رواية ظل السحاب الفصل التاسع والثلاثون بقلم آية حسن
رواية ظل السحاب الفصل التاسع والثلاثون
تجلس فوق مصطبة على طريق النيل .. تضم رأسها بين يديها بتعب، بعد الدوار الذي شعرت به منذ نصف ساعة .. لم تتمكن إلى الآن إدراك ما فعله مراد، واعترافه بالحب بطريقة جنونية،
كانت تظن أنه سيعترف بصعوبة حينما شعرت باضطرابه، لم تتخيل على الإطلاق سيعلن عشقه لها بتلك الحركة المهووسة، بـ الشارع وأمام الجميع، دون العبء لمركزه الإجتماعي ولا لوقاره..
يقف أمام أحد عربات المشروبات يبتاع شيئًا لأجلها .. ثم عاد وهو يحمل مشروب ساخن كي يهدئ من اضطرابها .. جلس بجوارها ليضع الكوب بين يديها برفق
: اشربي دة هيدفيكي ويريح أعصابك!
أومأت برأسها ثم رفعته لشفتيها ترتشفه بحذر، لكن لسانها قد لُسع، فشعرت بالحرق وتأوهت، لتهمس
: سخن أوي
فتنفخ فيه حتى يبرد قليلًا، ليقول مراد علميًا
: مينفعش تنفخي ف الأكل، لأن الهوا اللي بيخرج من الفم بيبقى محمل بالجراثيم والميكروبات، فـ بالتالي لما تيجي تشربي أو تاكلي الحاجة اللي اتنفخ فيها كدة بتبلعي معاها البكتيريا اللي ممكن تتسبب لا قدر الله في أضرار كبيرة للمعدة! دة غير أمراض تانية مزمنة زي السكر.
: عليا النعمة انت اللي هتجبلي السكر، يخربيت حلاوة أهلك يا شيخ
قالت ببلاهة دون إدراك، ليقهقه مراد على طريقتها.. لتكمش وجهها ببكاء
: والنبي بلاش تضحك كدة أحسن أعيط!
: تعيطي ليه يا حبيبي، فيه حاجة بتوجعك؟
سأل مهتمًا بنبرة حانية، فتمط شفتاها السفلية بطفولية، لتقول وهي تئن
: ربنا يسترك متقولهاش تاني، أنا ممكن يغمى عليا بجد المرة دي!
انعقد جبينه بشدة ثم همس باقتضاب وهو ينظر أسفله
: ماشي
لتضع كفها فوق كتفه وتتساءل: انت زعلت يا مراد؟
تنهد: لأ
أمسكت بذقنه ورفعت وجهه إليها: أنا بجد آسفة، بس والله مش قادرة أستحمل كمية المفاجآت دي منك، عشان خاطري متضايقش!
قالت معتذرة لتظهر ابتسامة خافتة على ثغره
: مش مضايق خلاص
كان يود أن يسمعها من شفتيها عوضًا عن أسفها اللعين، لكنها حمقاء لا تفهم شيئًا، فقط تزمجر منه وتغضب، وتهرتل بأشياء تافهة لا معنى لها.
ابتسمت فريدة بسرور، تنهد قبل أن يقول: اشربي النيسكافيه، عشان نمشي
أومأت برأسها ثم بدأت تتجرع القهوة، ليتذكر أمرًا وهو يخرج شيئًا من جيبه
: أه صح نسيت، كنت جايبلك هدية صغيرة كدة يا رب تعجبك
انفرجت شفتيها باندهاش، حينما رفع بسلسال سولتير يعقد به من الأسفل قطعة على شكل حرف الـ M .. أمسكت بها وهي منبهرة بشدة من جمالها
: جميلة أوي يا مراد، بجد ذوقك يجنن
سألها متبسمًا: عجبتك؟
أومأت برأسها، لتهمس: بس دي تلاقيها غالية أوي
: مفيش حاجة تغلى عليكي .. هاتي بقا ألبسهالك
قال وهو يهم بالاقتراب منها، فأزاحت نفسها للخلف مبتعدة عنه فورًا، انكمش وجهه معقودًا بسبب فعلتها .. حاول تمالك نفسه كي لا يسخط عليها، فتجاهل الأمر بإرادته، ونهض ليقول
: أنا معاية مكالمة مهمة نسيتها، خلصي قهوتك لغاية ما أرجع
تركها وتحرك نحو سيارته وهو يحبس الدماء بداخله .. ليس لديه مكالمات، لكنه إن ظل موجودًا لدقيقة أخرى سيحدث انفجارًا، لذلك تحجج حتى يمسك نفسه عنها!
