Ads by Google X

رواية و قبل أن تبصر عيناكِ الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم مريم محمد

الصفحة الرئيسية

               رواية و قبل أن تبصر عيناكِ الفصل السابع والثلاثون بقلم مريم محمد غريب 



رواية و قبل أن تبصر عيناكِ الفصل  السابع والثلاثون  

_ صنعك بي ! _
أغمضت "هانم" عينيها، و حاولت أن تعيد أفكارها إلى نِصابها، كانت تقف أمام سريرها، بعد أن فردت فوقه ثوبها الأكثر جمالًا و الذي احتفظت به لسنواتٍ من شدة تعلقها به 
لم ترتديه، لم تضعه على جسمها يومًا، على أمل أن يأتي اليوم الذي تتخذ فيه حياتها شكلًا لطالما حلمت به.. هي و زوجها... هي.. و "سالم" ! 
بصحبة بعضهما، مع أولادهما، كعائلة سعيدة.. تصنع له أشهى طبخاتها، تتزين له في كل وقت و حين، يراها بالأثواب الجميلة كلها التي اختارتهم من أجله، ينبهر بها، يحبها كما تحبه 
و لكن بئس الاحلام و الواقع معًا، حبها له لم يكن إلا كابوسًا أرقها و استنزفها، ضاع شبابها، ذبلت مثل وردة قبل حتى أن يستنشق عبيرها ... 
هل يستحق اليوم أن تراهن على بقايا كرامتها لأجل كسب القليل من عطفه و إحسانه ؟ 
هل يستحق أن تهان مجددًا ما إذا أبدى لها رفضًا و تسبب بإيلامها.. ذلك الألم الذي لا براء منه ! 
الوقت يجري، و لا زالت "هانم" متسمرة أمام الثوب، تفكر و تتردد كثيرًا قبل أن تمد يديها إليه.. كلمات "مصطفى" و نصائحه تثير عقلها و قلبها في آنٍ... و لكن فكرة الخذلان أيضًا تسيطر عليها و تؤثر على سرعة قرارها 
أتفعلها ؟ 
أم لا تفعلها !!!! 
-مامـــا ! 
إنتفضت "هانم" لدى سماع هتاف إبنتها التي اقتحمت الغرفة فجأة 
إنفعلت و هي تستدير صوبها صائحة بانفعالٍ لتغطي على ارتباكها : 
-إيـه يا سلمى.. إيـــه عايزة إيه ؟
و إزاي تدخلي عليا كده منغي  ما تستأذني ؟؟؟ 
اصطبغ محيا "سلمى" بحمرة خجلة.. بقيت محلها عند عتبة الباب تشدد على المقبض و هي تعتذر منها على الفور : 
-آسفة يا ماما. ماكنش قصدي.. طيب خلاص هاخرج ! 
-إستني !! 
استوقفتها بصبر نافذٍ، صمتت لثوانٍ، ثم سألتها بهدوءٍ متكلّف : 
-قولي كنتي عايزة إيه ؟! 
سلمى بتردد : أنا كنت عايزة أتكلم معاكي في موضوع كده.. بس خلاص شكلك مش ليكي بال عشاني دلوقتي 
هانم بضيق : إخلصي يا سلمى و قولي عايزة إيه 
زمت "سلمى" فمها و قالت باذعانٍ 
-كنت عايزة أفكرك تقولي لأبويا على موضوع المدرسة.. مش إنتي طالعاله ؟ 
عبست "هانم" معقبة : 
-يابت أنا مش سبق و قلت كلمتي في الموضوع ده ؟
عايزة تدخلي أبوكي فيه ليه و لا نفسك تسمعي منه كلمتين !!! 
-يا ماما أبويا مش هايقول حاجة. لو إنتي كلمتيه و أقنعتيه مش هايقول حاجة ! 
-لأ ياختي هايقول. أبوكي ماعندوش ياما إرحميني في المسائل دي بالذات. جربيه كده لو تقدري  يا سلمى .. 
و رمقتها بتحدٍ، لتعض "سلمى" على شفتها بقوة و شعور القهر يغير بصدرها.. لم تجرؤ على النطق بكلمة أخرى، فقالت "هانم" آمرة : 
-إتفضلي بقى على أوضتك. و لا شوفي هاتعملي إيه.. سبيني أغير هدمتي عشان ألحق أطلع لابوكي 
و أولتها ظهرها ملتفتة ناحية الخزانة لتنتقي وشاحًا للرأس.. فاستدارت "سلمى" للخارج و دموع الأسى ملء عينيها ... 
