رواية امرأة العقاب البارت الثالث والأربعون 43 بقلم ندى محمود توفيق
رواية امرأة العقاب الفصل الثالث والأربعون 43
اتسعت عيني حاتم بصدمة فور رؤيته لهم وباللحظة التالية فورًا كان يلتفت برأسه تجاه نادين يحدقها مدهوشًا وبنظرات مشتعلة همس :
_ هي دي المفاجأة !!
كانت نادين تحدق بجلنار في عدم فهم ودهشة حتى أنها لم تنتبه لصوت حاتم وهتفت هي :
_ جلنار شو عم تسوي معه !
ابتسم حاتم في سخرية يحاول التحكم في انفعالاته .. بينما على الطرف الآخر كانت الصدمة الأكبر من نصيب جلنار التي تطلعت بزوجها الذي بدا هادئًا تمامًا برغم تعجبه .
توقف عدنان أمام الطاولة وكانت نظراته هو وحاتم شرارات نارية لبعضهم قبل أن يجلس على المقعد المقابل لحاتم وجلست هي أمام نادين التي لم تنزل نظراتها المستغربة عنها .
خرج صوت عدنان الغليظ والذي يظهر فيه غضبه المكتوم بوضوح :
_ ممكن افهم إيه اللي بيحصل هنا بظبط
لم يتفوه حاتم ببنت شفة كانت نظراته القاتلة لعدنان كافية .. كلاهما كالأسود المتربصة للهجوم .. بينما جلنار فكانت تنقل نظرها بينهم بخوف وتوتر على عكس نادين التي مازالت حتى الآن تتساءل عن سبب وجودها ولا تفهم حتى سبب النظرات النارية بين زوجها وعدنان .
أظلمت عيني عدنان حين لم يحصل على إجابة وفقط يستمر الجميع في التحديق ببعضهم في صمت .. اغلق على قبضة يده بقوة وقد احتقن وجهه كله بالدماء وبدأت اللحظات الحاسمة في الاقتراب حيث ضرب بقبضة يده على سطح الطاولة في عصبية وهتف بشبة صيحة بسيطة موجهًا أنظاره تجاه حاتم :
_ بتعمل إيه هنا
استند حاتم بكفيه على سطح الطاولة وانحنى بوجهه قليلًا للأمام يهتف في لهجة تحذيرية وغضب يستحوذه بالكامل :
_ وطي صوتك ولاحظ إني لغاية دلوقتي لسا محتفظ بهدوئي
ظهرت البسمة المتغطرسة على شفتي عدنان وسرعان ما تحولت لضحكة صامتة مستهزئه من تهديده له .. تدخلت نادين بتلك اللحظة قبل أن يجيب عدنان بعدما رأت معالمه تختفي من فوقها البسمة وتصبح أكثر رعبًا ، لتقول بهدوء لا يناسب الأجواء النارية :
_ حاتم المدير العام للشركة اللي خبرتك إنه هيكون معنا بالاجتماع ياعدنان
تابع حاتم بنظرات مشتعلة يرسل الإنذار لعدنان :
_ وجوزها
اعتلت الصدمت وجه جلنار وهي تتنقل بنظرها بين نادين وحاتم حتى سمعت نبرة زوجها المتهكمة وهو يجيب على حاتم :
_ مبروك !
جلنار هي الوحيدة التي تجلس بسكون بينهم وتتلقي الصدمات منذ دخولها لذلك المكان .. العديد من الأسئلة تدور بحلقة ذهنها .. وأهمهم متى وكيف تزوجوا ؟!!! .
استقرت نظرات حاتم على جلنار يتطلعها بصمت .. لم تتمكن من فهم نظراته لكنها بدت غريبة بعض الشيء .. ربما كانت متعجبة وربما معاتبة لم تتمكن من تحديد مقصده جيدًا .. لكنها أبدًا لم تكن تحمل المشاعر السابقة التي اعتادت أن تراها بعيناه كلما ينظر إليها .. كانت خالية من المشاعر وبنفس اللحظة عجيبة !! .
التهبت عيني عدنان وأصبحت معالمه مرعبة ، حين انتبه لنظراته لها .. بينما جلنار فتنهدت الصعداء وشعرت بأنها بحاجة لاستنشاق الهواء بعيدًا من تلك الأجواء السلبية فاستقامت واقفة وقالت بخفوت :
_ أنا رايحة الحمام
استغلت نادين الفرصة وقد تملكتها هي الأخرى الغيرة واشتعل الغيظ في صدرها بعدما رأت نظراته زوجها لجلنار .. فهبت من مقعدها وسارت خلف جلنار .
