رواية امرأة العقاب البارت التاسع والعشرون 29 بقلم ندى محمود توفيق
رواية امرأة العقاب الفصل التاسع والعشرون 29
تستطيع رؤية العُقاب في السماء ..
لكن لا يمكنك تعقبه ..
فانقضاضه يكون مفاجيء وغير متوقع ! .
طالت النظرات الثاقبة في عيني عدنان يصوبها كالسهوم الجارحة في عين نشأت .. الذي يجلس بدوره في صلابة وقوة .
لم يسمع قط عن انقضاض الجوارح المفترسة كيف يكون ولكنه سيكون من المميزين الذين سيشاهدون العرض بعيناهم ! .
بدأ عدنان هادئًا بشكل يثير القلق ويمسك بيده قلم يطرق بسنه على سطح المكتب محدثًا صوتًا مزعجًا .. وبالخارج كانت جلنار تقف أمام الباب تستند بأذنها تستمع لحديثهم .. تترقب سماع رده لكن لا يوجد بالغرفة صوت سوى صوت طرق القلم ! ، وإذا بها آخيرًا تسمع صوت عدنان الذي أجاب :
_ اطلقها ليه ؟!
هتف نشأت بغضب :
_ عشان هي مش عايزاك ياعدنان !
يستمر في الطرق فوق سطح المكتب بالقلم ويبتسم في شكل مريب مجيبًا ببرود :
_ بس هي مقالتليش كدا !
نشأت بعصبية حقيقية :
_ اسمع ياعدنان أنا سبق وغلطت لما جوزتك بنتي ودلوقتي جه الوقت اللي اصلح غلطتي
رفع القلم وقلبه بين أنامله ومازال يحتفظ بإطار بروده وهدوئه المزيف حيث رد عليه :
_ هو قرار حلو ويحترم طبعًا .. بس أنا مش هطلقها
هب نشأت ثائرًا وصاحب به :
_ يعني إيه مش هتطلقها .. دي بنتي وأنا بقولك هي مش عايزاك ولازم تطلقها
وقف عدنان هو الآخر بدوره وسار نحوه يهتف بنبرة صوت بدأت تظهر خشونتها :
_ بنتك مراتي وهتفضل مراتي سواء وافقت أو رفضت
_ إنت متستاهلش جلنار وأنا اللي كنت قذر وبعت بنتي عشان شغلي ومصلحتي
فقد أعصابه ولم يعد لديه القدرة على تصنع البرود أكثر من ذلك ، فانفجر بنشأت كالثور يصرخ به بعينان حمراء كالدماء :
_ كنت قذر ومازالت يانشأت متعملش قدامي دور الأب المثالي والمحب .. دلوقتي افتكرت بنتك وجاي تقولي طلقها .. عايز تصلح علاقتك بيها يبقى بعيد عني ومتحاولش تفصلها عني .. لأن ده مش هيحصل ، جلنار وبنتي هيفضلوا معايا وجنبي ومش هطلقها .. تحب أعيد تاني ولا المعلومة دخلت !
ابتسم نشأت بسخرية وقال في نظرات شيطانية وساخطة :
_ إنت عارف إني اقدر اخليك تطلقها إن مكنش برضاك يبقى غصب عنك .. وإذا كنت أنت ابن الشافعي فمتنساش إني نشأت الرازي والاسم ده إنت عارف كويس أوي يقدر يعمل إيه
ضيق عدنان عيناه باستغراب يجيبه بصوت متحشرج :
_ تقصد إيه ؟!
نشأت بشيطانية وغضب عارم :
_ يعني زي ما الصفقات اللي بينا من سنين واللي كنت أنا السبب فيها خلت من اسم عدنان الشافعي يبقى ليه وضعه ومقامه في السوق كله .. بحركة واحدة مني اقدر اهد كل ده زي ما عملته .. بفضيحة ليك مثلًا ! .. عشان كدا تبعد عن بنتي بالذوق وتنهي كل حاجة بهدوء زي ما بدأت
انطلقت شهقة مدهوشة من جلنار بالخارج فور سماعها لكلمات أبيها .. ستندلع الحرب الآن إن لم تسرع وتتدخل لتنهي هذه المهذلة وتوقفهم عند حدودهم .. أسرعت وفتحت الباب تهرول وتقف بينهم صائحة بعصبية شديدة :
_ إنتوا إيه اللي بتعملوه ده .. لو هنا نزلت وسمعت كلامكم ده هتقولولها إيه .. بباها وجدها بيهددوا بعض !! .. ثم إن محدش فيكم ليه الحق ياخد قرارات تخص حياتي .. دمرتوها مرة قبل كدا ومش هسمحلكم تدمروها تاني .. أنا بس اللي اقرر عايزة إيه سواء اكمل معاه أو لا
تطلعت لعدنان هاتفة بشجاعة :
_ أنا لو لسا مكملة معاك يبقى اكيد مش عشان إنت رافض تطلقني .. أنا لو عايزاك تطلقني هيحصل وغصب عنك
ثم التفتت لأبيها تقول باستياء :
_ وإنت لو عايز تساعدني بجد يبقى تسيبني إنا اللي اتحكم في حياتي .. إنت لما جيت الصبح قولتلي إنك هتتكلم مع عدنان وهتخليه يطلقني مسألتنيش عن رأى حتى هل لسا عايزة اتطلق ولا غيرت رأى
نشأت بتعجب وصوت حاد :
_ وهو مش إنتي اللي دايمًا بتقوليلي طلقني منه .. ولو عايز تثبت ندمك يبقى صلح غلطتك وخلصني من عدنان .. إيه اللي اتغير !! .. لو مش عايزة تتطلقي امال عايزة إيه بظبط !
