رواية ذئب يوسف بقلم ذكية محمد
رواية ذئب يوسف الفصل العشرون 20
نظرت لها بتعجب قائلة بصوت مبحوح :- حد مين دة؟
أردفت بهدوء :- بيقول أنه محمد، يلا قومي علشان تشوفيه جاي ليه، أنا هطلع أستناكي.
نهضت من مكانها بتثاقل، و ارتدت حجابها بعناية ثم خرجت لترى من ذاك الذي طلب رؤيتها!
ما إن خرجت للصالة ورأته عرفته على الفور فهو صديق إسلام، تأففت بضيق و نهض هو بدوره ليمد يده ليصافحها، ليضمها بحرج عندما وجدها تطالعه بحاجب مرفوع على فعلته تلك، تنحنح بحرج قائلاً :- إزيك يا مريم؟
قطبت جبينها بتعجب و جلست إلى جوار عمتها قائلة بجمود :- الحمد لله.
أردف بابتسامة بسيطة :- يا رب دايما أنا جيت علشان ......
قاطعته بحدة قائلة :- لو جاي تدافع عن صاحبك و تعمل من البحر طحينة يبقى وفر تعبك أحسن.
هز رأسه قائلاً بتفهم :- يعني أنا معرفش اللي بينكم بس مفيش أمل حتى؟!
رفعت حاجبها قائلة بسخرية :- أمل ماتت و شبعت موت يا أستاذ يا ريت تقول للي باعتك يبطل شغل العيال دة، لإني مستحيل أرجعله و قوله يا ريت يحس على دمه و يطلقني زي ما قال.
عبس وجهه قائلاً بروية :- أفهم من كلامك دة خلاص الباب اتقفل بينكم.
هزت رأسها بتأكيد قائلة :- البيبان و الشبابيك وكل حاجة.
نهض من مجلسه قائلاً بهدوء :- طيب تمام بعد أذنكم، اه و يا ريت محدش يقول لإسلام على مجيتي هنا علشان أنا جيت من وراه ولو عرف هيزعل. بقلم زكية محمد
أومأت منال له بهدوء، بينما انصرف هو إلى حيث أتى. جلست على الأريكة وهي تشعر بالإختناق الشديد، و اه من قلب ذليل و عقل عزيز!
جلست عمتها إلى جوارها و احتضنتها دون أن تنبت بكلمة، فهي تعلم جيداً بحالة التخبط التي تعيشها فهي تقع في نيران عشقه و لا مفر لها من الهروب.
هتفت بهمس موجع :- قلبي واجعني أوي يا عمتو، نفسي أرتاح بس مش عارفة!
هتفت بدموع مكبوتة :- ألف بعد الشر عليكي من الوجع يا حبيبتي، أنتِ بس محتاجة وقت تبعدي عنهم شوية الاوباش دول اللي مزعلين مريومة حبيبتي.
ابتسمت بخفوت قائلة :- وجعوني أوي يا عمتو ومحدش فيهم صدقني، كله قال عليا مش محترمة وهما عارفين إني تربيتهم، وهو أكتر حد جرحني، كنت مستنية منه يطمني بس هو عمل زيهم و ألعن، و أسماء بعد دة كله برده جاية تدمرني...ااااه يا عمتو هموت والله مش قادرة..
ضمتها بخوف شديد و بدأت تقرأ عليها بعضاً من آيات الذكر الحكيم، و قد عزمت على شيء و عزمت على تنفيذه، فهي لن تظل هكذا مكتوفة الأيدي تشاهد سقوطها دون أن تساعدها.
______________________________________
في إحدى النوادي العامة، يجلس يهز ساقيه بانتظارهم و ما إن رآهم مقدمين عليه، ابتسم بخفوت قائلاً :- يا مراحب بالحلوين.
جلسا قبالته وهتف محمد بسعادة :- يا أهلاً بيك يا رأفت يا وش السعد .
هتف بحذر :- إيه كل حاجة تمت خلاص؟
هزت بثينة رأسها بموافقة قائلة بفرح شديد :- أيوة الخطة نجحت و الهانم مشيت أكيد إسلام هيطلقها أو طلقها في الحالتين مش هنخسر كلها شوية وقت.