_______________
ليبتعد عن كل هذا الضغط المتواصل منذ ذهبت إبنته برفقة زوجها، قام "إمام" عن طاولة العشاء متجهًا إلى غرفة النوم، و لكن "نجوى" لم تسمح له بالتخلص منها بهذه البساطة و إنطلقت في إثره ... 
-أنا طاوعتك من ورا قلبي يا إمام ! 
أخذ يتأفف بضيقٍ من إلحاحها المستفز و حاول أن يتجاهلها قدر استطاعته.. إلا أنها أبت تصمت لحظة واحدة ... 
-بنتي لو جرالها حاجة و لا أذت نفسها المرة دي مش هاتعرف أنا ممكن أعمل في اخوك و إبنه إيه يا إمام .. 
-إخـرســـي ! .. هكذا ثارت ثائرة "إمام" على زوجته 
إلتفت نحوها و الشرر يتطاير من عينيه ... 
-قولتلك إخرسي. إخرسي ماسمعش حسك تاني إنتي فاهمة ؟؟!!! 
تراجعت رهبتها الوليدة منه بنفس اللحظة و قالت بعينٍ قوية : 
-لأ مش هاخرس يا إمام. مش هاخرس.. إن كنت نسيت و صهينت على اللي إتعمل في بتك أنا لأ. رجوعها مع إبن سالم وافقتك غليه عشان سمعتها بس وسط الخلق. لكن لو على البيت اللي كان هايتخرب ان شالله كان يتطربأ على دماغ صحابه. و بقولهالك تاني أهو.. فاطمة لو جرالها حاجة مش هايكفوني الجزارين كلهم !!! 
كان غضبه قد إنحسر بعيدًا الآن، بقى يرمقها بفتورٍ فقط، لتسمعه يقول فجأة بصوتٍ صلد : 
-لما يبقى يجرى لبتك حاجة إبقي تعالي خدي حقها مني أنا أول واحد.. لكن يا نجوى يا بت همام الدرديري. لو سمعتك تاني مرة بتجيبي سيرة الجزارين بالعاطل. وحياة عيالي منك إللي هما جزارين بردو ما هتباتي ليلة على ذمتي. و دي أقل حاجة ممكن تحصلك.. لو عاقلة بقى تلمي دورك عشان أنا اصلًا ابتديت أتلكك. وصلت ؟ 
رمقته بغيظٍ و لم ترد، فأشاح وجهه عنها و توجه نحو المشجب ليعلق شاله و جلبابه بمنتهى البرود، و أمام نظراتها المتوقدة ... 
______________
جالسة أمامه إلى مائدة العشاء، بعد أن بدلت ثيابها كما أشار عليها، فارتدت بيجامة من الستان الأبيض المحدد بشرائط رقيقة من الدانتيل، و شعرها قد رفعته على شكل كعكة كبيرة نظرًا لطول و كثافة شعرها الغجري الفاحم 
لم تكن تضع نقطة مكياج، كما أنها لم تتعطر مطلقًا، حيث أن آخر شيء توده هو أن تثيره بأيّ شكل من الأشكال 
في المقابل كان "مصطفى" لا يزال بثيابه ذاتها، يستهلّ تناول طعامه و هو يرمقها بقلة حيلة، لا يدري كيف يبدأ معها حديثًا.. و لو تحدث ماذا يمكن أن يقول !! 
لكن في الأخير علم أن عليه إجتياز ذلك الحاجز، لن تهنأ له حياة مع زوجته إلا بعد أن يذيب ذلك الجبل الجليدي الهائل، عليه أن يفعلها و الآن ... 
-مابتكليش ليه يا بطة ؟! 
يا له من رعب تستشعره بمجرد سماع هذا الصوت، صوته حتى و هو يخاطبها بهذه الرقة.. تطلعت "فاطمة" إليه و هي تمضغ بقايا الأرز بفمها لتريه أنها تأكل 
أوجعته نظرتها المتبلّدة كثيرًا، و علاوةً عدم رغبتها حتى بتبادل كلمتين معه، إبتلع تلك الغصّة باسرع مما توقع و حاول معها ثانيةً ... 
-طيب انتي مامدتيش إيديكي على الزفر ليه ؟
أنا عكس أبويا و أبوكي ماحبش أوزع. وزعي إنتي يا بطة .. 
-مش مهم ! .. تمتمت "فاطمة" بينما تبتلع جرعة من كأس الماء 
-وزع إنت. أنا أصلًا نباتية ماليش تقال على اللحوم 
كابحًا انفعاله، رد "مصطفى" باصرارٍ : 
-بس أنا عايز آكل من إيدك.. إنتي مراتي و أنا بـــ ... 
