رواية ذئب يوسف بقلم ذكية محمد
رواية ذئب يوسف الفصل الثالث عشر 13
نظرت للشراب بتردد، ولكن ما إن رأت البقية يرتشفون منه طمأنها ومن ثم شربته على الفور، لتعطي لها شيري كوباً آخر وشربته لشدة شعورها بالعطش من الجهد الذي بذلته، وكأسان كانا كافيين لجعلها في حالة سكر تامة .
أخذت تضحك بهستيرية، فهتفت بترنح :- شيري أنتِ واقفة مقلوب ليه؟
أجابتها بتشفي :- أبداً يا روحي، خدي اشربي كمان.
التقطت منها الكوب قائلة بسُكر :- العصير اللي بيحرق في الزور !
أنهت جملتها و تجرعته بأكمله، ثم أخذت تضحك بصوتها العالي وقالت بتفكير :- شيري أنا عاوزة أرقص .
رفعت حاجبها بدهشة قائلة :- ترقصي ! وماله يلا تعالي أرقصي، دي شكلها هتحلو أوي .
أخذت تتمايل على أنغام الموسيقى قائلة بدون وعي :- يلا يا بسمة هاتي الطرحة .
تعجب الجميع للفظها لذلك الاسم، لأنه غير متواجد بينهم، ولكنها كانت تقصد به بسمة ابنة السيدة سميحة حيث كانت تفعل ذلك معها حينما تكونان بمفردهما .
ابتسمت رودي بخبث و ناولتها الوشاح الخاص بها والذي يلتف حول جيدها قائلة :- أدي ال scarf اللي أنتِ عاوزاه .
أردفت رحيق وهي تنظر لشيري :- هاتي أغنية حسن شاكوش يا بسمة .
أومأت بمكر قائلة :- حاضر يا روح بسمة . بينما غمزت لأحدهم بأن يصور ما يحدث .
لفت الوشاح حول خصرها، وأخذت تتمايل باحترافية، و ضحكاتها تملأ المكان، و نظرات الشباب تكاد تأكلها، اجتمع من بالمكان حولها و أخذوا يصفقون و يطلقون صافرات الإعجاب بتلك الجميلة الغائبة عما تفعل .
توقفت السيارة الخاصة به ونزل منها و خلفه الحرس، كانت النيران متجسمة بعينيه، و دمائه غلت بعروقه حتى كادت أن تنفجر.
دلف للداخل لتتوقف قدماه عن الحركة، لتلجمه الصدمة مما رأى، لطالما كان جامداً لا يظهر ما يشعر به على وجهه، إلا أنها نجحت في ذلك، حيث اتسعت عيناه على آخرهما، و كاد ثغره أن يصل للأرض من هول الصدمة.
بدأت أنفاسه تتثاقل، والبركان الذي بداخله يثور معلناً عن انفجاره . تقدم منها بخطوات سريعة، و جذبها بعنف من ذراعها قائلاً بصوت عال، صمت كل شيء على أثره، جعلت جدرانه الجليدية تتآكلها تلك النيران التي تصاعدت وهو يراها بتلك الهيئة :- إيه اللي أنتِ بتهببيه دة ؟
نظرت له بتذمر قائلة وهي تبعد يده عنها :- أنت مين ؟ اه اه عرفتك أنت مراد الفريزر البارد .
جز على أسنانه بعنف قائلاً :- أخرسي خالص قدامي، وفين الهانم التانية؟
كانت ترتعش حرفياً فور رؤيتها له يدلف كالأعصار و ازدردت ريقها بصعوبة خوفاً من القادم. ما إن أبصرها، شعرت بهروب الدماء من وجهها، فصاح بغضب :- قدامي على العربية.
هزت رأسها بخوف، و ركضت من أمامه تنفذ ما طلبه، بينما أخذ يهز التي تترنح أمامه قائلاً :- وأنتِ حسابك بعدين .
شدت ذراعها الذي كان تحت قبضة يده قائلة بحنق :- يووه أنت مالك أنا عاوزة أرقص، أنت بارد كدة ليه ؟ ثم ضحكت قائلة بتكرار وهي تصفق بيديها :- مراد البارد ....مراد الفريزر....يا فريزر يا فريزر..