________
: عرفتلك يا دادي اسم البنت اللي اسمها فريدة بالكامل
هتفت نانسي وهي تجلس على طاولة الطعام مع أبيها وأخيها الذي انتبه على الإسم فقال متعجبًا
: فريدة؟ مالها؟
ليرد عثمان بجفاء: وانت بتسأل ليه؟ كملي يا نانسي
قال وهو ينظر شزرًا لـ معتز، فتردف نانسي
: اسمها فريدة عز الدين زي ما قولتلي قبل كدة!
قال وهو يهز رأسه: أنا كنت حاسس
: ما تفهموني فيه إيه؟
هتف معتز، ليهمس عثمان وهو يجز أسنانه ساخرًا
: بس يا حدّاد
زم معتز شفتيه بحنق على استهزاء أبيه، فنهض ليصيح بتذمر
: وماله الحداد ها؟ مش من مقام حضرتك مش كدة؟ بس على الأقل ضميري ارتاح دلوقتي، أحسن ما كنت حرامي وباخد حاجة مش من حقي!
ألقى الخرقة بعنف على الطاولة ثم صعد إلى الأعلى ..
: ليه يا دادي قاسي على معتز كدة؟
سألت باستياء، ليرد عثمان وهو يشيح بيده
: سيبك منه، دة غبي .. قوليلي عرفتي إيه عنها كمان
همست بنبرة خبيثة: دة أنا عرفت بلاوي، حاجات هتفيدنا أوي
هتف مشجعًا: براڤو يا نانسي براڤو، هي دي بنتي حبييتي
لتشرع في إخباره بالخبث عن فريدة، وكأن الشياطين تجتمع في هذا المجلس، يتآمرون بالمنكر عليها في تشاور بينهما بخطط دنيئة تليق بهما.
__________
: انت إيه اللي جابك الشركة يا عماد، أنا مش قولتلك انت ف أجازة لغاية ما تتجوز؟
قال مراد ممسكًا بأحد المستندات ويقلب في ورقه بتركيز، ليقترب الآخر ويجلس أمامه
: مقدرتش بصراحة، وبعدين أنا مش مستعجل!
أغلق مراد الملف وهو يقول بغلظة: بس خطيبتك مستعجلة، وبصراحة من حقها، كفاية السنين اللي فاتت من عمرها، وهي ماشية ورا دماغ حد متخلف زيك!
ضحكة خافتة خرجت فقال: كل شئ بأوانه يا باشا، ومفيش حد بياخد أكتر من نصيبه
ابتسم مراد ليقول: أهي دي أكتر حاجة قولتها صح ف حياتك، وعندك حق فيها!
: طب أنا بقا هروح أشوف شغلي وأسيبك
نهض من مكانه، فرفع مراد جذعه العلوي قليلًا ليقول
: متنساش الساعة 4 المزاد هيبدأ!
: متقلقلش هكون ف المعاد بالظبط!
هز مراد رأسه: تمام
غادر عماد المكتب، فألصق مراد ظهره على ظهر المقعد، يفكر في عشقه التي جعلته كالأحمق ويتصرف كالمراهقين معها .. أحيت قلبه الذي عاد له شبابه بعد سنوات الهرم التي عاشها طويلًا.
