رواية سيليا والشيطان الفصل التاسع 9 - بقلم رولا هاني
رواية سيليا والشيطان الفصل التاسع
نهضت من علي الفراش و هي تتأوه بصوتٍ عالٍ من فرط الألم الذي أصاب جسدها، ثم تحركت ببطئ ناحية تلك الحقيبة التي تركتها والدتها بالغرفة بعدما أخبرتها بإن بها ثياب نظيفة لها، إنحنت بجذعها للأمام قليلًا و هي تعض علي شفتيها بألمٍ واضحٍ، ثم إلتقطتها من علي الأرض لتتجه بعدها للمرحاض.
بدلت ملابسها سريعًا و هي تخرج من المرحاض لتقلب نظرها بالمكان قبل أن تصيح بنبرة عالية:
-ماما.
دلفت "سندس" بعد عدة لحظات و هي تهتف بإهتمامٍ:
-خير يا حبيبتي!؟
ثم تابعت بذهولٍ و هي تتفحصها بنظراتها المتمعنة:
-و إية خلاكي تغيري هدومك و تقومي إنتِ لسة تعبانة؟
ردت وقتها "سيليا" بهدوء غامضٍ، جعل القلق يحتل قلب "سندس" التي راقبتها بتوترٍ:
-لازم أرجع البيت، الناس تقول إية لما يعرفوا إني يوم الصباحية برا البيت.
فركت "سندس" كفيها بترددٍ قبل أن تتسائل بفضولٍ:
-بردو مش هتقوليلي حصل إية.
تحركت "سيليا" من مكانها لتخرج من الغرفة صائحة ب:
-يلا يا ماما عشان أرجع بيتي.
____________________________________________
تعلقت أنظاره علي حقيبة السفر التي كانت تحملها فتسائل وقتها بلا تفكير و هو يرمقها بحدة لم تكترث لها لوقوف شقيقها بجانبها:
-مسافرة!...مسافرة فين و...
توقف "برق" عن متابعه حديثه عندما لاحظ نظرات "تميم" المصوبة عليه، فتنحنح هو بحرجٍ و هو يطرق رأسه بوجوم، بينما "تميم" يوجه نظراته ناحية "رحيق" التي كانت تبتسم بإنتصارٍ، ثم قال:
-تسافري فين و مع مين؟
رمشت بعينيها بإرتباكٍ و هي تترك حقيبتها علي الأرض، ثم همست بأسي مصطنعٍ و بنبرتها مرتجفة:
-"تميم" أنا مخنوقة جدًا، و بصراحة كدة محتاجة أسافر لخالو إسكندرية أقعد أسبوعين ولا حاجة.
رمقها بنظراته التي كان يسيطر عليها الشك ليرفض بعدها قائلًا:
-مش وقته يا "رحيق".
عقدت "رحيق" حاجبيها بعبوسٍ قبل أن تصيح بنبرة مهتاجة واضحة:
-مش وقته لية!؟...إية اللي مش وقته ولا إنتَ بقي زعلان عشان خالو مجاش يوم فرحك، ما إنتَ عارف نظام شغله و إنه مبيعرفش يسيبه و يروح في أي حتة، دة إنتَ حتي دكتور و فاهم.
إزدرد "تميم" ريقه قبل أن يهمس بصرامة:
-خلصتي؟
ثم تابع بإصرارٍ جعلها تستشيط غضبًا لتسير بعدها في طريق خطتها الشنيعة الأخري:
-بردو لا.
عضت علي شفتيها بحزن زائفٍ قبل أن تهمس بنبرة خافتة و الدموع تلتمع بعينيها:
-"تميم" ممكن نتكلم أنا و إنتَ لوحدنا.
تنحنح "برق" قبل أن يبتعد عنهما قائلاً بحرجٍ:
-طب أستأذن أنا.
تابعته و هو يخرج من البيت بأكمله لتجز بعدها علي أسنانها بعصبية، ثم صوبت نظراتها تجاه شقيقها الذي كان يتابعها بنظراته التي تحثها علي قص كل شئ، فتهاوت عبراتها علي وجنتيها قبل أن تهتف بنبرة باكية إصطنعتها بمهارة:
-"تميم" أرجوك صدقني أنا معنديش حد يصدقني غيرك، و معنديش حد يحميني غيرك.
جحظت عيناه بصدمة عندما رأي عبراتها الحارة تغمر وجنتيها، فأحاط هو وجهها سريعًا بين كفيه ليتسائل بوجلٍ:
-"رحيق" حصلك إية؟
إرتمت بين أحضانه و هي تبتسم بمكرٍ لم يراه هو، فصرخت وقتها بإنهيارٍ مزيفٍ، أصاب "تميم" بالصدمة:
-"برق" يا "تميم"، أنا إستحملت كتير أوي بس مقدرش أستحمل أكتر من كدة.