جذبها خلفه وهو يكاد يحطم أسنانه، وأخذ يسير بسرعة بها، ركضت هي خلفه لتلحق به قائلة بصراخ :- سيبني يا بارد ..سيبني، يا بسمة ليه جيبتي الفريزر دة عندكم ؟ مشيه مشيه ..
رفع حاجبه قائلاً بتهكم واضح:- وكمان سكرانة !
تعثرت قدمها فسقطت قائلة بوجع :- رجلي..رجلي يا فريزر استنى الله يخربيتك، قطر ماشي !
عض على شفته بغيظ، يود لو يفصل رأسها عن باقي جسدها فهتف بحدة :- أنتِ هتستهبلي! اخلصي قومي .
أردفت بدموع :- رجلي وجعاني يا فريزر !
زفر بضيق، وما جعله يستشيط غضباً هو نعتها له ب"الفريزر"، جلس قبالتها وفك ذلك الوشاح الذي يتوسط خصرها و ألقاه بعنف، وحملها على حين غرة فشهقت قائلة بضحك :- الله ! أنت هتمرجحني ؟ طيب براحة علشان بدوخ .
اصطكت أسنانه ببعضها محدثة صوتاً من شدة غضبه و ضيقه من تلك المعتوهة التي تنجح في كل مرة أن تزيد من غليان دمائه.
سقطت رأسها على صدره فرفعت وجهها نحوه قائلة بسكر :- مراد! أنت بارد . ثم رفعت كفها ومشت بأطراف أصابعها تتلمس بها وجهه قائلة بضحك خافت :- دقنك بتشوك ! احلقها يا فريزر...
ولم تتحدث بعدها حيث سقطت يدها و ارتخى جسدها، فنظر لها بانتباه وجدها سقطت في النوم .
وصل للسيارة فقام أحد الحرس بفتح الباب الخلفي ليضعها ببعض القوة بجوار شيري التي كانت مصدومة من فعلته، أذلك الذي يرفض أن تقترب أي أنثى منه يحمل فتاة بين ذراعيه !
بعد وقت توقفت السيارة بداخل القصر، فنزلت شيري تمشي بخطوات أشبه بالركض للداخل، بينما لم يجد مفراً من أن يحملها مجدداً و دلف بها للداخل .
كان عاصم ما زال متيقظاً برفقة والده و عمه وشادي وجده بالصالة الكبيرة وكانت الصغيرة قد غفت .
ما إن وضعت شيري قدمها على أول سلمة، صرخ مراد باسمها قائلاً :- شيرين أقفي عندك!
التف الجميع نحو مصدر الصوت، فأصابتهم الصاعقة حينما وجدوه يحمل رحيق الغافية. نهض شادي قاطعاً ذلك الصمت قائلاً بذهول :- مراد إيه اللي بيحصل هنا دة ؟ فهمني !
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- أبداً بلم الفضايح اللي بيعملوها أخواتك.
نظر له بضيق مزمجراً بغضب :- احترم نفسك يا مراد، وشوف نفسك بتقول إيه ؟
قال ذلك ثم حمل رحيق عوضاً عنه بحنق، و دلف بها إلى إحدى الغرف القريبة و وضعها بها، ولاحظ ثمة رائحة كريهة تنبعث منها من خلال تنفسها، ولكن لا وقت لذلك، بل عليه معرفة الأمر، إذ خرج سريعاً ليردف بانفعال :- أنت كنت شايل أختي بالطريقة دي ليه؟ وجايبهم منين؟
أردف بسخرية :- أبداً جبتهم من فيلا واحد وكانوا هناك....
صمت غير قادر على نطق تلك الكلمات، لطالما رأى فيها الفتاة الملتزمة، فزفر بغيظ قائلاً وهو يشير لشيري :- الهانم و الليدي التانية كانوا في حفلة مع شباب و بيشربوا خمرة، و الأستاذة التانية بترقص ولامة حوليها الشباب .
هتف مجدي بصدمة :- بتقول إيه ؟
أردف بأسف وهو يمط شفتيه بضيق :- للأسف يا عمي دي الحقيقة .
