رواية انذار بالقتل الفصل الحادي عشر 11 - بقلم نسمة مالك
رواية انذار بالقتل الفصل الحادي عشر 11
..
ساعة كاملة لم تتوقف "رقية" عن الحديث مع "آية" ، توصف لها حالة شقيقها،اخبرتها أنه لم يكن بوعيه حين فعل فعلته الحمقاء بهم،و أن والديها حالتهما مستقرة حتي أن والدتها استعادة وعيها و طلبت رؤيتهم، تستجديها أن تقف بجواره حتى يتخطى هذه المحنة بسلام.
كانت "آية" تستمع لها بملامح حزينة.. ذابلة و قد توقفت عن البكاء بينما قلبها لم يهدأ ضجيجه و بكاءه أبدًا،
"آية أنتي لازم تشدي حيلك و ترجعي معايا البيت انهارده يا حبيبتي.. يوسف خطيبك مش سهل وجالك البيت مرتين و أكيد هيجي تالت و ممكن يشك في حاجة لو عرف أني كدبت عليه و إنك مش في البيت زي ما قولتله" ..
أردفت بها "رقية" ، لتجحظ عينيها حين قالت "آية" بغضب..
"يوسف دا أنا هفسخ خطوبتي منه"..
شهقت" رقية" بصوت خافت مرددة..
" ليه بس يا حبيبتي.. أية اللي حصل؟! "..
أخذت" آية " نفس عميق زفرته على مهلٍ وهي تجيبها..
" من ساعة ما إسلام ضربني قدامه بالقلم و هو اتقلب 360 درجة لدرجة انه قالي هيمنعني عن أخويا بعد الجواز، و حتي مش هيخليني أروح البيت عند ماما وبابا، واللي عايز يشوفني فيهم يجيلي بيتي.. تخيلي يا رقية!! "..
"يا عبيطة دول أكيد كلمتين بيقولهم كده ساعة غضب، و بصراحة إسلام زودها لما ضربك قدامه، و الحمد لله أنهم ممسكوش في بعض ساعتها، و خطيبك لو مزعلش علشانك لما يشوفك بتضربي قدامه يبقي مبيحبكيش يا آية"..
غمغمت بها" رقية " و صمتت لوهلة و تابعت بتعقل..
" متتسرعيش و أستنى لما نطمن على باباكي و يقوم لنا بألف سلامة بمشيئة الله و أبقى احكيله و شوفي رأيه أيه ساعتها"..
" آية " ببوادر بكاء.. " عندك حق خلينا نطمن بس على بابا و ماما الأول، و إسلام هو كمان"..
ربتت" رقية"على وجنتيها بحنو حين لمحت شحوب ملامحها الشديد الذي يدل على فزعها و تحدثت بأسف قائلة..
"أنا عارفة أن الموضوع صعب، و صعب أوي كمان ليكي حق تخافي، بس اطمني والله هيعدي على خير بأمر الله مامتك فاقت الحمد لله و باباكي حالته مستقرة بفضل الله، و إسلام أنتي عارفة طبعه قبل ما أنا أعرفه، حافظة معدنه الأصيل و أكيد فاهمة أن اللي بيمر بيه دا ابتلاء من ربنا و احنا لازم نوقف جنبه خصوصاً انه حاول يموت نفسه بالسكينه اللي ضربكم بيها و لحقته على آخر لحظة والله يا آية"..
كانت تتحدث و هي تبكي بكاء يبكي الحجر.
" أهدي يا رقية.. كفاية عياط يا حبيبتي"..
نطقت بها" آية " بهمس مجهد، و هي تربت على يدها بحنان مكملة بتنهيدة..
" هروح معاكي المستشفى اطمن على ماما و بابا و بعدين نروح على بيتنا"..
صمتت لبرهةٍ، ترقرقت عينيها بالعبرات، و ابتسمت ابتسامة باهتة و هي تتابع..
"بس خليني قبل ما أمشي أشكر الناس اللي أنا في بيتهم دول على كل اللي عملوه معايا"..
ابتلعت لعابها بصعوبة حين شعرت بقلبها تتزايد دقاته، و اندفعت الدماء بقوة نحو وجنتيها غزتهم بعنف عندما تابعت هامسة بأسم منقذها..
"و خصوصًا نوح"..
"رقية".. "عندك حق يا يويو.. نوح دا طلع جدع أوي و مش سايب إسلام من ساعة اللي حصل، و كمان اتبرع بالدم هو وأخوه مع إسلام علشان نلحق بابا و ماما، و جاب ناس أصحابه كمان يتبرعوا معاهم،إسلام بيشكر فيه أوي على موقفه الشهم دا"..
كانت تستمع لها باهتمام و لهفة نجحت في اخفائهم، و لكنها لم تستطيع إخفاء لمعة عينيها التي برقت بإعجاب جعلت"رقية" تضيق عينيها و ترمقها بنظرة عابثة مرددة..
" الله!!.. أيه يا يويو عيونك بيلمعوا لمعة جديدة خالص أول مرة أشوفها "..