صرخت بانفعال شديد ونفاذ صبر :
_ مش عارفة .. مش عارفة أنا عايزة إيه .. كفاية بقى ابوس ايديكم أنا تعبت من أني أكون دايمًا الضحية وسط خنقاتكم ومشاكلكم واتفاقتكم .. أنا اللي في النص بينكم ومبقتش عارفة اعمل إيه زهقت من انانيتكم
اندفعت إلى خارج الغرفة مسرعة فتبادلا هم النظرات المستاءة فيما بينهم وكان عدنان هو أول من يغادر ليلحق بها وأثناء صعوده الدرج قابل صغيرته التي كانت خائفة قليلًا ومدهوشة تسأله :
_ بابي هو في إيه ؟!
جثى أمامها متحضنًا وجهها بين كفيه ويطبع قبلة رقيقة فوق وجنتها متمتمًا بمداعبة :
_ مفيش حاجة ياملاكي .. إنتي قاعدة صاحية لغاية دلوقتي ليه ؟
هنا بعبوس :
_ مامي كانت بتحكيلي قصة عشان انام وقالتلي هتنزل تشلب ( تشرب ) مايه وبعدين مرجعتش وأنا سمعت صوت عالي وخوفت
عاد يلثم وجنتيها بحب تعبيرًا عن اعتذراه .. ثم رفع نظره لأعلى تجاه غرفة زوجته فتنهد بعدم حيلة ويأس ليحمل ابنته فوق ذراعيه ويتجه بها للأعلى نحو غرفتها هامسًا :
_ ايه رأيك اكملك أنا القصة اللي كانت بتحكهالك ماما لغاية ما تنامي ؟
استندت برأسها فوق كتف أبيها وتمتمت برقة :
_ ماشي
بينما نشأت فصعد الدرج خلفهم مباشرة يتجه نحو غرفة ابنته حتى يتحدث معها .
***
رآها تجلس على الأريكة وتستند بمرفقها فوق ذراع الأريكة وبيدها الأخرى ترفعها لوجهها تجفف دموعها المنهمرة .. فتنهد بحزن ودخل ثم اغلق الباب بهدوء شديد وتقدم إليها ببطء ثم جلس بجوارها .. فابتعدت هي للجانب تترك مسافة بينهم دون أن تتطلع إليه لكنها سمعته يهمس بحنو ومشاعر أبوية صادقة :
_ جلنار .. أنا دلوقتي مش عايز حاجة غير سعادتك وراحتك والله يابنتي .. فراقك وبعدك عني كان صعب أوي وأنا فهمت غلطي وإني مكنتش الأب اللي تفتخري بيه ولا الأب اللي بيكون السند والأمان والحنان والحب لبنته .. غلطت ومفيش حد فينا معصوم من الغلط بابنتي .. مامتك لو كانت عايشة .....
اندفعت جلنار تكمل جملته بحرقة ودموع تملأ وجهها :
_ ماما لو كانت عايشة مكنتش هتسمح إن كل ده يحصلي ولا اتظلم كدا .. مكنش أي حاجة من ده كله حصلت
أجفل أنظاره بخزي والم ثم تمتم بعد لحظات :
_ يمكن فعلًا مكنش حاجة حصلت .. كنا هنفضل كلنا مع بعض ومكنش في حاجة هتفرقنا .. هي أكيد مش مبسوطة وهي شيفانا متفرقين كدا يابنتي
انهارت أمامه تهمس ببكاء وصوت متقطع تشهق بقوة :
_ وحشِتني أوي يابابا
اقترب منها يضمها لصدره لأول مرة منذ سنوات ، يملس على شعرها وظهرها بحنو متمتمًا في صوت مبحوح :
_ وأنا كمان وحشتني أوي ياحبيبتي والله .. بس دايمًا بصبر نفسي وبقول إنها في مكان افضل مننا
أدركت أنها بين ذراعيه بعد لحظات فابتعدت عنه بعبوس ، مازالت لا تتمكن من العفو بسهولة هكذا .. ستحتاج لوقت طويل حتى تصفح له ..
