رواية ذئب يوسف بقلم ذكية محمد
رواية ذئب يوسف الفصل الخامس عشر 15
يجلس الجميع في البهو الكبير، وفي المنتصف يجلس المأذون وعلى يمينه مراد و على يساره مجدي لبدأ مراسم كتب الكتاب، و على مقربة منهم كانتا تجلسان و الحقد يتصاعد منهن كألسنة اللهب فهن ظنوه أنه يقول هكذا ليخرس ألسنة الصحافة و الإعلام، و لكنه مستمر في تلك اللعبة .
بالأعلى تزفر بضيق بينما تقف زوجة عمها إلى جوارها و صديقتها آلاء التي هتفت :- بسم الله ما شاء الله على عروستنا القمر.
امتعض وجهها بضيق قائلة :- دي جوازة الندامة يا أختي!
هتفت زوجة عمها بهدوء :- ليه يا حبيبتي ألف بعد الشر، ربنا يجعلها جوازة العمر و يسعدك العمر كله.
عضت على شفتيها بغيظ قائلة :- يعني أنتِ مش عارفة يا مرات عمي ! دي لعبة و مسيرها تنتهي وأنا اللي هطلع خسرانة في الليلة دي لما أطلق و سيرتي تبقى على كل لسان.
ربتت على ظهرها بحنو قائلة :- لا يا حبيبتي خير بإذن الله، مين عارف مش يمكن الجوازة دي تستمر علطول!
رفعت حاجبها قائلة باستنكار :- علطول! ومع الفريزر دة! سوري يا مرات عمي ما اعتقدش.
ضحكت بخفة قائلة :- لا صدقيني مراد كويس جداً و بصراحة أنا أكتر واحدة فرحانة أنه خلاص أخيراً أتجوز بعد ما كنت شوية كمان و هفقد الأمل فيه.
أردفت بتبرم :- اه وكل واحد هيحقق أمنيته على قفايا! ما أنا اللي استاهل ضرب الجزمة من الاول، كان لازم أعمل فيها سبع رجالة في بعض و أروح ورا الهانم .
تدخلت آلاء قائلة بروية و مرح :- يا بت ما تبقيش كئيبة كدة افردي وشك دة ويلا علشان ننزل الناس مستنية تحت.
زمت شفتيها بعبوس قائلة:- ماشي يا أختي أدينا نازلين.
بعد وقت تم كل شيء و ارتبط اسمها إلى جوار اسمه تحت ميثاق الزواج، أما هي كانت في موقف لا تحسد عليه فكانت تشعر بالضياع وسط كل ما مرت به وتمر، و لوهلة تساءلت ما الذنب الذي أقترفته لتُعاقب عليه؟ سرعان ما استغفرت ربها وأنه القدر لا مفر منه.
نظرت لوالدها لتجد في عينيه دموع ولكنها دموع فرح، ربما لثقته بابن أخيه الذي لا تعرفه جيداً، و حولت مقلتيها لتلك الأفاعي المتجسدة في جسد إنسان، و رأت الغضب و الحقد مرسوم بأعينهن، فابتسمت بخبث فما أسعدها عندما ترى الحنق مرسوم على وجوههن، فأخذت تبتسم باصطناع لترسل لهن أن ما يحدث يروق لها.
على الجانب الآخر كان والدها ينظر لها بحب، وعاد بذاكرته للخلف و بالتحديد في الصباح حينما أخبر مراد بأن يعجل في الزواج كي يخرس ألسنة الجميع، و أيضاً لسبب آخر خوفه عليها فهو لن يكون قادراً على أن يحميها وهو قعيد كرسي متحرك، فلتكن إلى جواره هو و مسؤوليته التي وكله إياها فهكذا سيكون مطمئناً عليها أكثر، لأنه يعلم مراد جيداً إن عبث أحد مع شيء يخصه ينسفه و يمحوه تماماً.
توالت المباركات و التهاني عليهم عدا المذكورين في السابق، تحدث عمران لتلطيف الأجواء المشحونة :- إيه يا مراد، ما تاخد مراتك و تقعدوا مع بعض شوية في أي حتة برة.
هتفت رحيق بتسرع :- لا! أنا قصدي ....مش عاوزة أطلع يعني و كدة..
أردف بتفهم :- طيب خلاص على الأقل اقعدوا مع بعض شوية أهو تتعرفوا على بعض أكتر ولو برة جنينة القصر.
كان يبدو من الخارج جامداً، ولكن بداخله كان يود الإعتراض، خاب أمله حينما هتفت لميس بحماس:- اه كويس جداً يلا يا مراد يا حبيبي..
جز على أسنانه بقوة، و أومأ لهم بموافقة، ومن ثم خرجا معاً تحت ضغطهم، وتحت نظرات الغل الأخرى التي كانت تتابعهم.
ما إن وصلا للمسبح جلس هو على المقعد المجاور له و أخرج هاتفه وأخذ يتصفحه، غير مبالي بالتي تقف و تغلي كالمرجل و تهز ساقيها بعصبية وهي تراقب بروده قائلة بخفوت :- فريزر فريزر مغلطتش يعني!
سارت بعض الخطوات لتجلس على المقعد بجواره تارة تنظر للماء اللامعة على الاضواء و تارة تنظر أمامها حتى أصابها الضجر، فتأففت بضيق قائلة :- أظن كدة كفاية حرقة دم!
وما إن نهضت هتف بصوت صارم :- أقعدي!
هتفت بغيظ :- نعم! لا مش هقعد، هقعد أعمل إيه؟ دة حتى الجو يخنق .
جز على أسنانه بعنف قائلاً بتهديد :- بقولك أقعدي يعني تقعدي..
جلست بعنف قائلة بتذمر :- أنا عارفة أنها جوازة شوم من الأول محدش صدقني! طيب أتكلم معايا أعمل أي حاجة بدل ما أنا قاعدة كدة..
رفع حاجبه بتهكم و رمقها بنظرات سخرية ثم تابع ما يفعله. استشاطت غضباً وخاصة عندما رأته يبتسم للشاشة فعلمت أنه يحدث شخصاً ما ولكنها لا تعلم من بالتحديد، فقامت بسحب الهاتف منه قائلة بحدة :- على فكرة أنا بكلمك بطل برودك دة!
أردف من بين أسنانه:- هاتي الفون.
هزت رأسها بنفي قائلة بإصرار :- لا مش هدهولك إلا لما تحترمني الأول، الزفت دة مش أهم مني.
أردف بضجر :- هاتي الفون و بلاش دراما و اه الفون لما يكون فيه شغلي يبقى أهم منك.
ازدادت وتيرة أنفاسها، وبلحظة تهور ألقت الهاتف خلفها والذي لم يكن سوى داخل المسبح، فاتسعت عيناها بذعر خاصة عندما رأت نظراته التي يرمقها إياها والتي بمثابة أسهم حارقة، إذ هتفت بتلعثم :- أااا..... أنا ما ...ماأقصدش يا مراد والله، أنا كنت قاصدة أرميه على الأرض.... أنا... أنا همشي..
وما إن استدارت لتفر و تلوذ بالنجاة، وجدت من يطبق على ذراعها بقوة حتى كاد أن يهشمه. تبادلا النظرات ما بين خوف و غضب نهاه حينما أردف بفحيح :- انزلي هاتي الفون.
قطبت جبينها بتوتر قائلة :- أنا....مش ..مش بعرف أعوم....
قاطعها قائلاً بعدم اكتراث :- مش مشكلتي يلا هاتي الفون..
أردفت بحنق:- هو أكيد باظ هتعوزه في إيه؟
دفعها بحدة قائلاً بجمود :- يلا.
هزت رأسها بخوف عندما رأت الإصرار بعينيه، فنظرت للمسبح و توجهت ناحيته، و بلحظة رددت الشهادة و قفزت بداخله لتحرك ذراعيها بعشوائية تناضل للعيش، وهي تحاول البحث عن الهاتف، فشعرت بأنها النهاية فاستسلمت للأمر الواقع، وما هي إلا لحظات حتى سكن جسدها في الماء.
