رواية ظل السحاب الفصل العشرون بقلم آية حسن
رواية ظل السحاب الفصل العشرون
صرخت فريدة من أثر السقوط، ليضح مراد سبابته ع فمه ويهمس
: ششش، ادخلي العربية بالراحة
: ازاي...
صاحت ليزجرها بطرف عينه ويتمتم من بين أسنانه
: وطي صوتك يا غبية!
: طيب خليك معايا والنبي أنا خايفة
همست بوجه باكِ، ليتمتم وهو يصطك ع أسنانه: انتي لو فضلتي شابكة فيا كدة، إن شاء الله مش هيطلع عليكي صبح!
لتتمتم هي ببعض الكلمات الغير مفهومة، ثم يرفع مراد يده عند باب السيارة وضغط بهدوء ع المقبض إلى أن انفتح
: ادخلي يلا وانزلي تحت ومتخرجيش من العربية مهما حصل
همس ثم أومأت برأسها مرارًا، ودلفت ببطء للداخل .. مراد يجلس بالأرض ويسند ظهره ع إطار «العجلة» السيارة، ثم سحب السلاح من خلف حزامه عندما شعر بصوت أقدام تقترب من السيارة،
ثم اندفع لينهض ويصوب نحو شخص ملثم وأصابه بطلق ناري في رأسه، قبل أن يسارع هو بضغطِه ع الزناد ..
صرخت فريدة وبدأت باللطم ع خدها بهستيريا عند استماعها لصوت الطلقات
: الله يخربيت معرفتك يا مراد، يا لهووووي
وبحركة بارعة، قفز فوق واجهة السيارة متقلبًا بحذق، ليرفع بقدمه ويهبط بها ع وجه الآخر بضربة قوية أوقعته أرضًا،
ثم مال بجذعه نحوه وجذبه من مقدمة ثيابه ويصرخ به
: مين اللي باعتكم ياض؟
وقبل أن يتفوه سمع مراد صوت السيارة تنطلق هاربة والتي كانت تقف ع بعد منه، ثم دفع الشخص بحنق، ليتطلع إلى مكان اختفائها، ويضرب بقدمه على الأرض بقوة وهو يزفر..
ليستمع إلى صوتها الصاخب من خلفه يقول
: قتلتهم؟ يادي المصيبة أم حناجل يا ولاد
ثم بدأت باللطم مجددًا، والنحيب: مكانش يومك يا فريدة، أهو دلوقتي هبقى مستهدفة وأكيد هيدوروا عليا ف كل ناحية، كان يوم مهبب يوم ما شوفت خلقتك
صاح بحدة: ما تبس بقا، انتي إيه راديو ما بيفصلش!
أنفضت ملابسها بحنق وهي تقول: حاضر، هخرس خالص .. بس يكون ف علمك أنا لو جرالي حاجة هيبقى ذنبي كله ف رقبتك انت
تجاهل حديثها الأحمق، ثم أخرج هاتفه واتصل ع صديقه الشامي..
________
عاد مراد إلى بيته وهرعت إليه نيرة بارتياع لتتساءل في قلق
: مراد إيه اللي سمعته دة، صحيح اتضرب عليك نار؟
قلب عينيه بضجر: أكيد الأستاذة اللي قالتلك مش كدة؟
: أيوة يا مراد، هو انت ماكنتش عايزني أعرف يعني ولا إيه؟ وبعدين انتوا اتقابلتوا ازاي؟ وليه؟ ومين الناس دول؟
ظلت تهتف بسؤال وراء الآخر باهتمام، وهو زفر بكلل ليقول
: نيرة، نتكلم بعدين، أنا راجع تعبان
كاد أن يتركها لكن أوقفته: استني مش هتمشي غير لما أعرف مين اللي حاول يضربك؟
قال بهدوء: والله يا نيرة ما أعرف، الشامي بيحقق ف الموضوع ولما أعرف أي تفاصيل هقولك، عن اذنك بقا
________
: معرفتيش مين اللي كان عايز يقتل مراد؟
سألت فريدة باكتراث وهي تجلس بجوار نيرة في أحد المطاعم، فردت وهي تنفي برأسها
: مراد قال إن لسة بيتحقق مع اللي مسكوه
: قوليله يخلي باله من نفسه!
قالت بنبرة حانية، لتغمز لها نيرة وهي تبتسم بمكر
: هي السنارة غمزت ولا إيه؟
لتتعسر كلمتها وتتشتت نظراتها: أنا..أنا.. مفكرتش ف كدة
فحاولت أن تتهرب من عينيها: المهم كمليلي الحكاية بقا، احنا وقفنا فين؟
ملأت نيرة صدرها بالهواء ثم استطردت بقية سرد القصة..***
: انت واخدني ع فين بس يا مراد فهمني!
