رواية ظل السحاب الفصل التاسع عشر بقلم آية حسن
رواية ظل السحاب الفصل التاسع عشر
خرج عز الدين ليرى من الزائر .. تحرك خارج الورشة فاندهش لوجود مراد..
: مراد باشا؟
التفت مراد، وما أن رآه انكمش وجهه بتعجب: انت؟
اقترب عز منه ليقف أمامه فيتساءل: حضرتك اللي عايزني؟
توسعت عينا مراد ليهمس بهدر: هو انت عز الدين اللي تعرفه نيرة؟
بدهشة: نيرة؟ هو انت تعرفها منين؟
زم شفتيه وهو يحدج به بسخط ثم يرد بنبرة أجشة: أنا مراد الحديدي وهي تبقى نيرة الحديدي!!!
: بقى انت مراد ابن أخوها!!
هدر وهو في كامل صدمته تمامًا، تشتت ذهنه لبرهة .. لم يعرف قط بأن مراد هو ابن أخيها!
أشار إليه بسبابته: اسمعني كويس، لو في فكرك إنك تجرح نيرة مرة تانية بأنانيتك، صدقني المرة دي ماحدش هيقف قصادك غيري!
شعر بالأستياء لمجرد ذكر جرحه نيرة .. فهتف بضيق
: يا مراد بيه انت فاهم غلط، أنا مكانش عندي أي نية أأذي نيرة، وهي جات الورشة دي بالصدفة مش بتخطيط مني
: صدفة أو بتخطيط، أنا مش عايزك تشوفها تاني
كانت نبرته صارمة ثم أردف متابعًا: حتى بنتك، مش عايزها تاني ف بيتي، عشان نقطع أي حبل بينا وبينك
أخفض عز جفنيه بأسى وقال: حاضر يا مراد باشا، أوعدك ان فريدة بنتي مش هتروح عندك تاني، تؤمرني بحاجة تانية؟
: الصندوق فين؟
سأل بجمود، ليرد: خدته نيرة
عقد مراد حاجبيه باقتطاب لأنه حذرها من أن تلقاه مجددًا، وأيضًا لم تخبره بمجيئتها..
رمقه بجحود ثم عاد إلي سيارته قبل أن ينطلق ذاهبًا ..
________
نيرة بفزع: ف إيه يا فريدة، مالك؟
شعرت وكأن العالم يدور بها من هول الصدمة، فأبيها هو حبيب نيرة! يا لهذه الدنيا كم هي قاسية..
فقالت وهي تحاول قمع دموعها: مفيش حاجة، وقعت مني غصب عني
هبطت ع ركبتيها لتلملم ما وقع من يديها والذي تبعثر أرضًا، وأثناء جمعها قد جرحت كفتها، ليخرج الدم منها
صاحت بارتياع: فريدة، خدي بالك إيدك اتعورت
: بسيطة، متقلقيش
أوقفتها ثم قالت: بسيطة ازاي، قومي معايا ... مدام عفاف شيلي إلى وقع دة
قالت ثم خرجت مع فريدة وأجلستها بلطف ع الأريكة، ثم أتت بالإسعافات الأولية، حتى تتمكن من ضماد جرحها..
أمسكت كفتها بحنو ثم وضعت مطهر على قطنة، ومسدت بلطف فوق الجرح، لتشعر فريدة بقشعريرة ولسعة من أثر المطهر ..
: معلش أنا آسفة
لتجهش فريدة بالبكاء، وتتناثر دموعها ع وجنتيها بغزارة، وكأنها وجدت سببًا تبكي لأجله، فتقترب نيرة منها بقلق وتربت ع ذراعها..
: فريدة متعيطيش يا حبيبتي، هتبقي كويسة دلوقتي
لتقترب منها أكثر وتضمها وشهقاتها تعلو، تظن نيرة أنها تبكي بسبب جرح يدها، لكن الجرح الذي اخترق فؤادها من الصعب مداواته ..
: ف إيه؟ وإيه الدم دة؟
انتبها الإتنين لوجود مراد، وهو يهتف متسائلًا، لتقف نيرة وتقترب منه، وتقول
: دي فريدة، انجرحت ايدها!
: من إيه؟
سأل لترد: كانت ف المطبخ وطبق قزاز وقع منها، انت كنت فين؟
: كنت عند عز الدين!
تعمد أن يرفع صوته وهو يتطلع إلى فريدة .. لتقف هي وتبتلع لعابها، بالتأكيد هو عرف الآن
لتتلجلج نيرة: روحتله؟
حول نظره لها، ثم قال: أيوة، وعرفت إنك روحتيله من ورايا!!
