رواية ذئب يوسف بقلم ذكية محمد
رواية ذئب يوسف الفصل الخامس 5
رسمت على وجوههم الصدمة ، يكادوا يجنوا مما سمعوا ، و تساءل كلاً منهم لما قرر ذلك ، وكيف ؟!
اتسعت عيناه بذهول كمن على رأسه الطير و التمثال المنحوت بدقة ، و أخذ عقله يحلل في محاولة منه لاستيعاب تلك الفاجعة التي داهمته بقوة على حين غرة دون أن تأذن له كالجيوش المحتلة التي اغتصبت الأراضي عنوة من مواطنيها ، نهض ثائراً بغضب قائلاً :- إيه اللي انت بتقوله ده يا بابا ؟ هو علشان تصلح غلطتها تقوم تجبرني على جوازة مش عايزها !
طالعه بغضب قائلاً بحدة :- إسلام ! ألزم حدودك ، متنساش أنك بتكلم أبوك ، و وطي صوتك بلاش فضايح في المنطقة أكتر من كدة.
عض على شفته بغيظ قائلاً :- أنا آسف يا بابا ما أقصدش أعلي صوتي على حضرتك بس اللي أنت بتقوله ما يدخلش العقل .
أردف بحزم :- لا يتعقل يا إسلام و هتسمع كلامي وإلا والله لأغضب عليك ليوم الدين .
كاد أن يهشم فكه من كثرة جزه على أسنانه ، و برزت عروقه حتى كادت أن تنفجر ، لم يستطع التحمل إذ غادر بغضب كالعاصفة.
لمعت الدموع في مقلتيها ، و شعرت برصاصة قوية أصابت قلبها فأردته صريعاً في الحال ، وأن هناك من يسحب روحها ببطئ فيزيد من هلاكها ، ألن يكفي جرحهم ليأتي هو و ينهي حياتها على هذا النحو ! ، أهذا الذي يسكن قلبها و روحها و يسير في عروقها كما تجري الدماء به تتلقى منه طعنة الغدر التي لم تتوقع يوماً أنها ستكون هكذا .
تأوهت بصوت مكتوم ، و كم ودت لو تصرخ بصوتها كله لتخرج تلك الآلام الحبيسة في الأعماق ، حريق هائل مندلع بداخلها ولن تخمده لا مياه البحار ولا المحيطات .
هتف محمود بغضب مكتوم :- كلام إيه دة يا عمي ؟ وماله إسلام كدة طايح في الكل !
غمغم أيوب بسخط :- وأنا موافق يا موسى بس إسلام ....
قاطعه قائلاً بهدوء :- سيبك من إسلام دلوقتي مقدور عليه ، المهم دلوقتي موافقتك أنت و مريم .
أردف بحدة :- ما قلت موافق يا موسى ، وهي إيه اللي هيخليها ترفض ، هو بعد اللي عملته دة هيكون ليها عين ترفض كمان !
طعنة أخرى قضت على المتبقي من تماسكها ، فها هو والدها يقرر عنها مجدداً ، و كأنها دمية يحركها كيف يشاء ، نظرت لهم جميعاً بقهر و انكسار ، و لوهلة تذكرت أسماء و ما سيحدث لها إن أوشت بالسر ، لعنت نفسها على ذهابها معها ، وعلى تصرفها بتهور كهذا، فها هي تجني ما حصدته بمفردها دون أن تقاسم الأخرى بشئ .
نظرت لوالدها و هتفت بشجاعة واهية :- بس ...بس أنا مش ...مش موافقة يا بابا .
جذبها من حجابها بشدة قائلاً بغلظة :- كمان ليكي عين تتكلمي و تقولي لا ! دة بدل ما تبوسي إيدك وش و ضهر ، صحيح بنات آخر زمن .
أردف موسى وهو يبعد مريم عن مرماه :- كلمني أنا و ملكش دعوة بيها .
أردف بغضب :- يعني مش شايف عمايلها ، إيه عاوزة تمشي في الوساخة كتير ؟! هي كلمة واحدة هتتجوزيه غصب عنك ، ما هو يا إما كدة يا إما أقتلك مفيش حل تاني .
نظرت لهم بقهر قائلة :- ربنا يسامحكم بكرة هتندموا كلكم..