فور اختفائهم عن أنظارهم استقام عدنان ثائرًا وتحرك نحو حاتم لينحنى عليه ويرمقه بعينان تقذف الرعب في قلوب اقوى واعتى الرجال ويغمغم بتحذير حقيقي وغيرة ملتهبة بصدره :
_ لو لمحت عينك بتبصلها تاني صدقني هدفنك في أرضك .. إنت لسا متعرفنيش احذر مني وبلاش تثير أعصابي عشان أنا مبرحمش
القى عليه نظرة أخيرة منذرة وملتهبة قبل أن يستدير ويسير لخارج المكان بأكمله .. ويترك حاتم يتابعه وهو يشتعل من فرط الغضب والنقم ! .
***
بينما على الجانب الآخر تحديدًا بحمام السيدات دخلت نادين خلف جلنار .. التي وقفت أمام المرحاض وكانت تغسل يديها وتبلل وجهها بالماء تتنفس الصعداء بحنق ، لوهلة شعرت بالندم لموافقتها على القدوم معه فربما لو لم تكن موجودة لما ساءت الأمور لهذه الدرجة بينهم .. لكن من أين لها أن تعرف بوجود حاتم !! .
التفتت برأسها تجاه الباب بعدما لمحت بطرف عينها دخول نادين .. فحدقتها بسكون حتى سمعتها تهتف بقوة والانزعاج يظهر بوضوح على ملامحها :
_ فيني اعرف شو علاقتك بعدنان يا جلنار !
ابتسمت جلنار مستنكرة من سؤالها وقالت :
_ يعني إنتي متعرفيش !
نادين بحزم واستياء بسيط :
_ لو بعرف أكيد ما راح اسألك
جذبت جلنار حقيبة يدها الصغيرة والفاخرة وأجابت عليها بثبات ونظرة ذات معنى :
_ عدنان جوزي .. واطمني مفيش داعي للعصبية دي يا نادين حاتم صديق ليا ومش هيكون غير كدا وهو كمان اكيد بيعتبرني كدا دلوقتي بما إنكم اتجوزتوا
ثم تابعت وهي تمر من جانبها بابتسامة خافتة وصفاء :
_ مبروك .. رغم صدمتي إلا إني فرحتلكم جدًا ربنا يسعدكم مع بعض
بقت نادين تتطلع على أثرها بعد رحيلها وهي تشتعل من الغيرة .. لا تزال نظراته لها عالقة بذهنها ولا تتمكن من محوها .. يستمر الصوت السيء الذي بداخلها في تكرار جملة ( مازال يحبها !!! ) .
***
كان عدنان يسير بخطوات واسعة تجاه سيارته وهو عبارة عن جمرة من النيران .. لكنه توقف حين سمع حاتم من الخلف يهتف :
_ عدنان !
استدار له بجسده وتابعه وهو يقترب منه .. كم يجاهد في تلك اللحظة أن يبقى صامدًا ولا يفقد أعصابه فإن حرر الوحش الثائر بداخله لن تكون النتائج مرضية لأي أحد وبالأخص ذلك الحاتم .
توقف حاتم أمامه لثواني معدودة تتقابل فيها نظراتهم العدوانية معًا قبل أن يضم قبضة يده ويرفعها ليلكم عدنان في وجهه بعنف ويهتف بغل :
_ كان لازم اعمل كدا من زمان .. بس كنت بعمل حساب لجلنار اللي كنت سايبها ومهملها
تحسس عدنان جانب ثغره ثم انزل أصابعه ورآها ملطخة بنقطة دماء واحدة ! .. ارتفعت الابتسامة الساخرة فوق شفتيه وأظلمت عيناه بشكل مرعب معلنة عن خروج الجانب الأكثر شراسة منه .. حيث انتصب في وقفته ورمق حاتم متهكمًا يهتف في نظرات تنذر بعاصفة مدمرة قادمة :
_ واضح إنك مش بتيجي بالتحذير
غار عليه ومن شدة لكمته له ترنح بوقفته وكاد أن يسقط .. بهذه اللحظات كانت جلنار بطريقها للخارج بعدما تلقت مكالمة منه واخبرها بأنه ينتظرها بالخارج .. ولم تحاول الجدال معه حتى فصوته كان لا يبشر بالخير أبدًا واكتفت بالامتثال لأوامره وغادرت فور خروجها من الحمام .. لكن حين رأتهم بالخارج بهذه الحالة هرولت مسرعة نحوهم وامسكت بعدنان تهتف بانفعال :
_ عدنان بتعمل إيه !
