حنين و تعالي نروح كلنا و نسهر في أي مكان تاني.
=طيب كلميها إسأليها هي فين.
قامت لينا بالإتصال بـ حنين التي أجابت مسرعه و قالت بحدة:
_أيوة يا لينا..إنتوا إختفيتوا فين كده؟!
=إنتي فين يا حنين عشان رزق ييجي ياخدك؟!
_أنا في مكاني متحركتش.
تحدثت لينا إلي رزق و قالت:بتقول لسه في مكانها!
رزق:طيب قوليلها تخرج عند البوابه الرئيسيه و إحنا هنروحلها بالعربية.
ذهب رزق يصطحب لينا إلي حيث تنتظرهم حنين فركبت السيارة وهي تسدد لهم نظرات حانقة ثم عادوا جميعهم إلي الشاليـه....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجلس ليـنا علي فراشها ممسكه بهاتفها تتبادل الرسائل النصيه مع رزق و ترتسم إبتسامه هادئه علي وجهها فقالت حنين:
_سيدي يا سيدي.. أعطنا مما أعطاكِ الله يست!.
نظرت لها لينا و إبتسمت قائلة:
=بحبه أوي يا نانا.. وبحبك إنتي كمان.
_إدعو للعمده إدعوله.. لولا مخططاتي و تدابيري الشيطانيه مكنش حد منكم إعترف للتاني أنه بيحبه.
=معاكي حق.. أنا لما عرفت إنكوا سوا في الحفله كنت هتجن و لو كنت طولت أخنقك يومها كنت عملتها.
_بقا يا هبله تغيري عليه مني.. والله عجايب!
قالت الأخيرة بشفاه ملتويه حانقه ثم إعتدلت بجلستها عندما إستمعت إلي طرقات علي باب غرفتهما...
_إدخل.
قالتها لينا وهي تأذن بالدخول للطارق فدخل "جمال" يبتسم بـ بشاشة و جلس بجانب لينا فقال:
=سمعت صوتكوا فـ عرفت إنكم لسه صاحيين قولت ادخل أرخم عليكوا.. هاا منمتوش ليه؟!
أجابت لينا: مفيش يا بابي كنا بندردش سوا شويه.. المجنونه "حنين" مصممه تنزل الميه دلوقتي...
_أيوة إنتهزوا الفرصه يا لينا إنتي و حنين.. إحنا هنرجع الصبح.
قالت حنين تخاطب لينا: سمعتي يا بومة!! بينا بقا ننزل سوا نودع البحر!
_لا يا حبيبتي ودعي إنتي.. أنا بخاف انزل بالليل.
=تخافي من إيه ما الناس كلها في الميه و بعدين العوم بتاع بالليل ده له طعم تاني يا غبيه.
_متحاوليش تقنعيني..مش هنزل..عايزة تنزلي إنتي إتفضلي.
ثم قالت بتراجع:ولا أقوللك..بلاش تنزلي..خلينا نستنا النهار يطلع و ننزل سوا.
قالت حنين بإصرار:لا يا ماما خليكي انتي للنهار..إحنا بتوع الليل و أخره!!
إرتدت حنين ثوب سباحتها و نزلت بالفعل بينما ظل جمال برفقة لينا يحادثها فقال:
_إتبسطتي يا حبيبة بابي؟!
إبتسمت قائلة:الحمدلله يا بابي إتبسطت أوي..خلينا كل أسبوع نيجي نقضي الويك إند هنا.
جذبها إليه يحتضنها بسعادة و قال:
=لولي تؤمر و إحنا ننفذ..علي الله بس مامي توافق!!
_لا سيب مامي عليا..مش هترفض.
=إن شاءالله يروحي..يلا نامي إنتي بقا عشان تصحي فايقه.
_لأ أنا هنزل أشوف حنين و أخدها و نطلع ننام.
وضعت لينا علي كتفيها شالاً خفيفاً و نزلت إلي الأسفل تبحث عن حنين فوجدت رزق يجلس يدخن سيجارته بشراهه فجذبتها من بين إصبعيه بغتةً مما جعله ينظر لها بحدة و لكنه إبتسم فور أن رآها و قال:
_هو إنتي..فكرت حد تاني كان زماني كسرتله وشه.
قالت وهي تجلس بجانبه:كل ده عشان سيجاره يعني؟!
قال وهو يسحب آخر أنفاس سيجارته و يلقيها تحت قدمه:لا مش عشان سيجاره..عشان مبحبش حد يتعدي حدوده معايا!!
قالت بغنج:طب و أنا؟!