ظن أنها تكذب لذلك أصر على أن تحضره، و لكن انتابه القلق حينما وجدها ساكنة هكذا في الماء، فقفز خلفها على الفور وقام بإخراجها و مددها على الأرضية، و أخذ يضغط على قفصها الصدري و لجأ لانعاشها بالتنفس الصناعي، و بعد عدة محاولات شهقت بقوة و أخذت تسعل بشدة و تتنفس بصعوبة، بينما هتف هو بغيظ :- اتنفسي براحة..
فعلت ما املاه عليها، ثم أخذت تضربه بقبضتيها في أماكن متفرقة قائلة بحدة :- كله بسببك يا جلاب المصايب مش هترتاح إلا لما تموتني!
نظر لها باستنكار قائلاً :- شكلك ناسية اللي عملتيه!
نظرت لملابسها بضيق قائلة :- هدومي اتبلت هدخل إزاي قدامهم كدة ؟
أردف بخبث :- زي الطريقة اللي طلعتي بيها من الفيلا المرة اللي فاتت.
اصطكت أسنانها بغضب قائلة :- بطل تلميحاتك الزفت دي، كان يوم أسود.
أردف بجمود وكأنه شيئاً لم يكن :- تعالي ورايا..
قال ذلك ثم سلك طريقاً آخر من الخلف للوصول للأعلى دون أن يراهم أحد، فكورت قبضتها بغل و سارت خلفه، و لكن ما لم يكن في الحسبان شاهدتهم ناريمان التي هتفت باذدراء والتي كانت تشاهد لحظة اقترابه منها عندما كان ينعشها وقد فسرت الأمور بشكل خاطئ :- إيه قوام سحرتيه! مش غريبة عليكي مامتك عملتها قبلك.
غلت الدماء بعروقها فهتفت بحدة :- بقولك إيه يا ست أنتِ كله إلا أمي مش هسمحلك ولا هسمح لأي حد يجيب سيرتها بالوحش.
أردفت بسخرية لاذعة :- و منظرك دة تفسريه بأيه مش قادرين تصبروا لحد الفرح!
صرخت بحدة أفزعت من أمامها :- أخرررسي!
تدخل مراد منهياً ذلك الجدال قائلاً ببروده المعتاد :- أظن أنها مراتي و بعلم الكل يعني أي حاجة تحصل بينا لا هي غلط ولاحرام .
أنهى حديثه و امسك يدها و صعد بها للأعلى، بينما رفعت حاجبها بشر قائلة :- لا بقى دة أنا لازم أتصرف بأسرع وقت مش هستنى كتير.
أردفت بخفوت وغيظ :- سيب أيدي يا جدع أنت.
ولكنه كالأصم لم يتركها إلا عند باب غرفتها قائلاً بجمود قبل أن يغادر :- يا ريت بعد كدة متتصرفيش بغباء تاني.
اختفى بلمح البصر، لتلكم الجدار بيدها بقوة قائلة بغل :- اه يا ابن الناس الطيبين! و حياة مقاصيصي لأوريك يا فريزر.. بقلم زكية محمد
______________________________________
شعرت بدلو ثلج سُكب عليها في شهر يناير، فاصطكت أسنانها ببعضهما بقوة، و سرعان ما تحول الفصل لتشعر بالحرارة تغزو وجنتيها و سائر جسدها.
اتسعت عيناها بذهول وهي تراه ماثلاً أمامها يبادلها ابتسامة عابثة، و لوهلة شعرت بالخوف حيال نظراته المصوبة نحوها والتي لا تبشر بالخير.
أطلقت صرخة عالية فجأة وهي تدور حول نفسها كالمجنونة قائلة :- غمض عنيك، غمض عنيك يا قليل الأدب.
ضحك بخبث قائلاً :- و ربنا ما أنا سايبك النهاردة، كدة يا مريومة يا بخيلة أول ما أغيب تلعلعي كدة!
راقبت تقدمه منها بأنفاس تكاد تجمعها من الهواء الذي هرب من حولها، بينما أخذ يتفحصها قائلاً بمكر :- ما شاء الله، من أين لكي هذا؟
أردفت بخجل زائد :- إسلام بطل الولد قاعد .
نظر للصغير الذي يطالعه ببراءة قائلاً :- إزيك يا أبو حميد كل سنة وأنت طيب يا بطل، بص شوف جبتلك إيه؟
أنهى حديثه وهو يمد له تلك اللعبة، فركض الصغير نحوه و التقطها منه و فتحها بحماس وما إن رآها فرغ فاهه بدهشة قائلاً بفرح :- الله حلوة أوي يا إثلام.
مال عليه مقبلاً إياه بوجنته بحب قائلاً :- قلب إسلام أنت يا أبو حميد، يلا يا بطل روح أوضتك عاوز أقول لماما كلمة سر.
أومأ بتفهم قائلاً :- ماشي، بث بعدين نلعب مع بعض؟
هز رأسه بموافقة قائلاً :-حاضر يا أبو حميد.
ركض الصغير للداخل، بينما انتصب هو في وقفته و نظر لمريم التي كادت أن تنصهر كالجليد من فرط الخجل، والتي سحبت غطاء الطاولة و لفته حولها، فانفجر ضاحكاً عليها قائلاً :- لا يا مريومة مفناش من كدة ما تبقيش بخيلة أومال، ولا أحمد بس اللي ليه كل حاجة ! طيب اعتبريني ابنك يا شيخة والله الواد أحمد دة محظوظ حظ، أوعدني يا رب نص حظه.
اقترب منها قائلاً بخبث :- شيلي المفرش شيلي خلينا نتفرج كويس، قصدي يعني نتكلم مع بعض كويس.
أردفت بتقطع :- أنا..... أنا دايخة.
أردف بفزع :- لا أبوس إيدك ما تفيصيش دلوقتي، بصي اتنفسي واحدة واحدة و هتبقي زي الفل.
اقترب منها ليتخلص من ذلك الغطاء بخبث، ثم أخذ بيدها و جلسا معاً على الأريكة قائلاً بحنو :- أهدي و اتنفسي براحة كدة ..
أطاعته و بدأت تتنفس بتمهل حتى هدأت، فأردف بحذر وهو يناولها كوب الماء :- خدي اشربي المياه هتهدي أكتر.
تناولت منه الكوب، و ارتشفت منه القليل وهتفت بتوتر وخجل :- أنا... أنا هروح أشوف أحمد.
امسك يديها قائلاً بعبث :- أحمد جوة بيلعب، خلينا في عم أحمد و ام أحمد.
شهقت فجأة قائلة بضياع :- ها ؟
ابتسم بهدوء و أعاد خصلات شعرها خلف أذنها قائلاً بهمس وجرأة :- إيه القمر دة!
اتسعت حدقتيها بمزيد من الصدمة، و فجأة أخفت وجهها بصدره قائلة بتوسل و خفوت :- ما تبصليش كدة، أنا خايفة !
اهتز قلبه بعنف بين اضلعه و اذدرد ريقه بتوتر من قربها الزائد، إلا أنه لم يحرم ذاته من التقرب منها، إذ دفن وجه بجوف عنقها قائلاً وهو يطبع قبلة هادئة على شريانها النابض، انتفض سائر جسدها على أثر ذلك، وهتف بصوت مبحوح :- خايفة ليه؟
شهقت بصوت مسموع، وما إن همت لتغادر حاوط خصرها قائلاً بمكر :- رايحة فين بس! عاوز أقولك حاجة.
قطبت جبينها بتعجب قائلة :- حاجة إيه؟!
لم يستطع مقاومتها أكثر من ذلك، فاقترب منها كالمغيب يروي ظمأ ليال عجاف . بعد وقت ابتعد عنها ليسند رأسه على خاصتها قائلاً بعاطفة جياشة :- وحشتيني وكنت عاوز أسلم عليكي.