كانت نادين خلفها مباشرة واسرعت تجاه حاتم الذي كان سيهب بالانقضاض مجددًا لولا قدوم زوجته وجلنار .
قبضت جلنار على يد عدنان بقوة حتى تجعله ينزل أنظاره النارية عن حاتم ويتطلع إليها وهي تهتف بخنق :
_ عدنان يلا بينا .. عدنان
النظرات الأخيرة بينهم كانت تحمل إشارات الإنذار والحقد والغضب الذي لم يفهمها سواهم .. ثم استدار وامسك بكف جلنار في تملك واكمل طريقه تجاه سيارته .
تحسست نادين شفتي حاتم الغليظة الملطخة بالدماء وقالت باهتمام حقيقي :
_ إنت منيح ؟
رمقها بنظرة مشتعلة وغاضبة ليبعد يدها عن وجهه بجفاء ويقول بعصبية :
_ اتفضلي على العربية قدامي
لم تفهم سبب غضبه في حين من المفترض أن تكون هي الغاضبة بعد ما حدث بالداخل .. مما جعلها ترمقه بسخط وتتركه وتتحرك أمامه في خطوات سريعة تجاه السيارة ليلحق هو بها .
***
بعد دقائق طويلة توقفت سيارة حاتم داخل حديقة المنزل بمكانها المخصص لها .. وسبقته نادين التي قادت خطواتها السريعة للداخل وهي تشتعل من الغيظ .. نزل هو الآخر وصفع باب السيارة خلفه بعنف ليندفع خلفها ثائرًا .. كانت هي بطريقها للدرج تصعد درجاته بسرعة وغضب هادر وهو يلحق بها ويصيح مناديًا عليها فتتجاهله وتكمل طريقها .. حتى وصلت لغرفتها وأغلقت الباب خلفها ولم تكن سوى ثواني معدودة ووجدت الباب ينفتح على مصارعيه ويدخل ثم يغلقه خلفه بقوة ويهتف بانفعال :
_ أنا مش بنده عليكي !
استدارت له وصرخت بشراسة :
_ شو بدك !!
اندفع نحوها ورفع سبابته يهتف في قسوة مزمجرًا :
_ تاني مرة متتصرفيش من دماغك ومن غير ما تقوليلي مفهوووم ولا لا
صاحت به نادين في عصبية :
_ أول شيء انا ما بسمحلك تعيط عليا هيك .. وأنا ما تصرفت من غير اقلك إنت كنت بتعرف كل شيء من البداية اعتقد
صاح بصوت جهوري :
_ وياترى كنت أعرف إن صاحب الشركة دي عدنان الشافعي كمان !!! .. بس بجد احيكي على المفاجأة دي عملتي كدا قصد رغم إني قولتلك مية مرة أن جلنار مبقتش تفرق معايا وإني بحبك إنتي .. نزلتي من نظري من يا نادين !
كلماته صابتها بالدهشة وبالأخص جملته الأخيرة مما دفعها للصراخ بصوت مرتفع وسخط :
_ وأنا من وين بدي أعرف أنه عدنان زوجها لجلنار .. ما شفته لزوجها قبل كدا ولا بعرفوا حتى مشان اعرف انو عدنان هاد هو زوجها .. وانا انصدمت متلك لما شفتها معو .. أي بس واضح عن جد إنها ما عادت تفرق معك بنوب
_ اعملي حسابك المشروع ده تنسيه تمامًا ومش هيتم حتى لو هو وافق عليه
استاءت اكثر وهتفت بنظرات مشتعلة :
_ وليش بقى !
حاتم بصيحة عارمة :
_ من غير ليه أنا قولت كلمتي
هم بأن يستدير ليغادر لكنها قبضت على ذراعه لتوقفه وهتفت بعناد وغصب امتزج بغيرتها المتأججة في صدرها :
_ راح يتم ياحاتم .. ولا إنت بدك تتهرب منو مشان جلنار مش عدنان بس .. لك أنا شفتك بعيوني كيف عم تتطلع فيها ونحنا قاعدين
رمقها بنظرة عتاب ولوى فمه في عدم حيلة ليقول بصوت هاديء يحمل الغضب المكتوم :
_ لو دخلتي في قلبي هتعرفي إن مفيش غيرك .. بس إنتي اللي واضح إن ثقتك فيا معدومة يا نادين
لحظة صمت مرت قبل أن يتبع بلهجة آمرة ومنذرة :
_ متعانديش معايا وتفكري تعملي حاجة من ورايا لأن ردة فعلي مش هتعجبك أبدًا يانادين
صاحت نادين باحتدام :
_ إنت ما بيحقلك تتحكم فيني وأنا بسوى ياللي بدي ياه
انخفضت نبرة صوته ولم تهدأ حدة نظراته ولا ملامحه المخيفة وهو يجيبها :
_ أنا جوزك ومحدش له الحق فيكي ولا في أي حاجة تخصك غيري .. وطالما قولت انسي المشروع ده يبقى كلامي يتنفذ
نادين بتحدي وشراسة في نظراتها :
_ بنشوف كلام مين ياللي بيتنفذ بالأخير ياحاتم
استفزته بشدة وكان سينفجر بها بشكل سيء هذه المرة لكنه تحكم في أعصابه وغادر وتركها .. فور رحيله انهمرت دموعها فوق وجنتيها بغزارة ومدت يدها تلتقط كأس الماء الذي فوق الطاولة الصغيرة لتلقيه بكامل قوتها على الحائط فيتهشم ويتناثر لأجزاء على الأرض ! ...