سألت رغد التي يجرها مراد خلفه ويدخل بها الڤيلا من الباب الرئيسي، فيقول أثناء سيره بتهكم
: انتي خايفة ليه، هو أنا خطفك؟
: مش قصدي
ثم فتح الباب الداخلي ودلف بها، فتنبهر بالمكان وتقول بعفوية
: هو دة بيتك يا مراد؟
ليرى الدهشة تصعد معالمها، وهي تجوب بعينيها المكان، فيقترب منها ويمسك فكها بلطف وهو يحرك وجهها نحوه
: مالك!
: أصله حلو أوي وكبير، أنا مش بحسد والله
قالت ببراءة ثم ضحك مراد: هو انا قولت انك بتحسدي!! تعالي عشان أعرفك ع أمي ونيرة
أومأت بابتسامة ثم ضم كتفها إليه، ودخل إلى البهو ليجد والدته «هناء» ونيرة موجودان بها.. ويلقي السلام عليهما..
هناء: أهلاً يا حبيبي، مين دي؟
سألت بتعجب ليقول بابتسامة: أحب أعرفكم برغد
لتنهض نيرة وتقول بمرح: طب والله كنت حاسة، دة انتي طلعتي قمر خالص
قالت وهي تتقدم نحوها وتعانقها بلطف، وتنكمش ملامح رغد بخجل .. لينتبهوا ع صوت هناء وهي تهتف متسائلة
: ما تفهموني يا جماعة فيه إيه؟ ورغد مين؟
تقدم مراد من والدته وجلس بجوارها ثم أردف بصوت يكسوه العشق
: رغد تبقى حبيبتي يا أمي، وأنا جايبها تتعرفي عليها لأني عايز اتجوزها!
شهقت رغد، واتسعت عينيها غير مصدقة، لم تكن تعرف بالمرة أنه سيفاجئها بتلك الطريقة .. ليقف وهو يتطلع لها وعلى ثغره بسمة..
: إيه مش عايزة تتجوزيني ولا إيه؟
نفت برأسها، لتختفي البسمة وينعقد وجهه، فتردف بسرعة وهي ترسم ابتسامة سعادة
: أقصد أكيد عايزة، هو أنا أطول يعني!
ضحك مراد ثم تقول نيرة بفرحة: الف مبروك يا ولاد
لتجذبه والدته من يده بعيدًا بعد أن تغيرت ملامح وجهها، فتعجبت رغد من تصرفها، وشعرت أنها غير راضية عنها، لينكمش وجهها بحزن
: مراد، إيه اللي بيحصل دة؟ ومين دي واتعرفت عليها ازاي؟ وازاي أصلاً عايز تتجوزها من غير ما نعرف أصلها وفصلها؟
همست هناء بحنق، ليرد مراد..
: اهدي يا أمي، أنا مش عيل صغير هيتقاللي الكلام دة، وبعدين أنا جايبهالك عشان تتعرفي عليها! مفيش أي مشكلة
حاولت هناء التمسك بهدوئها ثم قالت: بس انت لازم تاخد رأي عمك ف موضوع زي دة، أظن الأصول متزعلكش
تنهد وقال: بصي يا أمي، أنا مش هاخد رأي أي حد، عشان دي حياتي أنا مش حياة حد تاني، فلو حضرتك عايزة تكلميه براحتك، رأيه مش هيفرق معايا ف حاجة
: دة واضح إن رأيي أنا كمان مش فارق!
قالت وهي تجعد جبينها باستياء، فحرك مراد رأسه مستنكرًا بضيق
: يا أمي، أرجوكي متقوليش كدة، لو انتي مش فارقة ما كنتش جبتهالك لغاية هنا!
تقدمت نحوهم رغد بخطوات واهية لتقول: لو حضرتك مش موافقة بيا، أنا ممكن أمشي المهم انتوا متضايقوش أو تزعلوا من بعض بسببي
تعجبت منها هناء ومن طيبتها الغريبة، فأي فتاة أخرى غيرها، كانت تتمسك به حتى وإن اعترضت عائلته عليها؟
تنهدت ونظرت إلى ابنها الذي يخبرها بمقلتيه أنها الأنسب له، لتعتلي ابتسامة رقيقة فوق شفتيها وتقترب من رغد وتضمها ثم تردف
: أنا كمان ما يهمنيش غير سعادة ابني، وطالما سعادته معاكي أنا ماعنديش مانع
حالت السعادة ع وجه مراد، وتهللت أسارير رغد بفرحة عارمة، لتصيح نيرة بمرح
: أيوة بقا، خلي البيت يتملي بالزغاريد والفرحة
ضحك الجميع، ثم تطلعت رغد على مراد بعينين عطفة، تبرق بومضات الإمتنان والحب لما يفعله من أجلها..