أخذ نشأت نفسًا عميقًا قبل أن يسألها بجدية :
_ إنتي عايزة تطلقي منه ولا لا ياجلنار ؟
سكتت لوهلة تفكر في سؤاله .. وتبحث في عقلها عن أجابة .. هل تريد الشتاء أم الخريف ؟ .. بقائها معه يعني المزيد من شتاء قارص وحاد لكنه أيضًا يبعث السعادة في نفسها ويحمل احيانًا بعض الدفء .. أما أنفصالهم فسيكون خريف عاصف وجنوني لا يحمل سوى الرياح القاسية وربما يكون بداية جديدة أو نهاية ! .
لا تجد إجابة .. تنسحق بين عضوين لا يجتمعان على رأى واحد .. كل منهم يريد ما يهواه وكلاهما يتميزان بالعناد .. أي منهما عليها أن تتبع ؟!! ..
هزت رأسها باليأس مردفة بعبوس :
_ مش عارفة .. يمكن أنا محتاجة وقت اكتر عشان اقدر اقرر أنا عايزة إيه واخد القرار الصح
أصدر نشأت زفيرًا حارًا مغلوبًا على أمره ويجيبها بتفهم :
_ طيب مش هضغط عليكي ياجلنار فكري براحتك .. بس اتأكدي إن أي كان قرارك أنا معاكي فيه .. زي ما قولتلك أنا دلوقتي يهمني سعادتك بس
أماءت برأسها له في جمود ملامح وتابعته وهو ينهض وينحنى طابعًا قبلة فوق شعرها ويهمس :
_ تصبحي على خير ياحبيبتي .. عايزة حاجة ؟
انكمشت على نفسها كدليل على أنها مازالت لم تسامحه واكتفت بهز رأسها بالنفي في حزم بسيط .. فتنهد هو واستدار يبعتد عنها حتى غادر الغرفة بأكملها .
***
سمعت صوت الباب ينفتح من جديد بعد رحيل والدها بدقائق ، لا تحتاج للالتفات حتى ترى من ذلك ! .. أساسًا لا يوجد غيرهم بالمنزل الآن .
كانت متسطحة فوق الفراش تنام على الجانب مولية ظهرها للباب ، ضربت خطواته بأذنها وهو يقترب منها ، حتى شعرت به يشاركها الفراش .. وصوت زفيره وتنهده هو الوحيد المسموع .
بالوضع الطبيعي لن تسمح له بإن يبقى بجانبها ، لكنها ليست في مزاج لتتحمل جدال مختلف بينهم ، استمر الصمت والسكون يملأ الغرفة حتى أحست بأنامله تمر فوق خصلات شعرها برقة ، تارة يغلغلها في لطف وتارة يملس فوقه فقط ، كانت على وشك أن تلتفت له وتوقفه لولا أنها سمعت صوته وهو يسألها بضياع :
_ إنتي بتكرهيني بجد ولا دي مجرد كلمة بتقوليها في وقت غضبك مني ؟!
تجمدت بمكانها فور وقع سؤاله المريب عليها .. ذلك السؤال وضعها في مهب الريح ، لوهلة ظنت أنه صوت عقلها من كثرة تفكيرها هل تريده أم لا .. تبغضه أم تحبه ! .
ليس وحده من يحتاج للإجابة على السؤال ، هي أيضًا تحتاج للإجابة التي تبحث عنها في ثناياها ! .
استدارت برأسها للخلف تتطلعه بعمق ثم همست :
_ عايز تسمع إيه !
_ الحقيقة
تنهدت بقوة واعتدلت في نومتها لترتفع بجسدها للأعلى قليلًا مستندة على ظهر الفراش تجيب بصدق :
_ مش عارفة .. يمكن اكون بكرهك ويمكن لا
عدنان باستغراب :
_ معناه إيه ؟!
جلنار ببساطة :
_ يعني مقدرش اجاوبك على سؤال أنا مش لاقية إجابته أساسًا
غمغم مبتسمًا بعبس بسيط ولهجة شبه استنكارية :
_ زي الطلاق كدا مش عارفة إنتي عايزة إيه !
طالت النظر في عيناه بتدقيق وقوة تحاول الولوج والوصول لما يجول داخل ذلك العقل المعقد ، لكنها فشلت فقالت باستسلام ونفاذ صبر :
_ إنت عايز إيه ياعدنان ؟!!