***
داخل منزل عدنان الشافعي .......
دخلت هنا للمنزل أولًا قبل والديها بعد أن قضت الساعات السابقة مع الخالة انتصار بمنزلها وخرجا والديها لعملهم .
تحرك عدنان بخطواته الثائرة للأعلى حيث غرفته فعلقت جلنار نظراتها المستاءة عليه حتى اختفي عن انظارها وانحنت برأسها إلى صغيرتها تتطلعها بحنو هاتفة :
_ يلا ياهنون ياحبيبتي اطلعي اوضتك وغيري هدومك عشان تنامي
ردت الصغيرة برقة صوتها الناعم :
_ حاضر يامامي
ثم اندفعت للدرج راكضة ولحقت بها جلنار بعد دقائق قصيرة .. وصلت أمام غرفتها وفتحت الباب لتدخل وتغلقه خلفها بهدوء تام بعكس غضبها من تصرفاته .. رأته يخرج من الحمام ممسكًا بمنشفة صغيرة يجفف بها وجهه من الماء وقد نزع قميصه وسترته عنه وبقى فقط بالبنطال .. وقبل أن تهتف كان هو يقول بعصبية متقدمًا إليه :
_ عرف منين المشاكل اللي كانت بينا !
جلنار باستغراب :
_ مين .. حاتم !!!
صاح بزمجرة :
_ امال هيكون مين يعني !
لم تهتز شعرة واحدة منها وبقت ثابتة أمام جموحه تجيب بكل ثقة :
_ أنا حكيتله لما كنت قاعدة معاه
ضحك بشكل مرعب ومسح على ذقنه يحاول تمالك انفعالاته مرددًا :
_ اممممم لما كنتي قاعدة معاه
جلنار بشجاعة مألوفة عليها :
_ طبيعي هحكيله .. كانت صداقتنا قوية وهو كان عايز يساعدني في وقتها
التهبت نظراته ولوهلة شعرت ببعض الارتباك منه حين رأته ينحنى بوجهه عليها ويرد بتهكم وعينان تطلق شرارات نارية ووجه متقوسًا بطريقة جعلته مرعبًا :
_ صداقة !! .. احمدي ربك إني مسكت اعصابي النهارده بعد نظراته ليكي لأني للحظة تانية وكنت هدفنه مكانه
تمتمت بثقة بدأت تضمر خلفها الاضطراب من هيئته :
_ حاتم اتجوز خلاص واللي في بالك مستحيل يكون موجود وخصوصًا دلوقتي
عدنان بنظرات مترقبة وابتسامة شيطانية مخيفة :
_ دلوقتي !! .. يعني هو كان في وإنتي عارفة ورغم كدا كنتي قريبة منه
ظهر التوتر الحقيقي فوق معالمها وندمت أنها لم تأخذ حذرها أثناء كلامها فكل الغضب الذي تراه الآن لن يكون شيء أمام ما سيصبح عليه حين يتأكد من شكوكه .
استجمعت شجاعتها من جديد وردت بثبات مزيف :
_ لا مكنتش اعرف طبعًا
_ جــلــنــار !!
