Ads by Google X

رواية و قبل أن تبصر عيناكِ الفصل السادس والعشرون 26 بقلم مريم محمد

الصفحة الرئيسية

      رواية و قبل أن تبصر عيناكِ الفصل السادس والعشرون  بقلم مريم محمد غريب 



رواية و قبل أن تبصر عيناكِ الفصل  السادس والعشرون  

يجلس الآن بشقة أمه، صدره يخفق باللهاث، السوط الذي مزق به جسم إبنه لا يزال في قبضته، يقطر دماء "مصطفى" حتى هذه اللحظة فوق الأرض عند قدمه 
بينما قبضته الأخرى و الملطخة أيضًا بنفس الدماء مفرودة أمام عينيه، لا تكف عن الارتعاش لا إراديًا.. عجبًا ! 
لما كل هذا الإنفعال الآن ؟ أليس هو الذي صمم أن ينزل بولده هذا العقاب الشديد أمام أعين رعاياه قاطبةً ؟ 
و هو بذاته الذي أراد إذلاله ثأرًا لشخصه هو بالمقام الأول.. إذ كثرت أخطاؤه أمامه بالآونة الأخيرة و صار يتبجح عليه بجرأة ملفتة للأنظار... بالنسبة إليه مئة بالمئة قد إستحق "مصطفى" ما حاق به 
و لكن... بعد كل ما جرى.. بعد محيئ "رزق" تحديدًا و إنقاذه لأخيه من قبضته.. لماذا هو مبعثر الفكر هكذا ؟ 
لماذا يشعر بالارتباك و هو نادرًا ما يحدث له بحياته !!! 
-إرتحت يا إمام إنت و بتك ؟؟؟ .. هدر صوت الجدة "دلال" بكل هذا القدر من الغضب و الحسرة في آنٍ 
كانت الدموع بعينيها تترقرق مهددة بالسقوط في أيّ لحظة، بينما يقف إبنها الأوسط أمامها مطرق الرأس كتلميذٍ معاقب يستمع لتوبيخها المتواصل : 


-بهدلة مصطفى قصاد الخلق بردت قلوبكوا ؟ لو كان أبوه خلص عليه خالص كنتوا هاتتبسطوا أكتررررر ؟؟؟؟؟ 
حاول "عبد الله" الذي إنضم إليهم حديثًا أن يتدخل و هو يغلق باب الشقة الآن حتى لا يصل الحديث إلى الخارج : 
-ياما إهدي شوية. مش حلوة العصبية دي عليكي.. إللي حصل حصل بقى خلاص 
دلال بصراخٍ منفعل : 
-لأاااااا. مش خلاااااااص.. أنا قلبي ده قايد ناااار. أول مرة تحصل. أول مرة أسمع و أشوف. الراجل يتجلد و يتقل منه عشان حرنان على شرفه ؟؟؟؟
و بتك يا إمام إللي تستاهل كسر رقبتها. قسمًا يمين بالله أنا لو كنت بصحتي كنت طلعت أنا و جبتها من شعرها تحت رجلي. إللي تقفل على روحها باب الأوضة و قال إيه خايفة
خااااايفة من إيه الـ××××× دي ؟؟؟؟
إللي أصغر منها عنيهم بجحة و ما يصدقوا يشوفوا راجل أصلًا و إنتوا تخيل عليكوا الحركات إللي عملتها السافلة قليلة الرباية
الله يرحمه أبوك لو كان عايشلها ماكنش طلع عليها صبح. إنتوا خيبتوا كلكوا خلاص. مابقتوش رجااااالة ... 
-خلاص يامــــا !!! .. صاح "سالم" مقاطعًا إياها فجأة 


