رواية في غيابة الجُب الفصل السابع عشر بقلم نعمة حسن
رواية في غيابة الجُب الفصل السابع عشر
في الصباح إستيقظت لينا بنشاط و حماس علي عكس الأيام الماضيه، فاليوم يوم اللقاء.
كانت تُمنّي نفسها باللحظه التي ستلتقي والدتها بها، ستلقي بنفسها إلي حضنها سريعاً و تغمرها حتي تشبع شوق قلبها إليها.
إرتدت ملابسها و تأنقت ثم نزلت إلي الأسفل فوجدت والدها يجلس بغرفة مكتبه و يطالع شيئاً ما.
دخلت الغرفه وهي تقول: بابي.. بعد إذنك رزق هييجي معايا أشتري شوية حاجات.
أومأ دون أدني إعتراض قائلاً: براحتك يا بابا.. أنا كمان هخرج دلوقتي ومش هعرف أرجع علي الغدا.. فلو حبيتي خلي رزق ياخدك مطعم و إتغدوا سوا بدل ما تيجي تاكلي لوحدك.
إزدادت سعادتها وهي تقول: تمام ماشي.. باي.
خرجت فوجدت رزق ينتظرها بداخل السيارة فصعدت إلي جانبه و ترتسم علي وجهها إبتسامة عذبه إزدادت عندما قال:
_صباح الخير يا فله.
قالت ضاحكه: صباح النور يا زوزي.
_ مين يختي؟!
=زوووووزي.
_إمممم.. زوووزي.. عليه العوض في الرجاله اللي تفضل تربي في شنباتها وعضلاتها و يتقالهم في الآخر يا زوزي.
=الله.. أومال أقوللك إيه طيب؟!
_قوليلي أي حاجة ماعدا زوزي ده الله يسترك.. مش حلوة في حقي يعني.
ضحكت ملء فمها وقالت: خلاص يبقا هقولك يا زيزو.
_زيزو معقول شوية.. وبعدين يا حبيبي إنتي كفايه تقولي رزق بس.. رزق لوحدها بتخليني مش علي بعضي.
نظرت له بمكر وقالت:كنت فكراك خجول وهادي..طلعت حلمنجي.
توقف بالسيارة فجأه وهو ينظر لها بتعجب ويقول:
_طلعت إيه؟!
أجابت بهدوء:حلمنجي.
إنفجر ضاحكاً بشدة وقد أدمعت عيناه من فرط الضحك وهو يقول:حلمنجي إزاي يعني؟
_مش عارف حلمنجي يعني إيه؟!
قال وهو يجاهد كي يكتم ضحكاته المتتاليه:
=لا والله أول مرة أسمعها..في حلنجي وفي كلمنجي إنما حلمنجي دي جديدة.
زفرت بتأفف وهي تقول بملل:مفرقتش يعني يا رزق..نفس المعني..ملوش لزمه كل الضحك ده.
وجنتيها كالأطفال وهو يقول كمن يداعب طفلته:
_حبيبي ده يا ناس..بتتكلمي عربي مكسر؟!ده أنا بيضالي في القفص.
قال الأخيرة بمزاح ساخر لتفاجئه هي بسؤالها:
_هي مين؟!
=مين إيه!!
_مين اللي بيضالك في القفص؟!
=أمي...ألطم؟!إسكتي خالص يا لينا لحد ما نوصل.
أدار محرك السيارة مرة أخري فقامت هي بتشغيل كاسيت السيارة لتصدح أغنية ألهبت مشاعرهم و أضفت لحظات رومانسيه للغاية...
كان ضروري تلاقيني مهما طالت سنيني من قبل الحياه وانا حاسه قابلتك زمان
ياما شفايفك قالولي وهما بيهمسولي بحبك وايوة ده صوتك وصورتك كمان
ومن قبل البدايه بيني وبينك حكايه رجعنا من النهارده نعيشها في نفس المكان
هواك اجمل معاني ملت روحي وكياني مجرد حبيبي بشوفك بحس بامان
بحس بامان حتي وانا بتنزل علي كتفك دموعي وانت جارحني مدويني يا حبيبي
بحس بامان يملاني لو بنطق حروف اسمك ساعتها لو بموت ترجعلي روحي يا حبيبي
توقف بالسيارة بغتةً وهو ينظر لها بعشقٍ خالص وتبادله هي نظرات هادئه أججت ثورة مشاعره.
واغرب ما في حياتي عاشقه وياك اهاتي وعارفه ان جوة قساوتك مداري الحنان
في حاجه نفسي فيها وياما حلمت بيها تاخدني حبيبي في حضنك ويقف الزمان
ده من قبل البداية بيني وبينك حكاية رجعنا من النهاردة نعيشها في نفس المكان
هواك اجمل معاني ملك روحي وكياني مجرد حبيبي بشوفك بحس بأمان.