توقعت أن سيمهل نفسه اللحظة للتفكير ثم يجيب لكنه خيب ظنها ووجدته يجيب دون تردد :
_ عايزك
لم تكن سوى كلمة واحدة لكنها نجحت في ثرك بصمتها .. دهشها بثقته وعدم تردده في قول ما يريده بالضبط .. لم يبدي لها قط من قبل عن رغبته بها ، ربما لذلك ادهشتها الكلمة ! .
اكمل كلامه بجدية :
_ امبارح قولتلك مش مستعد اخسرك لأي سبب كان .. وطبيعي لما اسمع نشأت بيقولي اطلقك هتكون دي ردة فعلي
اعتدلت حتى انتصبت جالسة وحدقت في عيناه بقوة تهدر بعناد :
_ ليه عايزة افهم .. عايزاني ليه !!!
عم السكوت للحظات بينهم ، تراه يرمقها مبتسمًا بشكل غريب حتى وجدته يقترب إليها ويستند بجبهته فوق خاصتها .. يتنفس الصعداء بقوة ويخرج زفيرًا دافئًا بتمهل .. ثم يمد كف يضعه فوق وجنتها والآخر امتدت أنامله إلى خصلات شعره يعبث به في نعومة ويهمس أمام وجهها باسمًا بعاطفة جديدة :
_ وكيف يتخلى العُقاب التائب عن زهرته الحمراء !
تطلعت في عيناه مدهوشة .. لم تكن أبدًا تتخيل أنه مازال يتذكر تشبيهها له بطائر العُقاب .. هي لا تذكر أساسًا أنها أخبرته بذلك سوى مرتين أو ثلاثة فقط .. فانطلقت فوق شفتيها شبه ضحكة خافتة امتزجت ببعض الخجل لتجيبه هامسة :
_ لسا فاكر !
هز رأسه بالإيجاب واتسعت ابتسامته أكثر .. طال اقترابهم ووضعهم هكذا لثلاث دقائق تقريبًا كل منهم يستشعر دفء الآخر ويستنشق أنفاسه الدافئة .. علق نظره على ابتسامتها الساحرة برغبة .. تجاهل ذلك الصوت الذي يلح عليه بأن لا ينفذ ما يدور بمخيلته .. فمؤكد أن النتيجة لن تكون محببة .. دفن الصوت ولم يبالي به وتدريجيًا تلاشت ابتسامته وهو يميل عليها حتى ينل ما يرغب به .
هامت ووهنت فاللحظة كانت ستسقط رايتها وتعلن انهازمها إلا أنها استعادت وعيها المفقود باللحظة الأخيرة ودفعته ثم وثبت واقفة من الفراش تصيح به بغيظ :
_ مستغل وعايز تستغل كل فرصة ، بس بعينك تطول حاجة .. في حدود بينا متتعدهاش .. ومتنساش إني لسا مسامحتش ويمكن مسامحش
تعجب من انفعالها المفاجيء وثورانها لكنه مسح على وجهه متأففًا يستغفر ربه بخنق .. ليجدها تسحب وسادة وتحتضنها إلى صدرها وتسير لخارج الغرفة .. حدجها بغيظ وهتف بحدة :
_رايحة فين ؟!!
_ هنام مع هنا في اوضتها
هتف مغتاظًا بلهجة ساخرة ومرتفعة بعد أن انصرفت :
_ مش عايزة تاخدي البطانية معاكي كمان !
لم يسمع رد منها وفقط سمع صوت باب ابنته المجاور لغرفتهم وهو ينغلق .. فتأفف بنفاذ صبر وتمدد على الفراش يعدل من وضيعة وسادته في عنف ويهتف وهو يمد ذراعه ليطفيء الضوء :
_ خلصنا من متلمسنيش دخلنا في الحدود !! .. اووووف
***
وصل إلى طابق شقتها ووقف أمام الباب ثم رفع كفه يطرق بقوة .. ثم ينزل يده وينتظر للحظات وحين لم يجد رد يعود ويطرق من جديد حتى انفتح الباب فجأة على غرة .. ووجدها تتطلع إليه بابتسامة خبيثة ترتدي ثوب أزرق قصير يصل فوق الركبة ومن الأعلى يظهر من جسدها أكثر مما يخفي .