.
تدخل رأفت قائلاً :- طيب وأنا لا مؤاخذة نصيبي فين من دة كله، دة لولايا مكنتوش قعدتوا منشكحين كدة .
أردف محمد بغلظة و هو يدس يده بجيبه ومن ثم أخرج بعض الورقات النقدية :- خد يا رأفت ياكش يطمر بس.
تناول النقود منه وهو يعدها بشراهة قائلاً :- من يد ما نعدمها يا زُمُل.
ثم نظر لبثينة قائلاً :- وأنتِ يا حلوة الحلوين، إيه النظام؟
رمت له النقود على الطاولة بحنق قائلة :- أهو يا أخويا، إيه ما بتشبعش!
أردف بضحك :- هو في حد يقول للفلوس لا؟
نظر له محمد قائلاً بملل :- طيب يا رأفت يلا هوينا مش خدت اللي يلزمك.
وضع النقود بملابسه، و نهض قائلاً وهو يغمز بعبث :- اه يا شوية أشرار هتخططوا إيه تاني؟ على العموم لو في جديد أنا في الخدمة يلا سلام يا معلمة.
انصرف رأفت ليهتف محمد بهدوء :- و دلوقتي هنعمل ايه؟
أردفت وهي تمط شفتيها :- هنستنى لحد ما يطلقوا انت تاخد اللي ليك وأنا أخد اللي ليا.
حك مؤخرة رأسه قائلاً بقلق :- بس أنا خايف مترضاش بيا و توافق عليا.
أردفت بخبث :- جرا إيه يا حمادة شوية تسبيل على شوية إهتمام و الدنيا هتظيط معاك، سبني أنا بس أتكتك.
غمز بمكر قائلاً :- اه حبيب القلب اللي أنتِ مش عارفة توصليله! بقلم زكية محمد
رفعت شفتها باستنكار قائلة :- جرا إيه يا حبيبي، إحنا هنقعد نقطم في بعض ولا إيه؟ ما أنت كمان البت ما عبرتك في مرة، أنت هتعملهم عليا.
جز على أسنانه بغيظ قائلاً :- خلاص يا بثينة مش لازم تفكريني و تنكدي على اللي جبوني.
أردفت بضيق وهي تهم بالنهوض :- طيب يلا يا أخويا بينا لأحسن حد يشوفنا.
أردف بتساؤل :- على فين كدة ما أدينا قاعدين بندردش سوى!
أردفت بابتسامة لئيمة :- أخص عليك يا حمادة أنت مش عاوزني أقف جنب صحبتي في ظروف زي دي ! لا أبداً دة أنا لازم أواسيها، مش صحبتي يا جدع!
طالعها بدهشة قائلاً :- لا دة أنتِ إبليس يضربلك تعظيم سلام، و يقولك يا أستاذة، يخربيتك ايه دة؟صحيح إن كيدكن عظيم .
تأففت بضجر قائلة :- سلام يا حودة أشوفك بعدين.
_____________________________________
استيقظ قبلها بغيظ شديد وهو ينظر لتلك الغافية، لا ليست بسلام وإنما كأنها في معركة طاحنة، تركل و تضرب ما تقع عليه يدها أثناء نومها، وها هو قضى بقية الليل على ذلك الحال، و عندما غفي أتت لتركله ببطنه حيث أنها تقلبت أثناء نومها لتكن قدميها ممدة فوقه و رأسها عند آخر الفراش حتى خاف أن تسقط رأسها أرضاً، و كم هي تغفو بعمق و كأنها لم تفعل شيء.
مسح على وجهه بإرهاق وهو يبتسم بخفوت عليها، تلك الفاتنة الساحرة التي ألقت عليه تعويذتها منذ الصغر فباتت تسكن بداخله رافضة أن تتزحزح أنش واحد حتى مدت جزورها لأعماقه فأصبح من المستحيل بترها.
