رواية حب وتضحية الفصل الأول بقلم داليا السيد
رواية حب وتضحية الفصل الأول
الوفاة
أمل فتاة هادئة تدرس بكلية تجارة، فتاة مجتهدة تعرف طريقها جيدا، تذاكر باجتهاد ولا يمكن أن يمر عام دراسي دون أن يكون التفوق مصيرها، فهي لا تملك مجال إلا النجاح وليس أي نجاح وإنما لابد من التفوق كي تحصل على فرصة التعليم المجاني، فمنذ تركهم والدهم عندما كانت فتاة في الخامسة وأختها الصغرى في عامها الثالث وهى تعلم أن أمها هى الشخص الوحيد الذى لا ينام كي يوفر لهم مصاريف الحياة، كانت مهنة الخياطة مهنة جيدة ولكنها غير مربحة بل ومتعبة وشاقة ومع ذلك كانت كافية لتوفر لهم عيشة جيدة دون أن يلجأ أولادها للسؤال من أحد وما أن كبرت أمل أكثر حتى بدأت تبحث عن عمل وفى الابتدائية طلبت إحدى الزبائن من أمها أن تعمل عندها في المحل الخاص بها ووافقت هي وتمكنت من جعل أمها أيضاً توافق، وبالفعل عملت معها سنوات طويلة لا تعلم عددها تعلمت منها كل شيء وقد كانت المرأة تحبها لأمانتها وأخلاقها وذكائها وكانت تقول إنها سكرتيرة ومديرة أعمال رائعة وأن عندها القدرة على إدارة شركة كاملة وحدها دون أي مساعدة ولا يمكن أن تنسى كم من المال حصلت عليه من العمل معها مما ساعدها على أن تتحمل مصاريفها وتتمكن من دراسة بعض اللغات والكومبيوتر لأنها كانت تتعامل مع أجانب وقد طلبت منها المرأة أن تتعلم لغات وهي بالفعل فعلت.
ربما لم يكن الجمال يميزها، أو يزيدها جاذبية وهي صغيرة ولكن عندما كبرت وترعرعت بعيونها الخضراء وقوامها المتناسق حتى أصبحت جميلة، أما جدارتها بالعمل وابتسامتها الرقيقة في التعامل مع الآخرين كانت كافية لجذب انتباه الجميع وقد كان ذلك ما يزيد من تمسك المرأة بها إلى أن انتهت الامتحانات الخاصة بآخر العام فقد كانت بالعام الثالث بالكلية ومرت الامتحانات على خير وخرجت سعيدة بما أدت.
اتجهت إلى المحل كما تعودت بالإجازات الصيفية ولكن عندما وصلت لاحظت أن المرأة مريضة جدا حاولت أن تساعدها بأي شكل ولكن الأمر كان أكبر من قدرتها فاتصلت بابنها الذى أرسل السائق الخاص به دون أي اهتمام وذهبت هي معها إلى المشفى وأخيراً عادت بها إلى المنزل وساعدتها لترتاح ولم تتركها إلا بعد أن وفرت لها كل سبل الراحة ثم تركتها لتنام وعادت إلى منزلها.
"أمي أنا عدت"
خرجت امرأة مسنة ولكن بدا عليها علامات الجمال نظرت إليها وقالت "أمل أين كنتِ حتى الآن؟ لقد انتابني القلق عليكِ"
قبلت أمل أمها وقالت وهى تجلس أمامها "أنتِ التي ترفضين أن أحضر لكِ محمول، كنت وقتها سأتصل بكِ وأخبركِ عن مكاني"
جلست المرأة بجانب ابنتها الكبيرة والتي تعتبرها أختها وصديقة عمرها وقالت "أخبرتك أنني لا أفهم شئ في ذلك الجهاز الغريب"
قالت أمل "وأنا استسلمت لكِ ماما، أنهيت امتحاني اليوم واتجهت إلى المحل كالعادة، ولكن مدام فوزية كانت مريضة جدا فتحركت بها إلى المشفى وانتظرت حتى ذهبت الأزمة ولكن الأطباء أخبروني أن حالتها تزداد سوء ولكني لا أعلم ماذا أفعل؟ فقد أخبرت ابنها ولكنه لا يهتم كالعادة"
نظرت الأم إليها وقالت "هذا شيء طبيعي ولقد اعتدنا على إهماله لها فماذا نفعل؟"
تنهدت أمل وقالت "تعلمين أني أحبها وقد ساندتني كثيرا بحياتي وأخشى أن تموت هذه المرأة فأفقد مورد الرزق الذي لا أعرف سواه"
ربتت المرأة على يد ابنتها وقالت "لا تقلقي يا ابنتي فكما أرسل الله لنا هذه المرأة منذ سنوات طويلة فسوف يرسل لنا غيرها فلا تفكرين كثيراً ودعي الخلق للخالق"
تنهدت أمل فهي بالفعل لا تملك أن تفعل أي شيء إلا أن تنتظر وتترك التدابير للقدر.