صاحت به بانفعال تقول كل شيء بدون وعي :
_ قولتلك مكنتش اعرف وإلا مكنتش هقبل اخليه يقف جمبي أبدًا .. عرفت بعد ما إنت جيت على كاليفورنيا عشان تاخدنا ورفع هو قضية عليك .. بعدها قطعت أي علاقة بينا ومبقتش حتى بكلمه لإني خوفت اكون كدا بخونك وفي نفس الوقت كنت عايزاه يدرك غلطه ويطلع الموضوع من دماغه وواضح أن هو ده فعلا اللي حصل
أظلمت عيناه وخرج صوته متحشرجًا يتمتم بسباب لاعنة وألفاظ استطاعت سماعها وهو يشتعل من فرط العصبية والنيران الملتهبة بصدره .. أخذت نفسًا عميقًا وقالت بجدية :
_ عدنان .. حاتم مش وحش ولو كان فعلا شخص سيء كان مستحيل يحترم قراري ويبعد بهدوء كدا عني لما أنا فهمته غلطه
رمقها شزرًا بأعين تنذر ببشائر الطوفان وتمتم :
_ إنت بتدافعي عنه كمان قدامي !!!
جلنار بتأكيد :
_ أيوة بدافع عنه لأنه إنت شايفه غلط
ضحك بسخرية ودمائه تغلي في عروقه ثم صرخ بها بصوت نفضها بأرضها من الفزع :
_ واحد بيبص لمراتي وقدامي المفروض اشوفه إزاي .. وحذاري تدافعي عنه تاني ياجلنار فاهمة ولا لا .. لأن المرة الجاية لو شفته قريب منك بس مش بصلك ، همحيه من على وش الأرض نهائي
ثم ابتعد عنها قبل أن يفقد أعصابه بشكل كامل وفتح باب الخزانة بعنف ليخرج ملابسه بينما هي فبقت مكانها ترمقه بسكوت للحظات قبل أن تبتعد وتغادر الغرفة بأكملها !! ...
***
طرأ آدم عدة طرقات خفيفة على باب غرفة أسمهان وفتح الباب بعد أن سمع صوتها يسمح للطارق بالدخول .. فدخل واغلق الباب خلفه ومعالم وجهه مريبة تعتليها الغضب والخزي .. لم تكن بالمنزل اليوم كله بالأمس بعد أن ذهبت لشقيقتها حتى تطمئن على ابنتها وتقضي بعض الوقت معه .. ولذلك لم يتمكن من التحدث معها بالأمس .. واليوم جاءت المواجهة المنتظرة ! .
هتفت أسمهان بحيرة فور رؤيتها لملامح وجهه :
_ مالك يا آدم .. حصل حاجة !!
ابتسم بعدم حيلة وخنق .. اتسأل بكل هدوء هكذا وكأنها لم تفعل شيء !! .. اقترب منها بخطوات متريثة هامسًا بهدوء ما قبل العاصفة :
_ ماما أنا سبق وقولتلك ملكيش دعوة بمهرة ومتدخليش في قرارتي صح ولا لا
ظهر الامتعاض والقرف فوق معالمها بعدما سمعت اسم مهرة وفهمت سبب حالته الغريبة هذه .. لتجيب عليه بعد ثواني معدودة :
_ مدخلش في قراراتك لما تكون صح يا آدم .. لكن اللي إنت بتعمله ده غلط يابني
آدم ببشائر انفجار تلوح فوق صفحة وجهه :
_ أنا مش صغير ياماما وعارف الغلط من الصح !
أسمهان بحقد ينبع في عيناها :
_ وإنت فاكر إني هسمح واسيب ابني لبنت بيئة زي دي لا من مستوانا ولا تليق بيك
بدأت نبرة صوته ترتفع قليلًا وهو يجيب بغضب دفين :
_ ماما من فضلك بلاش تغلطي فيها وبالأخص قدامي
أسمهان بعصبية :
_ ومغلطش فيها ليه بقى يا أستاذ آدم .. اخوك غلط قبلك نفس غلطتك وفي الأخر إنت شوفت النتيجة كانت إيه
صاح بانفعال ووجه محتقن :
_ متقارنيش مهرة بفريدة .. ومش معنى إن عدنان غلط يبقى أنا هغلط زيه !
ضحكت أسمهان باستهزاء واقتربت منه أكثر لتقف أمامه مباشرة وتقول ساخرة :
_ ليه وهو إنت ناوي تغلط وتتجوزها زي ما عمل عدنان ولا إيه !
طالت نظرات آدم الساخطة لأمه .. لا يصدق أفعالها ولا تصرفاتها حتى كيف لها أن تكون بكل هذه القسوة وانعدام الرحمة حتى على أولادها !! .. لم يحاول أن يتكلم ويفصح لها عن داخله بعد محاولاتهم الكثيرة هو وأخيه في إصلاحها وانتهت جميعها بلا جدوي ! .
اكتفى بابتسامته الخافتة يرد عليها ببرود ونظرة ثاقبة تمامًا كنظرات أخيه :
_ وليه لا !