التف شادي نحو شقيقته وطالع هيئتها التي جعلته يغلي كالمرجل، و بلحظة قبض على شعرها قائلاً بحدة :- كام مرة أنبه عليكي اللبس دة ما يتلبسش يا هانم ها كام مرة ؟
أخذ صدرها يعلو و يهبط بعنف وهتفت بتلعثم :- اااا.. أنا أنا..
لطمها بقوة قائلاً :- الظاهر الحنية مش جايبة معاكي بفايدة، و أنا أتساهلت معاكي بما فيه الكفاية .
صرخت بوجهه قائلة :- أنت بتضربني ليه ؟ بدل ما تروح تضربها هي، اه ما هي من أول ما جات وأنت عمال تدلع فيها وناسي إني أختك طبعاً مش هتغلطها.
طالعها بصدمة قائلاً :- إيه الهبل اللي بتقوليه دة ؟ أنتوا الاتتين أخواتي، وكوني إني بضربك و بحاسبك دلوقتي يبقى يهمني أمرك زيك زيها يا ريت بس تطلعي الأفكار اللي مش تمام دي من دماغك، ومين قالك إني مش هعاقبها؟
ثم وجه مقلتيه نحو مراد قائلاً بعدم تصديق :- مراد فهمني اللي حصل أنا هتجنن، و رحيق إزاي تعمل كدة دي متعرفش حد، مش ممكن!
أردفت بحقد :- مش ممكن ليه ؟ على العموم لو مش مصدق مراد شاف كل حاجة .
أردف بثقة :- رحيق متعرفش حد هنا علشان تروح عنده، ورحيق اللي رفضت إني أحضنها وكانت هتضربني على الرغم من أني أخوها استحالة تعمل كدة .
أردفت بانفعال :- قصدك إيه؟ بتلمح لايه ها ؟
أردف بغيظ :- وكمان ليكي عين تقاوحي!
هتف عمران بصرامة :- بس يا ولد أنت وهي، إيه مش محترمين اللي أكبر منكم ! وأنت يا مراد اتكلم مش هنشحت الكلام كمان.
أردف بجمود :- ما أنا قولت يا بابا اللي شوفته، ويا ريت تتصرفوا معاهم بدل ما اسم العيلة يتلطخ بسبب بنتين، بعد أذنكم.
صعد للأعلى، بينما أردف مجدي بعدم تصديق :- بناتي بيعملوا كدة! مش ممكن لا أكيد في حاجة غلط في الموضوع، روح صحيها يا شادي أنا لازم أعرف كل حاجة دلوقتي.
أردف شادي بروية خوفاً على والده :- بابا أهدى. هي صعب تفوق دلوقتي أوعدك أول ما تفوق هعرف منها كل حاجة.
نظر مجدي لابنته الأخرى بأسى قائلاً :- وأنتِ يا شيري؟ دي جزاتي ! مديلك حريتك و واثق فيكِ شباب وخمرة يا شيري ! علشان اتشليت يعني قولتي بابا مش هيشوفني؟
أردفت بسخط :- وفيها إيه يا بابي دول صحابي وأنا معملتش حاجة غلط، إحنا في القرن 21 بلاش الدقة القديمة بتاعتك دي على رأى مامي.
كاد أن يتقدم منها ليلقنها درساً على حديثها الغير أخلاقي مع والدها، إلا أن مجدي أردف بسخرية :- سيبها يا شادي. مامي! اممممم قولتيلي مامي، العيب مش عليكي، اسمعي أما أقولك الكريدت كارد هتتسحب منك و مفاتيح العربية ومن النهاردة هتمشي بحرس وكل نفس هتتنفسيه هيكون بعلمي، حطي كل حاجة و اطلعي على أوضتك.
نظرت له باعتراض شديد، ولكن ما إن رأت الإصرار بعينيه التقطت المفاتيح و البطاقة و ألقتهم بحدة على الطاولة، و هرولت لغرفتها بسرعة، و بداخلها كره يتصاعد للأخرى.