لم تتغير طباعها، سليطة لسان، مندفعة، متهورة، شرسة،لينة، حنونة، لا يحمل قلبها ذرة كره، ولكن إن تعدى أحد حدوده معها تقف له بالمرصاد، قوية، هشة، بها كل شيء و نقيضه، و نجحت في ما فشل فيه سابقاتها من اللواتي توددن له و تمنوا فقط لو ينظر لهن، لتأتي هي و تخطف لُبّه بعد أن نجحت في أسره طيلة هذه المدة، كما نجحت في أهم شيء أن تلقي بمياه مغلية على ذلك الجليد الذي يظهره لينصهر و يذوب، لم ينجح أحد في إثارة انفعالاته سواها، إلا أنه يحفظ ماء وجهه عندما يتحكم بتأثيرها عليه فلا يظهر عليه شيء تلاحظه وهذا ما يرغبه، فغروره الذكوري لا يزال يتحكم في زمام الأمور.
فاق من شروده على دفعة أخرى منها، فهتف بحنق :- دة أنتِ لو في حلبة مصارعة مش هتعملي كدة!
تنهد باستسلام لينهض و يعدل وضعيتها جيداً، بينما هي لا تشعر بشيء ثم تمدد جوارها مجدداً وهو يتطلع لها بحب، و شرد في هؤلاء المحيطين بها و كيف سيتصرف معهم فلن يسمح لأي منهم أن يمسوها بسوء.
بدأت ترمش بأهدابها الطويلة، و فتحت مقلتيها وهي تتمطئ بكسل غافلة عن تلك الأعين التي تتفرسها بإفتتان، اتسعت عيناها بذعر من رؤيتها له بجوارها فشهقت قائلة :- أنت بتعمل إيه هنا جنبي؟ اه بان على حقيقتك يا واطي يا قليل الأدب يا..........
ابتلع باقي حروفها بجوفه، ليوقف وابل الشتائم التي يطلقها لسانها البذيء، وابتعد عنها بعد فترة قائلاً بحنق :- أنا بصراحة حطيت صوابعي العشرة في الشق منك، عاوز أشتريلك كُتيب يقولي إزاي أفهم اللي جوة دماغك دي..
ثم أضاف بسخرية :- دي لو كان في دماغ أصلاً.
انكمشت بخجل وقد تذكرت ما حدث بينهما البارحة، وضمت الغطاء لتختفي تحته، بينما تعجب هو لحالتها قائلاً :- أنتِ بتعملي إيه؟ رحيق!
هتفت بتلعثم:- هذا الاسم غير موجود بالخدمة من فضلك أطلبه في وقت لاحق..
كبح ضحكاته قائلاً بعبث وهو يدرك خجلها منه :- خدمة إيه بس! ومالك مستخبية عندك كدة؟
أردفت بتذمر :- الجو حلو هنا..
أردف بخبث وهو يسحب الغطاء :- وريني كدة طيب.
هزت رأسها بعنف قائلة بصراخ :- لا لا مش حلو أنا بكدب عليك..
حاوط خصرها بتملك قائلاً بمكر:- أنا اللي هقرر إن كان حلو ولا لا.. بقلم زكية محمد
و عندما همت لتعترض تبخر رفضها في مهب الريح وهي في حضرة هيبته الطاغية مستسلمة لتلك المشاعر التي تغزوها بضراوة.
بعد وقت ضربته بصدره قائلة بتذمر و شراسة :- مكنتش أعرف إنك قليل الأدب كدة يا فريزر..
وعندما لاحظت نظراته الصارمة نحوها أردفت بتوتر :- قصدي ....يا مراد أنا... أنا مقصدش..
ضيق عينيه بغيظ قائلاً :- ماشي هعديها بمزاجي المرة دي..
أردفت بخجل :- طيب أبعد أنا عاوزة أروح أشوف بابا..
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- تروحي فين معلش! رحيق أصطبحي و قولي يا صبح، ما تفوريش دمي وأحنا لسة في بداية اليوم.
أردفت بحنق :- دة بابا يا مراد وأنا عاوزة أشوف أخد الدوا ولا لا.
أردف بتهكم:- لا متخافيش عمي أخد الدوا وزي الفل.