طأطأت نيرة رأسها، وهي تتحاشى النظر إلى مقلتيه المعاتبة لها..
ليهتف عاليًا وهو يرمق فريدة بسخط: ويا ترى مين اللي خلاكي تروحي من غير إذني؟
رفعت رأسها فقالت بصوت خافت: ماحدش يا مراد، أنا روحت عشان انت كنت مشغول ف المكتب اللي اتحرق
تلعثمت قليلًا، وسار نحو فريدة وهو يشير لها: يعني مش الهانم هي اللي قالتلك تروحي تشوفيه؟
استدارت نيرة باندفاع وهي مندهشة من معرفته بذلك، ع عكس فريدة التي أصابتها الربكة
: ليه بتقول كدة يا مراد؟
: عشان الهانم دي تبقى بنت عز الدين
صاح بوجه عابس، لتعتري الدهشة إلى معالم نيرة وتهمس بهدر
: انت بتقول إيه يا مراد؟ فـ..ريدة...؟!
انكمشت معايير فريدة بأسى وهي ترى الصدمة والذهول يسيطران ع نيرة، فتتحرك نحوها وتقول بصوت أجهش
: والله ما كنت أعرف، غير لما قولتي إن بنته اسمها فريدة ع اسم مامته!
: يا سلام! يعني حضرتك عايزة تفهميني إنك متعرفيش إن الشخص اللي كسر قلبها هو أبوكي؟
صاح مراد حانقًا والدم يغلي بعروقه كالبركان، لتلتفت فريدة وترد
: أكيد ما كنتش أعرف، وأنا هعرف منين يعني؟!
استنكرت بضيق عندما وجدت نظرات اتهام تنبع من زمردتيه..
: خلاص يا مراد، أنا متأكدة ان معندهاش علم
هتفت نيرة، ثم صاح الآخر بغل: بس أنا بقا شاكك إنه هو اللي بعتها هنا، وتلاقيهم مخططين كل حاجة مع بعض عشان تخليكي تشوفيه بحجة الصدفة !!
: انت اتجننت...
لم تكمل فصرخ بحدة هزت قلبها: اخرسي، ومتتعديش حدودك معايا!
ليمسك بمعصمها ويقبض عليه كالكماشة فتتألم
: واسمعيني يا ست أبوكي، إذا كنتي بتلعبي انتي وهو على نيرة اكمنها يعني طيبة، فدة مش هيحصل، عارفة ليه؟ عشان أنا مراد الحديدي ممكن افعص أي حد يقرب منها
كانت نبرته حاقدة ويفوح منها الشر، لتندفع نيره وتبعده عنها، وتهتف مستنكرة مما يفعله
: مراد إيه اللي بتعمله دة؟ وكلام إيه اللي بتقوله؟
: سيبيه يقول اللي هو عاوزه، أساساً ما يفرقش معايا غيرك انتي، وكفاية انك مصدقاني
لتتطلع إليه بصمود وتلقي نظرها عليه وتردف بتهديد
: ولعلمك بقا، لو كنت قولت لأبويا حاجة زعلته، أنا مش هسكتلك وهقفلك يا مراد يا بتاعة أنت
وع حين غفلة قبض ع ذراعها بقوة لتصرخ متألمة
: مــراد..
صاحت نيرة بخوف، وهي تحاول أن تفلت قبضته، لكن مراد كان جسمه صلبًا، ينظر لـ فريدة ف جفاء
صرخت فريدة وهي تشعر بأنامله قد نخرت ذراعها
: منك لله دراعي هيتقطع ف إيدك يا مفتري، عليك ربنا
: مراد سيبها أرجوك
صرخت نيرة الأخرى بخوف أكبر تملكها، ليهمس بنبرة كفحيح الأفعى..
: بقا انتي يابت بتهدديني أنا؟ جاتلك الجرأة ترفعي عينك فيا وتديني تحذيرات؟
صاحت بنبرة مبحوحة وبوجهٍ باكِ: خلاص والله، سيبني بقا هموت
وأخيرًا أطلق سراح ذراعها المسكين، والتي أحست أنه انتصل معه.. ثم صاحت في تشنج
: بقا بتمد إيدك عليا يا مراد، وربنا لبلغ عنك دة انت مش بني آدم دة انت ذئب بشري، منك لله
وضعت نيرة ذراعها بلطف ع كتفها وهي تمسد عليه، ليقول مراد وهو يجز على أسنانه
: مش عايز أشوف خلقتك تاني ولو بالصدفة!
هتفت باستهجان: ليه يعني هو انت اشتريت الكوكب!