أنهت كلماتها و انطلقت كالصاروخ البالستي نحو غرفتها ، بينما أردف أيوب بغل :- شوف البت ! صحيح يعملوها و يخيلوا .
زفر موسى بضيق ، و وضع رأسه بين راحتي يده وهو يفكر في تلك المعضلة التي وضعتهم فيها ابنة أخيه، والتي تلتزم الصمت.
بعد أن ألقت بنفسها على الفراش، اهتز هاتفها يعلن بوصول مكالمة من أحدهم، التقطته و ما إن رأت المتصل أجابت على الفور بصوت مبحوح :- أيوة يا بثينة ..
هتفت الأخرى بقلق :- ها يا مريم طمنيني عملتي إيه ؟ ومال صوتك كدة إنتي معيطة؟
هزت رأسها قائلة :- بابا عرف يا بثينة .
اتسعت حدقتا الأخرى قائلة بصدمة :- إيه؟ عرف ؟ يا نهار مش فايت ، أنا كنت مستنياكي زي ما قولتيلي بس لقيتك أتأخرتي ، طيب عملتوا إيه و عملتوا إيه مع أسماء عادي قوليله أي حاجة و اطلعي منها .
هزت رأسها بصعوبة قائلة :- صعب يا بثينة الموضوع مش سهل زي ما انتي فاكرة .
أردفت بتعجب :- أومال إيه ؟ متقلقنيش يا مريم .
أردفت بتهرب :- ما أنا قولتلك اللي فيها يا بثينة ، بابا زعلان مني علشان ما قولتلهوش .
أردفت بحنو :- خلاص يا حبيبتي أنا بس كنت عاوزه أطمن عليكي ، و الحمد لله الموضوع عدى على خير ، بس يا ترى مين اللي قال لعمي إنك مش في العيادة ؟
أردفت بتهكم :- أكيد رجالته هيكون مين غيرهم يعني ، يلا أهو اللي حصل بقى .
أردفت بابتسامة :- طيب هفصل معاكي دلوقتي ، ماما بتنادي يلا سلام ، هبقى أشوفك بكرة بإذن الله،سلام .
سندت ظهرها على الوسادة ، و سرعان ما تذكرت معذبها ، الذي ما إن خطت في دروب عشقه ذاقت الويل ألوان ، فلم تهنئ ولو ليوم واحد ، درب محفوف بالجراح و الدموع التي سطرت عشقها فى رحلة الوصول إليه، والتي يبدو أنها لن تتمكن من الوصول بعدما سمعت رفضه الصريح لها .
وضعت كف يدها الرقيق على صدرها موضع قلبها الذي يصرخ ألماً ، و يستغيث يرجوها بأن تنتشله من ذلك الدرب الموجع وأن ترحمه قليلاً .
سقطت عبراتها وكأنها تخبر فؤادها لو أعلم طريق العودة لرجعت ، ولكني أشعر بالتخبط و الضياع ، فإن خرجت من ذاك الدرب أصل لغيره من الدروب التي تشكل أقطاباً حديدية غير قابلة للاختراق ، وقامت بزجها فيها لتصير أسيرة لديه إلى أن يأذن الله.
بكت بحرقة كما لم تبكي من قبل على ذلك الأسر الصعب التحرر منه ، ثم أخذت تضرب بعنف موضع قلبها ، وكأنها تعاقبه وتترجاه في آن واحد بأن يرأف بحالها قليلاً فما عاد بمقدورها أن تتحمل المزيد، فهذا يقتلها بالبطئ .
شعرت بالاختناق ، و كأنها تزف للموت فأوصدت عينيها ترحب به بسعادة ، فهي تنتظره منذ وقت طويل .
______________________________________
صباحاً خرجت رحيق من منزل السيدة سميحة في طريقها للعمل ، و لكنها شعرت بأن هناك أمراً غريباً يدور خلف ظهرها عندما لاحظت نظرات الجيران التي يرمقونها بها و كأنها معراة أمامهم .
تساءلت بداخلها عن سبب هذا ، و سرعان ما أتاها الجواب عندما سمعت إحداهن تقول باذدراء :- بنات آخر زمن ، ما صدقت الولية تموت علشان تدور على حل شعرها .
