رواية انذار بالقتل الفصل الثامن 8 - بقلم نسمة مالك
رواية انذار بالقتل الفصل الثامن 8
لا نعلم متي و كيف نقابل نصفنا الأخر، ذلك الشخص الذي يخطف أنفاسنا منذ الوهلة الأولى، يجعل نبضات قلوبنا تتسارع بقوة تكاد أن تغادر ضلوعنا من عنف دقاتها،
تلك اللحظة يوثقها العقل و تظل بذكرانا طيلة العمر، هذا ما حدث مع "نوح" فور رؤيته ل "آية" رغم ضعفها و ما تمر به من كرب شديد، إلا أنها الوحيدة التي يتمني قلبه قربها،يريدها أن تكون شريكة حياته ،
بداخله شعور صادق لم يخدعه يومًا أن "آية" هي زوجته المستقبلية، رغم رؤيته لتلك الحلقة الذهبية التي تزين أناملها، تعلنها له صريحة أنها خطيبة غيره،ينتظر بنفاذ صبر حتي يري خطيبها هذا ليقرأ ما يدور في خاطره نحو جميلته الحزينة "آية"..
............................. لا حول ولا قوة إلا بالله 🥀...
بشقة "إسلام"..
كانت "رقية" تجلس أرضًا على الفراش الوثير و الوحيد الذي تمتلكه بشقتها، بعدما قامت بمساعدة زوجها على أخذ حمام دافئ، و تغير ثيابه، اطعامته بيدها رغم اعتراضه الشديد، و إصراره على الذهاب لشقيقته،
كان التعب ظاهر عليه بوضوح، خاصةً أنه لم يذق طعم النوم منذ ما حدث، إجهاده الشديد جعل رأسه تسقط دون أرادته على صدر زوجته،غالقًا عينيه بنومٍ أشبه بالاغماء،
مالت "رقية" على وجنته و قبلتها بحب شديد متمتمة..
"ربنا يزيح عنك تعبك يا حبيبي، و يحفظك ليا انا وابنك"..
صدع صوت رنين هاتفها فأسرعت بالرد، ظنًا منها انه من الممكن يزعج زوجها النائم، بينما "إسلام" كان غارق بالنوم كالذي تم تخديره بأقوي أنواع التخدير، لن يزعجه اي شيء الآن مهما كان..
"السلام عليكم".. نطقت بها" رقية" بصوت خافت بعدما وضعت الهاتف على أذنها..
"وعليكم السلام يا بنتي.. طمنيني عليكي و على جوزك، و مجتوش تاخدوا حمزة ليه زي ما قولتيلي يا رقية؟!"..
قالتها والدتها "نعمة" بلهفة و خوف ظاهر بصوتها المرتجف..
ابتلعت لعابها بصعوبة، و بقلق تابعت..
"انتى كويسة يا بنتي؟"..
"رقية" بصوت مجهد.. "اطمني يا ماما.. الحمدلله انا بخير متقلقيش"..
" صوتك ماله يا رقية.. حاجة حصلت..جوزك وأهله كويسين.. طمنيني يا بنتي الله لا يسيئك أبدًا يا ضنايا"..
لم تخبرها "رقية" بسر زوجها و أهله، قالت لها كما قالت بالتحقيق، أن لص قام بالهجوم على المنزل،حتي لا تشوه صورة زوجها أمام أعين والدتها،
أخذت" رقية" نفس عميق زفرته على مهلٍ وهي تقول..
"اطمني يا ماما والله احنا كويسين، و إسلام نام من كتر التعب، ومقدرناش نجيلك، و أنا كمان نفسي أنام شوية.. بقالي يومين منمتش"..
أطلقت" نعمة" أنفاسها المحبوسة، و تحدثت بحنان مردفة.." نامي يا ضنايا.. متشليش هم حمزة.. دا في عنيا، ووقت ما تصحي براحتك ابقي تعالي خديه"..
" ربنا ميحرمنيش منك أبدًا يا أمي".. غمغمت بها "رقية"..
" ولا منك يا ضنايا.. ربنا يطمنك و يطمن قلبي عليكي، و لا اسمع عنك غير كل خير يا حبيبتي.. في رعاية الله وحفظه يا ضنايا"..
قالتها "نعمة" و أغلقت الهاتف، و ضمت حفيدها النائم على قدميها بحب شديد..
تنهدت" رقية" بتعب ،و لم تستطيع أن تقاوم نعاسها خاصةً أنها لم تنعم بالراحة منذ ما حدث، دون أرادتها تمددت بجوار زوجها، اندست داخل حضنه، أغلقت عينيها و استسلمت لنوم عميق بين حنايا صدره، كلاً منهما يستمد القوة، والأمان من الآخر.