لا لن يتحمل قلبها الصغير هذا الكم من الصدمات على دفعة واحدة، شعرت بدوار عنيف يعصف بها و استسلمت لتلك الظلمة فأغلقت عينيها و استكانت بين ذراعيه، بينما زفر هو بضيق قائلاً :- لا وربنا كدة كتير! مريم مريم فوقي الله يحرقك مكانتش بوسة دي!
بعد محاولات عدة منه لافاقتها استجابت أخيراً له، و فتحت مقلتيها قائلة بضعف و كأن عقلها يرفض تصديق ما حدث للتو :- هو في إيه؟
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- ما شاء الله يعني من أول ما أقرب يغمى عليكي و تصحي فاقدة الذاكرة! يا فرحة أمي بيا.
قطبت جبينها قائلة بدهشة :- أنت تقصد إيه؟
أردف بغيظ :- لا صحصحي معايا كدة، أنتِ مش فاكرة اللي حصل خالص ؟!
عادت للخلف بذاكرتها لتسترجع تلك اللحظات لتستوعب أنها حقيقة و ليس حلم كما تخيلته، لتغزو الحمرة وجنتيها بخجل زائد.
ابتسم بمكر وهو يسير بأطراف أصابعه على وجنتيها قائلاً :- شكلك أفتكرتي يا خلبوصة!
نهرته بخجل :- إسلام!
أردف بعبث :- الله! هو اسمي حلو كدة وأنا ما أعرفش!
صرخت بحدة قائلة:- أنت بقيت قليل الأدب كدة ليه؟ أوعى سيبني.
ضحك بخبث قائلاً :- هو حد يشوف القمر دة و ميبقاش قليل أدب!
وضعت يدها على جبينه قائلة بتعجب :- أنت سخن؟!
أردف بإعياء مصطنع :- اه سخن أوي حتى شوفي كدة.
ضيقت عيناها بغيظ، حينما كُشِفت لعبته فوكزته بذراعه قائلة :- بطل كدب.
ضحك عالياً وهو يقول :- اعملك إيه طيب؟! مش أنتِ اللي بتسألي أسألة غير منطقية وملهاش أي دخل بالموضوع!
طالعته بحذر قائلة :- إسلام أنت بتعمل كدة ليه؟ أنا مش فهماك!
تنهد بعمق قائلاً بحيرة :- ولا أنا فاهم نفسي يا مريم، بس أنا ببقى مبسوط وأنا جنبك، اليومين اللي غبتهم حسيت بفراغ كبير أنتِ كنتي ملياه وأنا مش واخد بالي، مريم أنا مش عاوز نبقى كدة عاوز نبقى زي أي اتنين متجوزين من غير مشاكل.
أردفت بضياع :- ها أنت قولت إيه؟
أردف بتأكيد:- اللي أنتِ سمعتيه يا مريم، ها موافقة نكمل ولا نفضل على اتفاقنا اللي أول مرة ؟
لم ترد عليه وكيف ترد و أخرستها الصدمة تماماً، أيسألها إن كانت موافقة أن تكمل حياتها معه! وهي التي تتمنى البقاء بجواره إلى أن يأذن الله؟
لمع الدمع بعينيها بعدم تصديق لما تسمع، بينما أردف هو بحذر :- مالك يا مريم، هو كلامي دايقك؟
اعتصر عينيه بعنف وهو يحلل سبب الدموع بشكل خاطئ ليردف بهدوء مصطنع :- اعتبري إنك مسمعتيش حاجة و آسف لو ضايقتك و فرضت نفسي عليكي.
وما إن هم ليقف، وجدها تتشبث بيده فنظر لها وجدها تهز رأسها بنفي و دموعها تهطل بغزارة، فتراجع فوراً وجلس إلى جوارها قائلاً بقلق :- طيب أنتِ بتعيطي ليه دلوقتي؟
لم تجب وانما ازدادت في البكاء، وهي تخشى أن تخبره بحبها له حينها سيتهمها بالخيانة لأخيه و هذا ما لن ترضى به أبداً.
مد يده ليمسح عبراتها بحنان قائلاً:- طيب ممكن تبطلي عياط؟
هزت رأسها بموافقة لتحاول كبت دموعها التي نزلت رغماً عنها، لطالما تظاهرت بالقوة أمام أعينهم، فأردف هو بروية :- ها سامعك عاوزة تقولي إيه؟
نظرت أرضاً قائلة بخفوت :- ممكن تديني شوية وقت؟
هز رأسه بتأكيد قائلاً:- طبعاً خدي الوقت اللي أنتِ عاوزاه بس يا ترى فيه أمل و لو حتى بسيط؟
هزت رأسها بخفوت وخجل بنعم، فابتسم قائلاً :- تمام، يبقى خدي وقتك براحتك و أهو فرصة نتعرف على بعض أكتر من غير ما نتخانق مع بعض.
ثم أضاف بعبث وهو يشير لها :- بس بشرط ما تقطعيش بعادتك دي.
لم تفهم ما يرمي إليه إلا عندما نظرت إلى ما يرمي إليه بصره، فشهقت بخجل و سرعان ما نهضت وهي تركض للداخل صارخة بتذمر :- قليل الأدب.
هز رأسه بضحك قائلاً بصوت عال :- يا ميدو تعال يا حبيب عمو تعال ..ثم تابع بصوت خافت يملئه الغيظ :- تعال على ما أمك تحن علينا .
بالداخل وضعت يدها على ثغرها بعدم تصديق وابتسامة واسعة أفتقدتها منذ زمن بعيد و قلبها يقيم حفل غناء راقص يحتفل بما سمعه منذ قليل، تمددت على الفراش وهي تتطلع للسقف و عينيها الحب منها يفيض ومن ثم أخذت تقفز بسعادة و ودت لو تصرخ بجنون الآن فلن يلومها أحد على ما هي فيه فيالها من سعادة غمرت روحها التي كاد أن يتآكلها الحزن.
______________________________________
في الصباح الباكر تقف بركن بعيده بالقصر تضع على أذنها تنتظر رد الطرف الآخر الذي ما إن أجاب هتفت بحذر :- ها عملت اللي قولتلك عليه؟
- أيوة يا ناريمان هانم.
أردفت بنشوة انتصار :- طيب هستنى اللي طلبته منك في رسالة فوراً دلوقتي .
أنهت المكالمة لتأتي لها رسالة بعد ذلك، ما إن قرأت ما بداخلها نظرت أمامها قائلة بشر :- مش هستنى لما سلوى هانم تقول هعمل إيه و مهعملش ليه، أنا لازم أتصرف و أخلص الموضوع دة بنفسي.
____________________________________
استيقظت صباحاً بنشاط و أعدت الطعام، و وقفت تعض على إصبعها بخجل وهي تتطلع لباب الغرفة التي يقبع بها، و بالأخير حسمت الأمر إذ دلفت بخطا حذرة لتراه مازال غافياً.
تقدمت نحو الفراش و أخذت تتطلع إليه بحب تتأمله بعشقها المكنون له منذ زمن. مدت يدها لتوكزه بخفة بذراعه قائلة بخفوت :- إسلام.. إسلام أصحى.
صرخت بفزع حينما وجدت نفسها مكبلة بين ذراعيه و قريبة منه حد الهلاك حينما جذبها نحوه فجأة فهتفت بعتاب :- إسلام خضتني!
ابتسم لها بحب قائلاً :- سلامتك من الخضة يا قمر، طيب بزمتك في حد يصحي حد كدة! بالرقة دي مش هيصحى خالص.
أردفت بخجل وهي تحاول أن تبتعد عنه لتستطيع التنفس :- طيب قوم علشان تفطر.
قطب جبينه بتذمر قائلاً :- كدة من غير ما تصبحي عليا يا مريومة !
عضت على شفتيها بخجل قائلاً :- صباح الخير.
لم يستطع الصمود أكثر من ذلك إذ جذبها نحوه و روى ظمأه. ابتعد عنها بعد وقت قائلاً بخبث :- أحلى صباح دة ولا إيه!