شحب وجهها بذعر ، و هزت رأسها بأنها بالتأكيد ليست المقصودة بهذه الكلمات ، و ما إن خرجت من البناية وجدت سيدة أخرى تقول ما إن أبصرتها :- استغفر الله العظيم ، ربنا يستر علينا وعلى ولايانا ، البت مقرطسة الواد وعلى عينك يا تاجر ..
هزت رأسها بعدم فهم ، و رمقت نظرة خاطفة لهيئتها ، فشهقت بتذكر قائلة بخفوت :- يكونش على الفستان الجديد ! ، وأنا مالي بيهم ، أما أروح ألحق البت آلاء .
وما إن خطت خطوتين للأمام ، وجدت ذلك السمج بوجهها ، فنفخت بضيق قائلة :- يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم على الصبح ، يا نعم ؟
رفع حاجبه بإعجاب صارخ قائلاً بخبث :- إيه الحلاوة دى يا بنت حتتي من أين لكي هذا ؟
أردفت بضيق :- حاجة ما تخصكش ، و أبعد من طريقي خليني أمشي .
ما إن تخطته ، وقفت فجأة ، و اتسعت حدقتاها برعب ، و ذادت خفقات قلبها حينما أردف بصوت عال :- أشهدوا يا أهل الحارة ، اشهدوا يا منطقة ، الهانم مقرطسة ابن خالتها و ختماه على قفاه لا مؤاخذة ، و أديكم شايفين بنفسكم العز اللي ظهر عليها مرة واحدة .
أردفت إحداهن بسخط :- عندك حق يا ابني بنات عاوزة قصف الرقبة بصحيح .
أردف بخبث :- هو علشان الراجل غابله كام يوم في مصلحة تقومي تعملي كدة ، لا حلو دور الشيخة اللي عملاه دة .
جحظت عيناها بذهول من وابل الاتهامات التي تمطر عليها ، غير مصدقة تماماً وكأنها في كابوس ستستيقظ منه عاجلاً .
حجزت دموعها بصعوبة ، وهي تتراجع للخلف، و استدارت فجأة لتطلق لساقيها العنان لتركض بكل ما لديها من قوة ، و سمحت حينها لإطلاق السراح لدموعها ، وهي تبكي بقهر وخوف ، لا تعرف ماذا ستفعل في تلك الفضيحة التي ألصقت بها ..
هتف بغيظ وهو يشاهد هروبها :- شوف بجاحة البت إزاي ولا كأننا بنتكلم ولا عاملة اعتبار لحد .
هتفت السيدة باذدراء :- يلا ، لينا كلام مع ابن خالتها لما يجي هي فاكراها سايبة ولا سايبة !
أخذ يسير بخيلاء وعلى وجهه ابتسامة عابثة ، و يسترجع بذاكرته ما فعله بالأمس ..
عودة للخلف لصبيحة اليوم التالي بعد مشاهدته لها تغادر المكان دون أن تعيره إهتمام ككل مرة ، فكر في خطة خبيثة كحاله لينال من تلك البريئة ، حتى وإن كان الأمر سيلطخ سمعتها و سيضعها على المحك .
توجه لأحد أقرانه، و الذي على خلفية تامة بأمور الكمبيوتر و الفوتوشوب ، فهو يطلق عليه بفذة المنطقة نظراً لبراعته وما يستطيع فعله في تلك الأشياء.
ألقى عليه التحية قائلاً :- صباحك فل يا سيد .
رحب به الآخر قائلاً :- صباح الفل يا معلمة ، اتفضل أقعد يا مدحت باشا المحل نور .
جلس على المقعد قائلاً بود :- تسلملي يا سيد ، أخبار الشغل إيه ؟
غمز بمكر قائلاً :- فل الفل يا معلمة كله تمام ، ها تشرب إيه ؟
أردف بخبث :- لا متشكر يا سيد أنا مش جاي أتضايف أنا جايلك في مصلحة كدة .
وضع يده على عنقه ضارباً إياه بخفة قائلاً :- رقبتي ليك يا زميلي إنت تؤمر .
أردف بمكر :- عاوزك تظبطلي صور كدة من اللي قلبك يحبهم ، و طبعاً أنت فاهمني .
غمز له بعبث ، وهو يردف بكلماته الأخيرة التي وصلت للأخير قائلاً بخبث :- فهمتك يا شِق ، هاتلي صورة للمُزة اللي عاوز تظبطها وأنا في الخدمة .