سحبتها نيرة خلفها لتقول: هو ف إيه يا مراد، انت هتطلع غضبك ع البنت؟ وبعدين هي مش هتمشي من هنا!
صرخ بعصبية: يعني إيه مش هتمشي؟ هو انتي هتكسري كلمتي؟
تلعثمت: لا، بس أنا مش عايزاها تمشي
لتهدأ نبرته قليلًا: هو انتي هتفضلي طيبة وساذجة كدة كتير؟!!
لتنحدر الدموع على وجنتيها في ضعف .. فتقترب فريدة منها بسرعة وتدريها لها، لتمسح الدموع الغامرة بلطف
: متزعليش يا نيرو، ف ناس كدة هتلاقي كلامها زي الدبش اكمن قلبها بقا عبارة عن قالب طوب
رفعت ببصرها نحو مراد الذي يستشيط غضبًا .. وتردف
: أنا همشي يا نيرو وهكلمك بالليل بقا، ع مزدات
قالت بابتسامة ماكرة وهي ترمي الآخر بطرف عينيها، ثم تودع نيرة قبل أن تتوجه إلى خارج المنزل مغادرة
__________
عادت فريدة لمنزلها وكان في انتظارها عز الدين الذي ركض صوبها مباشرة..
: فريدة حبيبتي اتأخرتي كدة ليه؟
كانت نبرته يتخللها القلق والتوتر، فترد بهدوء واستنكار: اتأخرت إيه يا بابا، دة انا جاية ف المعاد مظبوط!
: طب تعالي يا عمري
ضمها له بحنو ودلف بها، لتأتي عليهما الجدة فتسأل
: ف إيه يا عز، مالها فريدة؟
ليندفع عز: فريدة مش هتروح تاني عند مراد يا أمي
فتردف فريدة بعد أن ابتعدت عنه: ليه يا بابا؟
: متسأليش، المهم انتي خلاص مش هتشتغلي تاني، وركزي ف مجموعتك!
: كل دة عشان عرفت أن مراد يبقى ابن أخو نيرة، حبيبتك القديمة؟
ليحذرها بقوة: فريدة
همست باعتذار: أنا آسفة
وضعت الجدة يدها ع فمها: نيرة؟
اقتربت منها فريدة فتردف: أيوة يا تيتة، نيرة طلعت عمة مراد اللي كان بابا بيشتغل عنده ف المصنع واللي انا حالياً بشتغل عنده ف البيت!
همست بدهشة: ازاي؟
: مش عارفة يا تيتة أهو نصيب، هي وبابا يتقابلوا تاني
قالت وهي تنظر لوالدها الذي يتيه بنظره بعيدًا، لتقترب منه وتضم يديه برفق
: بابا أنا مش هسيب الشغل عنده، لأن نيرة بقت صحبتي وهي مش عايزاني أمشي، وأنا بجد آسفة المرة دي مش هقدر أسمع كلامك
ليضع هو راحته ع كتفها ثم يردف بهدوء: فريدة، أنا خايف عليكي
: من إيه؟
سألت ليندفع بضيق: من كل حاجة، الله أعلم مراد بيفكر ف إيه دلوقتي
احتضنته وقالت: متخافش، وبعدين دي نيرو وقفت معايا ضده، أروح أنا أخذلها يعني؟!
قالت بنبرة لعوب ليتنهد بحيرة، ثم أردف: مش خذلان، ولو سمحتي متتكلميش معايا ف الموضوع دة تاني
ثم اتجه صوب غرفته، ويتركها تقلب عينيها بحنق
________
مراد يقف بسيارته أمام فيلا عثمان الحديدي، ثم يدخل ويجد عمه عثمان يجلس بالردهة فيلقي عليه السلام
: ازيك يا عمي؟
نهض عثمان ليرد في جفاء: أهلاً بالباشا، كويس انك فاكر اني ليك عم، بعد ما طردت ابني من الشركة، وأحرجت نانسي بنتي لما راحت تسأل عنك!
قلب مراد عينيه وهو يحاول امتصاص حديثه المزعج
تنهد مراد ليقول: شوف يا عمي، الكلام دة نتحاسب عليه بعدين، أنا دلوقتي جاي عشان معتز، فياريت تقوللي هو فين!
ليسمع مراد صوته من خلفه يقول: جاي عايز مني إيه! هتطردني من هنا كمان؟
وكان قد التفت إليه وهو يتطلع إليه بسخط: جاي آخد حق الغلابة اللي كنت هتسبب لهم ف أذية
ابتلع لعابه بصعوبة، ليردف بتلعثم: تقصد ايه؟
ليندفع إليه مراد بهجوم ويمسك برقبته، ويصطك ع أسنانه
: بقا انت يا حقير، اللي ورا الحريق اللي حصل ف المكتب!!