لاحظت تسمره وهو يتفحصها بنظراته فقبضت على ذراعه وجذبته للداخل ثم أغلقت الباب .. وقبل أن تهتف بكلمة كان هو يهتف بعصبية :
_ ايه اللي عملتيه مع زينة ده وازاي تتكلمي معاها أساسًا
اقتربت منه بدلال ثم مدت أناملها تعبث بلياقة قميصه متمتمة بسخرية :
_ قولت لازم اباركلها ياحبيبي
رائد بغضب وهو يزيح يديها عنه :
_ملكيش دعوة بيها خالص
أعادت أناملها مرة أخرى ولكن هذه المرة تمررها بمكر وحركات مدروسة :
_ طيب متعصبش نفسك كدا .. متخفش مش هقولها على اللي بينا أكيد .. بس لعلمك البنت دي ذكية وهتكتشف وحدها
رائد بلهجة محذرة :
_ مش هتعرف لوحدها ولو عرفت يبقى مفيش غير حاجة واحدة بس وهي أن حد قالها وصديقني لو ده حصل هـ ......
_ الله ما قولتلك مش هقولها .. هو إنت جاي عشان تحذرني وبس يعني !
لمس الغنج واللؤم في نبرتها فابتسم بمشاكسة وعيناه تدور على كل جزء بجسدها ثم تمتم :
_ على حسب
تدللت أكثر ورفعت نفسها لمستواه تطبع قبلة ناعمة فوق وجنته هامسة :
_ طب وكدا
انحنى وحملها فوق ذراعيه يستدير ويسير بها تجاه الغرفة وهو يقول بابتسامة لعوب :
_ لا كدا نبقى نفكر جوا بقى
انطلقت منها ضحكة وضيعة بصوت مرتفع .. بينما في تلك الأثناء كان صوت رنين هاتفه يرتفع ولكنه لا يهتم له دون حتى أن يعرف هوية المتصل الذي كان " زينة " !! .
***
في صباح اليوم التالي ........
خرجت مهرة من مقر الشركة بعد انتهاء دوامها اليومي في العمل .. وكانت تسير وعيناها في حقيبتها تعبث بها بيدها بحثًا عن الخاتم الخاص بها بعدما نزعته من إصبعها والقت به في الحقيبة دون اهتمام .
اخرجت يدها أخيرًا ومعها الخاتم وهي تبتسم بانتصار ، وبتلقائية اعتدلت في سيرها ورفعت رأسها تنظر للطريق أمامها لكنها تجمدت بأرضها وفرت الدماء من وجهها بزعر ، يقف على الجانب الآخر من الطريق وينظر لها بشيطانية ووعيد حقيقي .. لطالما كانت تخشى تلك النظرات ومازالت حتى الآن لا تغادر ذاكرتها ، ازدردت ريقها برعب وقد بدأت يدها ترتجف وبحركة تلقائية تقهقهرت للخلف حين رأته يقترب ليعبر الطريق ويصل إليها .. فالتفتت هي إلى الشركة الآن ذلك المكان هو الملاذ الوحيد لها ، هرولت ركضًا تعود للداخل دون أن تتلفتت برأسها للخلف حتى من فرط رعبها .
دخلت الشركة واسرعت تركض فوق الدرج .. وبتفكيرها لا يوجد شيء سوى أنه يلحق بها الآن .. تخشي أن تلتفت برأسها فتجده بوجهها .
وصلت إلى الطابق الثالث الذي تعمل به وبدون تفكير لا تعرف لما قادتها خطواتها المتعثرة تجاه مكتب آدم .. أسرعت إليه وفتحت الباب ثم دخلت واغلقته خلفها ووقفت تلتصق بالباب وتلهث بقوة ويداها ترتجف فوق المقبض .
ضيق آدم عيناه مدهوشًا من دخولها المفاجيء دون أي أذن وكان سيهم بتعنيفها لكنه لمح ارتجافها وخوفها وهي تلتصق بالباب تحكم قبضتها عليه بشكل غريب وتلهث ، نهض من مقعده وتقدم إليها يهتف بتعجب :
_ في إيه يامهرة ؟!!!
إجابته بصوت مبحوح دون أن تلتفت برأسها إليها :
_ كان ورايا .. أكيد بيدور عليا دلوقتي
اقترب أكثر حتى وقف بجوارها وابعد يدها بلطف من فوق المقبض يتمتم في صوت رخيم :
_ هو مين ده اللي كان وراكي ؟
مهرة بحالة هيستريا من الخوف وهي ترتجف وعيناها تذرف الدموع :
_ المرة دي مش هعرف اهرب منه .. ابوس ايدك متخلهوش يأذيني يا آدم
أشفق عليها بشدة لأول مرة يراها بهذه الحالة الغريبة .. فرد ذراعيه وحاوطها من كتفيها بدفء متمتمًا في خفوت جميل يبعث الأطمئنان :
_ محدش يقدر يأذيكي .. اهدي بس كدا وفهميني في إيه ومين ده اللي بتتكلمي عنه !