قطب عاصم جبينه بعبوس قائلاً :- إزاي طلعوا ؟ مش قالوا إنهم طالعين فوق! وازاي الحرس يسيبهم يعدوا كدة ؟
أردف شادي بغيظ مكبوت :- أنا هروحلهم و أشوف شغلي معاهم وهحاسبهم على الاستهتار دة .
أنهى حديثه ليغيب في الخارج لدقائق معدودة، ليدلف بعدها بوجه مكفهر فتسألهم أعينهم بما فعل وإلام وصل، فيهتف بسخرية :- الهوانم طلعوا من على السور و استخدموا السلم، بجد برافو !
هتف المرشدي بغلظة :- شيري ما تعملش حاجة زي كدة أبداً، دي تصرفات ناس جاية من الشارع، و أظن أنتوا عارفين مين اللي عمل كده كويس !
تطلع له ابنه قائلاً بحزن :- بابا اللي بتغلط فيها دي تبقى بنتي و حفيدتك فبلاش كلام من دة إذا سمحت.
زفر بضيق قائلاً :- أياً كان! اللي اتعمل دة أكبر غلط، ونقطة سودة لعيلة المرشدي، لما بكرة تلاقي صورهم منورة الجرايد، وزي ما عاقبت شيري يا ريت تعاقب اللي أنت مش شايف غيرها من أول ما جات.
أردف بانفعال :- أقتلها يعني و أريحكم؟ دي بنتي ! بنتي يعني ليها زي ولادي الباقيين بالظبط و حاضر يا بابا هعاقبها ، بس اسمعها الأول.
أردف بغيظ :- و اشمعنا دي بالذات اللي هتسمعلها؟
تنهد بعمق قائلاً :- لأني متأكد أنها استحالة تعمل كدة، أكيد في حاجة دفعتها أو حاجة خلتها توصل للحالة دي، و قبل ما تتكلم وتقول واثق فيها و شيري لا، أنا واثق في تربية فاطمة بس مش واثق في تربية ناريمان، أنا من زمان وأنا حاطط حراسة عليها يراقبوا تصرفاتها، يعني مش دلوقتي لما ظهرت رحيق، من زمان يا بابا . بقلم زكية محمد
تدخل عمران قائلاً بروية :- دلوقتي لازم نتابع السوشيال ميديا و نتصل بمعارفنا في الصحافة علشان لو حد جاب ليهم صور يلحقوا يتصرفوا.
______________________________________
فتحت مقلتيها لتستقبل يوماً جديداً، مررت ذراعها على الفراش ناحية الصغير، إلا أنها لم تجده، فجلست نصف جلسة و بعثرت خصلات شعرها بعشوائية قائلة :- راح فين الشقي دة بس ؟
لتندرج الحمرة لوجنتيها قائلة بخجل و حب :- وإسلام هوريه وشي إزاي بعد اللي حصل ؟ دة شالني لحد هنا و نمت على دراعه و محستش بنفسي يا رب ميكونش لبخت في حاجة تانية مش فكراها .
ثم تابعت بشرود و عينيها تلمع ببريق عشقه :- هو أتغير أوي و مبسوطة أنه صدقني، ياااه لو تعرف يا إسلام بحبك قد إيه ومن إمتى؟ أكيد هياجي اليوم اللي هقولك فيه كدة .
صمتت قليلاً لتردف بخوف مبهم :- بس يا ترى هتتقبل حقيقتي و لا هتسبني من أول ما تعرف! يلا أنا مش هفكر في بكرة هخلي بكرة لبكرة...
بعد دقائق خرجت لتجدهم على طاولة الطعام يعدون المائدة، فنظرت لهم بدهشة قائلة :- إيه دة ؟ انتوا بتعملوا إيه؟
هتف إسلام بمرح :- صباح الخير الأول.
أردفت بحرج :- صباح النور، بس انتوا مصحتونيش ليه أحضر الفطار ؟
أردف بمرح و مزاح :- يا ستي إحنا شايلينك للتقيلة، أنتِ ناسية إن عندنا عزومة النهاردة ولا إيه ؟ هبقى أناديلك سامية تساعدك لأحسن تتعبي لوحدك.