أخرجها من بين أحضانه لتختفي إبتسامتها سريعًا و هي ترمقه بذلك القهر المصطنع و دموعها لا تتوقف، بينما هو يقبض علي كلا ذراعيها ليهزها بعنفٍ صارخًا ب:
-إنطقي و رُدي عليا حصل إية؟
إرتجف جسدها بقوة قبل أن تجيبه صارخة بنبرة ألمت حنجرتها، بينما هو يستمع لها و هو يهز رأسه رافضًا تلك الفكرة التي لم يتوقعها بيومٍ ما من شدة ثقته بصديقه:
-"برق" بيتحرش بيا يا "تميم"، عشان كدة عايزة أهرب من هنا خالص.
تراجع بخطواته و هو يبتعد عنها ليتابعها بتعابير وجهه المصدومة، ثم حرك شفتيه ببطئ ليهمس بإستنكارٍ:
-"برق"!
أومأت له عدة مرات قبل أن تصرخ بحقدٍ لم يظهر في نبرتها بسبب عدم إنتباهه لإي شئ سوي صدمته في صديق طفولته:
-أيوة "برق" اللي إنتَ كنت واثق فيه، اللي إنتَ كنت مخليه يراقب أختك، أختك اللي شكيت فيها، أختك اللي كانت بتحاول تهرب من القرف دة.
حاول الخروج من أفكاره المشتتة تلك، ليتسائل بعدها بنبرة جامدة أصابتها بالتوتر:
-الكلام دة بيحصل من إمتي؟
إزدردت ريقها بصعوبة قبل أن ترد عليه بنبرتها المرتجفة:
-من يجي شهرين.
أومأ لها عدة مرات قبل أن يهتف بصوته الأجش و هو يتجه لداخل البيت بخطواته الراكضة الغاضبة:
-سافري الأسبوعين دول زي ما قولتي و أنا هتصرف.
إبتسمت "رحيق" بدهاء قبل أن تلتقط حقيبتها سريعًا، لتخرج بعدها من البيت بأكمله غافلة عن تلك التي إختبأت بين الأشجار ما إن خرجت هي.
إبتعدت عن المكان لتخرج فجأة "سيليا" من بين الأشجار و هي تبتسم بمكرٍ قائلة بنبرة مسموعة:
-دة كدة إحلوت أوي.
____________________________________________
-اللي بتعمله دة يا "برق" هيضرك.
قالها "بلال" صارخًا بإهتياجٍ و هو يتحرك بعصبية علي ذلك الكرسي الذي كان مقيد به، فإقترب وقتها "برق"منه ليلكمه بعنفٍ قبل أن يكرر سؤاله بغضبٍ جحيمي يكاد يحرق كل شئ أمامه:
-معاها من إمتي!؟
إبتسم "بلال" بتهكمٍ و هو يبصق الدماء من فمه، ثم صاح بوقاحة أثارت حفيظة "برق":
-تقصد الست الوالدة ولا حد تاني؟
جز "برق" علي أسنانه بعصبية قبل أن يقبض علي مقدمة قميصه لينهال عليه بالضربات و اللكمات العنيفة و هو يصرخ بنبرة مهتاجة هزت أرجاء المكان:
-إنطق يالا يابن ال******.
تأوه "بلال" صارخًا قبل أن يجيبه بلا وعي من فرط الألم الذي شعر به:
-بعد موت "إياد" بأربع شهور.
.....................................................................
-أخوكي لو عرف الحقيقة هيقتلك يا "رحيق".
قالتها "سماح" صديقة "رحيق" بعدما وضعت كوب الشاي الساخن أمامها، ثم تابعت بعبوسٍ و هي تلاحظ عدم إكتراث تلك الحمقاء لها:
-ما تردي يا زفتة إنتِ.
عقدت "رحيق" حاجبيها بضيقٍ قبل أن تصرخ بغضبٍ و هي تضرب تلك الطاولة بقدمها بعنفٍ شديدٍ لتقع هي وقتها بكل ما عليها من أكواب الشاي و الماء:
-عايزاني أعمل إية!؟...قولتلك مكانش قدامي حل غير دة.
زفرت "سماح" بعصبية قبل أن تصيح بجدية:
-طب لو أخوكي عرف إن خالك مش في إسكندرية هتعملي إية خصوصًا إن اللي إسمه "برق" دة بيراقبك؟
ردت عليها بهدوء زائفٍ و هي تنهض من علي الأريكة لتتجه لتلك الغرفة حتي تنم، لتفكر بعدها بتمهلٍ لتجد حل مناسب لذلك المأزق الذي أوقعت نفسها به:
-مش هيعرف لإن بعد المشكلة اللي هتحصل بينهم بعد اللي حكيته ل "تميم" هتخلي أي حاجة يعرفها "تميم" ولا ليها أي لازمة.