قطع عبارته فجأة، بينما جمدت فورًا خشية و كارهة سماع كلمة كهذه منه.. زفر مطوّلًا مغمض العينين، ثم نظر لها بعد لحظةٍ و قال بجدية : 
-فاطمة.. مش هاينفع. مش هاينفع نكمل بالاسلوب ده.. هاتبقى حياة مستحيلة و في نفس الوقت حياتي منغيرك مستحيلة. ف حليها انتي بقى ! 
ظلت صامتة كما هي و قد توقفت عن تناول الطعام تمامًا ... 
تفاجأت به حين مد يده عبر الطاولة و رفع ذقنها مجبرًا إياها على النظر إليه، هذه المرة لم يعتريه أيّ تردد أو رفض للجهر بهذا، نطق بحدة مبحلقًا بعينيها بقوة : 
-إللي كنتي حاطة أملك عليه خلاص يا فاطمة. شاف حاله.. و من زمان. أظنك عرفتي إللي عمله. عرفتي إن رزق إتجوز من ورانا و مستني عيّل كمان ! 
إستقبلت الخبر للمرة الثانية دون أن يرف لها جفن، و لكن كأنما هو صفعة تلقتها بداخلها، أن يتبين لها قبح باطن الرجل الوحيد الذي أحبته، فارس أحلامها الوسيم الجميل، إتضح أن له وجهًا آخر أشد قبحًا من زوجها الماثل أمامها و من عمها و من رجال عائلتها ... 
لم تؤلمها خيبة أملها بقدر ما آلمتها الحقيقة المثبتة، و غير القابلة للتغيير.. و هي أن "رزق" ما هو إلا وغدًا، فاسق، قلبه لا يفقه الحب و لا يألفه حتى لو كان بجواره 
رباه كم صارت تكرهه الآن.. لا تصدق أن هذا اليوم قد آتى !!! 
-إوعي تكوني مفكراها سهلة عليا ! 
أفاقت على صوت زوجها، نظرت إليه بانتباهٍ، ليكمل مشددًا على صدغيه : 
-أنا لو كنت بغل من رزق قيراط. لما سمعتك بتقوليله بحبه كرهته و غلّيت منه 1000 مرة.. يمكن قبلها ماكنش فارق معايا أوي. بس أول ما عرفت إن قلب الانسانة الوحيدة إللي حبتها معاه هو مش معايا إتمنيت لو أقدر أخد روحه. أعذبه. أمحيه من الدنيا و كأنه معداش عليها... إنتي ماتعرفيش حالتي كانت إزاي ساعتها. كنت ماشي بكلم نفسي.. ليه فاطمة ماحبتنيش ؟ شافت مني إيه وحش ؟
ده إحنا مكتوبين لبعض من و هي في اللفة.. إزاي تفكر في رزق ؟ و ليـــه ؟؟؟!! 
سكت "مصطفى" عن الكلام لبرهةٍ، كانت "فاطمة" ترمقه خلالها بامعانٍ، كلامه صار يدهشها الآن.. و من جديد لمحت بعينه ذلك الألق اليائس قبل أن يستأنف تصريحاته : 
-النار فضلت قايدة جوايا. و كنت قايم نايم بفكر و بخطط أول حاجة أحدد يوم دخلتنا. و بعدها كنت ناوي أعيشك أسود أيام حياتك.. كنت عايز أعاقبك. أوجعك زي ما وجعتيني.. لكن يوم كتب الكتاب. لما خرجنا بليل و طلعنا على المركب لوحدنا. لما اعترفتيلي إنك مابقتيش تفكري في رزق. و إن حبك له كان وهم عشتي فيه. ساعتها رغم الخوف إللي شوفته في عنيكي. كنت عايز أصدقك. كنت بتمنى أصدقك.. و صدقتك... بس جيتي ليلة الدخلة و هديتي كل حاجة حلوة حلمت بيها معاكي فوق دماغي. لما دخلتي و قفلتي على نفسك باب الأوضة و آ ا ... 
-بـس. بـــس كفايــة !!!! .. صرخت فيه مقاطعة و لا تعلم كيف نزلت دموعها بلحظة هكذا و أغرقت خديها 
نهضت عن الطاولة بوثبة واحدة و قد صعقتها تشنجات في جنيع أنحاء جسدها جعلتها تنتفض بقوة و هي تتراجع بظهرها للخلف، بينما يقوم "مصطفى" و يمضي نحوها ببطءٍ مستطردًا كلامه بتصميم : 
-إنتي السبب. لو كنت أجرمت في حقك ليلتها و مارحمتكيش ف ده كله بسببك إنتي.. كنتي متخيّلة إيه ؟؟؟