أخذت نفسًا عميقًا وأجابت عليه وهي لا تزال ترتجف :
_ أنا .. كـ..ـنـ..ـت طـ..طالعة من الشركة وشـ..ـوفته بعدين لقيته جـ..ـاي عليا فـ .. جريت على هنا
احتضن كفها بين يديه وحثها على السير معه حتى وصلا إلى الأريكة .. اجلسها فوقها ومد ذراعه يلتقط كوب الماء الممتلىء ثم يمده إليها فتجذبه من يده وتشربه كله دفعة واحدة بيد مرتعشة ، فور انتهائها جذب الكوب واسنده فوق الطاولة الصغيرة مجددًا وعاد يمسك كفها بيد واليد الأخرى يملس بها فوق ظهر كفها في لطف حتى تهدأ ويهمس :
_ مهرة .. مهرة بصيلي .. اهدي واحكيلي مين ده ، إنتي معايا دلوقتي مفيش حد هيقدر يأذيكي متخافيش
لم يجد إجابة منها فتابع بترقب :
_ اللي كان وراكي ده الراجل الحيوان اللي اسمه ريشا تقريبًا ولا لا ؟
هزت رأسها بالنفي ووثبت واقفة فورًا ثم هرولت نحو النافذة الزجاجية تقف أمامها وتشير على الطريق هاتفة :
_ كان واقف هناك .. أكيد دخل الشركة
نظر إلى حيث تشير بأصبعها ولم يجد أحد ليجيبها باستغراب :
_ مفيش حد يامهرة ومش أي حد يقدر يدخل الشركة
هتفت بانفعال بسيط وخوف :
_ بقولك كان ورايا أكيد دخل
تنهد بقوة ثم ابتعد عنها واتجه إلى مكتبه يمسك بالهاتف ويجري اتصال بأحد من أمن بوابة الشركة الذي اجابه بعد لحظة بالضبط .
آدم بجدية :
_ في حد دخل الشركة دلوقتي بعد أنسة مهرة علطول ؟
_ لا يا آدم بيه محدش دخل .. آخر حد شوفته كان الأنسة
اماء برأسه في تفهم وانزل الهاتف ثم نظر لها وقال بصوت جاد :
_ محدش دخل وراكي !
_ ازاي بس أنا شوفته والله .. كان بيبصلي بطريقة مرعبة واول ما قرب عليا أنا جريت ودخلت الشركة تاني
تقدم إليها ووقف أمامها يلف ذراعه حول كتفيها ويتمتم بلطف وصوت رزين :
_ تعالي يامهرة اقعدي واهدي الأول .. إنتي شكلك مرهقة من الشغل .. واول ما تهدي هاخدك واوصلك بيتك
سارت معه باتجاه الأريكة متطلعة إليه بيأس وتهتف في خوف :
_ آدم أنا شوفته بجد والله أنا مش مجنونه
وصلا إلى الأريكة فجلست هي اولا ثم جلس هو بجانبها وتمتم مبتسمًا بعذوبة :
_وهو مين قال إنك مجنونه بس .. أنا مصدقك بس وارد تحصل حجات زي كدا لما تكوني مرهقة وتتخيلي اشخاص مش موجودين .. عشان كدا بقولك اهدي ومتغشليش بالك انسي اللي شوفتيه أي كان هو إيه ومتخافيش ، وأنا بنفسي هوصلك لبيتك عشان تتطمني
اجفلت نظرها أرضًا عابسة .. هي بالفعل هدأت وارتجاف يديها اختفى لكن بعض الخوف مازال يتملكها .. ولا تصدق أن ما رأته كان تخيلات سخيفة من عقلها .
***
فور عودته للمنزل اتجه إلى غرفة ابنته أولًا كعادته فتستقبل الصغيرة والدها بحرارة وسعادة كما اعتادت كلما يعود للمنزل بعد غياب لساعات طويلة .
خرج من غرفة ابنته واتجه إلى غرفته ليبدل ملابسه ويأخذ حمامه الدافيء حتى يزيح عن جسده إرهاق العمل .
بعدما انتهى .. خرج من الغرفة واتجه إلى المطبخ حيث تقف هي ..
وجدها تقوم بتحضير كعكة ويبدو أنها انتهت منها فقط تضع اللمسات الأخيرة فوقها ، لم يكن هذا ما لفت نظره بقدر الثوب الستان الذي ترتديه .. قصير وبحمالات رفيعة وفتحة الظهر من الخلف تصل لمنتصف ظهرها .. ولون اللافندر لا يقاوم عليها .
ما الذي تحاول فعله تلك الماكرة .. بالأمس لا تسمح له بالاقتراب منها وتثرثر بحدود وأشياء سخيفة كهذه والآن ترتدي هذا ، هل ترغب في فقدانه لجزء من عقله !! .