إبتسم و نظر إلي عينيها اللتان يعشقهما:
_إنت حبيبي إنت..تعمل اللي إنت عايزه.
راقتها طريقة تدليله لها و إتسعت إبتسامتها فسألها:
=منمتيش ليه؟!هنمشي بكرة بدري!
_منمتش..العبيطه حنين صممت تنزل الميه فقولت أنزل أستناها عشان نطلع سوا.
إتسعت عينيه بفزع و قال:تنزل الميه دلوقتي؟!
أومأت بنعم و قالت:أيوة..في إيه مالك؟!
نهض واقفاً وهو يقول:
_في إيه إيه؟!الموج عالي جداً..إزاي تسيبوها تنزل؟!
هرول مسرعاً نحو الشاطئ و ركضت لينا خلفه وقد تمكن منها القلق و دب الرعب في أوصالها.
_حنييييييييين....
ناداها رزق بأعلي صوته و فعلت لينا المثل عدة مرات و لكن دون جدوي.
صرخ بها منفعلاً و قال: إنتوا بتستعبطوا؟!ده وقت حد يعوم فيه؟!
قالت لينا بصوت متحشرج:والله حاولت أمنعها مسمعتش كلامي..كانت مصرة إنها تنزل الميه......
لم تستطرد كلماتها عندما رأت علي مدد بصرها مجموعه من الشباب يحملون شخصٍ ما و يخرجون به إلي الشاطئ.
ظلت تتمتم بداخلها:يارب لأ والنبي..حنين لأ يارب.
و لكن خاب أملها عندما تبين لها وجه "حنين"ولكنه شاحب للغاية!!
صرخت بإسمها:حنييييييييين..
ثم هرولت نحوهم و يتبعها رزق..
سقطت أرضاً بجانبها وهي تصفع خدها بخفه وهي تردد إسمها بهيستيريه و تقول:
_حنين..حنين فوقي..عشان خاطري يا حنين والنبي..بالله عليكي فوقي و كلميني.
صرخ رزق بالحشد الذي يلتف حولهم قائلاً:
_إنتوا بتتفرجوا؟!حد يطلب إسعاف ولا أي حاجة..
إتصرفوووووا.
قال أحد الشباب:أنا معايا عربيتي هناك أهي..تعالوا معايا ناخدها المستشفي...
إستقل رزق و لينا السيارة و يصطحبون تلك الغائبه عن الوعي" حنين" برفقة ذلك الشاب الذي أوصلهم إلي المشفي و صعد برفقتهم ينتظر أمام غرفة الإنعاش.
لم يمر كثير من الوقت حتي خرج الطبيب و تبدو علي وجهه علامات الأسف و قال:
_للأسف مقدرناش نعمل حاجه.. البقاء لله.. شدوا حيلكوا.
فور أن إستمعت لينا إلي كلمات الطبيب سقطت أرضاً مغشياً عليها!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع فقدان من تُحِب تُصبِح روحك خاوية..قلبك ينبض و أنت تتمني ان يا ليته لو توقف!..جسدك هزيل شاحب منزوع منه الحياة.
كم هو شعور مؤلم أن يرحل المقربون لقلبك و يبقي الغرباء عن روحك!ولكن عزاءك الوحيد يا قلبي أننا و مهما عشنا راحلون!!
خطّت لينا تلك الكلمات بقلبها المكلوم و الذي يإن شوقاً لروحها التي واراها الثري ثم صعدت إلي فراشها و تكومت حول نفسها مرة أخري تحتوي نفسها بذراعيها و عيناها لا تتوقف عن البكاء.
دخلت "بسمة"إلي غرفتها فوجدتها كما تركتها بأول النهار فجلست بجانبها وهي تواسيها بحسرة و قالت:
_لينا يا قلب ماما..حرام عليكي يا حبيبتي متعمليش في نفسك كده..طب عشان خاطري أنا..عشان خاطر ماما يا لينا..ورحمة حنين تردي عليا.
نظرت لينا إلي والدتها و دمعاتها تسيل دون هوادة علي وجنتيها المتهدلتين و وجهها الشاحب ولم تجيب ثم أعادت النظر أمامها مرة أخري.
تابعت والدتها بسيلٍ جارف من العَبرات:
_عشان خاطر ربنا يا بنتي متعمليش كده فيا..أنا هموت من قهرتي عليكي..سنه بحالها عدت و مسمعتش صوتك والنبي يا حنين ردي عليا.
إستمعت بسمة إلي صوت بوق سيارة زوجها و الذي يخبرهم بأنه ينتظرهما فقالت:
_بابي مستنينا عشان نروح نزور"حنين"عشان السنويه..يلا عشان أساعدك تلبسي.