رأى الذهول يعتلي وجهها بعد رده بالتأكيد على سؤالها الاستنكاري فاتسعت ابتسامته واستدار لينصرف ثم سمعها تصيح من الداخل بغضب هادر ووعيد :
_ مش هسمح يا آدم لا يمكن اسمح إن ده يحصل سامعني
لم يبالي بكلامها ولم يعيرها اهتمام بل اكمل طريقه لغرفته في هدوء غريب على عكس الجموح الذي كان يستحوذه للتو !! ...
***
حوالي ثلاث ساعات مرت منذ شجارهم وخروجه ليجلس بالحديقة عله يهدأ قليلًا ونيران صدره تنطفيء ، فكلما يتخيل أنها طوال شهرين كاملين كانت بالقرب منه ومعه دائمًا وهو يكنلها المشاعر يلتهب بالغيرة ويرغب لو يذهب ويفصل رقبته على جسده تمامًا .. يجاهد في عدم تخيل نظراته لها كيف كانت .. هل كان ينتظر انفصالهم حتى يستغل الفرصة ويتقرب هو منها !! .. يقسم أنه لو كان أمامه الآن لم يكن ليتركه سوى وهو محمولًا فوق النقالة .
عاد للداخل بعد ساعات وبعد أن شعر بالهدوء بعض الشيء .. وكان بطريقه لغرفته بالأعلى لكنه رآها متسطحة بجسدها الناعم والرشيق فوق الأريكة الصغيرة أمام التلفاز .. فتقدم نحوها وهتف بصوته الغليظ :
_ قاعدة هنا ليه !
ردت بامتعاض دون أن تنظر له :
_ هنام هنا مش عايزة انام فوق
عدنان بخنق وهدوء بات مزيفًا بعد أن نجحت بجملة واحدة أن تعيد جموحه :
_ طيب قومي يا جلنار واطلعي نامي فوق
اعتدلت في نومتها والتفتت برأسها ناحيته تحدقه بغيظ وعناد هاتفة :
_ قولتلك لا !
عض على شفاه السفلي بغضب وجز على أسنانه يحاول تمالك أعصابه .. قبل أن تنتفض بزعر بسيط حين وجدته يندفع نحوها بخطوات مسرعة كالوحش الثائر .. انكمشت على نفسها في الأريكة لا إراديًا وصاحت به منذرة :
_ إياك تقرب مني فاهم
لم يسمعها من فرط غيظه حيث انحنى عليها وحملها على ظهره ليسير بها تجاه الدرج وهي تركل بقدميها في الهواء وتضربه بغيظ على ظهره هاتفة في صوت منخفض قليلًا حتى لا يصل صوت شجارهم إلى غرفة ابنتهم وتستيقظ :
_ إنت اتجننت ! .. نزلني .. بقولك نزلني .. عـــدنــان !!!
خرج صوته المتحشرج والمريب يسكتها بكلمة واحدة :
_ اخرسي
خشيته قليلًا لكن ذلك لم يكن ليمنعها من الاعتراض مجددًا لولا أن خطواته كانت سريعة ووصلوا لغرفتهم في ظرف لحظات قصيرة .. ورأته يصفع الباب بطرف قدمه بعد أن دخلوا واقترب من الفراش ثم القاها فوقه برفق وهتف بغضب هادر :
_ مش كل مشكلة الاقيكي نايمة في مكان شكل في البيت .. مكانك هنا فاهمة ولا لا
جلنار بعصبية :
_ لا مش فاهمة ومتكلمنيش كدا تاني كأن أنا اللي غلطانة
عدنان بانفعال :
_ لا العفو أنا اللي غلطان .. أنا اللي اخدت بنتي وهربت بيها وكنت قاعد مع راجل غريب لشهرين .. ولا أنا اللي كنت بدافع عنه من شوية
جلنار بعناد وجفاء :
_ ايوة غلطان .. أنا مهربتش من فراغ إنت السبب
صرخ بها بصوت جهوري :
_ كوني إني السبب ده ميمحيش غلطك اللي إنتي مش عايزة تعترفي بيه لغاية دلوقتي
ضمت شفتيها في استياء شديد واستقامت واقفة تهم بالمغادرة لكنه قبض على ذراعها ودفعها للخلف بغضب صائحًا :
_ رايحة فين أنا قولت مفيش خروج
ألقت عليه نظرة مشتعلة قبل أن تستدير وتتركه متجهة إلى الحمام عنادًا به .. فضم قبضة يده بقوة يبذل قصارى جهده في التحكم بانفعالاته الثائرة ! ...