هزت رأسها بنفي قائلة بعند :- لا ولا تعب ولا حاجة أنا أقدر أعمل كل حاجة لوحدي، كتبتلك الحجات اللي ناقصة.
أومأ بتفهم قائلاً :- ماشي تمام أبقي فكريني بيها قبل ما أنزل، يلا أقعدي أفطري .
جلست بجوار أحمد و قبلته من وجنته بعمق قائلة :- صحيت من غير ما أخد بوسة الصبح يا ميدو !
أردف إسلام بمكر :- لا خدها من زمان أوي.
قطبت جبينها بتعجب، فأسرع يقول :- قصدي يعني أنا بوسته الصبح.
هزت رأسها بتفهم، بينما هتف الصغير :- ماما إثلام ب...مممم
لم يكمل حديثه، حيث كمم إسلام ثغره بيده، وحمله واضعاً إياه على فخذه قائلاً بهمس وحنق شديد :- إحنا اتفقنا على إيه يا أبو حميد؟ هو دة إتفاق الرجالة برده!
نظر له الصغير بتذكر قائلاً بهمس بعد أن أزاح يده :- اه ثح نثيت يا إثلام، تمام أنا مش هقول وعد .
أردف بحنو :- كدة تبقى راجل وأنا هجبلك اللي أنت عاوزه لما ننزل .
أردف بحماس :- ماشي يا عمو إثلام، أنا عاوز اللعبة اللي قولتلك عليها امبارح.
ضحك بغيظ قائلاً :- محترم أنت أوي يا ميدو عند مصلحتك، ماشي يا بطل هجبلك اللي أنت عاوزه.
نظرت لهم بتعجب قائلة :- هو أنتوا بتقولوا ايه؟
ابتسم إسلام بتكلف قائلاً :- لا أبداً ما تخديش في بالك إحنا بس بنتفق على اللعبة اللي هنجبها لميدو .
هزت كتفيها بتعجب، و شرعت في تناول الطعام، بينما أخذ إسلام يطالع الصغير بغيظ وهو يسترجع بذاكرته ما حدث منذ ساعتين، حينما استيقظ بنشاط وابتسامة أعتلت ثغره، و تلقائياً لامس وجنته موضع قبلتها بالأمس، بعد أن أغتسل و أدى فرضه، توجه ناحية غرفتها و فتح الباب بهدوء حذر، فوجدها تغفو بسلام وإلى جوارها الصغير الذي ينام بطريقة مضحكة، فتوجه ناحيتهم وجلس بخفة إلى جوارها تاركاً جوارحه هي من تتولى زمام الأمور، تحركه وهو ينقاد خلفها بطواعية .
رفع يده ليبعد تلك الخصلات عن وجهها التي تحجب عنه رؤيتها، لا يعلم كم مر من الوقت وهو يراقبها دون كلل منه أو ضجر، بل وجد استمتاعاً في مراقبتها على ذلك النحو.
شعر بمغناطيس هي الشحنة السالبة وهو الموجبة فالتصق بها بجرأة منه، ليرد لها فعلتها بالأمس بكرم وسخاء . شعر ببركان انفجر بداخله، ولا يريد الابتعاد بل يريد أن يروي ظمأه وأن ينهل المزيد والمزيد من ذلك النعيم .
انتفض في مكانه حينما أتاه صوت الصغير الناس :- إثلام أنت بتبوث مامي عيب !
سب نفسه بداخله وعلى انجرافه على ذلك النحو . نظر للصغير بحرج بالغ، وقد تبدلت الأدوار ليشعر بأنه طفل أذنب أمام معلمه، وفجأة أخذ الصغير وحمله وخرج به كي لا تستيقظ و تتساءل عن سبب مجيئه إلى هنا. وضع الصغير على الأريكة وجلس قبالته، بينما أردف أحمد ببراءة :- عمو إثلام أنت بوثت مامي، عيب يا عمو .
مسح على وجهه بضيق قائلاً :- ميدو حبيبي أنا كنت.....كنت بشوفها سخنة ولا لا علشان لو عيانة أديها حقنة.
هز رأسه قائلاً بتفكير :- لا هي بتشوف الحرارة لما بتبوثني هنا وهنا.
