رواية حب وتضحية الفصل الخامس عشر بقلم داليا السيد
رواية حب وتضحية الفصل الخامس عشر
مواجهة
وقفت أمام باب الشقة وترددت يدها قبل أن تدق الباب لتنتظر حتى فتحت هبة الباب لتصرخ من المفاجأة عند رؤية أختها وأسرعت تحضنها بشدة
خرجت الأم على صرخة ابنتها فرأت أمل وهبة فأسرعت إلى ابنتها وهي تناديها بقلب متلهف ومتشوق للقاء فتركت أختها وأسرعت إلى حضن أمها الذي اشتاقت إليه
هدأت الأشواق وحملت هبة الحقائب إلى الداخل وبدأت تعبث بها وهي تقول "ما كل هذا يا أمل؟"
قالت "من أجلك وأجل ماما"
ابتسمت الأم وقالت "حبيبة قلب ماما كم افتقدتك يا ابنتي ولكن لماذا لم تخبرينا بعودتك؟"
لم تنظر لأمها وقالت "لم أكن متأكدة من موعد وصولي"
نظرت إليها أمها ثم قالت "ووليد هل عاد معكِ؟ هل شفي وعاد إليه بصره؟"
تناثرت مشاعرها من داخل قلبها على أرض الواقع ومع ذلك قالت "نعم ماما استعاد نظره ولكنه لم يعد معي مازال هناك"
كانت هبة تلهو بالملابس والهدايا ولكن الأم انتبهت لحال ابنتها فقالت "ولماذا عدتِ وحدك؟ أخبرتينى أنه لا يقبل ألا تكوني معه"
شعرت بحرارة بجسدها وربما عاودها التعب من الرحلة فشعرت بتقلصات بمعدتها، تحاملت وقالت "ولكنه وافق يا ماما، اسمحي لي أنا أريد أن أرتاح الرحلة كانت طويلة ومتعبة"
نهضت إلى غرفتها وجلست على طرف الفراش وهي تسترجع كل الذكريات وربما منذ عرفته وعندما أتى هنا ليطلب منها السماح لم فعل وأن توافق على أن تكون معه، شعرت بيد على كتفها ففزعت وهي تنظر لتجد أمها
جلست الأم أمامها فهربت بعيونها منها بينما قالت أمها "ماذا حدث هناك؟"
نهضت مبتعدة وقالت "ماذا حدث يا أمي؟ أنتِ تعلمين كل شيء"
صمتت الأم قليلاً قبل أن تقول "منذ متى تخفين عني شيء يا أمل؟ عيونك تفضحك وتلك العيون الباهتة، والهالات السوداء وبشرتك الشاحبة كل ذلك أكيد له سبب ولن تخفيه أكثر من ذلك لإني لن أصدق أن لا شيء أصابك هناك"
دخلت هبة وهي تحمل الطعام وقالت "وها هو الطعام من أجل أجمل أخت بالدنيا"
وضعت الطعام فقالت الأم "شكراً يا هبة والآن اذهبي لإفراغ الحقائب أريد أن أتحدث مع أختك قليلا"
حدقت هبة بهم لحظة ثم خرجت دون جدال بينما نهضت الأم إلى ابنتها ووقفت أمامها وقالت "أمل تحدثي وإلا سأتصل بوليد وأعرف منه ماذا حدث"
التفتت إلى أمها وقالت "ماما من فضلك أنا بالفعل متعبة ربما بعد أن ارتاح نتحدث"
صمتت الأم ثم قالت "حسنا هيا تعالي لتتناولي الطعام إنه مما تحبينه، أنت بحاجة للطعام"