و حينما رأى جسدها المتخشب أردف بحذر :- أوعي تقولي هيغمى عليكي!
دفعته بعشوائية لتفر من أمامه، بينما هتف هو بضحك :- الحمد لله المرة دي مفيصتش مني شكلها كدة خدت مناعة.
بعد وقت جلست بجوار أحمد الذي هتف بطفولية :- إثلام صحي ولا لسة أنا جعان.
أتاه صوته المرح قائلاً :- لا يا ميدو إثلام صحي أهو.
جلس هو بدوره و شرعوا في تناول الطعام، و وسط ذلك صدح هاتفه برنين معلناً عن وصول رسالة فقام بفتحها قائلاً بضجر :- يا دي العروض و الباقات اللي مش هتخلص.
وما إن فتح الرسالة و قرأ محتواها تجمد كالجليد، و تجهم وجهه و غلت الدماء بعروقه و تعالت وتيرة أنفاسه و سلط وجهه على الرسالة تارة و على مريم تارة أخرى، و دقق في محتوى الرسالة و أخذ يقرأ كلماتها مراراً و تكراراً " مراتك بتخونك و بتستغفلك"
نظرت له بتعجب من تغيره المفاجئ فسألته بقلق :- مالك يا إسلام؟ خير إن شاء الله.
أردف باقتضاب :- مفيش! ثم نهض قائلاً بجمود :- أنا نازل الشغل خليك أنت يا أحمد النهاردة.
أنهي كلماته ثم غادر مسرعاً، بينما أخذت تطالع أثره بتعجب شديد قائلة :- يا ترى إيه اللي غيَّرك كدة؟!
فاقت من شرودها على صوت الصغير قائلاً:- ماله إثلام يا ماما زعلان ليه ومش خدني الكوالة؟
ربتت على شعره قائلة بحنو :- مش عارفة يا ميدو لما يجي نبقى نسأله، يلا كل فطارك علشان هنروح لسامية. بقلم زكية محمد
_____________________________________
بعد مرور أسبوع لم يحدث به شيء سوى عودة رحيق للعمل مع سندس بعد محاولات عدة في ترجي والدها و أخيها حتى وافقا على ذلك، و تتعامل بتحفظ مع مراد منذ آخر موقف.
استمر هذا الرقم المجهول في إرسال الرسائل التي تخبره في كل مرة أنها خائنة، تخونه وأنها على علاقة بآخر وهو يكاد يجن حتى بات يراقبها و يتصرف معها بجمود أثار دهشتها و حزنها في ذات الوقت فقد عاد لما كان عليه بعد أن أخبرها بأنه يريد أن تستمر حياتهم الزوجية بشكل طبيعي و لكنه لم يجد أي شيء يثبت صدق الكلمات و فكر أخيراً أنها مجرد كلمات لزرع الشك بينهما لذا عليه تجاهلها و الاستمرار قدماً.
في الشركة الخاصة بالدعاية والإعلان شعرت بالجوع فنظرت لآلاء قائلة:- أنا جعانة و عاوزة أكل هنزل أجيب أجبلك معايا؟
هزت رأسها بنفي قائلة :- لا متشكرة يا رورو مش جعانة .
نهضت بدورها و نزلت للأسفل، و ما إن تخطت الجانب الآخر و سارت وهي تنظر أرضاً، شعرت بشخص خلفها و سرعان ما جذبها و وضع يده على ثغرها و سار بها قليلاً ليختفي عن الأعين بأحد الجوانب، ومن ثم فتح باب السيارة وقذفها فيه وجلس هو بجانبها، و سرعان ما انطلقت بهم السيارة إلى وجهتها .
أخذت تتلوى بعنف لتتحرر من قبضته و تصرخ بصوت مكتوم، إلا أنه هتف بتهديد :- أخرسي خالص بدل ما أخلص عليكي.
أخذت تطالعه بنظرات مذعورة و توقفت عن المقاومة، بينما أردف هو بفحيح :- مفكرة نفسك هتروحي مني فين؟ لو فكرتي إنك اتخلصتي مني يا رحيق تبقي غلطانة، أنا بس كنت سايبك بمزاجي وجه الوقت اللي هاخد فيه حقي منك.
تساقطت دموعها بقهر وهي تشعر بالذعر و دقات قلبها تطرق بعنف كالطبول وهي تدعو الله بداخلها بأن ينجيها من براثن ذلك الذئب.
______________________________________
جلست بحيرة على الأريكة وهي تفكر في سبب تغيره نحوها بهذا الشكل، زمت شفتيها بعبوس قائلة :- يكون حد قاله حاجة تانية؟ بس هيقوله إيه؟ما هو عارف كل حاجة، أنا هتجنن! مش راضي يتكلم و مش عارفة ماله.
سمعت صوت الجرس فسحبت حجابها و وضعته على رأسها و توجهت لترى من الطارق؟
شهقت بصدمة حينما رأت الماثل أمامها، و سرعان ما دلف للداخل واغلق الباب خلفه قائلاً بخبث :- إزيك يا حلوة ! فاكرة إني مش هوصلك؟!
بدأ صدرها يعلو و يهبط بعنف، و خرج صوتها المتقطع قائلة :- أنت... أنت بتعمل ايه هنا؟ أطلع برة.. أطلع بدل ما أصوت و ألم الناس عليك .
أردف بمبالاة :- وماله صوتي ساعتها هقول إني جايلك بمزاجك وأنتِ اللي طلبتي دة.
هزت رأسها برعب قائلة :- حرام عليك عاوزين مني إيه تاني؟ بعد ما خربتوا حياتي، عاوزين إيه؟
أردف بخبث :- جاي نكمل اللي بدأناه هناك عندي في الشقة .
جحظت عيناها بصدمة قائلة :- بدأنا إيه يا حقير؟ طيب والله لأصوت وشوف بقى هيحصلك إيه؟
وما إن همت لتصرخ، كمم ثغرها بيده و أحكم حركتها رغم مقاومتها الضارية، ثم جذبها نحوه لإحدى الغرف والتي لم تكن سوى خاصتها، ثم قذفها على الفراش وعلى وجهه ابتسامة ماكرة.
قبل ذلك بدقائق معدودة وصلت له رسالة على أن " أطلع شوف مراتك جايبة عشيقها لحد البيت " .
جن جنونه و هب واقفاً و انصرف مسرعاً للأعلى وصل بوقت قياسي وكأنه في مضمار مع الزمن .
دلف للداخل ليسمع صوت صراخ مكتوم ليدلف للداخل، ليُصعق وهو يرى رجلاً يحضنها وهي تأن بضعف، حيث كان يكمم فاهها و يثبتها جيداً لتبدو الأمور للآخر طبيعية.
نزعه بقوة من فوقها لتصيبه الصدمة مرة أخرى عندما تعرف عليه، اندلعت بداخله حرائق غابات الأمازون ليضربه بكل قوته قائلاً بوعيد و غضب يحرق الأخضر و اليابس :- النهاردة محدش هيخلصك من إيدي.
أخذ يضرب فيه بعنف، و الآخر يسدد و يتلقى ولكن قوة إسلام كانت الكفة الراجحة، لذا ليهرب من براثنه أخرج المُدية التي كانت بحوزته و قام بتصويبها بشكل عشوائي لتصيب ذراعه بقوة ليتركه إسلام و ينتهز الآخر الفرصة و يلوذ بالفرار بعد أن حقق ما أتى لأجله. بقلم زكية محمد
صرخت هي بفزع وهي ترى الدماء تجري على طول ذراعه، و ما إن همت لترى ما به، حدجها بنظرات لو كانت رصاصاً لأردتها صريعة في الحال، و رفع يده بأن لا تقترب منه، بينما أخذت تهز رأسها بعنف، وهي تخبره بعينيها بأنه لم يحدث شيء كما يظن، وأن عناية الله التي تمثلت فيه هي من أنقذتها .