لما مرة تديني أمل فيكي و مرة تبعديني عنك. ده مابقاش راجل لو مافكرتش إن في حاجة غلط !!! 
-بس تبقى راجل لما تغتصبني !!!! 
سقط الرد الصارخ عليه مثل عقوبة مشددة ... 
مترنحًا في البدء، هز "مصطفى" رأسه بقوة و قد أصابه إتهام "فاطمة" بالذعر، فصاح : 
-لأ.. إللي حصل مش كده و لا عمره يتسمى كده. إنتي مرااااتي.. فاهمة ؟ ده حقي الشرعي. ده حلال ربنا. آه حصل بطريقة غلط.. لكن أنا عمري ما فكرت أقرب منك أصلًا و إنتي مش حلالي. فاطمة أنا عمري ما جيت أقولك بحبك. عمري ما لمحت بأي حاجة ليكي عشان حبيتك تكوني ليا على طبيعتك. ماحبتش أكسر براءتك. كنت عايزك زي ما إنتي.. و فكرة إن يكون حد غيري سبقني ليكي و لمسك طيرت البرج إللي فاضل بعقلي. ف صممت على الدخلة بأي شكل. أيوة خوفتك. رعبتك. دمرت أجمل ليلة في حياتنا.. بس ماغتصبتكيش !! 
-إنت دبحتني ! .. هتفت بآلية تامة 
لينتابه خرسًا متألمًا و هو يقف الآن أمامها مباشرةً، لا تفصلهما سوى بضعة سنتيمترات، مرة واحدة رآها ترفع يديها و تفك أزرار بيجامتها الواحد تلو الآخر مضيفة : 
-لو كنت مسمي حبك ليا ده حب ف الحب ده مايلزمنيش.. و لو كنت فاكر إني رجعت معاك بمزاجي ف تبقى غلطان. أنا لو كان ينفع لأ ماكنتش إتجوزتك. و أخوك أصلًا و لا في دماغي. إنتوا الاتنين في نظري بقيتوا زي بعض..و إنت مش هاتعرف تقرب مني و لا تلمسني إلا زي ما عملت أول مرة. غصب عني.. بس الفرق دلوقتي إني مش هقاوم و لا هصرخ. لأني عارفة حتى لو عملت كده كل إللي حوالينا هايقعدوا يسمعوا و يضحكوا.. محدش هايحس بيا و لا ياخد بحقي !!! 
قست ملامحه و هو يخبرها : 
-أبويا جلدني وسط الخلق كلهم بسببك.. كده حقك ماجاش !!!! 
كانت قد حلّت أزرار البيجامة كليةً و بانت حمالتي صدرها، لكنه هو لم يكن ينظر إلا لوجهها، إلى أن حطمت الصمت المتنامي بينهما قائلة بابتسامة ساخرة : 
-تفتكر إيه ممكن يعوض إللي كسرته جوايا يا مصطفى ؟ 
صمت عاجزًا عن منحها الاجابة المنشودة، لترد هي على نفسها بعد لحظة : 
-و لا حاجة.. و لا حاجة ممكن تعوضني. أصلك إستحالة تقدر تحس.. أو تعرف يعني إيه إللي منك ينهشك و بقية أهلك يقطعوا في لمحك مانغير حتى ما يسموا عليك ! 
إلتقت نظراتهما لحظة بدت دهرًا، قبل أن تحبذ "فاطمة" الانسحاب قائلة و هي تضم طرفي بيجامتها : 
-أنا داخلة أنام.. لو عوزت حقك الشرعي إبقى تعالى خده بالعافية هه ! 
و جاءت لتتجاوزه، فقبض على معصمها و إستبقاها بالقوة، أدار رأسه لها و قال بصوتٍ هامس و أنفاسه الساخنة تتردد على بشرتها : 
-فاطمة.. أنا بحبك ! 
بمنتهى القسوة و اللامبالاة جاوبته : 
-و أنا عمري ما حبيتك يا مصطفى. و مافتكرش أبدًا إن في حاجة ممكن تخليني أغير رأيي دلوقتي و لا بعدين !! 
و شدت يدها من قبضته ماضية بسرعة تجاه غرفة النوم.. صفقت الباب بقوة و هكذا تركته فردًا.. وحيدًا و هي معه بنفس المكان ... 
بقلبٍ مفطور، بقى "مصطفى" فترة طويلة مكانه، و للمرة الثانية بعد أن أول مرة بسبب أبيه.. ها هو الآن يشعر بالدموع عينيه.. و هذه المرة بسببها هي ! .........

يتبع الفصل الثامن والثلاثون  اضغط هنا 

google-playkhamsatmostaqltradent