-------
: ازاي يا هناء تقرروا حاجة زي كدة من ورايا؟ مبقتوش تعتبروني كبيركم ولا إيه؟
نهض عثمان وهو يزعَق، والدماء تصعد إلى معالمه ثم وقفت هناء تحاول إطفاء غضبه..
: أهدى يا عثمان، الحكاية مش كدة
: أمال إيه؟
هتف غيظًا لتردف: أنا اتفاجئت زيي زيك، وانت عارف مراد صيته من دماغه، وأنا جبتك هنا عشان تقف مع ابن أخوك أحسن ما تعاندوا ف بعض وخلاص
قال وهو يكبح حنقه: لا يا هانم، ابنك خلاص كبر ومبقاش عايز حد معاه، بدليل إنه مجاش كلمني بنفسه عشان ياخد رأيي إن شالله حتى من باب إني فرد من العيلة!!
سخر لتردف بصدق: والله دة لو يوسف الله يرحمه لسة عايش كان برضو هيعمل اللي هو عايزه! وبعدين البنت كويسة أوي، ومحترمة و...
قاطعها: تبقى بنت مين يعني؟ أهلها من نفس مستوانا؟ أبوها يطلع مين؟
التفتت بجنبها ولا تدري بماذا تجيب، فلو علم أنها لا تمتلك شيئًا سيعاند أكثر ولن يقبل بها، ناهيك عن أنها تعيش دون أهل ..
لينعر بغلظة: ما تنطقي يا هناء سكتي ليه؟
تزلزلت نبرتها: مـ..مش مهم بنت مين
ضيق عينيه: يعني إيه مش مهم؟
لتلتفت له وتقول: يعني كفاية إنه هو اختارها وبيحبها، الحاجات التانية اللي بتفكر فيها انت، متهموش هو!
رفع أحد حاجبيه وهو يردف: لهجتك مش عاجباني يا هناء، قوليلي البنت دي تبقى مين؟
سأل بجمود، وقبل أن تجيب دخل مراد وهدر بنبرة يغلفها العشق
: أنا هقولك البنت دي تبقى مين! تبقى روحي وكياني، تبقى نفسي اللي بيخرج مع كل حرف من اسمها، تبقى عيني اللي بشوف بيهم وشها البرئ، تبقى حياتي اللي بدأت من أول لحظة شوفتها فيهم .. عرفت بقا دي تبقى مين ولا لسة!!
عم الصمت لوهلة ثم تنحنح عثمان حتى يضبط نبرته من الغرغرة التي أصابت أحباله، فيتمتم وكأنه لا يبالي بما قال..
: برضو معرفتش اسم ابوها إيه، أو أهلها عندهم إيه يملكوه؟
ضحك مراد ساخرًا: يعني أنا المفروض أتجوز عشان أهل البنت أصحاب أملاك؟
: أكيد
: طب يا عمي، أنا بقا ما يفرقش معايا الكلام التافه دة، ورغد هتبقى مراتي، سواء كانوا أهلها ناس أغنيا أو لا! وللعلم هي ما تملكش أي حاجة غير قلبي!
قال مراد بحسم ليصر عليه عثمان: بس على جثتي إن حد يدخل عيلتي وأنا مش راضي عنه!
: ليه يا عثمان، عايز تحرم مراد كمان من الأنسانة اللي بيحبها!!
هتفت نيرة أثناء هبوطها الدرج ثم اتجهت نحوهم، ليصيح عثمان بصوت حانق عند رؤيتها
: نيرة، أنا مش ناقصك، وبعدين أنا ماليش كلام معاكي
أشاح بوجهه بعيدًا عنها ليوجه حديثه لـ مراد: واسمعني، أنت لو اتجوزت البنت دي يبقى انت بتحكم ع نفسك بالفشل ومسيرك هتعرف قيمة كلامي دة، فراجع نفسك كويس قبل ما تاخد خطوة تدمرك وتدمر سمعتنا معاك
انهى حديثه ثم غادر كالإعصار من أمامهم وقبل أن يعطي لـ نيرة نظرة كره.
لتعود نيرة للواقع، وتهتف فريدة بغيظ
: هو أخوكي دة دايمًا واقفلكم زي اللقمة ف الزور؟
ضحكت: دة لولا شخصية مراد القوية كان خلاه تحت طوعه ومشاه ع كيفه، بس مراد كان بيضرب بكلامه ف الحيطة وما بيهمتمش لأي مخلوق.