أردفت بتعجب :- أنت عرفت إزاي؟ هو قالك؟
جز على أسنانه بغيظ قائلاً :- اه قالي، رحيق اسكتي الله يخليكي أنا على آخري منك.
شهقت بتذكر، ليهتف الآخر بقلق :- في إيه؟
أردفت بجبين مقطب :- أنا جعانة أوي و عاوزة أفطر!
قبض على يده بقوة، وهو يعض على شفتيه بغيظ قائلاً:- قومي يا رحيق قومي و روحي الحتة اللي تعجبك.
قال ذلك ثم دلف للمرحاض و أغلق الباب خلفه بعنف أرتجفت على أثره قائلة بحنق :- يا باي عليك يا فريزر..
ثم وضعت يدها على ثغرها وهي تتطلع للباب خشية أن يسمعها و عندها لن يمرر الأمر مرور الكرام.
______________________________________
ليلاً صعد للأعلى و بيده باقة زهور حمراء، وهو يتذمر بداخله قائلاً:- و أديني أهو جبت الورد زي ما قالت عمتي بعد ما اللي يسوا و ميسواش بصولي وكأني عامل جريمة، ياكش ياجي بفايدة.
ضغط على الجرس، لتفتحه منال بسرعة، فدلف للداخل بهدوء وهمس لعمته :- هي فين؟
هتفت بغيظ :- طب قول السلام عليكم الأول!
أردف بحرج :- إزيك يا عمتي يا عسل أنتِ؟
مصمصت شفتيها بعدم رضا قائلة :- أهو كلام و ضحك على الدقون، ربنا يخليك يا ابن أخويا يا اللي بتسأل عني في اليوم يجي خمس ست مرات..
أردف بحنق بداخله:- مش هنخلص النهاردة.
ثم تابع بصوت مسموع:- الواد أحمد نايم وكله تمام؟
هزت رأسها بتهكم قائلة :- اه يا أخويا وهي قاعدة في الأوضة دي.
ابتسم بأمل قائلاً :- طيب حيث كدة بقى نشوف شغلنا. بقلم زكية محمد
أنهى كلماته ثم توجه ناحية الغرفة، و فتح الباب و دلف للداخل بهدوء، فوجدها تقف قبالة الشرفة تنظر أمامها بشرود، وقف للحظات يطالعها يختلس النظر والامعان فيها، قبل أن تقوم العاصفة ككل مرة.
تقف تشاهد المارة بروح خاوية نُزِعت منها الحياة، تتساءل متى سترسي سفينة راحتها على البر، فقد تعبت من العواصف البحرية و التيارات التي تجدف بها بمفردها، لم تعد هناك قدرة لديها للمواصلة فقد خارت وأصبحت رفاتاً.
عصرت مقلتيها بعنف عندما شعرت به يقف خلفها، معذب روحها و بلسم جروحها، أي جنون هذا؟!
وضع باقة الزهور على المقعد، واقترب منها بخطوات حذرة حتى توقف خلفها مباشرة، و حاوط خصرها قائلاً بلهفة ظمآن بالصحراء ولم يجد له نقطة ماء تروي عطشه:- وحشتيني.
اقشعر بدنها من قربه المهلك لها، إلا أنها أخذت تناضل حتى لا تخسر في تلك الحرب القائمة، إذ هتفت بحنق :- أوعى إيدك دي عني كدة..
أحكم حركتها بذراعيه قائلاً برفض قاطع :- لا أنا مش هبعد مهما تعملي، أنتِ وحشتيني اوي هو أنا موحشتكيش!
أردفت بشراسة :- يا برودك يا أخي و لا كأنك عملت حاجة و جاي تضحك عليا بكلمتين، لا يا حبيبي أنا مابيكلش معايا الكلام دة.
تغاضى عن حديثها إلا كلمة واحدة و أردف بمكر :- الله كلمة حبيبي طالعة من شفايفك حلوة أوي، ما تدوقيني منها شوية..
أخذت تدفعه بغضب قائلة بغيظ مغلف بالخجل:- أدوقك إيه يا قليل الأدب! أبعد كدة.