لم تنتهي الأغنية إلا وقد جذبها إلي صدره يحتضنها بشدة و هو مغمض العينين،يتمني أن يتوقف الزمن بهم فعلاً،يعتصرها بين احضانه يريد أن يخبأها كليّاً بداخله.
_رزق!
نطقت بها لينا وهي تتعجب ضمه إليها بتلك الشدة فهمهم متسائلاً دون أن يبتعد عنها.
_هممممم؟!
=عضمي هيتكسر..إنت حاضني جامد ليه كده؟!
الحمقاء!!هل تتسائل؟!
إبتعد عنها وهو ينظر بداخل عينيها ولا يحيد ببصره عنها وهو لايزال شبه ملتصق بها فقال:
_إنتي بتسألي؟!
ثم زفر بخفه قائلاً:إنتي بتجري في دمي يا لينا.
أسرتها كلمته و تشبيهه فأغمضت عينيها و أسندت جبهتها إلي جبهته وهي تطلق زفيراً إستنشقه هو بحب بالغ ثم إقتنص شفتيها بقبلة شغوفه جعلتها تفتح عينيها إلي آخرها بدهشه لم تملك غيرها.
لم تكن حاضرة،لقد كانت مغيبه إثر قبلته الهوجاء تلك.
إبتعد عنها وهو يلتقط انفاسه المبعثرة ويقول:
_أنا هتكلم مع مامتك النهارده..لازم تعرف إني بحبك و عايز أتجوزك.
أسعدتها كلماته تلك ولكن اصابها القلق فسألته:
_طيب و بابي؟!
اومأ وقال:أكيد هفاتحه في الموضوع بس مش دلوقتي..يومين لما كل حاجه تتحل.
_رزق هو أنا ليه حاسه إنك مخبي عليا حاجه؟!
=هبقا بكدب لو قولتلك لأ..وأنا مش عايز أكدب عليكي.
_يعني مخبي!!
أمسك بوجهها بين كفيه وهو يقول:
=لينا أنا عايزك تعرفي حاجه..محدش في الدنيا بيحبك قدي والله العظيم..ولا حد بيخاف عليكي قدي بردو..خليكي واثقه إني عمري ما أغشك أو أخدعك..بس كل حاجه ليها وقتها..خلاص؟!
هزت رأسها أن نعم وقالت:خلاص.
إستمعا إلي رنين هاتف رزق فقال:بسمه هانم بترن..إتأخرنا عليها.
أجاب المكالمة قائلاً:أيوة يا مدام بسمه.
_إنتوا فين يا رزق؟!
=خلاص علي وصول أهو..الطريق زحمه بس.
_طيب يلا..إنجز.
بعد حوالي نصف ساعه كان رزق يترجل من السيارة و يقوم بفتح الباب لـ لينا التي نزلت وهي تسترسل معه النظرات المُحبه الفخورة.
إصطحبها إلي الشقة التي تمكث بها والدتها و طرق الباب ففتحت "بسمة"وترتسم علي وجهها أحن إبتسامة قد إشتاقتها لينا كثيراً فإرتمت إلي حضنها تعانقها بحرارة و سالت دمعاتها وهي تقول:
_كده يا مامي؟!هونت عليكي تمشي و تسيبيني؟!
مسحت والدتها علي شعرها بحنان شديد وهي تربت علي ظهرها قائلة:
_طيب إدخلي الأول ونتكلم..إتفضل يا رزق.
دلف كلاهما للداخل وجلست لينا بجانب والدتها وهي مازالت تحتضنها بإشتياق و قالت:
_إيه اللي حصل يا مامي؟!للدرجه دي المشكله كبيرة و ملهاش حل غير إنك تسيبي البيت؟!
تنهدت بسمة و قالت:لينا يا حبيبتي..إنتي أكتر واحده بتحبيني في الدنيا دي و بتفهميني..إنتي يمكن تستغربي كلامي و تشوفيه مش مفهوم بس أنا بستسمحك متسأليش في أي حاجة دلوقتي.
ثارت أعصابها و غضبت و قالت:هو كل ما أجي أكلم حد يقولي متسأليش؟! هو انا للدرجه دي مليش حق إني أعرف إيه اللي بيجري حواليا؟!
حاولت بسمة تهدأتها وهي تقول:
_يا لينا من فضلك إهدي..أرجوكي متضغطيش عليا عشان تعرفي أسباب..حالياً أنا مش مستعده أتكلم في اي حاجه.
ثم تابعت بحنق:إديني مساحتي زي ما طول عمري مدياكي مساحتك..بتزعلي و تبعدي و تخاصمي و تنعزلي و بسيبك براحتك..أنا كمان ليا طاقه و طاقتي خلصت..سيبيني أتنفس شويه.
إحتدمت المواجهه بينهما ليقول رزق:إهدوا يا جماعه و إتكلموا بالعقل.
