Ads by Google X

رواية حب وتضحية الفصل الثالث 3 بقلم داليا السيد

الصفحة الرئيسية

   رواية حب وتضحية الفصل الثالث بقلم داليا السيد


رواية حب وتضحية الفصل الثالث 

مشاعر جديدة
لم تعد تعرف عدد الأيام التي مرت إلا عندما حصلت على أول راتب لها عندما أحضره لها أحد السكرتارية في مكتبها وعندما فتحت المظروف لم تصدق نفسها وهي تمسك بذلك المال الكثير الذي لا تعرف عدده، شعرت بالسعادة، أخيراً يمكنها أن تريح أمها وأن تجعلها تتوقف عن العمل بهذا المال كما يمكنها أن تتكفل بكل شيء و.. 
قطع تفكيرها خروج تلك المرأة من مكتب وليد وهي تعلم أن تلك المرأة سيدة أعمال ولكنها ليست ككل السيدات وكل مرة تأتي لابد وأن ترى اختلاف على وليد من بعد خروجها كما لو أنها تأتي لسبب آخر غير العمل، فأصبحت تتضايق كلما رأتها بل وأصبحت تتضايق من أي امرأة تأتي إليه وتتمايل عليه بطريقة أو أخرى، سمعته يناديها في الجهاز فقالت: 
"نعم يا فندم" 
قال "تعالي" 
أجابت بغيظ وهي تتبع المرأة وهي تذهب "حاضر" 
كانت ما تزال تمسك بالظرف فوضعته بحقيبتها ودخلت. 
بالطبع كما توقعت كانت الكؤوس على المنضدة وزجاجة الويسكي بجانبهم وهي تعلم أنه لا يشرب أثناء العمل وإنما هي تلك المرأة اللعينة التي تدفعه لذلك. 
تضايقت أكثر وهي تعيد الأشياء إلى أماكنها وهو يقف أمام النافذة كما لو لم يكن يشعر بوجودها عندما انتهت قالت 
"هل طلبتني؟" 
استدار إليها ولاحت عيونه في المكان وقال "أحب لمساتك في المكان" 
ابتعد عن مكتبه وجلس على الفوتيه وقال "هل أكد الفوج الألماني الحجز؟" 
هزت رأسها نفيا وقالت "لا ليس بعد" 
قال وهو يتأمل ملامحها "ماذا بكِ تبدين غير سعيدة" 
أشاحت بنظرها بعيداً عنه وقالت "ليس هناك شيء"
ظل ينظر إليها بحدة وقد بدت غريبة بهروبها منه ومن نظراته "لا أصدقك، أنا أستطيع أن أعرفك جيداً نحن نقضي معا وقتاً أكثر مما نقضي مع أنفسنا وأصبحت أعرفك جيداً، ماذا هناك؟" 
قالت كاذبة دون أن تواجهه "صدقني لا يوجد شيء" 
شعرت به يتحرك فاستدارت لتجده خلفها مباشرة ورائحة عطره تخنق أنفاسها كما هو حزنها الذي لا تعرف سببه. 
نظرت بعيونه الرمادية التي تشبه السماء بيوم من أيام الشتاء تلونت سماؤه بالغيوم فتذهب زرقتها وتتلون بالرمادي من كثرة ما تحمله من مياه
زاغت نظراتها هاربة منه وقد أدركت أنها أصبحت ضعيفة أمام تلك العيون الهادئة وتلك الملامح الجذابة والرجولة الصادقة بدون مبالغة، تمنت أن تنطق وتخبره أن وجود تلك المرأة أصبح يبعث الضيق بنفسها بل أي امرأة تأتي إليه أو تتعامل معه، لم تعد تتحمل نظرات النساء إليه ولا كلمات الإعجاب التي يلقينها على مسامعه أو تدللهم عليه بطريقة فاجرة تبعث الاشمئزاز بنفسها، ولكن من هي لتقول ذلك وبأي حق؟
نادها باهتمام "أمل ماذا هناك؟ ألم يعجبك الراتب الذي أمرت به؟ إذا كان كذلك" 
أسرعت تقول "لا، لا بل على العكس إنه كثير، بل أكثر مما أستحق" 
ابتسم وقال "بل أنتِ تستحقينه، أنتِ فتاة مجتهدة حقا ولقد أصابت مدام فوزيه عندما قالت أنكِ أكفأ إنسانة لمثل ذلك العمل، هيا أخبريني ما الذي يزعجك؟ أم أن هناك شاب ما في حياتك هو الذي فعل بكِ ذلك؟ هيا أخبريني ولا تخجلين" 
اندهشت هل يظن أن في حياتها رجل؟ أي رجل يمكن أن تراه أو يثير اهتمامها بعد ما رأته؟ إنها لم تعد ترى أي رجل آخر سواه، ولكن كيف يمكنه أن يعرف وهي لا يمكنها أن تبوح بما يجول داخلها له بأي وقت. 