لم تكن لديها أي رغبة بالطعام ولكنها لم تشأ أن تثير ظنون أمها أكثر من ذلك ولكن خانتها نفسها عندما ثارت معدتها على رائحة الطعام وشعرت بالرغبة في القيء فأسرعت إلى خارج الغرفة للحمام ولم تجد ما تلقيه إلا عصارة صفراء واشترك الدوار وكأنه اتفق مع القيء عليها
غسلت وجهها وهي تستند إلى الحوض من الدوار وشعرت بيد تسندها وصوت ينادي باسمها عرفت أنه صوت أمها، وهي تغمض عيونها وتتحرك بدون هدى من الدوار، أجلستها أمها على الأريكة ونادت على هبة ومنحتها بعض العصير تناولته بدون اعتراض إلى أن هدأ الدوار وبدأت تستعيد نفسها ففتحت عيونها لترى نظرات الأم إليها تحوي معان كثيرة
قالت هبة بلهفة "أمل ماذا حدث؟ هل أنتِ بخير؟"
هزت رأسها وهي تهرب من أمها ثم اعتدلت فقالت الأم بلهجة حادة "تعالي إلى غرفتك أريدك"
أدركت أن لحظة المواجهة قد حانت فتابعت أمها بنظرها وهي تتقدم إلى غرفتها ثم نهضت إلى الداخل
سقطت على الفراش بعد أن انتهت وهي تقول "وطلقني"
صمت مخيف مر وهي تتذكر تلك اللحظات حتى سمعت صوت أمها تقول "والحمل؟"
نظرت إلى أمها التي عرفت دون أن تخبرها فقالت "لم أكن أعلم، عرفت وأنا بالمشفى بعد إصابته بالحادث"
لم ترد الأم فقالت أمل بحزن "ماما أرجوكِ لا تفعلي بي ذلك فلن أتحمل"
أخفضت الأم عيونها ولم ترد، فاتجهت أمل إليها وقالت "غصب عني ماما لم أستطع أن أقاوم، أعلم أني أخطأت ولم أفعل ما علمتيني إياه ولكن"
لم تشعر إلا وأمها تصفعها على وجهها وهي تقول "كفى، أنتِ لست ابنتي التي ربيتها وعلمتها وشاركتها هموم الحياة"
وضعت يدها على وجهها وسرت دمعة من عيونها وهي تدرك أنها تستحق كل ذلك فلم ترد بينما أكملت الأم
“ ألم تفكري بنفسك وسمعتك وأنت عائدة إلي مطلقة وتحملي ابن رجل يصدق أنكِ خائنة؟ ماذا فعلتِ بنفسك ولماذا؟ من أجل الحب؟ وأين هو الحب الآن؟ وأين هو الحبيب الذي ألقيت الدنيا كلها خلفك وضحيت من أجله وفقدت عقلك وحكمتك وضحيتِ بشرفك وسمعتك؟ أنا لا أصدق أنكِ ابنتي التي أعرفها، لا يمكن أن تكوني هي"
ثم تركتها وذهبت وظلت هي بمكانها لا تقو على الحركة وكلها ندم على ما فعلت لأنها كانت خطأ ومن سار بالخطأ وقع أسير نيرانه، ومع ذلك تشعر أن الظلم قد بلغ بها ذروته أيضاً وأنها لم تعد تتحمل هذا القدر من القسوة والظلم والألم
تهاوت ساقاها من ثقل الهم وشعرت بنفسها تسقط على الأرض وألم يمزق أسفل بطنها وظهرها وربما سائل دافئ يتدفق من بين ساقيها وفتحت فمها لتنادي على أمها ولكنها تراجعت ولم تفعل ربما تترك نفسها لم دبرته لها الأقدار أو ربما حان موعد راحتها من كل ما حدث، فأغمضت عيونها واستسلمت للظلام الذي أحاط بها..