أومأ له بمكر ثم أخرج له صورة لها التقطها خلسة ، وما إن رآها الاخير نظر له بفزع قائلاً :- إيه دة يا مدحت ؟ مش لاقي إلا أنضف بنت في الحتة وعاوز تعمل فيها كدة !
جز على أسنانه بعنف قائلاً بغيظ :- ملكش دعوة ، أنت تعمل اللي بقولك عليه و بس ، و متخافش هديلك أضعاف ما الزباين بتديلك ، أهم حاجة عاوز الصور دي على آخر الليل على كل تليفون محمول في المنطقة .
نظر له مضيقاً عينيه قائلاً بخبث :- إيه يا زميلي هي البت تقلانة عليك ومش لاقيلها سكة ولا إيه !
أردف بغل :- أيوة بس هتروح مني فين وراها لحد ما تقول حقي برقبتي .
أخذ يحدق فيها بشراهة قائلاً :- إن جيت للحق البت صاروخ و تتاكل أكل ...
قاطعه قائلاً بحدة :- ما تخلص يا سيد ، هتعملها ولا أروح أشوف حد غيرك .
هز رأسه بنفي قائلاً باستسلام :- لا يا صاحبي هات الصور و أتفرج على سيد و شوف هيعمل إيه ..
و بالفعل لم تغرب شمس اليوم إلا وكانت تلك الصور الشنيعة على هواتف أهل المنطقة ، و التي تخدش الحياء ولا ترضي الله ولا بتعاليمه ، و لكنهم اتبعوا شيطانهم المريد الذي قادهم بنجاح لتلك الطريق الضالة ، و لكن هيهات فأين سيفروا من عقاب الله سواء في الدنيا أو الآخرة .
عودة للوقت الحالي ، ابتسم بمكر قائلاً :- و كدة مبقاش ليكي غير أنا و بس ..
لا تعرف كيف قادتها قدميها للطريق حيث كانت آلاء بانتظارها ، و التي ما إن رأتها ركضت نحوها ، و مسكتها من كتفيها لتمنع سقوطها الوشيك ، و هتفت بذعر :- رحيق في إيه مالك ؟
شعرت بدوامة عنيفة تضربها بقسوة ، و غيمة سوداء تحيط بها فاستسلمت لتلك الظلمة و أغلقت عينيها مع ارتخاء جسدها الذي كان مهدداً بالسقوط لولا آلاء التي حاولت اسنادها ، و هي تثتغيث بمن حولها بصوت عال :- إلحقونااااااااااااا
كانت تعمل بجدية ولم تشعر بمرور الوقت فقد أتت باكراً لتراجع كل شئ بنفسها حتى لا تكون هناك أي ثغرة ليست غير صالحة لها ، نظرت لساعة يدها فوجدتها تعدت التاسعة فهتفت بتعجب :- يا خبر هما البنات إتأخروا كدة ليه ؟ دول لازم يكونوا هنا ، أما أتصل برحيق أشوفها .
كان القلق ينهش أعماقها خوفاً على صديقتها على الفراش لا حول لها ولا قوة ، و يدها موصلة بمحلول مغذي ، بعد أن تم نقلها للمشفى بمساعدة أهل الحي .
تساقطت عبراتها حزناً عليها عندما أخبرها الطبيب أنها تعرضت لصدمة عصبية شديدة لتعرضها لإحدى المواقف الصادمة ، و ها هي طريحة الفراش ، لا تعلم ما بها ، ولا ما تعرضت له ليوصلها لتلك الحالة .
اهتز هاتف رحيق بحقيبتها ، فأخرجته سريعاً ، و أجابت على الفور ليأتيها صوت الأخرى :- رحيق إنتي فين ؟ ليه ما وصلتوش لحد دلوقتي ، وإنتي عارفة إننا معانا مقابلة مهمة النهاردة !
هتفت بصوت متحشرج :- معلش يا مدام سندس بس أصل رحيق تعبانة وفي المستشفى.
نهضت من مكانها قائلة بفزع :- بتقولي إيه؟! تعبانة ! طيب أنتوا فين ؟ و. ...و عندها إيه ؟
أجابتها بحزن :- الدكتور قال إن عندها صدمة عصبية، هي وقعت في الشارع و ما اعرفش مالها .