قالها الصغير وهو يشير لوجنته و جبينه، فعض إسلام على شفته السفلى بغل من تفكير هذا الصغير، فأردف بكذب :- ما الصغيرين بس اللي بيتباسوا هنا لكن الكبار .....ولا ..ولا أنت هترغي كتير أنا مش محتاج أبررلك على فكرة .
أردف الصغير وهو يهز رأسه :- يعني الكبار مش زي الثغيرين .
أومأ له بتأكيد، فأردف بحذر :- بس بقولك إيه متقولش لحد .
هز رأسه بموافقة قائلاً :- ماشي يا إثلام، و دلوقتي أنا جعان .
أردف بحنو :- بس كدة ! يلا بينا على المطبخ و أنا هعملك أحلى فطار .
دلفا معاً و أعدوا الطعام، ولكنه غَفِل تماماً عن نقطة أنه طفل و بإمكانه اخبارها ذلك بسذاجة منه، لذا قام بمنعه عن مواصلة الحديث، وهو يشعر بتوقف دقات قلبه خشية أن يخبرها مجدداً، لذا عليه الخروج به من المنزل ليتحدث معه بالأمر.
بعد وقت نزلا للأسفل في طريقهم للوكالة، فأخذه على جانب وهتف بحذر :- شوف يا ميدو عاوز أقولك على حاجة كدة .
هتف بانتباه :- إيه يا عمو؟
أردف بحنو :- مش أنت راجل كبير دلوقتي، ولا لسة عيل صغير بيعملها على روحه؟
امتعضت ملامحه قائلاً بتذمر :- لا أنا راجل مش عيل .
أومأ بانتصار قائلاً :- تمام، شوف بقى الرجالة ما بتفتنش ولا بتروح تقول لحد على حاجة لما بتحصل، علشان بيبقى سر كبير .
أردف بطفولية :- أنا مش بقول ثر لحد .
أردف بغيظ :- وأحنا مش اتفقنا متقولش لماما على اللي حصل الصبح ؟
أردف بضيق :- بث أنت مقولتش ثر !
ضغط على فكه بقوة قائلاً :- يعني لازم أقول سر ؟ ماشي يا سيدي دة سر و متقولش لأي حد أياً كان، تمام؟
هز رأسه قائلاً بموافقة :- ماشي يا إثلام، يلا بقى هاتلي اللعبة .
عض على شفتيه قائلاً بغيظ:- ماشي يا مصلحجي لما نشوف أخرتها معاك..
صمت قليلاً ليردف بخفوت :- ومع أمك ..
ثم ابتسم بعبث قائلاً بتوبيخ لنفسه :- بس مكانش المفروض تعمل كدة، تستغلها هي ونايمة! لو عاوز تعمل دة أعمله في النور بدل ما أنت بتسرق زي الحرامية.
مر على صديقه محمد، و ألقى عليه التحية فهتف محمد بمرح :- إيه يا برنس شكل الغزالة رايقة، و الضحكة من الودن للودن، هي السنارة غمزت ولا إيه؟
هتف بغيظ :- قُر يا أخويا قُر، هو أنا إيه اللي جايبني ورا غير قرك دة !
ضحك بصخب قائلاً :- هو أنا هكرهلك الخير يا عبيط! ها طمني رفعت راسنا ولا؟
ضحك بغلب قائلاً :- والله أنت فايق و رايق، و بتقول كلام والسلام، أنا مش فاضيلك .
أومأ برأسه بتفهم قائلاً بعبث :- وماله يا كبير ، أهرب أهرب، بس مسيري هعرف.
ضحك الآخر مقرراً تجاهل أسئلته حتى يضع النقاط فوق الحروف، و يقف على أرض صلبة و ليتأكد هل هي تريد أن تُكمل في تلك الزيجة .
يا لك من أحمق لو تعلم مدى العشق الذي تكنه لك لأصابك الجنون و الصدمة. بقلم زكية محمد
_____________________________________
فتحت عينيها بتثاقل، و وضعت يدها على رأسها قائلة بتذمر :- اه يا راسي،صداع رهيب!
