رواية ليلة هروب البائسة البارت الأول 1 بقلم سيد داود المطعني
رواية ليلة هروب البائسة الفصل الأول 1
_ امشي اطلعي برة بيتي يا حلوفة، اياك ترجعي هنا تاني .. انتي طالق طالق طالق
_ حرام عليك، هروح فين بعد نص الليل دلوقتي، أبوس أيدك استنى لحد الصبح
«مشى مجدي ناحيتها بكل قسوة، ومسكها من شعرها يجرجرها قدام اصحابه اللي قاعدين بيحششوا في الصالة»
فتح الباب ورماها برة بدون رحمة..
رفض يخليها تلبس حاجة فوق لبس البيت اللي عليها، رفض يخليها تاخد شنطة أيدها اللي فيها فلوسها وتليفونها واثباتات شخصيتها، ورفض كمان يخليها تاخد ابنها الرضيع اللي بيصرخ جوة ده..
طلعت «مايسة» في عز الليل للشارع، في منطقة عمرانية جديدة قريبة من الصحراء والجبل، مفيش فيها غير كلاب ضالة بتعوي..
مفيش حاجة تسترها، ولا حتى حذاء في رجلها يحميها من وخزات الإسفلت اللي ماشية عليه..
بتبكي وهي هتنفجر من العياط، بتندب حظها وخايفة من ولاد الليل اللي بيرجعوا من القهاوي شاربين مخدرات ومش شايفين قدامهم غير شياطين بترشدهم..
مفيش مكان لمايسة في المنطقة دي غير بيت خالها «أكرم» هو أكبر منها بسبع سنين، وبيشتغل عند جوزها في ورشة السيارات بتاعته، ومن شلة المخدرات اللي بتروح تحشش معاه في البيت..
مشيت المسكينة والرعب حواليها في كل مكان، مش عارفة تروح فين ولا تعمل ايه، وخلت رجليها تسوقها لحد بيت خالها..
الساعة اتنين بعد نص الليل، وكل سكان العمارة نايمين، عمارة خمس أدوار بس وملهاش بوابة ولا بواب، مفتوحة لأي حد يدخل ويخرج زي ما هو عايز..
وقفت مايسة تخبط على شقة خالها في الدور الخامس، ملهاش جرس، والباب حديد علشان الحرامية أكتر من السكان في المنطقة دي، خبط كتير على الباب ومفيش حد بيرد، لحد ما كانت هتفقد الأمل وترجع
...
لكن أخيررا.. .
اتفتح الباب من جوة، وخرجت مرات خالها، بنت شابة عمرها تسعة وعشرين سنة، يعني أكبر منها بتلات سنين بس، شعرها منكوش، ومكشرة، ضاربة بوز ينكد على مديرية كاملة..
أول ما شافت مايسة قدامها اتضايقت، وكشرت في وشها، والمسكينة مش عارفة تتكلم من البكاء ورعشة البرد
_ خالي هنا يا نجلاء؟
_ خالك راجع م الورشة مطحون، وفي سابع نومة دلوقتي..
_ ممكن تصحيه تخليه يلحقني..
_ لا يا مايسة مش هصحيه، ارجعي بيتك بالقرف اللي انتي لابساه ده الله لا يسيئك روحي..
_ حرام عليكي يا نجلا، صحي لي خالي يشوف لي حل في المصيبة دي..
_ يا ستي حلي مشاكلك بعيد عنا .. جوزي مش مكفي مشاكلنا لما هيشيل هم مشاكلك
«مايسة بتنزل تبوس أيدها بلهفة وهي بتبكي»
_ أبوس أيدك يا مرات خالي، أبوس أيدك صحيه يجيب لي ابني
_ أوف .. مصيبة تاخدك انتي وابنك في يوم واحد
«خرج خالها على صوتهم، وكانت عيونه غالبها النوم، عمره تلاتة وتلاتين سنة، وشنبه عريض وكبير، بس جسمه رفيع خالص»
شافها واتنرفذ، وكأنها بعصبية:
_ في ايه يا مايسة؟ عايزة ايه؟ ايه اللي جابك دلوقتي؟
_ إلحقني يا خالي، مجدي طلقني وخد ابني مني، وطردني باللبس اللي انت شايفه.