هزت رأسها نفياً وقالت "شاب؟ أي شاب؟ أنا ليس في حياتي أي شاب ولا أعتقد أنه سيكون هناك"
أجلسها أمامه وقال "ولماذا؟ أنتِ فتاة صغيرة وجميلة ويمكنكِ الحصول على أفضل شاب ولا تحاولين إخباري أنه لا يوجد بحياتك قصة حب" 
تأملته، قبل أن تعرفه لم تكن تعرف للحب أي معنى ولكن اليوم تعلمت معنى الحب وهو ليس أي حب، وإنما حب من طرف واحد، حب ومشاعر نمت داخلها دون أن تدري متى وكيف، فاجأها قلبها بذلك الضعف فلم تكن تعرف أنه هكذا ضعيف منكسر أمام ذلك الرجل ولو أدركت أنها كانت تسير بطريق حب ذلك الرجل لتوقفت وأجبرت نفسها على التراجع لأنها تعلم أن مثل ذلك الرجل لا يمكنه أن ينظر إلى السكرتيرة التي تعمل لديه من أجل احتياجها المادي وهو يساعدها ماديا لأنه يشفق عليها كادت عبراتها تخونها ولكنها أبعدت وجهها وتماسكت وقالت بهدوء: 
"ولكن أنا فعلاً لا يوجد بحياتي أي حب ولا أفكر في أي شاب" 
لاحت الدهشة على ملامحه وقال "كيف ذلك؟ لا توجد فتاة اليوم لم تحب ولم تفكر في فتى الأحلام، كل من هم بعمرك يحلمون بالرجل الذي يخطف قلبهم فما وجه اختلافك عنهم؟" 
نظرت بأصابع يدها وقد انكمش قلبها خلف ضعفها وظهر أمامها مشوار حياتها فقالت "لم يكن عندي وقت حتى لأفكر في ذلك، كان علي أن أذاكر جيداً لأكون من المتفوقين لأحصل على التعليم المجاني لأن كما تعلم ظروفنا كانت لا تسمح لنا بأن توفر لي مصارف التعليم، بالإضافة إلى أني كان لابد أن أعمل لأساعد أمي وأوفر المال اللازم لمساعدتها، أعتقد أنها حياه معقدة لا مجال للحب فيها" 
تحرك تجاهها ووقف يواجها وقال "بل هي حياة مشرفة تستحقين عليها وسام من الدرجة الأولى، على العموم معي لن تشعري بأنكِ في حاجة للصراع من أجل المال، فأنتِ فتاه مجتهدة ورائعة تجيدين ما لم يجيده من هم أفضل منكِ لذا أنا لن أترك كنز مثلك ابداً، فأنتِ تعملين معي ومن يعمل معي له حقوق علي ولابد أن أوفرها له، وهذا أمر أنتِ تعرفينه جيداً وبالطبع كلما زاد نجاحك زاد تمسكي بكِ أكثر وبالتالي مكافأتك لأنه حقك، وأعتقد  أن هذا يسمح لكِ بأن تعيشي حياتك كأي فتاة من حقها أن تحب وتحب" 
نظرت إليه لحظة ثم ابتعدت من أمامه وهي تسمع دقات قلبها الذي ينادي بالإفراج عنه وعن مشاعره الواهنة، تجاهلت قلبها بقصد وقالت بتساؤل ربما تستعيد قوتها: 
"ربما، ولكن طالما حضرتك تتحدث عن الحب فهذا يعني أنك تعرفه؟"
صمت هو الذي أجابها فنظرت إليه وتاهت بعيونه التي لا تتحدث عن صاحبها وإنما ضاقت وهو ينظر إليها وقال 
"ولم لا أعرفه؟ أم تظنين أني كبير سناً بدرجة لا تسمح لي بالحب، أو أن قطار الحياة فاتني"
أسرعت تقول بصدق "لا. لا أنا لم أقصد ذلك، أي عمر هذا الذي تتحدث عنه وأنت ما زلت في الخامسة والثلاثين؟ أنت ما زلت في ريعان الشباب أقصد أنني لم أر لك أي عائلة أو أقارب أو، أقصد امرأة معينة وإنما أولئك النساء اللاتي يأتين هنا" 
احمر وجهها عند ذكر الأمر بينما تأملها بهدوء وقال وهو يتراجع مبتعداً "أولئك النساء لا يمثلن لي أي شيء هن يفعلن ما يردن لكن أنا لا أهتم أو أبالي ولا مكان لم يريدونه عندي، هذا لأنني منذ الصغر وأنا أكاد أشبهك، أبي وأمي كانوا من النوع الحاد وكنت ابنهم الوحيد وهم بدأوا حياتهم سويا وحققوا نجاحاً بأول فندق صغير افتتحوه في الفيلا الخاصة بعائلة أمي، ومن وقتها كان كل همهم الأول أن يكبر مشروعهم الصغير، وهمهم الآخر أن أكون رجلاً ناجحاً مثل أبي كي أحافظ على النجاح الذي حققوه، وليفعلوا ذلك لم يعطوني أي فرصة كي أعيش طفولتي كأي طفل بسني، كأن ألعب مثل الأطفال أو أهنأ بحياتي مثلهم وعندما بلغت الثانية والعشرين من عمري مات الاثنان في حادث سيارة على الطريق السريع أثناء عودتهم من القاهرة ليلاً، وأصبح الأمر أكثر صعوبة وأصبحت المسؤول الأول والأخير عن كل شيء وأوله حلمهم ونسيت نفسي وشبابي كما نسيت طفولتي ويمكنك تخيل الباقي إلى أن .." 