نهضت من مكانها وجلست نصف جلسة، و أخذت تحدق بالمكان قائلة بتعجب :- إيه دة ؟ أنا إيه اللي جابني هنا وأنا فين ؟
وما إن تذكرت البارحة ضمت نفسها بحماية قائلة برعب :- يا لهوي! أنا... أنا مش فاكرة حاجة..
- صباح الخير يا ....يا هانم!
انتفضت في مكانها على صوته، فالتفت ناحية صوت قائلة :- شادي!
أردف بتهكم :- أيوة شادي، أومال أنتِ كنتي متوقعة حد تاني ؟
مطت شفتيها بتعجب من حديثه قائلة :- حد تاني مين يعني؟ أنا مش فاهمة حاجة، هو مين جابني هنا، و شيري فين؟
أردف بغضب مكبوت :- سيبك من شيري و اللي جابك هنا، أنا عاوز توضيح منك فوراً للي حصل امبارح.
هزت رأسها بعدم فهم قائلة :- حصل إيه امبارح ؟ أنا مش فاكرة حاجة .
ضحك بتهكم قائلاً:- اه طبعاً هتفتكري إزاي وأنتِ سكرانة؟!
اتسعت عيناها بذهول قائلة :- إيه؟ بتقول إيه؟ إيه سكرانة دي كمان!
أردف بانفعال :- هنستعبط دلوقتي مش كدة! رحيق ما تعصبنيش.
ارتعشت يديها تزامناً مع شفتيها بتوتر قائلة بصوت يوشك على البكاء :- لا لا والله ما فاهمة. أنا مش فاكرة حاجة، غير إني روحت ورا شيري خفت تكون بتعمل حاجة غلط، و خصوصاً لما لقيتها بتنط من فوق السور.
رفع حاجبه قائلاً باستنكار :- سور! ما شاء الله. اه و بعدين .
أردفت بدموع :- و بعدين روحت وراها المكان اللي راحتوا، و فعلاً كان في شباب وهي كانت قاعدة مع ولد، و لما زعقتلها قالتلي أنها مش بتعمل حاجة غلط، أنا مكانش قدامي غير أن استناها، وبس جابتلي عصير و شربته و مش فاكرة حاجة تاني.
هز رأسه بتهكم قائلاً :- يعني مشربتيش خمرة ؟
هزت رأسها بفزع قائلة :- لا والله أنا شربت عصير بيحرق في الزور بس، شيري قالتلي أنه عصير فخم كدة من بتوع الزوات .
رفع حاجبه بذهول قائلاً :- لا والله! فرقت هي يعني، العصير بيختلف بالمستوى!
أومأت بتأكيد قائلة :- أيوة زي ما في حجات هنا أول مرة أشوفها فأكيد العصير دة واحد منهم .
جز على أسنانه بعنف قائلاً :- طيب شوفي يا غبية اللي شربتيه دة مكانش عصير، دة كان خمرة ايه رأيك بقى ؟
شهقت بصوت عال قائلة بخوف و دموع :- خمرة! أنا شربت خمرة؟! لا لا لا أنا كدة عصيت ربنا، دي كبيرة من الكبائر. يا لهوي يا مصيبتي، لا لا سامحني يا رب مكنتش أعرف مكنتش أعرف..
أخذت تردد تلك الكلمات، و انهارت في موجة بكاء حارة والندم حليفها على ما أقترفته من ذنب.
نظر لها بشفقة، وقد تأكدت شكوكه الآن، فهي بعيدة كل البعد عن أن تقترف مثل ذلك الجرم، فاقترب منها قائلاً بحنو :- رحيق أهدي خلاص أنتِ مكنتيش تقصدي .
نظرت له بوجه دامي، و الدموع تغرق وجنتيها قائلة ببكاء و شهقات متقطعة :- والله ما أعرف لو كنت أعرف أكيد مكنتش هقرب ناحيتها منك لله يا شيري أنتِ و صحبتك. كان مالي ما كنتي غورتي في ستين داهية .
ربت على ظهرها بحنو قائلاً :- خلاص أهدي وقومي كدة علشان نشوف هنعمل ايه في الباقي .