أردف بخبث :- أنا قصدي تدوقيني من الكيك اللي أنتِ عملتيه النهاردة، أنتِ اللي ضميرك مش سالك.
ضيقت عينيها قائلة بغيظ :- والله!
أردف ببراءة :- أيوة طبعاً، أومال أنتِ بالك راح لإيه يا خلبوصة؟
أخذت تقاتل بضراوة لتتحرر من أسره قائلة بحنق:- طيب سيبني بقى، و بطل عمايلك دي لأنك مهما تعمل مش هسامحك، و مستنية ورقة طلاقي منك قريب.
اصطك فكه بعنف قائلاً بغضب مكتوم :- كلمة طلاق دي لو جات تاني على لسانك هقطعهولك، أنتِ سامعة؟
أردفت بسخرية :- يا سلام! مش دة كان كلامك ليا ولا أنا غلطانة! متضايق ليه دلوقتي أديني أو هخلصك مني علشان ترتاح.
خيم الحزن على عينيه قائلاً بندم :- ومين قالك إني كدة مرتاح؟ مريم أرجعي ماشي أزعلي مني و أعملي اللي أنتِ عاوزاه بس وأنتِ معايا، أنا مبعرفش أنام من وقت ما سبتي البيت ولا عارف راحة ولا أي حاجة، مريم أنا اكتشفت إن حياتي من غيرك ولا حاجة..
أردفت بجمود وهي تحارب تأثير كلماته عليها :- أبقى أشتريلك منوم علشان تعرف تنام دي مش مشكلتي.
أردف بغيظ :- مش مشكلتك! طيب اسمعي بقى لو مجتيش البيت على آخر الأسبوع كدة، متلومنيش في اللي هعمله.
أردفت بتحدٍ :- اللي معاك أعمله أنا مش خايفة منك ها.
أردف بوعيد :- ماشي يا مريم لما نشوف شجاعتك دي هتوصلك لفين!
وقع بصره على الورود فالتقطها قائلاً بسخط وهو يقدمه لها :- خدي الورد دة يا مشحتفاني، دة أنا اتجرست بسببه في الحتة و كله بسببك.
وضعت يدها في خصرها قائلة بحنق :- وأنا مالي أنا قولتلك جيبه!
هز رأسه بيأس قائلاً :- أنا أصلاً استاهل ضرب الجزمة إني جبت زفت ورد.
و بلحظة ألقى بها أرضاً بعنف، ثم أخذ يدعس عليها بقدمه قائلاً بانفعال :- و أدي الورد يقطع الورد واللي اشترى الورد...
راقبته بذهول فأردفت بحدة :- الورد يا مجنون أنت بتعمل إيه، أوعى كدة..
أردف بغضب :- وأنتِ خليتي فيا عقل، بت أنتِ أوعي تكوني فاكراني هسكت على الوضع كتير، إذا كنت ساكت دلوقتي فدة بمزاجي.
أردفت بشراسة :- أمشي أطلع برة أنا مش عاوز أشوفك. بقلم زكية محمد
مط شفتيه بسخرية قائلاً :- والله دة بيت عمتي واقعد في الحتة اللي تعجبني..
- خلاص يبقى أنا اللي همشي.
وما إن همت لتغادر الغرفة جذبها ناحيته بعنف، و احتجزها بينه و بين الحائط خلفها، فتوترت قائلة :- أنت... أنت... أبعد..
أردف بهدوء :- هبعد بس بعد ما أخد جرعتي..
لم تفهم مرمى حديثه، إذ أقترب ليروي ظمأه بعد أن أصبحت جدار قلبه صحراء قاحلة، بينما كانت هي كالمغيبة في حضوره الذي يخدر أطرافها و قربه الذي يشفي جروحها على الرغم من أنه المتسبب في ذلك.
شعرت بالخزي لاستسلامها ذاك، لطالما نوت معاقبته على ما ارتكب في حقها، دفعته بعيداً فاستجاب لها و استدارت لتخفي نفسها عنه، بينما تفهم هو موقفها فهي تشعر بالتخبط وأنها في المنتصف غير قادرة على البعد وغير قادرة على الرجوع.