رفع رأسه مصوّبًا نحو أمه نظراته المحتقنة بمشاعره المتضاربة كلها، ثم قال بحدةٍ رعناء : 
-الموضوع ده إنتهى. محدش هايجيب سيرته تاني أصلًا و إن سمعت بيه هاقطع لسان و خبر أي حد ممكن ينطق بكلمة تانية.. حتى لو كان من أهل البيت ده !! 
و هب واقفًا بلحظة ساحبًا شال عباءته على كتفه، ثم مضى كعاصفة من بين أخويه، فتح باب الشقة و عبر خلاله قاصدًا شقته بالأعلى ... 
لكنه جمد فجأة حين رأى إبنته "سلمى" تجلس بمنتصف الدرج، تلتصق بهيكل الدرابزون الحديدي و تبكي كالأطفال.. فما إن رأت أبيها حتى قامت فورًا و راحت تتخبّط بمكانها باضطرابٍ و هي تبكي بحرقةٍ أشد
بينما يرمي "سالم" السوط المدمى من يده، و يهرع نحوها و هو يصيح متسائلًا : 
-سلمى !
مالك يا حبيبتي ؟؟؟ 
حاول أن يمسك بها بادئ الأمر، لكنه أقلع عن الفكرة حين شاهد الذعر منه بعينيها و شلّته الدموع الغزيرة التي أغرقت وجهها الجميل، فعوض ذلك قال بصوتٍ هادئ لاستمالتها : 
-سلمى. حبيبة أبوكي... إنتي خايفة مني ؟ 
لا إراديًا وجدت الفتاة نفسها تومئ له أن نعم، فوقع عليه جوابها كقبضةٍ حديدية إعتصرت قلبه.. أغمض عينيه بشدة للحظة، ثم فتحهما و نظر لها مرةً أخرى 
رسم ابتسامة خفيفة على ثغره و قال بلطفٍ : 
-ماتخافيش.. إنتي بالذات إوعي تخافي مني. إنتي ماتعرفيش غلاوتك في قلبي إزاي.. أنا عمري زعلتك ؟ عمري مديت إيدي عليكي و لا زعقتلك حتى ؟! 
هطلت دموع الفتاة على خديها أكثر و هي تهز رأسها للجانبين بقوة، فاتسعت ابتسامة "سالم" و هو يتقرب منها ببطءٍ قائلًا : 
-و لا عمري هاعمل كده. أوعدك.. معقول مش بتصدقي أبوكي !!! 
ردت "سلمى" بين شهقتين مريرتين : 
-بصدقك ! 
و ارتمت بين ذراعيه.. محطمة و مقهورة بحزنها ... 
ضمها "سالم" بحنانٍ إلى صدره و غمغم مقبلًا رأسها : 
-حبيبة أبوكي إنتي.. حبيبتي و قلبي يا سلمى.. إوعي تخافي مني أبدًا. إستحالة يطولك مني أذى.. إنتي بالذات ! 
-مصطفى !!! .. نطقت "سلمى" بصعوبةٍ و قد تضاعفت شهقاتها 
تنهد "سالم" بثقلٍ و هو يربت على كتفها مواسيًا : 
-هايرجع. ماتقلقيش عليه.. أخوكي رزق معاه. مش هايرجع غير بيه.. ماتخافيش بقى.. يلا تعالي معايا ! 
ثم حملها و صعدا معًا إلى شقته ... 
_______________
في إحدى المستشفيات الخصوصي ... 
حيث نقل "رزق" أخيه و دفع بالكارت البنكي مبلغًا طائلًا قبل أن يسمحوا لهم بالدخول، جاء طاقم التمريض بسرعة و حملوا "مصطفى" المغشي تمامًا إلى قسم الطوارئ 
أرادت "هانم" أن ترافقه لكنهم لم يسمحوا لها مطلقًا ،فأبقى عليها "رزق" بجواره متحدثًا إليها بلباقته المعهودة : 
-سبيهم يشوفوا شغلهم يا مرات أبويا . أوضة الكشف متعقمة ماينفعش يدخلها ألا المصاب و الدكاترة بس.. ماتقلقيش مصطفى هايبقى كويس ! 
و بقى بمكانه أمام غرفة الفحص لم يتحرك أبدًا، بينما "هانم" تلقي برأسه فوق صدر إبنها الأصغر "حمزة" باكية.. و إذ نجح الأخير في تهدئتها قليلًا 
أشار له "رزق" ليقترب، فترك أمه مع وعد بالعودة إليها سريعًا، إقترب من أخيه أكثر، ليخاطبه "رزق" بصوتٍ خفيض صارم : 
-إحكيلي إللي حصل كله يا حمزة. قولي أبويا عمل في مصطفى كده ليه ؟ و إزاي عمامي سابوه ؟؟!!! 