إستجابت لينا إلي كلام والدتها دون ادني مقاومة و إرتدت ملابسها السوداء ثم نزلت برفقتها إلي الأسفل.
كانت تسير برتابة شديدة و كأنها إنسان آلي خالي من الروح.
صعدت إلي السيارة بجانب والدتها و بالأمام يجلس والدها بجانب رزق الذي نظر إليها بمرآة السيارة بشوقٍ مهلك.
نظرت هي إليه نظرات خاليه من التعبير بل من الحياة إن أردنا الدقة في القول.
لقد خسر الكثير من وزنه و نمت لحيته بكثافه،لقد أصبح شاحب و هزيل مثلها تماماً.
_إتحرك يا رزق!
قطع نظراتهم صوت جمال الذي أمر رزق بالسير ففعل حتي وصلوا إلي المقابر.
نزلت "لينا" تجر قدميها بثقل وهي تشعر بأنها مكبلة بأغلالٍ ما تمنعها من التقدم.
دخلت إلي المدفن الموجوده به نصف روحها و وضعت فوقه باقة من الزهور التي كانت تفضلها حنين.
جلست بجوار المدفن و لا إرادياً إنهمرت عيناها بالدموع و قالت:
_ليه يا حنين؟!كنتي الحقيقه الوحيده اللي في حياتي و الحاجه الوحيده اللي إخترتها..سيبتيني ليه؟!قلتلك متنزليش..أنا حذرتك بس إنتي صممتي تودعي البحر.
إرتفع صوت نحيبها و تابعت:
_لو كنت أعرف إنك بتودعي الحياة كلها و بتودعيني يستحيل كنت أسيبك تنزلي..أنا متيتمه من بعدك يا حنين..لا حاسه بحياة ولا حاسه بحد ولا عارفه أعيش من غيرك..يا ريتني كنت انا اللي مت و إنتي تفضلي.
وصولاً إلي ذلك الحد لم تحتمل "بسمه" و جذبت لينا تحتضنها وهي تقول:
_حرام يا لينا كلامك ده و عياطك ده بيعذبها..إدعيلها يبنتي ربنا يرحمها هي محتاجه دعاكي ليها.
=ربنا يرحمك يا حنين..إبقي زوريني ما أنا بزورك يا حنين..
إنتي وحشتيني أوي.
قالت الأخيرة بـ نياط قلبٍ متقطعه فساعدتها والدتها كي تنهض عن الأرض و وقفوا جميعهم يقرأون الفاتحه ثم غادروا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجلس جمال و بحانبه زوجته لا تتوقف عن النحيب بأسي فقال بضيق:
_حرام عليكي يا بسمة أنا مش عارف أصبر مين بالظبط.. إنتي ولا بنتك ولا أصبر نفسي علي الحال اللي وصلنا له.
ثم إعتدل و نظر لها و قال بحزن:
_إنتي متخيله إن بنتك بترمي اللوم عليا و مقطعاني بقالها سنه!! معتقده إني السبب عشان شجعت حنين الله يرحمها تنزل الميه يومها.. مش راضيه تقتنع إن ده قضاء الله.
زفر مطولاً و أكمل: بقالي سنه مسمعتش صوتها.. بتعاقبني!
جففت بسمة دمعاتها نسبياً و قالت:
_إحنا لازم ناخدها لدكتور.. مينفعش نسيبها كده دي عايشه علي المحاليل!!
=وهو يعني أنا قصرّت؟! ماهو علي يدك حاولت معاها بدل المرة ألف وهي رافضة.. أعمل إيه يعني أخدها غصب عنها؟!
_خلاص نجيب الشيخ بلال يقرألها و يرقيها.. ممكن نفسيتها تتحسن شويه.
رمقها بنظرات متعجبه و قال:
_و إشمعنا الشيخ بلال يعني؟! ما نجبب أي شيخ تاني!
تنهدت بحيرة و قالت:إعمل أي حاجة يا جمال المهم بنتي تبقا كويسه.
قطع حديثهم دخول "موانا" تقول:
_العم "بكري" برة.. عايز يشوف لينا.
نهض جمال مسرعاً و كذلك زوجته يستقبلانه فدخل بإبتسامته البشوشه كعادته و هو يقول:
_لينا وحشتني و شكلها كده مش عايزة تشوفني.. قولت أجيلها أنا.
صافحه "جمال" بحرارة و رحب به ليجلس و قال:
_لينا تعبانه يا عم بكري.. إنت جيتلنا نجده من السما.. يمكن إنت اللي تقدر تخليها تتكلم.