__________
تقف أمام الخزانة تهتم في انتقاء أفضل البدلات عند أبيها .. ضرورةً.. فاليوم هو الخميس، ستتقدم بطلب يد نيرة لعز الدين، اليوم الذي طال انتظاره لسنوات، وحان الآن يفعلها رسميًّا وكل الفضل بعد الله سبحانه وتعالى، يعود لتلك الصغيرة الهوجاء المتهورة..
وبعد وقت كثير من البحث عن أفضل طاقم، اختارت سترة جملية اللون وقميصًا أبيض، بالتأكيد سيصبح أبيها وسيمًا في هذا الزي .. لتنتبه على صوته أثناء تأملها في الملابس
: خلاص نقيتي اللي على مزاجك؟
تقدمت نحوه وهي ممسكة بالثياب فتقول: البليزر دة هيبقى تحفة عليك، بس من غير جرافتة، لو عايز تستبدل القميص بتيشيرت مفيش مشكلة
ضحك عز على ما قالت، ثم ضم رأسها بين يديه وهزها بمداعبة
: عايزة تلبسي أبوكي تيشيرت على آخر الزمن، طب حتى اعملي حساب لسني!
قالت بطفولية: يا بابا بقا .. حبيبي انت رايح تتجوز يعني يحقلك تعمل اللي عاوزه!
أردفت ببساطة وعملية ثم أشارت بيدها بعد أن أسندت الملابس فوق الفراش
: اتفضل بقا اجهز، وأنا مش هتأخر عليك
لتطبع قبلة على وجنته ثم تترجل من الحجرة، تتركه كي يهيئ حاله استعدادًا، وهي أيضًا تجهز نفسها.
________
خرج من حجرته قاصدًا الذهاب لغرفة نيرة، يخبرها عن قدوم عز الدين هو وفريدة، كي يتقدم لخطبتها، كانت تود تلك البلهاء أن تفاجئها وهو لم يريد أن يحبطها..
طرق الباب بهدوء، وبعد ثواني فتحت له الباب، فقالت مبتسمة
: مراد، تعالي يا حبيبي
دلف بالجوار فسألته: إيه أخبارك مع فريدة؟
أجاب باختصار: تمام، أكيد يعني بتحكيلك
رمقها بمكر لتتعالى ضحكاتها: صح
صمت لبرهة ولا يعرف كيف سيخبرها .. حك عنقه ثم رفع بصره إليها وقال صراحةً
: نيرة، عم عز الدين جاي مع فريدة يطلبوا إيدك!
إثر تفوهه انزلقت قدمها لتقع فوق الفراش، فيهتف مراد باسمها قلقًا وهو يتحرك نحوها بسرعة
: نيرة .. مالك يا حبيبتي؟
أمسك ذراعيها بلطف وحركها نحوه، ثم ضم وجنتيها برفق يطمئن عليها
: انتي كويسة؟
هزت رأسها ببطء .. ثم أمسك كفيها وعلامات الاضطراب تحاوط ملامحها بسبب الصدمة التي وقعت على مسامعها كالقنبلة،
جسدها يرتعش، فيشعر مراد ببرودة في أطرافها وهو يضم كفتيها بحنو، فيهمس متسائلًا
: إيه يا نيرو، حاسة بإيه؟
قالت برجفة في نبرتها: بردانة أوي يا مراد، خدني ف حضنك
احتضنها فورًا وجعل يمسد على ذراعيها وظهرها برفق .. ضربات قلبها قد انخفضت، وجهها بدا عليه الشحوب، أحس مراد بثقل رأسها على كتفه، وارتخاء يديها، فصاح ذعرًا
: نيرة، فوقي
غابت عن الوعي، انتشر الفزع ف قلب مراد عليها، ربت على وجنتها بتوتر، فصرخ لأحد العاملات..