***
مع صباح واشراقة شمس يوم جديد استيقظت على صوت والدتها وهي تهزها برفق هاتفة :
_ زينة اصحي يابنتي .. زينة
فتحت عيناها بخمول واعتدلت في نومها تجيب بصوت خافت :
_ نعم ياماما
ميرفت بابتسامة دافئة ومشرقة :
_ قومي ياحبيبتي اغسلي وشك وفوقي يلا عشان هشام برا وسألني عليكي
اضطربت قليلًا فور سماعها لاسمه وقالت متحججة :
_ لا معلش يا ماما أنا تعبانة وعايزة أنام قوليله نايمة
ميرفت بضيق ملحوظ وبحزم :
_ عيب يازينة .. هو هشام يستاهل تتجاهليه كدا يابنتي بعد اللي بيعمله معاكي ومعانا ! .. ده ليه يومين مش بيجي وبيكلمني في التلفون بس عشان يطمن عليكي
زينة بعبوس واحراج فحتى الآن لم تتمكن من تخطي الأحداث الأخيرة كلها .. وتشعر بالحرج والضيق كلما تتذكر ما حدث .. نظرت ميرفت بتحذير حقيقي :
_ لو مقومتيش انا هطلع واقوله إنك مش عايزة تطلعي تسلمي عليه
ردت مسرعة برفض قاطع :
_ لا لا لا خلاص أنا هقوم اغسل وشي واغير هدومي واطلع
ابتسمت ميرفت بانتصار وقالت ببشاشة :
_ طيب ياحبيبتي يلا قومي وانا هستناكي برا
علقت انظارها على أمها تتابعها وهي تسير مبتعدة حتى غادرت الغرفة تمامًا فأصدرت تأففًا حارًا مغلوبة على أمرها ووقفت من فراشها متجهة إلى الحمام مقتضبة ! ...
بعد دقائق طويلة نسبيًا خرجت من غرفتها بخطوات مرتبكة وسارت لغرفة الصالون فرأته يجلس فوق الأريكة ويمسك بيده كأس الشاي يرتشف منه ببطء وينزله مجددًا .. ظلت واقفة تستجمع ثقتها بنفسها لكي تظهر أمامه ولسوء حظها أنها لم تتمكن من أخذ وقتها عندما لاحظها هو فانزل فورًا الكأس من فمه وانتصب في جلسته يرمقها مبتسمًا بعينان لامعة .. اضطربت وسارت تجاه المقعد المقابل له دون أن تبتسم حتى !! .. كان وجهها لا يزال ذابلًا وعيناها ذهب بريقهم الجميل ولم يعد بعد ! .
جلست فوق المقعد تتفادى النظر إليه ووتعبث بأظافر يديها كدليل على توترها .. ابتسم لها بخفوت وقال :
_ عاملة إيه يا زينة ؟
ردت في صوت يكاد يسمع بصعوبة :
_كويسة
هشام بعبوس يظهر في نبرة صوته :
_ لسا برضوا مش عايزة تشوفيني !!
اتسعت عيناها بصدمة وانفرجت شفتيها لترفع رأسها وترمقه مذهولة قبل أن تسأله بعفوية كطبيعتها :
_ عرفت إزاي !!!
رأته يبتسم بحنو دون أن يجيب فعادت تسأل وبنفس اللحظة ترجح كيفية معرفته الأكيدة بالنسبة لها :
_ ماما قالتلك مش كدا ؟
هز رأسه بالنفي وهمس بدفء وعاطفة :
_ لا واعتقد إنه مش هيفرق عرفت إزاي .. اللي هيفرق هو اللي هقوله دلوقتي
طالعته بحيرة بينما هو قفذف في ذهنه حديثه مع زوجه خاله ! ....
هشام بتوتر بسيط :
_ أنا الصراحة عايز اتكلم معاكي في موضوع يا مرات خالي .. وعارف إنه مش وقته خالص بس أنا حابب إنك تكوني عارفة واقولك
ميرفت بتعجب :
_ قول يابني قلقتني !