توترت" آية " و أسرعت بخفض عينيها و هي تقول بخجل..
"مافيش حاجة يا رقية.. دا أنا بس مبسوطة أن ماما فاقت الحمد لله، و بابا حالته مستقرة زي ما قولتي، و أخويا إسلام واحشني و عايزة أكون جنبه"..
تهللت أسارير" رقية" و جذبتها لحضنها تضمها بقوة متمتمة..
"ربنا يفرح قلبك و ميحرمكوش من بعض أبدًا يا حبيبتي، و يطمنا على بابا عبد الحميد ويقوم بألف سلامة هو كمان يارب"..
بادلتها "آية" العناق و رفعت عينيها للسماء مرددة.. "يارب يا رقية.. ربنا يسمع مننا و ميضرناش في حد فيهم يارب"..
................................. لا حول ولا قوة الا بالله 🥀...
.. داخل غرفة العناية..
كانت" مني" تتحدث مع الطبيب المعالج لزوجها بعدما غادر "إسلام" الغرفة على مضض، تهمس بوهن شديد من بين شهقاتها مرددة..
"طمني عليه يا دكتور ربنا ميوجعش قلبك على غالي أبدًا"..
"اطمني يا حاجة.. متقلقيش.. الحاج حالته بتتحسن".. نطق بها الطبيب بعملية أثناء فحصه ل "عبد الحميد"..
تطلعت من بوجهه زوجها بأعين تفيض بالدمع، و بضعف قالت..
"عبد الحميد.. رد عليا يا غالي.. بحلفك بالله ما توجع قلبي عليك أكتر من كده.. فوق يا أخويا أنا وولادك محتاجنلك.. قوم يا عبدو أحنا ملناش غيرك بعد ربنا يا أخويا"..
و كأن حياته كانت معلقة بها هي،" مني" زوجته الحبيبة التي وصل صوتها لسمع زوجها الغارق بغيبوبته أنعشت روحه المرهقة، و أعادت أنفاسه التي تنبع من أنفاسها هي.
" مني".. نطق بها" عبد الحميد " بصوت خافت بالكاد وصل لسمع الطبيب الواقف بجواره، و الذي ظن لوهله انه ربما يتخيل، فلم يهتم كثيرًا..
بينما زوجته استمعت همسه هذا بقلبها، ظهرت الفرحة الغامرة على ملامحها الباكية، و بتقطع قالت..
" أنا هنا يا عبدو..أنا هنا يا حبيبي"..
نظرت للطبيب و تابعت بأنفاس متهدجة من شدة أنفعالها..
"جوزي فاق يا دكتور.. عبدو فاق"..
نظر لها الطبيب، و هو يغرس أبرة طبيه داخل المحلول المعلق بيد "عبد الحميد" مغمغمًا بأسف.. "لسه يا حاجة.. ادعيلو ؟!"..
توقف عن الحديث، واعتلت ملامحه الذهول حين وصل لسمعه هذه المرة صوت "عبد الحميد" الذي ردد أسم زوجته ثانيةً دون أن يفتح عينيه..
...................................... لا إله إلا الله 🥀...............
.. أمام غرفة العناية..
يجلس" نوح" بجانب" إسلام " الجالس أرضًا على قدميه، واضعًا رأسه بين كفيه و يتحدث بصوت مرتجف يظهر مدي ضعفه، و قلة حيلته..
" أمي سامحتني.. بس أبويا عمره ما هيسامحني على اللي عملته في امي و أختي يا نوح"..
رفع رأسه ببطء و نظر له نظرة يكسوها الحزن و الندم مكملاً..
" هيسامح في حقه هو.. لكن حقهم هما مستحيل، و معاه كل الحق.. أنا أستاهل كل اللي يعمله فيا بس يفوق، و يقوم بألف سلامة، و أنا مستعد لأي عقاب حتي لو هيحبسني أنا موافق"..
" أجمد يا إسلام، و بطل كلامك دا علشان الحيطان ليها ودان، و البوليس على وصول علشان ياخدوا أقوال مامتك".. قالها" نوح" بصوت خافت، و تابع مستفسرًا..
" أنت فهمت والدتك هتقول أيه لما يسألوها.. علشان يبقي كلامكم واحد "..
حرك" إسلام " رأسه بالايجاب، و بتنهيده قال..
" هي من نفسها من قبل ما أقولها كانت ناوية تقول أن مش أنا اللي عملت فيهم كده"..
هب" نوح" واقفًا، و مد يده ل "إسلام" و ساعده على النهوض و تحدث بتعقل قائلاً..
" إسلام اللي حصل دا درس ليك.. أتمنى يكون فوقك لنفسك و رجعك لعقلك، و تبعد بقي عن اللي شربوك مخدرات ووصلوك للي أنت فيه دا، و أوعى تكلمهم تاني "..
" إسلام ".. " فوقت.. والله فوقت يا نوح، و اتربيت من أول و جديد و اتعلمت الأدب و من بكرة بإذن الله هرجع لوظفتي، وهدور على شغل تاني جنبها علشان اقدر أسدد ديوني"..