تقلصت ملامحه بألم وهو يضغط على ذراعه بقوة حتى يمنع نزيف الدماء، بينما كاد قلبها أن يتوقف مكانه من قلقها عليه، وهي في موقف يحسد عليه وكم ألمها نظرات الإتهام التي يمطرها إياها........
_____________________________يتبع الفصل السادس عشر 16 اضغط هنا
بالأعلى تزفر بضيق بينما تقف زوجة عمها إلى جوارها و صديقتها آلاء التي هتفت :- بسم الله ما شاء الله على عروستنا القمر.
امتعض وجهها بضيق قائلة :- دي جوازة الندامة يا أختي!
هتفت زوجة عمها بهدوء :- ليه يا حبيبتي ألف بعد الشر، ربنا يجعلها جوازة العمر و يسعدك العمر كله.
عضت على شفتيها بغيظ قائلة :- يعني أنتِ مش عارفة يا مرات عمي ! دي لعبة و مسيرها تنتهي وأنا اللي هطلع خسرانة في الليلة دي لما أطلق و سيرتي تبقى على كل لسان.
ربتت على ظهرها بحنو قائلة :- لا يا حبيبتي خير بإذن الله، مين عارف مش يمكن الجوازة دي تستمر علطول!
رفعت حاجبها قائلة باستنكار :- علطول! ومع الفريزر دة! سوري يا مرات عمي ما اعتقدش.
ضحكت بخفة قائلة :- لا صدقيني مراد كويس جداً و بصراحة أنا أكتر واحدة فرحانة أنه خلاص أخيراً أتجوز بعد ما كنت شوية كمان و هفقد الأمل فيه.
أردفت بتبرم :- اه وكل واحد هيحقق أمنيته على قفايا! ما أنا اللي استاهل ضرب الجزمة من الاول، كان لازم أعمل فيها سبع رجالة في بعض و أروح ورا الهانم .
تدخلت آلاء قائلة بروية و مرح :- يا بت ما تبقيش كئيبة كدة افردي وشك دة ويلا علشان ننزل الناس مستنية تحت.
زمت شفتيها بعبوس قائلة:- ماشي يا أختي أدينا نازلين.
بعد وقت تم كل شيء و ارتبط اسمها إلى جوار اسمه تحت ميثاق الزواج، أما هي كانت في موقف لا تحسد عليه فكانت تشعر بالضياع وسط كل ما مرت به وتمر، و لوهلة تساءلت ما الذنب الذي أقترفته لتُعاقب عليه؟ سرعان ما استغفرت ربها وأنه القدر لا مفر منه.
نظرت لوالدها لتجد في عينيه دموع ولكنها دموع فرح، ربما لثقته بابن أخيه الذي لا تعرفه جيداً، و حولت مقلتيها لتلك الأفاعي المتجسدة في جسد إنسان، و رأت الغضب و الحقد مرسوم بأعينهن، فابتسمت بخبث فما أسعدها عندما ترى الحنق مرسوم على وجوههن، فأخذت تبتسم باصطناع لترسل لهن أن ما يحدث يروق لها.
على الجانب الآخر كان والدها ينظر لها بحب، وعاد بذاكرته للخلف و بالتحديد في الصباح حينما أخبر مراد بأن يعجل في الزواج كي يخرس ألسنة الجميع، و أيضاً لسبب آخر خوفه عليها فهو لن يكون قادراً على أن يحميها وهو قعيد كرسي متحرك، فلتكن إلى جواره هو و مسؤوليته التي وكله إياها فهكذا سيكون مطمئناً عليها أكثر، لأنه يعلم مراد جيداً إن عبث أحد مع شيء يخصه ينسفه و يمحوه تماماً.
توالت المباركات و التهاني عليهم عدا المذكورين في السابق، تحدث عمران لتلطيف الأجواء المشحونة :- إيه يا مراد، ما تاخد مراتك و تقعدوا مع بعض شوية في أي حتة برة.
هتفت رحيق بتسرع :- لا! أنا قصدي ....مش عاوزة أطلع يعني و كدة..
أردف بتفهم :- طيب خلاص على الأقل اقعدوا مع بعض شوية أهو تتعرفوا على بعض أكتر ولو برة جنينة القصر.
كان يبدو من الخارج جامداً، ولكن بداخله كان يود الإعتراض، خاب أمله حينما هتفت لميس بحماس:- اه كويس جداً يلا يا مراد يا حبيبي..
جز على أسنانه بقوة، و أومأ لهم بموافقة، ومن ثم خرجا معاً تحت ضغطهم، وتحت نظرات الغل الأخرى التي كانت تتابعهم.
ما إن وصلا للمسبح جلس هو على المقعد المجاور له و أخرج هاتفه وأخذ يتصفحه، غير مبالي بالتي تقف و تغلي كالمرجل و تهز ساقيها بعصبية وهي تراقب بروده قائلة بخفوت :- فريزر فريزر مغلطتش يعني!
سارت بعض الخطوات لتجلس على المقعد بجواره تارة تنظر للماء اللامعة على الاضواء و تارة تنظر أمامها حتى أصابها الضجر، فتأففت بضيق قائلة :- أظن كدة كفاية حرقة دم!
وما إن نهضت هتف بصوت صارم :- أقعدي!
هتفت بغيظ :- نعم! لا مش هقعد، هقعد أعمل إيه؟ دة حتى الجو يخنق .
جز على أسنانه بعنف قائلاً بتهديد :- بقولك أقعدي يعني تقعدي..
جلست بعنف قائلة بتذمر :- أنا عارفة أنها جوازة شوم من الأول محدش صدقني! طيب أتكلم معايا أعمل أي حاجة بدل ما أنا قاعدة كدة..
رفع حاجبه بتهكم و رمقها بنظرات سخرية ثم تابع ما يفعله. استشاطت غضباً وخاصة عندما رأته يبتسم للشاشة فعلمت أنه يحدث شخصاً ما ولكنها لا تعلم من بالتحديد، فقامت بسحب الهاتف منه قائلة بحدة :- على فكرة أنا بكلمك بطل برودك دة!
أردف من بين أسنانه:- هاتي الفون.
هزت رأسها بنفي قائلة بإصرار :- لا مش هدهولك إلا لما تحترمني الأول، الزفت دة مش أهم مني.
أردف بضجر :- هاتي الفون و بلاش دراما و اه الفون لما يكون فيه شغلي يبقى أهم منك.
ازدادت وتيرة أنفاسها، وبلحظة تهور ألقت الهاتف خلفها والذي لم يكن سوى داخل المسبح، فاتسعت عيناها بذعر خاصة عندما رأت نظراته التي يرمقها إياها والتي بمثابة أسهم حارقة، إذ هتفت بتلعثم :- أااا..... أنا ما ...ماأقصدش يا مراد والله، أنا كنت قاصدة أرميه على الأرض.... أنا... أنا همشي..
وما إن استدارت لتفر و تلوذ بالنجاة، وجدت من يطبق على ذراعها بقوة حتى كاد أن يهشمه. تبادلا النظرات ما بين خوف و غضب نهاه حينما أردف بفحيح :- انزلي هاتي الفون.
قطبت جبينها بتوتر قائلة :- أنا....مش ..مش بعرف أعوم....
قاطعها قائلاً بعدم اكتراث :- مش مشكلتي يلا هاتي الفون..
أردفت بحنق:- هو أكيد باظ هتعوزه في إيه؟
دفعها بحدة قائلاً بجمود :- يلا.
هزت رأسها بخوف عندما رأت الإصرار بعينيه، فنظرت للمسبح و توجهت ناحيته، و بلحظة رددت الشهادة و قفزت بداخله لتحرك ذراعيها بعشوائية تناضل للعيش، وهي تحاول البحث عن الهاتف، فشعرت بأنها النهاية فاستسلمت للأمر الواقع، وما هي إلا لحظات حتى سكن جسدها في الماء.