سحبت لينا شهيقاً إمتلأت به رئتيها ثم قالت:
_أوكي يا مامي اللي يريحك..بس ممكن أعرف هترجعي البيت إمتا؟!
=مش هرجع يا لينا..أنا و جمال هنتطلق!!
ألجمت الصدمة لسانها و جميع جسدها فرددت بإستنكار:
_هتتطلقوا؟!هتـ...هتتطلقوا ليه؟!
أشاحت بسمة بوجهها إلي الجهة الأخري و إمتنعت عن الإجابه فوقفت لينا أمامها وهي تقول بإصرار:
_هتتطلقوا ليه يا مامي؟!إيه اللي حصل؟!
=أرجوكي يا ليـ.......
قاطعتها لينا بصراخ حاد وهي تقول:أرجوكي إنتي جاوبيني..إيه اللي حصل بين يوم و ليلة يخليكوا تتطلقوا؟!
ثم تابعت بهيستيريه:أه..أكيد القرار ده صادر منك إنتي..أكيد دي رغبتك لأنه مخبي عليا إنكوا متخانقين أصلاً..لو كان بيفكر في طلاق كان قاللي.
وقفت بسمة أمامها وهي تبكي وتقول:لينا لو سمحتي إفهميني..الطلاق مش معناه إني هبعد عنك..لأ خـ......
قاطعتها مجدداً وهي تقول:مش هتبعدي عني؟!اومال هتعملي إيه يا بسمة هانم؟هتيجي تقعدي في البيت معانا و إنتوا مطلقين؟!
_أكيد لأ..بس ليها حل تاني.
=ملهاش للأسف..ملهاش يا مامي..عايزة تبعدي في أكتر وقت أنا محتاجه لك فيه؟!هي دي أمومتك؟!
ثم تابعت وقد أعماها الغضب:نسيت صح..أنا مش بنتك لو كنت بنتك حقيقي كنتي هتموتي ولا إنك تبعدي عني.
صفعتها بسمة بشدة فترنحت للوراء فأمسك بها رزق بشدة و ثبات وهو يرمق بسمة بنظرات غاضبه.
إلتقطت لينا حقيبتها و خرجت من الشقه مسرعه تنزل درجات السلم وهي لا تكاد تري لكثرة بكائها.
لَحِق بها رزق علي الفور و أدخلها إلي السيارة فإنفجرت باكيه و إرتفع نحيبها بشدة فـ مد يده إلي وجهها و مسح عبراتها بيديه وهو يقول:
_خلاص يا لينا بطلي عياط عشان خاطري.
=رجعني الڤيلا حالاً.
_خلينا نروح مكان نقعد فيه لحد ما تهدي.
صرخت به بلهجه لا تقبل النقاش وقالت:
_=رزق.. بقولك رجعني الڤيلا حالاً.
أدار محرك السيارة عائداً نحو الڤيلا كما أمرته وعند وصولهم ترجلت من السيارة مسرعه بإتجاه غرفة مكتب والدها فلم تجده،أغلقت الباب خلفها سريعاً عندما جذب إنتباهها شئ ما....
اللوحه المعلّقه بغرفة المكتب والتي تختبئ خلفها خزنته السرية مائلة بعض الشئ.
ذهبت ورفعتها عن الحائط ثم قامت بفتح الخزنه و اخرجت منها الأوراق جميعها.
جلست علي المكتب و أمامها الأوراق غير آبهه بذاك الذي سيحطم الباب طرقاً.
بدأت بتصفح الأوراق بدايةً من شهادة الميلاد مروراً بـ محضر العثور وصولاً بورقه صدمتها.
"فحص چيني DNA "
قرأت ما يحتويه الفحص بأعين زائغه حتي قرأت نتيجة الفحص والتي جاءت صادمة لها.
إشتدت الطرقات علي باب الغرفه فذهبت و فتحت.
إنفرج الباب فإذ بها تقف كالصنم أمام رزق الذي تسائل قائلاً:
_في إيه يا لينا؟!مالك؟!
رفعت الورقه أمام عينيه و إرتفعت ضحكاتها بهيستيريه حتي سقطت أرضاً أمام قدميه...
في مصر القديمة......
ترجّل من سيارته الفخمه و سار لأول مرة منذ مرور بضع و عشرون عاماً بين تلك الحارات و الأزقه وهي ينظر هنا و هناك متذكراً ماضيه..
وصل إلي العنوان الذي حفظه مليّاً و إرتقي درجات سلم ذلك المنزل المتهالك ثم طرق الباب.
فتح الباب شاباً يافعاً في العقد الثالث من عمره متسائلاً بذوق:
_افندم؟!مين حضرتك؟!
=الشيخ بلال موجود؟!
_أيوة..نقولله مين؟!
=جمال البدري
يتبع الفصل الثامن عشر اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية في غيابة الجُب" اضغط على اسم الرواية