في صباح اليوم التالي اتجهت أمل إلى المحل كالعادة ولكن المحل كان مغلق اتصلت بالمدام ولكنها لم ترد، اتصلت بابنها فأخبرها أنهم نقلوها إلى المشفى مرة أخرى وما زالت هناك وقال أنه أرسل السائق إليها بالمفاتيح كي تفتح المحل حتى يأتي هو إليها، وبالفعل لحظات ووصل السائق بالمفاتيح وفتحت المحل ومر منتصف النهار وانشغلت بالعمل وانتهت إلى أنه لم يأتِ أحد وانكبت هي على العمل ولم تشعر إلا وآذان المغرب فقررت أن تغلق وتذهب، اتصلت بابن المدام فطلب منها أن تحتفظ بالمفاتيح وأن تباشر العمل حتى يستطيع أن يأتيها. مر اليوم التالي إلى نهايته ثم جاءها تليفون طلب منها ابن المدام أن تأتي فالمرأة تريد أن تراها بالبيت.
عندما وصلت قادها ابن المرأة إلى حجرتها حيث كانت طريحة الفراش وبدا المرض الشديد على ملامحها، دقت على باب الغرفة المفتوح قبل أن تدخل ففتحت المرأة عيونها وهي تتقدم إليها والحزن بملامحها على تلك المرأة التي لم تبخل عليها بأي شيء، قالت المرأة
"تعالي يا ابنتي أنا انتظرك، تعالي بجانبي هنا"
اتجهت الفتاة إليها وجلست أمامها فأكملت المرأة بضعف "أنا أعلم أني كنت قاسية في تعاملي معكِ ولكن لا تنكري أن ذلك جعلكِ تتعلمين كل شيء بل وتتقنيه وأصبحتِ ماهرة في إدارة الأعمال والتجارة، وأعلم أيضاً أني كنت مصدر رزق لكِ، وأنكِ اليوم تخشين إذا ما أنا مت فسيذهب ذلك المصدر، ولكن أنا أحببتك كابنتي، أحببت اجتهادك وإصرارك على العمل والنجاح ولذلك فكرت أن أؤمن لكِ مصدر آخر للرزق من بعدي، خذي هذا الكارت واتصلي بصاحبه، إنه رجل أعمال معروف يدين لي بمعروف كبير ويريد أن يرده، أخبريه أني أنا من أرسلك وأنكِ تريدين العمل لديه وأنا كنت قد أعطيته فكرة عنكِ وعن مدى مهارتك وذكائك في الإدارة، اتصلي به غدا ولا تنتظري موتي فأنا أعلم أنه هنا هذه الأيام وهو دائم السفر فالحقي به، أنا أعلم أنكِ إذا عملتِ معه فسوف تفتح لكِ أبواب كبيرة من العز"
سالت الدموع من عيون أمل وقالت "ولكن أنا لن أتركك أنا لن أعمل مع أحد آخر سواكِ"
ابتسمت المرأة بضعف وقالت "وأنا ما كنت لأتركك أبداً ولكن أنا ذاهبة ولن يمكنني أن أحتفظ بكِ أكثر من ذلك، عيشي يا ابنتي فأنتِ تستحقين حياة أفضل مما تعيشين الآن"
وبدأت المرأة تسعل بشدة فأسرع ابنها إليها ومنحها بعض الماء فتراجعت هي بخوف وأمسكت بالكارت بيدها واستدارت خارجة لم تعد تتحمل أن ترى تلك المرأة التي عاشت معها سنوات طويلة من حياتها وهي تذهب هكذا.