: مدام عفاف، يا سماح .. نيرة أرجوكي اصحي
ليتفقد نبض يدها فيجدها متجمدة مثل الثلج، ازداد شعوره بالقلق والهلع، حاول تمالك روعته حتى يستطيع التفكير، ليضع رأسها برفق على الفراش، ثم أخرج هاتفه المحمول واتصل على الطبيب.
بالأسفل جرس الباب اعتلى رنينه، فذهبت أحد العاملات لتفتح، فكان العم شفيق هو الطارق
: ازيك يا بنتي
ردت بأدب: الحمد لله يا عم شفيق، اتفضل حضرتك
دلف للداخل فرأى عفاف تركض هرعًا إلى الأعلى، فيسأل بقلق
: هو فيه إيه يا بنتي؟
رفعت كتفيها وهي تقول: مش عارفة والله، بس الظاهر الست نيرة تعبت
ليهتف بدهشة: نيرة؟؟؟!
-----------
جاءت الطبيبة، تفحص نيرة بالداخل، وينتظرها مراد الذي يقبض على حافة الدرج والقلق يسيطر على قلبه، ومعه العم شفيق أمام الغرفة حتى يطمئنا على صحتها ..
ترجلت الطبيبة بعد حوالي ربع ساعة، فالتفت مراد بسرعة إثر خروجها ليسألها بلهفة
: خير يا دكتورة، طمنيني
بينما تجيب الطبيبة دق جرس الباب، فتحركت العاملة كي تفتحه..
: متقلقش يا أستاذ مراد، مفيش أي حاجة، غير هبوط في ضغط الدم وهو اللي سببلها الإغماء
كانت عز الدين وفريدة هما القادمان، فما لبث أن دخلا، فريدة وهي ترفع رأسها للأعلى عشوائيًا، انتبهت لمراد والعم شفيق وسيدة يبدو أنها طبيبة،
فينعقد حاجبيها وهي تستمع إلى قولها وهي تحادث مراد..
: أنا كتبتلها على حقن تتحط في المحلول، وهيظبطلها الضغط شوية، بس يا ريت الراحة ثم الراحة
شددت على آخر كلمة، ثم أعطته روشتة الأدوية، فشكرها مراد وطلب من عفاف أن توصلها للباب، ثم يدلف مراد عندها..
صعد القلق على وجهي عز وفريدة اللذان قد تطلعا إلى بعضهما البعض، ثم هرولت فريدة بسرعة للأعلى وخلفها والدها..
تهتف بفزع وهي تقترب من العم شفيق: ف إيه يا عمو مالها نيرة؟
انتبه لهما العم شفيق ليجيب: متخافيش، هي بس الظاهر متحملتش المفاجئة واغمى عليها
تحرك عز ببطء وهو يقترب منه بوجه قد هربت الدماء منه، وارتعاد يدوى في نبضات قلبه .. فهمس
: أغمى عليها؟
: متخافش يا عز والله الدكتورة طمنتها، هي بس تلاقيها اتوترت مهي عروسة بقا
قال مازحًا كي يهدئ من القلق الذي كان باديًا على تقاسيم وجهه
: أنا هدخل أشوفها، بعد إذنكم
قالت فريدة ثم همت وتحركت لتفتح الباب .. فيقول العم شفيق وهو يمسك بذراع عز ويتوجه به إلى الدرج
: متخافش يا عز، هتبقى كويسة
-----
دخلت فريدة بسرعة وتسائلت بهتاف
: نيرة...
رفع مراد رأسه إليها بسرعة وهمس لها: ششش، وطي صوتك يا فريدة
كان يجلس بجوارها ويمرر يده على شعرها برفق، فجلست فريدة بالمقابل وهمست بصوت خافت
: أنا آسفة ع اللي حصل، أنا السبب يا ريتني ما قولتلك خليها مفاجأة
لامت نفسها بحزن شديد على منامتها هذه، اعتدل مراد وأمسك يدها بلطف
: يا روحي اهدي، هي هتبقى حلوة، وبعدين دي طبيعة البنات العبيطة اللي زيك كدة!