انفصلا عن العالم أجمع، غارقان بالنوم أشبه بغيبوبة، حتي أنهما لم يستمعان صوت "يوسف" خطيب "آية" الواقف أمام شقة "عبد الحميد" يطرق على الباب طرقات متتالية تاره، و يضغط على الجرس تاره، و بيده هاتفه يطلب رقم خطيبته، و والديها تاره أخرى،و لكن جميع الهواتف مغلقة.
"يا تري أيه سر الاختفاء المفاجيء دا يا آية"..
قالها "يوسف" محدثًا نفسه، و استدار ينظر تجاه شقة "إسلام" نظرات كرهه، و اشمئزاز.
أصبح يعتبره عدو له الآن، ويتمني لو يلقنه درس على فعلته بحق خطيبته، سار خطوتين تجاه الشقة، و لكنه تراجع و لم يطرق على الباب، فمن الممكن أن يفتح له
" إسلام " حينها سيتعارك معه على أتفه الأسباب،
ففضل أن ينصرف و يعود بوقت لاحق ربما تكون خطيبته برفقة عائلتها بإحدى مشوارهم..
"ماشي يا آية.. هرجعلك تاني.. هتروحي مني فين يعني"..
تمتم بها من بين أسنانه أثناء هبوطه الدرج بخطي غاضبة متجه نحو سيارته..
.................................... لا إله إلا الله 🥀....
.. بالمستشفى..
هرول الطبيب نحو غرفة "مني" بعدما أخبرته إحدي الممرضات بأن المريضة استعادة وعيها..
" حمد الله على السلامة يا حاجة"..
قالها الطبيب و هو يفحصها بعناية تحت أنظار "مني" المذعورة، التي تهذي بوهن قائلة..
"ولادي.. ابني و بنتي.. جوزي.. هما فين"..
"أطمني كلهم بخير".. قالها الطبيب كمحاولة منه لتهدئة نوبة فزعها، لتبدأ "مني" بالبكاء و بصعوبة تردد من بين آهاتها الملتاعه..
" إسلام.. أنت فين يا ابني.. آية يا قلب أمك يا بنتي "..
اعتلي نشيجها وشهقاتها أكثر حين داهمتها ذكري ما حدث، و مرت من أمام عينيها صورة زوجها الذي شق وحيدها صدره..
"عبد الحميد".. قالتها بصوت أشبه بالصراخ..
"والله جوزك بخير يا حاجة"..
قالها الطبيب و هو يتحرك قليلاً، و يفتح ستار بجوار سريرها ليظهر زوجها النائم على سرير مجاور لها، كانت حالته مزرية، و التعب الشديد ظاهر على ملامحه الشاحبة كشحوب الموتي.
"هيعيش يا دكتور".. نطقت بها "مني" بتقطع، و صوت مرتعش، عينيها لم تبتعد عن زوجها، تستجديه بقلبها أن يفتح عينيه وينظر لها نظرته التي تثلج قلبها.
"كله في ايد ربنا يا حاجة.. ادعيلو أنتي بس و ان شاء الله يقوم بألف سلامة"..
قالها الطبيب و هو يستعد للخروج من الغرفة بعدما انتهي من فحصها، و نظر للممرضة وتابع بعملية..
"هتفضل في العناية انهاردة وبكرة كمان لحد ما حالتها تستقر..
" إسلام.. ابني.. عايزة أشوف ابني.. هاتولي إسلام أبوس اديكم"..
قالتها "مني" التي لم تتوقف عن البكاء، بكائها الحاد دفع الممرضة لحقنها بحقنة مهدئة حتى لا تتدهور حالتها، و ابتسمت لها ابتسامة حانية وهي تقول..
"هتصلك بيه يا حاجة.. بس أهدي أنتي علشان الأنفعال دا غلط عليكي"..
" مش ههدي و لا أرتاح إلا لما أشوف جوزي و ولادي قدام عيني"..
.................................... سبحان الله🥀........
.. بشقة شرف..
صوت صرخة "آية" المدوية شقت سكون و هدوء المكان، صرختها جعلت جميع من في المنزل يهرولوا بالركض نحو غرفتها،
" نوح" كان أول من وصل لها بالطبع، اقتحم الغرفة دون سابق إنظار مردداً إسمها بلهفة فشل في أخفائها..
"آية!!!"..