قبل رأسها بقوة قائلاً :- أنا همشي دلوقتي و هستناكي بعد يومين في بتنا.
قال ذلك ثم انصرف، بينما كورت يدها بغيظ قائلة :- واثق أوي من نفسه الأستاذ، طيب لما تشوف حلمة ودنك يا إسلام مش راجعة.
ثم تابعت بخزي وهي تحدث قلبها اللعين الذي يتأثر بأقل شيء منه :- وأنت هتفضل تهيني تاني لحد إمتى؟
بالخارج خرج و وجهه يغني عن ألف حديث، ما إن رأته عمته هتفت بروية :- معلش يا ابني عندها حق بردو، اللي حصل مش هين.
أردف بغيظ :- يعني مشفعش مجيتي هنا في اليوم بالتلات و الأربع مرات و أنا بتذللها ترجع مش راضية، أبوس أيدها ولا رجلها أحسن!
ضربته بخفة على رأسه قائلة :- وكمان بتقاوح! استلم أنت اللي جبته لنفسك، حد قالك أتهور و تعمل فيها تور.
أردف بغيظ مكبوت :- عمتي!
أردفت بمرح :- يا واد بناغشك فكها كدة هتبقى أنت وهي!
أردف بمراوغة :- بقولك إيه يا عمتي يا حبيبتي، ما تقعدي معاها كدة تليني دماغها الحجر دي و تخليها ترجع بدل ما أكسرهالها.
ضيقت عينيها بغيظ قائلة :- و عاوزها ترجع معاك! ينيلك يا بعيد، خد يا واد هنا و قولي عملت إيه؟ هو أنت اتكلمت معاها كدة؟
أومأ بتأكيد :- أيوة طبعاً أومال هكلمها إزاي، ألماني!
مصمصت شفتيها بسخرية قائلة :- لا جدع يا إسلام، أنت عاوز تشلني يا واد! فين الحنية و الكلام الحلو اللي قولتلك عليه؟
عبس وجهه قائلاً :- لا الكلام الحلو دة يقولوه العيال اللي لابسين سلاسل إنما أنا أحب أدخل دغري في الموضوع علطول. بقلم زكية محمد
أردفت بغيظ :- يخيبك!
أردف بانفعال :- هي كلمة هديها مهلة لحد آخر الأسبوع، جات من سكات يبقى استبينا، مجاتش يبقى تستحمل اللي هيجرالها.
أردفت بروية :- براحة عليها يا ابني، أصبر شوية كمان علشان خاطري.
أردف بحنق :- يا عمتي أنا عاوزها ترجع البيت علشان أفضى على رواقة لابن ال....... اللي كان ورا الموضوع و أعرف اجيبه، لكن طالما هي بعيدة كدة أنا مش عارف أعمل أي حاجة..
ربتت على كتفه قائلة بابتسامة :- عشت و شوفتك يا ابن موسى متشحتف كدة، لا دة أنت واقع أوي لدرجة أنك مش قادر تصبر على بعادها و باعت صاحبك يلين دماغها....
انتبه لكلمتها الأخيرة و هتف بتعجب :- صاحبي! صاحبي مين؟
تلجلجت في الحديث عندما تذكرت أنه لا يخبره حتى لا يسبب مشكلة بينهم فأردفت بتوتر :- لا أبداً أنا قصدي صاحبتها هي جات هنا تشوفها.
أردف بإصرار :- عمتي قوليلي صاحب مين اللي جه دة لأني مش هتنازل.
هزت رأسها باستسلام قائلة :- صاحبك جه اسمه محمد و جاي يشوف الوضع إيه و هيرسى على إيه، و قالنا ما نقولكش علشان متزعلش منه.
ضيق عينيه بدهشة قائلاً :- ما أزعلش منه! إمتى جه دة؟ وقال إيه بالظبط؟
قصت عليه كل شيء وما قالته مريم له، فهز رأسه بتفكير و من ثم انصرف، فأردفت هي بحيرة :- ربنا يهدي سركم مش هقول غير كدة.