قال مشاكسًا فسحبت يدها من بين كفيه، فتنهض وتشبك يدها في خصرها
: بقا أنا عبيطة يا مراد يا حديدي
لينهض هو الآخر ويفعل مثلما فعلت، ويقول مقلدًا
: أيوة يا بنت عز الدين، ياللي جدك كان قائد طيران عنتيل
ضمت شفتيها محاولة منع ضحكتها، ثم وكزته في بطنه
: ما تتريقش على جدي
: مش هتبطلوا لعبة القط والفار دي بقا
لينتبها على صوت نيرة الضعيف، فتقترب منها فريدة بسرعة وتحتضنها
: سلامتك يا نيرو، إن شالله أخوكي وعياله يا رب
رفع مراد أحد حاجبيه باستنكار .. بينما نيرة نهضت معتدلة وهي تضحك
: ربنا يخليكي ليا يا فريدة يا حبيبتي
لتتسائل برقة: حصلك إيه يا قلبي؟ أكيد الوحْش دة ممهدش ليكي
أردفت بطريقة لعوب وهي ترجت ببصرها له، ليضيق عينيه وهو يرمقها بنظرة أخافتها .. فنهضت من مقعدها وسألته بصوت كاد يخرج من حلقها
: إيه يا مراد هتفضل واقف كتير، لالا ماينفعش .. يا ريت تتفضل عشان ورايا عروسة لازم أجهزها
قال وهو يمعن النظر إليها ويعقد ذراعيه أمام صدره: لسة ما بقتش عروسة، وأنا لسة موافقتش!
لترد بطفولية وهي تضرب بقدمها بالأرض: والله أعضك بس ها!
قهقه هو ثم استدار كي يخرج، فوقف والتفت برأسه ليقول بابتسامة وهو ينظر لفريدة
: متتأخروش
عضت على شفتيها، ثم أدركت نفسها بسرعة لتهمس بعجلة لنيرة
: قومي يلا البسي بسرعة، بابا مستني على نار تحت
-----------
يجلس الرجال بالردهة ينتظرون نزول العروس حتى يبدأ الحديث الجدي بوجودها .. بالفعل بعد وقت ليس بالكثير هبطت فريدة من نيرة التي كانت ترتدي بنطال واسع من الأعلى إلى الأسفل باللون الأبيض المطفي، وفوقه بلوزة ضيقة من الوسط وأكمام شفافة بنفس لون البنطال، وقصة شعر بسيطة وبعض مساحيق التجميل الخفيفة، جعلتها كالأميرات..
نهض عز وسلم عليها ليهمس بمخملية: سلامتك يا نيرة
ردت بنبرة رقيقة وهي تتفادى النظر إليه خجلًا
: الله يسلمك يا عز
جلست نيرة بجوار مراد، وفريدة على الأريكة الموجودة بالمنتصف بجوار عز الدين، وبالقرب من مراد، والعم شفيق على مقعد بجوارهم..
اقتربت من أذنه لتهمس: اتكلم أنا ولا أنت يا بابا؟
كان صوتها مسموعًا فضحك مراد ونيرة بخفوت، لينتبها إلى قولها بنبرة مرتفعة
: طيب يا استاذ مراد، أنا هجيلك دوغري ومن غير لف ولا دوران، أنا جاية أطلب منك إيد الآنسة نيرو كريمتكم، لابننا الوحيد زيزو، طبعًا انت موافق، مش كدة؟
قالت وهي ترمقه بنظرة لعوب، فقهقه الجميع على عفويتها، ليحمحم مراد ثم يردف
: حضرتك يا أستاذة فريدة يشرفني طبعاً، بس لازم أسمع ابنك الأول قصدي والدك
قال بضحكة خفيفة ثم قالت فريدة
: لأ، ابننا بيسمع كلامي كويس، فخلي كلامك معايا
: معلش يا فريدة استني، عشان أنا حابب اسمعها من والدك
قال مراد بجدية مترفقًا في نبرته، كادت أن تعترض لكن قبض عز على ذراعها بخفة.. حمحم عز حتى يضبط صوته ثم قال برزانة ووقار
: أنا يسعدني ويشرفني يا مراد باشا أطلب منك إيد نيرة، وبتمنى هي توافق إنها تقضي اللي باقي من عمري معايا وجنبي، وتبقى رفيقة دربي مش بس مراتي، وتعوضني سنين الحرمان اللي عيشتها من غيرها، وأوعدها إني أكون عوضها اللي تستاهله
انبسطت أسارير نيرة فرحًا، كاد قلبها يقفز بين أضلعها سرورًا وبهجة، ترقرقت عينيها بدموع السعادة والانشراح ..