ظن أنها تكذب لذلك أصر على أن تحضره، و لكن انتابه القلق حينما وجدها ساكنة هكذا في الماء، فقفز خلفها على الفور وقام بإخراجها و مددها على الأرضية، و أخذ يضغط على قفصها الصدري و لجأ لانعاشها بالتنفس الصناعي، و بعد عدة محاولات شهقت بقوة و أخذت تسعل بشدة و تتنفس بصعوبة، بينما هتف هو بغيظ :- اتنفسي براحة..
فعلت ما املاه عليها، ثم أخذت تضربه بقبضتيها في أماكن متفرقة قائلة بحدة :- كله بسببك يا جلاب المصايب مش هترتاح إلا لما تموتني!
نظر لها باستنكار قائلاً :- شكلك ناسية اللي عملتيه!
نظرت لملابسها بضيق قائلة :- هدومي اتبلت هدخل إزاي قدامهم كدة ؟
أردف بخبث :- زي الطريقة اللي طلعتي بيها من الفيلا المرة اللي فاتت.
اصطكت أسنانها بغضب قائلة :- بطل تلميحاتك الزفت دي، كان يوم أسود.
أردف بجمود وكأنه شيئاً لم يكن :- تعالي ورايا..
قال ذلك ثم سلك طريقاً آخر من الخلف للوصول للأعلى دون أن يراهم أحد، فكورت قبضتها بغل و سارت خلفه، و لكن ما لم يكن في الحسبان شاهدتهم ناريمان التي هتفت باذدراء والتي كانت تشاهد لحظة اقترابه منها عندما كان ينعشها وقد فسرت الأمور بشكل خاطئ :- إيه قوام سحرتيه! مش غريبة عليكي مامتك عملتها قبلك.
غلت الدماء بعروقها فهتفت بحدة :- بقولك إيه يا ست أنتِ كله إلا أمي مش هسمحلك ولا هسمح لأي حد يجيب سيرتها بالوحش.
أردفت بسخرية لاذعة :- و منظرك دة تفسريه بأيه مش قادرين تصبروا لحد الفرح!
صرخت بحدة أفزعت من أمامها :- أخرررسي!
تدخل مراد منهياً ذلك الجدال قائلاً ببروده المعتاد :- أظن أنها مراتي و بعلم الكل يعني أي حاجة تحصل بينا لا هي غلط ولاحرام .
أنهى حديثه و امسك يدها و صعد بها للأعلى، بينما رفعت حاجبها بشر قائلة :- لا بقى دة أنا لازم أتصرف بأسرع وقت مش هستنى كتير.
أردفت بخفوت وغيظ :- سيب أيدي يا جدع أنت.
ولكنه كالأصم لم يتركها إلا عند باب غرفتها قائلاً بجمود قبل أن يغادر :- يا ريت بعد كدة متتصرفيش بغباء تاني.
اختفى بلمح البصر، لتلكم الجدار بيدها بقوة قائلة بغل :- اه يا ابن الناس الطيبين! و حياة مقاصيصي لأوريك يا فريزر.. بقلم زكية محمد
______________________________________
شعرت بدلو ثلج سُكب عليها في شهر يناير، فاصطكت أسنانها ببعضهما بقوة، و سرعان ما تحول الفصل لتشعر بالحرارة تغزو وجنتيها و سائر جسدها.
اتسعت عيناها بذهول وهي تراه ماثلاً أمامها يبادلها ابتسامة عابثة، و لوهلة شعرت بالخوف حيال نظراته المصوبة نحوها والتي لا تبشر بالخير.
أطلقت صرخة عالية فجأة وهي تدور حول نفسها كالمجنونة قائلة :- غمض عنيك، غمض عنيك يا قليل الأدب.
ضحك بخبث قائلاً :- و ربنا ما أنا سايبك النهاردة، كدة يا مريومة يا بخيلة أول ما أغيب تلعلعي كدة!
راقبت تقدمه منها بأنفاس تكاد تجمعها من الهواء الذي هرب من حولها، بينما أخذ يتفحصها قائلاً بمكر :- ما شاء الله، من أين لكي هذا؟
أردفت بخجل زائد :- إسلام بطل الولد قاعد .
نظر للصغير الذي يطالعه ببراءة قائلاً :- إزيك يا أبو حميد كل سنة وأنت طيب يا بطل، بص شوف جبتلك إيه؟
أنهى حديثه وهو يمد له تلك اللعبة، فركض الصغير نحوه و التقطها منه و فتحها بحماس وما إن رآها فرغ فاهه بدهشة قائلاً بفرح :- الله حلوة أوي يا إثلام.
مال عليه مقبلاً إياه بوجنته بحب قائلاً :- قلب إسلام أنت يا أبو حميد، يلا يا بطل روح أوضتك عاوز أقول لماما كلمة سر.
أومأ بتفهم قائلاً :- ماشي، بث بعدين نلعب مع بعض؟
هز رأسه بموافقة قائلاً :-حاضر يا أبو حميد.
ركض الصغير للداخل، بينما انتصب هو في وقفته و نظر لمريم التي كادت أن تنصهر كالجليد من فرط الخجل، والتي سحبت غطاء الطاولة و لفته حولها، فانفجر ضاحكاً عليها قائلاً :- لا يا مريومة مفناش من كدة ما تبقيش بخيلة أومال، ولا أحمد بس اللي ليه كل حاجة ! طيب اعتبريني ابنك يا شيخة والله الواد أحمد دة محظوظ حظ، أوعدني يا رب نص حظه.
اقترب منها قائلاً بخبث :- شيلي المفرش شيلي خلينا نتفرج كويس، قصدي يعني نتكلم مع بعض كويس.
أردفت بتقطع :- أنا..... أنا دايخة.
أردف بفزع :- لا أبوس إيدك ما تفيصيش دلوقتي، بصي اتنفسي واحدة واحدة و هتبقي زي الفل.
اقترب منها ليتخلص من ذلك الغطاء بخبث، ثم أخذ بيدها و جلسا معاً على الأريكة قائلاً بحنو :- أهدي و اتنفسي براحة كدة ..
أطاعته و بدأت تتنفس بتمهل حتى هدأت، فأردف بحذر وهو يناولها كوب الماء :- خدي اشربي المياه هتهدي أكتر.
تناولت منه الكوب، و ارتشفت منه القليل وهتفت بتوتر وخجل :- أنا... أنا هروح أشوف أحمد.
امسك يديها قائلاً بعبث :- أحمد جوة بيلعب، خلينا في عم أحمد و ام أحمد.
شهقت فجأة قائلة بضياع :- ها ؟
ابتسم بهدوء و أعاد خصلات شعرها خلف أذنها قائلاً بهمس وجرأة :- إيه القمر دة!
اتسعت حدقتيها بمزيد من الصدمة، و فجأة أخفت وجهها بصدره قائلة بتوسل و خفوت :- ما تبصليش كدة، أنا خايفة !
اهتز قلبه بعنف بين اضلعه و اذدرد ريقه بتوتر من قربها الزائد، إلا أنه لم يحرم ذاته من التقرب منها، إذ دفن وجه بجوف عنقها قائلاً وهو يطبع قبلة هادئة على شريانها النابض، انتفض سائر جسدها على أثر ذلك، وهتف بصوت مبحوح :- خايفة ليه؟
شهقت بصوت مسموع، وما إن همت لتغادر حاوط خصرها قائلاً بمكر :- رايحة فين بس! عاوز أقولك حاجة.
قطبت جبينها بتعجب قائلة :- حاجة إيه؟!
لم يستطع مقاومتها أكثر من ذلك، فاقترب منها كالمغيب يروي ظمأ ليال عجاف . بعد وقت ابتعد عنها ليسند رأسه على خاصتها قائلاً بعاطفة جياشة :- وحشتيني وكنت عاوز أسلم عليكي.
لا لن يتحمل قلبها الصغير هذا الكم من الصدمات على دفعة واحدة، شعرت بدوار عنيف يعصف بها و استسلمت لتلك الظلمة فأغلقت عينيها و استكانت بين ذراعيه، بينما زفر هو بضيق قائلاً :- لا وربنا كدة كتير! مريم مريم فوقي الله يحرقك مكانتش بوسة دي!