أومأت "سماح" عدة مرات قبل أن تهتف بنبرة عالية بعض الشئ:
-إتغديتي بيه قبل ما يتعشي بيكي يعني.
____________________________________________
-عرفت إنك خرجتي، مش عارف العربية اللي خبطتك مموتتكيش عشان نخلص لية!؟
قالها "تميم" ببرودٍ و هو يرتمي بجسده علي الفراش، فردت هي عليه بوقاحة و هي تضع ساقًا فوق الأخري:
-حصل خير، الدور عليك بقي المرة الجاية و يمكن نخلص منك.
قهقه عدة مرات عندما شعر بنبرة التهديد التي في صوتها، لذا هتف بعدها بتهكمٍ و هو يهز رأسه بإستفهامٍ:
-و دة تهديد يعني ولا إية!؟
هزت كلا كتفيها قائلة بجمودٍ:
-زي ما تسميه...أنا اللي عندي قولته.
هب واقفًا من علي فراشه، ثم تحرك من مكانه ليلج لخارج الغرفة، و هو يفاجأها بإغلاقه للباب بمفتاحه، فإهتاجت هي وقتها واقفة من علي تلك الأريكة لتتجه بعدها للباب طارقة عليه بعنفٍ، و هي تصرخ ب:
-إنتَ بتقفل الباب دة لية!؟...إفتحه..إفتحه بقولك.
إنتظرها حتي تنتهي من صراخها المزعج، ثم هتف بعدها بنبرته الباردة تلك قبل أن يبتعد عن الغرفة:
-لا.
بينما هو تضرب الباب بكلا قدميها و هي تبدأ في الصراخ مجددًا، ثم و بعد عدة دقائق إستدارت للخلف لتنظر للشرفة بشرودٍ!
____________________________________________
أغلق باب البيت بذلك المفتاح الخاص به متجاهلًا صراخ "بلال" الرافض لما يحدث، فهو تركه مقيد هكذا ببيته بعدما أخذ منه كل المعلومات التي يريدها، و فجأة تعالي صوت رنين هاتفه، فأخرجه من جيبه و هو ينظر لهوية المتصل بترقبٍ فالفضول يسيطر عليه حول ما حدث منذ عدة ساعات، لذا ضغط علي الهاتف قبل أن يضعه علي أذنه قائلًا بصوته الأجش:
-أيوة يا "تميم".
تابع رده المبهم بتعجبٍ فنبرته لم تكن تبشر بالخير أبدًا:
-قابلني في الكافيه اللي بنروحه علطول.
تنهد ببعض من التوتر قبل أن يومئ عدة مرات قائلًا:
-نص ساعة و أكون عندك.
ثم تابع بتساؤلٍ و هو يهبط الدرج مبتعدًا عن شقة "بلال" بسبب ذلك الصراخ المزعج:
-بس هو في حاجة حصلت!؟
و أكثر ما أصابه بالذهول هو إغلاق "تميم" للخط وقتها دون الرد عليه، فتنهد هو بإرتباكٍ قائلًا بحيرة:
-يا تري عملتي إية تاني يا "رحيق"؟
____________________________________________
فتحت جفنيها بتأففٍ بعدما لم تستطع النوم و هي تحاول التفكير بجدية مجددًا بالأمر، هي تخطط للهروب و لكن هروبها يعني صدق ما سيقوله "برق"، و لكن مهما مر الوقت بالتأكيد ستظهر الحقيقة، و أكثر ما تخشاه هو رد فعل شقيقها عندما يعلم بحقيقتها الشنيعة التي لم يتوقعها من قبل، سيقتلها بالتأكيد كما قالت صديقتها، رأسها تكاد تنفجر من فرط الألم الذي أصابها بسبب زوبعة الأفكار تلك التي لم تتركها و لو لثانية واحدة، نهضت من علي الفراش لتتجه بعدها للشرفة لتنظر وقتها للأمام و هي تتأمل البحر بأمواجه العالية، و فجأة مر ببالها تلك الفكرة الخبيثة فتنهدت بعمقٍ قبل أن تهتف بأسفٍ مصطنعٍ:
-متزعلش مني بقي يا "بلال".
يتـبـــــــــــــــــــــــع الفصل العاشر اضغــــــــط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية " رواية سيليا والشيطان " اضغط على اسم الرواية