: انت بتعمل ايه يا مراد، ابعد عنه
صاح عثمان وهو يتقدم عليه، ليهتف معتز بنبرة مختنقة
: الحقني يا بابا، دة عايز يموتني
: زي ما كنت هتموت الموظفين اللي ملهمش ذنب!
قال مراد بضيق، فيرد عليه عثمان: انت كمان جاي تتهمه يا مراد، مكفكش اللي عملته
فيشعر بالغليل، ثم يدفع معتز بقوة، فيندفع برأسه نحو عثمان بوجه تنفجر الدماء منه، وبأعين يتطاير منها الشرر، فيبتلع عثمان ريقه بتوتر من نظراته
صاح وهو يشير بعصبية لـ معتز: ابنك اللي انت محموق عليه أوي وزعلان اني طردته، حرق المكتب بتاع أبويا اللي كان بيحفظ فيه كل الورق الخاص بالشركة
سأل عثمان بلجلجة: وإيه دليلك ع كدة، مش يمكن حد من أعدائك!!
لقد استفزه، جحظت عينيه بتذمر ثم حرك رأسه لمعتز وقال بهدوء مزيف واستهزاء
: الحقيقة عدوي الوحيد ف الحياة هو إبنك اللي بتدافع عنه، لأن البيه كان بيشتغل ف المشبوه وبيزور اسمي ف صفقاته القذرة، عشان ما يبقاش فيه اي دليل ضده، حتة عيل زي دة عايز يأكلني أنا البلوظة!
ارتفع صوته مجددًا، ثم قال: ومش بس كدة دة كمان حرق المكتب باللي فيه عشان غبي وحمار، وفاكرني هخاف أو اتهدد وأرجعله الورق.
ثم يقترب منه ويرفعه من ياقته: شوف ياض انت، قسمًا بالله لو ما استرجلت كدة وعقلت، لكون حابسك بالورق اللي عندي، أقلها تتربى بدل ما أبوك مش عايز يربيك
ثم تركه في سخط وغادر الفيلا
________
: العب يا ملعب، وكسبنا المناقصة يا عم شفيق
هتف عماد بتناغم وهي يتراقص بمرح، ليرد العم شفيق بفرحة
: الحمد لله يا رب، أمال مراد فين خلينا نفرحه
: مش عارف والله، بس هتصل بيه حالاً
أخرج هاتفه وضغط اتصال بعد أن بحث عن اسمه
________
: يوووه يا نيرة، ما ان شالله عنها ما جات، متبقيش هبلة امال!
صاح مراد بالهاتف وهو يقود سيارته، لترد نيرة بصوت أجهش وبراءة طفولية
: عشان خاطري يا مراد، وحياتي عندك كلم عز يرجعها!
استنكر بحنق: انتي بتستهبلي؟ عاوزاني أكلم واحد مقدركيش عشان بنته ترجع تشتغل عندي؟
: لا عشان هي صاحبتي، وانت عارف إن انا عمري ما كان ليا صحاب!!
قال وهو يجز على أسنانه: اقفلي يا نيرة متعصبنيش!
أغلق الخط لأن الأمر حقًا لا يحتمل، اللعنة عليها من أين أتت تلك الحمقاء لتقتحم حياته بهذا الشكل، ليس هي فقط، بل وأبيها أيضًا!!!
ثم اندفع وضغط على المكابح فجأة حتى احتكت الإطارات بالأسفلت ليصدح صوتًا قويًا.. ترجل من عربته وكانت مقلتيه تشتعل كاللهيب عندما وجدها هي من اعترضت طريقه
: انتي غبية يا بنتي؟ واقفة ف نص الشارع بتعملي إيه؟
صاح بتأفف وهو يقترب من فريدة التي تتراجع للخلف خوفًا من خطواته القادمة.. لتقف بثبات وهي تجاهد قوتها ألا تضعف..
: بقولك إيه...
وقبل أن تكمل رأت سيارة تتحرك نحوهما ويخرج أحد الجالسين بها بندقه ويصوبها نحو مراد، اتسعت عيني فريدة بذهول لتصرخ قائلة..
: حــــاسب يا مرااااد
لتدفعه بعيدًا حينها مراد قد انتبه وضمها إليه حتى وقعا خلف سيارته.....
يتبع الفصل العشرون اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية ظل السحاب" اضغط على اسم الرواية