كانت واقفة بمنتصف الغرفة تدور حول نفسها، جسدها يتمايل يمينًا و يسارًا حتي كادت أن تسقط أرضًا بقوة لولا يد "نوح" الذي قطع المسافة بينه وبينها بخطوة واحدة، و أنتشلها داخل حضنه بلمح البصر.
"ماما ماتت.. يا حبيبتي يا ماما..هونت عليكي تسبيني لوحدي "..
نطقت بها" آية" بصراخ حاد يصم الأذن، من الواضح أنها كانت تحيا إحدي أبشع كوابيسها، و يبدو أنها لم تفق منه إلى الآن رغم عينيها الجاحظة على أخرها،إلا أن عقلها مازال بداخل هذا الكابوس القاسي..
"وديني عند ماما يا بابا..عايزة أشوفها"..
همست بها "آية" من بين شهقاتها الحادة، كانت تنتفض بهلع شديد بين ذراعيه، خوفها جعلها لم تنتبه أين هي،
و مع من تتحدث، فقد ظنت أنها داخل حضن والدها فختبأت داخل صدره ، و قد استقبلها هو بكل ترحاب، اخفاها بين ضلوعه ملتف بيد حول خصرها و الأخرى تضم رأسها لصدره غالقًا عينيه بعنف و قد اعتصر قلبه عليها حين شعر بمدي ألمها،
"هششش.. أهدي يا آية.. كفاية عياط و أنا هعملك اللي انتي عايزاه"..
همس بها "نوح" داخل أذنها و هو يمسد على شعرها الأسود الحريري يعيد ترتيبه و ابعاده عن وجهها بكف يده، تراخي جسدها بين يديه، و لم تعد قدميها تحملها على الوقوف مما دفعه لحملها داخل حضنه حتي لم تعد قدميها لامسه الأرض.
رفعت" آية " عينيها الغارقة بالعبرات ببطء ، و نظرت لوجهه بملامح مصدومة عندما أعادها صوته لواقعها مغمغمة بوهن..
"أنت مين؟!"..
تعمق "نوح" النظر بعينيها الفاتنة بلونها الأزرق الساحر، ابتسم لها إبتسامتة المطمئنة مردداً..
"نوح.. أنا نوح يا آية"..
"نوح !!".. أردفت بها" آية" بهمس بالكاد يُسمع، و لكنه كان أكثر من كافي ليصل لسمع ذلك المتيم الذي يحتويها بين ذراعيه، و كأنه عثر على كنزنه الفريد بعد عناء سنوات طويلة، غير منتبه لنظرات والدته الواقفه بجوارهما عاقده زراعيها أمام صدرها، و ترمق ابنها بنظرات منذهلة،
بينما أشقائه "نور، ندي، نهاد" يقفون على باب الغرفة ينظرون لهما نظرات حالمة، بأفواه مفتوحة ببلاهة.
"أنا فين؟!"..
همست بها "آية" التي كانت في بادئ الأمر تتحرك بعنف بين يديه، و لكن حين تقابلت أعينهم بقيت ساكنة تمامًا، تحدق في وجهه ذي الملامح الجادة الوسيمة، بل شديدة الوسامة، نظرته لها جعلت الطمأنينة تغلف قلبها المرتعد، و تهاوي جسدها المتشنج،
"أنتي في حضني".. قالها "نوح" بتنهيدة حارة حين سقطت رأسها على صدره، و هم بضمها داخل حضنه أكثر، و قد غاب عقله عنه بسبب قربها منه إلى هذا الحد الذي جعله بعالم آخر لا يوجد به أحد سواهما..
"نوووووح؟!!! ".. نطقت بها "تهاني" بصدمه حين رأته يحكم قبضته حولها، و رفعها بين ذراعيه أكثر حتي أصبحت وجهها مقابل وجهه، مستنداً بجبهته على جبهتها،
كانت "آية" بين الوعي و اللا وعي، فعلته هذه جعلتها تطلق آهه خافته، فجرحها لم يشفي بعد، و همست بأسمه أطارت كل ذرة تعقل به حين قالت..
"نوح.. وديني عند ماما و بابا"..
"عيون نوح".. همس بها بأنفاس متهدجة، و قد بدأ يتنفس بعنف، و صدره يعلو و يهبط بوضوح عندما شعر بأنفاسها الساخنة تلفح برودة بشرته،
أغمض عينيه باستمتاع، و هم باقتناص قبلة من وجنتيها إلا أن صوت "تهاني" صدع مرة أخرى بصرامة أكبر مرددة..
" نووووح.. جرالك أيه يا ابني!!!"..
.
•تابع الفصل التالي عبر الرابط التالي:-"رواية انذار بالقتل"اضغط على اسم الرواية