أردفت بسرعة وهي تلملم متعلقاتها :- طيب أديني العنوان أنا جيالكم حالاً ..
ما إن أملتها العنوان ، قفزت في سيارتها وانطلقت إلى وجهتها بسرعة ، فهي منذ أن وطأت قدمها إلى الشركة ، و هي تعتبرها بمثابة شقيقة لها ، وكذلك آلاء ....
______________________________________
يجلس بوجه متجهم ، يتناول طعامه بشرود، و حديث البارحة يعاد مراراً و تكراراً في ذهنه يجلده في كل مرة ، كان الصمت هو المتحكم الوحيد في تلك الجلسة ، إلا أن قطعه موسى قائلاً وهو يسلط أنظاره على ابنه :- إسلام أنا مرضيتش أعاتبك على اللي عملته قدام الجماعة فوق ، وانك احرجتني قدام أخويا ، وأن إزاي ابني عادي بيكسر كلمتي و ما بيهمهوش حد .
هتف بغيظ مكبوت :- أنا آسف يا بابا أنا ما أقصدش أبداً أقلل منك ، بس اللي أنت بتطلبوا مني دة بصراحة فوق طاقتي ، وما أقدرش أنفذه .
أردف بروية :- بص يا ابني أنا عارف إنك مظلوم في الحكاية ، و ملكش دعوة بأي حاجة بس لما الأمر يمس عرض أخوك لحد هنا و كفاية ، يا ابني الناس ما هتصدق و هتقعد تلت و تعجن ، اللي هتعمله دة لمصلحة الكل .
أردف بغيظ :- حضرتك وأنا ذنبي إيه أتقرطس بالشكل دة ؟!
تنهد بضيق قائلاً بدفاع :- إسلام اياك فكرك يوديك لحاجة غلط في حقها .
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- نعم ! دة اللي هو إزاي معلش ؟! واحدة جايبينها من شقة واحد غريب هيكون بيعملوا إيه يعني !
ثم ضحك بتهكم قائلاً :- لا شكلها مش ساهلة قدرت تقنعك إنها بريئة، لا هايل للفنانة .
جز على أسنانه بغيظ قائلاً :- ياض متبقاش زي أيوب قفل كدة ، و تظن فيها الوحش .
أردف بانفعال :- يعني أنا بتبلى عليها ! أومال تسمي اللي شوفناه دة إيه ؟
مسح على وجهه بعنف قائلاً :- تصدقوا بالله دماغكم دي كلها زفت ولا واحد راضي يريح التاني ، مريم مش راضية تتكلم لأن واضح أن الموضوع ما يخصهاش وطالما كدة يبقى استحالة تتكلم في اللي ما يخصهاش لو مشيت السكينة على رقبتها ودة مربط الفرس ..
ضحك مغلوباً على أمره قائلاً :- والله يا بابا مش عارف أقولك إيه ! دة إيه المبادئ العظيمة دي بس ! بقى الأستاذة الفاضلة مش عاوزة تتكلم علشان الموضوع ما يخصهاش ! أومال يخص مين يا حج ؟ بابا أنت طيب وعلى نياتك ، أنت ما تعرفش بنات اليومين دول و بيفكروا في إيه؟
أردف بغيظ :- ما يهمنيش أنا كل اللي يهمني مصلحة العيلة .
أردف بعدم تصديق وهو يشير لنفسه :- ودة طبعاً على حسابي أنا !
نظر بعيداً يهرب من مرمى عينيه قائلاً بصرامة :- أفهم زي ما تفهم ، بس إياك تصغر من قيمتي قدامهم ، أنا أتفقت مع أبوها .
نهض قائلاً بسخرية :- يبقى أعمل إللي عاوز تعمله ، أظن رفضي أو موافقتي مش هيفرق .
أنهى كلماته و خرج كالمدفع ، يطوي درجات السلم من تحته ، و يسب بداخله جنس حواء ، ذلك النوع المخادع والماكر خلف قناع البراءة ..
هتفت والدته التي كانت تلتزم الصمت منذ البداية :- ما براحة على الواد يا حج ، مش كدة بردو .
أردف بضيق :- أديكي شايفة دماغه الزفت ، أعمل معاه إيه يعني ؟! استرها يا رب و جيب العواقب سليمة.