عض "حمزة" على شفته شاعرًا بالخجل مِمّ هو على وشك البوح به، لكنه أمام تصميم أخيه الأكبر اضطر لسرد كافة الأحداث الأخيرة كلها عليه بايفاءٍ و إيجاز ... 
-كل ده حصل و أنا نايم في الخط ؟!!! .. علّق "رزق" مذهولًا عقب أن فرغ "حمزة" من حديثه 
رد "حمزة" بتوترٍ جلي : 
-القيامة قامت في بيتنا إمبارح.. مصطفى كان زي التور الهايج بالظبط. محدش كان قادر يسيطر عليه.. تصور أنه رفع السلاح في وش أبويا !! 
إسودت زرقة عينا "رزق" فجأة و هو يغمغم بغضبٍ مضمر : 
-أبوك غلطان.. محدش غلطان غيره ! 
نظر له "حمزة" مدهوشًا و لم يتكلم ... 
ليسمعوا بعد لحظة باب غرفة الفحص ينفتح، ثم يظهر من خلفه كبير الأطباء، كانت "هانم" أول من طارت تجاهه 
بينما مشى كلًا من "رزق" و "حمزة" في إثرها ... 
-إبني في إيه يا ضاكتور ؟؟؟ .. هتفت "هانم" بصوتٍ أقرب للصراخ و هي تمسك بكم بزّة الطبيب المعقمة 
-إبني كويس صح ؟؟؟؟!!! 
كانت دموعها تتساقط من عينيها بلا إنقطاعٍ 
في المقابل عمد الطبيب إلى تهدئتها قائلًا بلهجة متحفظة : 
-ماتقلقيش يا مدام إبنك كويس أوي. مافيش أي حاجة تستدعي الخوف ده كله.. إحنا جوا كشفنا عليه مافيهوش أي إصابات غير آثار التعذيب الواضحة على ضهره. و دي تتعالج بكل سهولة و تشفى آثارها بسرعة كمان مع المواظبة على الأدوية إللي هانكتبهاله 
تداخل صوت "رزق" الرزين مع صوت الأخير : 
-يعني هو يقدر يخرج معانا يا دكتور ؟ 
نظر له الطبيب و أجاب : 
-طبعًا يقدر.. بعد المحاليل إللي علقناهاله ما تخلص يقدر يخرج طبعًا. بس أنا من رأيي يقعد إنهاردة تحت الملاحظة خصوصًا لو حابين تقدموا محضر بالواقعة.. إللي أنا شوفته إن دي آثار تعذيب و إعتذاء بالضرب المبرح أدى لفقدان الوعي ! 
لوّح "رزق" بيده بالهواء قائلًا بنفيٍ جازم : 
-لالا مافيش محاضر هاتتقدم. أنا موافق يقعد إنهاردة تحت الملاحظة.. بس منغير محاضر و لا حاجة 
هز الطبيب كتفيه : 
-إللي تشوفه حضرتك.. عن إذنكوا طيب عندي عملية كمان ربع ساعة. يدوب أجهز 
تمتم "رزق" مفسحًا له ليمر : 
-إتفضل ! 
بينما جاءت "هانم" لتمضي ناحية الغرفة، فقبض "رزق" على رسغها و قال بحزمٍ لطيف : 
-مش هاينفع تدخلي يا مرات أبويا. قولتلك أوضة الكشف مابيدخلهاش إلا الدكاترة.. هما شوية و هايطلعوه و ينقلوه أوضة مخصوصة. إبقي شوفيه هناك براحتك 
ثم إلتفت صوب أخيه مستطردًا : 
-حمزة.. تخليك جمب أمك ماتسيبهاش. أنا طالع و راجع تاني.. مش هتأخر 
-رايح فين يا رزق ؟؟ 
-رايح لابوك ! .. قالها "رزق" بصوت أكثر خشونة 
و عبث في جيبه للحظة، ثم أمسك بكف أخيه و دس به بضعة من الأوراق النقدية قائلًا : 
-خلي دول معاك لو إحتاجتوا أي حاجة تتصرف بيهم.. أنا مش هتأخر زي ما قولتلك ... 
قاطعته نغمة هاتف "حمزة" المألوفة، إذ سمعها "رزق" لأكثر من عشرون مرة خلال مجيئهم إلى هنا.. و حتى هذه اللحظة ... 
-مين بيكلمك ؟ .. سأله "رزق" باقتضابٍ 
تأفف "حمزة" بنفاذ صبرٍ و هو يستلّ هاتفه من جيب سرواله الخلفي مغمغمًا : 
-كلهم.. كلهم بيكلموني. ستي و عمامي.. تخيل حتى عمي إمام بيكلمني. قال يعني عاوز يطمن هلى مصطفى ! 
أمره "رزق" بصرامةٍ حادة : 
-ماتردش على حد.. إوعى ترد عليهم. أنا بنفسي رايحلهم 

يتبع الفصل  السابع والعشرون  اضغط هنا

google-playkhamsatmostaqltradent