أومأ "بكري" بأسي و قال: ده اللي خلاني أجيلها النهارده.. ممكن أشوفها؟!
وقفت "بسمه" وهي تقول: ياريت يا عم بكري.. ربنا يجعل الشفا علي إيديك.
إصطحبته إلي غرفة "لينا" و قامت بطرق الباب و فتحته ثم قالت:
_عم بكري جاي يشوفك يا لينا.
إسترعت تلك الكلمات كامل إنتباه "لينا" فنظرت بإتجاه الباب و سرعان ما هرولت ناحية العم بكري عندما رأته.
إحتضنته بشدة و أجهشت بالبكاء فضمها إلي صدره بحنان أبوي إفتقدته هي طيلة العام المنصرم و ربت علي ظهرها وكأنه يواسيها.
تركتهم "بسمه" بمفردهم و نزلت إلي الأسفل....
هدهدها العم بكري وهو يقول:
_كفايه عياط بقا يا لينا يبنتي.. وبعدين هفضل واقف علي الباب كده؟! لأ أبوس إيدك الصحه مبقتش زي زمان.
قال الأخيرة ممازحاً فإبتسمت لينا وسط دمعاتها و أمسكت بيده و جلست و أجلسته بجانبها و ظلت تنظر له بصمت لم يخلو من دمعاتها المنهمرة بوفرة.
_عامله إيه يا لينا؟!
تسائل العم بكري و كأنه لا يعلم حالها فقالت:
=عايشه.. بس عايشه من غير روح.. حنين خدت روحي معاها و سابتني بس أتذل من غيرها.. الحياة من غيرها صعبه أوي يا عم بكري.
لم يتمالك دمعاته و تمتم قائلاً:
_الله يرحمك يا حنين يبنتي و يحسن إليكي.
_ربنا يرحمها.. و يجمعني بيها قريب بقا عشان أنا تعبت!
جفف دمعاتها بكف يده الحاني و قال:
=ربنا يطول في عمرك يبنتي و يفرحك بشبابك.
_و إيه فايدة عمري و شبابي من غير روحي يا عم بكري؟!
تنهد "بكري" مطولاً وقال: إستغفري ربنا يا لينا و صلي علي النبي كده.. ده قضاء ربنا و قدره مينفعش نعترض.. كل اللي نقدر نعمله إننا نصبر و نحتسب و ندعي لها إن ربنا يرحمها ويغفر لها.
_الله يرحمك ويغفرلك يا حنين.
ربت علي ظهر يدها وهو يقول: أيوة كده يا حبيبتي.. وبعدين أنا عاتب عليكي أوووي.. سنه بحالها يا لينا لا تزوريني ولا تسألي عني؟! هو اللي بيننا كان حنين و بس؟!
_لا والله مش كده أبداً.. انا بس مش قادرة أجي البيت و حنين مش فيه.
=ماهو أبو حنين فيه و أم حنين فيه و إخوات حنين فيه و كلهم بيحبوكي و بيقولولك وحشتينا.
إحتضنته بقوة و قبّلت رأسه كما كانت تفعل "حنين" فما كان منه إلا أن شدد من ضمه إليها مربتاً علي ظهرها و قال:
_لو بتحبي حنين يا لينا يبقا لازم تقوي.. كلي و عيشي حياتك و إفرحي و إضحكي.. خليها تكون مطمنه عليكي.. إتفقنا؟!
أومأت بموافقة مقتضبه فصافحها قائلاً:
_هستناكي تيجي تزورينا و تقعدي معانا يومين.. تمام؟!
=إن شاءالله.
_مع السلامه.
و إنصرف مغادراً وهو يجاهد ألا تفضحه عَبراته..
صافح والد و والدة لينا و طمئنهم علي حالها ثم هرول مسرعاً إلي الخارج.
بمجرد ما إن خطّت قدماه خارج الفيـلا حتي إنفجرت دموعه من محجريه تسيل بغزارة فهرول إليه رزق الذي رآه و ناوله محرمةً وهو يربت علي ظهره و يقول:
_تعيش وتفتكر يا عم بكري.. أنا عارف إن الزيارة دي قلبت عليك المواجع بس أنا مكانش قدامي غيرك!!
=لا يبني متقولش كده.. لينا بنتي زي حنين الله يرحمها تمام.. و يعز عليا أشوفها بالحالة دي.. كويس إنك كلمتني عشان أجي أشوفها.. ربنا يباركلك يبني.
تحدث رزق بنبرة متردده و قال:
_عم بكري أنا كنت عايز اقولك علي حاجه!
يتبع الفصل الثاني عشر اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية في غيابة الجُب" اضغط على اسم الرواية