انتبهت لوجوده فالتفتت له برأسها وهتفت بعفوية :
_ what ?! ( !ماذا ؟ )
عدنان بنظرات دقيقة ونبرة مغتاظة :
_ حلو اللافندر ده !!
لم تعيره الاهتمام المرغوب واكتفت فقط بالرد عليه وهي تكمل تحضير كعكتها :
_ thank you
عض على شفاه السفلية بغيظ ثم تقدم بخطواته إليها يقف بجوارها ويهمس في نظرة مشتعلة :
_ حلو النوم في أوضة هنا ؟!!
لاحظت الغيظ في نبرته المشتعلة فلم تتمكن من منع ابتسامتها ورمقته ببراءة مصطنعة تهمس :
_ جدًا ارتحت أوي الصراحة .. حتى قررت اني انام كل يوم معاها
ابتسم بطريقة مريبة وأجابها مستهزئًا كلامها :
_ كل يوم !!!
_ امممم .. هو إنت عندك مانع ولا إيه ؟!
ضحك ساخرًا يستنكر سؤالها بأسلوب اضحكها :
_ أنا !! .. لا أبدًا .. تحبي انقلك دولابك في اوضتها كمان ؟!
زمت شفتيها برفض تتمالك نفسها من الضحك بصعوبة وتجيب عليها بعذوبة صوتها :
_ لا لا ملوش لزمة وبعدين مفيش مكان في أوضة هنا .. أنا لما ابقى احب اغير هروح اجيب هدومي من الأوضة عادي
عدنان كاظمًا غيظه عنها بصعوبة :
_ اممم كتر خيرك والله
تطلعت إليه بسكون للحظات ولا تنكر أن نظراته المميتة لها اربكتها فصاحت بصوت مرتفع كاتمة ابتسامتها :
_ هنا تعالي ياحبيبتي شوفي cake بعد ما خلص
تستعين بصغيرتها حتى تنقذها من بطش أبيها إذا فقد تملكه لأعصابه .. لا يزال يرمقها بتلك النظرات المريبة فازدردت ريقها بتوتر وعادت تصيح مرة أخرى على ابنتها :
_ يلا ياهـــنــا
ركضت الصغيرة إلى بالمطبخ هاتفة بحماس طفولي :
_ وريني الكيك يامامي
حملتها فوق ذراعيها ترفعها لأعلى حتى تتمكن من رؤيته وبعيناها تتابع نظرات عدنان التي انخفضت تتفحص جسدها كله في ذلك الثوب بتدقيق وأعيان ليست بريئة اطلاقًا .. فقالت مسرعة بنبرة مرتفعة قليلًا تقصده من خلالها وهي تنظر له بشراسة :
_ بصي على الكيك ياهنا ياحبيبتي
فهم تلمحيها وتحذيرها فابتسم بخبث وحرك شفتيه يهمس دون صوت :
_ انهي واحد !
استشاطت غيظًا من تلمحيه الوقح واكملت هذه المرة لصغيرتها لكن عيناها عالقة على أبيها بنارية :
_ تعالي ياحبيبتي نقعد برا على TV شوية
هنا بعبس :
_ طيب والكيك
_ لا ده بليل ياروحي احنا دلوقتي معاد الغدا وبليل نبقى ناكل الكيك
أماءت هنا برأسها في موافقة رغم عبوسها البسيط ، ثم انصرفوا وتركوه يقف بمفرده في ذلك المطبخ الكبير ، انحرفت عيناه على كعكة الشكولاته المتوسطة والمزينة بقطع فراولة من الأعلى وقطع شوكولاته بيضاء تضعها بشكل منظم .. مد يده والتقط قطعة فراولة بالشكولاته صغيرة والقاها في فمه ثم استدار وغادر المطبخ هو أيضًا .
***
_ بس كفاية لغاية هنا أنا هنزل وأكمل وحدي لغاية البيت !
هتفت مهرة بها عندما وصل آدم بسيارته لبداية منطقتها ، لا تريد أن يراها أحد وهي تنزل من سيارته .. يكفي ما تتناقله الألسن في المنطقة حولها .
نظر آدم من نافذة السيارة فمازال هناك مسافة طويلة حتى منزلها .. عاد ينظر لها يسألها بترقب :
_ متأكدة ؟!
أماءت برأسها في إيجاب وابتسمت تهدر بامتنان حقيقي :
_ أيوة كويس أوي لغاية هنا .. متشكرة جدًا يا آدم بيه
ضحك وقال مداعبًا :
_ كنت آدم بس من شوية في المكتب !!