_ وانا هعمل لك ايه؟ ما اهو طلقك سبع مرات قبل كده، وكل مرة كان تاني يوم بيرجعك .. روحي اقعدي عند بيتك للصبح يا مايسة، يكون جوزك فاق م السطلان اللي هو فيه وهيدخلك علشان تعملي له الفطار
_ مش عايزة ارجع له تاني يا خالي، وعايزة ابني
_ اسمعي يا مايسة! أنا بشتغل عند جوزك، ومش هستحمل منه أي شتيمة في الشغل بسببك، روحي اترزعي قدام بيت جوزك لحد ما يفتح لك الباب الصبح زي كل مرة
_ كرامتي يا خالي اتهانت، هان كرامتي قدام المساطيل اصحابه، كان عايزني أسيح لهم حشيش السهرة .. ولما رفضت ضربني وجرجرني من شعري
_ أووووف .. أمشي من هنا يا مايسة، روحي عند أبوكي، حلي عن سمايا أنا عندي عيال زي أربيهم..
«خالها قفل الباب في وشها ورفض حتى يطلع لها عباية من عبايات مراته تستر بيها نفسها، كل ده علشان يجبرها ترجع لجوزها، ويتجنب التهزئ في الشغل»
مايسة نازلة والليل كل ماله وبيبقى أوحش وأخطر، وتخويفه أكتر..
ماشية تبكي وتترحم على أمها..
أمها اللي ماتت وسابتها لوحدها تشوف الويل ده كله من صغرها.
خالها هو اللي رباها، وبسرعة قام مجوزها لسيده وتاج رأسه الحشاش، علشان ينفرد بالشقة..
الشقة اللي هي تورث فيها حق أمها، وكمان حق جدتها اللي كتبت لها نصيبها فيها علشان خالها ميطردهاش منها..
ومن يوم ما مايسة اتجوزت الحشاش ده وهي عايشة في عذاب، كل يوم يحشش مع أصحابه في بيتها، ولازم تكون سهرانة، علشان تعمل لهم ساندويتشات الكبدة اللي بيجيبوها، قال ايه الحشيش بيخليهم يجوعوا..
مستنقع من القرف عايشة فيه مع واحد متخلف مش حاسس بقيمة النعمة اللي هي فيها، وكل يوم يضربها بالحذاء ويشتمها بأهلها، وبخالها اللي شغال مرمطون عنده، وبيروح يشرب حشيش عنده ببلاش..
أصوات رياح مرعبة، مختلطة بأصوات كلاب في المنطقة، وهي في قمة الرعب، ماشية تتلفت حواليها، مفيش حتى عريية تعدي تنتشلها من اللي هي فيه..
مجدي متوقع إنها زي كل مرة هتنتظر برة البيت لحد الصبح، يقوم من النوم يفتح لها، لكن المرة دي كرامتها نقحت عليها، ورافضة أي رجوع..
كلب صغير نايم في الطريق جنب أمه، ومايسة مش واخدة بالها منه، وداست على ديله، الكلب الصغير قام يصرخ، والمسكينة من خوفها اتفزعت وراحت تجري قدامه..
الكلبة الأم جريت وراه، مع صوت نباح وكانت في منتهى السرعة، وكل الكلاب اتجمعوا عليها وكله بيجري ورا المسكينة..
صراخ، واستغاثات في قلب الليل، لحد ما شافت راجل متلحف ونازل من عمارة، وقالت إلحقني يا عمووو.
الراجل جري ناحيتها ورفع طوبة رماها ناحية الكلاب وقفهم، وبدأ يبعدهم عنها، وشاف هدومها..
_ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم .. لو جن ف «سلام قول من رب رحيم» ولو إنس انتي مين؟ وليه عاملة في نفسك كده؟
_ إنس يا عمو والله إنس، وحياة ابني إنس
_ وليه عاملة في نفسك كده يا بنتي؟
_ جوزي طلقني يا عمو وطردني من بيتي بالهدوم اللي عليا
_ لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، شباب أرعن عديم المسؤولية .. ومين جوزك ده يا بنتي؟
_ جوزي مجدي كاوتش، صاحب ورشة الأمانة
_ أعوذ بالله .. ربنا يكفينا شره
«الراجل خلع التلحيفة بتاعته، ومدها لها
_ خدي يا بنتي استري نفسك ب دي، لفي جسمك كله فيها، وقولي لي أهلك فين؟ رايحة فين؟
_ رايحة عند بابا .. بس مش معايا فلوس للمواصلات
_ تمام فهمت
الراجل رجع بيها البيت، وخلاها تاخد عباية من مراته، وأدالها ١٠٠ جنيه في ايدها، ووصلها لحد موقف الميكروباص علشان تركب من هناك، وهو كمان راح شغله..