بعد محاولات عدة منه لافاقتها استجابت أخيراً له، و فتحت مقلتيها قائلة بضعف و كأن عقلها يرفض تصديق ما حدث للتو :- هو في إيه؟
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- ما شاء الله يعني من أول ما أقرب يغمى عليكي و تصحي فاقدة الذاكرة! يا فرحة أمي بيا.
قطبت جبينها قائلة بدهشة :- أنت تقصد إيه؟
أردف بغيظ :- لا صحصحي معايا كدة، أنتِ مش فاكرة اللي حصل خالص ؟!
عادت للخلف بذاكرتها لتسترجع تلك اللحظات لتستوعب أنها حقيقة و ليس حلم كما تخيلته، لتغزو الحمرة وجنتيها بخجل زائد.
ابتسم بمكر وهو يسير بأطراف أصابعه على وجنتيها قائلاً :- شكلك أفتكرتي يا خلبوصة!
نهرته بخجل :- إسلام!
أردف بعبث :- الله! هو اسمي حلو كدة وأنا ما أعرفش!
صرخت بحدة قائلة:- أنت بقيت قليل الأدب كدة ليه؟ أوعى سيبني.
ضحك بخبث قائلاً :- هو حد يشوف القمر دة و ميبقاش قليل أدب!
وضعت يدها على جبينه قائلة بتعجب :- أنت سخن؟!
أردف بإعياء مصطنع :- اه سخن أوي حتى شوفي كدة.
ضيقت عيناها بغيظ، حينما كُشِفت لعبته فوكزته بذراعه قائلة :- بطل كدب.
ضحك عالياً وهو يقول :- اعملك إيه طيب؟! مش أنتِ اللي بتسألي أسألة غير منطقية وملهاش أي دخل بالموضوع!
طالعته بحذر قائلة :- إسلام أنت بتعمل كدة ليه؟ أنا مش فهماك!
تنهد بعمق قائلاً بحيرة :- ولا أنا فاهم نفسي يا مريم، بس أنا ببقى مبسوط وأنا جنبك، اليومين اللي غبتهم حسيت بفراغ كبير أنتِ كنتي ملياه وأنا مش واخد بالي، مريم أنا مش عاوز نبقى كدة عاوز نبقى زي أي اتنين متجوزين من غير مشاكل.
أردفت بضياع :- ها أنت قولت إيه؟
أردف بتأكيد:- اللي أنتِ سمعتيه يا مريم، ها موافقة نكمل ولا نفضل على اتفاقنا اللي أول مرة ؟
لم ترد عليه وكيف ترد و أخرستها الصدمة تماماً، أيسألها إن كانت موافقة أن تكمل حياتها معه! وهي التي تتمنى البقاء بجواره إلى أن يأذن الله؟
لمع الدمع بعينيها بعدم تصديق لما تسمع، بينما أردف هو بحذر :- مالك يا مريم، هو كلامي دايقك؟
اعتصر عينيه بعنف وهو يحلل سبب الدموع بشكل خاطئ ليردف بهدوء مصطنع :- اعتبري إنك مسمعتيش حاجة و آسف لو ضايقتك و فرضت نفسي عليكي.
وما إن هم ليقف، وجدها تتشبث بيده فنظر لها وجدها تهز رأسها بنفي و دموعها تهطل بغزارة، فتراجع فوراً وجلس إلى جوارها قائلاً بقلق :- طيب أنتِ بتعيطي ليه دلوقتي؟
لم تجب وانما ازدادت في البكاء، وهي تخشى أن تخبره بحبها له حينها سيتهمها بالخيانة لأخيه و هذا ما لن ترضى به أبداً.
مد يده ليمسح عبراتها بحنان قائلاً:- طيب ممكن تبطلي عياط؟
هزت رأسها بموافقة لتحاول كبت دموعها التي نزلت رغماً عنها، لطالما تظاهرت بالقوة أمام أعينهم، فأردف هو بروية :- ها سامعك عاوزة تقولي إيه؟
نظرت أرضاً قائلة بخفوت :- ممكن تديني شوية وقت؟
هز رأسه بتأكيد قائلاً:- طبعاً خدي الوقت اللي أنتِ عاوزاه بس يا ترى فيه أمل و لو حتى بسيط؟
هزت رأسها بخفوت وخجل بنعم، فابتسم قائلاً :- تمام، يبقى خدي وقتك براحتك و أهو فرصة نتعرف على بعض أكتر من غير ما نتخانق مع بعض.
ثم أضاف بعبث وهو يشير لها :- بس بشرط ما تقطعيش بعادتك دي.
لم تفهم ما يرمي إليه إلا عندما نظرت إلى ما يرمي إليه بصره، فشهقت بخجل و سرعان ما نهضت وهي تركض للداخل صارخة بتذمر :- قليل الأدب.
هز رأسه بضحك قائلاً بصوت عال :- يا ميدو تعال يا حبيب عمو تعال ..ثم تابع بصوت خافت يملئه الغيظ :- تعال على ما أمك تحن علينا .
بالداخل وضعت يدها على ثغرها بعدم تصديق وابتسامة واسعة أفتقدتها منذ زمن بعيد و قلبها يقيم حفل غناء راقص يحتفل بما سمعه منذ قليل، تمددت على الفراش وهي تتطلع للسقف و عينيها الحب منها يفيض ومن ثم أخذت تقفز بسعادة و ودت لو تصرخ بجنون الآن فلن يلومها أحد على ما هي فيه فيالها من سعادة غمرت روحها التي كاد أن يتآكلها الحزن.
______________________________________
في الصباح الباكر تقف بركن بعيده بالقصر تضع على أذنها تنتظر رد الطرف الآخر الذي ما إن أجاب هتفت بحذر :- ها عملت اللي قولتلك عليه؟
- أيوة يا ناريمان هانم.
أردفت بنشوة انتصار :- طيب هستنى اللي طلبته منك في رسالة فوراً دلوقتي .
أنهت المكالمة لتأتي لها رسالة بعد ذلك، ما إن قرأت ما بداخلها نظرت أمامها قائلة بشر :- مش هستنى لما سلوى هانم تقول هعمل إيه و مهعملش ليه، أنا لازم أتصرف و أخلص الموضوع دة بنفسي.
____________________________________
استيقظت صباحاً بنشاط و أعدت الطعام، و وقفت تعض على إصبعها بخجل وهي تتطلع لباب الغرفة التي يقبع بها، و بالأخير حسمت الأمر إذ دلفت بخطا حذرة لتراه مازال غافياً.
تقدمت نحو الفراش و أخذت تتطلع إليه بحب تتأمله بعشقها المكنون له منذ زمن. مدت يدها لتوكزه بخفة بذراعه قائلة بخفوت :- إسلام.. إسلام أصحى.
صرخت بفزع حينما وجدت نفسها مكبلة بين ذراعيه و قريبة منه حد الهلاك حينما جذبها نحوه فجأة فهتفت بعتاب :- إسلام خضتني!
ابتسم لها بحب قائلاً :- سلامتك من الخضة يا قمر، طيب بزمتك في حد يصحي حد كدة! بالرقة دي مش هيصحى خالص.
أردفت بخجل وهي تحاول أن تبتعد عنه لتستطيع التنفس :- طيب قوم علشان تفطر.
قطب جبينه بتذمر قائلاً :- كدة من غير ما تصبحي عليا يا مريومة !
عضت على شفتيها بخجل قائلاً :- صباح الخير.
لم يستطع الصمود أكثر من ذلك إذ جذبها نحوه و روى ظمأه. ابتعد عنها بعد وقت قائلاً بخبث :- أحلى صباح دة ولا إيه!
و حينما رأى جسدها المتخشب أردف بحذر :- أوعي تقولي هيغمى عليكي!
دفعته بعشوائية لتفر من أمامه، بينما هتف هو بضحك :- الحمد لله المرة دي مفيصتش مني شكلها كدة خدت مناعة.