: يا بختها
تمتمت بتيه، لتتعجب نيرة: هي مين دي؟
أدركت فريدة نفسها: ها! أقصد رغد يعني، مراد ما تخلاش عنها أبدًا!
لتشرد نيرة قليلًا وهي تتنهد: يا بختها فعلاً .. أي واحدة فينا كانت تتمنى يحصل معاها اللي عمله مراد عشانها.
فهمت فريدة إلى ماذا هي ترمي فاقتربت بجذعها العلوي إليها، وربتت بحنو
: أنا عارفة إنك زعلانة عشان بابا سابك واتخلى عنك، أنا كمان مش شايفة مبرر إنه يبعد عنك، بس ف النهاية دة أبويا مش هقدر أعاتبه.
قالت باستياء ظهر ع ملامحها، لتندفع نيرة مستنكرة بهدوء
: ومين قالك إني عايزاكي تعاتبي عز، ولا أنا زعلانة منه؟ فريدة اللي حصل دة مكتوب علينا، وماحدش بيهرب من قدره، وعشاني بلاش نتكلم ف الحكاية دي تاني!
مسدت ع ظهر يدها بلطف وهي تحول على ثغرها ابتسامة صغيرة عطفة
________
: معرفتش مين اللي هاجمك يا باشا؟ وبلغت ولا لأ؟
هتف عماد متسائلًا في لهفة واضطراب، ليرفع مراد وجهه عن الحاسوب ويقول بلا عبأ
: لا معرفتش، والشامي عنده خبر بالموضوع
: طب العيال اللي قبض عليهم، اعترفوا مين اللي وزهم؟
سأل بقلبٍ متذبذب، لينفخ مراد الهواء من فمه ويقول
: هو انا ليه حاسس إني ف تحقيق؟
: اعتبره كدة، ولو سمحت جاوب عليا، ماتسبنيش حيران وقلقان كدة!!
شعر مراد باهتزاز في نبرته، ثم نهض وأردف بنبرة مخملية كي يطمئنه ويهدئ من روعه
: أهدى يا عماد أنا كويس، وبعدين انت نسيت اني كنت ظابط؟ يعني أقدر اتعامل مع المواقف دي عادي!!
اقترب عماد منه: عارف، بس دة ما يمنعش إني اخاف عليك!
تنهد بملل ثم أردف: بقولك إيه؟ ما تتجوز وحل عني بقا، مش انت قولت ان فيه بنت بتحبها؟
: لا مهو انا مستني أفرح بيك الأول
حالت ابتسامة ساخرة على جانب ثغره: يبقى مش هتتجوز أبدًا!
وقبل أن يرد انفتح باب المكتب ودخل موظف فقال
: مراد باشا، ف جماعة بيسألوا عن حضرتك
تعجب مراد ثم أذن له أن يدخلهم .. فدلف اثنان يرتديان بدل رسمية وأجسادهم ضخمة..
تحدث واحدًا منهم وهو يسلم: ازاي حضرتك يا مراد باشا؟ انا المقدم حاتم رؤوف...
وأشار إلى الآخر: والرائد أحمد الدرديري ...أمن وطني
قال وهو يعقد حاجبيه: أهلاً بحضراتكم
: ممكن نتكلم معاك ع انفراد؟
: أه أكيد... عماد
هتف دون إيماءة ففهم عماد وأغلق الباب بعد أن خرج مع الموظف..
أشار إليهما بالجلوس ثم جلس هو خلف مكتبه وسأل
: خير يا بشوات في حاجة؟
قال حاتم: احنا عرفنا إن في أشخاص مجهولين هاجموك وأطلقوا عليك النار أثناء وجودك ف الشارع، ونتج عن كدة موت واحد منهم بسبب إصابته ف راسه من مسدسك، وواحد لسة عايش
: وحضراتكم عرفتوا منين؟
سأل مراد مستغربًا لأنه لم يبلغ إلا صديقه تميم الشامي، ولم يتقدم ببلاغ رسمي من جهته..
رد حاتم: احنا وصلنا الخبر من مباحث قسم الشرطة، واللي عرفناه بعد كدة إن واحدة اسمها فريدة عز الدين هي اللي اتقدمت بالبلاغ..
نهض من مكانه بعينين تطلق سهامًا كالشعلة
: مين اللي بلغت؟؟!!!!!!!!!........
يتبع الفصل الواحد والعشرون اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية ظل السحاب" اضغط على اسم الرواية