أردفت بضيق :- بس يا حج دي مش جوازته ، آه هي بنت أخوك و مقولناش حاجة بس كان ودي أجوزه واحدة يكون هو أول بختها مش مرات أخوه ، و بعدين إزاي عاوز تتستر على الفضيحة دي وابني يلبس الليلة لوحده ذنبه إيه؟
زفر بغيظ ، يشعر بالتخبط ، ولكن عليه المضي قدماً ، فنهض من مكانه قائلاً بهدوء :- أنا نازل تحت الوكالة ، و بعدين لما الأمور تهدى هنقعد و نتفق على كل حاجة ، و ربنا يستر ميكونش حد علم بالموضوع فنلمه بسرعة .
_____________________________________
وصلت بوقت قياسي للمشفى ، و دلفت مهرولة لغرفتها ، فتحت الباب فوجدت آلاء تجلس على مقعد بجوار رحيق التي بدنيا غير الدنيا.
هتفت بقلق :- مالها يا آلاء الدكتور قال إيه ؟
هتفت بحزن :- قال إن عندها إنهيار عصبي ، و لسة ما فقتش .
جلست على الجانب الآخر، و نظرت لوجهها الشاحب قائلة :- طيب الدكتور ماقلش من إيه ولا حتى إنتي تعرفي السبب اللي خلاها توصل للحالة دي ؟!
هزت رأسها بنفي قائلة :- لا ما أعرفش أنا كنت مستنياها و فجأة لقيتها جاية عليا معيطة و يدوب بقولها في إيه وقعت من طولها علطول .
مسدت على يدها برفق قائلة بتعاطف :- يا حبيبتي ! بس تقوم و نبقى نعرف مالها .
أومأت لها بخفوت ثم أردفت بحذر :- معلش يا مدام سندس بوظنالك اليوم النهاردة ، و تعبناكي معانا و النهاردة يوم مهم بالنسبالك .
قطبت جبينها بضيق ، و أردفت بعتاب :- أخص عليكي يا آلاء دة كلام بردو ! أهم حاجة سلامة رحيق ، و بعدين أي حاجة تانية تتعوض ، و على العموم لسة فاضل تلات ساعات ..
خيم الصمت للحظات في الغرفة حتى قطعه صوت تأوه صادر من ثغرها ، و تدريجياً فتحت مقلتيها ببطئ لتعتاد على الضوء ، فانتبهت آلاء قائلة بلهفة :- رحيق إنتي فوقتي ؟ حمدا لله على سلامتك ، ألف بعد الشر عنك ، كدة توقعي قلبي !
هتفت بصوت خافت ، و لكنه مسموع :- الله يسلمك يا آلاء ، أنا فين ؟
أجابتها بهدوء :- ما أعرفش الجواب عندك انتي يا رحيق ، إيه اللي حصل خلاكي تقعي من طولك كدة ؟
ما إن تذكرت ما حدث ، ترقرق الدمع بعينيها سريعاً ، وعلت شهقاتها و ملئت المكان ، و انفجرت باكية بصوتها العالي .
أصابتهم الدهشة والقلق حيال أمرها ذاك ، فجلست سندس بجوارها ، و احتضنتها قائلة بحنو و هدوء :- بس خلاص أهدي ، إنتي معانا و كويسة دلوقتي هشششش ...بس خلاص أهدي ..
أخذت تمسد على رأسها ، وتقرأ لها بعضاً من آيات الذكر الحكيم إلى أن غرقت في النعاس مجدداً . وضعتها على الوسادة برفق ، ثم دثرتها جيداً ، و نظرت لآلاء قائلة بقلق :- و بعدين ! أنا ابتديت أقلق كدة .
أردفت الأخرى بقلق مماثل :- فعلاً ، حالتها مش طبيعية ، دي آخر مرة كانت كدة يوم ما أتوفت خالتها ، و دة يعني أنها اتعرضت لمشكلة و مش أي مشكلة ، أنا هتصل على خالتي سميحة من تليفونها و أشوف. ...
التقطت الهاتف الخاص برحيق وقامت بالاتصال عليها و سرعان ما أتاها رد الأخرى الذي كان بمثابة صاعقة حلت عليها ، فتحولت إلى تمثال جامد .