عندما فتحت عيونها أدركت أنها بغرفة بمشفى والمحلول متصل بذراعها حركت ذراعها بألم ولكنها سمعت أمها تقول
“أمل، أنتِ بخير؟"
رأت أمها تجلس بجوارها وتنحني عليها بقلق واضح فقالت بضعف شديد "نعم ماما، ماذا حدث؟"
قالت الألم بحزن "وجدناكِ فاقدة للوعي فأحضرنا الإسعاف التي أحضرتك هنا وعرفنا أنه إنذار بالإجهاض يا أمل، جسدك انهار تحت ثقل ما تحملينه"
أخفضت عيونها ولم ترد فقالت الأم "كنتِ تريدين الموت يا ابنتي؟"
وأخيراً فكت قيود دموعها فاقتربت منها الأم وقالت "وأنا؟ لم تعودي تفكرين بي؟"
نظرت لأمها وقالت بألم "بل لأني فكرت بكِ أردت الرحيل، أنا سبب ألمك وحزنك، أنا من ألحق بك العار، لا مكان لي هنا فأنا تعبت يا ماما تعبت ولم أعد أتحمل أكثر من ذلك خاصة إذا كنت سأخسرك"
دمعت عيون الأم وأمسكت بيد ابنتها وقالت بحنان "ما حدث قد حدث ولا مجال للندم الآن، علينا أن نهتم بصحتك الطبيب أشار بأن الأمر كان صعب وكدتِ تفقدين الجنين"
قالت بحزن "لو فقدته لانتهى جزء من همومي وأحزاني"
قالت الأم "استغفري ربك يا ابنتي إنها عطية الله ولا يمكننا أن نفرط في عطيته، لا ذنب له في كل ذلك وربما يكون سبب في سعادتك بيوم ما"
أبعدت وجهها وقالت "سعادة؟ أمثالي لم يعد لهم حق في البحث عن السعادة لقد انتهت الكلمة بكل معانيها من حياتي وحل محلها اليأس والحزن والألم، سارة كانت على حق بأنها ستنتصر فقد هزمتني ودمرتني"
قالت الأم "وأنتِ تركتِ لها الساحة وهزمتك بسهولة، أنت حتى لم تحاولي إثبات براءتك أمام زوجك فمن حقه أن يتمسك بإنكارك، والآن تريدين الانسحاب من ساحة الأمومة أيضاً، لم أكن أعلم أن ابنتي التي كنت أظنها قوية وعنيدة وصلبة يمكن أن تكون بهذا الضعف"
التفتت لأمها التي أكملت "هيا استسلمي أيضا للانهيار وابحثي عن طريقة للموت كي تفري من كل شيء، هل هذا ما علمتك إياه؟"
قالت بدموع غزيرة "لم أعرف ماذا أفعل كنت تائهة ووحدي وتخلي وليد عني أضعفني أكثر، لم أفكر بإثبات براءتي بقدر ما فكرت أن أكمل واجبي كزوجة تجاهه حتى ولو كنت طليقته، خفت يا ماما، نعم خفت من سارة وشعرت أني لا أعادلها قوة خاصة وقد عادت إليه ومنحها الصلاحيات لإهانتي أكثر، وما أن شعرت أني بنهاية الحكاية سأخسرك أنتِ; وقتها فقدت الرغبة في الحياة ولم أعد أريد أن أكمل فلا شيء يجعلني أفعل بعد ذهابك عني"
شدت أمها على يدها وقالت بنفس الدموع "لا يمكن لأي أم تحب أولادها أن تخسرهم مهما كانت أخطاءهم كبيرة، فقط هو غضب يأخذ وقته وينتهي حبيبتي وبالنهاية أنتِ ابنتي قطعة مني لا يمكن أن يبعدك عني أي شيء حبيبتي أي شيء هل تفهمين؟ ستظلين ابنتي لآخر العمر ولن تخرجي من أحضاني مهما بلغت أخطائك"
ثم مالت عليها واحتضنتها بقوة وقد علا صوت بكائهم هما الاثنان وكأنهم يغسلون بدموعهم الماضي الأليم وذكرى التضحية التي كانت في غير مكانها أو ربما كانت صحيحة ولكن الشر لوثها وأساء فهمها.