نظرت له بحذر قائلة:- ليه هو أنا عملت حاجة تاني؟ يا مصيبتي يا مصيبتي!
هتف بحدة :- ممكن تسكتي و تبطلي صويت؟
هزت رأسها بموافقة، بينما زفر هو بضيق قائلاً :- للأسف في حد صورك امبارح أنتِ و بترقصي .
شعرت وكأنها تسقط من فوق ناطحة سحاب، فسقطت أرضاً و تهشمت إلى فتات قائلة بذعر :- رقصت ! كمان رقصت ! يا لهوي يا لهوي، أعمل إيه أوري وشي للناس إزاي؟
هتف بحدة :- قولتلك بطلي صويت، الفيديو الحمد لله ما اتسربش و لحقنا الموضوع.
تنهدت براحة، ولكن زادت ضربات قلبها مجدداً حينما تابع :- بس في مشكلة تانية!
أردفت بنحيب :- في إيه تاني؟
نظر لها بحذر قائلاً :- في صور أتسربت للصحافة و السوشيال ميديا ليكِ و لمراد وهو يعني... أااا شايلك، وفي أوضاع أخدوها بذكاء علشان تبين حاجة تاني .
اتسعت عيناها بذعر قائلة :- حاجة إيه؟ وايه دخل مراد في الموضوع؟
أردف بتوضيح :- ما هو مراد اللي جابكم امبارح و لما كنتي سكرانة و وقعتي من طولك اضطر أنه يشيلك..اللي صور كان ذكي و قدر يصوركم في أوضاع توحي أنه يعني.....يعني... احم...
قاطعته قائلة بخجل :- بس بس خلاص فهمت . يا مصيبتي كان مستخبيلي فين دة ؟ يا فضيحتك يا رحيق ، يا شماتة أبلة طاظا فيا .
قطب جبينه بتعجب قائلاً :- أبلة طاظا مين؟
صرخت بحدة قائلة :- أخرس!
رفع حاجبه يطالعها بغرابة، بينما هتفت بحرج :- سوري اندمجت شوية في المشهد .
ضيق عينيه قائلاً بغيظ :- يا بت أتعدلي إحنا في إيه ولا في إيه! هنعمل ايه في المصيبة دي، أحسنلك تخليكي هنا و متطلعيش مراد على آخره برة ومش عارف يبرر للصحافة باللي عندهم دة بإيه ؟
وضعت يدها في خصرها قائلة بوجه ممتعض :- نعم يا عمر! ليه كنت خايفة منه ولا خايفة منه؟
أردف بسخرية :- أيوة روحي زي الشاطرة كدة و قوليله البوقين دول، دة مش بعيد يدفنك مكانك، كان فين عقلك كان فين؟
أردفت بتذمر :- أنا كنت خايفة عليها لا تكون بتعمل حاجة غلط، و بعدين هي فين دة أنا هشرب من دمها، أوعى كدة .
خرجت من الغرفة بسرعة البرق، وعيناها تجوب المكان بحثاً عنها، وما إن وجدتها تجلس إلى جوار والدتها، ضيقت عينيها بغيظ و وعيد، و انطلقت نحوها كالقذيفة، صرخت الأخرى حينما رأت نفسها ممدة على الأريكة، و الأخرى فوقها تشد خصلات شعرها قائلة بغضب :- والله لأربيكي يا كلبة بتشربيني خمرة؟!
أنهت كلماتها وغرزت أسنانها الحادة في ذراعها، بينما أطلقت العنان لصراخها الذي ملأ المكان .
أخذت ناريمان تدفع رحيق بغضب قائلة بكره :- ابعدي يا متوحشة عن بنتي. بقلم زكية محمد
أتى من بالقصر على صراخهم، فأسرع شادي يحمل رحيق قائلاً بحدة :- بس خلاص كفاية .
هتفت بوجه دامي من فرط الجهد وهي تطالعها بشراسة :- سيبني يا شادي لازم أعلم عليها، هي فاكراني مش هعرف أجيب حقي!
- بس أخرسي خالص!
_______________________________ يتبع الفصل الرابع عشر 14 اضغط هنا