ودق قلبها عندما ابتعد من أمامها واستجمعت قوتها وهي تقول "إلى أن ماذا؟"
التفت إليها لحظة وكأنه يستجمع قواه هو الآخر من نظراتها الثابتة قبل أن يكمل "بعد أعوام قليلة كانت حياتي فيها قد اقتصرت على العمل في محاولة أن أكون ناجحاً وحدي كما أراد والدي وفي غمرة توهاني بالحياة  قابلتها في لندن، منذ أن رأيتها وتعلق قلبي بها كانت امرأة بكل المعاني، فاتنة سحرتني من أول نظرة، أسرعت بالتعرف عليها وخرجت معها كثيراً حتى قضينا سويا أيام جميلة لم نكن نفترق إلا عند النوم، نسيت نفسي وعملي وأصبحت أستيقظ على صوتها وأنام بعد أن أراها، كنت أعتقد وقتها أننا لن نفترق ولكن فجأة اختفت وأصبحت كالمجنون وأنا أبحث عنها بدون هدى، لا أريد أن أذكر تلك الأيام وكأنها تعيد أحزاني على والدي يوم فقدتهم"
ابتلعت ريقها بصعوبة من الجفاف الذي أصابها ولكنها لن تتوقف هنا لابد أن يكمل فقالت "وهل عرفت ماذا حدث؟ أو أين ذهبت؟"
قال بنفس الهدوء الذي لم يفارقه لحظة وكأنه درب نفسه كثيراً على أن يحتفظ به "نعم عرفت أنها عادت إلى لندن مع والدها فجأة لظروف خاصة بعمله، ربما حاولت الاتصال بها ولكن لم أنجح بذلك وقد أغلق هاتفها ولم أعرف أين يمكن أن أعثر عليها بلندن رغم أعمالي التي أباشرها هناك ولم أراها منذ ذلك الوقت ومع ذلك ما زالت صورتها لا تفارق خيالي" 
شعرت بنفسها وهي تفرك يديها ببعضهم إلى أن أدركت نفسها وهي تشعر بالحرارة تتسلل إلى جسدها وقلبها لا يتوقف عن الخفقان في سباق مع الثواني وهي تدرك أن لا أمل لها في أن يشعر بها أو حتى يراها ويدرك وجودها، وأدركت أيضاً أنها كانت غبية عندما لم تفكر أن هناك امرأة بحياته فلا يمكن لرجل مثله به كل تلك المميزات، ألا تكون بحياته امرأة فهي لن تحصل حتى على فرصة واحدة في الفوز بقلبه، لماذا تقسو عليها الايام هكذا؟
قالت تحاول أن تخفى ما يجول داخلها وهي تشعر أن علاقته هذه ربما ليست حب "وهل تسمى ذلك حب؟" 
نظر إليها بدهشة وقال "ماذا تقصدين؟" 
قالت "تحب امرأة من أول لقاء؟ امرأة لم تكن تعرفها ولم تقض معها إلا أيام قليلة ثم ترحل وتتركك دون أن تتأكد من مشاعرك تجاهها أو العكس" 
قال وهو يفكر "أظن أنه لا يحق لكِ الجزء الأول من السؤال أم أنكِ لا تعلمين شيء عن الحب من أول نظرة؟ الحب لا يحتاج أن نتعارف إنه إذا تلاقت الأعين واهتزت المشاعر واصطدمت بالقلب، انتصر الحب بدون أي مقدمات وعلى كل شيء" 
هزت رأسها هو على حق هي عرفت ذلك لأن حبه فعل بها المثل، لم تجادل وقالت "نعم الحب لا يمكن أن يوقفه أي شيء بالتأكيد هي امرأة محظوظة تلك التي تحظى بقلب مثل قلبك" 
لم تعرف كيف قالت ذلك إلا عندما قال "أهذا أنا الذي تتحدثين عنه؟" 
نظرت إليه وقالت بدون تردد "بالتأكيد، فأنت إنسان رائع وأي امرأة تتمناك" 