خرجت من المشفى إلى البيت ولكن باليوم التالي كانت أفضل حالاً وتعد حقيبتها للرحيل وأمها تقول
“ ما أن تستقري هناك حتى ترسلي إلي لن نتركك وحدك هناك"
ابتسمت وقالت "بالطبع، معتز منحني عرض رائع وأنا تأكدت أنه لم يتراجع عنه أمس عندما اتصلت به وأخبرني أن مكان الإقامة جاهز وما أن أتأكد من أنه مناسب حتى أدعوكم إليه وتكون نتيجة هبة قد ظهرت ونبدأ إجراءات الكلية لي ولها"
أمسكتها أمها من ذراعها فنظرت إليها بدهشة فقالت الأم "ستكونين بخير أليس كذلك؟ أنا لم أعني ما قلت من أنكِ لابد أن تذهبي، أنا أريدك أن تتراجعي لا يمكن أن أتركك وحدك يا أمل لا تذهبي"
اعتدلت ونظرت إلى أمها وقال بحنان "أعلم ماما ولكن أعلم أيضاً أنه لا يمكنني البقاء هنا بعد ما حدث، لابد أن أرحل واطمأني لن أعود للضعف مرة أخرى فأنا دفعت ثمن ضعفي مرة غالياً جداً ولم يعد لدي قدرة على دفع المزيد"
رحلت إلى الغردقة حيث عرض عليها معتز أبو النصر إدارة فندقه الجديد هناك بعد أن قابلها كثيرا هنا مع وليد ثم قابلها بلندن أثناء حادث وليد، لم يعرف أنها زوجته ولكنه وقتها عرض عليها العمل عنده ولكنها لم ترفض أو توافق لأنها كانت مشوشة الأفكار ولكن بعد عودتها كان عليها أن ترحل لن تبق والجميع لا يعرف أنها تزوجت وحملت ولن يصدق أحد أنها شريفة فرحلت دون نقاش.
لم يكن الأمر بالغردقة بسهل فصغر سنها جعلها غير مقبولة بين العاملين القدامى وربما لم يكن هناك مساندة مثل تلك التي كان يمنحها إياها وليد، ومع ذلك استطاعت أن تواجه ما يواجها ولم تتراجع أو تضعف كما وعدت أمها وبنهاية الشهر كانت قد وضعت بصمتها بالمكان واعترف معتز بذلك بنفسه وقال وهو ينظر إليها وقد تغيرت ملامحها بالطبع نتيجة الحمل وقد ارتدت دبلته أمام الجميع ولكنها لم تخبر أحد بمن هو زوجها
“تبدين مختلفة يا أمل"
قالت "ربما الإرهاق فقد كان الأمر صعب الأسبوع الأخير، خاصة مع عودة الدراسة بالكلية"
نظر إلى قوامها وهو يسير بجوارها وهما يقومان بجولة بالفندق داخل القرية وقال "لا أقصد ذلك، ولكن وزنك زاد وملابسك تغيرت"
فهمت قصده فقالت بصراحة "نعم فأنا حامل"
توقف فتوقفت ونظر إليها فلم تهرب من نظراته وهو يقول "لم تخبريني بذلك يا أمل!"
قالت بثقة "وهل يغير ذلك من الأمر شيء مستر معتز؟"
أخفض وجهه لحظة ثم عاد وقال "لا أعلم يا أمل ولكن حمل يعني ولادة وأجازة وضع والأمر هنا لا يحتمل ذلك"
ابتسمت وقالت "لا تقلق سأدبر الأمر قبلها ووقتها ستكون ماما قد أتت ولن أطيل الاجازة"
هز رأسه ثم عاد وقال "وترى من هو والده وأين هو؟"
سمعت صوت ارتج له جسدها وأصابها بدوار كاد يسقطها وهي تسمعه يقول
“ موجود يا معتز"
يتبع الفصل السادس عشر اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية حب وتضحية" اضغط على اسم الرواية