جذبها مراد إليه ليقول بابتسامة وهو يمسد على ذراعيها بحنو
: أنا موافق
ثم يعود ببصره للعم شفيق: وحضرتك يا عم شفيق؟
: أنا كمان موافق
أجاب متبسمًا، لتدفن نيرة نفسها بسرعة بين أحضان ابن أخيها وتجهش باكية
لتطلق فريدة صفيرًا عاليًا بمرح، فينتبه الجميع إليها ليندفع مراد برأسه نحوها وهو يتطلع إليها باستنكار .. فتقول بحرج
: أصلي مبعرفش أزغرت!
فيضحك الجميع عليها .. الآن لقد انتشرت الفرحة في بيت الحديدي بعد مرور زمن، ومن الآن لن تغمرهم غير السعادة وفقط!.
___________
يقود سيارته ليعود إلى منزله، شعر بالاشتياق لحبيبة قلبه فمنذ الأمس لم يلتقيها سوى أنه يحادثها عبر الهاتف، مرتين أو ثلاث طوال اليوم .. تتحدث كعادتها عن أمور عجيبة وغبية مثلها، كـ حكيها عن صديقتها نرمين وحبيبها هادي، أو عن أبيها ونيرة، وأمورًا تخص رغد ولا يدري لمَ دائمًا تضع اسمها في وسط الكلام، تحاول أن تصل إلى ماذا؟ حقًا لا يعرف،
وتتحدث عن الجميع عداهما، وكأنها تتهرب من تلك الكلمة التي يشتاق لسماعها من فمها الرقيق..
زفر بقوة ثم استمع إلى رنين جواله بنغمة رسالة .. أمسك الهاتف وفتح الرسالة، التي عبارة عن..
«مبروك يا باشا الحب الجديد، يا ترى هتقدر تحافظ عليها ولا هتروح زي اللي راحت هي كمان؟»
ضغط على المكابح باندفاع حتى كادت السيارة أن تنقلب به
__________
انتهت من حصتها وتقف مع نرمين ينتظران سيارة أجرة تقلهما لمنازلهما .. الإثنان كعادتهما يمزحان معًا .. بينما في جانب آخر تقف سيارة سوداء تراقبهما، ثم تتحرك تلك السيارة في اتجاه فريدة ونرمين،
ليخرج شخصًا رأسه من النافذة يرتدي نظارة سوداء تخفي ملامح وجهه، فيخرج بندقة ليشد أجزائها نحو فريدة، بينما السيارة تقترب منها، ثم يضغط على الزناد فتنطلق رصاصة تتوجه صوب قلب تلك المسكينة لتقع إثرها أرضًا كالجثة بجوار نرمين التي لا تستوعب ما حدث في غمضة عين..
من هول الصدمة لا تدري ماذا تفعل، فقط تحدق إلى فريدة الملقاه أرضًا.. وبعد صمت دام لثوانِ معدودة، انفلتت صرخة مزقت أحشاء السكون
: فريــدة!!!!!..................
يتبع الفصل الأربعون اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية ظل السحاب" اضغط على اسم الرواية