ابتعد وقال بضيق واضح "نعم تتمناني من أجل أموالي فقط، هذا هو تفكير أي فتاة أو امرأة في ذلك الزمن" 
قال تدافع عن نفسها ومشاعرها الصادقة تجاهه "ليس كلهن سواء" 
ابتسم وقال "إذن لا يمكن أن تكون بمثل عمرك وإنما لابد أن تكون قريبة من عمري فلا يمكن لفتاة في مثل عمرك أن تقبل رجلا في مثل سني دون أن يكون لديه الكثير من الأموال كي تتغاضى عن فارق السن؟" 
قالت دون تردد "إذا أحبتك فلن يهمها إذا ما كان معك مال أم لا، ستعيش معك أيا كانت ظروفك هذا هو الحب الصادق الذي ليس له أهداف أخرى سوى أن يجتمع الحبيبان على سنة الله ورسوله، فيجتمعان سويا ويبنيان حياتهما التي يحلمان بها يظللهما الحب والمودة والرحمة" 
تأمل ملامحها وقال "إنها أفكار جميلة يا أمل ويا له من رجل محظوظ الذي سيحظى بفتاة مثلك، ولكن ما زلتِ صغيرة على أن تدركي أشياء كثيرة، منها أن الحب في هذه الأيام لم يعد يمثل هذه المثاليات التي تفكرين بها، فالمادة الآن هي أهم شيء وكل الفتيات لا يبحثن إلا عنها" 
قالت بضيق "أولا أنا لست بفتاة صغيرة ولقد تعلمت من الحياة الكثير وما زلت أتعلم، وأنا التي يمكنني أن آتي بالمادة وليس العكس، ثانيا إذا كان الرجل الذى اختاره قلبي مثلي أي فقير وليس لديه الأموال الطائلة التي تتحدث عنها حضرتك فما الجديد بالنسبة لي؟ أنا اعتدت على أن أجتهد في حياتي وسأفعل المثل ولكن الحياة وقتها ستكون أفضل بوجوده معي وأكيد سيشجع أحدنا الآخر ويكفى أننا سويا وقلوبنا لم تفترق" 
قام وقال "أنا معجب بتفكيرك ولكن الحلم غير الواقع يا أمل، والأمر ليس بسهل لذا أتمنى أن لا تفعلي ذلك بنفسك، أنا لن أوافق على أن ترتبطي بأي شخص والسلام، لأنكِ تستحقين شخصاً مميزاً ولا تنسين أنكِ أصبحت تعملين معي ومن سيكون شريك حياتك لابد أن يليق بمكانتك الجديدة لأني لن أقبل بأقل من ذلك" 
تمنت أن تخبره أنها لن ترتبط بأي أحد سواه ولكن لم يعد ذلك من حقها ..أخذ جاكتته وقال "لا أعلم كيف أمكنكِ استخراج تلك الذكريات من داخلي، لم أتحدث بها لأحد من قبل، لابد أن أذهب الآن فأنا أريد أن أنال بعض الراحة قبل حفل زفاف أحمد صديقي هل جهزتِ لي البدلة الخاصة؟" 
قامت وقالت "نعم لقد تأكدت أنها في جناحك واخترت لك القميص وربطة العنق أتمنى أن يعجبك ذوقي"
ابتسم وتحرك نحو الباب وقال "ألن تأتي معي؟" 
هزت رأسها وهى تقول "لا" 
قال "حسنا، ولكن عندما يصل الفوج الألماني لن يكون هناك لا لأي شيء، كوني على استعداد لكل شيء بما في ذلك التأخير ليلاً" 
هزت رأسها ولم ترد وهي تتابعه وهو يذهب تاركاً إياها بين أحزانها وحدها

يتبع الفصل الرابع اضغط هنا
  • الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية حب وتضحية" اضغط على اسم الرواية 
google-playkhamsatmostaqltradent