عندما عادت إلى المنزل كانت قد بكت كثيراً وما أن رأتها والدتها حتى بدا القلق عليها وقالت "ماذا يا أمل؟ لماذا تبكين هكذا؟"
جلست ومسحت الدموع وقالت بحزن واضح "لقد كنت عند مدام فوزية إنها مريضة جداً"
وحكت لأمها ما حدث، فقالت الأم "لقد أخبرتك أن الذي رزقنا مرة يمكن أن يرزقنا مرات كثيرة"
أجابت بتفكير “نعم ولكن أنا اعتدت عليها وعلى عملها فكيف سأعمل مع غيرها؟ وما هو ذلك العمل؟ وهل أنا أجيده أم لا؟"
قالت الأم بابتسامة حنونة "أنتِ فتاة ذكية ونشيطة وتحاولين أن تحققي ما تريدين وهذا كافي لأن يكون سببا في نجاحك، فلا تخافي ما عليكِ إلا أن تحاولي"
خرجت هبة أخت أمل الصغيرة فجأة من غرفتها، كانت ما زالت تدرس بالثانوية العامة، لم يكن لها دور بحياة الأسرة، جلست بجانب أمها وقالت
"أنتِ تعلمين أني لا أحب تلك المرأة إنها صارمة وحادة وأنا لا أعلم كيف أمكنكِ تحملها في السنوات الماضية؟ أنا لم أستطع"
قالت بصبر واستنكار “ولكنكِ تتحملين ذلك الرجل الذى تعملين معه أليس كذلك؟"
كانت هبة أختها تعمل هي الأخرى لدى إحدى المكتبات في الصيف فقط، سمعتها تقول "هو رجل عجوز ولا أراه إلا مرة في الأسبوع"
قالت أمل "ولكن زوجته لا تتركك، كل يوم تأتي وتبقى معكِ حتى تأتين وأنتِ تكادي تنفجرين منها ومن تصرفاتها أليس كذلك؟"
أجابت هبة بغيظ "ماذا تعنين؟ إنها أيضا أفضل حالاً من تلك العجوز الشمطاء"
تعصبت أمل وقالت "لا تتحدثي عنها بهذه الطريقة، إنها صاحبة أفضال كثيرة علينا"
قامت هبة واقفة وقالت "عليكِ أنتِ لأنكِ من تتقبلين إهاناتها مقابل ما كنتِ تحصلين عليه منها"
قامت أمل أيضاً وقالت "أي إهانات تلك؟ أنا لم ولن أتحمل أي إهانات منها أو من سواها وأنت تعلمين أن كرامتي عندي أهم من أي شيء مهما سأفقد في المقابل، ثم المقابل الذي كنت أحصل عليه والذي تتحدثين عنه هل كنت أستفيد به وحدي؟"
قاطعتها هبة "بلى، كان لكِ و لم نحصل منها على شيء"
نظرت أمل لأمها وقالت "أمي ألن تقولي لها شئ!؟ إنها تنكر فضل تلك المرأة علينا وكم ساعدتنا بالمال والوساطة وكل شيء، لن ننسى فضلها بمجرد موتها"
قالت الأم "اهدي يا أمل، مازالت أختك صغيرة لا تفهم أشياء كثيرة"
قاطعتها هبة بغضب "أنا لست صغيرة ولكني أرفض أن أعيش عمري كله حبيسة فضل امرأة لا أعرفها، ثم نحن لم نكن نحصل منها على صدقة وإنما كنا نحصل على أجر مقابل عمل أختي عندها"
قالت أمل "نعم ولكن أي أجر هذا الذي كان يمكن أن يساوي ما كانت تمنحه لي هذه المرأة؟"
قالت هبة ببرود "إذن فالمال عائد لكِ وليس لنا فلا تحملينا ما لا يخصنا"
كادت ترد لولا أنها وجدت أمها تقول "حسنا كفى، كفاكم أنتما الاثنتين هيا دعونا نتناول الغداء"
وانتهى الحوار ولكن بداخل كلاً من الفتاتين الكثير والكثير لأن أمل كانت تخشى من القادم، أما هبة فقد كانت سعيدة من داخلها لأن الآن لم تعد أختها مميزة بعملها ولن يمكنها أن تتحدث عن عملها والأموال التي تمن بها المرأة عليهم
يتبع الفصل الثاني اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية حب وتضحية" اضغط على اسم الرواية