راقبتها سندس بتعجب و أردفت بحذر :- مالك إنتي التانية في إيه ؟
أردفت آلاء بصدمة :- مصيبة يا مدام مصيبة ....
______________________________________
بعد إسبوعين دلفا سوياً للشقة الخاصة بهم بعد إنتهاء حفل زفافهم البسيط الذي اقتصر على حضور العائلتين ، و بعضاً من الجيران في أجواء مشحونة و ابتسامات مغتصبة اضطروا أن يرسموها حتى لا يشك بهم أحد ، و لحفظ مكانتهم وسط جيرانهم بعد الجريمة الشنعية التي كانت على وشك ارتكابها . صعدت معه تاركة طفلها مع والدتها وهي تشعر بأنها تساق للموت ، وأن كل ما يحدث هو بالتأكيد كابوس مزعج ستستيقظ منه عاجلاً.
جز على أسنانه بعنف وهو يطالعها بغيظ ، وبالتحديد لأنها أنثى خائنة للعهد كمثل سابقتها ، كيف تفعل ذلك بعد رحيل زوجها ، وكيف تقبل أن تتزوج بغيره ؟!
أنهن كاذبات يدعون البراءة ، و هم يرتدونها أقنعة للإيقاع بضحاياهم ، و جذبهم نحوهن . رفع حاجبه بسخرية قائلاً وهو يراقب تعابير وجهها المتشنجة :- ايه دة أوعي تقولي إنك مغصوبة والكلام دة وضربوكي على إيدك علشان تعملي كدة !
كانت تفرك يديها بتوتر شديد ، وهي تشعر بأن قلبها على وشك أن يقفز للخارج من قفصها الصدري ، ولا تصدق ما تعيشه في تلك اللحظة ، فقد ظنت أن طريقها معه مستحيل حتى أنها استسلمت لذلك الواقع ، ولكن شاء القدر أن يجمعهما فما نظنه مستحيل علينا ممكناً وسهل الحدوث عند خالقه .
نظرت له وهي تهز رأسها بعدم فهم فضحك بتهكم قائلاً :- أيوة ....أيوة ...كملي دور البريئة دة كملي .
ثم أضاف بسخرية لاذعة وهو يمد أصابعه بجرأة يتلمس وجنتيها اللتان اصطبغتا باللون الأحمر المتوهج كالشمس الحارقة في ساعات ذروتها :- وايه دة اسمه إيه ان شاء الله كسوف دة ولا إيه النظام ! هو بعد اللي عملتيه ليكي عين تتكسفي طب مش كنتي تقولي عاوزة راجل في حياتك ؟
جحظت عيناها بصدمة من حديثه الذي قطع قلبها لأشلاء صغيرة فتناثرت كل قطعة في مكان غير الآخر بداخل أعماقها المظلمة ،بينما احتلت جهنم عينيه غضبا ، و تعالت نبرة صوته ، وهو يغرز أصابعه في ذراعها فأصدرت تأوهاً خافت ، وهي تتطلع له بذعر ، بينما أردف بغضب عاصف غير مكترث لحالتها وقد أعمى الغضب عينيه حديث الأخرى التي كان يخطط يوماً بالزواج منها ولكنها ماذا فعلت تركته عندما وجدت الأكثر ثراء منه فتركته فوراً :- انتوا إيه، نوعكم إيه بالظبط ؟! مفيش إخلاص خالص جوزك ميت ملهوش سنة ونص و عاوزة تكوني في حضن راجل غيره و.......
لم يكمل حديثه حينما عاجلته بصفعة مدوية في وسط أرجاء الشقة فهي لن تسمح له بأن يهين كرامتها أكثر من ذلك ، ورفعت أصبعها الذي يرتعش بخوف قائلة بتهديد مبطن بالرعب من نظراته النارية التي يرسلها لها وهي تحاول أن لا تدع دموعها تتساقط أمامه :- اخرس خالص أنا مش هسمحلك تتمادى واسكت إياك... ثم إياك تتكلم عني كلمة وحشة أنت سامع ؟
أخذ صدره يعلو ، ويهبط بعنف ، وتحولت عيناه إلى لهيب حارق وهو يقف في حالة ذهول مما فعلته للتو . أصفعته لتوها ! يتبع الفصل السادس 6 اضغط هنا