____________________________________
تجلس في المنتصف بينهن، و إلى جانبهن لميس تلك السيدة الحنون التي تعاملها بكل الحب منذ أن وطأت قدميها إلى هنا لطالما هي ابنة فاطمة التي كانت تحبها كثيراً لولا الظروف التي فرقتهم.
هتفت آلاء بخبث :- إيه الحلاوة دي يا رورو، ايه أخبار الفريزر؟
حدجتها بغضب حتى لا تتحدث أمام والدته هكذا، فأسرعت الأخرى تقول :- أتصلح ولا لسة ما بيتلجش أصل إمبارح كان بايظ.
ضحكت سندس بخفوت عليهما قائلة :- اه أتصلح يا آلاء يخرب عقلك أعقلي شوية كدة أنتِ وهي.
هتفت لميس بود:- ربنا يكملك بعقلك يا سندس حكم الاتنين دول طاقة منهم على الآخر.
أردفت رحيق بغيظ :- اه فعلاً عاقلة! عاقلة لدرجة إنها بتعيط زي العيال الصغيرة لما بتاخدي منهم حاجة ..بقلم زكية محمد
حدجتها بغضب، بينما ضحكت لميس قائلة :- خلاص يا بنات أنتوا هتاكلوا بعض لو فضلتوا أكتر من كدة.
أردفت آلاء بمرح :- اه والله عندك حق.
أتت الصغيرة لتفتح رحيق ذراعيها لها، فتركض الأخرى و تلقي بذاتها بين ذراعيها، لتقبلها الأخرى بقوة قائلة :- جوري حبيبة قلبي، وحشتيني الكام ساعة دول.
هتفت بتساؤل :- أنتِ كنتي فين سألت كتير عليكي بس قالولي إنك روحتي مشوار.
أردفت بحرج :- اه يا قلبي معلش هبقى أخدك معايا المرة اللي جاية.
لاحظت سندس فأردفت بابتسامة :- طنط، عيونك خفت دلوقتي ولا لسة بتوجعك؟
أردفت بابتسامة مرتجفة :- اه يا حبيبتي خفت، يسلملي قلبك الطيب.
أردفت رحيق بتعجب :- ليه مالها عيونك يا سندس؟
عبثت في حجابها بتوتر قائلة :- لا أبداً متاخديش في بالك، أصل إمبارح عيني دخل فيها تراب و جوري شافتني علشان كدة بتسأل.
أردفت بطفولية :- هخلي بابا عاصم يكشف على عيونك و يخليها تخف..
وعلى ذكر السيرة وجدته يدلف من الباب فانسلت من بين ذراعي رحيق لتركض لوالدها، بينما نهضت الأخرى قائلة بتماسك :- طيب أنا همشي يا رحيق افتكرت مشوار ضروري لازم أمشي... أنا... أنا...ماشية يلا سلام...
رحلت بسرعة البرق تحت نظرات الأخريات المتعجبة من تصرفها، بينما بدأ الشك يتسلل بداخل الأخرى وهي تضيق عينيها بتفكير شديد.
كان لا يزال واقفاً يحتضن ابنته، وما إن مرت بجانبه رمقها بنظرات تهكمية بينما لم تستطع أن ترفع عينيها فيه، فشغلها الشاغل أن تختفي من أمامه، فهو يلقي اللوم عليها في كل مرة دون أن يعرف لم فعلت ذلك.
في اليوم التالي دلف للمحل الخاص بمحمد وهو في حالة يرثى لها، بينما كان الآخر مشغولاً في تنزيل البضاعة للداخل، جلس على المكتب ريثما ينتهي، بينما هتف الآخر من الخارج بصوت عال :- هات الدفتر بتاع الحسابات يا إسلام من عندك.
أومأ له بموافقة، وأخذ يبحث في الأدراج عنه، ليفتح آخر درج لتتسع عيناه بصدمة و ذهول لما رأى.
______________________________يتبع الفصل الحادي و العشرون 21 اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "ذئب يوسف" اضغط على أسم الرواية