الميكروباص خد ساعة بالظبط يحمل، لحد ما الضحى بدأ يظهر، والركاب اجتمعوا ومشي بيهم، والمسكينة دمعتها على خدها، ورايحة بيت أبوها تطلب منه يطلقها من جوزها..
أبوها كان يفطر الصبح بدري، علشان نازل شغله، ومرات أبوها «أم صورم» ست عقربة مش بتكره في حياتها أكتر من المسكينة مايسة..
أبوها جبان بيخاف من مراته، ده حتى هو اللي قام فتح لها الباب، ووشه اتغير لما شافها، ومراته كانت نايمة جوة..
مايسة بتقول له صباح الخير يا بابا
رد عليه بكل خوف وجبن، وهو باصص وراه على غرفة مراته يشوفها برة ولا جوة وقال:
_ مش باين إنه صباح الخير يا مايسة خالص..
_ عايزاك تجيب لي ورقة طلاقي منه يا بابا وتجيب لي ابني
_ ورقة طلاقك من مين؟
_ من مجدي جوزي
_ وهو جوزك ده حد يقدر عليه يا بنتي؟ ده راجل بلطجي، ومقتدر..
«مايسة بتحاول تدخل جوة الشقة تكمل كلامها، لكن إيد أبوها كانت في نص الباب بتعترض دخولها..
الراجل نفسه يخليها تدخل بس خايف..
_____________
وهناك في بيت جوزها، كان مجدي صحي من النوم على صوت صراخ الطفل، وفضل يزعق ويشتم، وينادي على مايسة..
لكن مفيش مايسة، وافتكر إنه طردها من البيت في نص الليل، وجري على الشارع يفتح الباب يشوفها تكون نايمة قدام الشقة، لكن المرة دي مفيش مايسة..
اتنرفذ مجدي، ولف ابنه في بطانية صغيرة، ونزل بيه، ركب عربية هيونداي قديمة قدام العمارة، وطلع بيها على العمارة اللي ساكن فيها «أكرم» خال مايسة، وخبط عليه صحاهم من النوم..
أكرم قعد يعظم له
_ صباح الخير يا حاج مجدي، نورت بيتي يا حاج مجدي، اتفضل يا حاج مجدي
_ ادخل صحي الحيوانة اللي جوة قول لها ابنها بيصرخ من الجوع
_ الحيوانة مين لا مؤاخذة يا خاج؟
_ الزفتة مايسة بنت أختك
_ بس مايسة مش هنا، مايسة راحت لابوها
_ طيب خد الولد ده خليه مع مراتك، وتنزل دلوقتي تروح لابوها تجيبها من شعرها
_ بس انا مش بكلم ابوها
_ مليش فيه .. تروح لابوها وتجيب لي الزفتة دي .. واياك ترجع الورشة من غير ما تكون البنت دي معاك .. ملعون ابوكم على ابو نسبكم
مشى مجدي، ووقف أكرم يسقف على ايديه، ويلطم على خده زي الولايا، وغصب عنه اضطر يلبس وينزل، وهو بيرطن يقول لمراته.
_ يا ريتنا خليناها تنام هنا يا بومة يا بنت البومة
_________
وعند بيت ابو مايسة، كانت المسكينة اتحايلت عليه يدخلها، ودخلت معاه فعلا البيت، وهو بيهرش في دماغه ويقول لها:
_ طبعا انتي مش تحبي تخربي على أبوكي، وتزعلي مراته منه
_ لا يا بابا مش هينفع
_ طيب انتي لو قعدتي هنا ممكن مراتي ترفض، وتاخد عيالي وتسيب لي البيت
«فجأة طلعت مرات الأب، وعلى وشها مرسوم غضب الحياة كلها، وقالت له:
_ أنا مش من الستات اللي تزعل وتاخد عيالها وتسيب البيت .. ده أنا أطردك وأشردك في الشوارع ..
«مرات الأب بصت لمايسة من فوق ل تحت وقالت لها:
_ شقتي أوضتين وصالة يا حبيبتي .. متستحملش قرف تاني أكتر م اللي فيه .. وانتي كلك نظر ..
«الاب اتحرج وبص في الساعة يشوف مواعيد شغله اللي كل مالها وتقرب»
- تابع الفصل التالي عبر الرابط: "رواية ليلة هروب البائسة" اضغط على أسم الرواية