_ رجاءًا بس اسمعيني للآخر ومتقاطعنيش
أماءت له بالموافقة قبل أن تسمعه يقول بحزن واحراج بسيط :
_ أنا بحب زينة جدًا ومن زمان أوي وسبب سفري لألمانيا كانت هي لما حسيت إنها مش شيفاني غير صديق ليها ففكرت إن اسافر واكمل مهنتي برا على أمل إني انساها وابدأ حياتي من أول وجديد بس للأسف مقدرتش ومعرفتش انساها .. ولما قررت إني ارجع من ألمانيا مكنتش أعرف إن زينة اتخطبت و كنت ناوي إني اطلب ايدها بس طبعًا تراجعت بعد ما عرفت بخطوبتها .. عارف إنك هتقولي الوقت مش مناسب للكلام ده بس أنا تعبت أوي يامرات خالي من الانتظار صدقيني وعلى الأقل عايزة اعرف ردك إنتي بس حاليًا لو قولتلك إني عايز اطلب إيدها
تملكتها الدهشة بالكامل والسكون التام هيمن عليها لدقيقتين وهي تتطلعه بعدم استيعاب .. لكن سرعان ما ظهرت الابتسامة العذبة والدافئة فوق شفتيها وهي تمد يدها لتربت فوق قدمه بحنو هاتفة :
_ أنا اللي مربياك على أيديا يا هشام .. يعني إنت تربيتي .. تفتكر إني بعد الكلام ده هقولك لا .. لا يمكن الاقي لبنتي راجل يصونها ويحافظ عليها زيك يابني
تهللت اساريره وابتسم بسعادة غامرة يهتف في عدم تصديق :
_ يعني موافقة !
ردت ميرفت ضاحكة على سعادته الحقيقية التي تراها لأول مرة منذ عودته من ألمانيا ! :
_ أنا موافقة لكن القرار في الأول والآخر لزينة وإنت فاهم وضعها دلوقتي
هز رأسه بتفهم وقال في رزانة :
_ فاهم وأنا مش عايزك تقوليلها أي حاجة خالص دلوقتي أساسًا .. يعني الكلام ده هيكون بيني وبينك بس لغاية ما يجي الوقت المناسب واقولها
ميرفت مبتسمة بمكر :
_ وقت المناسب إيه بظبط !
هشام بعينان لامعة بوميض العشق والأمل :
_ بصراحة دي آخر فرصة ليا يامرات خالي وأنا مش عايز اجازف واخسرها لو حصل إيه .. عشان كدا زينة مش هتعرف أي حاجة دلوقتي خالص
استفاق من شروده على صوتها الرقيق وهي تهتف :
_ هشام !!!
كان لاسمه لمسة مختلفة حين يخرج من بين شفتيها بالأخص أنه لم يسمعها تتكلم معه أو تندهه باسمه منذ أيام ! .
ابتسم بحب لتسأله هي بفضول :
_ كنت بتقول إنك هتقول حاجة مهمة !!
هشام بجدية :
_ كنت هقول شيلي الأفكار دي من دماغك .. ده لو مش عايز تضايقيني منك بجد
فهمت أن يلمح إلي خجلها منه وضيقها بأنه رآها بهذه الحالة المزرية في تلك الليلة .. فاكتفت بابتسامة منطفئة فوق فوق ثغرها الناعم وانزوت نظرها عنه بحرج قبل أن تقطع جلستهم ميرفت التي دخلت وهي تحمل بين يديها صحن ممتليء بالحلوي المنزلية التي قامت بتحضيرها هي .. وتدعوهم لتناولها ببشاشة وضحكة عريضة ! .
***
لا يتوقف عقلها عن التفكير منذ ليلة الأمس .. تخشي أن يكون ما يدور بمخيلتها صحيح حينها ستكون النتائج ليست جيدًا أبدًا .
دخلت جلنار الغرفة وأغلقت الباب خلفها لتجده يستعد للخروج ويقف أمام المرآة يهندم ملابسه .. فاقتربت منه ووقفت خلفه تسأله بجدية :
_ عدنان إنت هتوافق على المشروع ولا لا ؟!
رد بحزم دون أن يتطلع إليها :
_ لا
_ ليه !!
رمقها بنظرة ثاقبة في انعكاس المرآة هاتفًا بخشونة :
_ اعتقد إني مش محتاج اقول ليه يعني !
جلنار بثبات تام وملامح متخشبة :
_ كرهك لحاتم ده غيرة بجد ولا عدم ثقة فيا أنا وعشان كدا مش هتوافق على المشروع عشان ميكونش في أي مجال إنه يكون قريب مني رغم إن المشروع ده هيفيدك جدا في شغلك
التفت بجسده كاملًا لها وحدقها بسكون قبل أن يقول بنظرات ذات معنى كلها خنق وعتاب :
_ إنتي شايفة إني مش واثق فيكي !!!
سكنت للحظات وردت بعبوس وألم :
_ مش عارفة .. بس جايز يكون كدا فعلًا !
يتبع الفصل الرابع والأربعون اضغط هنا
- تابع الفصل التالي عبر الرابط: (رواية امرأة العقاب كاملة) اضغط على أسم الرواية