ضحكت هي الأخرى وقالت بمرح تعود لطبيعتها :
_ انا كنت مش قادر اخد نفسي أساسًا .. كنت لسا هقولك آدم بـــيــه .. ايه وجع القلب ده فاختصرت الوقت والمجهود وخليتها آدم بس .. الواحد صحته على قده بقى ربنا يبارلك في صحتك اصل .....
قاطعها مبتسمًا بعدم حيلة :
_ كفاية يامهرة .. أنا كنت لسا هسألك بقيتي كويسة ولا لا دلوقتي .. بس خلاص اخدت الإجابة من غير ما أسأل الحمدلله
مهرة بتلقائية :
_ يعني هيحصلك حاجة لو سبتني في مرة اكمل كلامي .. ما تجيب صبارة وتدفني احسن
قهقه بقوة وأجابها ساخرًا من بين ضحكه :
_ ما أنا لو سبتك والله ما هنخلص .. عشان انتي والراديو نفس الشيء .. لو فتحتيه مبيفصلش غيري لم تقفليه بنفسك
_ طيب يا سيدي شكرًا كفاية
فتحت الباب وقالت بابتسامة سمجة وهي تهم بالنزول من السيارة :
_ استمر كدا في احباطي لغاية ما تقتل روحي الفكاهية ياعدو البهجة
غضن حاجبيه بتعجب لكنه ضحك مغلوبًا على أمره .. وانزل زجاج السيارة يهتف بنبرة مهتمة وهو يضحك :
_ خلي بالك من نفسك !
التفتت له برأسها توميء بالموافقة في ابتسامة ساحرية وتشير له بيدها أن يرحل .. لكنه استمر في متابعتها بعيناه حتى دخلت في شارع موازي واختفت عن أنظاره فادار محرك السيارة وانطلق بها ....
***
بعد مرور ساعات قليلة ......
دخلت هنا الصغيرة على أمها الغرفة وقالت بإشراقة وجه بريئة ولطيفة مثلها :
_ مامي تيتا برا وبابي قالي اقولك تيجي
رفعت حاجبها منذهلة وردت :
_ تيتا برا !! .. طيب ياحبيبتي روحي وقولي لبابا جاية
ابتسمت جلنار بانتصار وثقة فور رحيل ابنتها هاتفة في وعيد :
_ ولسا يا أسمهان هانم .. هتشوفي مني كتير الأيام الجاية
خرجت بعد دقائق ورأتهم يجلسون في الحديقة فذهبت لهم وتقدمت نحوهم بخطوات واثقة ونظرات كلها شموخ حتى وصلت وجلست على مقعد مقابل لعدنان وكانت أسمهان تجلس على الأريكة في المنتصف بينهم .
لحظة من الصمت مرت حتى سمعت أسمهان تهتف باقتضاب لكنها تجاهد في إظهار الصدق المزيف في اعتذارها :
_ متزعليش مني ياجلنار ياحبيبتي .. بسبب اللي حصل في خطوبة زينة .. وعشان عارفة إني غلطت جيت اعتذرلك بنفسي
لا يهمها اعتذراها بقدر ما يهمها أن تراها تطلب العفو منها هكذا وأمام ابنها .. بعد كل ما فعلته معها منذ بداية زواجها الاعتذار ماهو إلا بداية فقط وإرضاء لكرامتها .
فرسمت جلنار ابتسامة صفراء فوق شفتيها وهدرت بعفو مزيف وخبث حتى تثير اعصابها :
_ حصل خير يا أسمهان هانم .. عدنان كان واثق فيا
رأت جلنار نظرة نارية في عين أسمهان مما زادت من سعادتها الداخلية بينما عدنان فكان يتابعهم بصمت وجملة جلنار الأخيرة ادهشته قليلًا .
ارتفع صوت هنا وهي تصيح على أبيها تطلب منه أن يأتي إليها فاستقام واقفًا واتجه نحو ابنته ، وانتهت الجلسة عليهم هم فقط .. قبل أن تهتف أسمهان ببنت شفة قالت جلنار في تهديد وشراسة :
_ خليكي بعيدة عني وعن بنتي ي أسمهان وإلا صدقيني هقول لعدنان وآدم على كل عمايلك وخلينا نشوف بعدين ولادك هيبصوا في وشك تاني ولا لا وبذات عدنان .. لو عرف إن أمه حاولت تقتل بنته وأنا حامل فيها .. الطفل اللي كان بيتمناه وبيستناه من سنين ده غير محاولاتك للتخلص مني أنا .. اعتبري ده أول تحذير مني ليكي ....
يتبع الفصل الثلاثون اضغط هنا
- تابع الفصل التالي عبر الرابط: (رواية امرأة العقاب كاملة) اضغط على أسم الرواية