" لو على الشغل أمره سهل.. لو حابب تنزل معايا من بكرة في المصنع بعد ما تخلص وظيفتك "..
قالها "نوح" بابتسامة بشوشة، و تابع بتساؤل..
" أنت بتخلص شغل على الساعة كام؟! "..
" إسلام " بلهفة غريق تعقل بأمل جديد ربما ينقذه من أعباء ديونه.." بخرج من الشركة الساعة 3 ونص بالظبط.. ممكن اخلص و أجيلك على طول"..
" نوح".. " روح الأول غير هدومك و اتغدا و ارتاح ساعتين و تعالي استلم شغل من الساعة 6 ل 12 بليل، و هظبطلك المرتب، و بالنسبة للديون متشلش همها خالص قولي بس أنت عليك أيه و أنا هدفعهم و أبقى اخصم جزء من المرتب كل شهر"..
ضحك" إسلام " رغم أن عينيه امتلئت بالعبرات، و بلحظة كان احتضن" نوح" بقوة و هو يقول..
" أنت أجدع صاحب قابلته في حياتي يا نوح"..
" أنت اللي ابن حلال و ربنا حب يسترها معاك بسبب دعاء والدتك ليك يا إسلام "..
قالها" نوح" و هو يربت على ظهره، و ابتعد عنه وتابع بغضب مصطنع.. "سيبني اتكل على الله أنا بقي أروح شغلي.. لأني اتأخرت جداً، و هبقي أعدي عليك على العصرية كده وقت الغدا"..
" تمام يا صاحبي.. هستناك ".. أردف بها" إسلام " و هو ينظر حوله يبحث عن" يوسف" مكملاً..
"هو يوسف لسه مجاش لحد دلوقتي ليه؟!"..
ظهرت ابتسامة مشاكسة على وجه" نوح" و اجابه و هو يستعد للسير بجدية مصطنعة..
" تصدق أنا تقريبًا اديته عنوان مستشفى غلط!! "..
نظر له" إسلام " قليلاً و من ثم انفجرا بالضحك سوياً، و هما يضربان كفهما بكف بعضهما..
.......................... سبحان الله وبحمده 🥀.........
.. بمنزل شرف..
خرجت "آية" من غرفتها على قدميها للمرة الأولى منذ أن دخلت هذا المنزل محموله على يد" نوح"، أرتدت الثياب التي أحضرتها لها "رقية" المكونه من فستان رقيق من اللون الوردي، و حجاب من اللون الأبيض، و حذاء رياضي بنفس لون الحجاب.
هيئتها كانت جذابة للغاية رغم التعب الظاهر على ملامحها الفاتنة..
تسير بخطي متثاقلة، عينيها تدور بالمكان من حولها تبحث عنه، كانت صامتة لا تتحدث بينما بداخلها ضجيج، خاصةً قلبها الذي يصرخ بأسم منقذها "نوح" تتمني لو تلمح طيفه فقط قبل أن تغادر.
"مستعجلة تسبينا وتمشي ليه بس يا آية"..
قالتها "ندي" و هي تقترب منها و تضمها بحب مكملة..
"طيب أستنى لحد ما أبيه نوح يرجع من الشغل علشان يوصلك هو"..
كم تتمني أن تنتظره حتي يعود، وجوده معاها يشعرها بالأمان الذي فقدته مؤخرًا،أصبح هو فقط لا أحد غيره يجعل الاطمئنان يغزو قلبها..
" هو نوح بيرجع أمتي يا ندي؟"..
همست بها "آية" بخجل شديد..
"هو بيجي متأخر.. بس ممكن اتصلك عليه هسيب كل حاجة و يجيلك على طول"..غمغمت بها "ندي" وهي تمسك هاتفها و أسرعت بطلب رقم شقيقها.
"أهو بيرن.. خدي ردي أنتي عليه"..
قالتها و هي تضع الهاتف بكف يدها،
تسارعت نبضات قلب" آية "، حبست أنفاسها، و رفعت الهاتف على أذنها تنتظر سماع صوته بجسد ينتفض..
" أيوه يا ندي"..
" أنا آية ".. نطقت بها بستحياء، صوتها الناعم زلزل كيانه دفعة واحدة ، لتزيد هي لهيب قلبه حين تابعت بنبرة راجية..
"نوح عايزه أشوفك قبل ما أمشي"..
قبل أن تتم جملتها كان تحرك "نوح" من مكانه بخطي مهرولة، يود لو يسابق الرياح حتي يصل إليها، و قد سقط قلبه أرضًا حين تخيل المنزل من غيرها..
"دقايق وأبقى عندك.. أوعى تمشي لحد ما أجيلك يا آية"..
قالها، و هو يصعد على ظهر دراجته البخارية و انطلق بها بسرعة الرياح..
بينما هي أجابته بكلمة واحدة بصوتها الهامس..
"مستنياك"..
•تابع الفصل التالي عبر الرابط التالي:-"رواية انذار بالقتل"اضغط على اسم الرواية