بعد وقت جلست بجوار أحمد الذي هتف بطفولية :- إثلام صحي ولا لسة أنا جعان.
أتاه صوته المرح قائلاً :- لا يا ميدو إثلام صحي أهو.
جلس هو بدوره و شرعوا في تناول الطعام، و وسط ذلك صدح هاتفه برنين معلناً عن وصول رسالة فقام بفتحها قائلاً بضجر :- يا دي العروض و الباقات اللي مش هتخلص.
وما إن فتح الرسالة و قرأ محتواها تجمد كالجليد، و تجهم وجهه و غلت الدماء بعروقه و تعالت وتيرة أنفاسه و سلط وجهه على الرسالة تارة و على مريم تارة أخرى، و دقق في محتوى الرسالة و أخذ يقرأ كلماتها مراراً و تكراراً " مراتك بتخونك و بتستغفلك"
نظرت له بتعجب من تغيره المفاجئ فسألته بقلق :- مالك يا إسلام؟ خير إن شاء الله.
أردف باقتضاب :- مفيش! ثم نهض قائلاً بجمود :- أنا نازل الشغل خليك أنت يا أحمد النهاردة.
أنهي كلماته ثم غادر مسرعاً، بينما أخذت تطالع أثره بتعجب شديد قائلة :- يا ترى إيه اللي غيَّرك كدة؟!
فاقت من شرودها على صوت الصغير قائلاً:- ماله إثلام يا ماما زعلان ليه ومش خدني الكوالة؟
ربتت على شعره قائلة بحنو :- مش عارفة يا ميدو لما يجي نبقى نسأله، يلا كل فطارك علشان هنروح لسامية. بقلم زكية محمد
_____________________________________
بعد مرور أسبوع لم يحدث به شيء سوى عودة رحيق للعمل مع سندس بعد محاولات عدة في ترجي والدها و أخيها حتى وافقا على ذلك، و تتعامل بتحفظ مع مراد منذ آخر موقف.
استمر هذا الرقم المجهول في إرسال الرسائل التي تخبره في كل مرة أنها خائنة، تخونه وأنها على علاقة بآخر وهو يكاد يجن حتى بات يراقبها و يتصرف معها بجمود أثار دهشتها و حزنها في ذات الوقت فقد عاد لما كان عليه بعد أن أخبرها بأنه يريد أن تستمر حياتهم الزوجية بشكل طبيعي و لكنه لم يجد أي شيء يثبت صدق الكلمات و فكر أخيراً أنها مجرد كلمات لزرع الشك بينهما لذا عليه تجاهلها و الاستمرار قدماً.
في الشركة الخاصة بالدعاية والإعلان شعرت بالجوع فنظرت لآلاء قائلة:- أنا جعانة و عاوزة أكل هنزل أجيب أجبلك معايا؟
هزت رأسها بنفي قائلة :- لا متشكرة يا رورو مش جعانة .
نهضت بدورها و نزلت للأسفل، و ما إن تخطت الجانب الآخر و سارت وهي تنظر أرضاً، شعرت بشخص خلفها و سرعان ما جذبها و وضع يده على ثغرها و سار بها قليلاً ليختفي عن الأعين بأحد الجوانب، ومن ثم فتح باب السيارة وقذفها فيه وجلس هو بجانبها، و سرعان ما انطلقت بهم السيارة إلى وجهتها .
أخذت تتلوى بعنف لتتحرر من قبضته و تصرخ بصوت مكتوم، إلا أنه هتف بتهديد :- أخرسي خالص بدل ما أخلص عليكي.
أخذت تطالعه بنظرات مذعورة و توقفت عن المقاومة، بينما أردف هو بفحيح :- مفكرة نفسك هتروحي مني فين؟ لو فكرتي إنك اتخلصتي مني يا رحيق تبقي غلطانة، أنا بس كنت سايبك بمزاجي وجه الوقت اللي هاخد فيه حقي منك.
تساقطت دموعها بقهر وهي تشعر بالذعر و دقات قلبها تطرق بعنف كالطبول وهي تدعو الله بداخلها بأن ينجيها من براثن ذلك الذئب.
______________________________________
جلست بحيرة على الأريكة وهي تفكر في سبب تغيره نحوها بهذا الشكل، زمت شفتيها بعبوس قائلة :- يكون حد قاله حاجة تانية؟ بس هيقوله إيه؟ما هو عارف كل حاجة، أنا هتجنن! مش راضي يتكلم و مش عارفة ماله.
سمعت صوت الجرس فسحبت حجابها و وضعته على رأسها و توجهت لترى من الطارق؟
شهقت بصدمة حينما رأت الماثل أمامها، و سرعان ما دلف للداخل واغلق الباب خلفه قائلاً بخبث :- إزيك يا حلوة ! فاكرة إني مش هوصلك؟!
بدأ صدرها يعلو و يهبط بعنف، و خرج صوتها المتقطع قائلة :- أنت... أنت بتعمل ايه هنا؟ أطلع برة.. أطلع بدل ما أصوت و ألم الناس عليك .
أردف بمبالاة :- وماله صوتي ساعتها هقول إني جايلك بمزاجك وأنتِ اللي طلبتي دة.
هزت رأسها برعب قائلة :- حرام عليك عاوزين مني إيه تاني؟ بعد ما خربتوا حياتي، عاوزين إيه؟
أردف بخبث :- جاي نكمل اللي بدأناه هناك عندي في الشقة .
جحظت عيناها بصدمة قائلة :- بدأنا إيه يا حقير؟ طيب والله لأصوت وشوف بقى هيحصلك إيه؟
وما إن همت لتصرخ، كمم ثغرها بيده و أحكم حركتها رغم مقاومتها الضارية، ثم جذبها نحوه لإحدى الغرف والتي لم تكن سوى خاصتها، ثم قذفها على الفراش وعلى وجهه ابتسامة ماكرة.
قبل ذلك بدقائق معدودة وصلت له رسالة على أن " أطلع شوف مراتك جايبة عشيقها لحد البيت " .
جن جنونه و هب واقفاً و انصرف مسرعاً للأعلى وصل بوقت قياسي وكأنه في مضمار مع الزمن .
دلف للداخل ليسمع صوت صراخ مكتوم ليدلف للداخل، ليُصعق وهو يرى رجلاً يحضنها وهي تأن بضعف، حيث كان يكمم فاهها و يثبتها جيداً لتبدو الأمور للآخر طبيعية.
نزعه بقوة من فوقها لتصيبه الصدمة مرة أخرى عندما تعرف عليه، اندلعت بداخله حرائق غابات الأمازون ليضربه بكل قوته قائلاً بوعيد و غضب يحرق الأخضر و اليابس :- النهاردة محدش هيخلصك من إيدي.
أخذ يضرب فيه بعنف، و الآخر يسدد و يتلقى ولكن قوة إسلام كانت الكفة الراجحة، لذا ليهرب من براثنه أخرج المُدية التي كانت بحوزته و قام بتصويبها بشكل عشوائي لتصيب ذراعه بقوة ليتركه إسلام و ينتهز الآخر الفرصة و يلوذ بالفرار بعد أن حقق ما أتى لأجله. بقلم زكية محمد
صرخت هي بفزع وهي ترى الدماء تجري على طول ذراعه، و ما إن همت لترى ما به، حدجها بنظرات لو كانت رصاصاً لأردتها صريعة في الحال، و رفع يده بأن لا تقترب منه، بينما أخذت تهز رأسها بعنف، وهي تخبره بعينيها بأنه لم يحدث شيء كما يظن، وأن عناية الله التي تمثلت فيه هي من أنقذتها .
تقلصت ملامحه بألم وهو يضغط على ذراعه بقوة حتى يمنع نزيف الدماء، بينما كاد قلبها أن يتوقف مكانه من قلقها عليه، وهي في موقف يحسد عليه وكم ألمها نظرات الإتهام التي يمطرها إياها........
_____________________________يتبع الفصل السادس عشر 16 اضغط هنا